البارت السابع
قاطعها بابتسامة أثارت غضبها: لقد بدأ الأمرُ تواًّ.
خرج بعدها راكضاً ليجعلها تنسى تعب النزولُ من تلك السلام من الطابق العاشر و المرور من جميع طوابق المركز التجاري المكتظةِ بالناس و تذهب خلفه.....
( يبدوا أنَّ هذا الفتى يتأقلم بأسلوبِ ساي أكثر..أكره أن أعترف أنني أكاد أن أفقد صبري..)
كانت البسمة التي تعلوا شفته تزيدها غضباً و إصراراً على الإمساكِ به لكنَّها في النهاية و بعدَ مدَّةٍ غير يسيرة توقفت تأخذ أنفاسها مستسلمةً لخطواتها المنهكة...( تباً له...ألا يشعر بالتعب بعدَ كلِّ هذا؟!)
رفعت رأسها للجهةِ اليمنى لتنظر لذلكَ المطعم و فكرت أن تدخل و تتناول بعضَ الطعامِ بعدَ أن سمعت صوت زقزقةِ معدتها الفارغة...
لكنَّها عبرت بصمت فلا نقود كافية لديها لذلك, لكنَّ صوتَ الفتى الصغير خلفها جعلها تعود للخلف : أ أنتِ جائعة؟
خطت خطواتها بقوةٍ على الأرض و هي قابضةٌ على يديها: جائعة و منهكة و غاضبة بشدةٍ أيضاً..هل هناكَ مانع؟
دخل بهدوءٍ غير متوقع للمطعمِ الذي كانت تنظر له قبل لحظات: إذاً ادخلي.
قالت بتذمر: لكنـ..
" أنا من سيدفع."
جملةٌ جعلتها تبتسم برضا قائلة: جيدٌ لتعويضِ بعضِ الإنهاك.
كان اللون الأحمرِ القاني هوَ الطاغي على الألوانِ الباقية المزوجةِ بالأبيض و الذهبي اللامع مع بعضِ الزخارف الزهرية التي زادت المكان إشعاعاً ,و بصدق كان مظهر المكان متألقاً مناسباً للطبقةِ الراقية....
اختار الصغير الجهةَ الفاخرة المخصصة للضيوفِ الخاصين مما أثار تعجبها و فضولها: لماذا اخترت هذا المكان؟!...هل لديك نقودٌ تكفي لهذا المكان؟!
جلسَ بهدوء و رزانة في التصرُّف: من الغريب أن تسألي أنتِ هذا السؤال..فأنت يجب أن تكوني أكثر علماً من غيرك بحالتنا المادية.
أُتي بالطعام بعد مدَّةٍ بسيطة و بدأت تأكل و قد لفتها هدوءُ كيو المناقض لتصرُّفه قبلَ لحظات: لماذا تصرفت هذا التصرُّفِ الغبي؟
أجابها بأسلوبٍ طبيعي للغاية: بعضُ التسلية.
قطبت حاجبيها: لكن هذا الملف ليسَ لعبة َ تسلية بل هي مستنداتٌ تستطيعَ إسقاط أخيكَ في منحدراتٍ صعبةِ الخروج فهي صفقاتٌ بالمليارات.
رفع بؤبؤتيه بغضبٍ خفي تحت لهجته الباردة: لا أفهم هذه الكلماتِ المعقدة ,و أفضل أن أبتعد عن أجواءِ عملك معَ أخي فهو لا يهمني.
كانَ تفكيره غامضاً و ردةُ فعله الغاضبة جعلتها تقول : لا تقل لي أنَّكَ تغارُ من عملِ أخيك لأنَّه يجعلهُ بعيداً عنكَ طيلةَ الوقت.
تركَ ملعقته مجيباً بلكنةٍ منزعجة: لستُ بهذه السذاجة...صحيح أنَّ عمله يبعده عني لكنَّ بقاءه في المنزل لا يسدي لي نفعاً ففي كلِّ الأحوال هو لا يهتم لوجودي.
بلعت لقمتها و أبدت بعضَ التعجب المستنكر: ما هذه البلاهة؟!...الكثير من الفتيان لا يستطيعون إظهارَ عطفهم و إبراز محبتهم و هذا طبيعي...لكن أن تقولـ....
أشاحَ بوجهه: أخي يستطيع التمثيل على فيونيكا بغرامها و لا يستطيع قول كلمة طيبةً لي و ليس هو فقط فحتى أبي مثله...لا يعتبرونني جزءاً من حياتهم بل عبئاً ظهر لهم في الوقت الغير مناسب.
أرخت عينيها لتنظر له بعطفٍ قائلة: ماذا تقصد بهذا؟!!
أعادَ نظرهُ لها: أتعرفين متى وُلِدت؟
ظلَّـت صامته تنتظر المخبوء من حديثه: يوم تُوفيت والدتي.
توسعت عينيها الأرجوانيتين قائلة: ماذا؟!
ارتسم ابتسامته بحزن: ما ذنبي أنا ؟...يعاملونني و كأنني سبب موتها.
أرادت أن تمدَّ يدها نحو رأسه و تمسح على ذلكَ الرأسِ ببطء علَّ ذلك يساعده في الاسترخاءِ نوعاً ما لكنَّه رفع يده معارضاً: أتمي طعامك و اتركي التقليد على المسلسلاتِ الحزينة فذلكَ منرفز.
أغضبها هذا الكلام و كأنَّه نزع كلَّ العطفِ و الشفقة عليه من قلبها ...
(يا له من صبي...أسوء من ذلكَ الساي بمرتين..)
عادت لطعامها و لم تكثر من الحديثِ معه و حاولت أن تتحاشى التفكير بما قاله....
لكنَّها بعدَ لحظات رأتِ كيو و قد نهضَ متماً طعامه قائلاً ببرود: كانَ طعاماً جيِّداًَ..شكراً على الضيافة.
سحب الملفَّ بسرعة و خرج و هيَ جالسةٌ كالمجسمة تعي ببطء ما حدث لها من خدعةٍ للتو...
(ضيافة!!!...مستحيل!..ليسَ لدي نقود لمطعمٍ فاخرٍ كهذا من الدرجةٍ الأولى...تباً)
نهضت بعدَ تأوه متوجهةً نحوَ المحاسبة و انحنت مظهرةً إحراجها الشديد : أنا أعتذر حقاًّ ..لقد خرج الفتى الذي معي و هوَ من يحمل النقود.
التفت لها المحاسب بحدَّة: تمزحين؟...هذا المكان ليس تبرعي يا فتاة..لن تخرجي قبل الدفع.
أمسكت حدَّ الطاولة المقوسةِ الشكل: إذاً أرجوا أن تعطني فرصة....
سمعت صوتاً يقترب من خلفِ المحاسبِ الذي تتحدَّثُ معه: ألستِ الفتاة التي أتت مع الفتى ذو الشعرِ البني؟
حركت رأسها إيجاباً: أجل.
ابتسم بخفة: لا داعي للاعتذارِ إذاً ,فهو قد دفعَ الكلفة منذُ دخوله.
شدَّت على قبضتيها...( لقد هربَ و جعلني أماطل طيلةَ هذا الوقت ليكون قادراً على الابتعاد... طفحَ الكيل...)
خرجت ميرنا تنظر يميناً و شمالاً وسلكت طريقَ اليمين تخميناً....
عشرُ دقائق من البحثِ جعلتها تفكِّر بالعودةِ للمركزِ التجاري و ترك أمر الملفِّ الذي أخذ من وقتها الكثير لتتراكم بها الأعمال بكلِّ لحظةٍ ......
حاولت أن تعبرَ الشارع لكنَّها تفاجأت بكيو الواقف في وسط الشارع يلمُّ أوراقَ الملف المتناثرة...
صرخت بفزع مناديةً: انتبه كيو.
لكنَّهُ بدا أكثر جموداً عوضَ الحراك. ..لم تكن هناك فرصة للتفكير ..و فرصةِ القرار كانت قصيرة ....ضيَّقت عينيها و وجهت جسدها نحوه....
بعدَ لحظات...
نهضَ كيو من الأرضِ مصدوماً : هل أنتِ بخير آنسة؟
حاولت الجلوس هي الأخرى لكنَّ ألم ساقها منعها: أهـ..أه...لا تقلقـ ...أنا بخير.
نزل سائق تلكَ السيارةِ الخضراءِ بتوترٍ واضح على وجهه و خطواته المسرعة: هل حدثَ لكما مكروه؟
قطب كيو حاجبيه بغضب: ألا ترى جيداً يا رجل؟...لقد أصبتَ قدمها بتهورك؟
أجابته ميرنا عوضَ السائق بتذمر: و هل الشارع مكانُ الجلوس و الاهتمام بجمعِ أوراق يا فتى؟
ضغط بإصبعه على ركبتها التي تمدُّ يدها نحوها: هل لديكِ مزاج لهذا الكلام أيضاً؟....ألا تستطيعين الصمت؟..أنا أدافع عنكِ!
ارتفع صوتُ أنينها المفاجئ له نوعاً ما: أ يؤلمكِ كثيراً؟!
..........................
كانت ميرنا مستلقية على سريرِ المشفى تنظر لقدمها الملفوفةِ الآن بانكماشِ ملامحها قليلاً: إنَّها تؤلم بشدَّة.
قال كيو بهدوءٍ و إحراج: آسفـ..لم أتصوَّر أن يحدثَ شيءُ كهذا.
ابتسمت لتخرج هذا الشعور جالسة:إنَّ ما حدثَ يذكرني بأولِ يوم التقيتُ به بأخيك.
جلس على الكرسي المتواضع الذي بجانبها معترضاً: و ما الذي أعادَ لكِ الذكرياتَ الآن؟
..: ما هذا البرود!..لو كنتُ مكانك لتتوقت لسماعِ ما جرى.
وضع يده أسفل حنكه بملل: ماذا حصل إذاً؟
حركت يدها على قدمها بهدوءٍ و راحة لتذكرها تلك الذكرى التي لمت شملهما: لقد أعاد اليوم ما جرى بالضبط و لكن من تضرَّر كان ساي و في قدمه اليمنى أيضاً محاولاً إنقاذي...
أكملت و هي تنظر له بعتاب:... لكن لم تكسر قدمه على أيِّ حال و لم يعاني ألماً كما أفعل أنا الآن.
ابتسم بخبث: ذكرتني قبل شهرين, حينَ منعني صوت أنينه من قدمٍ مصابة من النوم طيلة الليل لكني لم أتوقع أن يكون السبب هوَ أنتِ...لذا لا تنظري لي بهذا الأسلوب.
أشاحت ميرنا وجهها للجهةٍ الأخرى حرجاً و اعتراضاً: أنت لئيمٌ كيو.
لكنَّها سرعانَ ما قالت بجدية: هل كان متألماً بالفعل؟
أجابها: بصراحة, نعم...فهو لأسبوعان كانَ يستخدم عكازاً في المنزل و حين كانت تطلب منه الخامة أن يأخذها للعمل لتساعده كان يقول" لا يجب أن أظهر ضعفي لألمٍ بسيطٍ كهذا...هذا ليسَ من شأنِ عائلة ِ شيوكي"
أنزلت رأسها ببطء لتنزل خصلاتها للأمامِ قليلاً..( إذاً فقد أخفى عني ألمه طيلةَ تلكَ المدَّة ..و أنا البلهاءِ التي ظننتُ أني أعرف كلَّ آلامه و همومه...ربما يخفي الكثير أيضاً..)
حرَّك يده أمامها لتخرج من شرودها : أينَ أنتِ؟!..
لم تتركِ الجدية ملامحها بل بدت أكثر ظهوراً من ذي قبل: لماذا حاولتَ أن تجمع الأوراق؟
تصرفه كانَ صبيانياً حينَ قال بعبث: ها!..أنتِ هيَ من قالت أنَّ هذه الملفاتَ مهمة.
وضعت يدها فوق وجنته الصغيرة بعطف: لكنَّك قلت أنَّ ذلكَ لا يهم..ألم تفعل؟
أبعدَ عينيه بحياءٍ منها: إن لم تعودي بالملفات فسيغضبُ أخي منكِ..و أنا للم آتي لأسبب المشاكل...كلُّ ما طمعتُ به مرحُ اعتقدتُ أنَّه لن يضر لبعضِِ الوقت لكن كما يقول أخي أنا لستُ سوى صغيرٍ يفتعلُ المشاكل.
قربته من حجرها و احتضنته بدفء: أخيكَ لا يعتقد هذا..أنا متيقنة...حادُّ نوعاً ما و هذا للحفاظِ عليك لا غير فهو قلقٌ دائماً عليك كيو.
كيو بصوتٍ أشبه بالهمس: أنا حتى لستُ مؤهلاً لمساعدته في أمورِ المنزلِ البسيطة...إنَّ ما أسمعه ليسَ سوى" لا تفعل..لا تلمس...أنت لا تعرف...لا تسبب المشاكل" و إن كانَ مزاجه جيداً فجوابه سيكون " اذهب لدروسك "....
يديها كانت تشده أكثر: ألا ترى أنَّكَ بالتصرفاتِ التي تفعلها تؤيِّد كلامه عنك بدلَ أن تثبتَ العكس؟
ابتعد عنها قليلاً مبعداً يديها: حتى لو أثبت فهو لا يريد ظهوري بتاتاً...فأنا عبءٌ حتى لو لم أشأ..
ازدادت نظرتها حنيَّة: لا تقل هذا .
أتم أيضاً بالمزيد و كأنَّ صدرهُ مملوءٌ بالحديث الذي يكتمه:..أتعلمين لما أخي يتحمل فيونيكا؟..إحدى الأسبابِ التي تجبره هي وجودي فهو لا يريدُ أن أكون مكانه فلو انفصل عن فيونيكا فسأكون أنا الوريثِ الذي سيرفع اسمَ العائلة و المجبر على اختيار زوجةٍ من أشرافِ العوائل و هو لا يريد أن أكون أنا من يرفع اسم العائلة...لا يريدني أن آخذ مكانه...أنا أعلم كلَّ هذا لكنَّه..
قطع حديثه لجملةٍ أخرى:...أنا الآن في الحاديةَ عشرة...
توقف لتسأله هيَ بدورها: ما الذي يجعلكَ تظنُّ هذا؟...هل لديكَ دليل على اعتقادك كيو؟
نظر لها بجوابٍ واثق:هوَ يراني قاتلَ أمَّه..فعندما حصل ذلك الحدثَ المريع استطاعَ الأطباءَ إنقاذي و لم ينقذوا أمي ... لذا فالجميع يراني خارج قائمة العائلة و ينظرونَ لي باستصغار.
ارتسمت بسمةً خفيفة على شفتيها: أها..
كانت حائرة و هيَ تنظر له يحبس دموعه لوجودِ هذه الأفكارِ في ذهنه فهيَ لا تملكِ الإجابة التي ستقنعه بخطأ تفكيره ....
ثوانٍ كانت تمضي ببطء و لحظاتٌ تعبر بخوفٍ ظاهرٍ على كيو ....
خطواتُ ذلكَ الشاب كانت تجعله يتمسك بها بكلتا يديه فخطواته كانت صارمة و ملامحه الغاضبة زادتها العينين حدَّة: ما الذي فعلته كيو؟!..
أجابه كيو بتلبك:آا..سسـ..ف.
صرخ قائلاً بغضبٍ مشتعل: و ما ينفعني أسفك...كيفَ أقول لأمي ما حصل لميرنا الآن؟...كيف أعيدها لمنزلها و هيَ بهذه الحالة؟..أخبرني أيها المغفل..
(أمي!!!..)
لكنَّه أرادَ أن يُخرج كلماتٍ مدافعاً: صدقني لم أقصد.
كانَ صوته يهيجه أكثر و هو يرى وضعية ميرنا و قدمها الملفوفة و هذا ما جعله يرفع يده ليصفع أخاه و هذه المرة لم تعارضه ميرنا بل لم تستطع أن تتدخل و هي ترى غضب ساي الجامح لأول مرة ,ففي الأيامِ التي أمضتها معه رأت حزنه و سعادته و انزعاجه و غضبه لكن هذا النوع من الغضب كانَ غريباً عنها....
نظرت لكيو باستعطافٍ و استرحام مستيقظةً من شرودها: هوّن عليك..فكلُّ شيءٍ على ما يرام.
انفعل في رده: الآن هكذا لكن ماذا لو كانت إصابتكِ جديةً و خطيرة؟..هل ستقولينَ هذا أيضاً؟
ميرنا بنظرةٍ خاطفة لكيو: كيو..هللا تركتنا لوحدنا قليلاً.
خرجَ كيو من الغرفة و عينا ساي تراقبانه بحقدٍ و غضب...
و بعدَ أن خرج جلسَ ساي قائلاً: أردتِ إبعاده عني ..أليسَ كذلك؟
قالت : لأقول الصدق..أخفتني ساي...ما هذا التصرُّف مع أخيك؟..ألا تفهم أنَّهُ في سنٍّ يحتاج بها عونك بدلاً من التأنيب و الضرب.
تكاتف بيديه قائلاً برزانة: يبدوا أنَّكِ لا تتعلمين َ الدروس .
أجابته مع ابتسامةٍ لطيفة علتها للحظة: بلى ,فأنا لن أُجلسَهُ معي مرَّةً أخرى على أيِّ حال..هوَ فتىً مخيفٌ مزعج أكثر منك...
عادت لجديتها لأهميةِ الموضوع :...كني أتحدَّث معك عن الأسلوب الذي يجب أن تتخذه معه فهو منزعجٌ منكَ كثيراً و يظنُّ أنَّكَ لا تعتبرهُ جزءاً من العائلة ...أتفهم ما معنى هذا..؟!
انزعجَ قليلاً قائلاً: لا يهم..هوَ من أدخل هذه الفكرة السخيفة في عقله و لستُ أنا.
أجابته بحدة و جوهرية: هذا الجواب هو دليل ما أدخلته فهذا الجواب جوابه لأغلب كلامه.."لا يهم"...إذا لم تكترث بمشاعره فهوَ لن يرى نفسه مستحقاً للاهتمام.
أجاب مراوغاً: عفواً..عفواً..أنا أتيتً لعيادتك و ليسَ لسماع درسٍ في التربيةِ و الاجتماع.
صمتت باستنكار و هوَ من قال بنحوٍ من المرح: هل أنتِ بخيرٍ ميرنا؟
ابتسمت بصمت لتجر فضوله: ماذا هناك؟!
قالت :أذكر يوماً أطلقت به صوتك لأول مرة لتجيبني على هذا السؤال ب": لو لم تكوني شاردة الذهن لكنت كذلك , كيف تمشين وسط الشارعِ هكذا أيتها البلهاء؟.."...فالغريب كيفَ جرتِ الأيام من بلهاءِ لفتاةٍ تسألها "هل أنتِ بخير ميرنا ؟"
ابتسمَ هوَ الآخر لتذكره نلكَ اللحظات: أنا مدينٌ لتلك اللحظات على كلِّ حال...فقد حصلتُ على صديقةٌ تزيلُ همومي و أمٌّ تعتبرني ابنها و مساعدةٍ أعتمد عليها .رفعت يديها لتجر شعره معاتبةً بمزاح: و أخفيتَ عني أنَّك كنتَ تتألم من قدمك ..يا لكَ من فتى.
أظهر بعضَ الألم على ملامحه و هو يحك خدَّه بسبابته بحيرة: ما هذا ؟...يبدوا أنَّ كيو لا يستطيع إقفالَ فمه البتة.
أبعدت ميرنا يدها: هو لم يذكر ذلك إلا لمصلحته ليستفزني...هو أخاكَ في النهاية.
حاولت أن تنزل من السرير و ساعدها ساي بإمساك ساعديها و إعطائها العكازين الذين سيصبحانِ سندها لفترة: من الذي أخبرك أني هنا؟
ساي: كيو.
أهبطت رأسها قليلاً تفكر بوضع الأخوين: كانَ مهتماً بالملفِّ ليعيده سالماً إليك حتى تجاهل كونه وسط الشارع..إنَّه يحبكَ كثيراً.
.....................
وصلَ الجميع لمنزلِ ميرنا مع تعجب كيو الذي بُهِر للوضع الذي لم يتخيَّل أن يشهده......
كانت قدما ساي بالكادِ تتحرَّك نحو الباب..فهو في حيرة من أمره فكيف له أن يقول لوالدةِ ميرنا أنَّ ساق ابنتها كسرت و خوفاً من ردَّة فعلها حين ترى ابنتها تستعين بعكازين في وقوفها....
فهي خرجت هذا الظهر سالمة و بعدَ ساعات ها هوَ يعيدها بهذا الوضع..
كانت كالأمانة التي يهتم بها فضلاً عن اهتمامه بها...
كيفَ له أن يخبر أمَّها المريضة بالقلب بهذا..فهيَ حساسة على طفليها بشدة و هذا من حقها فهي لا تملكُ من هذا العالمِ الوسيع سوى هذين الابنين...
قلبه كان ينقبض كلَّما فكَّر بالأمر و ازداد هذا الشعور برؤيته الباب يفتح...
يحسب الثواني ثانيةً تلو ثانية و هو يدعوا ربَّه بالعون في هذا الأمرِ الذي لا يعلم عواقبه....
لكنَّه أخذَ نفساً عميقاً حينَ رأى هاجي واقفاً أمامه ممسكاً ييسراه هاتفه الخلوي..: أه..جيد..أظن أنِّي سأقبل العرض..حسناً, أنا مشغولٌ الآن..أراكَ لاحقاً.
اغتاظَ ساي نوعاً ما( أليسَ من الأفضل أن ترحب بي أوَّلاً؟..)
أغلق الهاتف و وجه كلامهُ نحو ساي : أهلا ساي..ما الأمر؟..أ لا يجب عليكَ أن تكون في المركز الآن؟!...لا تقل لي أنَّكَ تركتَ أختي تقوم بأعمالك مرَّةً أخرى أيُّها المدير .
جدِّيته كانت سبباً لإظهار هاجي وجهه الناضج فقال له: ماذا حدثَ لك؟..يبدوا أنَّك لستَ على ما يرام.
أشارَ ساي نحو السيارة: لستُ أنا بل هيَ.
أسرع هاجي نحو السيارة و فتحَ بابها الخلفي ليرى أنَّ أخته جالسة و مادَّة قدمها المكسورة نحوه قائلةً بابتسامةً بلهاء: مرحباً هاجي.
قال بانفعال: ما الذي جرى لكِ ميرنا؟
حكت شعرها من الخلف: ليس شيئاً مهماً..
صرخَ قائلاً: قلت ما الذي جرى لكِ؟!..
أجابته و هي تضع أنملها بأنملٍ آخر مشيرةً بالبساطة: حادثٌ بسيط.
أنزلَ هاجي أخته من السيارة: من الجيد أنَّكِ لم تتضرري .
قالت باغتياظ: و ما تسمي هذا إذاً؟
أوقفهما الصبي بحرجٍ واضح منحنياً: أنا أعتذر حقاً..أنا السبب في ما حدث, لقد كانت تحميني فأصيبت بدلاً مني.
ميرنا: قلتُ لك أنَّه ليسَ خطأك كيو..أنا من اخترت حمايتك و لم أُجبر على ذلك.
ترك هاجي أخته واقفةً بعكازيها اللامعين تحتَ الشمس مقترباً نحو كيو مهبطًا رأسه لمستواه: نسخةً مطابقةَ الأصل.
غير منحنى حديثه بوضعه يده فوق رأسِ الفتى: لا تقلق..لا أحد سيلومك على ما لم يكن بيدك...فلو كنتَ تستطيع لأنقذتها ,ألستُ محقاً؟
( لم يكن بيدي!!...لكن أخي و أبي يفعلانــ..)
ابتعد كيو عنه مقترباً من أخيه: أخي..ها قد أوصلناها, لذا دعنا نعود.
أجابه بحدته المعتادةِ معه مما لفت نظر هاجي: أظنُّ أنَّك يجب أن تحتفظ برأيك بنفسك...أنا أتيتُ هنا لأدخل و أنتَ ستتبعني فهذا هوَ المكانِ الذي كنت سآخذك إليه اليوم على كلِّ حال.
هاجي بمرح: أجل..أدخلوا قليلاً فهذا سيفرحُ أمي كثيراً.
دخلوا جميعاً و انتقلت المهمة الصعبة لهاجي الذي أجلسهم في غرفةِ الجلوس و ذهب لأمه في الطابقِ العلوي.....
طرقَ هاجي الباب على والدته....
مادونا بصوتها الرقيق : أدخل.
دخل و أغلقَ البابَ خلفه: أمِّي ..لقد أتى ساي و معه ضيف.
نهضت مادونا من مكانها لتقف أمام ابنها: ما زالَ الوقتُ مبكراً!!..أليسَ كذلك؟
أجابها ببرود: تركَ عمله بسبب أخيه الصغير..يبدوا أنَّهُ كانَ معرَّضاً لحادث مرور.
صدمت فوراً بسماعها هذا: ماذا؟...هل هوَ بخيرٍ الآن؟!
..: أجل ,من حسنِ حظه أنَّ ميرنا كانت معه و أنقذته.
تنهدت براحة: الحمد لله.
ضيَّق عينيه لإخراج الكلمة الصعبة : لكنـ...
قاطعته الأم بخوفٍ و هلعٍ واضح: لكن ماذا هاجي؟
أجابها: كُسِرت ساقها اليمنى.
تركته دونَ أن تنطق بالمزيد مسرعةً نحو الغرفةِ التي ضمَّت ابنتها المصابة...
ذهبَ خلفها هاجي : أمي..اهدئي, إنَّه ليس بالضررِ الكبير.
لم تهتم مادونا فجنانها حملَ خوفَ أمٍّ لا يفهمه أحد....
وصلت لغرفةِ الجلوس و رأت ابنتها جالسة بقدمٍ مغطاةٍ بالجبيرة تقدَّمت نحوها ببطء و جلست: هل أنتِ بخير حبيبتي؟
قالتها و هيَ تلفظ أنفاسها بأسلوبٍ يزيدُ مخاوف ساي ناهضاً نحوها: أمي سيكونُ كلَ شيءٍ على ما يرام...الخطأُ خطأُ أخي و أنا أعتذر نيابةً عنه.
كان كيو ينظر لأخيه بكرهٍ لنفسه نوعاً ما ( أخي يعتذر بسببي...ساي شيوكي يعتذر ..لم أتخيَّل أنَّ هذا سيحدث و لطبقةٍ كهذه أيضاً)
لم يكن يقصد الإهانة لكن ككبرياءِ شخصٍ غني سيكون من الطبيعي أن يكون الاعتذار صعباً أكثر من أناسٍ من طبقةٍ دانية من المجتمع....
وجهها الأصفر كان يبرهن حالتها السيئة لكنَّها رفعت وجهها نحوه: هل هوَ بخيرٍ الآن؟
سؤالها زاده إحراجاً و حزناً لكنَّه قال: أجل..إنَّهُ جالسٌ هنا.
نهضت تريد التوجه نحوه لكنَّها سقطت من الإنهاكِ الذي أصابها فجأة صدمةً من الخبر الغير متوقع و بدأك بالسعال ليزداد بعدها مخيفاً كلَّ الموجودينَ هناك...
جرت ميرنا نفسها نحو أمها صارخةً على ساي: لا تبقَ هكذا و اجلب كأساً من الماءِ مع دوائها...
نهضَ من فوره لكنَّه توقف لحظة: أينَ هوَ الدواء؟
قالت له بانفعال: في المجر الأول على اليمين..أسرع.
فعل ما طلبته و جلس هو بجانبها أيضاً محاولاً تهدءتها...
كانت ميرنا في قلقٍ مضاعفٍ عن أخيها و كيو لأنَّها كانت قلقة على حالِ ساي أيضاً..فهو يجب أن يكون بعيداً عن الاضطرابِ العصبي و ما تراهُ منه منذ العمل هو الانفعال ...
أمسكت بيده قائلة بهدوء: ستكون بخير بعد قليل...تحتاجُ للراحةِ فقط.
فهمَ ساي مقصدها فقال: لا بأس..لا تُقلقي نفسك.
نهضَ رافعاً مادونا ليساعده هاجي و يذهبا بها لغرفتها في الطابقِ العلوي....
ميرنا لاحظت جمود كيو في زاويةِ الغرفة فأخذت عكازيها من الأرض و توجهت نحوه: لا تكتئب هكذا ,هذا الأمرُ ليسَ جديداً.
" قالَ لي ساي أنَّه لا يعرف كيف يقول الأمر لأمك لكني لم أفهم....الآن عرفت نتيجة تصرفي اللامبالي"
وضعت يدها على كتفه: أمي مريضةٌ بالقلب لذا فهي تصبح على هذه الحالة بين فترةٍ و أخرى...و هيَ الآن أفضل أيضاً فهي أصبحت حساسة لدرجة أني أخفي عنها جرحي بسكين المطبخ...لا تُحمِّل نفسك مسؤوليَّةَ ما حدث.
نزل ساي و هاجي ليتجه هاجي نحو كيو: أنت,أيُّها الصغير..أمي تريدُ الحديثَ معك.
تعجب قليلاً: أنا!
توجه بعينيه نحو ساي لكنَّ ساي أشاح بنظره جالساً باستنادٍ على الحائط بصمت....
نهضَ كيو ليمسك هاجي يده ذاهباً به لأمه...
و في الطريق إلى تلك الغرفة: هل ستكون بخير لو تحدَّثتُ معها؟
هاجي بمرحٍ صبياني: لماذا تتحدَّث بهذا الأسلوبِ البارد؟...هل عائلة شيوكي تتسم بهذه الصفة المزعجة؟
لم يكن لدى كيو مزاج لمجاراته و قد لاحظ هاجي هذا بصمته الطويل : أنت أخُ ساي أليس كذلك؟
جوابٌ لا يتسم بروح الحياة: ألم تلاحظ هذا؟
..: كنت أريد التأكد فأنا لم أتعرف عليك بعد تحت هذه الظروف.
انحنى بجلوس حين وصلا للباب: بالتأكيد ستكون بخير..فهيَ أمُّ ساي أي أنَّها أمُّك أيضاً و الأم تأنس بسماعِ صوت طفلها في أي وقت.
فتح هاجي الباب ليدخل كيو...
دخل كيو و اقترب منها و هي جلست ما أن رأته يدخل: أنتَ أخ ساي إذاً.
أجابها بتوقفه: نعم.
أشارت له بيدها بالاقتراب: اقترب أكثر.
فعل ما طلبته و ظلَّ صامتاً ينتظر ما تريد قوله ...
كانت عينيه الخضراوتين تحدِّق بها و بيدها التي رفعتها لتضعها فوقَ وجنته: تشبهه كثيراً..
"الجميع يقولُ هذا.."
سعلت قليلاً قبلَ أن تقول: حمداً لله على سلامتك...أقلقني هاجي عليك حينَ قال أنَّكَ كنتَ معرَّضاً لحادث.
"آسف سيدتي لما سببته...إنَّ ما حدث كانَ بسببي.."
وسعت عينيها السوداوتين: ما هذا الذي أسمعه؟..من قال لك هذا؟!.. إنَّ ما حدث لم يكن خطأك فأنت لم تكن تعلم أنَّ هذا سيحصل...هذه المواقف تحصل للجميع.
قرَّبته من فراشها و أجلسته بجانبها: لم تخبرني ما اسمك صغيري؟
لو كان غيرها و في موقفٍ مختلف قد قال هذا لرفض فكرة نعته بالصغير لكنَّ الآن اكتفى بالإجابةِ بهدوء: كيو.
علتها الابتسامة: إذاً اسم ابني الجديد هو كيو..
نطقَ بتعجب: ابنكِ الجديد!
قالت: أهم ...فأخيكَ ساي هوَ ابني .
قطب حاجبيه مجيباً بنوعٍ من الحدَّة: صحيح أنَّكِ سيدةٌ طيبة, لكني لستُ مستعداً أن أتخذ أماً بديلةً عن أمي و أستغرب أنَّ أخي وصل لهذه الدرجة من نسيان أمِّه.
لم تختفِ ابتسامتها لكنَّ ملامحها تغيرت نوعاً ما : لا بديل عن الأم و من يقول هذا فهو يخادع نفسه...
قال بغضب: لماذا يناديك أخي بأمي إذاً؟
أمسكت بصدرها ألماً لكنَّها سرعانَ ما أبعدت يدها: من هيَ الأم كيو؟
قالَ بجفاف: ما هذا السؤال سخيف؟
قالت له: أجب على هذا السؤالِ السخيف.
أجاب: إنَّها التي تلد المولود و تربيه و تعتني به بشدة بعطفٍ و حنان.
" هل هذا هو تعريف الأمومة لديك؟!..إن كان هذا فأنت تراه بعين ناقصة"
أمسكت يديه بنحوٍ من القوة: الأم هيَ الملجأُ التي تستطيع أن تلجأ له في الشدائد لتنسى الهموم المتكدسةِ على قلبك و هيَ الشخصُ الذي تستطيع فتحَ قلبك له بسهولة...هيَ الأذنُ الصاغية و القلبُ الدافئ ,هيَ الابتسامة التي مهما كذبت فلت تكذب بحبِّها لأبنائها ..هيَ التي تسهر الليالي حرصاً على راحةِ أبناءها و قلقاً عليهم...التي تصنع لهم طعاماً يحمل عرقها المبرهن على حنانها و عطفها.
رمقته بنظرة:..هكذا يعتبرني أخاك.
انفعل قليلاً ناهضاً من مكانه: لكنه ليسَ ابنك و أنتِ لم...
قاطعته بهدوءٍ متمه: لم ألده.
صمت مديراً وجهه و هو مقطب الحاجبين...
أكملت بابتسامتها الأموية: أنتَ على حق...أنا لم ألده و لم أحمله في أحشائي و لم أعتنِ به في عالمِ الطفولة و ليسَ بيننا سوى معرفةٍ بدأت منذ مدَّةٍ يسيرة...لكن هذا لا يعني أنَّني لا أستطيع أن أكون أمَّه فأنا لا أحاول أن آخذ مكان والدتك المتوفاة...أنا فقط أحاول أن أعطيه ما لدي.
كلماتها كانت منبعثة بصدق فهي بدأت تتكلّم معه بصراحة علَّها تفتح لها مكاناً في قلبه فحديثه كان يُظهر عناده و عدم تقبله لها أكثر من ساي...
نهضت بصعوبة و انحنت جالسةً عنده محتضنةً إياه: آسفة لأنِّي لم ألدك كيو..
شدَّت عليه بيديها الممتلئتان حناناً:.. آسفة لأني لم أكن معك طيلةَ هذه السنين ....آسفة لأني لم أُِِريكَ ابتسامةَ الرضا يوماً...آسفة لأنك تشعر بالوحدة حتى مع وجودكَ معي الآن...لكن أتوسل لك أن تأذن لي أن أكون والدتك...أنا أريدُ هذا أريدُ أن أحسبكَ في الطعامِ الذي أطبخه...أريدُ أن أهتم بمظهرك قبل أن تذهب للمدرسة كباقي الفتيان...أريد أن أكون أماً تتحدث مع أصدقائك عن اللحظات ِ التي تقضيها معها.
أنزلت يديها لتتركه لكنَّه فاجأها بمدِّ يديه و إمساكها و الدموع قد ملأت وجنتيه: هل سأكون مهماً لكِ؟...ألن أكونَ عبئاً ؟ ..ألن تتجاهليني سيدتي؟..ألن تلومينني على ما أصاب ابنتكِ؟..
مسحت مادونا تلك الدموع: أنت مهم منذُ أن وقعت عيني عليك فلا تحتاج لكلمةِ ( سأكون) ..إنَّ أسئلتك غريبة بعضَ الشيء إنَّ العبء لا يكون ابناً و التجاهل ليسَ أسلوبَ أم و أمَّا عن ما حدث لميرنا فقد أجبتك مسبقاً.
أمسكت يده ناهضة: ما رأيكَ أن ننهي هذا الحديثِ الآن و أن نرى ما يفعلُ الآخرون.
اكتفى كيو بتحريكِ رأسه إيجاباً.....
.......هذه الفترة في الأسفل.......
هاجي: ألا ترى أنَّهم أطالوا الجلوس معاً؟!
أجابه ببرود: لا بأس, ربما ستستطيع أمي أن تغيره...لقد سئمت هذا الوضعَ معه.
عادت ميرنا لعتابها: لا تنسى أنَّكَ أنتَ من أسباب هذا الوضع الذي تقصده فلو كنتَ تتعامل معه بأسلوبٍ أفضل لما بحث عن المتعةِ معي في الشارع.
ساي: أ تقصدين أنني المذنب الأساسي في ما حدث لكِ؟!
أجابته: أهم..كما قلت .
ساي بانزعاج: تمزحين..أنتِ من طلبتِ الاعتناءَ به..أ نسيتي؟
شدَّت يديها: لو لم تعامله بتلك القسوة لما أخذته...فهو أخيك أنت و أنت من يجب عليكَ الاعتناءَ به.
" بدأتِ تغالطين الأمور"
" تريدُ التهرب من ذنبك"
" لا أرى نفسي مذنباً.."
" بل أنتَ كذلك أيها المحتال.."
" لا تنسي أنَّني ما زلتُ رئيسكِ ميرنا ,فحاسبي نفسك فيما تقولين.."
" و ماذا ستفعل يا سيد شيوكي؟!"
" و ماذا تظنين؟"
ابتسمت ساخرة: إن كنتَ ستهددني بالطردِ فأنت لا تحتاج لهذا الآن و خاصةً بكسر قدمي..
" و من قالَ أنَّهُ بطردك بل هوَ بإبقائك و إجبارك على التعامل مع فيونيكا .."
أخذت عصاها و ضربته على يده: تعذيبٌ نفسي إذاً..
بدا الألم عليه لتقول ميرنا فوراً: هل آلمتك كثيراً؟...عفواً أنا..
قاطعها مرتسماً ابتسامته: لا تكترثي..إنَّهُ ليسَ شيئاً مهماً نسبةً للألم الذي سببه كيو لكِ.
اعتلت ضحكةُ هاجي بسخرية: حقاً صح القول...من يحبان بعضهما كثيراً يتشاجرانِ كثيراً.
ميرنا و نظرتها كافية لإفهامِ أخيها عن غيضها: أكرهك هاجي.
هاجي و قد احتفظ بابتسامته و هو متكتف الذراعين مغلق العينين: لديَّ من يكن الحب لي فاحتفظي بحبك لهذا المعتوه.
مدَّ ساي يده ببرود ليجر خصلةً من شعر هاجي: من المعتوه غيرك؟
هاجي بتعجب مصطنع: إنَّ الأمر لمصلحتك .
ربت على كتفه: بل سلاح استفزازك...
فتحَ الأخرى و أظهر الجدية و عدم المزاح: ميرنا..أظنُّ أنَّ مدَّةَ عملكِ انتهت .
أحنت ميرنا رأسها ببعضِ الحزن: نعم..أعرف هذا.
صمتَ الاثنان بشكلٍ مريب فنهضَ هاجي قائلاً: سأذهب ُ لصنع الشاي ما دامت أمي لن تفعل.
خرج تاركاً خلفه أخته و ساي اللذان ضلاَّ صامتين لدقائق...
ساي: هل أعجبكِ ما وصلنا إليه؟
عضَّت شفتيها قبل أن تجيب: تحب إغاظتي..أنا لن أذهب للمريخ و هذا الوضع لا يريحني أنا أيضاً.
ساي نظر لها باستفسارٍ بارد لم يمحوا الحزن : لا يريحك!
ميرنا: أنا أيضاً اعتدتُ أجواءَ العملِ ساي و اعتدتُ على مزاحك الثقيل و الساعات التي أدير أعمالك بها ..اعتدت على كلِّ لحظة أقضيها هناك,لكن هذا ليسَ على حساب حياتك.
قال متغاضياً: فهمت..لا داعي للإعادة.
رفعت ناضريها: هل ستخبر هاجي عن الأمر؟
...: و هل من خيار آخر؟
نهض و جلس بجانبها: ربما لو لم أركِ لكان الأمر أفضل.
نظرت له بيأسٍ عفوي بعد تثاؤبٍ يظهر اللامبالاة : لن أتفوه بهذه الكلمات التي لن تغير من الحاضر..
نظرت له بحدة: و لن أكذب على نفسي .
أخذته البسمة: أه...أنا أستغرب منكِ بالفعل لعدم شعوركِ بالندم بعد كلِّ المشاكل التي وقعتِ بها و الإهانات التي تعرضتِ لها.
أكملت بأسلوبها الحاد الذي كان يبدي الاعتراض على تفكيره: أنا أستغرب منك أكثر...كيف لفتى أن ينقذ فتاةً لم يرها من قبل بهذه السهولة متجاهلاً الخطر المحدق به ؟و علاوةً على هذا يخفي إصابته عنها لألا يقلقها و يحرجها...!! كيف لشخصٍ أن يجازف بعمله و منصبه باختيار مساعدٍ لا خبرةَ له و يقوم بتعليمه و أغربُ من كلِّ شيء أنَّّه يعتمد عليه في إدارة مركزه التجاري الضخم ..!!أخبرني هل هناكَ أحمقُ منك؟
ضلَّ ينظر لها و قال بصدقٍ واضح: أنا سعيدٌ لهذه الحماقة التي جعلتني أظهر لنفسي إنسانيتي.
حرَّك عينيه نحو قدمها و هو يحك رأسه : آسفٌ لإعادتكِ لأهلك بساقٍ مكسورة...لم أكن صاحب أمانةٍ جيد.
ضحكت ميرنا بخفة قبل أن تقول رافعة رأسها لينزل شعرها اللامع منسدلاً خلف ظهرها: المهم أن أكون أنا كذلك..أتعرف؟ .. لقد داولتني هذه الفكرة قبل أن أقوم بحمايةِ أخيك..فكيف أعود لك بوضعٍ لا يحسد عليه أو ما شابه؟..فعلى كلِّ حال أنا من طلب الاعتناء به و أنت قد أمَّنتني إياه.
بات يحدِّق بها بحنان لفترة جرَّتها لتحاشيه بتلبك : هل ترى شيئاً على وجهي ؟!
لكنَّه أجابها بملامح غريبة: ميرنا..أنا أحبـ..
قاطعه هاجي بدخوله فوراً قائلاً: أوه..من المؤسف أن أدخل في هذه اللحظة الحاسمة ,أليس كذلك يا فتى؟
ساي ببرودٍ يخفي خلفه الانزعاج: لم أكن لأقول ما تتصوره .
وضع هاجي الشاي على الأرض بجانبهما و عيناه المتيقظتان بالفضول تنظر له : أخبرني إذاً..ما الذي تحبه؟
ميرنا لتبعده عن المطلب رغم جهلها به: يقصد مخطوبته فيونيكا.
انفعل ساي فوراً: ليسَ هذا..
صرخت ميرنا بوجهه: ألا تستطيع إغلاق فمك أيها المعتوه؟
ساي: إن كنت ستتلفظين بهذه التفاهات بالطبع لن أصمت.
ميرنا تكاتفت بغضب: و ما شأني, دعه يعتقد بك ما يريد .
ساي: أوي..ألستِ في الوسط معي؟
ميرنا: أيُّ وسطٍ و جانبٍ هذا ساي؟!
رفع هاجي سبابته نحو أخته: اصطدتك..
ساي بنظرةٍ متضجرة: ماذا أيضاً؟
هاجي بخبث يعود لاستنتاجاته: كلمة حب و بعدها مناداة أختي لهذا الأهوج باسمه..يبدوا أنَّ علاقتكما في تقدُّمٍ و تطورٍ واضح.
اعتلى صوت ضحكه بعد لحظات: هههههههههه...هههه, أنظر كيف أصبح وجهكما..
ساي: كفَّ عن هذه السخرية و اسمعني .
هاجي و علامة استغرابٍ عليه: ماذا؟
ساي: منذ الغد سيكون مكان ميرنا لك.
هاجي بحدة: ها!
ساي: إنَّ قدمها مكسورة كما ترى و مخطوبتي تعارض عملها معي فمن الأفضل أن تخرج عن العمل و ليس لي مزاج البحث عن عامل و لا وقتٌ أضيعه بهذا و من ناحيةٍ أخرى, أنت شديد الحاجة لعمل و ما دمت لم تجد فتستطيع المجيء...أ هذا مناسبٌ لك؟
هاجي بتفكير يظهر عليه التأمل: لمَ لا؟..لكن ,ألا تظن أنَّك سوف تلاقي بعض الصعوبات...
ساي: صعوبات!
دخلت الأم في تلك اللحظات مع كيو و هيَ تمسك الحائط الذي بجانبها: أرى أنَّكم اهتممتم بأنفسكم.
نهضَ هاجي معيناً والدته على الجلوسِ معهم: أمي!..لم يكن عليكِ النهوض من فراشك.
جلست و هي تقول: لقد أقلقتكم بما فيه الكفاية لشيءٍ ليس ذو أهمية.
ساي: يجب عليكِ أن تهتمي بصحتك فهذا الإهمال سيزيد علَّتك سوءاً على ما هيًَ عليه.
كحت ميرنا موجهةً نظرتها لساي الذي فهم معنى حركتها و كأنها تقول له ( أنظر من يتكلَّم..)
قراءة ممتعة،،،،،،
س:هل ستكون هذه آخر ترابط ميرنا وساي؟
س: هل سيكون لهاجي دور بإصلاح الأمور؟
س: رأيكم بالبارت؟
س:أجمل مقطع؟
/COLOR]