09-10-2017, 01:30 AM
|
|
وحين وصلت إلي محطة القطار لم يكن لها وجهة محددة تريد الذهاب إليها .. نظرت إلي تلك القطارات المتلاحقة في شرود وكأنها تتعرف علي شكل تلك الأشياء للمرة الأولي وفجأة هبت واقفة وركبت قطارا .. هي لا تعرف إلي أين سيأخذها .. حتما سيأخذها إلي مكان ما ... هي لا تأبه للمكان .. ولا تهتم لأي شئ .. وكأنها مغيبة .. حتي أنها تمشي كالمسحورات.. لا تعلم أين أو كيف تمشي .. جلست إلي جانب تلك النافذة ... عتيقة وبها أتربة وأعقاب سجائر رخيصة الثمن ...تفحصت الناس من حولها .. ودت لو قبلتهم من فرط فرحتها بأنها حققت حلمها وركبت تلك الآلة الحديدية أخيراا ... حملقت إلي خارج النافذة .. سمعت أذناها حديثا خافتا بين عجوز وشاب حول روعة مدينة الأسكندرية وكرم أهلها .. إذن إنها الأسكندرية للمرة الألف بعد المائة .. تري أستجد ما ينقلها إلي البحر لتنقل له ما بها ... لا يهم حتما ستري البحر بطريقة أو بأخري وستتناول قهوتها هناك... وتفيق من حلم يوم جميل لتعود إلي حياتها المقززة مرة أخري ... سيكون الأمر كما كان دوما .. سرا بينها وبين البحر ... سرا تتناقله الأمواج .. سرا عن فتاة مجنونة .. صغيرة بعض الشئ ... تأتيه بغير موعد .. تحادثه .. تشكو له .. تبكي أحيانا .. تضحك أحيانا أخري .. تتعبه حين تلاحق صدفاته ..أو تقفز كالطفلة علي ظهر أمواجه أو تتسلل وتقف علي صخره... و تسأله عن أحواله .. يبهره فيها حبها للحياة حتي أنه أسماها (حياة) وتهرب إذا ما وجدت إناس آخرين يجلسون في رحابه وتودعه في المساء بابتسامة رقيقة .. سرا عن فتاة صغيرة في قلبها وتفكيرها ونظرتها وعمرها .. وعجوزة شمطاء في أوجاعها .. سرا عن فتاة كلما وقفت تحادثه تخيلت شخصا مجهولا .. في بلد مجهولة ..يقف علي شاطئه في الجانب الموازي لها ...ينقل سرا للأمواج .. يشبهها بعض الشئ .. لعله يفكر فيها مثلما تفعل .. لعله يشعر بها .. ولعلهما يلتقيان .. والواقع أنهما لن يلتقيا وإن مرا إلي جانب بعضهما لن يعرف احدهما الآخر .. هي لا تعلم لماذا دوما يجذبها كل ما هو مجهول .. لعل السبب أنها عاشت دوما كذلك .. حاضرة أمام أعين الجميع ولكنها كالطيف لا يشعر به أحد..
للمرة الثانية.. استيقظت من حلم يقظتها .. هي لم تحقق حلمها وتركب القطار ولم تشكو أوجاعها للموج المسافر عبر البلاد .. هي تحلم كعادتها .. ولكن أحلامها مختلفة .. فأحلامها لا تأتي في المناام.
__________________ _ |