#131
| ||
| ||
الزهرة التاسعة و الثلاثون : أقزامٌ عِندَ نِهايَةِ السُلَم. ساعَةٌ رملية زجاجية عملاقة وسط عتمةٍ ساطعة، تخر رمالها المستقرة في الأعلى إلى الأسفل بنبرةٍ متعبة و صوتٍ خالٍ من المشاعر قالت جوليا : إنه شعورٌ غريب فعلًا... تستمر الرمال في السقوط فتردف : أشعر.. بحرارةٍ في صدري ؛ إنه يبعثُ على الحنين ؛ لِم .. أشعرُ أنني كنتُ هنا قبلًا ؟ تتساقط حبات الرمل الأخيرة لتنتشر العتمة في المكان فتسمعُ جوليا صوتًا هاتفًا أيقظها من عالمها هتفت بياتريس : جوليرين !! اتسعت حدقتا عيني جوليا لتلتفت نحو بياتريس سريعًا فقالت الأخيرة : أأنتِ بخير ؟، أحدثكِ منذ بعض وقتٍ و أنتِ لا تبدين أي ردةِ فعل... جوليا : آسفة.. كنتُ شاردة الذهن قليلًا فقط. سألت روبي بقلق : أأنت متأكدة من أنكِ بخير ؟ ابتسمت جوليا و هزّت رأسها موجبة ثم أجابت : أجل، لا تقلقي أنا بخير !، لنواصل ! أثناء ما كان هذا الحوار الصغير يدور بين ثلاثتهن، كان الجميع يهرول فوق الدرجِ الزجاجي العملاق صعودًا إلى القمة، فأخذت جوليا تتذكر ما حدث قبل عدة ساعات و قبل هرولتهم الدرج - قبل عدة ساعات - كان كل من راين، بياتريس، لوكي، جوليا، روبي و ماركوس يقفون بهدوء و جدية مجتمعين ليظهر هاري من خلف الدرج قائلًا : لقد تحققتُ من المكان، لا يوجد طريق آخر سوى هذا السلم. رفعَ البقية رؤوسهم إلى الأعلى بحثًا عن قمةِ السلم لكنهُ بالفعل اختفى بين السحاب قالت جوليا : حسنًا... لا أظن الأمر بهذا السوء، سنتدبر أمرنا باستعمال السحر... فهتفت روبي من فورها : غير وارد. نظر إليها الجميع لتردف : أحاول منذ مدة لكن دون نتيجة... ماركوس : أتحاولين القول أننا لا نستطيع استخدام السحر ؟ سكتَ الجميع لبضع ثواني ليحدثَ أليكسي ذاته : و لذا لم أكن أستطيع الإتصال بماتشان.. ثم بدأ ماركوس بتلاوة التعويذة تلو الأخرى عله ينجح في استخدام سحره لكن دونما فائدة فجثا على ركبتيه و يديه ينظر إلى الأرض بعيونٍ متسعة و احباطٍ شديد قال هاري بهدوء : أنبدأ الصعود ؟ فردت بياتريس بهدوء وكذلك البقية : هيا روبي : لنذهب لوكي : لا خيار آخر ماركوس : أريد العودة إلى المنزل ~ - عودة إلى الحاضر - و بعد وقت قطعًا ليس بقصير و الذي قضوه ما بين تسلق السلم و التوقف للراحة، أخيرًا بات بامكانهم رؤية نهاية السلمِ الزجاجي المتصلة بعمود الفيروز، وقفوا على تلك المنصة الفيروزية يحدقون بكل ما عليها بدهشةٍ شديدة، فقد كانت النباتات الغريبة تملأ الحواف و جزءً قليلًا من المنتصف، و من بين تلك النباتات كانت زهرة وحشية بلون أرجواني تنام قرب باب مستدير إلى الأعلى مقوس إلى الداخل عند الجانبين صنعَ من الزفير الأزرق الصافي، و حوله إطار من الذهبِ الخالص يزين أعلاه تاج كذاك الذي ترتديه الملكات تتوسطه قطعة توباز سماوية على شكل برسيم ذو أربعَةِ أوراق توجهت أنظارهم إلى الأسفل حين سمعوا ذلك الصوت الطفولي يقول : أنتَ.. لستَ كا.. ترينا ساما... و كان ما رأوه ليس سوى قزمٍ أخضر صغير بدا جسده و كأنه مصنوع من الحشائش أو الشجيرات، بيدان و قدمان أسطوانيتان خاليتان من الأصابع و حول وجوهه الأصفر زهرة باللونِ الوردي فوقف خلفه قزمٌ آخر بزهرةٍ مختلفة اللون ليقول : ضيف ؟... ضيـ.. ـوف كاترينا.. ساما ؟ تجمعَ الكثير من الاقزام حولهم يهتفون بتفاوت : ضيوف ضيوف ضيوف ضيوف في تلك اللحظة كان السبعة ينظرون إلى ما يحصل أمامهم بذهول ليفاجَأوا بالأقزام تحملهم على رؤوسها ثم ترميهم أمام تلك الزهرة الوحشية الحدباء ابتسم ماركوس ابتسامةً صفراء قائلًا : لا أظن أنهم يعاملون ضيوفهم بلطف.. اقتربت منهم الزهرة الوحشية و كأنها تتفحصهم ثم أخذت تشمهم بضع مرة لتفتح فاها على حين غره و يتطاير لعابها الحمضي حولهم في كل مكان |
#132
| ||
| ||
الزهرة الأربعون : أسعِدوا فيو. دَنت منهم تلك الزهرة الوحشية الحدباء أرجوانية اللون تشتم روائحهم بضع مرة ثم فتحت فاها على غفلةٍ فمنهم و يتطاير لعابها الحمضي حولهم في كل مكان، أغمض السبعة أعينهم شاعرين أنها النهاية، لكن مضى الوقت و هم ما زالوا بخير، فتحوا أعينهم ببطءٍ شديد يتفقدون محيطهم، ما رأوه حينها كان جنية صغيرة شقراء الشعر خضراء العينين ترتدي فستانًا من أوراقِ النباتات و يلتف حول خصرها حزام من أوراق الصفصاف الباكي ينتهي بزهرةٍ حمراء يمينه، شعرها القصير أبقته منسدلًا و علقت على جانب غرتها الأيمن زهرةً أخرى مشابهة لتلك التي على خصرها لكن أصغر، كانت تجلس على ركبتيها داخل فم تلك النبتة الوحشية تمطط جسدها و تفرد جناحيها الخضراوين شبه الشفافين ثم تتثائب بعينان دامعتان و تفركهما ببطءٍ شديد قالت بصوتها الطفولي الناعم مربتةً على لسان الزهرةِ الوحشية : صباح الخير، فيو.. التفتت إلى الجانبِ الآخر لتلمحَ بياتريس، راين، لوكي و البقية فتتثائب مجددًا قائلة بلا مبالاة : اوه، ضيوف.. أهلًا بكم في فييلو، بلغة هذا العصر فهو النعيم، عالم صنعتهُ كاترينا ساما داخل الشجرة العظيمة.. *فييلو cielo - تعني حرفيًا الجنة. أشار ماركوس بإصبعه نحو الزهرة الوحشية و سأل مرتبكًا : اممم، على أي حال هذا... نظرت الجنية نحو الزهرة الوحشية فردت بنفس نبرتها السابقة : اوه، أعتذر، أدعى ميرا، جنية غابة، وهذه هنا صديقتي المقربة فيو.. قالت جملتها الأخيرة و هي تمسح على لسان فيو بلطف هَتَفَ كلٌ من ماركوس و أليكسي محدثين ذاتهما : أهذا الشيء أنثى !! سألت بياتريس : عفوًا لكن، أُخبرنا أننا إن عبرنا من هنا فسنبلغ قرية الزهور، أنى لنا ذلك ؟ عادَ ماركوس يحدثُ نفسهُ هاتفًا : أنى لكِ تقبل الأمر بكل بساطة ؟!! شبكت ميرا أصابعها معًا و أخذت تمد يديها أعلى و أسفل ثم قالت : حسنًا حسنًا لا تستعجليني، فييلو هو بعدٌ أسسته كاترينا ساما ليكونَ الجسر بين هذا الجانب والجانب الآخر ما بعد الجزرِ العائمة، أي أنه أساسًا مصمم من أجل الوصول إلى فلوريس بيوبلو. *للتذكير، فلوريس بيوبلو - قرية الزهور نهض راين ينفض الغبار عن ملابسه قائلًا بهدوء : إذًا.. ما الذي علينا فعلهُ للوصول إليها ؟ رفعَ رأسه مع آخر كلمة ينظر إلى ميرا التي ارتبكت وتلعثمت في كلامها، حمحمت و قبضتها أمام فاها ثم فتحت عينيها قائلة : أولًا عَليكم خوضُ أربعة اختبارات لتثبتوا جدارتكم و استحقاقكم الذهاب إلى هناك، و إن نجحتم في الاختبارات الأربعة ستقوم كاترينا ساما بإيصالكم إلى وجهتكم.. راين : وهذه الاختبارات هي ؟... شتت نظراتها عنه ثم قالت : أولًا عليكم تسلق السلم الزجاجي، ثُمَ إسعاد فيو، ثُمَ احضار سنبلة من الذهب، و أخيرًا ستذهبون إلى القصر الإمبراطوري حيثُ ستقوم كاترينا ساما بطلب شيء معين منكم و ما عليكم سوى تلبية طلبها ثم تنتقلون إلى الجانب الآخر من العالم، و الآن، هَل لا نبدأ بدورنا من الاختبار ؟ هاري : و ما الذي علينا فعله ؟ ابتسمت ميرا قائلة : هذا سهل، فيو هيَ زهرة وحشية، عاشت خمسون عامًا، و هي تبحثُ عن السعادة، لونُها المفضل هوَ البنفسجي، تكره الوحدة و هي بالمناسبة ليست نباتية.. و هذا يعني أنكم إن فشلتم ستصبحون عشائها ~ ازدردَ هاري و ماركوس ريقهما ثم قالت روبي مفكرة : كيفَ يمكنكَ إسعاد زهرة ؟، أليست في العادة الزهرة هي من تسعدك ؟ قطبت ميرا حاجبيها وقالت بانزعاج : هذهِ قاعدة فرضها البشر من تلقاء أنفسهم !، و هي لا تنطبق علينا فقط لأنكم قررتم ذلك !، و بالمناسبة عليكم الإسراع أكثر لأن وقتكم ضيق. انطلق حبلُ نبات زاحف نحو ماركوس متشبثًا بقدمه فيسحبه ليتدلى من حافة المنصةِ الفيروزية فهتفَ ماركوس فزعًا : اوي اوي اوي اوي اوي !، لماذا ؟، ما الذي يحصل ؟!! ابتسمت ميرا بثقة هاتفة : بارتيدو كومينزو ! *بدأت اللعبة فرقعت ميرا أصابعها لتتشكلَ أرقام فوق التاج الذهبي للباب من العدم، كانت حمراء متموجة كسائل كثيف و هذه الارقام هي 05: 59 :59 حلقت ميرا نحو الأرقام و بسطت كفها تحتها مشيرة إليها قائلة : كما ترون لديكم سته ساعات لذا، كافحوا ~ بدأت الأرقام تعد تنازليًا كعلامة على بدأ الاختبار و استنفاذ الوقت مما جعل الفزع يتسلل إلى قلوب البعض أخذت بياتريس تهمس : 50 عامًا، بنفسجي، تكره الوحدة، تبحث عن السعادة، نبتة وحشية... أخذ الوقت يمر و يمر حتى وصل العداد 03: 28: 44 هَتفَ ماركوس المعلق من ساقه يتدلى إلى الأسفل : هلّا أسرعتم ؟، الدماء جفت تمامًا حتى عدتي و رأسي سينفجر حقًا... هَتفت به روبي بانزعاج : نحن نحاول أيها الاحمق ! فقال بعفوية و حزنٍ مصطنع بينما يمسح دمعة وهمية : أشعر بالوحدة !، لوكي تشان تطوع للتدلي بقربي ! فجأة اتسعت حدقتا عيني جوليا لتهتف بسعادة : ماركوس أنتَ عبقري ! فقال ماركوس ببلاهة : هاه ؟ أخذت عينا جوليا تجولان المكان محدقتان بما حولها بينما هي تسند كوعها على كف يدها الأخرى و تمسك ذقنها بين الإبهام و السبابة نظرت أخيرًا إلى ميرا و فيو هاتفةً بثقة : ميرا !، لقد وجدتُ ما يُسعدُ فيو ! أثناء قول جوليا سطرها كانت ميرا تجلس بملل و تمسد على لسان فيو فانتفضت من فورها لتهتف بحماس : لديكِ فرصة واحدة ! ابتسمت جوليا بثقة على عكس التردد الذي يشتعل داخلها فهتفت : لا انتيغيوا الكيميا : أوقو ! *الخيمياء القديمة **Ugo مجرد اسم ماله معنى تَصدع الفيروز قريبًا من فيو لينبت فيه ذكر زهرة وحشية بنفسجي اللون أردفت جوليا : اسمهُ هوَ أوقو، أتمنى أن تنسجما جيدًا معًا، فيو تشان قابلتا الزهرتان الوحشيتان بعضهما كما لو كانا يتفحصان أحدهما الآخر لتنتشر حولهما هالةٌ زهرية امتلأت بالقلوب خَصرت جوليا يديها ثم قالت : الزهور الوحشية تعيش لمائة و خمسون عامًا على أقل تقدير، عندما تبلغ الزهور الوحشية الخمسون عامًا فهذا يعني أنها في السن الذي تبحث فيه عن الإستقرار. سأل هاري متفاجئًا : دعكِ من هذا، كيفَ استخدمتِ السحر ؟ ابتسمت جوليا و أغلقت عينيها ثم بدأت تهز رأسها نافيةً ببطء لتقول : الخيمياء ليست سحرًا، هاري تشان، إنها بديل للسحر، شرط الخيمياء الوحيد هو أن تكون عالمًا بالتركيبة الأساسية لما ستصنعه و هي تقتصر على تكوين المواد بالحالات الثلاث، يمكن للكيميائيين انتاج النار و الرياح مثلًا لكن لا يمكنهم العبث بها على عكس السحرة، كما أننا لا نستطيع إستعمال الخيمياء للتخاطر أو الانتقال الاني مثلكم. بياتريس : إذًا ؟ نظرت جوليا إلى ما حولها لتقول : هذا المكان بأكمله مصنوع من الخيمياء !، إن كانت المدعوة كاترينا حقًا من أنشأ هذه الشجرة فهي و بدون شك أعظم خيميائية مرت على وجه التاريخ و ستبقى كذلك !، ما ساعدني على ادراك الأمر هو تلك الساعة الرقمية، إنها زئبق، و لا يمكن لأحد أن يتحكم بالزئبق ما لم يكن خيميائيًا. ابتسمت ميرا قائلة : تمامًا كما قلتِ، جوليا ساما.. لقد نجحتم !، حظًا موفقًا في جلب السنبلةِ الذهبية ~ فُتِحت البوابة الزفيرية على مصراعيها لتنبثق منها حبال نباتية زاحفة تتشبث بأقدام السبعة و تسحبهم إلى الداخل بسرعةٍ كبيرة ثم تصفق أبواب البوابة بقوة. |
#133
| ||
| ||
الزهرة الحادية و الأربعون : سنبلة من الذهب. فضاءٌ أسود يغلف المكان، جاذبية شبه معدومة فيطفو كل من فيه و ما فيه، يقفون محدقين بما حولهم و تحيط بهم آلاف الأبواب بكل الأحجام و الأشكال، فباب ألماسي نُدب عليهِ شكلُ ثلجة أو آخر حجري حفر عليهِ بركان فتوهجَ بألوانِ الحمم قالَ ماركوس : لِمَ بحق الجحيم كل شيءٍ عجيب هُنا ؟ فأجابتهُ ميرا : لأنَ كاترينا ساما تبتغي ذلكَ أجفلَ ماركوس مبتعدًا خطوةً إلى الخلف فقال : وااااه !، هذا كان مفزعًا ! سألت جوليا : ما الذي تفعلينهُ هُنا ميرا ؟، ألم ينتهِ دوركِ من الإختبار ؟ ارتبكت ميرا قائلة : اوه لقد جئت من أجل رايـ-.. كاترينا ساما أرسلتني من أجلِ إرشادكم داخل القصر الإمبراطوري حدثت ذاتها بنبرةٍ طفولية نادمة : سامحيني كاترينا ساما !، ميرا قد كذبت توًا فقط !! اكتست نبرة روبي الغضب فقالت : كاترينا ساما قالت هذا كاترينا ساما قالت ذاك !، أوليس الامر كأنكم بلا إرادة ؟! فأجابتها ميرا بالقليل من التكبر : و ماذا يمكن لبشريةٍ جاهلة مثلكِ أن تعرف ؟!، نحنُ أقسمنا بولائنا لها بكامل إرادتنا !، هيَ لم تغصبنا يومًا على شيء !، حتى أنتِ من المفترض بكِ أن تمتلكِ شخصًا كهذا لا ؟! فجأة توسعت عينا روبي لتتذكرَ مشهدًا حيثُ يبتسمُ لها شخصٌ ما قائلًا : روبي ، هاري، مار، سأكونُ حليفكم أنتم و أنتم فقط دومًا ! عادت إلى أرض الواقع لتعض على شفتها قليلًا ثم تقول بجدية مزجت ببعض الحزن : معكِ حق.. كان موجودًا.. قالَ ماركوس محاولًا تغيير الموضوع من فوره : ميرا تشان أمتأكدة أنهُ لا بأس بتضييع الوقت هنا ؟، أوليس هناكَ وقتٌ محدد كالإختبار السابق ؟ ؟، لا أود أن أكون معلقًا رأسًا على عقب ثانية ~ فينطلقلُ حبلٌ آخر من العدم متشبث بساقِ ماركوس ليفتحَ بابًا مؤدي إلى بركان ثائر فيتدلى فوقهُ مجددًا هتفَ بإنزعاج : فقط لماذا يجبُ أن يكونَ أنا بحقِ الجحيم !! ميرا : خذ الأمر ببساطة عزيزي ~ تذمرَ ماركوس قائلًا : أقسم لكم أني أريد العودة إلى المنزل... التفتَ راين نحو ميرا ليقول : إذًا ماذا علينا أن نفعل ؟ ميرا : هذا بسيط جدًا، بين هؤلاء الأبواب هُناكَ بابٌ نقش عليهِ سنبلة من الذهب، كل ما عليكم فعلهُ هوَ احضار سنبلة ذهبية تتطابق مع السنبلة على الباب و تركيبها هناك ~ سألت بياتريس : إذًا أينَ يُمكننا إيجاد تلكَ السنبلة ؟ ميرا : من يعلم ؟، ربما تعوم في مكان ما ؟، أو داخلَ أحدِ الأبواب، و ربما توجدُ داخلَ أحدكم حتى ~ مجددًا ظهرت الساعة الرقمية الزئبقية لكن هذه المرة استمرت من حيثُ توقفت عند منصةِ الفيروز، و في مكانٍ ما ابتسمت شقراء الشعر التي تطلي شفتها السفلية بالأحمر الدموي لتقول : و الآن ؟، ما الذي ستفعلينهُ جوليا ؟ أما عندَ السبعة فقد تفرقوا للبحث بين الأبواب و داخلها، فتحَ هاري بابًا حديديًا نُقشَت عليهِ تروسٌ معدنية ليقابلهُ قطارٌ مسرعٌ باتجاهه فتجمدَ للحظة ليصفعَ البابَ بقوة سريعًا بابٌ آخر من الفولاذ الممزوج بالكرستال الخام متعدد الألوان فتحهُ لوكي ليقابلهُ كهفٌ تنام داخلهُ هيدرا عملاقة فزأرت في وجههِ ليردَ لها الزئير صافعًا الباب خلفهُ العد التنازلي قد بلغَ 00 :50 :09 و هو لا يزال يتناقص بينما الجميعُ كانَ شبه يائس في الوصول إلى السنبلة الموعودة، استمروا في البحث و البحث حتى لم يعد أمامهم سوى عشرون دقيقة، و أثناء بحثهم تمكنوا من إيجاد البابِ المطلوب لكن لا يزال مكان السنبلة مجهولًا تمامًا أمسكَ راين جبينهُ براحةِ يدهِ عاقدًا حاجبيه عابسًا تمامًا يفكر بعمق فحدّثَ نفسه قائلًا راين : فَكر راين !، لا يمكن أن يكون مكانها عشوائيًا !، لا بد من وجود تلميح في مكانٍ ما ! أخذَ يتلفتُ حولهُ محاولًا ايجادَ أي شيء و تذكرَ أي كلمة بينما الشقراء على الجانب الآخر من البلورة عبست متنهدة قالت : إذًا فهذه هي حدودكِ، حسنًا لقد كانت توقعاتي مرتفعة جدًا بشأنكِ لكن ماذا يمكن أن آملَ من طفلة تدربت وحدها طيلة حياتها... أما في بعد الأبواب هتفَ راين : وجدتها ! وهنا التفتَ إليهِ الجميع و انتفضت الشقراء من مسند مقعدها لتعتدل في جلوسها قالَ راين : ربما تعوم في مكان ما، أو داخلَ أحدِ الأبواب، و ربما توجدُ داخلَ أحدكم، هذا ما قلتهِ ميرا صحيح ؟ أومأت لهُ ميرا بلهفةٍ كأنها هي من تودُ الخروج من الشجرة لا هو و هتفت بصوتٍ عال : أ أجل !! ثُمَ حدثت ذاتها بقلق : واااه لقد نادى باسمي دونَ سابق إنذار ! فأردفَ راين : إن لم تكن تعوم في أي مكان، و ليست في داخل أي باب، إذًا فهي داخل أحدنا، داخلكِ جوليا ! عقدت جوليا حاجباها مستفسرة : ماذا تقصد ؟ نظر حوله قائلًا : الأبواب هنا مصنوعة من كل شيء !، إن كانت صانعتها كيميائية فهذا يعني أنها تنتجُ كُلَ العناصر و ليسَ عنصرًا واحدًا، و بما أنكِ كيميائية فالإمكانية متاحة لكِ كذلك ! اعترضت جوليا : مهلًا مهلًا !، الكيميائيونَ لا يمكنهم انتاج أكثر من عنصر ! سألَ راين : أحاولتي و لم تفلحي قبلًا ؟ هزت جوليا رأسها نفيًا فقالت : لا أظن راين :إذًا إما أنه ممكن أو أن هذا المكان مميز بطريقةٍ ما ! أغمضت جوليا عينيها ثم قالت : الكيمياء بديل أشد تعقيدًا من السحر له، الشرطان الوحيدان لإتقان الكيمياء هي أن لا تكون ساحرًا أولًا، و أن تفهمَ تركيبَ المادة أو العنصر الذي تودُ إنتاجه.. أنا أحفظُ التركيب المبدأي للذهب الخالص، لذا سنعتمدُ على حظي لا أكثر و لا أقل !، إن كانت فرضية رأي صحيحة... سادَ الصمت المكان و عيون الجميع متجهة نحوها بينما ابتسمت ميرا براحة، أغمضت جوليا عينيها و أخذت نفسًا عميقًا ثم قامت تزفرهُ بهدوءٍ شديد، بسطت كفها و أطبقت الآخر فوقه بالعكس فتوهجَ باطنهما بالذهبي الخافت لبضع ثانية، خبا الوهج تدريجيًا ثُم فتحت عيناها و كفاها معًا و فعلًا كانت هناكَ قطعة ذهب صغيرة في راحةِ يدها إلتمعت عيناها سعادةً ثم هتفت : لقد فعلتها !، انا نجحت !!التمعت عيناها سعادة ثم هتفت : لقد فعلتها !، أنا نجحت !! فُغر فاه شقراء الشعر على الجانبِ الآخر من البلورة و هي شبه واقفة بانفعال تستند بكفيها على يدا الكرسي فابتسمت بهدوء لتعاود الجلوس على كرسيها الفخم أما عند جوليا و البقية فقد وقفوا أمام البوابةِ المطلوبة و التي كانت عبارةً عن بوابة من الذهبِ الخالص حُفر داخلها شكلُ سنبلة ذهبية بشكلٍ مائل فنصفها العلوي على أحد الأبواب و السفلي على الآخر و ما كانَ على جوليا سوى أن تصنعَ سنبلة طبق الأصل عن تلكَ المحفورة على البوابة و تدخلها هُناكَ، و ما كان من الباب سوى أن يُفتحَ و من العدادِ أن يتوقفَ قبلَ ستة دقائق من نفاذِ الوقت فُتحت البوابة لتقسم السنبلة بدورها إلى اثنين فسطعَ نورٌ في أرجاءِ المكان ليجدوا نفسهم في مكانٍ آخر و ماركوس واقفٌ على قدميه كانَ المكانُ عبارة عن قاعة بلا بداية أو نهاية، أرضيتها من الياقوتِ الأحمر اللامع و سقفها من النفط الصلب الأملس و بينهما أعمدة أسطوانية من الذهبِ الخالص صوتٌ انثوي غمرَ المكانَ من العدم قائلًا : من المذهلِ أنكِ وصلتِ إلى هذا البعد.. جوليا... مع أنَ أسودَ الشعر كان له دورٌ كبيرٌ في عبوركِ للإختبارِ السابق... وفورًا اكتست الصدمة ملامحَ وجهِ جوليا و ارتسمت الحيرة على محياها |
#134
| ||
| ||
الزهرة الثانية و الأربعون : جوليا. " جوليا : في قريتي... كانوا دومًا ينادونني بالمشعوذة ؛ كانت مجرد قرية صغيرة في أقصى الغرب، هادئة و مسالمة، لم يكن سكانها يفقهون شيئًا عن الخيمياء و الخيميائيين، لأني كُنت أستعملُ أساليبًا مغايرة للسحر و لم أكن ساحرة، كانوا ينعتونني بالمشعوذة فقط، دومًا ما خافوني، خشوا الاقتراب مني و لعنوني، أما أنا فقد عشتُ معَ أخي الأصغر وحدنا، في كوخٍ صغير من الخشب على أطراف القرية، لم تكن لدينا أمٌ تعتني بنا أو أبٌ يصرفُ علينا... أنا و هو فقط، أخي كانَ مريضًا جدًا على الدوام، فهو على عكسي يمتلكُ جسدًا ضعيفًا و لا يجيد أي نوعٍ من السحر أو الخيمياء، و في السنواتِ الأخيرة سائت صحتهُ أكثر ليمسي غير قادرٍ على الوقوف، أما أنا فقد أخذتُ مسؤولية رعايتهُ و تأمين حاجاته على عاتقي كوني الأكبر سنًا و الأكثر صحة ؛ أنا، كان لدي سرٌ صغير، هوَ لم يكن سرًا، لكن لم يصدقني أي أحد عندما أخبرته أياه لذا توقفت عن الحديث بشأنه فقط... في الوقتِ الذي أغفو به، أجد نفسي في قاعةٍ كبيرة تمتد من الأفق و حتى الأفق، أرضيتها حمراء لامعة تعكسُ ما فوقها بمثالية تامة ؛ سقفها أسود لا يقلُ لمعانًا عن الأرضية، و أعمدة مصطفة من الذهب لا يقل جمالًا عن سابقيه... و في المنتصفِ تنتظرني بوابةٌ سوداءٌ إطارها من الذهبِ نُقشَ على زواياها بالياقوت الأحمر كما مقبضيها شبهُ الشفافين، لم يكن هُناكَ أي جدران خلفهُ أو أمامهُ، فقط أنا و هو.. كنتُ ولسببٍ ما لا أترددُ أبدا في فتحهِ فورًا.. أفتحهُ لأدخلَ غرفةً أرضيتها سوداء و سقفها أحمر بجدرانٍ بيضاء لؤلؤية، زُينت الأرضية اللامعة بسجادةٍ حمراء حريرية اعتلتها طاولة زجاجية ذات أرجل من الذهب، و على مقربة منها كرسي أسود متصل بالأرضية كما لو كان جذع شجرة بيدين ذهبيتين و مقعد حريري أحمر حُشيَ بالإسفنج، أمامَ ذلكَ الكرسي فجوة دائرية بإطار ذهبي تربعت على الأرض تعوم فوقها بلورة عملاقة شفافة اللون... في تلكَ الغرفة... و تحديدًا فوقَ ذلكَ الكرسي الشبيه بالعرش... تجلسُ سيدة شقراء فاتنة الجمال لها نفسُ لونِ عيني الأزرق تنظر إلي بإبتسامة تعلو شفتيها التي كانت السفلية منها قد طليت باللون الأحمر، ترتدي عقدًا رفيعًا من الذهب و أقراطًا ذهبية تتدلى منها سلسلة نهايتها ورقة برسيم ذات أربعة أوراق ياقوتية حمراء تمامًا كتلك الخصلة التي زينت منتصفَ شعرها، كانت ترتدي فستانًا أحمرًا شبهَ منفوش من الحرير ملفوف حولَ جسدها كاليوكاتا الياباني مفتوح ابتداءً من وركها و حتى النهاية و تحتهُ فستان آخر من الستن ذو اللون اللؤلؤي، حزام حريري رفيع ذو لون ذهبي لُفّ على خصرها عُلقت عليهِ ربطة زهرة كبيرة عندَ جانبه الأيسر تدلت شرائطها حتى أطراف الفستان، كانت تجلسُ بإنتصابٍ على كرسيها ذاكَ و تضعُ كفيها فوقَ بعضهما على فخذيها، كانت فقط تبدو نبيلة بحق... و لسببٍ ما كانت أعتقد أنها امي.. كانت تدعني أجلسُ على فخذيها و هي تداعبُ خصلات شعري بهدوء، كنا نلعب، نتحدثُ نضحكُ كثيرًا...هيَ من علمني كُلَ أساسيات الحياة، القراءة، الكتابة، الحياكة، الطهي، صيد السمك، و حتى الخيمياء، هيَ من علمتني حتى أتقنتُ سحري، أو الخيمياء الخاصة بي.. دونَ أن ننسى أنها من كانَ لها الفضلُ في بقائي على قيد الحياة... لكن عندما أفتحُ عيناي.. تتلاشى ذكرياتي خلال دقائق و أمسي غير مدركةً لشيءٍ سوى أن أمي هيَ من علمتني ذلك... أنسى كل شيء بما فيهم شكلها و صوتها، و بعد مرور فترةٍ معينة أصبحتُ أنهض من سريري إلى الورقة والقلم أدونُ ما أتذكرهُ عنها و ما قمنا بهِ معًا بغض النظر عن الأمور التي تعلمتها منها... مهما كُنتُ أكادُ أموتُ جوعًا أو بردًا، كُنتُ دومًا أستيقظُ صباح اليوم التالي مفعمةً بالحيويةِ و النشاط، وإن سألني أحدٌ عن السبب، كانت إجابتي دومًا ( تناولت الطعام مع أمي )، ( تدفأت أمام المدفأة في حجر أمي )، ربما يكونُ هذا أكثرَ ما أفزعهم مني، أني بقيتُ على قيدِ الحياة لسببٍ ما دونَ طعامٍ أو ماء... لكنني فعلتُ ذلكَ حقًا، أكلتُ معها، تدفأت معها، لماذا يا ترى.. أشعرُ أنّ هذا المكان يبعثُ على الحنين... أودُ رؤيتها حقًا، أمي من الحلم... هذا ما يصرخُ بهِ قلبي حاليًا " صوتٌ انثوي غمرَ المكانَ من العدم قائلًا : من المذهلِ أنكِ وصلتِ إلى هذا البعد.. جوليا... مع أنَ أسودَ الشعر كان له دورٌ كبيرٌ في عبوركِ للإختبارِ السابق... وفورًا اكتست الصدمة ملامحَ وجهِ جوليا و ارتسمت الحيرة على محياها قالت محدثةً نفسها : هذا الصوت.. أشعرُ إنني سمعتهُ في كانٍ ما قبلًا... هَتفت جوليا تُحدثُ صاحبة الصوت : مَن انتِ !، لِما قَلبي ينقيضُ هكذا عندما اسمعُ صوتكِ ! فاجابتها بهدوء : لابأس لابأس، ستدركين كُلَ شيءٍ قريبًا... سكتت ثُمَ أردفت بجدية : وَجدتم مفتاح الباب الياقوتي، تسلقتم الدرج الزجاجي، أسعدتم فيو، وفتحتم باب السنبلة الذهبية، مبروك، لم يتبقى امامكم سوى تحدٍ اوحدٍ فقط... سكتت ثُمَ اردفت مجددًا بصوتٍ تخلله بعض الحزم : بالمناسبة ميرا، لم اعهدكِ تتسكعينَ في الارجاء هكذا.. وبرفقةٍ ذلكَ الشيء.. اجفلت ميرا واخذت تعتذرُ مرارًا وتكرارًا بينما حدثَ راين ذاتهُ بتكلف : هذه المرأة... أنعتتني بذلكَ الشيء توًا ام انني اصبحتُ أُهلوس ؟ إتسعت عيناه فجأة ليردفَ محدثًا ذاتهُ : مستحيل ان تكونَ على دراية بهويتي !، تبًا عندما احتاجكِ لاتكونينَ هُنا !، فيينتو ساما... داخلَ الغرفة التي تجلسُ فيها صاحبة الصوت فَرقعت اصابعها ليظهرَ بابٌ من اغصان الشجر واوراقها قربهم قالت : لابدَ وإنكم متعبون... فلتستريحوا في تلكَ الغرفة... لديكم تسعُ ساعاتٍ لترتاحوها... دخلوا إلى الغرفة برفقة ميرا وقد كانت من الخشب بالكامل لاتحتوي سوى سبع اسرة لك هذا لم يعني إنها لم تكن فخمة فقد كانت الاسرة افخم ماقد ينام عليهِ إنسان، بقيَ السبعة يحدقونَ بما حولهم بذهول بينما إرتمى راين على احدها ليرتدَ جسدهُ بضع مرة بينما يزفرُ براحة قال بصوت شبه هامس : فقط كم من الوقت ولم أستلقِ على سريرٍ مريح كهذا قد مر ؟... فقالت روبي : أنا لم أفعل في حياتي إبتسمت بياتريس لتقول : وانا كذلك... سألَ هاري : أيمكن ان تكونَ من أسرة ثرية أيها القائد ؟، سيد صغير مدلل ؟ ردَ راين بإنزعاجٍ واضح : فقط اخرس ودعني ارتاح !، اخر مرة إستلقيت فيها على سرير كهذا كانت عندما كُنتُ في السابعة ! تعجبَ البقية لينظروا لبعضهم البعض فسال راين : على اي حال، من كانت تلكَ المرأة بحق ؟، ميرا... إرتبكت ميرا وإكتست وجهها حمرة طفيفة لتقول ، هاهوَ يفعلها مجددًأ !، ينادي بإسمي بكل عفوية !، راين ساما انتَ تؤذي قلبي ! حاولت السيطرة على نفسها فأجابته : تلكَ كانت كاترينا ساما.. هَمهَمَ راين متفهمًا بنبرةٍ مرهقة ثم قالَ بصوتٍ خافت اخذَ يخبو تدريجيًا : هكذا إذًا... لدينا يومٌ حافلٌ غدا... ثُمَ غطَ في النومِ من فورهِ دونَ ان يشعرَ احد |
#135
| ||
| ||
الزهرة الثالثة و الأربعون : لَيلَةٌ قِرمِزيَةٌ مِنَ الصَيفِ المكانُ حولهُ يتوهجُ لونًا برتقاليًا متأججًا و الأرض تُغمرُ بالأحمر شيئًا فشيئًا.. صوتُ تأجج النيران و ضوضاء الطعن و تهاوي الأخشاب هُنا و هناك، رائحة الرماد المتطاير في الجو ممزوجة مع الرائحة الحلوة للدماءِ الطازجة، يجثو ذلكَ الطفل أسود الشعر وسطَ هذهِ الفوضى يُحدقُ بها بعينيه البنفسجيتين المتسعتين و تقاسيم وجههِ يغلفها الرعب، بشرتهُ شاحبةٌ، شفتاه ترتجفان، يجثو على ركبتيه اللتان بالكاد يشعرُ بهما، أطرافهُ باردةٌ بعكس حرارة المكان المشتعلة حولهُ و قلبهُ يسحقُ بلا رحمة... يشعرُ بأمعاءهِ قد اختفت و لعابهُ قد جفّ تمامًا نطقت شفتاه أخيرًا بصوتٍ خافتٍ مرتجف : توقف... تو..قف.. ثُمَ تبعها صُراخهُ المبحوح : أترجاك !، أرجوكَ توقف فقط ! أردفَ بصوتٍ خافت : سأفعلُ كُلَ ما تُريد لذا رجا-- فجأة تناثرت الدماء فوقهُ لتصبغَ وجههُ ووبضعَ خصلاتٍ من شعرهِ بالأحمر، اتسعت عيناه أكثر و شعرَ بالحرارة تغلي متصاعدةً في حلقه، ازدادَ إرتجافهُ ليهمسَ بصوتٍ مهزوز سائلًا : إد.. غار ؟ ما كان أمامهُ سوى رجلٌ يرتدي معطفًا أسودًا غُمرَ بالأحمر على حين غرة، غزا الشيب شعرهُ ووشعت عيناه حمرة، و ما كانَ أمامهُ سوى جسدُ طفلٍ أشقر يتدلى و مخالبٌ قد غرزت في منتصفِ صدرهِ سابحًا في دِماءه ابتسمَ الرجُل لأسودِ الشعر قائلًا : هيا راين... كُفّ عن صُنعِ وجهٍ كهذا.. رائحته لذيذة أليست كذلكَ ؟ التفتَ إليهِ المعني بوجهٍ شاحب وبطء شديد ليحدثَ ذاتهُ قائلًا : رائحة الدم... حقًا... لذيذة... ازدردّ ريقهُ بصعوبة حينّ أخذَ يشتمُ تلكَ الرائحة العالقة بهِ ليسقطَ جسدُ الطفلِ الأشقرِ أرضًا معيدًا راين إلى الواقع نادى الأخير بفزعٍ ناهضًا من مكانهِ بصعوبة : إدغار !! أمسكّ بهِ راين بينّ يديهِ، تجمعت الدموع في جحرا عينيه و أخذَ يقول بفزع : أنا آسف، أنا آسف !!، أرجوك !، فقط لا تمت !، إدغار !! سأل إدغار بصعوبة من بينِ أنفاسه الثقيلة : علامَ تعتذر ؟، راين... فسّر الآخر : لأنه.. لو أنني لم أستمر في المجيء إلى هُنا.. لما حدثَ أيٌ من هذا ! إدغار : إنهُ ليسَ... خطأكَ رايـ..ن، لكن رجاءً... سارا... فهتفَ بهِ راين بفزع : ما الذي تقولهُ !، ماذا عنكَ !، يستحيلُ أن أترُككَ هكذا ! إدغار : استمع إلي أيها الأحمق !، أعضائي.. الداخلية... قد تضررت بالكامل... لَن أصمُدَ كثيرًا... هتفَ راين بقلقٍ و رجاء : لن تعرف ما لم تحاول ! بصوتٍ حَملَ الكثير من الإرهاق و الأكثرَ من الحزن : راين... دعني أقم.. بدور الأخ الأكبر.. و لو لمرةٍ.. واحدة.. رجاء... عضَ راين على شفتاهُ مُكتفيًا بالصمت، كانَ يدركُ تمامًا أنهُ إن حاولَ أن ينطقَ بحرفٍ واحدٍ الآن فهوَ سيبكي لا محالة، أنزلَ راين صديقهُ أرضًا برفقٍ و هدوء لينهض ببطء وخصلاتُ شعرهِ قد حجبت ملامحَ وجههِ بالكامل همسَ إدغار : راين... أجفلَ المعني بهدوء لينظر نحوهُ ليردفَ إدغار : إنهُ حقًا ليسَ خطأك... سكتَ إدغار ليردفَ قائلًا : اعتني بها من أجلي. ابتسمَ بوهنٍ في نهاية جملتهِ ليغمضَ عينيه بعدها منتظرًا نهايتهُ بهدوء، أما راين فقد بدأ في البكاء فعليًا منذُ جملة إنهُ ليسَ خطأك، أخذَ يُحدقُ بإدغار بصمت و قلة حيلة بينما دماء الأخير تتسللُ خارجَ جسدهِ إلى الأرض الباردة، عادَ يعضُ على شفتهِ بقوة فأغمضَ عينيه بقوة عاقدًا حاجبيه و التفتَ إلى الخلفِ سريعًا لينطلقَ إلى القرية يعدو سريعًا أخذَ ينادي بينما يجري : سارا !، سارا !، أينَ أنتِ سارا !! أتاهُ صوتها حينها تهتف : ران تشان ! توقفَ راين فجأة ليهتفَ بدورهِ بصوتٍ أعلى : سارا !، أينَ أنتِ !! اقتربت منهُ و هوَ غيرُ قادرٍ على رؤية رأسها بسببِ الظلام كُلُ ما كان يدركهُ أنها تمشي بخطواتٍ متهاوية تمدّ يديها أمامَ جسدها و تلوحُ بهما في الهواء ببطء، اتضحت رؤيتهُ شيئًا فشيئًا ليقعَ بصرهُ على عيناها المغلقتان و الدماء تغطيهما بالكامل، أصابه صداعٌ حادٌ فجأة إثر صدمةِ رؤيته لها على هذهِ الحال و كيفَ سيخبرها أن والدهُ هوَ قاتلُ توأمها و نصفها الآخر، أخذَ يعضّ و يعضّ على شفتيه بقوةٍ حتى سالت الدماء منها و يقبضُ على كفهِ حتى سالت دماؤها هي الأخرى، حاولَ أخذَ خطوةٍ إلى الأمام فتوقفَ قبلَ أن يفعلها حتى مدّ يدهُ نحوها و توقفَ في منتصفِ الطريق هامسًا بصوتٍ مرتجف : سا-- لتقاطعهُ بصوتٍ مهزوزٍ و هي على وشكِ البكاء : إنهُ مظلم.. لا أرى شيئًا !، عيناي تؤلماني !، ران تشان، أنا خائفة !. سكتَ لتكملَ هي : دخلَ بعضُ الغرباء إلى منزلنا، كانَ بابا و ماما يصرخان ووكنتُ أسمعُ صوتَ تحطم و ارتطام، حاولتُ تفقد الأمر.. لكن شيئًا حارًا قد دخل إلى عيناي.. ثُمَ توقفت كُل الأصوات.. وولم أعد أرى شيئًا... تقدمَ راين منها سريعًا يمسكُ بوجهها و يمسحُ عنهُ الدماء إذ بها دماءٌ منثورة و ليست بدمائها هي فارتخت ملامحهُ قليلًا همّ يودُ احتضانها لكنها تحولت إلى دخانٍ أسودٍ في اللحظة الأخيرة ثُم تلاشى المكان بدوره ليغرقَ راين الصغير في عتمةٍ دمساء تمامًا صوتها تخللَ مسامعهُ لكن هذه المرة بنبرةٍ مرحة قائلة : أتذكرُ ذلكَ اليوم ؟، ران تشان... إنه يبعث على الحنين لا ؟ هتفَ بصوتٍ فزع : سارا !! أخذَ يتلفتُ حولهُ إذ بنظره يقع على جسدِ إدغار المستلقي فوق الظلمة و الدماء تسيل منه بغزارة وجههُ الشاحب يقابله، فتحَ إدغار عينيه الميتتين فجأة ليقول : معكِ حق.. إنهُ اليوم الذي خُنتنا فيهِ.. راين. التفتَ راين خلفهُ ليجدَ سارا أمامهُ، غرتها تغطي عينيها وبابتسامة تقول : هذا صحيح... لن أسامحكَ ران تشان... لن نسامحك استيقظَ راين فزعًا يلهثُ بشدة و الدموعُ تملأ عينيه ليستوعبَ بعدَ فترة من السكون أنّ كُل ذلكَ ما كان سوى مجرد حلم، التف يستلقي على ظهرهِ و وضعَ ساعدهُ فوقَ عينيهِ بصمتٍ بعدَ أن هدأ قليلًا دونَ أن يعلمَ أن رفاقه مستيقظين في أسرتهم أطلقَ راين آهً مثقلةً بالهموم ليهمسَ لنفسهِ : اسمحوا لي بالموت فقط... سألت ميرا بقلق : ما الذي يدفعُك لإطلاق أمنيةٍ كهذه ؟ أبعدَ راين ساعدهُ عن عينيه ينظر إلى ميرا بصدمة ليقول : آسف، إنهُ لا شيء.. لَم أكن اعلمُ أنكِ لا تزالينَ مستيقظة، عودي إلى النوم ميرا... لفّ جسدهُ إلى الجانب الآخر غيرَ تاركٍ لميرا أي مجال للرد عليه بينما فتحَ البقية أعينهم أخيرًا يحدقونَ في الفراغ بصدمة لما سمعوه منهُ توًا |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
رواية فتيات الزهور | روزماري | روايات وقصص الانمي المنقولة والمترجمة | 69 | 02-25-2017 01:41 AM |
رواية الزهور الذهبية (لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال) | فارديا | روايات وقصص الانمي المنقولة والمترجمة | 11 | 09-30-2015 12:51 PM |
رواية جديدة للدكتورة ناعمة الهاشمي 2012 تعالوا يا بنات رواية شما وهزاع احلى رواية | florance | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 2 | 02-26-2014 02:28 PM |
رواية نور الكون رواية جديدة من روايات سعوديه رواية نور الكون | الحب الساكن | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 13 | 07-03-2011 03:30 PM |
لمحبي الزهور......مدعويين لكرنفال الزهور....روعة في التصميم..... | samir albattawi | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 24 | 09-12-2007 08:57 PM |