عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي > روايات الأنيمي المكتملة

Like Tree326Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 6 تصويتات, المعدل 4.67. انواع عرض الموضوع
  #161  
قديم 08-21-2017, 05:45 PM
 


الزهرة الثانية و الستون : ساحرة الفراغ..
" غوبر : يبدو أنها فعلًا النهاية... لَم اتخيل أن تكونَ نهايتي على يديكِ أنتِ بالذات.. لكنها تبقى نهايةً مناسبةً لشخصٍ مثلي... تخليتُ عَن عالمي، قريتي، أسرتي، أحلامي و حتى ذاتي... فقط لأنني تُقتُ لكِ... من أجلِ رغباتي الخاصة و أنانيتي، لَم أمانع يومًا تحويل نعيمِ البعضِ إلى جحيم... و في النهاية.. هذهِ الميتة المثيرة للشفقة... في تلكَ القرية المحترقة حتى الفحام.. هيأة تلكَ الجميلة و هيَ ترتوي بدماءِ أسرتي.. كانت فاتنة بكُلِّ بساطة... أجل فاتنة.. لا أهتمُ لَو تمَ الجماعُ على أنني حثالة بسببِ تفكيري هذا... فأنا رُغمَ كوني أبلغُ أربعةَ عشرةَ عامٍ فقط، أغرمتُ بها.. تلكَ الحقيقة التي احتفظتُ بها لنفسي طوالَ مائة و تسعة و عشرونَ عامًا.. سآخذها معي إلى قبري فقط... صحيح، لطالما ظنّ الاطفالُ أنني في الثانية و الثلاثونَ مِن عمري.. و هياتيَ الضخمة ساعدتهم على تصديقِ ذلكَ... السببُ وراءَ ذلكَ كونيَ أخبرتُ هايدن أنني في العشرينَ عندَ أولِ لقاءٍ ليَ معهُ تمامًا قبلَ اثنا عشرَ عامًا، هُم يظنونَ أنني أتقدمُ في العمرِ كُلَّ عامٍ تمامًا مثلَهُم.. لكنهم مخطئون، و إلا لما كُنتُ أقفُ هُنا حتى بعدَ مرورِ مائة و تسعة و عشرونَ عامًا... يا رجل أن أموتَ في السادسة و العشرونَ مِن عمري حقًا مثيرٌ للشفقة.. أظنُ أنني كُنتُ دومًا منَ النوعِ الذي يموتُ شابًا، لكن ليسَ النوع الذي يتهورُ في سبيل الآخرين... أنا قتلت، أحرقت، حطمت، و دهست آلاف البشر.. فقط من أجل أن أثبت لها أنني قويٌ و استحقُ الثناء !، و ها أنا يتمُ الدوسُ على قلبيَ كالحشرة... إيلينا... لطالما وددتُ مناداتكِ بذلكَ الاسمِ، ليسَ جلالتكِ، و لا ملكتي، و لا سيدتي، و بدونِ تعظيم.. الوداع.. محبوبتي إيلينا."
هوت سكينُ راين نحو عُنُقِ غوبر و إذ بها الدماءُ تتطايرُ في كُلِّ مكانٍ، و للمرةِ الثانيةِ يتلطخُ هذا الوجهُ الشاحب و الشعرُ الأسودُ بدماءٍ لا يدري كيفَ سالت، فهاهيَ تلكَ الحربة السوداء ذات الشريط البنفسجي نفسها تخترقُ الرقبة التي كانَ من المفترضِ لراين فصلها عن سائرِ جسدها، سادَ الصمتُ للحظةٍ و الصدمة شَلت تفكيرَ كُلِّ المتواجدينَ في المكانِ ليهوي جسدُ غوبر إلى الجانبِ مرتطمًا بالأرضِ بقوةٍ همسَ راين بخفوتٍ : نيغرو.. فينوس.
صوتٌ أنثويٌ تخللَ مسامعهُم بنبرته اللعوبة قائلا : يا للأسفِ... معَ أنني حذرتكَ غوبر.. و بصريحِ العبارة.. أنّ الفشل غيرُ مسموحٍ بهِ قطعًا... لقد خيبتَ ظني حقًا.
همست بياتريس دونما وعي : هيَ.. قتلت رفيقها...
هيَ ظهرت منَ العدمِ كما المرةِ السابقةِ تمامًا، لكن هذهِ المرةِ ليسَ لإنقاذِ حياةِ غوبر إنما لأخذها بعيدًا.
التفتت نحوَ بياتريس لتقول : مرّ وقتٌ طويلٌ حقًا.. آننا.. أم يجبُ أن اُناديكِ بياتريس الآن ؟.
تسائلت المعنية هامسة : آ.. ننا ؟.
فإذ برأسها يطنُ فجأةً و صورٌ تجتاحُ عقلها بسرعةٍ شديدةٍ، حوطت رأسها بكلا كفيها تصكُ على أسنانها بقوةٍ علّ الألمَ يتوقفُ
هتفَ لوكي بقلق : ما الأمر بيارين ؟
أردفت ذاتُ الرداءِ الداكن قائلة : اوه، لوكي لا يزالُ يعتبركِ أولويتهُ القصوى أيضًا.
قطبَ راين حاجبيهِ لتبرقَ عيناهُ بحدةٍ قائلًا : إيلينا فيكتوريون.
التفتت إيلينا ناحيتهُ قائلة : أولا، راين... كيفَ حالك ؟.
*اولا، مرحبًا.
راين : لماذا ؟، أليسَ منَ المفترضِ بهِ أن يكونَ حليفُكِ ؟.
ردت بعفوية : إنهُ مجردُ خادمٍ.. و من حقِ الملكةِ عقابُ الخدمِ المقصرين في عملهم.
راين : الملكة ؟، أنتِ ؟، الرأس الأعلى للنيغرو فينوس !!.
إيلينا : بالضبط، أنا الزهرة السوداء الأولى، ملكة الزهور و ساحرة الفضاء، إيلينا فيكتوريون.
هجمَ راين عليها بسكينهِ بسرعةٍ عاليةٍ غيرَ أنها قابلتهُ برفسةٍ قويةٍ دفعت بهِ بضعَ مترٍ إلى الخلفِ فهتفت ميرا بقلق : راين !.
إيلينا : أوتعلمُ راين ؟، غوبر ليسَ سوى اسمٍ مستعار... في الواقعِ هوَ كانَ أحدُ أطفالِ تلكَ القرية.. أنتَ تعلم.. قبلَ مائة و تسعة و عشرونَ عامًا.
أجفلَ راين الراكعُ على إحدى ركبتيهِ لتكملَ هيَ بعدَ أن التفتت نحوَ أليكسي و ميرا : وكذلكَ ليكس، أنا من أمرَ بقتلِ والدك أتعلم ؟، لقد قمتُ بغرسِ سكينٍ فضيةٍ مغمورةٍ بالماءِ المقدسِ في معدتهِ و ماتَ بعدَ أن انتشرَ العفنُ وصولًا إلى دماغهِ... لقد كانت ميتةً بطيئةً حقًا.
ماركوس الذي كانَ يجثو مصدومًا محدقًا بالفراغِ كانَ كَمن تلقى صفعاتٍ متتاليةٍ اختتمت بلكمةٍ قويةٍ على وجهه، أما راين و بعدَ سماعهِ لذلكَ توقفَ عن كبحِ نفسهِ أكثر
همسَ : تابو ماجيكو : بريساس ديمونيوس
*السحر المحرم **نسماتُ الجحيم.
ابتسمت إيلينا قائلة : التعويذة التي نالت من غوبر في المرة السابقة.. لكن للأسف.
سكتت لتردف : باثيو.
*الفراغ.
اتسعت ابتسامتها بعدَ أن لم يكن هُناكَ أيّ تأثيرٍ لتعويذةِ راين قائلة : كما ترى، لا يمكنُ لرياحكَ أن تنتشرَ في فراغي
إيلينا : الرياحُ و الفراغ، هذا هوَ سحري.. لا يمكنكَ الفوزُ ضديَ راين ديستيلا، لا أنتَ ولا أيُّ أحد.
حاولَ راين النهوض قائلًا : و كأنني سأخسرُ من شخصٍ يعاملُ رفاقهُ كالقمامة !.
ظهرت أمامهُ إيلينا قبلَ أن يتمكنَ من ذلكَ لتمسكَ بغرتهِ رافعةً إياهُ إلى مستواها لتقولَ بنبرةٍ مخيفة : أنتَ لا تفهم صحيح ؟، لهذا بالضبطِ أستطيعُ التخلصَ منكَ في أيِّ لحظة !.
وجهَ راين إليها نظراتٍ ساخطة ليهوي بسكينهِ نحوَ عنقها غيرَ أنها راوغتهُ بسهولةٍ فَلم تتلقى أي خسائرٍ سوى تمزقُ ردائها ليكشفَ عن عينيها الحمراوتينِ و شعرها الأسود ذو الأطرافِ البنفسجيةِ
اتسعت حدقتا عيني بياتريس لتهمسَ : ...لينا..

رد مع اقتباس
  #162  
قديم 08-21-2017, 05:45 PM
 


الزهرة الثالثة والستون : تَسَمُم.
همست بياتريس بصدمة : ...لينا.
ردت لينا بودٍ تتصنعُ الصدمة : يا إلهي بياتريس !، أمازلتِ تذكرينَ تلكَ المرأة ؟، يا لكِ من مسكينة.
نظرَ راين إلى بياتريس التي هتفت مندفعة : مستحيل !.. لكن لينا ماتت قبلَ خمسةِ أعوامٍ بالفعل... هيَ قامت بحمايتي.. كما أنّ لونَ الشعرِ العينين مختلف كذلك.. لَم أعد أفهمُ شيئًا.
ابتسمت إيلينا فجأة ثُمَ رَمت برأسِ راين نحوَ الأرضِ ليرتطمَ بها بقوةٍ شديدةٍ مما سببَ للأخيرِ صداعًا حادًا و طنينًا اجتاحَ أذنيهِ بقوة، هوَ بالكادِ اتكأ على كوعهِ ينظرُ إلى بياتريس بقلةِ حيلةٍ فتتجهُ هيَ نحوَ بياتريس دونَ أن تنطقَ بأيِّ كلمةٍ، عانقتها بشدةٍ بينما تقفُ الأخيرةُ متصنمةً تمامًا.
سألت إيلينا : هيي بياتريس... أتذكرينَ ماذا كانَ لونُ عيني لينا ؟.
لَم تقوى بياتريس على الإجابةِ فوجهت إيلينا سؤالها نحوَ لوكي قائلة : أتذكر ؟، لوكي.
أجفلَ لوكي ليزدردَ ريقهُ فأجابَ بتردد : بـ بنفسجي...
و فورَ ما أجابَ هوَ أدركَ ما كانَ مقصدها من سؤالهِ فربتت هيَ على شعرِ بياتريس بهدوءٍ شديدٍ قائلة
إيلينا : لقد استعملتُ تعويذةً لاستعادةِ لونِ عيني الأصليِ لمدة.. فالعينانِ الحمراوتانِ مخيفتانِ بعدَ كُلِّ شيء... صحيح ؟، بياتريس..
بياتريس : مـ ماذا ؟.
عانقتها إيلينا أكثر لتدمعَ عينا بياتريس فترفعُ يديها بمحاولةٍ منها مبادلة الأولى بالعناقِ غيرَ أنّ إيلينا وضحت : أعني.. إنهُ لونُ عيني الشخص الذي سلبكِ حياتكِ السابقة.. سيكونُ سيئًا لو استعدتِ ذكرياتكِ كمفتاح ألا تظنين ؟.
كزّ راين على أسنانهِ قائلًا : بما تتفوهونَ بحقِ الجحيم !، آننا ماتت !، لقد تمَ سحقُ أعضائها الداخلية !، و هيَ استخدمت ما تبقى من حياتها لتمنعَ أحدًا من الولوجِ إلى القريةِ مرةً أخرى !.
نظرت بياتريس إلى راين الجاثي خلفَ لينا و أمامها لتهمسَ متسائلة : لينا ؟..
إيلينا : كانَ منَ الضروريِ أن أقدمَ على تربيتكِ بنفسي.. لِأضمنَ أنكِ لن تفتحي بابَ القريةِ لغيري.. لكنَ الأمورَ لم تسري كما يجب.. الوداع بياتريس.. لا حاجةَ لي بكِ بعدَ الآن.
ما لبثت أن أنهت حديثها حتى طعنت خاصرةَ بياتريس منَ الخلفِ ففتحت الأخيرة عينيها على أوسعيهما بينما جفت دموعها تلقائيًا لتهمسَ بينما تتهاوى إلى الأرض : ليـ.. نا ؟.
إيلينا : إنها إيلينا، بياتريس.. لا، آننا.. سواءَ لينا أو بياتريس.. كلتاهما لم يكن لهما وجودٌ منَ الأساسِ.
سقطت بياتريس أرضًا و الدماءُ تسيلُ مِن جسدها بغزارةٍ بينما ابتعدت لينا مفسحةً المجالَ لرفاقِ الأولى بالتجمعِ حولَها، رفعها راين عن الأرضِ هاتفًا : بياتريس !!.
إيلينا : أتعلم راين ؟... الحيواناتُ البحرية هُنا تُعرفُ بسمها القاتل ما إن يلامسُ جسدَ الضحية فما بالكَ إن دخلَ جسدَ إنسان ؟.
اتسعت حدقتا عيني ماركوس ليسألَ مستنكرًا : أنتِ حقنتيها سمًا ؟.
إيلينا : صائب.. ذكيٌ كعادتكَ أليكس، و الآن، أليست حياةُ هذهِ المسكينة أهمَ مِن كُلِّ الأسئلة ؟
استعدت ميرا لشنِ هُجومها غيرَ أنَّ راين أوقفها هاتفًا : توقفي ميرا !، هيَ ليست خصمًا يمكنكِ التعاملُ معهُ !.
ميرا : لكن --
راين : رجاءً ميرا.. توقفي.
إيلينا : آستا لويغو.. راين.
*إلى اللقاء.
و كالمرةِ السابقةِ تحولت إلى دخانٍ أسودَ كثيفٍ ثُمَّ تشتتَ في العدمِ لتختفي.
ضربَ راين الأرضَ بقبضتهِ بقوةٍ ليهتفَ غاضبًا : تبًا لهذا !!.
همسَ ماركوس بينما ينظرُ إلى الأرضِ : آسف.. كُلُّ ما حدثَ بسببي...
قطبَ راين حاجبيهِ زافرًا بغضبٍ ليقول : أنتَ لستَ سببَ أيِّ شيءٍ سوى كونيَ حيًا الآن.. لذا اخرس و ساعدني في إيقافِ النزيف !.
التفتَ ماركوس نحوَ لوكي و همّ يقولُ شيئًا لولا كون الأخيرِ قاطعهُ قائلًا
لوكي : ثلاثتنا نتحملُ المسؤولية.. أنا لَم أشكَ بلينا طوالَ عشرِ سنواتٍ الماضية.. هيَ تلاحقُ راين.. و أنتَ صمتَ دونَ قولِ أيِ كلمة.. لذا جميعنا ملامون.
ماركوس : أنا فعلًا آسف...
راين : على أيّ حالٍ نحنُ بحاجةٍ لإحضارِ ترياق !، إن كُنتَ آسفًا حقًا أخبرني كيفَ وصلتَ إلى هذا العالم !.
تفاجأ ماركوس ليهتفَ سائلًا بقلق : مستحيل !، أتنوي العودةَ إلى هُناكَ حقًا سول !
ابتسمَ راين بهدوءٍ ليقولَ : سول.. هاه...
أشاحَ ماركوس بوجههِ إلى الجهةِ الأخرى ليردفَ راين : لم أتخيل يومًا أن تتمَ مناداتي بهذا اللقب مجددًا.. شكرًا لكَ ليكس.. هذا يشعرني بالسعادةِ نوعًا ما...
*للتذكير سول = شمس.
لمعت عينا ماركوس الذي شهقَ بخفةٍ فأردفَ راين : لا يمكنُ لأحدٍ مساعدتنا الآن سوى والدتي.. أنتَ تفهمُ هذا صحيح ؟... أعدكَ عندما أعود سنتحدثُ بالقدرِ الذي نشاء.. لكن علينا إنقاذُ بياتريس أولًا.
فتحَ ماركوس حقيبتهُ مترددًا ليقدمَ لراين زجاجةً شفافةً حوت مادةً زرقاءَ غامقة اللون فأخذها راين قائلًا : شكرًا لكَ ليكس.
عضَّ ماركوس على شفتيهِ ليهمسَ بتردد : توخَ الحذر.
أومأ لهُ راين بالإيجابِ ليسألَ لوكي : ما الذي تنوي فعلهُ راي تشي ؟.
فأجابَ المعني : سأعودُ إلى عالمي.. والدتي صيدلية ماهرة، معَ عينةٍ واحدةٍ من دمِ بياتريس تستطيعُ إيجادَ الترياقِ لها.
لوكي : أوليسّ ذلكَ المكان يشعركَ بالسوء ؟
راين : أتقولُ لي أن أتركَ بياتريس هكذا لسببٍ تافهٍ كهذا ؟.
لوكي : أوالدتكَ جديرةٌ بالثقة ؟.
راين : بدونِ أدنى شك، هيَ من ساعدني لتركِ عالميَ سابقًا من الأساس.
ابتسمَ لوكي قائلًا : شكرًا لكَ راي تشي.. لَن أنسى صنيعكَ ما حييت !.
ابتعدَ راين بضعَ خطوةٍ قائلًا : لا لستَ كذلك !، أنا اقومُُ بهذا من تلقاء نفسي !.
حلقت ميرا لتجلسَ على كتفِ راين فسألَ الأخيرُ موجهًا كلامهُ نحوَ ماركوس : إذًا ؟، كيفَ تعمل ؟.
ماركوس : اسكبها على الأرضِ و اخطو داخلها ثمَ ستجدُ نفسكَ أمامَ شجرةِ الدم.
فسكبها راين تحتَ قدميهِ لتشكلَ بركةً دائريةً تحيطُ بهِ كطبقةٍ رقيقةٍ منَ الزجاجِ الملونِ ليبدأ بالغرقِ داخلها و ميرا، سُكبت آخرُ قطرةٍ من السائلِ على الأرضِ و معها إختفى كُلٌّ من راين و ميرا لتتحطم البقعةُ الزجاجيةُ فتتلاشى شظاياها.

رد مع اقتباس
  #163  
قديم 08-21-2017, 05:46 PM
 


الزهرة الرابعة و الستون : الوطن.
عندما أدركَ نفسهُ كانَ الهدوءُ يُهيمنُ على محيطهِ، لا شيءَ سوى صوتُ تدفقِ المياهِ يتخللُ مسامعهُ، فتحَ عينيهِ البنفسجيتينِ بصعوبةٍ و أولُ ما أبصرهُ هوَ تلكَ السماءُ الرماديةِ المشبعةِ بالسحب، اعتدلَ في جلوسهِ متمسكًا برأسهِ و جالَ بنظرهِ في المكانِ بهدوءٍ، خلفهُ تلكَ الشجرةُ سوداءُ الجذعِ حمراءُ الأوراقِ ذات الجذورِ العريضةِ و التي يجلسُ على أحدها و حولهُ تلكَ البحيرة حمراءُ اللونِ تكادُ تمتدُ حتى الأفقِ لولا تلكَ الغابة التي تحدها و الجبالُ خلفها، و على إحدى ضفافها قلعةٌ رماديةٌ داكنةٌ على الطراز الغربي فأخذَ يتأملها بشرودٍ و قد مرّ شريطُ ذكرياتهِ السعيدةِ منها والحزينةِ داخلَ جدرانها
التفتَ نحوَ تلكَ الجنيةِ الصغيرةِ التي تنامُ قربيًا منهُ فأخذَ يهزُّ رأسها بسبابتهِ قائلًا : استيقظي ميرا.. حانَ وقتُ الذهاب.
اعتدلت ميرا بدورها لتتثائبَ بينما تفركُ عينيها الناعستينِ ثُمَ حَلقت تنظرُ إلى المكانِ حولها عَن كثبِ فقالت : أهذهِ بحيرةُ الدم، إنها تبدو أغربَ على أرضِ الواقع !.
همهمَ راين مجيبًا بينما يغمرُ يديهِ في تلكَ البحيرةِ مشكلًا بهما كأسًا بينما أردفت هيَ : و شجرةُ الدمِ أصغرُ من الشجرة العظيمة بكثير معَ أنها كبيرة...
رفعَ راين كفيهِ المليئان بالدماءِ مقربًا إياهما من فمهِ فردَّ موافقًا : معكِ حق...
ارتشفَ من تلكَ الدماءِ جرعة تلوَ الأخرى دفعةً واحدة ثُمَّ زفرَ بعمقٍ قائلًا : تبًا !، أشعرُ و كأنني عدتُ إلى الحياة !
ميرا : أيكفيكَ هذهِ الكمية الصغيرة ؟، بعدَ كُلِّ تلكَ المدةِ دونَ دماء ؟.
أجابَ : ليسَ هُناكَ متسعٌ منَ الوقت... الأولوية لبياتريس !.
زفرت ميرا بقلةِ حيلةٍ ليردفَ : لا بأس، سأشربُ بالقدرِ الذي أشاءُ داخلَ القلعة !.
ميرا : ماذا عن والدك ؟.
زفرَ بضيقٍ ليجيب : لنأمل أن لا يكونَ هُناك فقط.
ابتسمَ لها مردفًا : اجلسي على كتفي ميرا.
استجابت ميرا مِن فورها فتلولبت الرياحُ حولَهُما لتتكثفَ تحتَ قدمي راين رافعةً إياهُ إلى الأعلى فحلقا وصولًا إلى القلعةِ فهبطَ راين أمامَ جدرانها
حدقَ راين بها مجددًا ليهمسَ لنفسهِ قائلًا : لَم تتغير و لو قليلًا هاه..
هوَ بللَ شفتيهِ مزدردًا ريقهُ بينما قبضَ كفهُ بشدةٍ لتلاحظَ ميرا قبضتهُ المرتجفة فحلقت نحوها تمسكُ بها بيديها الاثنتين
حدقَ بها راين بدهشةٍ لتقولَ هيَ : ابذل جهدكَ !.
ابتسمَ لها ليسحبَ كفهُ من بينِ كفيها بهدوءٍ ثُمَّ يربتُ على شعرها بسبابتهِ هوَ همسَ محدقًا بوابةِ القلعة قائلًا : حقًا عليَّ شكرُ الشخص الذي استبدلَ الحراس بجهاز الحراسة.
أحنت ميرا راسها إلى الجانبِ قائلة : لِمَ ؟.
ابتسمَ راين بهدوءِ لتعصفَ الرياح أعلى البوابة مدمرَةً تلكَ البلورات التي تطفو فوقها قائلًا : لأنهُ يسهلُ تعطيله !.
فزعت ميرا قائلة : مـ مهلًا لو انكسرَ هذا الشيء سيطلقُ إنذارًا !!
رغمَ هذا لَم تُكسر البلورات فحدقت بها بتعجب ليجيبَ راين : تعطيله !، لا تدميره، كيفَ بحقِ الجحيم تظنينَ أني نجحتُ في التسلل من القلعة كُلَّ ليلةٍ عندما كُنتُ طفلًا ؟.
مدَّ يديهِ نحوَ قضبانِ البوابة الحمراء بترددٍ بينما يزدردُ ريقهُ تباعًا و ما إن كادَ يلمسها حتى استوقفتهُ ميرا محذرة : مهلًا !.. أواثقٌ أنتَ كونَ أختكَ لن تكونَ كأخيها ؟.
ابتسمَ راين مجيبًا : لا بأس.. لا ماري و لا لوكا أشخاصٌ سيئون.
أمسكَ راين بأحدِ القضبانِ يدفعُ البوابةَ إلى الأمامِ ببطءٍ لتصدرَ صريرًا عاليًا، أخذَ نفسًا عميقًا و حدقَ بتلكَ الحديقة التي تلونت بورودٍ بيضاء، حمراء و سوداء فعضَّ على شفتهِ السفليةِ متحاملًا على نفسهِ
قالت ميرا مهونةً : راين.. هذهِ الزهور و تلكَ الزهور أمرانِ مختلفان تمامًا.
رفعَ أسنانهُ عن شفتهِ فاتحًا فاهُ قليلًا فازدردَ ريقهُ ليقولَ بصوتٍ مرتجف : معكِ حق.. أجل..
دخلَ القلعةَ بخطواتٍ بطيئة متوجهًا نحوَ غرفتهِ السابقة، دفعَ ذلكَ الباب البني ليطلَ على تلكَ الغرفة سوداء و ذهبية التصميم
قالَ : لَم أتصور أن تكونَ نظيفة بهذا الشكل...
خطا إلى الداخل و أوج من الذكريات يجتاحُ عقلهُ، وقفَ أمامَ السريرِ يتلمسهُ متذكرًا حينَ أفاقَ بعدَ تلكَ المأساة التي حلت بتلكَ القرية و وجود أليكسي قربهُ، توجهَ نحوَ ذلكَ الدرج الذي فتح قبلَ مائةٍ و تسعةٍ و عشرونَ عامًا و حملَ تلكَ السكين الفضية نفسها التي حملها قبلا بنيةِ إنهاء حياتهِ و هو يفكرُ كم أنهُ كانَ محظوظًا بوجودِ أليكسي وقتها ليمنعهُ عن ذلك، وضعَ السكينَ مكانها متلمسًا سطح المكتبِ بشرودٍ حتى انتشلهُ صوتُ صريرِ الباب يفتحُ من شرودهِ معيدًا إياهُ إلى الواقعِ، التفتَ إلى البابِ فإذ بهِ يبتسمُ بلطفٍ فورَ رؤيتهِ لمن يقفُ على عتبتهِ

رد مع اقتباس
  #164  
قديم 08-21-2017, 05:47 PM
 


الزهرة الخامسة و الستون : اشتقتُ إليكَ.
وضعَ السكينَ مكانها متلمسًا سطح المكتبِ بشرودٍ حتى انتشلهُ صوتُ صريرِ الباب يفتحُ من شرودهِ معيدًا إياهُ إلى الواقعِ، التفتَ إلى البابِ فإذ بهِ يبتسمُ بلطفٍ فورَ رؤيتهِ لمن يقفُ على عتبتهِ
همسَ صوتها الناعمُ بهدوء : أ- أخي الأكبر...
حدقت عيناها البنفسجيتانِ بهِ باتساعٍ بينما نسيت فاها مفتوحٌ لتنزلَ دموعها بغزارة، أخذت تمسحها سريعًا غيرَ أنَّ الأخيرة تأبى التوقف
روزماري : ماذا ؟، إنها لاوتتوقف.. لـ لا بد بأنني أحلم..
اقتربَ منها راين ليحتضنها بقوةٍ فهمسَ في أذنها مطمئنًا : هذا ليسَ حلمًا ماري... لقد عدت.
بادلتهُ شقيقتهُ العناقَ فقالت من بينِ شهقاتها : لقد اشتقتُ إليكَ !، اشتقتُ إليكَ حقًا !، أخي الأكبر !!.
ربتَ على رأسها بهدوءٍ ثُمَ قادها نحوَ سريرهِ يجلسانِ على الحافةِ معًا، أحاطَ وجنتيها بكفيهِ آخذًا يمسحُ دموعها بإبهاميهِ بلطفٍ
قالَ : لا تبكي ماري.. ستفسدينَ جمالَ عينيكِ.
اكتفت بالإيماءِ إيجابًا متمسكةً بيديهِ لتهمس : أنتَ حقًا هُنا.. لا أصدقُ ذلكَ..
أردفت بقلق : لكن كيف ؟، لوكا ني لم يفعل شيئًا صحيح ؟، أعرفُ أنَّ آلي تشان لن يفعل لكن لوكا ني قد تغيرَ كثيرًا..
ابتسمَ لها راين بلطفٍ مجيبًا : لا بأس، لقد جئتُ إلى هُنا بإرادتيَ الخاصة.. لا أحدَ يعلمُ لذا ابقيهِ سرًا حسنًا ؟.
أومأت ماري إيجابًا ثُمَ سألت : لكن لِمَ عدتَ إلى هذا المكان الفظيع ؟.
تحولت ملامحهُ إلى الجدية ليقولَ : استمعي إليَّ جيدًا ماري، و إلى ماوحدثَ معي خلالَ السنةِ الأخيرة.
أومأت لهُ روزماري إيجابًا ليبدأ بسردِ ما حدثَ معهُ إبتداءً من كيفَ أبحرَ مع غوبر داخل مثلثِ الشيطانِ و كيفَ انتهى بهم الأمر في مقبرة الجشعِ و لقائهِ مع بياتريس، أخبرها عن سكانِ أتلانتس و عن غابة المساءِ ووالشجرة العظيمة و كذلكَ الجزيرة العائمة و غابة المحيط، عن لوكي و هاري، جوليا، روبي وعن كُلِّ شيءٍ بالتفصيل، بينما كانت روزماري تعرفُ كُلَّ تلكَ الأمورِ كونها تراقبهم بفضلِ ماركوس لكن ما أمتعها حقًا هي سخرية أخيها و تعليقاتهِ المضحكة على أشدِّ الأوضاعِ جديةً و قسوة.
راين : و لذلكَ، أحتاجُ رؤيةَ أمي من أجلِ الترياق.
روزماري : فهمت !، إذًا سأساعدُ أخي الأكبر أيضًا !، سأتركُ المكانَ معكَ حينَ تغادر !.
اعترضَ راين من فورهِ : لا تستطيعين، سيكونُ خطرًا !.
ابتسمت روزماري قائلة : لكنكَ ستحميني صحيح ؟.
حدقَ بها راين متفاجئًا فابتسمَ لها بلطفٍ بدورهِ وربتَ على شعرها مجيبًا : بكلِّ تأكيد.
ثُمَ أردفَ سائلًا : لكن إن كُنتِ حقًا تراقبيننا من خلالِ ليكس طوالَ الوقتِ كيفَ لكِ أن لا تعرفي شيئًا بشأنِ غابة المحيط و قدومي إلى هُنا ؟.
هي أخفضت نظرها إلى الأسفلِ مجيبة : بشأنِ هذا أخي الأكبر.. لقد كُنا مشغولينَ في التحضير لمراسمِ سن الرشد.
سألَ راين متعجبًا : سن الرشد ؟.
روزماري : بدأوا يقومونَ بها بعدَ أن رحلتَ.. أصبحوا يقيمونها لمن يبلغُ السابعة عشرةَ من العمرِ.. هُم يشربونَ فيها دماءَ البشرِ لأجلِ الخلود.. و بالطبع هيَ تقامُ للنبلاءِ أو أصحابِ القوة السحرية الكبيرةِ فقط..
سكتَ راين دونَ إجابةٍ لتردفَ هي : لقد امتنعتُ عن شربها بحجةِ أنني أودُ أن أبدو بالغةً أكثر لكن.. لوكا ني قد...
أخذ راين نفسًا عميقًا مغلقًا عينيهِ مقطبًا حاجبيهِ : قبلها دونَ تردد.
أومأت روزماري بهدوءٍ و الحزنُ يهيمنُ على ملامحها لكنها سرعانَ ما وجهت نظرها نحوَ ميرا لتهتفَ بسعادة : إذًا فأنتِ هي ميرا !، لطالما وددتُ شكركِ لبقائكِ قريبًا من أخي !، لذا شكرًا لكِ على كُلِّ شيءٍ ميرا.
ابتسمت ميرا بلطفِ لتقول : لأقولَ الصراحةَ لقد ظننتُ أنكِ كتوأمكِ الأحمقِ ذاكَ لكنكِ لطيفةٌ حقًا، سررتُ بلقائكِ ماري !.
روزماري : و أنا كذلكَ !.
التفتت نحوَ راين لتنهض مبتسمةً فقالت : لا بدَّ و أنكَ عطش !، سأذهبُ لجلبِ بعضِ الدماءِ لأجلكَ اخي.
بادلها راين الابتسامةَ مومئًا بالإيجابِ لتخرجَ مغلقةً البابَ خلفها فإرتمى راين على سريرهِ بتعبٍ واضحٍ مغطيًا عينيهِ بساعدهِ الأيسر لترتسمَ ابتسامةٌ خفيفةٌ على شفتيهِ، بعدَ بضعِ دقيقةٍ أقبلت روزماري على الغرفةِ تحملُ دلوًا و كوبينِ بينَ يديها
أغلقت البابَ خلفها بينما تقول : لقد عدتُ أخي.
لم تتلقى أيَ إجابةٍ فالتفت نحوَ سريرهِ فتجدهُ قد غطَّ بالفعلِ في نومٍ عميق، كانَ نائمًا على جانبهِ الأيمنِ متوسدًا كفَ يمينهِ و ميرا قربهُ فأشارت لها الأخيرة بأن تلتزمَ الهدوء لتقتربَ ماري من شقيقها تداعبُ شعرهُ الناعم، و ها هيَ عينهُ اليسرى تذرفُ بضعَ دمعةٍ كالعادة.

رد مع اقتباس
  #165  
قديم 08-21-2017, 05:48 PM
 


الزهرة السادسة والستون : الصيدلية إيفا.
الظلامُ يعتنقُ كُلَّ ما حوله مغرقًا إياهُ ببحورهِ
هوَ همسَ بتعبٍ : أينَ.. أنا ؟.
قطرة سقطت وسطَ الظلامِ ليليها صوتُ تلكَ الطفلةِ قائلة : أختكَ الصغرى إلى جانبكَ، أليسَ هذا رائعًا ؟، ران تشان..
راين : سا..را ؟..
سألَ إدغار : هيي راين.. لِمَ أنتَ سعيد ؟، ألا تعتقدُ أنَّ هذا خاطئ نوعًا ما ؟.
سارا : هذا صحيح !، هُناكَ خطأ ما بكلِّ تأكيد !، أعني لِمَ عساكَ تكونُ سعيدًا وأنتَ لم تفعل شيئًا جيدًا يذكرُ في حياتكِ قط !.
إدغار : أرأيت ؟، حتى سارا تظنُ ذلكَ !، إنهُ غريب تمامًا !، توقف عَن كونكَ سعيدًا !.
عَمّ الصمتُ للحظةِ ليكسرهُ صوتها : ما الأمر ران تشان ؟، لِمَ لا تجيب ؟.
قالَ إدغار ساخرًا : لقد فهمت !، أنتَ تشعرُ بالذنبِ و الندم !، الندمُ لأنكَ تخليتَ عنا !، الندمُ لأنكَ التقيتَ بنا !، لأنكَ تجاوزتَ الحدود المرسومة لكَ بكلِ وقاحةٍ و إهمال !!.
سارا : لكن..
أكملَ إدغار : ندمكَ لن يغيرَ شيئًا... لن..
سارا : يعيدَ الموتى إلى الحياة.
استيقظَ معتدلًا في جلوسهِ فزعًا يلهثُ بشدةٍ و شعورٌ بقلبهِ و كأنهُ قد سقطَ في معدتهِ يفتكُ بكلِ خليةٍ في جسدهِ، كأنَّ حنجرتهُ على وشكِ الخروجِ من حلقهِ و بالبردِ يرعشُ في جسدهِ المرتجف، هو بقيَ شاردًا محدقًا بالفراغِ في محاولاتٍ منهُ لتهدأة نفسه، عقلهُ يقولُ لا بأس لكنَ جسدهُ يأبى الاستجابةَ والحراك،تخللَ مسامعهُ خشخشةٌ هي لتحركِ الملائاتِ قربهُ لتظهرَ حمراءُ الشعرِ من بينها بشعرها المنفوشِ و عينيها الناعستينِ تتثائبُ بشدةٍ
قالت : صباح الخير.. أخي الأكبر...
ابتسمَ لها بهدوءٍ مربتًا على شعرها فأجاب: صباحُ الخير ماري.. أنمتِ جيدًا ؟.
عانقت ذراعهُ بشدةٍ متكأة على كتفهِ فهمست بسعادة : أجل.. إنهُ بفضلِ كونكَ قربيَ أخي.
فتحت عينيها تنظرُ إلى وجههِ فتحسست وجنتهُ سائلة : ما الأمر أخي ؟، لِمَ تبكي ؟.
أشاحَ بوجههِ عنها سريعًا ليغطيَ كفهُ بكمِ يدهِ و يبدأ بفركِ عينيهِ بسعادهِ بقوةٍ هاتفًا : لا شيء !، مجردُ حلمٍ سيء !.
تركت روزماري السريرَ لتبرزَ ميرا النائمة على إحدى الوسائدِ على حافةِ السريرِ فسكبت الأولى من الدلوِ دمًا إلى الكوبينِ و قدمت أحدهما إلى راين
قالت : أولًا عليكَ بشربِ البعضِ و استعادة عافيتك!، فحينَ لا نشربُ من الدمِ كفايتنا تطاردنا كوابيسٌ و هلوساتٌ مزعجة !.
ابتسمَ لها راين آخذًا الكوبَ من يدها ليشربهُ دفعةً واحدة فقال : أنذهب ؟، إلى حيثُ والدتي...
و في مكانٍ آخر... مكانٌ مظلمٌ يضيئهُ سوى نورٌ خفيفٌ مسلطٌ على تلكَ الطاولات التي ازدحمت سطوحها بالأوراقِ و الأنابيبِ المخبريةِ و الدوارق الحاوية على سوائلٍ بشتى الألوانِ فضلًا عن علبِ المساحيقِ و قناني الغازِ المقعدية الصغيرة، ثُمَّ مكتبٌ غمرتهُ الأوراق حتى آخرِ إنشٍ منه فحجبتهُ بالكاملِ و تلكَ المرأة بشعرها الأحمر الداكن الطويل و المجعد المبعثر بفوضويةٍ تامةٍ تنامُ على سطحِ المكتبِ بهدوءٍ ففُتحَ بابهُ ليعكرَ مزاجها ويفسدَ نومها
همهمت بانزعاجٍ بسببٍ صريرهِ العالي ثُمَّ قالت متململةً بينما تنهض : سواءَ ماري أم لوكا، كم مرة عليّ أن أقولَ لكم ابتعدوا عن مخبري !.
لكن ما صدمها كانَ صوتًا لم يتخلل مسمعها منذُ قرنٍ و ثلاثةِ عقودٍ منَ الزمنِ تقريبًا
قالَ : أعتذرُ عن التطفلِ أمي.
رفعت رأسها بسرعةٍ نحوَ مصدرِ الصوت لتقفَ مصدومة : راين !.
اقتربت منهُ لتحوطَ وجههُ بكلا كفيها فقالت : لقد كبرت حقًا !، حتى أنكَ أمسيتَ أطولَ مني !.
ضربت رأسهُ بكفِّ يدها لتردف : كم مرة أخبرتكَ أن لا تناديني بأمي !، لا تجعل مني عجوزًا !.
هو قهقهَ بهدوءٍ فقال : أرى أنكِ لم تتغيري أبدًا !، إيفا...
ثُمَ تذمرَ مستكملًا : كُلُّ الناسِ يستقبلونَ بالأحضانِ عندَ عودتهم إلا أنا يتمُ إستقباليَ بضربةٍ على رأسي !.
عانقتهُ إيفا على حينِ غرةٍ و اعتصرتهُ بقوةٍ لتجيب : لا تكن سخيفًا !، أنتَ أكبرُ أولادي فكيفَ لي أن لا أحتضنك ؟، مرحبًا بعودتكَ عزيزي...
بادلها راين العناقَ من فورهِ بينما يشعرُ بالنيرانِ تتأججُ في صدرهِ و قلبهِ فهمّ بعضِ شفتهِ السفلية مانعًا نفسهُ من البكاءِ، فمهما كانَ هذهِ والدتهُ التي لم يحتضنها منذُ قرنٍ و ثلاثةِ عقود.
همسَ بصوتٍ مرتجف : لقد اشتقت إليكِ كثيرًا.. حقًا.
ما لبثَ أن أنهى جملتهُ فإذ بدموعٍ حارةٍ تسيلُ على رقبتهِ فهي و على عكسهِ لم تحاول أبدًا قمعها، أمسى راين غير قادرٍ على الحركةِ أو النطقِ بأيِّ حرفٍ لبضعِ وقتٍ لكنهُ استجمعَ شتاتَ نفسهِ في النهايةِ ليهمسَ بهدوء
راين : بربك !، تبكين ؟، لا أصدق أنّ إيفا تبكي !.
تذمرت إيفا منزعجة : اخرس !، و إن يكن ؟، أنا شيطانةٌ تملكُ مشاعرَ أيضًا !، ماذا تظنني وحشًا؟.
اكتفى راين بالقهقهةِ بهدوءٍ بينما هي تحتضنهُ إليها أكثرَ فأكثرَ ليستمرا على هذهِ الحالةِ بضعَ وقتٍ.

ديورين likes this.
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
رواية فتيات الزهور روزماري روايات وقصص الانمي المنقولة والمترجمة 69 02-25-2017 01:41 AM
رواية الزهور الذهبية (لعنة الحب تنتقل عبر الأجيال) فارديا روايات وقصص الانمي المنقولة والمترجمة 11 09-30-2015 12:51 PM
رواية جديدة للدكتورة ناعمة الهاشمي 2012 تعالوا يا بنات رواية شما وهزاع احلى رواية florance أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 2 02-26-2014 02:28 PM
رواية نور الكون رواية جديدة من روايات سعوديه رواية نور الكون الحب الساكن أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 13 07-03-2011 03:30 PM
لمحبي الزهور......مدعويين لكرنفال الزهور....روعة في التصميم..... samir albattawi أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 24 09-12-2007 08:57 PM


الساعة الآن 07:15 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011