***
أنطقي ! أيتها المشاعر الجامدة وتحدثي
فلم يعد لي من بشر لأحادثهم
غُربة أستبدت بداخلي وحديث أكاد أغرق به من وِحدتي
عُدت كمجنون بين أربعة جُدران حُكم علي برؤيتها لأبد بعيد ،
وإن كٌنت محظوظاً سأراها إلى أن أشيخ هذا إذ لم تأتي سكرة الموت قبل ذالك ،
لم يُسمى هذا المكان الذي بقيت فيه بالسجن عبثاً
حَسرة وأهات وندم لا ينتهي ، أيتها المشاعر فقدت النطق فيك فلم أعد أعلم ماهي مشاعري
ولا أعلم كيف وجودي هنا يكون عدالة ؟، كما هو الحال مع هذا السجن لا يعلم الطير متى ينال حُريته !
نغمات رددها بصوت شَجي تنافر مع لَحنها السعيد البهيج
لأن تلك الذكريات القديمة طبعت على قلبه سوداً وحزناً عميقاً ،
تاه للحظات غارقاً في أفكاره المُظلمة التي قرر أن يُغلق عليها بفاتيح اليوم ويضعها في صندوق الأمس
لكن ماحصل له لم يكن بشيء يُنسى بسهولة ! ، ولأنه سلك طريق الإنتقام
وبدأ به فقد سلك طريقاً ملتوياً وشائكاً جداً لايعلم متى سيقع منه ! ،
لكنه قرر عبور ذاك الطريق الشائك بالرغم من قسوته !
***
-
لم يعد من حياة في أنحاء تلك المدرسة الكبيرة فمغادرة الجميع
جعلت منها صماء لاصوت ولا وقع خطى فيها ، فقط تبقى إثنان
تبادلا الحديث لوقت لم يشعرا بطوله ، فلربما المشاكل تجعل من أوقاتنا قصيرة مُسرعة دون أن نشعر بمرورها ،
ولربما الخوف الذي أستحلهم جعل لقلوبهم هشاشة من كل شيء قريب ،
فلم يعد هناك من يثق بك ولم يعد هناك من يستحق الثقة
كلاهما تبادلا نظرات الشك والحيرة غرق كل منهما غرقاً في بُحيرات ضبابية
رمادية اللون لاتعلم ماهو الرابط ومن هي الأطراف ، فوضى أفكار وإزدحام حديث ، أنهى تلك الزوابع
الغابرة سؤال جون المفاجيء الذي كان في محله تماماً فكانت الحيرة ظاهرة على تقاسيم وجهه القلقْ
- بالمناسبة ألم تقل أنك كنت في موقع الجريمة بالمكسيك ، لما أنت بهولندا ؟
عّم بعض الصمت لثوانٍ فقط ، حينها فقدً وليام هدوءه شعر بدوامات وحلقات تدور في عقله
لاشيء واضح لهما سيُعدم قريباً بكل بساطة إن لم يجد حلاً هذا التفكير لوحده لم يمكنه من الإجابة بوضوح كافي
- -كنت مُسافراً هناك لزيارة صديق لي يعيش هناك ، قبل أن تأخذني الشرطة للتحقيق
قالت لي أنني لست المتهم كُنت سأخرج خلال 3 أيام من السجن فجّأة قالوا أنني أنا المتهم ، لسبب ما تركوني في أكمل
الدراسة دون أن أحُبس بسجن إنفرادي !!
أنزل رأسه في حسرة وتمني ، تمنى أن يجد مسلكاً ما للخروج من هذه الورطة
أيامه معدودة ليس له حل وليس له من طريق ، لايسطيع إثبات براءة نفسه
وليس له علم بمن ينقذه بل مِن مَن يطلب النجدة ؟ ، مُتحسراً
قال بدمعة قريبة حاول حجرها ، فلا يريد للحظة ضعف أن تغلبه !
-لا أعلم مالذي فعلته حتى يحدث لي كل هذا
إبتسم جون فجأة ، راودته بعض ذكرياته الجميلة كمحامي سابق ، ماذا يفعل ؟
كيف كان يُدافع عن من يراه مًظلوماً ، الآن لقد فًهم الأمر جيداً !!
إنه جون ستار محامي الدرجة الأولى في المكسيك أو هكذا يظن عن نفسه
لطالما أحب مديح نفسه أكثر من مديح الناس له فمديحهم لايساوي شيئاً
أمام مديحه الغزير عن نفسه التي يراها رائعة ، ويحاول أن يجعل من نفسه
مُتميزاً وشخصاً جديراً بالثقة وبالحديث ، أمعن النظر لوليام الذي كان
خائفاً ، مُتذكراً نفسه عندما كان في ذات عمر وليام ، لقد كان في هذه الفترة
شبيه بوليام إنطوائي غير إجتماعي كثيراً ماتحوم المشاكل حوله مشكلة دوائر
مُغلقة مفقودة المفاتيح .
ربت على كتفي وليام بثقة بشجاعة كبيرة شعر بها وقتها قائلاً
- وليام ، لا تقلق أنا من سيحميك ولن يرتاح لي بال حتى
أساعدك فهل تثق بي !؟
أنعكس وهج الشمس التي أوشكت للغروب على محدقة عيني وليام
كما هطول أمطار الشتاء الباردة ، تلك الغيوم المتزاحمة الرمادية لون تلك
العيون الخائفة القلقة الهاربة من فكرة الموت ، كغربان هائجة مُنتشرة بعبث
لون شعره المُبعثر لم يختلف شبهه كثيراً عن أهل المكسيك في ملامحه الحادة ورموشه الكثيرة
ذو بشرة حنطية اللون ليست بسمراء وليست ببيضاء وسيم إن أردنا له وصفاً ،
يعود سبب شبهه المكسيكي إلى أصول والدته التي كانت مكسيكية !
أجاب وليام جون بعد أن أخذ وقته في التفكير ، هل عليه الثقة بجون أم لا ؟
- نعم ، سأثق بك وأتمنى أن تكون ثقتي في محلها سيدي المحامي !
بهذا أُختتم حديثهم ، عاد كل منهم إلى مرتعِه الخاص إلى منزله ، خلال تلك الأشهر الماضية
التي قضى جون خلالها في التدريس قام بإستجار شقة صغيرة مُتواضعة ورخيصة
بالطبع أعجبته لأنها رخيصة ، فالسكن في فندق ليس بالشيء البسيط ولا السهل أبداً
بجانب شقته شقق لم يتم إستئجارها بعد فكان يشعر بالوحدة في بعض الأحيان
كون أن لاجيران بجانبه ، لكن اليوم تفاجأ بأن أحدهم إستئجار شقة بجانبه كان شديد
السعادة بدأت تلك الأفكار تراوده حول من يكون جاره الجديد !؟ ، أهي أمراة لابد
أنها جميلة شقراء طويلة في العشرينات من عُمرها ، لكنه تذكر أنه اليوم سيُتم
التاسعة والثلاثين من عُمره ، يالأيام لم يشعر بأنه أتمها حتى ،
شعر ببعض الملل الذي تسلل بداخله بهدوء ، ولحسن الحظ
أحضر بحوزته ألبوم صور الأسرة ، بدأ يتصفحه مُستعيداً تلك الذكريات الجميلة
***
عَقيق أحمر توهج كما الظهور الأول لقرص السماء الذهبية ،
لامع خطْ لأعالي السماء بوهجتهِ دافيء كبدايات فصل ربيعي ..
أنتشر ذاك العقيق القرُمزي مُغطي كل ما أمامه من مكان ، كما لو كانت لوحة نشر الرسام ألوانه
عليها بمنتهى الحرية ، شعر برعشة برُعب لم يسبق أن شعر به من قبل حين رؤيته
لتلك المرأة التي قٌتلت في غٌرفتها فجأة ، كان لايزال في السادسة عشر من عُمره طلبت
والدته أن ينادي على هذه المرأة ليعلمها بحلول وقت العشاء ، والتي هي زوجة أبيه
الثانية التي ماتت في غُرفتها دون معرفة الفاعل ، لم يعلم مايجدر عليه فعله
سقط أرضاً بعد إنعادم قدميه من حمله بسبب الهلع الرعب الذي شعر به وقتها ،
صرخ دون أن يشعر منادياً والديه في ذُعر
تذكر وجه والده الذي لم يكن مُرتعباً أبداً وتذكر وجه والدته التي صرخت مرتعبه من ذاك المنظر ،
دخل والده مسُرعاً للغرفة غطى تلك المرأة بفراش قريب
قائلاً للفتى بحزم كلمة واحدة كررها أكثر من مرة مؤكداً على أبنه أن يقولها
- جون ، لقد ماتت لأن شقيقك توماس غضب عليها ، إنه الفاعل يا جون
لقد رأيته ، عليك أن تقول هذا للشرطة حين قدومهم
توقف شريط ذكريات جون عند هذا الحد ، وإلى الآن لايزال مٌنكراً كلام والده في قلبه
لأنه أكثر شخص يعلم كم أن توماس أحب والدته أكثر من أي شخص أخر ،
فكيف يفعل ذالك ؟! ، لكن عليه أن يُطيع والده ويصدقه كان عليه أن يقول ذالك
لأنه واثق بأن والده رأى كل شيء لما لا ؟؟ كل شيء مُتوقع الحدوث ، فكر كم أن هذا العالم مُوحش حقاً ،
بالنسبة إليه والده كان أكثر شيء غامض في هذا العالم لذا كل مافكر في والده تبقى دوائر مغلقة في رأسه
دوائر غير محلولة عن والده فيغض النظر عن التفكير به ويُغير الموضوع دائماً .
فجأة رن جرس الباب ! مُستغرباً تسائل من يكون الزائر ؟ فهو لايعرف أحداً في هولندا
غير وليام ولا يتوقع قدومه في هذه الساعة فهو لايعلم مكان منزله ، فتح الباب بعد صراع مع تكاسله من النهوض ،
حال فتحه للباب وقف مُندهشاً أمام الرجل الذي وقف أمامه بإبتسامة عريضة واسعة وكبيرة !
قال الرجل لجون وهو يخلع القناع عن وجهه بهدوء، ليظهر شعره الأشقرالمُجعد الكثيف ،
بعينيه الخضراء التي تُبين عرقه الأروبي
ذو بشرة شديدة البياض ، مُبتسماً قال بنظرات إشتياق للأيام القديمة
- كيف هي أحوالك جون ؟ لقد مر زمن طويل
تشنج جون في مكانه ، بدون أن يشعر أمسك ياقة توماس بقوة في رُعب وهلع
- كيف ، كيف خرجت من السجن يا توماس ؟!
أبعد توماس يد جون في غضب ويأس شديد منه صرخ قائلاً
- لقد أخرجني شخص جدير بالثقة أكثر منك ومن أبي ، لايهم ليس هذا
ما جئت لأجله ..
دخل الإثنان للشقة بعد ملاحظتهما إثارتهم للجلبة خارجاً ، بدأ جون بتجميع أفكاره
التي شعر بأنها تفرقت هنا وهناك ، قال مُتسألاً لتوماس بعد تفكير غريب رأوده
- لا تقل لي ، أنك أنت وراء هذا ؟! وراء كل شيء يا توماس ؟
- وراء ماذا يا جون ؟
- وراء قتل روز ، وراء تُهمة وليام وراء قتل جاك ؟!
ألتفت توماس إلى جون بنظرات تحدٍ وثقة غريبة تُثير الشكوك
- لنقل ، أنني وراء هذا
أتخذ تماس أريكة كشجر الخيزران لونها قريبة منه للجلوس عليها،
أكمل كلامه بسعادة غامرة تملؤه ساخرا كما هي عادته
- هل تعتقد أنني أتيت لك لأعترف لك بما فعلته أو شيء من هذا ؟!
ليوم واحد فحسب أريد أن أرى كيف هي أحوال أخي وهذا ما يحدث لي ؟ - ماذا تريد ياتوماس ؟!
لم يجب على سؤال جون ، إتجه جون للمطبخ لإحضار قهوة ، بدى له أن الحديث مع
توماس طويل جداً قد يُفيده ، عند عودته رأى شيئاً لم يسبق له أن رأه ، لطالما كان يبتعد عن
توماس لشخصيته العدائية والمشاغبة المعاكسة لشخصيته ، لكنه رأى توماس مُنزلاً رأسه
في آسى تام ، لم يسبق له أن رأى هذا الآسى على وجهه من قبل ، ماذا جرى بالضبط ؟
! لا أحد يعلم ، جلس جون على الأريكة المجاورة لتوماس ، متناولاً قهوته
- سأستمع لما تقوله ، فأنا شقيقك بعد كل شيء !
- لو كنت كذالك حقاً ، لما لم تقُل الحقيقة أنذاك ؟!
تجمد في مكانه مُعيداً كوب قهوته للطاولة ، غيْر الموضوع قائلاً لتوماس في غضب
وإستياء من أفعاله الإجرامية
- هل نسيت ما فعلته بي يا توماس ؟ لقد قتلت زوجتي روز ! أتعلم من هي
روز ؟ إنها المرأة الوحيدة التي شعرت بحنانها في هذا العالم ، الحنان الشيء الذي فقدته منذ أن مات والداي و أخذني والداك !!
شعر كما لو أن شيء أخترق قلبه بقوة كان يحاول حجر دموعه بعد أن تذكر من هو ؟
ومن أين أتى ! ، تلك الذكريات الفضيعة لايمكن أن تُنسى ، جون هو الفتى
الذي لا مكان له ولا أهل له ، فقط ! رجل وأمراة ربياه على أنه أبنهما والحقيقة مُختلفة ،
توقف توماس عن الحديث مذهولاً من كلام جون ضاحكاً بسخرية
- ماذا تقول أنت أبنهما ياجون ! أنا الذي أشك في كون ستار والدي
- توماس أنت أبن ستار الحقيقي أنا مجرد فتى أحضروه من ميتم وقاموا بتربيته وتعليمه بالمجان هذه حقيقتي
، كنت أنوي أخبارك بهذا لكنك رحلت قبل أن أقول شيئاً
نهض توماس من مكانه مذعوراً ، ماهذا الإكتشاف الذي لم يكتشفه مُسبقاً
أهي مزحة ؟! جون الفتى الذي لطالما كان مُتفوقاً على توماس والذي لطالما
تلقى المديح من السيد ستار ليس أبنه!؟ إذن الوحيد أبن ستار هو توماس ؟!
- هل تعني ياجون ! أن والدي هو من رماني في السجن وهو والدي الحقيقي !!
لماذا يفعل شيئاً كهذا بإبنه !! لماذا يقتل زوجته إذن !! ماذا يجري!!
رمى نفسه على الأريكة مُتفاجأً ، ماذا يحدث في هذا العالم ؟! بل السؤال
من هو ستار !! أليس مجرد رجل عادي ؟!
إذن هل نقول ان الشفرة الثانية هي من يكون السيد ستار ؟!
***
أخذ توماس عدة لفات في أنحاء الشقة محاولاً جمع أفكاره ، تجهم جون الذي كان في غاية الحزن
مُتذكراُ تلك الذكريات الجميلة عن زوجته روز قال متسألاً حاجراً تلك الدموع
التي أوشكت على الخروج في حرقة وأسى شديد
- لماذا قتلت روز يا توماس ؟! ماذا فعلت لك حتى تقتلها ؟!
بدأت معالم الآسى تكتسي وجه توماس فجأة ، حزن تملكه للحظات
- لم أعلم أنني فعلت ذالك !
صحيح ، أنا السبب في قتل زوجتك ووراء قتل جاك ، لكنني لم أكن
بوعي وقتها ، الرجل الذي أنقذني من السجن كان طبيباً نفسياً
قال لي أنني مصاب بما يسمى أنفصام شخصية ،
لم يرد جون على توماس ، فلم يكن له خيار أخر غير أن يكمل حديثه بذات الوجه
- كنت أتخيل أحياناً أن روز تريد قتلي ، وأن جاك سينتقم مني
لا أعلم لكنني صدقت تلك الأفكار ، لاأتذكر مافعلت بالضبط لكن
قال لي الطبيب أنني فعلت هذا ، لا تعلم كم كنت أعاني .
صمت توماس مُنتظراً رد جون عليه ، لكن جون بادله نظرات شكِ مُريبة
نهض من مكانه ساخرا مُبتسماً في ثقة صارخاً بعد أن فقد كل هدوءه
- هاه ، هل تعتقد أنني سأصدق ماتقوله ياتوماس ؟!
أقترب أكثر من توماس قائلاً بأسى شديد صارخا بإستياء على حال شقيقه
- توماس ، لطالما قلت أنني لا أستحق الحياة التي أعيشها ، في اليوم الذي
تزوجت فيه روز قلت لي هاتفياً أنها لا تناسبني بل يستحقها رجل أوسم مني بكثير
صمت ، أكمل حديثه مُجدداً بنظرات إزدراء حزن شديد تسلل إلى داخل قلبه
- أكتشفت أنك كنت تحبها ! ، لكنها لم تحبك قط ، كنت تقول دوماً بأن تفوقي بالغش
وأنني أصبحت محامياً لأن لدي أصدقاء أعرفهم هناك ، لطالما قلت أنك تكرهني
أنك حزين لكونِ شقيقك ، لطالما شعرت معك بالنقص ! لطالما أحسست
أنني عبء عليك وعلى أسرتك كنت أنوي الرحيل حتى ترتاح مني ، لكن
رحلت قبلي للسجن ، هل تعتقد أنني سأصدق قصتك ؟! توماس
أنا أعرفك جيداً لقد أردت أن تُفسد حياتي ، هنيئاً لك لقد نجحت يا توماس !
حل صمت غريب طويل في المكان ، أمسك توماس معطفه المطري مغادراً
أستوقفه جون ممسكاً يده بإحكام شديد ، مُردداً جملة واحدة بنظرات غاضبة
- توماس ، أعترف بجرائمك وإلا وقفت ضدك في المحكمة أتسمعني يا توماس ؟!
ضحك توماس بهسترية شديدة ، نظر بتحدٍ لجون نظرات لم يسبق أن رأها من قبل
- مالذي يدفعني للإعتراف ، ذاك الفتى وليام هو الفاعل أليس كذالك ؟!
حتى لو وقفت ضدي لن ينفع ذالك لأن جميع الأدلة والبصمات لوليام وليست لي ،
سأغادر الآن يا أخي العزيز
غادر ضاحكاً ، وقف جون قلقاً ماذا عليه أن يفعل الآن ؟! ،جميع الأدلة ضد
وليام لاشيء يثبت براءته ! وتوماس يرفض الإعتراف ؟!
بعد وقت ظهرت نظرات حازمة على محدقة عينيه لقد قرر قراراً ما
ولن يتراجع في هذا القرار الذي أتخذه ، قال بحسرة لكنه بدل تلك الحسرة بالقوة
- توماس ، لن أدع مُجرماً يهرب بفعلة إرتكبها ، سأقف ضدك أمام المحكمة !
حزم حقائبه والأغراض التي قد يحتاج إليها ، من بين أغراضه وجد شيئاً أفقتده منذ زمن شارة المحاماة الخاصة به
فخره الأول في الحياة الشيء الذي كافح لأجل الحصول عليه ،
أغلق شقته راحلاً إلى منزل وليام ، إتضحت له بعض الصور
توماس هو قاتل روز وجاك ، لاشك أن له يد في قضية وليام وإعادته إلى هولندا حتى يكون قريباً منه ومن جون ،
لاشك أنه هو من جعل وليام يُكمل دراسته في تلك الثانوية
حتى يلتقي بجون ، لكن لماذا ؟! ، أثناء تلك التساؤلات وصل جون بعد رحلة شاقة
إلى منزل وليام الذي يقع في مروج خضراء ، قد تستغرق ساعة تقريباً للوصول للمدرسة ياله من طريق شاق ،
أستقبله رجل طاعن في السن بإبتسامة حيوية
- أهلاً ، هل أتيت لمقابلة أحد أيها السيد الشاب ، آوه يبدو أنك محامي أيضاً !
- نعم هل يعيش هنا فتى يدعى وليام ، أنا معلمه لقد أتيت للزيارة !
- آوه بالطبع إنه حفيدي ، أهلاً بك تفضل من هنا !
أكمل المسير على طريق طويل أخر بالكاد تحمله قدماه من شدة المسير
كل دقيقة يسمع صوت طقطقة عظامه وكأنه رجل عجوز ، رمى نفسه أرضاً
على تلك المروج الخضراء الواسعة ، تملكه التعب فلم يستطع أن يكمل الطريق
ضحك الرجل العجوز على جون ساخراً فخوراً بنفسه التي أخذ يمدحها
- يالسكان المُدن إنكم كسالى حقاً ، مابك رميت نفسك هكذا وكأنك
رجل عجوز يحتضر ، لم أتخيل أن يكون شباب هذا اليوم بهذا الضعف في شبابي..
وأخذ يُكمل حديثه عن شبابه وأيام شبابه ، أخذ جون غفوة بإبتسامة تعلو تقاسيم وجهه في تلك المروج الواسعة
شعر كما لو أن الطبيعة رحبت به ، ووضعته في أحضانها الدافئة الخضراء
رياح خفيفة داعبت خصلات شعره الفاحم المُسود كاليالي الظلماء ، أبتسم الجد قليلاً
مُتذكراً أبنه الذي كان جندياً فقد كان جون شبيهاً إلى حد ما بوالد وليام ، هذا الشبه
أعاد الجد إلى تلك الأيام الجميلة عندما كان أبنه بينهم ،
بعد دقائق ضرب الجد رأس جون بعصاه دون رحمة ، نهض جون فزعاً
حتى أدرك هذا الشيء الذي ضُرب به ، مرعُوباً قال
- أيها الجد لما فعلت بي هذا ، كان يكفي أن تناديني لأنهض
- عليك أن تكون قوياً ياهذا ألا تعرف من هم أبناء المروج ، إنهم شبان أقوياء
لايتركون لحر أو برد أن يقف أمام طريق عملهم في المروج ، من أي عالم أتيت؟!
تمتم جون بصوت خافت خشية أن يسمعه الجد ، في حسرة على حاله
- لكنني لست من أبناء المروج ، أنا من المدينة مالذي أحضرني إلى هنا !!
- هل قلت شيئاً أيها الشاب ؟!
- أبداً أبداً ، كنت أقول لما لاتكمل لي حديثك عن أيام شبابك ، سيدي !!
وهكذا أنطلق الجد بحديثه الذي لاينتهي ، آخيراً وصل جون لمنزل وليام بعد
رحلة شاقة آخرى من المفترض أن لاتكون شاقة لكن جون أعتقدت أنه وصل في باديء الأمر
فكر بأن مُشي كهذا لابد أنه رياضة كافية تكفي لسنوات!، فتح لهما الباب أمراة كبيرة بالسن أيضاً ،
يبدو أنها زوجة الجد رحبت بهما وفي يدها صينية من البسكوت أخرجته للتو من الفرن
- أهلاً ، من هذا الزائر الشاب الوسيم يا عزيزي !؟
- إنه معلم وليام ، بالمناسبة لم أسألك عن أسمك بعد ؟!
- جون ستار ، هو أسمي يا سيدي
دخل الجميع إلى الداخل وبما أنه وقت الغداء فقد أصر الجد والجدة على أن يتناول جون الغداء معهم
كان جون ينتظر عودة وليام ، قالوا له أن في هذا الوقت وليام يرعى الأغنام ويأخذها إلى المروج
ومن المحتمل عودته الآن ، فعلا عاد بعد إنتهاء عمله
تفاجأ برؤية معلمه موجوداً ، مبتسما قال جون بفرح شديد وسرور
- مرحباً بعودتك وليام !
فجأة ظهرت في مخيلة وليام صورة والده ، حتى وليام بدأ بملاحظة الشبه
الذي لاحظه جده فعلاً إنه ليس شبهاً شكيلاً فقط بل حتى في طريقة قوله مرحباً بعودتك
حاول تجاهل تلك الأفكار مُبتسماً ، أقترب للمائدة قالاً بإستغراب
- أيها المعلم ، مالذي دعاك لزيارتي فجأة ؟!
- لقد قررت العيش معكم !
صمت الكل في تعجب ، رفع الجد يده متسألاً فلم يخطر ببالهم أن هذا سبب الزيارة
- عفواً ، مالسبب في عيشك معاً إنها المروج لن تتمكن من تحمل الحياة
هنا يافتى المدينة !
ضرب جون الطاولة في ثقة تامة وفخر شديد بنفسه ، أبتسم رافعاً رأسه للسماء عالياً
- في الواقع إن إيجار شقتي أرتفع وليس بإمكاني دفع الزيادة ، بالإضافة
أنها إجازة الصيف وأريد الإطمئنان على أحوال تلميذي ومعرفة نوع الحياة
التي يعيشها ، أريد أن أتعلم كيف هي حياة المروج
بدأو يتهامسون لإتخاذ قرار بشأن طلب جون ، بدى أن وليام موافق تماماً
والجدة أيضاً ، مُتردداً كان حال الجد ف فتى المدينة سيجد صعوبة في تعلم
هذه الأمور التي يقوم بها المُزارعون والرعاة ، لكنه رأى ملامح السعادة
على وجه حفيده الصغير وليام عند علمه بالأمر لذا تمت الموافقة بشروط
- حسناً ، يمكنك أن تُقيم بيننا يا فتى المدينة ، لكن عليك مُساعدتنا مُقابل
إيجار السكن لدينا ، وعليك مراقبة وليام لأنني بصراحة أخشى عليه هذه الأيام عندما
ينزل من المروج للمدينة ، تعرف مؤخراً أنتشرت مشاكل هنا في هولندا
تمت الموافقة على شروط الجد ، كان ذالك اليوم الذي أصبح فيه جون فرداً
من عائلة وليام بداية لقصة لم تبدأ بعد ، فالبرغم من حل الشفرة الأولى
إلا أنه ماتزال هناك سراديب ، وشفرات لم تُفتح بعد
توجه توماس إلى مقهى يدعى مشهورفي أنحاء هولندا
زيارته تلك للمقهى تُعتبر الأولى بوجهه الحقيقي دون وضع أي أقنعة فلم يعد
هناك من شيء يخشاه ليغطي وجهه بقناع ، حال وصوله للمكان المنشود
رحب به الشخص الذي كان بإنتظاره بحرارة شديدة وترحيب خارق
- أهلاً ، بصديقنا توماس ، لقد مر زمن طويل جداً جداً ماهذا الإنقطاع
لا أعتقد أنك لاتملك هاتفاً لما لاتتصل ؟! - ليس هذا ماجئت لأجله يا كريس ، أنت تعلم سبب مُقابلتي لك
أحتاج أحداً من رجالك ليقتل لي ذاك الصبي وليام ، لو مات سأكون بأمان
أكثر أليس كذالك ؟
تبسم كريس إبتسامة غريبة تختبيء خلفها معالم ضحكة ساخرة
- ألهذه الدرجة أنت خائف من جون ؟! ، إنه مُجرد مُحامي سابق فقط
- نعم ، أنا أخافه حقاً يا كريس جون إن وضع له هدفاً أمامه سيصله بالتأكيد
- حسناً لك ما أردت
أنقضى الأسبوع سريعاً على جون ، فعلاً كما قال الجد إن حياة المروج صعبة
عليه لكنه بدأ يتعود عليها تدريجياً ، في نهاية الأسبوع ينزل وليام لأسواق
هولندا ليشتري مايحتاجونه من الخضار واللحوم أو أدوات الزراعة ، لكن هذه المرة
برفقته جون ، كان سعيداً لأنها المرة الأولى له التي يذهب فيها مع أحد
أخذه الحديث طول الطريق ، من بين تلك الأحاديث تبسم وليام قائلاً
- أتعلم أيها المعلم ، أنت تشبه والدي إلى حدٍ كبير لدرجة أنني نسيت أنك مُعلم
ضحك جون قال هو الآخر ساخراً بمزح عابثاً بشعر وليام
- ماذا ؟! ، إذن هل أعطيك واجباً حتى تتذكر أنني مُعلمك ؟!
ضحك الأثنان بمرح ، عاد لوليام وجهه الجاد قائلاً بجدية هذه المرة
- في الواقع إنها الحقيقة ، عندما أمعنت النظر وجدتك تشبه أبي حقاً
يالها من صُدفة جميلة صحيح ؟!
أبتسم جون إبتسامة عريضة ربت على كتفي وليام بفخر شديد
- إذن يمكنك أن تعتبرني والدك يا وليام ؟!
تفاجأ وليام ، حتى دون أن يقول جون ذالك وليام أعتبر جون كوالده منذ
أن أخبره بقصته ، لكنه أنكر هذا الشعور في حديثه حتى لايسخر منه جون
- ماذا تقول ، لست طفلاً بحاجة إلى أب
- لكنني سأقوم بما يقوم به الأب ، سأحميك يا وليام هذا واجبي
صمت الأثنان ، أنزل وليام رأسه مُفكراً لما يريد جون أن يقوم هو بحل قضيته ؟
لماذا يريد حمايته ؟ ولما أتى إلى العيش معهم ؟!
- لماذ تفعل هذا ؟! لماذا أتيت للعيش معنا ؟ لما تريد حل قضيتي ؟!
هل كل هذا لأنني طالب عندك أو لأن عملك هو المحاماة ؟!
تعجب جون من سؤال وليام الذي أعتبره مفاجيء ، حك رأسه في محاولة إيجاد
إجابة مُناسبة تمتم مطولاًحتى وقع تفكيره على جملة واحدة
- لأنني لن أدعى مُجرماً يهرب بفعله إرتكبها
بهذا أختتم حديثهم البسيط ، لكن تلك الجملة البسيطة وضعت أثراً حُفر
على قلب وليام أثر فخر وإعتزاز بكونه يعرف جون ستار ، جون هذا
الرجل الذي قرر أن يقف بجانبه دون خوف من أحد ، الرجل الذي قرر حمايته !
الرجل الذي أختار أن يقف مع الحق قبل كل شيء !
أنتهت رحلة تسوقهم لليوم ، كانت رحلة شيقة على غير العادة لأن جون
أستطاع رؤية أماكن عدة لم يتمكن من رؤيتها قبلاً عندما كان في شقته ، توقعت
الأرصاد هطول أمطار رعدية اليوم لذا كان الكل مرتدياً معاطف مطرية بمن فيهم
جون ووليام لم تمضي سوى لحظات قليلة حتى غرقت هولندا بتلك الأمطار الغزيرة !
ركض الكل عائدين إلى منازلهم ، كان جون مُستمتعاً بتلك الأجواء المطرية
لكن حان وقت العودة للمنزل وبينما هما يمشيان ، شعر جون كما لو أن شيئاً يتبعه
كلما ألتفت للخلف لا يرى أحداً لكنه يشعر بذالك ، كان وليام مُنسجماً في قصة يقولها لجون
لكن جون لم يكُن يستمع فقد كان قلقاً من هذا الإحساس الذي راوده ؟! ماهو ذاك الشيء ياترى؟!
* تم ولله الحمد الفصل الثاني *
وقع مُستقطع #
كيف هي أحوال الجميع ؟؟ أتمنى أن يكون الكُل على مايُرام
وان يبقى الحماس وتكثر الردود ، ولله الحمد نزل الفصل الثاني من روايتي
بعد جُهد جهيد وأتمنى يكون الفصل ممتاز وينال إعجابكم ، أمممم أتمنى
تشاركوني بأفكاركم وردودكم إنتقاداتكم وإن شاء الله أرد عليكِم ولا أتأخر
بس لاتتأخروا علي ولا تسحبون طيب ؟!:heee:
، أتمنى أشوف التفاعل المطلوب
في أمان الله ورعايته