الفصل الخامس ~A~الشهوة
اليأس ولا الحزن ولا اي من المشاعر السلبية استطاعت ان تستحوذ على ليونارد حين دخل مملكة السحرة، الصدمة والذهول هو كل ما اجتاح كيانه في تلك اللحظة، الجثث منتشرة في كامل المملكة، منازلهم وقصورهم مدمرة، الاشجار مكسرة، لا اثر للحياة في تلك البقاع، فقط الدمار، سار مذهولا بين الجثث وبالكاد يستطيع ان يميز هذا من ذاك، لم يكن ذلك الساحر الاجتماعي رغم مكانته حتى يتعرف على كم كبير من السحرة ليستطيع ان يميز من كل من هولاء، لكنه على الاقل استطاع ان يميز جثة من بينهم، انحنى بالقرب منها ليتأكد من هويتها، علامات الصدمة تزايدت على ملامحه، فترة وجيزة وصارت تنجلي شيئا فشيئا ليحل مكانها اليأس، اغمض عينا ام انتاشيا بحزن وعاد لينظر حوله يكاد لا يصدق ما يرى، لمح على الارض جنية صغيرة بريقها يتباهت، تصارع مصيرها على مضض، اسرع اليها وحملها، نظرت اليه بعينيها الذابلتين، سألها عما جرى، بصعوبة نطقت:
"هاجمنا الملك بلا سبب، حاولنا الدفاع عن انفسنا لكن بلا جدوى، السحر لم يكن ينفع، كأننا لم نفعل شيئا، كأننا بشر عاديين، حاول الوزير ان يتقايض معه لكن اصابه بجرحا بليغا واخذه معه كما أخذ معه من تبقى من الاحياء هنا"
تذكر ليونارد حينها المعاهدة التي تنص على عدم مغادرة السليلة للبرج حتى يكون هناك من يرث مهمتها، وان حدث تكون السحرة قد اخلفت الاتفاق، وهكذا السحر لن يجدي ضد البشر، لذلك لم يستطيعوا الدفاع عن انفسهم، ولكن كيف علم الملك انها تركت البرج، لقد حدث ذلك بسرية تامة...
ابتسمت الجنية بوهن لتردف "من الجيد اني ساعدت تلك الفتاة للهرب والا لكانت ميتة الان..."
فتح عينيه على وسعهما حين سمع الجنية، انتاشيا كانت تبحث عن الامير، يا لك من احمق ليونارد، كيف سمحت لذلك ان يحدث، لقد تركتها تذهب الى وكر الذئاب بنفسها...
ترك الجنية على الارض بهدوء ثم نهض والغضب يتسلل في اساريره، يخنقه لحد النخاع، اختفى من مكانه ليظهر فجأة في القصر امام الملك مباشرة، تقدم بخطى ثابتة تجاهه وقال بحزم: "ارجع من تبقى من قومي لمملكتنا"
نظر الملك الى ليونارد بشيء من السخرية ثم قال بتكبر: "اذا انت ساحر! لا بد انك جريء جدا لتأتي الي مباشرة بعدما رأيت ما حدث لقومك"
ظل ليونارد ينظر للملك بحزم فقال الملك: "لقد كنت خارج مملكة السحرة اثناء الهجوم، اما انك من اقارب الوزير، اما انك احد الهاربين، لكن من هيبتك أرجح انك صهره المستقبلي... عندي لك عرض مميز ما رأي...
بتر جملته حين وجد ليونارد قد اضحى امامه مصوبا خنجره على رقبته، بصوت ثاقب قال له: "هويتي ليست من شأنك كما اني لست مهتم بعروضك... اطلق سراح قومي والا قتلتك..."
ازدرى الملك ريقه بفزع وقال: "كيف امكنك ان تستخدم السحر علي، المعاهدة تنص على..."
شد ليونارد الخنجر على رقبة الملك قائلا: "اخبرتك... لست بحاجة لتعلم شيئا عني... فقط اطلق سراح قومي"
الملك بشيء من القحة والخوف: "حسنا حسنا... " نظر لحراسه ثم قال: "ان قتلني ابيدو ما تبقى من قومه"
تراجع ليونارد مصعوقا من جوابه، ابتسم الملك منتصرا وقال: "لك ان تستمع الى عرضي، وان لم يعجبك يمكنك الانضمام الى بقية الرهائن"
نظر ليونارد للملك بحقد لتتوسع ابتسامة الملك باريحة فيسند ظهره على عرشه مطلقا تنهيدة شماتة ثم قال: "عرضي ان تعمل عندي بدلا من الوزير الحالي، فقد اخبرني عن مهاراتك وانجازاتك واثنى عليك كما لم يثني على احد قبلك، لكن بالمقابل..."
كلما اطال الملك في الكلام تزايدت تعابير الاشمئزاز في وجه ليونارد، وقبل ان ينهي كلامه استدار وانصرف.
حين لاحظ الملك الاهانة التي الحقت به ضرب بقبضته على مسند يد كرسييه صارخا: " اعتقلوه..."
لم يسرع ليوناد حين سمع كلام الملك ليهرب كما انه لم يختفى ولو انه يستطيع، فقد كانت داخله نيران تتصارع محاولة الخروج، وما كانت الجنود التي ارسلها الملك الا دمى اراد استغلالها ليفرغ بها كامل غضبه، توقف حينها مكانه منتظرا وصولهم لكنه فوجئ بأحدهم مختبأ خلف لوحة قماشية كبيرة يناديه ليختبئ معه، لسبب ما ساوره فضول ليتجه نحو ذلك الفتى، فتجاهل رغبته بالقتل وانضم اليه، دخل معه ليجد نفسه داخل نفق لم يبدو ان له نهاية،'نظر ليونارد للفتى بتكبر يحثه على ان يقول ما لديه، على الاقل يخبره لما اراد مساعدته، اخفض الفتى رأسه بخجل ثم قال: "انا اسف لما حدث لقومك... لقد حاولت اقناعها بالعودة قبل ان يحدث ما حدث لكنها ابت..."
لحظات من الشرود مستغربا حتى فهم ان من يتحدث عنها هي انتاشيا، امسكه من ياقة قميصه ودفعه نحو الجدار مهددا: "اتقصد انتاشيا، اين هي الان؟ خذني اليها قبل ان اقتل؟"
- نظر اليه الفتى ببرود ليقول: " لما تريد مقابلتها؟..."
- سحبه واعاد دفعه للجدار مرة اخرى قائلا: "لست بمزاج يسمح لي بالاجابة على اسئلة تافهة، خذني اليها بسرعة"
- ببرود اردف: اسف... لا يمكنني ان اخذك اليها بعدما اخبرتني به عنك... ليس قبل ان اطمئن عليها منك..."
- تطمئن عليها مني!... انت بشري وانا من بني قومها!..."
ظل ليونارد يفكر ساخرا بكلام الفتى بينما الاخر ظل جامدا لم يحرك ساكنا حتى توضحت الصورة لليونارد، نظر الى ملابس الفتى الفاخرة ليكتشف انه الامير، افلته ضاحكا باستسخاف للموقف الذي وضع فيه، نظر اليه بيأس قائلا: "اذا انت الامير" تبدل حاله فجأة ليصرع الامير بلكمة على وجهه اطاحته ارضا، نهض الامير واضعا يده على خده ليرى ليونارد يهم ليكمل عليه الهجوم، ابتعد عنه ليستعيد توازنه وما لبث ان بدآ عراكا شرسا...
فارق العمر بين الامير وليونارد وكذلك القوى التي ورثها عن ابيه اعطت له الامتياز ليفوز بوقت قصير، حين خرقت قوى الامير لم يكن له حتى الدفاع عن نفسه، رفعه ليونارد من رقبته مهددا: "انها اخر فرصة لك... اما ان ترشدني لانتاشيا اما ان اكمل عليك ضربا"
- أخرج الامير صوته بشق الانفس ليقول: "يمكنك ان تخلع رقبتي لكنك لن تجبرني ان ابوح لك بما لا اريد"
- عقد ليونارد حاجبيه وشد على قبضته فانكمشت اطراف الامير من الالم، قال ليونارد: "ما الذي بينك وبين انتاشيا؟
تهربت ضحكة من الامير، ابتسم نصف ابتسامة وقال: "ما كان هذا؟ أهي الغيرة؟"
لكمه ليو بأقوى ما لديه حتى ظن انه خلع رقبته، لكنه خاب ظنه حين رأى الامير عاد ليرفع رأسه تجاهه وهو يمسح الدم عن شفته ثم قال بنشوة عارمة: "احب ضربك لي كلما كان اقوى، احس بكل ذرة غيظ اذيقك اياها"
سك ليونارد على اسنانه ممتعضا ثم القى الامير ارضا، مسح يديه بعبائته ثم قال: "الا تموت يا فتى؟..."
تجاهله لينظر للنفق حوله مستشعرا المكان، اغمض عينيه لوهلة صامتا ثم مشى لداخل النفق، نهض الامير بتعب ليرى ليونارد يسير الى حيث تكون انتاشيا مسجونة، حاول النهوض لكنه وقع، حاول مجددا وكذلك وقع، علم حينها ان اللحاق به امر مستحيل فسمح لنفسه بأخذ قيلولة...
-----
وصل ليونارد الى طريق مغلق بالقضبان، القى تعويذة على القفل لكنها لم تجد، تذكر ان السحر لا نفع له مع البشر او ادواتهم بعد الان، اخذ الدبوس الذي يربط به عبائته وفك به القفل، دخل ليجد العديد من السجون، المساجين ما ان يروه حتى يركضو الى باب الزنزانة مادين ايدين طالبين مساعدته ليهربهم، تجاهلهم حتى وصل الى زنزانة بعيدة منفردة، امسك القفل ليفتحه لكنه وجده منصوع بشكل خاص، ليست الطريقة التي اعتادها، القى القفل من يده شاتما فارتطم بالقضبان مصدرا ضجيجا مزعجا، استدارت انتاشيا بفزع وما ان رأت ليونارد حتى زاد فزعها والتصقت بالجدار محاولة الابتعاد عنه قدر الامكان، نظر اليها باحتقار ثم تجاهلها وقبض على حديدتين من باب الزنزانة محاولا ان يبعدهما لكن دون جدوى، حاول مجددا والامر نفسه، جلس على الارض يستعيد انفاسه محاولا ايجاد طريقة اخرى، حين هدأ قليلا هدأت انتاشيا، اقتربت خطوات قليلة بتوتر وحرج سألته: "كيف علمت بوجودي هنا؟"
ما ان تذكر الدمار الذي حل في مملكة السحرة حتى قام غاضبا شاتما، تراجعت انتاشيا مرعوبة حتى هدأ، أخذ نفسا عميقا فأطلقه ثم نظر الى انتاشيا ببرود وقال: "اخبرك الامير ان الملك يهاجم مملكة السحرة، اليس كذلك؟"
اخفضت انتاشيا رأسها بخجل فاردف ليونارد:"وانت لم تهتمي حينها الا بحريتك؟...
ظلت انتاشيا صامتة فقال: "والدك اصيب واصابة بالغة وهو محتجز عند الملك..."تأملها ليرى ردة فعلها لكنها بالكاد تجاوبت معه، الى اي مدى قسى قلبها، اردف: "مملكتنا تدمرت بالكامل ..."
ظلت صامتة حتى اقترب من القضبان وقال:"الجنية الصغيرة التي ساعدتك على الهرب تركتها تصارع الموت... المسكينة كانت سعيدة بمساعدتها لك لانك نجوت من القتل، هي لم تكن تدري حتى انها قتلت بسببك"
وضعت انتاشيا يديها على اذنيها تحاول التهرب من الواقع الذي يخبرها عنه ليونارد، ابتسم بيأس ليقول:
"ووالدتك..."
صمت قليلا فرفعت رأسها مبعدة يداها عن اذناها بصدمة، ادمعت عيناها حتى اكمل "لقت مصرعها مع بقية السحرة" سرعان ما تجارت دموعها دون توقف
"كل ذلك بسبب ملاحقتك لحريتك... واي حرية هي... أهذه هي الحياة التي اخترتها على حياتك السابقة؟..."
عاد ليحاول ان يبعد القضبان عن بعضهم لكن دون جدوى، علم حينها ان تلك طريقة غير مجدية، نظر الى السجون حوله عسى ان يجد شيئا يساعده لكن دون جدوى، القى نظرة اخيرة الى انناشيا الباكية، تنهد بانزعاج ثم انصرف ليبحث عن حل في الخارج، عاد ليدخل النفق ومشى الى ان وصل الى نهايته، رآه الامير يسير وحده فأصدر ضحكة شماتة تلاها بقوله: "اذا... لم تستطع ان تفعل شيء... ولن تستطيع ان تفعل شيئا دوني او دون والدي، فنحن من يتحكم بالسجون وبنود المعاهدة تساندنا"
توقف ليو مكانه ثم استدار للامير مظهرا ابتسامة مستهزئة ليقول: "بل استطعت ان اجعلها تبكي بعد ان اعلمتها بحقيقة ما جرى... اظن هذا سيكفي حاليا..." عاد لينظر امامها واكمل سيره، نهض الامير من مكانه مناديا ليونارد، تجاهله الاخر فاخبره الامير انه يريد المساعدة، التفت ليو اليه ببرود ثم قال: "لست بحاجة الى مساعدة بشري... بالاخص انت بالذات..."
اظهر االامير نصف ابتسامة وقال: "انك في ارضنا، وهذا نقطة لصالحنا ضدك، بغض النظر عن الخيانة بدرت من قبلكم للمعاهدة
اسرع اليه ليونارد وامسكه من ياقة قميصه وعاد ليدفعه بالجدار: "ايها الوقح... انك اصل المشكلة كلها... لو انك تركت انتاشيا من البداية وكففت عن زيارتها لكانت الامور الان على خير... لكنك..."
تلعثم ليو من شدة انفعاله، هربت الكلمات من رأسه وخانه التعبير حين كاد الغضب ان يفقد عقله فترك الامير حينها محاولا ضبط اعصابه، سقط الامير على الارض فهو لم يأخذ كفايته من الراحة بعد من عراكه الاول، لكنه تحامل ونطق: "لذلك... اريد ان اصلح ما خربت..."
عاد لينظر اليه ليو قائلا: "مهما فعلت لن تكفر عن ذنبك فانت لن تعيد الارواح التي سلبت بسببك"
- اعلم ذلك، لكن على الاقل قد استطيع المساعدة في اعادة من تبقى من بني قومك"
نظر اليه ليو باحتقار ثم قال: "ذلك لن يحدث طالما انتاشيا خارج البرج"
نهض الامير وسار بثقل نحو انتاشيا قائلا: "تعال معي"
ترقبه ليو بانزعاج ثم سار خلفه
وصلو الى حارس السجن فوجده الامير ميتا على الارض، انصدم بذلك ثم نظر الى مصدوما، تجاهل ليو نظارات الامير واكمل سيره تجاه انتاشيا، اخذ الامير المفاتيح من جيب الحارس واسرع خلف ليو، وصلا اليها ليجداها ما تزال تبكي، نظر ليو الى الامير بمعنى "وماذا الان؟" رفع الامير المفاتيح ليريها لليو ثم قال: "ظننتك اذكى من هذا الحد" زم ليو شفتيه كابتا غضبه كي لا يقتله ثم سحب المفاتيح من يد الامير واسرع ليفتح الباب، ما ان فتح الباب حتى رفعت انتاشيا رأسها بسرعة لترى ليو داخلا السجن عازما على اخراجها منه، فجأة اطلقت العنان لشعرها كي يأخذ شكلا كروي حولها مشكلا حاجزا بينه وبينها، حاول ليو اختراقه الا انه كان اصلب من القضبان، رفسه غاضبا ثم صاح:"الى متى تنوين البقاء هنا ايتها المعتوهة، قومك في قبضة الملك وانت لا تهتمين الا لحريتك داخل هذا السجن..."
- اتاه صوتها من داخل كومة الشعر: "اولئك ليسو قومي، انا لا اعرف منهم الا امي... وامي..."
صمتت حينها لتعود للبكاء مجددا، تنهد ليو بانزعاج لينظر الى الامير ثم قال: "ادخل اليها واخرجها من هناك، انت السحر لا يؤثر بك..."
هز الامير كتفيه قائلا: "اسف لكن لست من النوع الذي يمسك سيدة محترمة ويجرها لاجبارها على الذهاب الى مكان ما...
- ليس هذا وقت الشهامة ثم... تلك ليست سيدة بل هي مجرد طفلة غبية لا تعي شيئا عن الحياة
- قد تكون بالنسبة لك مجرد طفلة لكن بالنسبة لي فهي اكبر مني...
- ضرب ليو رأسه بإستياء ثم قال: "لقد قلت انك تريد ان تساعدني... فكيف تفعل ذلك اذا؟
نظر الامير الى ليو بجدية ثم توجه الى كومة الشعر، ابعد بعضهم بيد واحدة مشكلا ثغرة ليمر منها للداخل، اسرع ليو خلفه لكن الشعر عاد الى مكانه فاكتفى ببعض الشتائم واستند على الجدار منتظرا النتائج
صدمت انتاشيا حين رأت الامير قد دخل بكل سهولة، جلس بالقرب منها والقى التحية ثم قال: "لا تقلقي فهو لن يستطيع الدخول"
ابتسمت حينها بارتياح ثم جلست بالقرب منه محافظة على شعرها كحاجز لتمنع ليو من الدخول، نظر اليها باشفاق وسألها:
- لما تبكين؟
نكست رأسها لا تعلم ان كان من حزنها ام خجلا من فعلتها، ثم قالت ببكاء: "امي... لقد ماتت..."
سكت الامير حينها فالقاتل كان والده، صمتا كليهما لحظات حتى قال الامير: ،عليك ان تعودي للبرج، عليك ان تنقذي قومك من قبضة والدي"
هزت انتاشيا رأسها نفيا لتقول: "هم ليسوا قومي... انا ليس لي الا امي... اما الباقيين لا يمتون الي بصلة، لم يعترفو بي يوما، لم يهتمو لامري ولا لوحدتي ولا لمستقبلي، امي كانت الوخيدة التي رافقت وحشتي ..."
استدار الامير بالكامل تجاهها، ربت على كتفها يحثها على النهوض قائلا: "انتاشيا... عليك ان تعودي الى البرج، انت مكانك هناك، لقد اخطأت يوم اخبرتك ان كل ما قالتله لك والدتك محظ خرافة، عليك ان تعودي فلو قتل والدي من تبقى ستندثر سلالتكم"
اخفضت بصرها بحزن متفكرة بالامر ثم نظرت لحيث يقبع ليو وقالت: "بغض النظر اني لا استطيع رؤية البرج فقد بت اكرهه، الا انني اكره ذاك المقيت اكثر من البرج بحد ذاته ويستحيل ان اذهب معه...
نظر الامير اليه ليقول: "بالتفكير بالامر، انه اسوء مما وصفتي، لم تذكري انه سريع الغضب ويضرب دون سابق انذار، ولا رحمة في قلبه ابدا...
سمع صوته من خارج كومة الشعر: "انا مازلت هنا وقد سمعتكما"
تهربت منهما ضحكة سريعة وعادا ليسكتا، توجه الامير لانتاشيا وقال لها: ماذا لو انه يذهب ويتركك وشأنك؟... هل تعودين؟..."
تفكرت بالامر قليلا ثم قالت:"انا يستحيل ان اعود للبرج، لقد عشت فيه اسوأ ذكريات عمري"
تنهد الامير بضجر ثم نهض تاركا اياها ليعود الى ليو ثم قال: لما البرج بالذات؟ الا يكفي ان تخرج من السجن وتذهب لمملكة السحرة"
- في البرج تعويذة تقوي السحرة حين وجود السليلة فيه، اما في حال عدم وجودها فقوتهم ستضعف لا محال..."
- ومن صنع التعويذة؟
- والد الوزير وأحد اجدادك
- تفكر الامير قليلا ثم قال: الا يمكننا ان نلغيها ونصنع بديلة في مكان اخر، فيبدو انها تكره البرج اكثر مما تكره العزلة بحد ذاتها"
اخفض ليونارد نظره شاردا ثم قال: "ان ذلك مستحيل، لا يمكننا إلغاء التعويذة من البرج كما لا يمكننا ان نصنع واحدة جديدة، ذلك يتطلب الاخاء بين ساحر صالح مع بشري صالح، لكن لن اجد بشريا صالحا فكلهم خونة..."
قال جملته الاخيرة بحقد ليفغر الامير فاهه ثم يقول: "لن تجد بشريا صالحا!... وماذا عن الواقف امامك؟"
اكمل ليو بحقد: "هذا الواقف امامي هو اسوأهم ولولا اضطراري لمساعدتك لما ابقيتك على قيد الحياة..."
ابتسم الامير بفخر ليربت على كتف ليو قائلا: "واضح ان انتاشيا لم تخبرك فيبدو انك لا تعرف شيئا عن شهامتي، الا ان كانت اخبرتك عني ومدحت بي لدرجة ان الغيرة قتلتك لذلك اصبحت اسوأ البشر بنظرك"
بازدراء نظر ليو الى يد الامير التي تلمس كتفه، لاحظه الامير فقال: "لا تقلك فانا الامير وفخر لك ان المسك، يمكنك المفاخرة بذلك حين تحل المسألة، اما الان..."
حرك رأسه سريعا ليتجاوز لكمة مباغتة من ليو ثم قال شامتا: "يبدو انني نجحت باستفزازك مجددا..."
شد ليو على قبضته مهددا وقال: "اخرج انتاشيا من هناك حالا"
- اجابه مستفزا: "لن تخرج الا بارادتها، وهي لا تريد العودة الى البرج"
اسرع ليو ليمسك الامير من قميصه مهددا: "وانت من وضعك حاميا لها، عليها ان تخرج من حيث هي لتقوم بواجبها...
انزلت انتاشيا شعرها ثم قالت بحرج: "اظن... ان فكرة الامير جيدة... ان تصنعا تعويذة جديدة في مكان جديد، فانا لا انوي العودة الى البرج و... ذلك سيحل المسالة ان كان كل ما تريده هو ان تعيد قوى السحر للسحرة" افلت ليو الامير وتفكر بالامر ثم نظر اليها وقال: "تقبلين الاتيان معنا بشرط عدم العودة للبرج؟..."
هزت رأسها ايجابا فقال: "في هذه الحالة دعنا نبادر العمل، لا استغرب لما اضطر جدك ان يعقد معاهدة مع البشر الانذال، لا بد انه كان يحتجز بعض الرهائن من السحرة مثل وضعي الان، نظر الى الامير باحتقار ثم قال لهما: "تعاليا معي"
قالت انتاشيا: لن اذهب معك قبل ان تخلع ذلك السواد المخيف
نظر اليها مستغربا فأشرت الى عبائته، فغر فاهه مصدوما ثم قال: "لا تكوني سخيفة، لا تقولي انك تخشين عبائة!
- ليست عبائة بل انها عبائة سوداء، تحمل هالات مخيفة كما انها تعيد الي ذكريات لا اريد تذكرها
- لن افعل ذلك، لن ارضخ لفكرة سخيفة، يفضل ان تقلعي تلك الفكرة من راسك
جلست انتاشيا على السرير عاقدة ذراعاها مكابرة بطفولة قائلة: "لن اخرج من هنا قبل ان تخلعها
نظر الامير اليه مغيظا اياه قائلا: "يبدو انه لا حل امامك، عليك ان تستجيب"
عاد ليو ليفغر فاهه ثم قال: "هل تؤيد الفكرة السخيفة؟"
لست اخاف من عبائتك كما هي تفعل، على العكس هي تعجبني وبشدة، لذلك لن امانع ان احملها عنك، سأرتديها طول الطريق
وابتسم ابتسامة عريضة ملئ وجهه السفلي
تنهد ليو بضجر ليخلعها بانزعاج فيعطها للامير" نظر الى انتاشيا قائلا: "هل انت راضية الان"
اخفضت الاخرى بصرها بشيء من الحياء حين بانت ملابسه الرسمية الراقية وبدت جميلة عليه، تجاهل ردة فعلها تلسهيفة بنظره وسار امامهما قائلا بتكبر: "هيا اتبعاني"
سار خلفه الاثنان وانتاشيا مازالت محتفظة بعلامات الخجل، اقترب منها الامير ولكشها بمرفقه هامسا: ماذا؟ هل اعجبك مظهره الجديد"
دفعته بانزعاج وقد ازداد تورد خداها وقالت: "اصمت! "
ضحك الامير من تصرفها ثم نادى ليو
- يا انت! الى اين نتجه؟ الى ارض السحرة؟
اجاب ليو دون ان يلتفت: لا... بعد ان يعودوا السحرة من الحجز سيكونون ناقمين على انتاشيا، والاغلب ان يحاولو قتلها، افضل ان اتركها في مكان لا يصل اليه لا البشر ولا السحرة
اظهر الامير استغرابا ليقول: "لا يصله احد منهما؟ اذا الى اين ستاخذها اذا؟
التفت اليه ثم نظر الى انتاشيا ليراقب ردة فعلها بعدما قال: "الى قرية مصاصي الدماء"
اصفر لون انتاشيا فجأة وتجمدت مكانها، ابتسامة مكر ظهرت على محياه لرؤية ذلك ثم عاد للجدية قائلا: "لدي قصر هناك وسط القرية ولم يجرئ احد يوما على الاقتراب منه فهم يخشونني على كل حال، ستمكثين هناك الى ان تموتي بأمان ولن يمسك احد بأذى"
استدارت واسرعت لتعود للسجن فظهر امامها وامسكها ليمنعها من المضي للسجن واضعا يده على فمها كي لا تصرخ وتجذب اسماع حراس السجون، طلب منها ان تهدا وظل يمسكها الى ان قررت ان تهدا لتسمع ما لديه، افلتها فاسرعت لتهرب مجددا فداس على شعرها فسقطت على ظهرها، توجه الى السجن قبلها واقفل بابه ثم عاد اليها، رفعها عن الارض، وجهها اليه وقال بحزم: "اهدئي واسمعي ما سأقول وان لم يعجبك نبحث عن حل اخر..."
ابعدت انتاشيا نظرها عنه بانزعاج فافلتها، أخذ نفسا عميقا ثم اطلقه مغمضا عينيه ليجمع شتات تركيزه فيبدو ان الامور لن تحل بسهولة، عاد لينظر اليها فيجدها اختفت، نظر لحيث الامير ليجدهما سويا يتحدثان ويضحكان، توجه اليهما، وما ان رأوه يقترب حتى اسرعا يهربان منه ضاحكين، وضع ليو كفه على جبهته يندب حظه: "تبا... لست ادري الى متى سأستطيع ان احتفظ بعقلي سالما وانا برفقة هاذان الاثنان، اتمنى ان انتهي من عملية الاخاء مع ذلك الاحمق سريعا كي ينصرف من امامي فهو مزعج ولا اطيق رؤيته، كما ان انتاشيا تستمد منه بالقوة، فحين تكون معه تبدو قوية وقادرة على الدفاع عن نفسها كأنه اصبح سندا لها، على عكس حين يكون بعيدا عنها حتى الكلام لا تتقنه، تتلعثم وتتعثر ووو، نظر الى حيث كانا ليراهما قد اختفيا، اختفى من مكانه ليظهر مجددا فتصرخ انتاشيا فزعة بينما يسحبها الامير من يدها ليعودا ويهربا منه ودخلا في نفق مظلم تقريبا حتى ترآئة لهما بقعة ضوء امامهما في الاعلى، قال الامير: "ها قد وصلنا" ركضا الكريق صعودا حتى وصلا وما ان دخلا بقعة الضوء وتجاوزاها حتى ظهرت الطبيعة الخلابة امامهما وسط غابة عذراء تجاورها شط صغير يلمع مياهه الزرقاء لثر اشعة الشمس الدافئة، لم يكن المنظر جديد على الامير فقد اعتاد المكان حينما كان يلجأ اليه عادة للتوجه الى انتاشيا دون ان يعلم به احد، مشت انتاشيا بذهول تجاه الشط حتى لكن اوقفتها جملة: "همذا كنت تهرب من القصر لزيارة انتاشيا اذا!..."
التفتا ليجدا ليونارد مستندا على احدى الاشجار قرب فوهة النفق، شهقت انتاشيا بفزع بينما اقترب الامير ليخاوطه بذراعه قائلا: "انت في مل مرة تذهلني اكتر، كيف استطعت انوتعرف الطريق دون ان ارشدك اليه؟..."
نظر اليه ليو باحتقار ثم نزع ذراعه عن اكتافه وابعد الامير عنه قائلا: "انا هنا منذ نصف ساعة انتظر وصولكما، لست بحاجة لأعرف الطريق كي استطيع الوصول، يكفى ان استعمل تعيذة الانتقال السريع لأصل الى حيث اريد"
اطلق الامير تنهيدة انزعاج قائلا: "لا تذكرني، لقد جربها الوزير علي يوم وجدني في غرفة انتاشيا مختئ تحت سريرها واعادني بلمح البصر الى غرفتي في القصر" عانق نفسه بعد ان اقشعر بدنه قائلا: "لقد كان شعورا مزريا ان يتغير معالم المكان ويختفي من حولي دون سابق انذار"
تجاهل ليونارد جملة الامير الاخيرة مركزا على جملة سبقتها، حدج انتاشيا نظرة حاقدة فابعدت انتاشيا نظرها برعب، لاحظ الامير ما يجري فدفع ليو بخفة قائلا: "لا تقلق فلم يحدث بيننا شيء، كل ما في الامر انني كنت اختبئ من والدة انتاشيا حين باغتتنا بزيارتها المفاجئة و..."
- لست مهتما
انصرف ليو بعدما قال جملته تلك ببرود وتلاها بقوله: "هيا لا وقت لدينا فلا نعلم ما يخطط له والدك" القت انتاشيا نظرة اخيرة للشط بحزن حيث لم يتسنى لها حتى ان تراه عن قرب، امسكها الاميؤ من يدها واسرع بها الى الشط قائلا: "يمكن للتعويذة ان تنتظر، دعينا نتسلى بعض الوقت، اسرع بها الى الشاطئ ليلتفت ليونارد وينظر اليه بحقد، توجه اليهما والغضب تجاوز قدرة احتماله، صرخا عليهما ليعودا لكن الامير تجاهله ساحبا انتاشيا خلفه، بينما بقيت عي محتارة أتكمل الى الشط مع الامير ام تذهب لتكمل مهامها مع ليونارد، اسرع ليونارد اليهما وامسك انتاشيا من يدها الاخرى ليوقفهما قائلا: "لا وقت لنا للعب الان فالوقت يمضي"
- الامير: انها بضعة دقائق، من يهتم لها؟ هي لم ترى البحر في حياتها
- فلتره مرة اخؤى الان لا وقت لنا، المسألة مسألة حياة ام موت
نظرت انتاشيا الى الامير بحزن قائلة: "انه محق، لا وقت لنا لنضيعه، علينا الاسراع قدر الامكان"
افلتت يده لتنضم الى ليونارد لكن الامير غاد ليمسكها، نظر الى الاميؤ وقال له: "نحن الان هنا في الشط، انت تعلم اننا لو ذهبنا للقصر وقمنا بالتعويذة فهي لن تخرج من قصرك مجددا... يتسنى لها رؤية الشط مجددا... اسمح لها ذلك الان ولو فقط لعدة دقائق" ساد الصمت قليلا ليخفض ليو بصره قائلا: "اذهبي... لديك خمس دقايق لا تتأخري اكثر من ذلك"
ابتسمة شقت ثغر انتاشيا وقبل ان تشكره على لطفه معها سحبها التمير كي لا يضيع ولا ثانية واحدة، ولم يكن بالانر الجديد غلى ليونارد لانها في كل مرة تنسى ان تشكره على جمائله بل تزداد له عداوة لسبب لا يستطيع ان يفهمه، وقفت بمحاذاة المياه تشبع روحها بصفوة ورقة المحيط، دفعها الامير لتسقط على الماء وتبتل الى ركبتيها ثم قال: "لا تقفي هكذا فالوقت يمر، دعينا نلعب قليلا" انحنى مادا يده الى المياه ورشقها بهم، شهقت في الوهلة الاولى من برودة المياه لكنها فيما بعد رسمت ابتسامة خبيثة لتأخذ بيدها بعد المياه وتدفعهم اليه فيبتل، اقترب ليونارظ وجلس تحت شجرة قريبة ينتظرهم الى ان ينتهو، رغم انه كان عادة ساحر جادا لا يعرف البهجة واللهو الا انه استأنس برؤية صخبهم وهم يلعبون ويصرخون، بعد برهة اعمض عينيه ليرتاح قليلا من نهاره الشاق، نظر اليه ليو ولم يشتطع ان يقاوم الفكرة الشريرة التي لمعت بذهنه، اشر للانتاشيا لتتوقف ثم انحنى الى المياه ورمى بعضها تجاه ليو، خاب امله حين رأي ان المياه لم تصل اليه وظل نائما كأن شيئا لم يحدث، عاد لينظر الى انتاشيا لتعود اليه تبك الابتسامة الخبيثة، اقترب منها ليهمس لها فابتعدت عنه رافضة لطلبه، ظل يصر عليها حتى حتى اخيرا استجابت، وجهت اصبعها الى المياه ثم اشارت للأعلى لترتفع نقطة مياه واحدة، نظر اليها الامير ببلاها وقال: "هل هذا كل ما ستوجهينه اليه!... "
ضرب نقطة المياه في الهواء لتتلاشى ثم قال لها: "لا تستخدمي اصبعة واحدا بل استخدمي كلا يديك، نقطة واحدة لن يشعر بها"
نظرت انتاشيا الى الامير بصدمة قائلة: "لا لن افعل ذلك... لو فعلت سيقتلني"
ابتسم الامير بثقة ليقول: "لن يفعل ذلك وانا هنا لحمايتك، ثم انه يمكنك ان تحرك شعرك كما فعلت مسبقا لتشكلي حاجزا فلن يستطيع ان يصل اليك...
نظرت اليه بانزعاج قائلة: "ليس بحاجة لان يصل الي ليقتلني، يكفي ان ينظر الي نظرته المخيفة تلك..."
تهربت منه ضحكة سريعة ثم قال ساخرا: "انت جبانة بشكل لا يصدق..."
اصطنعت غضب طفولي فعاد ليقول لها: "هيا افعلي ذلك... لن يكون الامر ممتعا لو لم تفعليه، سيكون اعتياديا جدا..." رددت نظرعا بين الامير وبين ليو بقلق وحيرة فقال لها: "لا تقلقي، لن يفعل لك شيئا فانت مهمة بالنسبة له ولن يفرط بك، يحتاجك لاعادة بناء مجد بني جنسه"
غضت انتاشيا شفتها السفلى ثم وجهت يديها للمياه، اشارت بهم للاعلى ليرتفع من البحر كرة مائية ترقبها الامير بحماس ثم قال: "الان صوبيعا عليه" قالت له: "مهلا فانا لم اتعلم الرماية عن بعد... وقد لا اصيبه من هنا" سارت الكؤة المائية من بين يديها ببطئ وحذر حتى وصلت فوق رأس ليو، ادارت كفيها بتجاه الاسفل لكن صدمهما ان المياه لن تنزل بل بقيت مكانها، وعلى حين غرة غسلتهما موجة عملاقة ليضحيا مبللين من الاعلى الى الاسفل، تهربت ضحكة صغيرة خفيفة من ليو ليبعد بإشارة منه كرة المياه من فوقه وعاض ليغمض عينيه دون ان يعلم ما خلفت تلك الضحكة التي لم يتعنى لها الكصير في قلب انتاشيا الصغير، نظر اليها الامير مستغربا: "لما انت منذهلة؟... لم ينظر اليك تلك النظرة المخيفة حتى؟"
وضعت انتاشيا يدها على قلبها لترسم ابتساامة ساحرة على ثغرها وتسقط مغشية على المياه، اسرع الامير اليعا مناديا باسمها بفزع ووضعها على الرمال وعلى صوته نهض ليونارد مفزوعا واسرع اليهما، انحنى امامها متوترا لا يعلم ما يصنع، يستفسر من الامير ما حدث بعجل وقلق والامير ينظر اليه رافعا احدى حاجبيه غير قادر على ان يقاوم الضحك فظهر على شكل ابتسامة مجعدة، نظر اليه ليو بحدة ثم قال: "هل كل ذلك تمثيل؟"
فرط الامير حينها ضحكا ليقول: "لا ليس هذت ما في الامر لكنك قلق عليها اكثر من اللازم، قد تكون مجرد ضربة شمس"
اخذ ليونارد حينها نفسا عميقا ليستعيد انفاسه التي اخذتهم النئزة ثم القاه مجددا، سكت الاثنان حين رأها تتحرك واستمعا لما تقوله ولم يغفلا عن ابتسامتها التي مليها الشغف "لقد ابتسم لاول مرة"
صدم كلامها من كلامها وما ان فتحت عيناها حتى وجدتهما ينظران اليها مصدومين، نهضت مسرعة تحاول اخفاء وجهها منهما بحرج اسرعت لتختبئ خلف نخلة، نظر الامير الى ليونارد قائلا: "اظن ان سبب الاغماء لم يكن ضربة شمس" نهض ليو بانزعاج لينصرف دون ان يتحدث اي كلمة ثم عاد ليجلس تحت الشجرة مهموما، استغرب الامير تصرفه اذ انه خاطبها ويفترض ان يسعد لذلك، فما سر هذا التجهم، اقترب منه ثم جلس بالقرب منه قائلا: "ماةالذي اصاب فجأة؟... لما انقلبت هكذا ما ان سمعت كلامها؟ " نظر اليه ليو نظرة غامضة ثم ابعد نظره عنه قائلا: "لا تتدخل بما لا يعنيك"
زاد استغراب الامير من ردة فعل ليو، استند على الشجرة قرب ليونارد متفكرا بما قد يدور في باله ثم تذكر كلام قاله حين كان في السجن وهة يكلم انتاشيا، توجه الامير الى ليو ليسأله: "ما الذي قصدته بالسجن حين اختبرت انتاشيا انك لا تنتمي الى بني قومها؟ علما انك ساحر مثلها..."
سكت ليو منزعجا فألح عليه الامير حتى التفت ليو اليه صارخا غاضبا: " قلت لك الا تتدخل بما لا يعنيك" انصدم الامير من ردة فعله العنيفة فلطالما كان هادئا محكما لعقله، ومنذ ان التقاه اكثر ما بدر من غضبه ان اغاظه كان لقمة مباشرة دون مقدمات، فلما يقدم على الصراخ هكذا انسان باردا مثله عديم المشاعر عند سؤالي له سؤالا سخيفا كأصل انتمائه، بعد التفكير بالامر قد لا يكون مجرد سؤال سخيف، فهذا الامر يحوم حوله تسائلات كثيرة، قطع تفكير الامير ليو حبن نهض طالبا ان يعودا الى رحلتهما الى قصره، تحلى البرود على وجه الامير ليقول بحزم: "اسف لكن لا يمكنني الاستمرار بهذه المهمة في حال عدم اخبارك اياه عما يجري معك، ما الذي تخفيه عننا... نحن سنتأخى وعلى الاخوة ان يثقا ببعضهما"
استدار ليو ليعطيه ظهره قائلا: "
لا باس... ابقى فهنا فقد انتهت مهمتك، كل ما اردته هو ان اخرج انتاشيا من السجن وقد فعلت"
- لن اسمح لك بأخذها معك
- نظر اليه باستخفاف قائلا: "لست ندا لي... فانا من اعظم السحرة هنا"
- عظمتك كساحر لن تجد شيئا امامي فانا بشري، وسحركم بعد نقض المعاهدة لن يجدي امامي"
تبادلا نظرات تحدي لفترة حتى القى ليو نظرة الى انتاشيا الجالسة التي ما تزال تلعب بمياه البحر جاهلة بما يدور حولها، عاد لينظر الى الامير وقال له: "لم يكن والدي من سحرة مملكة انتاشيا، بل مان من خارجها"
نظر الامير مستغربا الى ليو ليقول: "لكن ما من مملكة اخرى للسحرة في الجزيرة الا تلك..." فتح عيناه على وسعهما ليقول بدهشة: "لقد كان والدك من خارج الجزيرة!... هاهاها لا اصدق... لذلك كنت مسافرا قبل ان تقدم لخطبة انتاشيا، ولذلك سحرك يؤثر علينا نحن البشر ولو بنسبة ضئيلة... لا تقلق يا رجل، ليس ذلك بالامر العام الذي يجب عليك اخفائه فانا امي ايضا من خارج الجزيرة... لذلك لم اكن غبيا كما البقية هنا..."
قاطعه ليو قائلا: "لذلك لم تحجب عنك انتاشيا، ولذلك لم تتأثر منها بارتكابها للخطايا كما حدث مع البقية"
رمش الامير عدة مرات مستغربا ثم قال: "هل ذلك صحيح؟ لطالما تسآئلت عن ذلك"
اردف الامير: "وها قد وصلتك الإجابة، الان هيا دعنا نمضي"
نهض الامير بحماس لينادي انتاشيا، اوقفه ليو فتوقف ينظر اليه فقال ليو: "اتمنى ان لا تعرف انتاشيا بهذا الامر" استغرب الامير من طلبه لكنه عاد ليوافقه وانطلق...
يتبع...