06-05-2016, 05:18 AM
|
|
الفصـــل الـــرابـــع : ( الوظيفة )
لاحــظ ليو تغــير تعابير وجه ليث ونبرة صوته عندما أخبره
بكرهه للفصــل معللاً بأنه يذكره بذكرى لا يحبها فلم يرغب
بأن يلّح عليه لذا غيّر الموضوع " ليث ، هل أنت مستعد لامتحان الغد ؟ "
استمرا بالتحدث بخصوص الامتحانات واقتراب
مواعيدها ، و بالرغم من عدم اكتراث لينو بها كان ليث
يحسده على ذلك ، لقدرته على اللامبالاة بينما يتحتم عليه
هو أن يهتم بأمرها كثيراً ، حيث انخفاض معدل درجاته من
شأنه أن يؤثر سلباً عليه عندما يلتحق بكليةٍ ما إلى جانب
ظروفه المادية ، عليه أن يضمن قبوله دون ضرورةٍ
ماسة بدفع الرسوم وبذلك يسهل الوصول إلى هدفه الذي
كان مركز اهتمامه أغلب الوقت .
فظل على حاله مُستمراً في روتينه اليومي حتى مرور ثلاث
سنوات واقترابه من عدوه المجهول بخطوة .. بات الآن
مستوفياً للشروط و بإمكانه أن ينال الوظيفة أخيراً ،
كان سعيداً بما حققه ، لمعرفته أن ذلك سيساعده كثيرا في
الوصول إلى هدفه انتظر بفارغ الصبر استلام آخر خيطٍ يربطه
بمدرسته .. شهادة تخرجه ، وحالما أصبحت في متناول
يديه ذهب لمركز الشرطة .. وهناك أصيب بالدهشة لمعرفته
بأن معظمهم كانوا بانتظاره ، بانتظار ذلك اليوم الذي
يصبح فيه مستوفياً للشروط ، وما أسعد حظه ليكون الآن
تحت إشراف أكثرهم تفهماً ومعرفةً به.. جاك هِنري، نظر سيده الجديد مطولاً لِشهادة ليث والسرور بادٍ
على وجهه فقال : " ثينو! تهاني الحارة لك .. ها قد وصلت لهدفك أخيراً صحيح؟ " " ليس بعد ولكن أصبحت قريباً جداً من تحقيقه ،
وصولي للوظيفة هو خطوةٍ أولية نحو هدفي" " أثرت اعجابي يا فتى بعزيمتك آمل أنك على استعداد لتنال
مهامك كملازم رسمي ؟ " "أجل بالتأكيد ، وسأكون شاكراً إن كانت بمهام
يصعب تنفيذها " رفع جاك حاجبه الأيسر متعجباً قبل أن يقول : " مهام يصعب تنفيذها ؟ ماذا يعني ذلك ؟ البعض يتجنبها
بينما تريديها ، حقاً أنت غريب الأطوار ! " " إن لم تكن بمهام من هذا النوع لن أتمكن من الاقتراب
لمكانتك وبالتالي لن أصل لهدفي " "إذن في سبيل الوصول لهدفك عليك أن تقفز لمكانتي الآن
أليس كذلك ؟" " تستطيع قول ذلك ، لن أتمكن من فعل شيء برتبةٍ عاديه
كرتبة الملازم هذه !! " قهقه جاك عالياً على قول ليث مردفاً : " أنت فتىً استثنائي عمْن هم في سنك ، إذ أنك منذ الآن
تطمح للترقية وتخطط لأشياء كبيرة ، حسنا إن كنت
تريد رتبةً أفضل ،عليك بإظهار أفضل ما لديك في المهام
التي سأمنحها لك فهي خطيرةً حقاً فهل أنت مستعد
للمجازفة بحياتك ؟ "
" بالتأكيد ، بمعنى آخر نجاحي بها بما قد يُثــير
أعجابك قد يؤهلني لرتبةٍ رائعة " " وهو كذلك .. فهات ما لديك ! " " اتفقنا سيتم قبولي هنا للدراسة أيضاً صحيح ؟"
"بالطبع ! ، لم أطلع بعد على مستواك الأكاديمي لمعرفتي
بأنك مستوفٍ للشروط مسبقاً ولكن بسبب القوانين
سأرى ذلك .. فالتحضر إلى هنا في تمام السادسة صباحاً "
بعدها انصرفت وعدت للمنزل فاستقبلني العم ماركو لحظة
وصولي " أهلا بعودتك ليث ، أخبرني كيف سارت الأمور مع
تخرجك، هل فكرت في مكان ما ؟" " أهلا عم ماركو يبدوا بأنك متشوق لمعرفة ما جرى
معي من أمور لليوم ، حسنا حالفني الحظ ووفقت في كل
اختياراتي، إذ فكرت بمكانٍ ووجدته و قد نجحت بالقبول
به أيضاً" " هذه أخبارٌ سارة بالفعل لم تخيّب ظني " " بالمنــاسبة عم ماركو هل هناك طلبات لليوم ؟
هل تحتاج لمساعدة في تلبيتها ؟" " لا ، فلم يتبقى الكثير و كدت أنتهي لذا اذهب واستريح "
عندها توجهت لفراشي .. كان يوماً حافلاً بكثيرٍ من الأمور
و لم أفعل به شيئاً يذكر. وفي صباح مشرق ذات يوم ،
كان علي التوجه للمركز كعادتي لتأدية مهامي ولكن
عيناي كانتا مُثقلتان بالتعب لدرجة جعلتني لا أقوى
على فتحهما إلى جانب أشعة الشمس الحارقة المنذرة
بالاستيقاظ والتأهب، ولم أذق طعماً للراحة مذ التحاقي
بذلك المكان أي قبل ثلاث سنوات ، حيث بدا جاك كفرعونٍ
مُستبد متفرغاً لهلاكي بالتدريبات والمهام المكثفة وكأنني
ربطت حبل مشنقتي حول رقبتي بنفسي عندما تقدمت
للوظيفة ، يطالبني بالحضور المبكر في الصباح ثم يطلق
سراحي بحلول صباح اليوم التالي ولا تغفل عينايّ سوى
ساعةٍ أو ساعتان بالكثير حتى يردف بمهمةٍ أخرى إلي
لإنجازها وكأنني الوحيد الذي يملكه ! ، أتساءل أي مهمةً
لعينة هي مهمتي لليوم .. تناولت بعضاً من الخبز المحمص
و كوباً من الحليب على عجالةٍ ومضيت في طريقي متوجها
نحو المركز ، في تلك الأثناء سمعت أحدهم يستغيث ، بدا
صوته شبه مسموعاً نظراً لبعد المسافة .. فاقتربت أكثر باتجاه
مصدر الصوت وتبين لي بأنه لفتاة صغيره لا تزال بالمدرسة
الثانوية وعلى ما يبدوا من زيها الرسمي تحاول الدفاع
عن نفسها من رجلٍ يفتخر برجولته باستدراجه فتاة
صغيرة السن ومن ثم التهجم عليها .. أثار غيظي
فمضيت نحوه وأوسعته ضرباً مبرحاً و كدت أتسبب بقتله
لولا فرصةً سمحت له بالفرار . نظر ليث للفتاة بأسى وهو يراقبها وهي تُمسد بيديها المرتجفتين الغبار من على تنورتها فقال بلطف يخاطبها : " هل تأذيتِ؟ " " لا.. شكرا لك .. لا أعلم ماذا كنت فاعلة لولاك " عبس ليث لحماقة الفتاة من ذهابها وحيدة بمثل
هذا الوقت وفي هذه الأزقة فقال يؤنبها : " ألا يوجد أحد أو حافلةً ما تستقلينها لإيصالك للمدرسة ؟ " " بلى يوجد ، ولكن صادف بأنني تأخرت لليوم ففاتتني الحافلة " " و ليس هنالك من يصحبك كبديل لهناك ؟ " "كلا " " أأنت يتيمه ؟ " " لا " " ماذا إذن ؟! "
بدا صبر ليث ينفذ وهو ينتظر إجابتها التالية فردت
الفتاة قائله : " توفي أبي منذ سنتين وأمي مشغولة بالعمل لأجلي ولم تعد
للمنزل منذ البارحة ولا حاجة لك بالقلق علي إذ أستطيع حل
مشاكلي بنفسي " علّق ليث ساخراً: " رأيت مدى براعتك في تدبر حل لمشاكلك قد رأيت النتيجة للتو ، على كلٍ ما هو عنوان مدرستك يا فتاة ؟ " " لما ؟ " " أتسألين من أجل السؤال أم من أجل المعرفة؟ لماذا يطلب العنوان برأيك ؟ " "هل ستوصلني لهناك ؟ " "أجل ، وليس وكأنني راغب بذلك أيضاً ولكنه واجبي كما أن هذا الحي خطر وهنالك الكثير من نوعية من أخافك للتو" بدت الحيرة تعلو وجه الفتاة كأنها تشك بأمره فرد مطمئناً : " لن أفعل لك شيئاً فلو أردت لفعلت مسبقاً كما أننا سنسير
سيراً على الاقدام وسأكون على بعد مسافةٍ ليست
ببعيدة عنك ، سأرافقك فحسب " بعدها استجمعت الفتاة رباطة جأشها ومنحته العنوان وماهي إلا دقائق حتى أوصلها للمدرسة
وبينما هي في طريقها للبوابة أدارت رأسها شاكره ليث
على فضله " شكرا لك مجدداً لمرافقتي " " لم أفعل سوى واجبي ، والآن اذهبي ولا تكوني بتلك الفتاة
الخرقاء المتهورة تفوتين الحافلة حيث ليس هنالك منْ
يقلك ثم تفكرين بالذهاب وحيدة بين الأزقة " " لدي اسم ، كف عن مناداتي بفتاة اسمي جين " " حســـنا أيا كان" أدار ليث ظهره للفتاة بمعنى أن مهمته قد انتهت وعليه
الرحيل فقالت الفتاة : " ألن تخبرني باسمك .. على الأقل ؟ "
قال لها وهو يسرع مبتعداً وعلى عجله : "لا حاجه لك بمعرفته ! " لسبب لم يفهمه بدا له وجهه الفتاة مألوف كأنه يذكره
بشخص ما ولكن الذاكرة خانته بالتذكر فتوجه بعدها
مباشرة للمركز.
|
|