عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

Like Tree1Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 06-04-2016, 04:40 PM
 
الفصل السادس: كثرة أهل النار
المبحث الأول: النصوص الدالة على ذلك
جاءت النصوص كثيرة وافرة دالة على كثرة من يدخل النار من بني آدم، وقلة من يدخل الجنة منهم.
قال تعالى: (وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين) [يوسف: 103] ، وقال: (ولقد صدّق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقاً من المؤمنين) [سبأ: 20] . وقال الحق تبارك وتعالى لإبليس: (لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين) [ص: 85] . فكل من كفر فهو من أهل النار على كثرة من كفر من بني آدم.
ويدلك على كثرة الكفرة المشركين الذين رفضوا دعوة الرسل أن النبي بأتي في يوم القيامة ومعه الرهط، وهم جماعة دون العشرة، والنبي ومعه الرجل
(1/75)
والرجلان، بل إن بعض الأنبياء يأتي وحيداً لم يؤمن به أحد، ففي صحيح مسلم عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد..". (1)
وجاءت نصوص كثيرة تدل على أنه يدخل في النار من بني آدم تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف، وواحد فقط هو الذي يدخل الجنة. فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، ثم يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكرى وما هم بسكرى، ولكن عذاب الله شديد. فاشتد ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل؟ قال: أبشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم رجل. ثم قال: والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة. قال: فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، إن مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالرقمة في ذراع الحمار ". (2)
وروى عمران بن حصين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في بعض أسفاره، وقد تفاوت بين أصحابه السير، رفع بهاتين الآيتين صوته: (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم* يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع
__________
(1) صحيح مسلم: (1/198) . ورقم الحديث: 220.
(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب قول الله عز وجل: (إن زلزلة الساعة شيء عظيم) فتح الباري: (11/388) .

(1/76)
كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد) [الحج: 1-2] ، فلما سمع أصحابه ذلك حثوا المطي، وعرفوا أنه عند قول يقوله، فلما دنوا حوله قال: " أتدرون أي يوم ذاك؟ قال: ذاك يوم يُنادى آدم عليه السلام، فيناديه ربه عز وجل، فيقول: يا آدم ابعث بعثاً إلى النار. فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد في الجنة ". قال: فأبلس أصحابه، حتى ما أوضحوا بضاحكة. فلما رأى ذلك قال: " أبشروا واعملوا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج يأجوج، ومن هلك من بنى آدم وبني إبليس " قال: فسري عنهم، ثم قال: " اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو الرقمة في ذراع الدابة " رواه أحمد والترمذي والنسائي في كتاب التفسير في سننهما، وقال الترمذي: حسن صحيح. (1)
وروى الترمذي في سننه عن عمران بن حصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما نزلت (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم) [الحج: 1] ، قال: نزلت عليه هذه الآية وهو في سفر، فقال: " أتدرون أي يوم ذلك؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: " ذلك يوم يقول الله لآدم: ابعث بعث النار. قال: يا رب، وما بعث النار؟ قال: تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة "، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " قاربوا وسددوا، فإنها لم تكن نبوة قط إلا كان بين يديها جاهلية، قال: فيؤخذ العدد من الجاهلية، فإن
__________
(1) تفسير ابن كثير: (4/610) . وهو في مسند أحمد (4/435) . سنن الترمذي: 3169.

(1/77)
تمت، وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم ومثل الأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير "، ثم قال: " إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبروا "، ثم قال: ولا أدري أقال: الثلثين أم لا. وكذا رواه الإمام أحمد، وقال الترمذي فيه: هذا حديث حسن صحيح. (1)
وقد يقال كيف تجمع بين هذه الأحاديث وبين ما ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " أول من يدعى يوم القيامة آدم، فتراءى ذريته، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب، كم أخرج؟ فيقول: أخرج من كل مائة تسعة وتسعين فقالوا: يا رسول الله، إذا أخذ منا من كل مائه تسعة وتسعون، فما يبقى منا؟ قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود ". (2)
والظاهر أن هذه الرواية لا تخالف الروايات الأخرى الصحيحة التي سقناها من قبل، فإن ذلك العدد باعتبار معين، وهذا العدد باعتبار آخر.
فالأحاديث التي تجعل النسبة تسعمائة وتسعة وتسعين يمكن تحمل على جميع ذرية أدم، وحديث البخاري الذي يجعلها تسعة وتسعين تحمل على جميع ذريته ما عدا يأجوج ومأجوج، ويقرب هذا الجمع – كما يقول ابن حجر – أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة، ويمكن أن يقال: إن الأحاديث الأولى تتعلق بالخلق أجمعين، فإذا جعلت نسبة من يدخل النار إلى من يدخل الجنة باعتبار الأمم جميعاً تكون النسبة (999) ، ويكون حديث البخاري الأخير مبيناً نسبة من يدخل النار من هذه الأمة دون سواها، قال ابن حجر: " ويُقربه – أي هذا
__________
(1) تفسير ابن كثير: (4/610) . وهو في سنن الترمذي: 3168.
(2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب الحشر، فتح الباري: (11/378) .

(1/78)
القول – قولهم في حديث أبى هريرة " إذا أخذ منا "، ثم قال: " ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة، فيكون من كل ألف واحد إلى الجنة، ومرة من هذه الأمة، فيكون من كل ألف عشرة ". (1)
__________
(1) فتح الباري: (11/390) ، وقد ساق أقوالاً أخرى، فارجع إليه إن أحببت الاطلاع على المزيد.

(1/79)
المبحث الثاني: السر في كثرة أهل النار
ليس السبب في كثرة أهل النار هو عدم بلوغ الحق إلى البشر على اختلاف أزمانهم وأمكنتهم، فإن الله لا يؤاخذ العباد إذا لم تبلغهم دعوته، (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) [الإسراء: 15] ، ولذلك فإن الله أرسل في كل أمة نذيراً، (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير) [فاطر: 24] .
ولكن السبب وراء ذلك يعود إلى قلة الذين استجابوا للرسل وكثرة الذين كفروا بهم، وكثير من الذين استجابوا لم يكن إيمانهم خالصاً نقياً.
وقد تعرض ابن رجب في كتابه " التخويف من النار " إلى السبب في قلة أهل الجنة، وكثرة أهل النار فقال: " فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أن أكثر بني آدم من أهل النار، وتدل أيضاً على أن أتباع الرسل قليل بالنسبة إلى غيرهم، وغير أتباع الرسل كلهم في النار إلا من لم تبلغه الدعوة أو لم يتمكن من فهمها على ما جاء فيه من الاختلاف، والمنتسبون إلى أتباع الرسل كثير منهم من تمسك بدين منسوخ، وكتاب مبدل، وهم أيضاًَ من أهل النار كما قال تعالى: (ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده) [هود: 17] .

(1/80)
وأما المنتسبون إلى الكتاب المحكم والشريعة المؤيدة والدين الحق فكثير منهم من أهل النار أيضاً، وهم المنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار، وأما المنتسبون إليه ظاهراً وباطناً فكثير منهم فتن بالشبهات، وهم أهل البدع والضلال، وقد وردت الأحاديث على أن هذه الأمة ستفترق على بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، وكثير منها أيضاً فتن بالشهوات المحرمة المتوعد عليها بالنار - وإن لم يقتض ذلك الخلود فيها - فلم ينج من الوعيد بالنار، ولم يستحق الوعد المطلق بالجنة من هذه الأمة إلا فرقة واحدة، وهو ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ظاهراً وباطناً، وسلم من فتنة الشهوات والشبهات، وهؤلاء قليل جداً لا سيما في الأزمان المتأخرة ". (1)
ولعل السبب الأعظم هو اتباع الشهوات، ذلك أن حب الشهوات مغروس في أعماق النفس الإنسانية (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) [آل عمران: 14] .
وكثير من الناس يريد الوصول إلى هذه الشهوات عن الطريق التي تهواها نفسه ويحبها قلبه، ولا يراعي في ذلك شرع الله المنزل، أضف إلى هذا تمسك الأبناء بميراث الآباء المناقض لشرع الله (ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون * قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون) [الزخرف: 23-24] .
__________
(1) التخويف من النار، لابن رجب، ص 214.

(1/81)
وإلف ما كان عليه الآباء وتقديسه داء ابتليت به الأمم، لا يقل أثره عن الشهوات المغروسة في أعماق الإنسان، إن لم يكن هو شهوة في ذاته.
وقد روى الترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لما خلق الله النار، قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فلما رجع، قال: وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها". أخرجه الترمذي وأبو داود، وزاد النسائي: بعد قوله: "اذهب فانظر إليها"، "وإلى ما أعددت لأهلها فيها ". (1)
وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره ". أخرجه البخاري ومسلم، ولمسلم " حفت " بدل: " حجبت ". (2)
قال صديق حسن خان: "والمراد بالشهوات مرادات النفوس ومستلذاتها وأهويتها " (3) ، وقال القرطبي: " الشهوات كل ما يوافق النفس ويلائمها، وتدعو إليه، ويوافقها، وأصل الحفاف الدائر بالشيء المحيط به، الذي لا يتوصل إليه بعد أن يتخطى ". (4)
__________
(1) جامع الأصول: (10/520) ، ورقمه: 8068، وقال المحقق: قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(2) المصدر السابق: (10/520) ، ورقمه: 8069.
(3) يقظة أو لي الاعتبار: ص 220.
(4) المصدر السابق.

(1/82)
المبحث الثالث: أكثر من يدخل النار النساء
أكثر من يدخل النار من عصاة الموحدين النساء، كما في الصحيحين عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، إنه قال في خطبة الكسوف " أريت النار، فلم أر منظر كاليوم أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء ". (1)
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقلن: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: " تكثرن اللعن، وتكفرن المشير ". (2)
وفي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد: " وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء ".
وفي صحيح مسلم عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أقل ساكني الجنة النساء ". (3)
وهذا لا ينافي أن كل واحد من أهل الجنة له أكثر من زوجة، فإن المراد بالنساء اللواتي هن أكثر أهل النار من كان منهن من ذرية آدم، أما زوجات أهل الجنة الكثيرات فهن من الحور العين.
" وإنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا، لنقصان عقولهن أن تنفذ بصائرها إلى الآخرى، فيضعفهن عن عمل الآخرة والتأهب لها، ولميلهن إلى الدنيا والتزين لها، ومع ذلك هن أقوى أسباب
__________
(1) صحيح البخاري: 1052. وصحيح مسلم: 907.
(2) صحيح البخاري: 1462، وصحيح مسلم: 79، 80
(3) صحيح البخاري: 2546، وصحيح مسلم: 2736.

(1/83)
الدنيا التي تصرف الرجال عن الآخرة، لما فيهن من الهوى والميل لهن، فأكثرهن معرضات عن الآخرة بأنفسهن صارفات عنها لغيرهن، سريعات الانخداع لداعيهن من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الأخرى، وأعمالها من المتقين " (1) . ومع ذلك ففيهن صالحات كثير، يقمن حدود الله، ويلتزمن شريعته ويطعن الله ورسوله، ويدخل منهن الجنة خلق كثير، وفيهن من يسبقن كثيراً من الرجال بإيمانهن وأعمالهن الصالحة.
__________
(1) التذكرة للقرطبي: (1/369) .

(1/84)

__________________




-------------------------------------------------------------
سبحان الله
والحمد لله
ولا اله الا الله
والله أكبر
ولا حول ولا قوة الا بالله
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 06-04-2016, 04:44 PM
 
الفصل السابع: عظم خلق أهل النار
يدخل أهل الجحيم النار على صورة ضخمة هائلة لا يقدر قدرها إلا الذي خلقهم، ففي الحديث الذي يرفعه أبو هريرة إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " ما بين منكبي الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام للراكب المسرع " رواه مسلم (1) . وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ضرس الكافر، أو ناب الكافر، مثل أحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث ". (2)
وقال زيد بن أرقم: " إن الرجل من أهل النار ليعظم للنار، حتى يكون الضرس من أضراسه كأحد ". رواه أحمد وهو مرفوع، ولكن زيداً لم يصرح برفعه. (3)
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن غلظ جلد الكافر اثنان
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الجنة، باب يدخلها الجبارون: (4/2190) .
(2) صحيح مسلم، كتاب الجنة، باب النار يدخلها الجبارون: (4/2189) ، وعزاه في سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/132) إلى مسلم والترمذي والحاكم وابن حبان وأحمد.
(3) سلسلة الأحاديث الصحيحة (4/131) ، وقال فيه: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(1/85)
وأربعون ذراعاً، وإن ضرسه مثل أحد، وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة " رواه الترمذي. (1)
وروى أبو هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد، وعرض جلده سبعون ذراعاً، وعضده مثل البيضاء، وفخذه مثل ورقان، ومقعده من النار ما بيني وبين الربذة " أخرجه الحاكم وأحمد. (2)
وهذا التعظيم لجسد الكافر ليزداد عذابه وآلامه، يقول النووي في شرحه لأحاديث مسلم في هذا الباب: " هذا كله لكونه أبلغ في إيلامه، وكل هذا مقدور لله تعالى يجب الإيمان به لإخبار الصادق به " (3) . وقال ابن كثير معلقاً على ما أورده من هذه الأحاديث: "ليكون ذلك أنكى في تعذيبهم، وأعظم في تعبهم ولهيبهم، كما قال شديد العقاب: (ليذوقوا العذاب) [النساء: 56] . (4)
__________
(1) مشكاة المصابيح: (3/103) ، وقال محقق المشكاة: "رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح، قلت: وسنده صحيح".
(2) سلسلة الأحاديث الصحيحة (3/94) ، ونسب إلى الحاكم والذهبي تصحيح الحديث ووافقهما عل ذلك على ضعف في أحد رواة الحديث وهو ابن إسحاق، وقد ساق المؤلف كثيراً من المتابعات والشواهد للحديث. والبيضاء اسم جبل. أو يعني بها المدينة المعروفة بالمغرب.
(3) شرح النووي على مسلم: (17/186) .
(4) النهاية لابن كثير: (2/139) .

(1/86)

__________________




-------------------------------------------------------------
سبحان الله
والحمد لله
ولا اله الا الله
والله أكبر
ولا حول ولا قوة الا بالله
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 06-04-2016, 04:49 PM
 
الفصل الثامن: طعام أهل النار وشرابهم ولباسهم
طعام أهل النار الضريع والزقوم، وشرابهم الحميم والغسلين والغساق، قال تعالى: (ليس لهم طعام إلا من ضريع* لا يسمن ولا يغني من جوع) [الغاشية: 6-7] ، والضريع شوك بأرض الحجاز يقال له الشبرق. وعن ابن عباس: الشبرق: نبت ذو شوك لاطئ بالأرض، فإذا هاج سمي ضريعاً. وقال قتادة: من أضرع الطعام وأبشعه (1) . وهذا الطعام الذي يأكله أهل النار لا يفيدهم، فلا يجدون لذة، ولا تنتفع به أجسادهم، فأكلهم له نوع من أنواع العذاب.
وقال تعالى: (إن شجرت الزقوم*طعام الأثيم*كالمهل يغلي في البطون* كغلي الحميم) [الدخان: 43-46] وقد وصف شجرة الزقوم في آية أخرى فقال: (أذلك خيرٌ نزلاً أم شجرة الزقوم* إنا جعلناها فتنة للظالمين* إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم*طلعها كأنه رؤوس الشياطين* فإنهم لأكلون منها فمالئون منها البطون*
__________
(1) التخويف من النار، لابن رجب: ص 115.
(1/87)
ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم* ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم) [الصافات: 62-68] .
وقال في موضع آخر: (ثم إنكم أيها الضالون المكذبون* لأكلون من شجر من زقوم * فمالئون منها البطون* فشاربون عليه من الحميم* فشاربون شرب الهيم* هذا نزلهم يوم الدين) [الواقعة: 51-56] .
ويؤخذ من هذه الآيات أن هذه الشجرة شجرة خبيثة، جذورها تضرب في قعر النار، وفروعها تمتد في أرجائها، وثمر هذه الشجرة قبيح المنظر ولذلك شبهه برؤوس الشياطين، وقد استقر في النفوس قبح رؤوسهم وإن كانوا لا يرونهم، ومع خبث هذه الشجرة وخبث طلعها، إلا أن أهل النار يلقى عليهم الجوع بحيث لا يجدون مفراً من الأكل منها إلى درجة ملء البطون، فإذا امتلأت بطونهم أخذت تغلي في أجوافهم كما يغلي دردي الزيت، فيجدون لذلك الآماً مبرحة، فإذا بلغت الحال بهم هذا المبلغ اندفعوا إلى الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهى حره، فشربوا منه كشرب الإبل التي تشرب وتشرب ولا تروى لمرض أصابها، وعند ذلك يقطع الحميم أمعاءهم (وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم) [محمد: 15] . هذه هي ضيافتهم في ذلك اليوم العظيم، أعاذنا الله من حال أهل النار بمنه وكرمه.
وإذا أكل أهل النار هذا الطعام الخبيث من الضريع والزقوم غصوا به لقبحه وخبثه وفساده (إن لدينا أنكالاً وجحيماً* وطعاماً ذا غصة وعذاباً أليما) [المزمل: 12-13] ، والطعام ذو الغصة هو الذي يغص به آكله، إذ يقف في حلقه.

(1/88)
وقد صور لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - شناعة الزقوم وفظاعته، فقال: " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا، لأفسدت على أهل الأرض معايشهم، فكيف بمن يكون طعامه " رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح. (1)
ومن طعام أهل النار الغسلين، قال تعالى: (فليس له اليوم هاهنا حميم * ولا طعام إلا من غسلين * لا يأكله إلا الخاطئون) [الحاقة: 35-37] ، وقال تعالى: (هذا فليذوقوه حميم وغساق* وآخر من شكله أزواج) [ص: 57-58] .
والغسلين والغساق بمعنى واحد، وهو ما سال من جلود أهل النار من القيح والصديد، وقيل: ما يسيل من فروج النساء الزواني ومن نتن لحوم الكفرة وجلودهم، وقال القرطبى: هو عصارة أهل النار. (2)
وقد أخبر الحق أن الغسلين واحد من أنواع كثيرة تشبه هذا النوع في فظاعته وشناعته.
أما شرابهم فهو الحميم، قال تعالى: (وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم) [محمد: 15] ، وقال: (وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) [الكهف: 29] ، وقال: (ويسقى من ماء صديد* يتجرعه ولا يكاد يسيغه) [إبراهيم: 16-17] ، وقاا: (هذا فليذوقوه حميم وغساق) [ص: 57] .
__________
(1) مشكاة المصابيح: (3/105) ، وراوي الحديث هو ابن عباس.
(2) يقظة أولي الاعتبار: ص 86.

(1/89)
وقد ذكرت هذه الآيات أربعة أنواع من شراب أهل النار:
الأول: الحميم، وهو الماء الحار الذي تناهي حره، كما قال تعالى: (يطوفون بينهم وبين حميم آن) [الرحمن: 44] ، والـ (آن) : هو الذي انتهى حره، وقال: (تسقى من عين آنية) [الغاشية: 5] ، وهي التي انتهى حرها فليس بعدها حر.
النوع الثاني: الغساق، وقد مضى الحديث عنه، فإنه يذكر في مأكول أهل النار ومشروبهم.
النوع الثالث: الصديد، وهو ما يسيل من لحم الكافر وجلده، وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن على الله عهداً لمن شرب المسكرات ليسقيه طينة الخبال. قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النار، أو عصارة أهل النار ".
الرابع: المهل. وفي حديث أبي سعيد الخدري عند أحمد والترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله: " كعكر الزيت، فإذا قرب وجهه سقطت فروة وجهه فيه ".
وقال ابن عباس: في تفسير المهل: " غليظ كدردي الزيت ".
أكلهم النار:
من أصحاب الذنوب من يطعمه الله جمر جهنم جزاء وفاقاً، (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً) [النساء: 10] .

(1/90)
وقال: (إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلا أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار) [البقرة: 174] .
أما لباس أهل النار فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أنه يُفصّل لأهل النار حلل من النار، كما قال تعالى: (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم) [الحج: 19] . وكان إبراهيم التيمي إذا تلا هذه الآية يقول: سبحان من خلق من النار ثياباً. (1)
وقال تعالى: (وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد* سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار) [إبراهيم: 49] . والقطران: هو النحاس المذاب. وفي صحيح مسلم عن أبي مالك الاشعري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " النائحة إذا لم تتب قبل موتها، تقام يوم القيامة، وعليه سربال من قطران ودرع من جرب ".
وخرجه ابن ماجه ولفظه: " النائحة إذا ماتت ولم تتب قطع الله لها ثياباً من قطران ودرعاً من جرب ".
__________
(1) التخويف من النار: ص 126.

(1/91)

__________________




-------------------------------------------------------------
سبحان الله
والحمد لله
ولا اله الا الله
والله أكبر
ولا حول ولا قوة الا بالله
رد مع اقتباس
  #9  
قديم 06-04-2016, 04:56 PM
 
الفصل التاسع: عذاب أهل النار
المبحث الأول: شدة ما يكابده أهل النار من عذاب
النار عذابها شديد، وفيها من الأهوال وألوان العذاب ما يجعل الإنسان يبذل في سبيل الخلاص منها نفائس الأموال (إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين) [آل عمران: 91] ، وقال الحق في هذا المعنى: (إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعاً ومثلهم معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تُقُبل منهم ولهم عذاب أليم) [المائدة: 36] .
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يؤتي
(1/93)
بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم، هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا رب ". (1)
إنها لحظات قليلة تُنسي أكثر الكفار نعيماً كلّ أوقات السعادة والهناء.
وفي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يقول الله - تبارك وتعالى - لأهون أهل النار عذاباً لو كانت لك الدنيا وما فيها، أكنت مفتدياً بها؟ فيقول: نعم. فيقول أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم أن لا تشرك (أحسبه قال ولادخلك النار، فأبيت إلا الشرك ". (2)
إن شدة النار وهولها تفقد الإنسان صوابه، وتجعله يجود بكل أحبابه لينجو من النار، وأنى له النجاة: (يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه* وصاحبته وأخيه* وفصيلته التي تؤيه* ومن في الأرض جميعاً ثم ينجيه* كلا إنها لظى * نزاعة للشوى) [المعارج: 11-16] .
وهذا العذاب الهائل المتواصل يجعل حياة هؤلاء المجرمين في تنغيص دائم، وألم مستمر.
__________
(1) روه مسلم: 2807.
(2) رواه البخاري: صحيح البخاري: 3334، ورواه مسلم: 2805. المصابيح: (3/102) .

(1/94)
المبحث الثاني: صور من عذابهم (الجزء الأول)
المطلب الأول: تفاوت عذاب أهل النار
لما كانت النار دركات بعضها أشد عذاباً وهولاً من بعض كان أهلها متفاوتون في العذاب، ففي الحديث الذي يرويه مسلم وأحمد عن سمرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في أهل النار: " إن منهم من تأخذه النار إلى كعبيه، ومنهم من تأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من تأخذه إلى حجزته، ومنهم من تأخذه إلى ترقوته " وفي رواية " إلى عنقه ". (1)
وقد حدثنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن أخف أهل النار عذاباً، ففي صحيح البخاري عن النعمان بن بشير قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة لرجل توضع في أخمص قدميه جمرة يغلي منها دماغه ". وفي رواية أخرى في صحيح البخاري أيضاً عن النعمان بن بشير: " إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل على أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل في القمقم ". (2)
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب شدة حر النار، (4/2185) .
(2) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، فتح الباري (11/417) ، ورواه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان: (1/196) ، ورقمه 363، واللفظ للبخاري.

(1/95)
وفي رواية عن النعمان بن بشير عن مسلم: " إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار، يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل، ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً ". (1)
وفي صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أدنى أهل النار عذابا ينتعل نعلين من نار يغلي دماغه من حرارة نعليه ". (2)
وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه انه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وذُكر عنده عمه أبو طالب، فقال: " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه، يغلي منه أم دماغه ". (3)
وقد جاءت النصوص القرآنية مصدقة لتفاوت أصحاب النار في العذاب كقوله تعالى: (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار) [النساء: 145] ، وقوله: (ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب) [غافر: 46] ، وقوله: (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) [النحل: 88] .
يقول القرطبي في هذا الموضوع: " هذا الباب يدلك على أن كفر من كفر فقط، ليس ككفر من طغى وكفر وتمرد وعصى، ولا شك أن الكفار في عذاب
__________
(1) صحيح مسلم، كتاب الإيمان: (1/196) ، ورقم الحديث (364) .
(2) صحيح مسلم، كتاب الإيمان (1/195) ، ورقم الحديث (361) .
(3) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار، فتح الباري (11/417) ورواه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان، باب شفاعة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي طالب، (1/195) ، وحديث رقم (360) ، وساق فيه عدة أحاديث أخرى.

(1/96)
جهنم متفاوتون كما قد علم من الكتاب والسنة، ولأنا نعلم على القطع والثبات أنه ليس عذاب من قتل الأنبياء والمسلمين وفتك فيهم وأفسد في الأرض وكفر، مساوياً لعذاب من كفر فقط وأحسن للأنبياء والمسلمين، ألا ترى أبا طالب كيف أخرجه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى ضحضاح لنصرته إياه، وذبّه عنه وإحسانه إليه؟ وحديث مسلم عن سمرة يصح أن يكون في الكفار بدليل حديث أبي طالب، ويصح أن يكون فيمن يعذب من الموحدين ". (1)
وقال ابن رجب: " واعلم أن تفاوت أهل النار في العذاب هو بحسب تفاوت أعمالهم التي أدخلوا بها النار " ثم ساق الأدلة الدالة على ذلك، وساق قول ابن عباس: " ليس عقاب من تغلظ كفره وأفسد في الأرض ودعا إلى الكفر كمن ليس كذلك" ثم قال ابن رجب: " وكذلك تفاوت عذاب عصاة الموحدين في النار بحسب أعمالهم، فليس عقوبة أهل الكبائر كعقوبة أهل الصغائر، وقد يخفف عن بعضهم بحسنات أخرى له أو بما شاء الله من الأسباب، ولهذا يموت بعضهم في النار ". (2)

المطلب الثاني: إنضاج الجلود
إن نار الجبار تحرق جلود أهل النار، والجلد موضع الإحساس بألم الاحتراق، ولذلك فإن الله يبدل لهم جلوداً أخرى غير تلك التي احترقت، لتحترق من جديد، وهكذا دواليك، (إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم
__________
(1) التذكرة للقرطبي:09
(2) التخويف من النار:42 – 143.

(1/97)
ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً) [النساء: 56] .

المطلب الثالث: الصهر
من ألوان العذاب صب الحميم فوق رؤوسهم، والحميم هو ذلك الماء الذي انتهى حره، فلشدة حره تذوب أمعاؤهم وما حوته بطونهم (فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رؤوسهم الحميم * يصهر به ما بطونهم والجلود) [الحج: 19-20] .
أخرج الترمذي من حديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الحميم ليصب على رؤوسهم، فينفذ حتى يخلص إلى جوفه فيسلت ما في جوفه، حتى يمرق من قدميه، وهو الصهر، ثم يعود كما كان "، وقال: حسن غريب صحيح. (1)

المطلب الرابع: اللفح
أكرم ما في الإنسان وجهه، ولذلك نهانا الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن ضرب الوجه، ومن إهانة الله لأهل النار أنهم يحشرون في يوم القيامة على وجوههم عمياً وصما وبكماً (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً مأواهم جهنم كلما
__________
(1) التخويف من النار لابن رجب: 145، جامع الأصول: (10/540) . وهو في الترمذي برقم: 2582.

(1/98)
خبت زدناهم سعيرا) [الإسراء: 97] ، ويلقون في النار على وجوههم (ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون) [النمل: 90] .
وتلفح النار وجوههم وتغشاها أبداً لا يجدون حائلا يحول بينهم وبينها (لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون) [الأنبياء: 39] ، (تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون) [المؤمنون: 104] ، (سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار) [إبراهيم: 50] ، (أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة) [الزمر: 24] ، وانظر إلى هذا المنظر الذي تقشعر لهوله الأبدان: (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) [الأحزاب: 66] ، أرأيت كيف يقلب اللحم على النار، والسمك في المقلى، كذلك تقلب وجوههم في النار، نعوذ بالله من عذاب أهل النار.

المطلب الخامس: السحب
ومن أنواع العذاب الأليم سحب الكفار في النار على وجوههم (إن المجرمين في ضلال وسعر* يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر) [القمر: 47-48] ، ويزيد من آلامهم حال سحبهم في النار أنهم مقيدون بالقيود والأغلال

(1/99)
والسلاسل (فسوف يعلمون* إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون* في الحميم ثم في النار يسجرون) [غافر: 70-72] ، قال قتادة: يسحبون مرة في النار وفي الحميم مرة. (1)

المطلب السادس: تسويد الوجوه
يسود الله في الدار الآخرة وجوه أهل النار (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) [آل عمران: 106] ، وهو سواد شديد، كأنما حلت ظلمة الليل في وجوههم (والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من الله من عاصم كأنما أغشيت وجوههم قطعًا من الليل مظلماً أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) [يونس: 27] .
صور من عذابهم (الجزء الثاني)

المطلب السابع: إحاطة النار بالكفار
أهل النار هم الكفار الذين أحاطت بهم ذنوبهم ومعاصيهم، فلم تبق لهم حسنة، كما قال تعالى في الرد على اليهود الذين قالوا: لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة، (بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم
__________
(1) التخويف من النار لابن رجب: 147.

(1/100)
فيها خالدون) [البقرة: 81] ، ولا يكون المرء كذلك إلا إذا كان كافراً مشركاً، يقول صديق حسن خان: " المراد بالسيئة هنا الجنس، ولابد أن يكون سببها محيطاً بها من جميع جوانبه، فلا تبقى له حسنة، وسدت عليها مسالك النجاة، والخلود في النار هو للكفار والمشركين، فيتعين تفسير السيئة والخطيئة في هذه الآية بالكفر والشرك، وبهذا يبطل تشبث المعتزلة والخوارج لما ثبت في السنة متواتراً من خروج عصاة الموحدين من النار ". (1)
ولما كانت الخطايا والذنوب تحيط بالكافر إحاطة السوار بالمعصم، فإن الجزاء من جنس العمل، ولذا فإن النار تحيط بالكفار من كل جهة، كما قال تعالى: (لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش) [الأعراف: 41] . والمهاد ما يكون من تحتهم، والغواش جمع غاشية، وهي التي تغشاهم من فوقهم، والمراد أن النيران تحيط بهم من فوقهم ومن تحتهم، كما قال تعالى: (يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجهلم) [العنكبوت: 55] ، وقال في موضع آخر: (لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل) [الزمر: 16] ، وقد صرح بالإحاطة في موضع آخر: (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) [التوبة: 49] . وقد فسر بعض السلف المهاد بالفرش، والغواش باللحف. (2)
وتأتي الإحاطة من ناحية أخرى، ذلك أن للنار سوراً يحيط بالكفار، فلا
__________
(1) يقظة أولي الاعتبار:7
(2) تفسير ابن كثير: (3/168) .

(1/101)
يستطيع الكفار مغادرتها أو الخروج منها، كما قال تعالى: (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا) [الكهف: 29] . وسرادق النار سورها وحائطها الذي يحيط بها.

المطلب الثامن: إطلاع النار على الأفئدة
ذكرنا أن أهل النار يضخم خلقهم في النار شيئاً عظيماً، ومع ذلك فإن النار تدخل في أجسادهم حتى تصل إلى أعمق شيء فيهم (سأصليه سقر* وما أدراك ما سقر* لا تبقي ولا تذر* لواحة للبشر) [المدثر: 26-29] ، قال بعض السلف في قوله: (لا تبقي ولا تذر) ، قال: " تأكل العظم واللحم والمخ ولا تذره على ذلك ". (1)
وقال الحق تبارك وتعالى: (كلا لينبذن في الحطمة* وما أدراك ما الحطمة * نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة) [الهمزة: 4-7] .
قال محمد بن كعب القرظي: " تأكله النار إلى فؤاده، فإذا بلغت فؤاده أنشئ خلقه ". وعن ثابت البناني أنه قرأ هذه الآية، ثم قال: " تحرقهم النار إلى الأفئدة وهم أحياء، لقد بلغ منهم العذاب، ثم يبكي ". (2)
__________
(1) التخويف من النار لابن رجب: 146.
(2) التخويف من النار لابن رجب: 146.

(1/102)
المطلب التاسع: اندلاق الأمعاء في النار
في الصحيحين عن أسامة بن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " يُجاء بالرجل يوم القيامة، فيُلقى في النار، فتندلق أقتابه في النار، فيدور كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع أهل النار عليه، فيقولون: أي فلان، ما شأنك أليس كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ قال: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه ". (1)
ومن الذين يجرون أمعاءهم في النار عمرو بن لحي، وهو أول من غير دين العرب، وقد رآه الرسول - صلى الله عليه وسلم - يجر قصبه في النار، ففي الصحيحين عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، وكان أول من سيب السوائب ". (2)

المطلب العاشر: قيود أهل النار وأغلالهم وسلاسلهم ومطارقهم
أعد الله لأهل النار في النار سلاسل وأغلالاً وقيوداً ومطارق (إنا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالاً وسعيرا) [الإنسان: 4] ، (إن لدينا أنكالاً وجحيماً * وطعاماً ذا
__________
(1) صحيح البخاري: 3267، 7098، ومسلم: 2989.
(2) صحيح البخاري: 3521. وصحيح مسلم: 2856، تسييب السوائب: تشريع سنة عمرو للعرب حرم فيه ما أحل الله تعالى، فقد حرم أنواعاً من الأنعام بأسباب لم ينزل الله بها من سلطان، كأن يمنع ذبح تلك الحيوانات وحلبها والركوب عليها. قال سعيد بن المسيب فيما رواه عنه البخاري ومسلم في روايتهما للحديث السابق: " البحيرة التي يمنع درها للطواغيت، ولا يحلبها أحد من الناس ".

(1/103)
غصة وعذاباً أليماً) [المزمل: 12-13] ، والأغلال توضع في الأعناق (وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون) [سبأ: 33] ، (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون) [غافر: 71] ، والأنكال: القيود، سميت أنكالاً لأن الله يعذبهم وينكل بهم بها (إن لدينا أنكالاً وجحيماً) [المزمل: 12] ، والسلاسل نوع آخر من ألوان العذاب التي يقيد بها المجرمون كما يقيد المجرمون في الدنيا، وانظر إلى هذه الصورة التي أخبرنا بها الكتاب الكريم (خذوه فغلوه * ثم الجحيم صلوه * ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه) [الحاقة: 30-32] .
وأعد الله لأهل النار مقامع من حديد، وهي المطارق التي تهوي على المجرمين وهم يحاولون الخروج من النار، فإذا بها تطوح بهم مرة أخرى إلى سواء الجحيم، (ولهم مقامع من حديد* كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق) [الحج: 21-22] .

(1/104)
المطلب الحادي عشر: قرن معبوداتهم وشياطينهم بهم في النار
كان الكفار والمشركون يعظمون الآلهة التي يبعدونها من دون الله، ويدافعون عنها، ويبذلون في سبيل ذلك النفس والمال، وفي يوم القيامة يدخل الحق تلك الآلهة التي كانوا يعبدونها من دون الله النار إهانة لعابديها وإذلالاً لهم، ليعلموا أنهم كانوا ضالين، يعبدون ما لا يملك لهم ضراً ولا نفعاً (إنكم وما تعبدون من دون حصب جهنم أنتم لها واردون * لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون) [الأنبياء: 98-99] .
يقول ابن رجب: " لما عبد الكفار الآلهة من دون الله، واعتقدوا أنها تشفع لهم عند الله، وتقربهم إليه، عوقبوا بأن جعلت معهم في النار إهانة لهم وإذلالاً، ونكاية لهم وإبلاغاً في حسرتهم وندامتهم، فإن الإنسان إذا قرن في العذاب بمن كان سبب عذابه كان أشد في ألمه وحسرته ". (1)
ومن أجل ذلك يقذف في يوم القيامة بالشمس والقمر في النار، ليكونا مما توقد به النار، تبكيتاً للظالمين الذين كانوا يعبدونها من دون الله، ففي الحديث: " الشمس والقمر مكوران في النار ". (2)
يقول القرطبي: " وإنما يجمعان في جهنم، لأنهما قد عُبداً من دون الله لا
__________
(1) التخويف من النار05
(2) رواه البيهقي في (شعب الإيمان) ، والبزاز والإسماعيلي والخطابي، انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة: (1/32) .

(1/105)
تكون النار عذاباً لهم، لأنهما جماد، وإنما يفعل ذلك بهما زيادة في تبكيت الكافرين وحسرتهم، هكذا قال بعض أهل العلم ". (1)
ولهذا المعنى يقرن الكفار بشياطينهم ليكون أشد لعذابهم: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين * وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون* حتى إذا جاءنا قال يا ليت بين وبينك بعد المشرقين فبئس القرين* ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون) [الزخرف: 36-39] .

المطلب الثاني عشر: حسرتهم وندمهم ودعاؤهم
عندما يرى الكفار النار يندمون أشد الندم، ولات ساعة مندم (وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون) [يونس: 54] .، وعندما يطلع الكافر على صحيفة أعماله، فيرى كفره وشركه الذي يؤهله للخلود في النار، فإنه يدعو بالثبور والهلاك (وأما من أوتي كتابه وراء ظهره * فسوف يدعو ثبوراً *ويصلى سعيراً) [الانشقاق: 10-12] .
ويتكرر دعاؤهم بالويل والهلاك عندما يلقون في النار، ويصلون حرها (وإذا ألقوا منها مكاناً ضيقاً مقرنين دعوا هنالك ثبوراً* لا تدعوا اليوم ثبوراً واحدة وادعوا ثبوراً كثيراً) [الفرقان: 13-14] . وهناك يعلو صراخهم ويشتد عويلهم، ويدعون ربهم آملين أن يخرجهم من النار، (وهم يصطرخون فيها ربنا
__________
(1) التذكرة للقرطبي: 92

(1/106)
أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل) [فاطر: 37] ، وهم يعترفون في ذلك الوقت بضلالهم وكفرهم وقلة عقولهم (وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير) [الملك: 10] ، (قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل) [غافر: 11] .
ولكن طلبهم يرفض بشدة، ويجابون بما تستحق أن تجاب به الأنعام (قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين* ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون* قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون) [المؤمنون: 106-108] .
لقد حق عليهم القول، وصاروا إلى المصير الذي لا ينفع معه دعاء ولا يقبل فيه رجاء (ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحاً إنا موقنون* ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين * فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا إنا نسيناكم وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون) [السجدة: 12-14] .
ويتوجه أهل النار بعد ذلك بالنداء إلى خزنة النار، يطلبون منهم أن يشفعوا لهم كي يخفف الله عنهم شيئاً مما يعانونه (وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوماً من العذاب* قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال) [غافر: 49-50] .

(1/107)
عند ذلك يسألون الشفاعة كي يهلكهم ربهم (ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون) [الزخرف: 77] .
إنه الرفض لكل ما يطلبون، لا خروج من النار، ولا تخفيف من عذابها، ولا إهلاك، بل هو العذاب الأبدي السرمدي الدائم، ويقال لهم آن ذاك: (فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون) [الطور: 16] .
هناك يشتد نحيبهم، وتفيض دموعهم، ويطول بكاؤهم (فليضحكوا قليلاً وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون) [التوبة: 82] ، إنهم يبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون دماً، وتؤثر دموعهم في وجوههم كما يؤثر السيل في الصخر، ففي مستدرك الحاكم عن عبد الله بن قيس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن أهل النار ليبكون، حتى لو أجريت السفن في دموعهم، لجرت وإنهم ليبكون الدم – يعني – مكان الدمع ".
وعن أنس بن مالك مرفوعاً بلفظ: " يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم حتى تصير في وجوههم كهيئة الأخدود، لو أرسلت فيه السفن لجرت ". (1)
لقد خسر هؤلاء الظالمون أنفسهم وأهليهم عندما استحبوا الكفر على الإيمان، واستمع إلى عويلهم وهم يرددون حال العذاب (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله
__________
(1) أورد الشيخ ناصر الحديثين في سلسلة الأحاديث الصحيحة: (4/245) حديث رقم: 1679، وعزا الحديث الأول منهما إلى الحاكم في مستدركه، وقد قال فيه الحاكم: (حديث صحيح الإسناد) . ووافقه الذهبي: قال الشيخ ناصر: وحقه أن يزيد: على شرط الشيخين (فإن رجاله كلهم من رجالهما، وذكر أن أحد رجاله وهو أبو النعمان ويلقب (بعارم) كان قد اختلط، وساق الشيخ ناصر الحديث الثاني شاهداً للأول، وعزاه إلى ابن ماجة وابن أبي الدنيا، ويزيد الرقاشي أحد رواته ضعيف، وباقي رجاله رجال الشيخين.

(1/108)
وأطعنا الرسول *وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا* ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيراً) [الأحزاب: 66-68] .
وتأمل قوله تعالى يصف حالهم، ونعوذ بالله من حالهم (فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق* خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك) [هود: 106] ، قال الزجاج: الزفير من شدة الأنين وهو المرتفع جداً. وقيل: الزفير: ترديد النفس في الصدر من شدة الخوف حتى تنتفخ منه الأضلاع، والشهيق النفس الطويل الممتد، أو رد النفس إلى الصدر، والمراد بهما الدلالة على شدة كربهم وغمهم وتشبيه حالهم بمن استولت الحرارة على قلبه وانحصر فيه روحه.
وقال الليث: الزفير أن يملأ الرجل صدره حال كونه في الغم الشديد من النفس ويخرجه، والشهيق أن يخرج ذلك النفس. (1)
__________
(1) يقظة أولي الاعتبار، لصديق حسن خان 02

(1/109)

__________________




-------------------------------------------------------------
سبحان الله
والحمد لله
ولا اله الا الله
والله أكبر
ولا حول ولا قوة الا بالله
رد مع اقتباس
  #10  
قديم 06-04-2016, 05:01 PM
 
الفصل العاشر: كيف يتقي الإنسان نار الله؟
لما كان الكفر هو السبب في الخلود في النار فإن النجاة من النار تكون بالإيمان والعمل الصالح، ولذا فإن المسلمين يتوسلون إلى ربهم بإيمانهم كي يخلصهم من النار، (الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار) [آل عمران: 16] ، (ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار * ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته وما للظالمين من أنصار* ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار* ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد) [آل عمران: 191-194] .
وقد فصلت النصوص هذا الموضوع فبينت الأعمال التي تقي النار فمن ذلك محبة الله، ففي مستدرك الحاكم ومسند أحمد عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " والله لا يلقي الله حبيبه في النار ". (1)
والصيام جنة من النار، ففي مسند أحمد، والبيهقي في شعب الإيمان بإسناد حسن عن جابر بن عبد الله عن
__________
(1) حديث صحيح، انظر صحيح الجامع (6/104) ، ورقم الحديث: (6/104) .
(1/111)
النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " قال الله تعالى: الصيام جنة يستجن بها من النار ". (1)
وعند البيهقي في الشعب من حديث عثمان بن أبي العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: " الصوم جنة من عذاب الله " ورواه أحمد والنسائي وابن ماجة وابن خزمية وإسناده صحيح. (2)
أما إذا كان الصوم في حال جهاد الأعداء فذاك الفوز العظيم، فعن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من صام يوماً في سبيل الله بعَّد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً ". رواه أحمد، والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي. (3)
ومما ينجي من النار مخافة الله، والجهاد في سبيل الله (ولمن خاف مقام ربه جنتان) [الرحمن: 46] ، وروى الترمذي والنسائي في سننهما عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع، ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم ". (4)
وفي صحيح البخاري عن ابن عبس وهو عبد الرحمن بن جبر، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما اغبرت قدما عبد في سبيل الله، فتمسه النار " (5) ، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا يجتمع كافر وقاتله في النار أبداً ". (6)
ومما يقي العبد من النار استجارة العبد بالله من النار، (والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً* إنها ساءت مستقراً ومقاماً) [الفرقان: 65-66] ، وفي مسند أحمد وسنن ابن ماجة وصحيح ابن حبان ومستدرك
__________
(1) صحيح الجامع: (4/114) .
(2) صحيح الجامع: (3/264) .
(3) صحيح الجامع: (5/310) . وفي صحيح البخاري: 2840. وصحيح مسلم: 1153.
(4) مشكاة المصابيح: (2/356) ، حديث رقم: 3828، وقال المحقق في إسناده: صحيح. انظره في سنن الترمذي: 1633، 2311. وقال الترمذي فيه: هذا حديث حسن صحيح.
(5) مشكاة المصابيح: (2/349) ، ورقمه: 3794. وهو في صحيح البخاري برقم: 2811.
(6) مشكاة المصابيح: (2/349) ، ورقمه: 3795. وهو في صحيح مسلم برقم: 1891.

(1/112)
الحاكم بإسناد صحيح عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما سأل أحد الله الجنة ثلاثاً، إلا قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، ولا استجار رجل مسلم الله من النار ثلاثاً، إلا قالت النار: اللهم أجره مني". (1)
وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذكر الملائكة الذين يلتمسون مجالس الذكر وفيه: " أن الله عز وجل يسألهم وهو أعلم بهم، فيقول: " فمم يتعوذون؟ فيقولون: من النار، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا رب ما رأوها، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فراراً، وأشد مخافة، فأشهدكم أني قد غفرت لهم ". (2)
__________
(1) صحيح الجامع: (5/145) ، ورقمه: 5506.
(2) صحيح الجامع: (2/233) ، ورقمه: 2169، وعزاه إلى البخاري ومسلم وأحمد.

(1/113)

__________________




-------------------------------------------------------------
سبحان الله
والحمد لله
ولا اله الا الله
والله أكبر
ولا حول ولا قوة الا بالله
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
معنى جريان أنهار الجنة تحت الجنة رضا البطاوى نور الإسلام - 3 09-27-2013 09:38 PM
اهمية زيت كبد الحوت للبشرة مضمونة 2013 , قناع كبد الحوت لنضارة البشرة ملاك الرومنسيه حواء ~ 0 04-18-2012 10:03 PM
حصريا:: محمد و ديمة بشار | الجنة .. الله يكرمني فيها | طيور الجنة 2 | Mp3 عطر القـلوب خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية 1 09-06-2011 06:19 PM
الطريق إلى الجنة: معاً بإذن الله إلى الجنة فريال (نور الإسلام ) خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية 3 08-04-2007 05:59 PM


الساعة الآن 08:31 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011