عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيون الأقسام الإسلامية > نور الإسلام -

نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية

إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-05-2008, 12:15 PM
 
رسولنا والأطفال , منهجه كاملا ً لكل الأعمار

(1) النبيصلى الله عليه وسلم يدعو الأبناء وهم في أصلاب آبائهم :

لما رد المشركين من أهل الطائف دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لهم للإسلام وآذوه ، وبالحجارة رموه ؛ عرض عليه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين ، عندها قال النبي المشفق الرحيم صلى الله عليه وسلم : " أرجوا أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ولا يشرك به شيئاً " ( رواه البخاري ) . وقد حقق الله تعالى رجاء النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام أبنائهم .
كذلك يرشد النبي محمد صلى الله عليه وسلم المسلمين لما فيه صلاح الابن مستقبلاً فيقول لهم : " لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال : باسم الله ، اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان منا رزقتنا ، فيول بينهما ولد ، فلا يصيبه الشيطان أبداً " [ متفق عليه ] . وفي هذا توجيه إلى أن تكون البداية ربانية لا شيطانية ، فإذا ذكر اسم الله تعالى في بداية الجماع أسس ما بين الزوجين على التقوى ، فلا يضره الشيطان بإذن الله
ولقد أمرنا المولى جل وعلا باختيار الصالحين والصالحات عند الزواج ليكونوا قادرين على تنشئة وتربية جبل صالح ، لأن فاقد الشيء لا يعطيه . فقال : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإماءكم ) [ النور : 32 ] . وقال صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى : " تخيروا لنطفكم ، وأنكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم " [ أخرجه الحاكم في المستدرك ج2 ، كتاب النكاح]

(2) ويدعو لهم صلى الله عليه وسلم وهم نطفة في رحم الأم :

كان أبو طلحة خارج بيته ، وابنه بالبيت مريض فمات ، فلم تخبره زوجته أم سليم بعد عودته ، ولم تبد أي مظهر من مظاهر الحزن له ، بل كانت متزينة ومجهزة له عشاءه ، فتعشى ذكيه ، فقام فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما كان من زوجته ومنه ، فدعا لهما صلى الله عليه وسلم بالبركة في جماعهما وقال : " بارك الله ليتكما" . فولدت بعد غلاماً سماه النبي صلى الله عليه وسلم ( عبد الله ) ، ومن بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له ؛ كبر وتزوج ورزقه الله تعالى من الأولين تسعه ، كلهم قد حفظ القرآن ، والقصة بطولها في البخاري .
ومن مظاهر عناية الإسلام بالطفل وهو نطفة في رحم أمه ؛ ما أمر به الإسلام من النفقة للمرأة المطلقة ثلاثاً إذا كانت حاملاً ، وهذه النفقة لأجل جنينها وليس لأجلها حيث قد سقطت نفقتها بطلاقها الثالثة .
( فالمرأة التي يطلقها زوجها ثلاثاً تبين منه ، وتصبح أجنبية عنه لا تجب لها عليه نفقة ولا سكنى على القول الراجح من أقول العلماء رحمهم الله ، إلا إذا كانت حاملاً فإنها تجب لها النفقة بالإجماع . [ المغني لابن قدامة 8 / 232 . ] . قال تعالى : ( وإن كن أولت حمل فانفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) [ لطلاق : 6] .
وإنما وجبت على الزوج النفقة للحامل التي بانت منه من أجل ولده الذي لا سبيل للإنفاق عليه إلا عن طريق الإنفاق على أمة التي يتغذى منها ، كما قال ابن قدامة رحمه الله : " ولان الحمل ولده فليزمه الإنفاق عليه ، ولا يمكنه النفقة عليه إلا بالإنفاق عليها ، فوجب كما وجبت أجره الرضاع .." ، هذا في العناية به من حيث النفقة .
ومن العناية به : وقايته مما قد يؤثر على صحته ، وهو في رحم أمه ولذا أبيح للحامل إذا خافت على جنينها أن تفطر في رمضان ، كالمريض والمسافر . وقد أعفاها بعض العلماء من الكفارة دون المرضع ، قالوا : " لأن الحمل متصل بالحامل ، فالخوف عليه كالخوف على بعض أعضائها " . أما المرضع ف " يمكنها أن تسترضع لولدها " وأدخلوها في قوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) [ البقرة : 184] .
ومن العناية بالطفل وهو في رحم أمه تأجيل العقوبة التي تستحقها إذا كان ذلك قد يؤثر على الولد ، أو تحقق أن العقوبة ستقضي عليه . فقد روى عمران بن حصين صلى الله عليه وسلم أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وهي حبلى من الزنا ، فقالت : يا نبي الله ، أصبت حداً ، فأقمه علي ، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها ، فقال : " أحسن إليها ، فإذا وضعت فاتني بها " ففعل ، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وسلم فشدت عليها ثيابها ، ثم أمر بها فرجمت ، ثم صلى عليها .(رواه مسلم )
وفي حديث آخر في قصة الغامدية التي اعترفت بالزنا وطلبت منه أن يقيم عليها الحد قال لها : (( فاذهبي حتى تلدي ) فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة ، قالت : هذا قد ولدته ، قال : " أذهبي فأرضعيه حتى تفطميه " . فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز ، قالت : هذا يا رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام ، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين ، ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها ، وأمر الناس فرجموها .. " )( رواه مسلم ) .

(3) ويقرأ صلى الله عليه وسلم أذكاراً لنزول أحدهم بالسلامة من رحم أمه :

ذكر ابن تيمية رحمه الله في كتابه الكلم الطيب أن فاطمة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلم لما دنا ولادها ، أمرالرسول صلى الله عليه وسلم أم سلمة وزينب بنت جحش أن تأتيا فتقرآ عندها آية الكرسي ، و : ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشى اليل النهار يطلبه حثيثاً والشمس والقمر والنجوم مسخرت بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) [ الأعراف : 54] ، و : ( إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون ) [ يونس : 3 ] ويعوذاها بالمعوذتين .

(4) ويبين صلى الله عليه وسلم منزلته عن الله إذا سقط من بطن أمه قبل تمامه :

وهذا ما يسمى بالسقط ، وقد ورد بشأنه أحاديث تسر السامعين ، فعن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " .. والذي نفسي بيده إن السقط ليجر أمه بسرره إلى الجنة إذا أحتسبته " ، أي صبرت على فقده ( رواه احمد وابن ماجه )
وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن السقط ليراغم ربه إذا أدخل أبويه النار ، فيقال : أيها السقط المراغم ربه أدخل أبويك الجنة ، فيجرهما بسرره حتى يدخلهما الجنة( رواه ابن ابي شيبه وابي يعلى ) . ومعنى يراغم ربه : أي يغاضبه ، يعني يأتي السقط وهو غضبان من أجل أبيه وأمه .
فانظر رحمك الله إلى أهتمام الإسلام حتى بالسقط .

(5) وحين ولادتهم يؤذن في الأذن اليمنى للطفل :

عن أبي رافع أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة (2)، قال ابن القيم رحمه الله : وسر التأذين والإقامة : أن يكون أول ما يقرع سمع الإنسان كلما النداء العلوي المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته ، والشهادة التي أول مايدخل بها في الإسلام . كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها ، وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه ، وتأثره به وإن لم يشعر . ومعروف أن الشيطان يفر ويهرب من سماع كلمات الأذان ، فيسمع شيطانه ما يغيظه في أول لحظات حياته . وهذا يبين اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بعتقيدة التوحيد ومطاردة الشيطان في بداية حياة المولود الجديد.
كذلك فإن الشيطان يلكز المولود حين يولد كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما من بني آدم مولود إلا يمسه الشيطان حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان غير مريم وابنها " ، ثم يقول أبو هريرة : واقرءوا إن شئتم " ( فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم ) [ آل عمران :36] . وعن ابن عباس : ليس من مولود إلا يستهل ، واستهلاله : يعصر الشيطان بطنه فيصيح إلا عيسى ابن مريم (1) . وعليه فيكون الأذان لكزة مضادة للشيطان الذي يسعى جاهداً لإفساد الذرية وتدمير النشء .

الإسلام يعد الأولاد من البشريات
والسلف يهنئون بعضهم بعضاً بوصول المولود

إن الأولاد نعمة من نعم الله سبحانة وتعالى ، يهبها لمن يشاء ويمسكها عمن يشاء ، ولما كانت هذه النعمة تسر الوالدين بشرت الملائكة بهم رسل الله من البشر ، قال تعالى : ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) [ هود : 69] إلى أن قال : ( وامراته قائمة .. فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) [ هود : 71 ] ، وغير ذلك كثير من آيات القرآن التي تبشر الآباء من السنن الإلهية ، ولهذا ذم الله تعالى من تبرم من الأنثى واتسثقلها لأنه تعالى هو الذي وهبها كما وهب الذكر والحياة لا تستمر إلا بالذكر والأنثى معاًٍ فقال : ( ألا ساء ما يحكمون ) [ النحل : 59] .
وعن أبي بكر بن المنذر أنه قال : روينا عن الحسن البصري : أن رجلاً جاء إليه وعنده رجل قد ولد له غلام ، فقال : يهنك الفارس ، فقال الحسن : ما يدريك أفارس هو أم حمار ؟ قال الرجل : فكيف تقول ؟ قال : قل : ( بورك في الموهوب ، وشكرت الواهب ، ورزقت بره ، وبلغ أشده ) (2) .
فالتهنئة والهدايا تدخل السرور على أهل المولود وتشيع جواً من البهجة ، والمحبة والألفة ، والترابط بين المسلمين .

(6) والنبي صلى الله عليه وسلم يحنك المولود بالتمر ويدعو له ويبرك عليه :

وإنما المقصود ما شرع الله تعالى بهدي رسوله صلى الله عليه وسلم من تحنيك الطفل عند ولادته بشيء من التمر بعد مضغه وترطيبه ، ولعل في ذلك مع كونه سنة ما يطمئن الطفل ويجعله آمناً على استمرار غذائه والعناية به وبخاصة تحنيكه بالتمر الذي ترتفع فيه نسبة الحلاوة التي يتلذذ بها الطفل ، وفيه كذلك تمرين على استعمال وسيلة غذائية الجديدة ، وهي المص بالفم ليألفها .
عن عائشة رضي الله عنها أن ( النبي صلى الله عليه وسلم كان يؤتي بالصبيان فيبرك عليهم ويحنكهم ) ( رواه مسلم )
وفي الصحيحين أتت أسماء رضي الله عنها بمولود لها ، تقول : ( حنكه بالتمرة ثم دعا له وبرك عليه.. ) ، أي دعا له بالبركة . وفي هذا بيان لمشروعية الذهاب بالمولود إلى أهل الصلاح لينال من دعائهم .
وفي الصحيحين أيضاً عن أنس رضي الله عنه قال : لما ولدت أم سليم غلاماً ، أرسلت به معي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وحملت تمراً ، فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه عباءة . . قالت : " هل معك تمر ؟" قلت : نعم ، فأخذ التمرات فألقاهن في فيه صلى الله عليه وسلم فلاكهن ثم جمع لعابه ثم فغر فاه فأوجره أياه فجعل الطفل يتلمظ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " حب الأنصار التمر " . فحنكه وسماه عبد الله ، فما كان في الأنصار شاب أفضل منه ، ( والتحنيك هو مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي ، ودلك حنكة به ، يصنع ذلك بالصبي ليتمرن على الأكل ويقوى عليه ) .
(7) ويرشد صلى الله عليه وسلم الأبوين إلى تحصينه بالذكر من الآفات وشكر الله تعالى موهبته :
عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو ولد فيقول : الحمد لله رب العالمين ؛ إلا كان أعغطى خيراً مما أخذ " وفي لفظ آخر عن أنس أيضاً قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله رب العالمين إلا كان الذي أعطى الله خير من الذي أخذ" . ( اخرجه ضياء الدين المقدسي في الاحاديث المختارة وقال اسناده حسن )
ولا شك أن الدعاء مجلبة لكل خير ، وفيه شكر الرحمن ، الذي يزيد من شكره ، ( لئن شكرتم لازيدنكم ) [ إبراهيم 7] .

(8) ويقسم صلى الله عليه وسلم للمولود ميزاثه بمجرد ولادته :

فعن جابر بن عبد الله قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يرث الصبي حتى يستهل صارخاً ، قال : واستهلاله ، أن يبكي ويصيح ، أو يعطس " ( ابن ماجه ) وعند الهيثمي باب متى يرث المولود ، عن المسور بن مخرمة وجابر قالا : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم : " لا يرث الصبي حتى يستهل صارخاً واستهلاله أن يصبح أو يبكي أو يعطس " ( رواه ا لطبراني ) .
وعن ابن سيرين أن سعد بن عبادة قسم ماله بين بنيه في حياته ثم مات فولد له ولد بعدما مات فلقي عمرو أبا بكر فقال : ما نمن الليلة من أجل ابن سعد هذا المولود ولم يترك له شيئاً ، فقال له ابو بكر : وأنا والله ما نمت الليلة أو كما قال من أجله ، فانطلق بنا إلى قيس بن سعد فكلمه ، فأتياه فكلماه فقال قيس : أما شيء أمضاه قيس فلا أرده ولكن أشهد كما أن نصيبي له .( رواه الطبراني من طرق رجالها كلها رجال الصحيح إلا انها كلها مرسله لم يسمع احد منهم من أبي بكر )
وفي رواية عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يرث المولود حتى يستهل صارخاً وإن وقع حياً " ( رواه الدارمي )

(9) ويأمر بإخراج الزكاة عنه بمجرد الولادة أيضاً :

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على كل نفس من المسلمين ، حر أو عبد ، أو رجل أو امرأة صغيرة أو كبيرة ، صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير( رواه مسلم ) .

(10) ويرحم صلى الله عليه وسلم طفولته ولو كان ولد زنا :

ومن رحمه النبي صلى الله عليه وسلم بالطفل وحرصه على أن يشب راضعاً من ثدي أمه ؛ أنه لما جاءته المرأة الغامدية التي زنت ، وأخبرته أنها حبلى من الزنا ، قال لها : " ارجعي حتى تلدي " ، فلما ولدت أتت به تحمله ، قالت : يا نبي الله هذا قد ولدته ، فقال لها صلى الله عليه وسلم : " فاذهبي فأرضعيه حتى تفطميه " ، فلما فطمته جاءت بالصبي وفي يده كسره خبز ، قالت : يا نبي الله ، هذا قد فطمته ، وقد أكل الطعام ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصبي فدفع إلى رجل من المسلمين ، وأمر بها فحفر لها حفرة إلى صدرها وأمر الناس فرجموها .
والناظر في هذا الحديث يرى أمور عجيبة :
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تيقن أن المرأة حامل من الزنا ؛ لم يشر آية إشارة إلى محاورة إسقاط هذا الجنين ناقصاً أو كاملاً . كما تفعل من تزني وفوق زناها تقتل نفساً بغير حق .
2- بل على العكس فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرها أن تذهب وتبقى حتى تلد .
3- فلما ولدت أمرها صلى الله عليه وسلم أن تذهب لترضعه حتى تفطمه ، فأرضعته ثم فطمته وقد أكل الخبز .
4- أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع بالصبي إلى أحد المسلمين ليقوم على رعايته وتربته .
تلك رحمة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم بولد الزنا وحرصه عليه من الضياع ، فما ذنبه أن يتحمل آثار جريمة غيره ؟ !

(11) ويحتفل بالأطفال في صغرهم فيوصي بالعقيقة عنهم :

عن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كل غلام رهين بعقيقته ، تذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه ويسمى ( رواه النسائي ) .
وعن أم كرز رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال : " عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة ، ولا يضركم ذكراناً كن أو إناثاً " ( رواه الترمذي ) ومن فوائد العقيقة : ذكر العلماء منهم ابن القيم رحمه الله في كتابه تحفه المودود ، أنها قربان لله تعالى ، وفيها الكرم والتغلب على الشح ، وفيها إطعام الطعام وهو من القربات ، وهي تفك ارتهان المولود عن عدم الشفاعة لوالديه أو شفاعة والديه له ، ومنها أنه ترسيخ للسنن الشرعية ومحاربة خرافات الجاهلية ، وفيها إشاعة نسب المولود وغيره .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : ( فالذبح عن الولد فيه معنى القربان والشكران والغذاء والصدقة وإطعام الطعام عند حوادث السرور العظام شكراً لله وإظهاراً لنعمته التي هي غاية المقصود من النكاح ، فإذا شرع الإطعام للنكاح الذي هو وسيلة إلى حصول هذه النعمة ، فلأن يشرع عند الغاية المطلوبة أولى وأخرى ، وشرع بوصف الذبح المتضمن لما ذكرناه من الحكم ، فلا أحسن ولا أحلى في القلوب من مثل هذه ، فلا أحسن ولا أحلى في القلوب من مثل هذا الشريعة في المولود ، وعلى نحو هذا جرت سنة الولائم في المناكح وغيرها فإنها إظهار للفرح والسرور بإقامة شرائع الإسلام ، وخروج نسمة مسلمة يكاثر بها رسول الله e الأمم يوم القيامة ، تعبد الله ويراغم عدوه) (2) .

(12) ويغير صلى الله عليه وسلم عادات الجاهلية في الاحتفال بهم :

هذا أيضاً من اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم الشديد بالأطفال ، بحيث لا يفع حب الآباء لأبنائهم أن يفعلوا معهم أي شيء ولو كان من سنن الجاهلية .
فعن عبد الله بن بريدة قال : سمعت أبي ، بريدة يقول : " كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ؛ ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها ، فلما جاء الله بالإسلام ؛ كنا نذبح شاة ، ونحلق رأسه ، ونلطخه بزعفران " (3) .

(13) ويسميهم صلى الله عليه وسلم بأحسن الأسماء :

إن الله جميل يحب الجمال ، ومن الجمال تحسين اسم الصبي ، والبعد عن الأسماء القبيحة ، والإسلام دين يسر ( يريد الله بكم اليسر ) ، لذلك أراد اليسر حتى في الاسماء ، وكره العسر والعنف حتى في الأسماء ايضاً ، يظهر ذلك من نهيه عن اسم (حرب ) ، قال صلى الله عليه وسلم " أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ، واقبحها حرب ومرة " ( رواه ابو داود ) . وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول اله صلى الله عليه وسلم : " إن أحب اسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن " ( رواه مسلم ) .
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم ابن أبي طلحة ( عبد الله ) . وكذلك ابن عباس سماه صلى الله عليه وسلم يوم ولادته ( عبدالله ) ، وكذلك سمى ابنه ( إبراهيم ) على اسم ابي الأنبياء إبراهيم صلى الله عليه وسلم ، وسمى ابن ابي أسيد ( المنذر ) ، وغير ذلك .
ومن المهم جداً أن ننبه هاهنا إلى أن بعض الناس يسمون بعض أبنائهم باسم قبيح ليمنع عنه الحسد ، أو ليعيش ولا يموت وهو صغير ، وهذا صغير ، وهذا الصنيع فيه جهل مركب ؛ ففوق قبح الاسم ، فهي عقيدة فاسدة لا تغني عن الولد شيئاً ، إضافة إلى أن العادة جرت أن يأخذ المسمى نصيباً من اسمه ، فإذا كان اسمه كئيباً كانت الكآبة فيه ، وإذا كان اسمه ذميماً رأيت من ذلك فيه .

(14) وينهي صلى الله عليه وسلم عن تسميتهم بأسماء قبيحة وغير جائزة :

عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لاتسمين غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجيحاً ولا أفلح ، فإنك تقول : أثمت هو ؟ ( يعني أهنا هو ") فلا يكون ، فيقال : لا" ( رواه مسلم ) وفي رواية عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لأنهين أن يسمي رافع وبركة ويسار " وفي حديث جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن عشت زجرت أن يسمى بركة ويسار ونافع " . قال جابر : لا أدري ذكر رافعاً أم لا ، إنه يقال : هاهنا بركة ؟ فيقال : لا ، ويقال : هاهنا يسار ؟ فيقال : لا ، قال : فقبض رسول اله صلى الله عليه وسلم ولم يزجر عن ذلك ، فأراد عمر رضي الله عنه أن يزجر عنه ثم تركه .
قال الخطابي رحمه الله : قد بين النبي صلى الله عليه وسلم المعنى في ذلك ، وكراهة العلة التي من أجلها وقع النهي عن التسمية بها ، وذلك أنهم كانوا يقصدون بهذه الأسماء وبما فيها من معاني ؛ إما التبرك بها أو التفاؤل بحسن ألفاظها ، فحذرهم أن يفعلوا ، لئلا ينقلب عليهم ما قصدوه في هذا الأسماء إلى الضد ، وذلك إذا سألوا فقالوا : أثم يسار ؟ أثم رباح ؟ ، فإذا قيل : لا ، تطيروا بذلك وتشاءموا به ، وأضمروا الإياس من اليسر والنجاح ، فنهاهم عن السبب الذي يجلب لهم سوء الظن بالله سبحانه ، ويورثهم الإياس من خيره(1) .
وقد غير النبي صلى الله عليه وسلم أسماء كانت قبيحة ، وأسماء ليست قبيحة لكن لا يجوز التسمي بها ، فمثلاً غير اسم ( عاصية ) إلى جميلة (2)، وغير أسم ( أصرم) إلى زرعة (3) ، وغير اسم ( زحم ) إلى بشير(4) ، وغير اسم ( حزن) إلى سهل (5)، وكذلك غير اسم ( برة) إلى زينب ، وقال : " لا تزكوا أنفسكم ، الله أعلم بأهل البر منكم"(6) . وغير كنيه ( أبي الحكم ) إلى أبي شريح ، وقال له : " إن الله هو الحكم " ، وكان شريح أكبر أولاد ذلك الرجل (7).

( 15) ويأمر بحلق راس الطفل يوم سابعه وتنظيفه وإزالة الأذى عنه :

شرح الإسلام أن يحلق رأس الطفل يوم سابعة إيذاناً بالعناية به وإزالة ما يؤذيه ، بل وشرح التصدق عنه بوزن شعر رأسه ذهباً أو فضه . وكأن في ذلك إشارة إلى فدائه بالمال وعدم التفريط فيه ، وأن شعر رأسه الذي يؤذيه بقاؤه فيحلقونه ليس رخيصاً عند أسرته ، بل يوزن بالذهب الذي يحرص عليه الناس ، كما شرع ختانه ، وهو من خصال الفطرة التي حث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال ابن القيم رحمه الله ، بعد أن ذكر نصوص خصال الفطرة :
( وقد اشتركت خصال الفطرة في الطهارة والنظافة وأخذ الفضلات المستقذرة ، التي يألفها الشيطان ويجاورها من بني آدم ، وله بالغرلة اتصال واختصاص ) .
وقد مر بنا في حديث بريدة قال : فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بالزعفران .
وعن علي رضي الله عنه قال : عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن شاة ، وقال : يا فاطمة ، احلقي رأسه ، وتصدقي بزنه شعره فضة ، فوزناه فكان وزنه رهماً أو بعض درهم . قال ابن القيم رحمه الله : وهذا وإن لم يكن إسناده متصلاً فحديث أنس وابن عباس يكفيان . والحديث هو " أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن بكبش وعن الحسين بكبش وكان مولد الحسن عام أحد والحسين في العام القابل منه " ، ورواه النسائي بلفظ : " عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين رضي الله عنهما بكبشين كبشين " ، ثم قال : أحاديث الشاتين عن الذكر والشاة عن الأنثى أو لى أن يؤخذ بها لوجوه :
أحدها : كثرتها .
الثاني : أنها من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحاديث الشاتين من قوله ، وقوله عام وفعله عام وفعله يحتمل الاختصاص .. إلخ .
وهنا تنبيه :
وهو أن بعض الناس يعجبهم جمة الطفل وكثافة الشعر عليه ، فيترددون في الحلق له لأن رأسه ستصير جلحاء قرعاء ، والبعض يزيدهم تردداً بقوله : رأس الولد طريقة لا تتحمل الحلاقة ! ومما لا شك فيه أن هذا إما جهل بالشرع ، وإما ضعف في الالتزام بالشرع . والأمران خطيران .

(16) وينهي صلى الله عليه وسلم عن تشويه رأس الصبي بالقزع :

والقزع : هو أن يحلق رأس الصبي ويترك منه مواضع متفرقة غير محلوقة تشبيهاً بقزع السحاب(1) .
عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع ، قال : قلت لنافع : وما القزع ؟ قال : يحلق بعض راس الصبي ويترك بعض ( رواه البخاري ) .
والمقصود أن يكون الحلق من جميع الرأس ، لأن حلق البعض وترك البعض الآخر يتنافى مع الشخصية الإسلامية التي يتميز بها المسلم عن بقية الملل والمعتقدات ، وعن سائر أهل الفسوق والميوعة والانحلال
وقد يكون في هذا القزع تشبهاً بالكفار ، وفي الصحيحين . أن معاوية رضي الله عنه رأى قصة من شعر كانت في يد أحد الحراس فقال : يا أهل المدينة ، أين علماؤكم ؟ سمعت رسول اله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ويقول : " إنما هلكت بنو إسرائيل حين أتخذها نساؤهم " ثم قال معاوية : ما كنت أرى أن أحداً يفعله إلا اليهود . أه فوجب تركة لأنه فعل اليهود .

(17) ويداعب صلى الله عليه وسلم الصبي الصغير بلسانه وفمه :

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ليدلع (3). لسانه للحسن بن علي ، فيرى الصبي حمرة لسانه ، فيبهش إليه . أي يعجبه ويسرع إليه .
وعنه أيضاً قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سوق بني قينقاع متكئاً على يدي فطاف فيها ثم رجع فاحتبى في المسجد ، وقال : " أين لكاع ؟ ادعو لي لكاع " ، فجاء الحسن رضي الله عنه فاشتد حتى وثب في حبوته ، فأدخل صلى الله عليه وسلم فمه في فمه ثم قال : " اللهم إني أحبه فأحبه وأحب من يحبه ثلاثاً " . قال أبو هريرة : ما رأيت الحسن إلا فاضت عيني . ولكاع ولكع هو الصغير قليل الجسم ، وتطلق على قليل العلم الغبي الأحمق

(18) ويكني النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطفل باسمه :

عن أبي شريح أنه كان يسمى أبا الحكم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله هو الحكم ، وإليه الحكم " . فقال : إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني ، فحكمت بينهم فرضي كلا الفريقين ، فقال صلى الله عليه وسلم : " ما أحسن هذا ، فما لك من الولد ؟" فقلت : شريح ومسلم وعبدالله ، قال : " من أكبرهم ؟ قلت : شريح ، قال : " أنت أبو شريح " . وشريح من الشرح ، وهو الإنبساط وانشراح الصدر . قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم " ( ألم نشرح لك صدرك ( [ الشرح : 1]

( 19) ويهتم صلى الله عليه وسلم بختان الطفل ( سنة الفطرة ) :

عن أسامة عن أبيه رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الختان سنة للرجال مكرمة للنساء " . ويسميه البعض : الطهار . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الفطرة خمس : الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، وتقليم الأظافر ، ونتف الآباط " .
ولكن متى يكون الختان ؟
قال ابن عباس : كانوا لايختنون الغلام حتى يدرك . قال الميموني : سمعت أحمد يقول : كان الحسن يكره أن يختن الصبي يوم سابعه ، وقال حنبل : إن أبا عبد الله قال : وإن ختن يوم السابع فلا بأس ، وإنما كره الحسن ذلك لئلا يتشبه باليهود ، وليس في هذا شيء . قال مكحول : ختن إبراهيم ابنه إسحاق لسبعة أيام ، وختن إسماعيل لثلاث عشرة سنة ، ذكره الخلال . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : فصار ختان إسحاق سنة في ولده ، وختان إسماعيل سنة في ولده ، وقد تقدم الخلاف في ختان النبي صلى الله عليه وسلم متى كان ذلك .
قلت : قد ذكر ابن القيم هذا الخلاف وخلاصته أنه :
قيل : أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد مختوناً ، وليس في ذلك حديث ثابت .
القول الثاني : أنه ختن يوم شق الملائكة قلبه عند مرضعته حليمة .
القول الثالث : أن جده عبد المطلب ختنه يوم سابعة ، وصنع له مأدبة وسماه محمداً . وكل ذلك لم يثبت بالدليل ، ثم ختم ابن القيم بقول كما الدين بن العديم أنه صلى الله عليه وسلم ختن على عادة العرب ، وكان عموم هذه السنة للعرب قاطبة مغنياً عن نقل معين فيها ، والله أعلم .
هذا مع ما في الختان من الطهارة والنظافة والتزبين وتحسين الخلقة وتعديل الشهوة ، التي إذا أفرطت ألحقت الإنسان بالحيوانات ، وإن عدمت بالكلية ألحقته بالجمادات ، فالختان يعدلها ، ولهذا تجد الأقلف من الرجال والقلفاء من النساء لا يشبع من الجماعة .. ولا يخفى على ذي الحسن السليم قبح الغرلة ، وما في إزالتها من التحسين والتنظيف والتزيين

( 20) ويجلسهم على حجره صلى الله عليه وسلم وعلى فخذه ويشفق على مرضاهم .

ومن الأخلاق الكريمة في رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه كان يؤتي بالصبي الصغير فيجلسه في حجره صلى الله عليه وسلم حتى أن الصبي ليبول في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فلا يرفعه إلى أهله حتى لا يظنوا أنه تضجر من ذلك .
عن أم قيس بنت محصن قالت : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لي لم يأكل الطعام ، فبال عليه ، فدعا بماء فرشه .
وعن أم كرز الخزاعية : قالت : أتى النبي صلى الله عليه وسلم بغلام فبال عليه ، فأمر به فنضح ، وأتي بجارية فبالت عليه فأمر به فغسل . وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن بن علي فخذه الأخرى ثم يضمنا ثم يقول : " اللهم ارحمهما فإني أرحمهما " وعن أم قيس بنت محصن أنها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن لها لم يبلغ أن يأكل الطعام وقد أعلقت عليه من العذرة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " علام تدغون أولا دكن بهذا الإعلان ؟ عليكم بالعود الهندي فإن فيه سبعة أسفيه منها ذات الجنب " . قال عبيد الله : وأخبرتني أن ابنها ذلك بال في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بماء فنضحه ولم يغسله غسلاً .
من اهتمام الإسلام بالطفل أنه يوجب إرضاعه وكفالته حتى يستغني بنفسه ، كما يوجب السعي عن رزقه وكسوته
قال الله تعالى : ( والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تضار ولده بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراضي منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن اردتم أن تسترضعوا أولدكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما ءاتيتم بالمعروف واتقوا الله وأعلموا أن الله بما تعملون بصير ) [ البقرة : 233 ] .
لقد كان غذاء الطفل في رحم أمه يأتيه بلا اختيار منها ولا اختيار منه ، عن طريق سرته التي ربط الله له بها حبلاً يوصل إليه به ذلك الغذاء ، وغذا كان على أمه حق له في فترة الحمل ؛ فهو أن تناول الغذاء المناسب ولا تهمل نفسها إهمالاً يؤدي إلى الإضرار به ، كما أن على أبيه أن ينفق عليها نفقه تكفيها .
ولكنه عندما يتيسر سبيله فيخرج من رحله الرحم ليبدأ رحله الأرض ينقطع عنه ذلك الغذاء الأضراري ، ويجب على أبو يه أن يقوما بإرضاعه : الأم ترضعه من لبنها الذي حوله الله إلى ثدييها ليسهل على الطفل تناوله ، والأب ينفق عليها ويكفيها بما تحتاج إليه ، إن فقد أبو يه أو أحدهما وجب ذلك على من يقوم مقامهما ، إما من الأقارب ، وإما من ولاة أمور المسلمين .
قال ابن حزم رحمه الله : ( والواجب على كل والدة ، حرة كانت أو أمة ، في عصمة زوج أو في ملك سيد ، أما كانت خلواً منهما ، لحق ولدها بالذي تولد من مائة أو لم يلحق ، أن توضع ولدها ، أحببت أم كرهت ولو أنها بنت الخليفة ، وتجبر على ذلك ، إلا أن تكون مطلقة . فإن كانت مطلقة لم تجبر على إرضاع ولدها من الذي طلقها ، إلا أن تشاء هي ، فلها ذلك ، أحب أبوه أم كره ، أحب الذي تزوجها بعده أم كره ، فإن تعاسرت هي وأبو الرضيع أمر الوالد أن يسترضع لولده أمراً ولابد ، إلا أن لا يقبل الطفل غير ثديها فتجبر حينئذ ، أحبت أم كرهت ، أحب زوجها إن كان لها أم كره ، فإن مات أبو الرضيع أو أفلس ، أو غاب بحيث لا يقدر عليه أجبرت الأم على إرضاعه ، إلا أن لا يكون لها لبن ، أو كان لها لبن يضر به ، فإنه يسترضع له غيرها ، ويتبع الأب بذلك إن كان حياً وله مال ..) . وتجب كفالة الطفل حتى يبلغ أشده ويقدر على القيام بمصالحة ، قال ابن قدامة رحمه الله " ( كفالة الطفل وحضانته واجبه ، لأنه يهلك بتركه ، فيجب حفظه عن الهلاك ، كما يجب الانفاق عليه وإنجاؤه من المهالك ) .
عمر رضي الله عنه يهتم بأطفال المسلمين منذ ولادتهم
كان عمر رضي الله عنه في خلافته لا يفرض لمولود علاوة وزيادة من بيت المال حتى يفطم ، ثم تراجع عن ذلك القرار ، وفرض لكل مولود من حين ولادته ، لسبب بسيط ؛ رآه عمر سبباً خطيراً ، فقد سمع ذات ليلة بكاء صبي ، فقال لأمه : أرضعيه ، فقالت وهي لا تعرفه : إن أمير المؤمنين لا يفرض لمولود حتى يفطم ، وإني فطمته ، فقال عمر : إن كدت لأن أقتله ؛ أرضيه ، فإن أمير المؤمنين سوف يفرض له ، ثم فرض رضي الله عنه بعد ذلك للمولود حين يولد . رحم الله عمراً . كان من الله خوافاً ، وعند حدوده وقافاً ، فخرج منها سالماً معافاً .

(21) ويبكي صلى الله عليه وسلم على الأطفال عند موتهم ويعزي فيهم أهلهم :

عن أسامة بن زيد قال : أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه وسلم إليه أن أبناً لي قد قبض فأتنا ، فأرسل يقرى السلام ويقول : " إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى ، فلتصبر ولتحتسب " . فأرسلت إليه تقسم عليه ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة ورجال من أصحابه ، فرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبي ونفسه تقعقع كأنها شنه ، ففاضت عيناه صلى الله عليه وسلم ، فقال سعد : يارسول الله ما هذا ؟ فقال : " هذه رحمة جعلها الله في قلوب عبادة ، وإنما يرحم الله من عبادة الرحماء " .
وعن أنس قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ إبراهيم ابنه فقبله وشمه ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذورفان ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : "يا ابن عوف " ، ثم أتبعها بأخرى ، فقال صلى الله عليه وسلم " إن العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون .
وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنهما قالت : لما توفي ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم ؛ بكى رسول اله صلى الله عليه وسلم فقال له المعزي إما أبو بكر وإما عمر : أنت أحق من عظم الله حقه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول ما يسخط الرب ، ولولا أنه وعد صادق ، وموعود جامع ، وأن الآخر تابع للأول ؛ لوجدنا علكي يا إبراهيم أفضل مما وجدنا وإنا بك لمحزونون " .

(22) ويخصهم بدعاء وهو يصلي عليهم صلى الله عليه وسلم :
قال سعيد بن المسيب رحمه الله : صليت وراء أبي هريرة على صبي لم يعمل خطيئة قط ، فسمعته يقول : " الهم أعذه من عذاب القبر " .
وكان الحسن يقرأ على الطفل بفاتحة الكتاب ويقول : " اللهم اجعل لنا فرطاً وسلفاً وأجراً " .
وإن قال : اللهم اجعله فرطاً وذخراً لو الديه ، وشفيعاً مجاباً اللهم ثقل به موازينهما ، وأعظم به أجورهما ، وألحقه بصالح المؤمنين ، واجعله في كفالة إبراهيم ، وقه برحمتك عذاب الحجيم ، وأبدله داراً خيراً من داره ، وأهلاً خيراً من أهله ، اللهم أغفر لأسلافنا وأفراطنا ومن سبقونا بالإيمان فحسن .
(23) ويبشر صلى الله عليه وسلم بشفاعتهم لأبويهم إذا صبروا على فقدهم :
عن أبي حسان قال : قلت لأبي هريرة : إنه قد مات لي ابنان ، فما أنت محدثي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديث تطيب به أنفسنا عن موتانا ؟ قال : نعم ، صغارهم دعاميص الجنة يتلقى أحدهم اباه أو قال أبويه فيأخذ بثوبه أو قال بيده كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا ، فلا يتناهى أو قال : فلا ينتهي حتى يدخله الله وإياه الجنة " .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث ، إلا أدخلهما الله وإياهم بفضل رحمته ، وقال : يقال لهم : أدخلوا الجنة ، قال : فيقولون : حتى يجيئ أبوانا ، قال : ثلاثة مرات فيقولون مثل ذلك ، فيقال لهم : أدخلوا الجنة أنتم وأبواكم "
(24) وكان صلى الله عليه وسلم يرحم بكاء الطفل في الصلاة فيخففها :
عن أنس رضي الله عنه قال : ما صليت وراء إمام قط أخف صلاة ولا أتم من النبي صلى الله عليه وسلم وإن كان ليسمع بكاء الصبي فيخفف عنه مخافة أن تفتن أمه . ويؤكد صلى الله عليه وسلم ذلك بنفسه فيقول : " إني لادخل الصلاة وأنا أريد أن أطيلها فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز في صلاتي مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه " .
(25) ويناديهم صلى الله عليه وسلم بكنيتهم تكريماً لهم :
وهذا من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم . يقول أنس رضي الله عنه : كان رسول الله أحسن الناس خلقاً ، وكان لي أخ يقال له أبو عمير ، قال : أحسبه فطيماً ، وكان إذ ا جاء أي النبي قال : يا أبا عمير ... " . وكان أنس رضي الله عنه يجتني بقله وكانت حامضة فيها لذع وحموضه ، والشيء الحامض يقال له : حامز، والبقلة الحامضة التي جناها أنس سميت حمزة بفعل طعمها اللاذع ، فكنى الرسول صلى الله عليه وسلم أنساً ببقلته أبا حمزة يقول رضي الله عنه : كناني رسول الله صلى الله عليه وسلم بيقله كنت أجتنيها .
(26) ويحسن النداء صلى الله عليه وسلم للصغار حتى من الخدم :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقولن أحدكم : عبدي ، وأمتي ، كلكم عبيد الله ، وكل نسائكم إماء الله ، وليقل : غلامي ، وجارتي ، وفتاي ، وفتاي " .
والله لو التزم أكثرنا التواضع ؛ لصلحت أمور وأمور .
(27) ويحمله صلى الله عليه وسلم في صلاته :
عن عبد اله بن شداد رضي الله عنه قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً ، فتقدم رسولالله صلى الله عليه وسلم فوضعه ثم كبر للصلاة فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها ، قال أبي . فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد ، فرجعت إلى سجودي ، فلما سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها حتى ظننا أنه قد حدث أمر وأنه يوحى إله ، قال : " كل ذلك لم يكن .
ولكن ابني ارتحلني فكرهن أن أعلجه حتى يقضي حاجته "
وعن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل لأمامة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس رضي الله عنه فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها . وللنسائي : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وهو حامل أمامة بنت أبي العاص على عاتقه ، فإذا ركع وضعها ، وإذا رفع من سجوده أعادها . وتوضح رواية النسائي أن حمله لأمامة كان في صلاة الفريضة .
(28) ويأمر صلى الله عليه وسلم بتلقين الطفل كلمة التوحيد:
فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " فتحوا على صبيانكم أول كلمة لا إله إلا الله ، ولقنوهم عند الموت لا إله إلا الله . " والمقصود أن هذا إنما يكون أول ما يفصح الطفل ، ويبدأ في تعلم الكلام . وقد قرأت في إحدى الصحف تحت رسم كاريكاتوري عبارة ، يقول المغني لزوجته وهو ينظر بإعجاب إلى ولده : ( أول ما نطق لم يقل يا بابا ، قال يا ليل !! ) وليس غريباً أن يصدر مثل هذا من أهل الغناء والموسيقى ، ولكن البلوى ، أن تعم البلوى ، فيمن ساروا خلفهم من المنتسبين إلى الإسلام فصاروا يلقنون أبناءهم ما قاله المغني الكاريكاتوري لزوجته . ولأمثلة كثيرة ومريرة ، وسأذكر مثالاً واحداً : رأيت رجلاً معه طفل صغير عمره أربع سنوات ، ورجل المغنين ، فقال له الرجل : وهل تستطيع أن تغني ولسانه لم يكمل بعد نطق بعض الحروف ، فكان ينطق الكاف تاءاً فيقول :
حلو وتداب ، ليه سدقتك ؟ الحق عليه اللي طاوعتك
والكلام لا يحتاج إلى تعليق ، وعلى كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ؛ أن يتساءل معي : إلى أين نسير بمثل هؤلاء الأطفال ؟ وأين هؤلاء الأطفال من أطفال سلفنا الذين كان أهلوهم يصطحبونهم إلى ميادين الحروب يركبونهم الخيل ويوكلون بهم من يقوم على أمرهم حتى تنتهي الحرب ؟
( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام .. ) [ الأنعام : 125] .
( ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) [ ق : 18].
(29) ويقطع صلى الله عليه وسلم خطبته ويترك منبره ليرحم عثرتهم :
عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبنا إذ جاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران ، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما وضعهما بين يديه ، ثم قال : " صدق الله ( إنما أموالكم وأولادكم فتنه ) ، فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما " .
(30) ويمازحهم صلى الله عليه وسلم مزاحاً لطيفاً بالقول والفعل :
يقول أنس بن مالك رضي الله عنه : إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا حتى يقول لأخ لي صغير : " يا أبا عمير !ما فعل النغير ؟ " .
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره ، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم أن دعوهما . وهذا من سماحة الإسلام ، ويسر هذا الدين الذي يهتم بالأطفال هذا الاهتمام العظيم مراعاة لنفسية الطفل ومجاراة لميوله ورغباته .
(31) ويهتم صلى الله عليه وسلم بتهذيب مظهرهم وحلاقتهم :
عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً قد حلق بعض شعر رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال : " احلقوه كله أو أتركوه كله ".
إن رسولنا صلى الله عليه وسلم لا يحب تشويه منظر الطفل ، ولا تشبيه مظهره بمظهر أبناء الكفار ، ولا أن يكون حبناً لأطفالنا دافعاً لنا أن نفعل فيهم الأفاعلي ،وإنما أراد لأبناء المسلمين أن يكون لهم مظهراً مميزاً وشخصية مستقلة ، غير مقلدة لوا محاكية لشخصيات غير مسلمة كما يرى في واقع كثير من الناس اليوم إلا من عافاه الله .
( 32) ويشرف بنفسه صلى الله عليه وسلم على حلاقتهم :
عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم ثم أتاهم فقال : " لا تبكوا على أخي بعد اليوم " يريد إنهاء الحداد عليه ، ثمقال " " ادعوا لي بني أخي " فجيئ بنا كأنا أفرخ ، فقال : أدوا لي الحلاق " فأمره فحلق رؤوسنا .وهذا فيه هدي وإرشاد للآباء أن يشرفوا بأنفسهم على حلاقة أبنائهم ، ويقرروا متى يحلقونه ومتى يتركونه ، ولا يتركون للأبناء الحرية في ذلك ، فربما قلدوا أصحاب القصة وصنعوا مثل أرباب الشوشة !! وتركوا هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم .
(33) ويحملهم على عاتقه وعلى دابته :
وعن عبد الله بن جعفر أيضاً قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذا قدم من سفر تلقي بصبيات أهل بيته ، قال : وإنه جاء من سفر فسبق بي إليه فحملني بين يديه ، ثم جيء بأحد ابني فاطمة الحسن والحسين رضي الله عنهما فأردفه خلفه ، قال : فأدخلنا المدينة ثلاثة على دابه . وحمل صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين على عاتقيه وقال : " نعم الراكبان هما ، وأبوهما خير منهما " .
وعن عمر رضي الله عنه قال : رأيت الحسن والحسين على عاتقي النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : نعم الفرس تحتكما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ونعم الفارسان " .
وعن جابر قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يمشي على أربعة وعلى ظهره الحسن والحسين رضي الله عنهما وهو يقول : " نعم الجمل جملكما ونعم العدلان أنتما " .
وعن البراء بن عازب قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي فجاء الحسن والحسين أو أحدهما فركب على ظهره فكان إلا رفع رأسه قال بيده فأمسكه أو أمسكهما قال: " نعم المطية مطيتكما " .
إنه التواضع من سيد الخلق ، والاهتمام بالنشيء لبناء شخصيتهم وربطهم بمعلمهم الأعظم وقدوتهم الأكرم ؛ محمد صلى الله عليه وسلم
(34) ويسرع في البحث عنهم إذا فقدهم :
عن سلمان رضي الله عنه قال : كنا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت أم أيمن رضي الله عنها ، فقالت : يارسول الله ، لقد ضل الحسن والحسين رضي الله عنهما ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " قوموا فاطلبوا بني " وأخذ كل رجل وجهة ، وأخذت نحو النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل حتى أتيى سفح جبل ، وإذا شجاع قائم على ذنبه ، يخرج من فيه شرر النار ، فأسرع إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتفت مخاطباً ثم أنساب فدخل في بعض الأجحار ، ثم أتاهما فأفرق بينهما ثم مسح وجوههما وقال : " بأبي وأمي أنتما ما أكرمكما على الله ، ثم حمل أحدهما على عاتقه الأيمن والآخر على عاتقه الأيسر " .. الحديث .
(35) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم أدب اللباس :
عن عبد اللهبن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم علي ثوبين معصفرين فقال : " أمك أمرتك بهذا ؟" قلت : أغسلهما ، قال : " بل أحرقهما " ، وفي رواية قال : " إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها " . فكيف لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم من يلبسون أطفالهم ملابس عليها شعارات الكفر وراياته ، كعلم اليهود ، أو عليها صورة داعرة ، أو أمرأة كافرة ، أو وثنى لاعب كره ، وغير ذلك مما حرمته الملة الآخرة ؛ أو وثني لاعب كرة ، وغير ذلك مما حرمته الملة الآخرة ؛ الإسلام . .
وقد قالعمر لعتبه : إياكم والتنعم وذي أهل الشرك ، ولبوس الحرير ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن لبوس الحرير . وقال علي بن أبي صالح السواق : كنا في وليمة فجاء أحمد بن حنبل ، فلما نظر إلى كرسي في الدار عليه فضه ؛ فخرج فلحقه صاحب الدار فنفض يده في وجهه وقال رحمه الله : زي المجوس . وكذلك حذيفة بن اليمان ، لما دعي إلى وليمة قراى شيئاً من زي العجم خرج وقال : من تشبه بقوم فهو منهم .
( 26) ويرحمهم صلى الله عليه وسلم بالبشاشة والقبلة ويرغب الآباء في رحمتهم :
عن أبي هريرة قال : قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي رضي الله عنه وعنده الأقرع بن حابس جالساً ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً ، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : "من لا يرحم لا يرحم " ، وقال ثابت عن أنس : أخذ النبي صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه .
ومن ترغيبه صلى الله عليه وسلم للآباء في رحمة الأبناء ما قاله أنس : أن امرأة جاءت إلى عائشة رضي الله عنها فأعطتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل صبي لها تمرة ، وأمسكت لنفسها تمرة ، فأكل الصبيان التمرتين ونظرا إلى أمهما ، فعمدت الأم إلى التمرة فشقتها فأعطت كل صبي نصف تمرة ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته عائشة رضي الله عنها :" وما يعجبك من ذلك ، لقد رحمها الله برحمتها صبييها " . وفي الصحيح أن المرأة كان معها بنتان ، إلى نهاية القصة فلما أخبرته عائشة قال : " من ابتلي بشيء من هذه البنات فأحسن إليهن كن له ستراً من النار " .
(37) ويداعبهم صلى الله عليه وسلم بشتى الأساليب اللطيفة :
أخي المربي ، هل تتخيل أن النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر كان يتواضع للأطفال عامة ولأولاده خاصة ؟ فكان يحمل الحسن صلى الله عليه وسلم على كتفه كما تقدم ، ويضاحكه ويفتح فمه ويقبله ، ويريه أنه يريد أن يمسك به وهو يلعب فيفر الحسن هنا وهناك ، ثم يمسكه النبي صلى الله عليه وسلم . وكان يضطجع فيأتي الحسن والحسين فيلعبان على بطنة ، وكانا يركبان على ظهره وهو يصلي ، بل كان صلى الله عليه وسلم كما قال جابر يمشي على أربع ، وعلى ظهره الحسن والحسين وهو يقول : " نعم الجمل جملكما ، ونعم العدلان أنتما " .
وعنه أنه عليه الصلاة وأفضل السلام كان يرقص الحسن والحسين ويقول :
حزقه حزقه ترق عين بقه
فترقى الغلام حتى وضع قدميه على صدره صلى الله عليه وسلم ، والحزقة : هو الصغير الضعيف . وقيل : القصير العظيم البطن ، فذكرها له على سبيل المداعبة والتأنيس له ، وترق : بمعنى اصعدا ، وعين بقة : كناية عن صغر العين . والمعنى : أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلعب الحسن بيديه الشريفتين ليرفعه على صدره ويقول له الذي معناه : أصعد يا صغيري على صدري، أصعد يا صغير العين مثل البقة . لكنه في ذلك الوقت ينهي صلى الله عليه وسلم عن الألفاظ غير اللائقة عند ممازحة الطفل ومداعبته ، فقد مر عليه الصلاة والسلام بامرأة سوداء ترقص صبياً وتقول :
ذؤاك يا بن القرم ذؤاله يمشي الثطا ويجلس الهبنقعه
فقال لها صلى الله عليه وسلم " لا تقولي ذؤاك فإنه شر السباع " . والمعنى أنها تقول لصبيها : يا ذئب يا بن سيد القوم ، مشيتك حمقاء وجلستك حمقاء لصغره ، وعدم قدرته على السير .
بهذا المداعبة والملاطمة للطفل والتصابي معه ومحاكاته ومجاراته ؛ كان يفيض صلى الله عليه وسلم حناناً وعطفاً وعاطفة صادقة يغذي بها نفوس الأطفال ، بعيداً عن الجفاء والقسوة ، والشدة والغلظة . وصدق الله فيه : ( وإنك لعلى خلق عظيم ) [ القلم : 4] .
(38) ويهاديهم بالهدايا ويعطيهم ويمسح رؤوسهم :
عن أبي هريرة قال : كان الناس إذا رأوا الثمر ، جاءوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا أخذه قال :" اللهم بارك لنا في ثمارنا ، وبارك لنا في مدينتنا ، وبارك لنا في صاعنا ومدنا " ... إلى أن قال : " بركة مع بركة " ثم يدعو أصغر وليد يراه فيعطيه ذلك التمر .
وعن جابر بن عبد الله قال : صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر أو العصر فلما سلم قال لنا : " على أماكنكم " قال : جرة فيها حلوى ، فجعل يأتي على رجل رجل فيلعقه لعقة لعقة ، حتى أتى علي وأنا غلام فألعقني لعقة ، ثم قال : " أزيدك ؟ " قلت : نعم ، فألعقني لعقه ثم قال : " أزيدك ؟ " قلت : نعم ، فألعقني أخرى لصغري ، فلم يزل كذلك حتى أتى على آخر القوم .
وعن السائب بن يزيد رضي الله عنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخلنا عليه أنا وغلمة معي فوجدناه يأكل تمراً في قناع ومعه ناس من أصحاب فقبض لنا من ذلك التمر قبضة قبضة ومسح على رؤوسنا .
(39) ويؤكد صلى الله عليه وسلم على الصدق معه وعدم الكذب عليهم :
عن عبد الله بن عامر قال : دعتني أمي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا ، فقالت : ها تعال أعطيك ، فقال لها صلى الله عليه وسلم : " ما أردت أن تعطيه ؟" قالت : أعطيه تمراً ، فقال لها : " أما إنك لو لم تعطه شيئاً ، كتبت عليك كذبة " .
إن الأطفال يراقبون سلوك الكبار ويقتدون بهم ، فلا يجوز للوالدين خداع الطفل بأية وسيلة .
(40) ويترك للصغير فرصة يتلهى معه صلى الله عليه وسلم :
ربما يمزح الطفل الصغير مع الرجل الكبير ، وربما يعبث في ثوبه أو في لجيته ، وزجره في هذه الحالة كسر لنفسه وجرح لشعوره ، وتعويد له على الانطواء والوحدة ، لكن مقابلة ذلك بالابتسامة والإعجاب ؛ يدخل السرور على الطفل ، ويشجعه على مخالطة الكبار والاستفادة منهم ، كما يربي فيه الشجاعة الأدبية .
وقد حدث مثل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم فعن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص قالت : أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء صغيرة فقال : " من ترون أن نكسو هذه ؟ "
فسكت القوم ، قال : " ائتوني بأن خالد " ، فأتي بها تحمل فأخذ الخميصة بيده فألبسها . وفي الرواية الأخري : ثم قال صلى الله عليه وسلم : " سنة سنة " ، وهي بالحبشية بمعنى حسنة ، قالت : فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزيرني أبي ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" دعها " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أبلي وأخلقي ، ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي " قال عبد الله : فبقيت حتى ذكر ، يعني من بقائها .
يعني : طال عمرها بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم أبلي وأخلقي ، والثوب الخلق : هو البالي . وكانت الطفلة الصغيرة أم خالد مع أهلها في هجرة الحبشة ، فلذلك داعيها النبي صلى الله عليه وسلم بلهجة أهل الحبشة التي تفهمها : " سنة سنة " .

الطفل من 4 سنوات وحتى 10 سنوات_
(41) ويصحبهم صلى الله عليه وسلم في الطريق واعظاً ومعلماً على قدر عقولهم :
الطفل من حقة أن يصحب الكبار ليتعلم منهم ، فتتهذب نفسه ، ويتلقح عقله ، بلقاح العلم والحكمة ، والمعرفة والتجربة ، فتتهذب أخلاق ، وتتأصل عاداته . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في ذلك ، فعلمنا أنه صحب أنساً ، وكذلكم صحب أبناء جعفر ابن عمه ، والفضل ابن عمه . وها هو عبد الله بن عباس ، ابن عمه صلى الله عليه وسلم يسير بصحبه النبي صلى الله عليه وسلم على دابته ، فيستفيد النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الصحبة في الهواء الطلق ، والذهن خال ، والقلب متفتح ، فيعلمه كلمات ، على قدر سنة واستيعابه ، في خطاب مختصر ومباشر وسهل ، مع ما يحمله من معان عظيمة يسهل على الطفل فهمها واستخلاصها ، يقول :" يا غلام ، إني أعلمك كلمات ، أحفظ الله يحفظك ، أحفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وغذا استعنت فاستعن بالله ، وأعلم أن الأمة لو أجتمعت على أن ينفعوك بشيء ؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف "
إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول ؛ يراعي عمر الطفل وقدراته العقلية ؛ فيعطيه الجرعة العلمية التي يستوعبها فهمه ، ويدركها عقله ، فيعتقدها قلبه ، وتظهر على سلوكه ؛ فيجتمع فيه العلم والعمل .
(42) ويستخدم صلى الله عليه وسلم العبارات الرقيقة في محادثتهم لاستماله قلوبهم :
من عوامل بناء الثقة في الطفل ، ورفع روحه المعنوية وحالته النفسية ؛ أن ينادي باسمه ؛ بل بأحسن أسمائه ، أو بكنيته أو بوصف حسن فيه . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة في ذلك ؛ فتارة ينادي الصبي بما يتناسب مع صغره ، فيقول :" ياغلام إني أعلمك كلمات . ويا غلام سم الله ، وكل بيمينك . ويا غلام أتأذن لي أن أعطي الأشياخ ؟ " وهكذا . وتارة يناديه بقوله : " يا بني " كما قال لأنس لما نزلت آية الحجاب : " وراءك يابني " .
وقال صلى الله عليه وسلم عن أبناء جعفر ابن عمه أبي طالب : " ادعو لي بني أخي " ، وسأل أمهم عن صحتهم فقال : " ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة ؟ " .
وقد بوب أبو داود باباً في ذلك قال : باب في الرجل يقول لابن غيره يابني . وتارة أخرى يناديهم صلى الله عليه وسلم بالكنية ، فالكنية تكريم وتعظيم ، فكان يقول للطفل الصغير الفطيم : " يا أبا عمير ، ما فعل النغير ؟ " لطائر صغير كان يلعب به فمات الطائر .
وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينادون من ولد في الإسلام من أب مسلم بقولهم:
ياابن أخي . فقد مدح المسيب البراء بن عازب بصحية النبي صلى الله عليه وسلم وبيعته فقال له : يا ابن أخي ، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده .
وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يقول للشاب الذي سأله عن أبي جهل :يا ابن أخي وما تصنع به ؟ وكان يريد أن يقتله في غزوة بدر ، وقد كان.
(43) ويقدر صلى الله عليه وسلم للصغار لعبهم:
ماذا تقول أيها المربي حينما تعلم أن الحسين بن علي وهو طفل ؛ كان عنده جرو يتسلى به ، وأن أبا عمير بن أبي طلحة كان عنده عصفور يلعب به ، وأن عائشة رضي الله عنهما كان عندها لعب تلعب بها ؟
والجواب : أن هذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة الطفل إلى اللعب .
وماذا تقول يا أخي أيضاً حينما تعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج عائشة حملت معها لعبها إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم لتعلب بها عنده ، بل كان هو يسرب إليها صديقاتها لتلعب معها ، وكذلك لما أمتنع جبريل عليه السلام عن دخول بيت النبي صلى الله عليه وسلم بسبب وجود الكلب ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم عالماً بوجوده ، ومع هذا لم يعنف الحسين أو يزجره أو يحرمه من لعبته ، وكذلك طائر أبي عمير ؛ لم يمنعه الني صلى الله عليه وسلم من التهلي به ما دام أنه لا يعذبه ولا يؤذيه ، ماذا تقول حين تعلم هذا كلمه ؟ !
والجوات : أن هذا تقدير منه صلى الله عليه وسلم للعب الصبي ، لأنه ينمي عقله ، وبوسع مداركه ، ويشغل حواسه وأحاسيسه . وأن توفر اللعبة المفيدة لم يرفععنه الحرمان ، ويعينه على بر الأبوية ، ويدخل السرور في في نفسه ، ويستجيب لميوله ويرضيه ، فينشاً طفلاً سوباً .
وقد نصح الغزالي رحمه الله أن يسمح للطفل باللعب اليسير لا باللعب الشاق بعد الانتهاء من دروسه لتجديد نشاطه ، بشرط ألا يتعب نفسه . قال " " وينبغي أن يؤذن له بعد الأنصراف من الكتاب أن يلعب نفسه . قال : " وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب ، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعلم دائماً يميت قلبه ، ويبطل ذكاءه ، وينغص عليه العيش ، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً " . وقال : " ويعود الصبي في بعض النهار المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل " اه .
إن اللعب للأطفال كالعمل للرجال . والطفل الصحيح الجسم لا يستطيع أن يجلس ساكناً خمس دقائق؛ فتراه ينقب في كل شيء تقع عليه عينه ، ويقلبه ويضعه في فمه ، وقد يفكه ويحله ليبحث عما في داخله .
وقد ثبت في علم النفس أن هناك صلة كبيرة بين الجسم والعقل ، فما يؤثر في الجسم يؤثر في العقل ، وما يؤثر في العقل يؤثر في الجسم ، ولكي يستطيع الإنسان القيام بأعباء الحياة يجب أن يكون قوياً في جسمه ، سليماً في بدنه .
(44) ولا يفرق جماعتهم صلى الله عليه وسلم وهم يلعبون :
يحدث أحياناً أن يمر البعض منا على الصبيان وهم يلعبون فيقول لهم : أما عندكم شغل ؟ أو : ما لكم بيوت تأويكم ؟ إلخ ..خاصة إذا لم يعجبه شيء من لعبهم ، لكن رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك أبداً ، فكيف كان إذا ؟ يقول أنس رضي الله عنه : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حتى إذا رأيت أني قد فرغت من خدمة ، قلت : يقيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت إلى صبيان يلعبون ، فجئت أنظر إلى لعبهم ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت إلى صبيان يلعبون ، فجئت أنظر إلى لعبهم ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على الصبيان وهم يلعبون فدعاني فبعثني إلىحاجة له ، فذهبت فيها ، وجلس صلى الله عليه وسلم في فيء حتى أتيته .. الحديث
والنبي صلى الله عليه وسلم يراعي ظروف الطفل وتلبية رغباته النفسية بعيداً عن الكبت الذي يولد الانفجار ، فسلم أولا على الصبيان ، وهذا تقدير لهم ، وتعويد على إلقاء وإفشاء السلام ، ثم جلس في الظل عندهم ينتظر أنساً ، وكلما رأوه وهو يتابعهم وينظر إليهم ويعجب ببهجتهم وحركتهم ؛ فيزداودن فرحة وسروراً ، فينشئون على حبه صلى الله عليه وسلم وهذا الذي يريد أن يغرسه فيهم عليه الصلاة والسلام .
(45) وينهي صلى الله عليه وسلم عن التفريق بينهم وبين أهليهم :
عن أبي عبد الرحمن الحبلي أن أبا أيوب كان فيجيش ففرق بين الصبيان وبين أمهاتهم ، فرآهم يبكون فجعل يرد الصبي إلى أمه ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من فرق بين الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين الأحياء يوم القيامة " ( رواه الترمذي وقال حديث حسن ) .
وفي رواية عن أبي موسى قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرق بين الوالدة وولدها وبين الأخر وأخيه " . بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يمنع من الجلوس بين الطفل وأبيه في المجلس ، وهذا بلاشك أدب هام وعظيم من آداب مجلس الأطفال مع الكبار . لأن أهل الطفل هم أعرف الناس بميوله وعاداته ، وإيجابياته وسلبياته ، وخطئه وصوابه ، وهم الأقدر على توجيه وإرشاده ، كما أن الطفل إذا فرق بينه وبين أبيه في المجلس فإنه يشعر بالخجل والحرج وبظل شارداً بذهنه ، منتظراً متى ينتهي هذا المجلس ، فلا يستفيد من جلسته مع الكبار شيئاً ، لذلك رحم الرسول صلى الله عليه وسلم شعور الطفل ونفسيته من تلك المعاناة فقال : " لا يجلس الرجل بين الرجل وابنه في المجلس " ( اخرجه الطبراني ) .
(46) ويبتعد كثيراً عن لومهم وعتابه صلى الله عليه وسلم :
إن كثرة الملامة تجر إلى الندامة ، والإسراف في التوبيخ والتأنيب يزيد من فعل القبيح المعيب. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن ذلك ، فما كان يكثر العتاب للطفل واللوم على تصرفات ما ، وهو بهذا المسلك صلى الله عليه وسلم إنما يزرع في نفس الطفل روح الحياء ، وينمي فيه فضيلة الانتباه والملاحظة ، والارتباط بذلك الخلق العظيم ، وكل هذا ظهر في أنس رضي الله عنه الذي يصف التربية العالية التي رباه عليها الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول : خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال لي أف ، ولا : لم صنعت ؟ ، ولا : ألا صنعت ؟ .
وفي رواية : فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلا مني أحد من أهل بيته قال : "عوه ، فلو قدر أو قضى أن يكون كان " . وقد يقول قائل : ونحن لو فعلنا هكذا فإن الولد سيتجراً ولن نستطيع أن نسيطر عليه أو نرشده ! ولكني أقول : فلم لم يتجرأ أنس ، أو ابن عباس ، أو زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زيد ، وأبناء جعفر ، وأبناء عمه العباس ، وغيرهم ممن تربوا على يد المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاروا أعلاماً للناس وأئمة للهدى ؟ لماذا لم يتجرأ هؤلاء أو بعضهم ؟ !!
إن الذي لا يعجبه الأسلوب النبوي ، أو تعديلات ؛ لو كان أبن عباس تحت يده ؛ لما كان ابن عباس ؛ وكان أفسد الناس ! ولو كان مربياً لأسامة أو لأنس لفشل في تربيتهم ، وغير توجهاتهم ، فإن قال : ( لا ، لا ، معاذ الله ، أسلوب النبي هو الأحسن ؛ و . و . إلخ .. لكن الشباب تغير ، والجيل كما ترى ، ونحن لسنا كالنبي صلى الله عليه وسلم ) .أقول : فقد تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع غرائب الشباب ؛ فتعامل مع الشباب الذي جاء يستأذن في الزنا باللين والحكمة حتى أخذ بيده إلى النجاة والتوبة، وتعامل مع المشاغبين الذين كانوا يرمون نخل الناس ليأكلوا البلح، وكذلك مع الغلام النصراني لأخر لحظة من عمره يدعوه إلى الإسلام فأسلم بعد استشارة بالعين لأبيه النصراني ، وتعامل صلى الله عليه وسلم مع كثير من أصحاب الأخطاء والمعاصي .
والخمارين ويخرجون من أمامه راشدين ، وله شاهدين ، بأنهم ما رأو معلماً أليس ولا أحسن تعليماً منه ، كلهم عاملهم صلى الله عليه وسلم باللين والحكمة وكانت النتيجة إيجابية مائة بالمائة ولكن الفارق فعلاً أننا نتعجل ونستعجل النتائج ولا نصبر على والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " فصبر عليهم " . "فأحسن صحيبتهم " .
نصيحة العزالي :
وللإمام العزالي رحمه الله تعالى هنا نصيحة غالية يوجهها إلى المربين : يقول : ولا نكثر القول عليه بالعتاب في كل حين ؛ فإنه يهون عليه سماع الملامة ، وركوب القبائح ، ويسقط وقع الكلام من قلبه ، وليكن الأب حافظاً هيبه الكلام معه ؛ فلا يوبخه إلا أحياناً ، وإلام تخوفه بالأب ، وتزجره عن القبائح .
(47) وبحنان الأبوة يرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى مكارم الأخلاق .
عن أنس رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " يا بني إذا قدرت أن تصبح وتمسي ، ليس في قلبك غش لأحد فافعل " ، ثم قال لي : " يا بني ، وذلك من سنتي ، ومن أيحا سنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة " . أنظروا رحمكم الله ، على أي شيء يربي النبي صلى الله عليه وسلم الأطفال حين يمسون وحين يصبحون ؟ إنه يربيهم على قول الله جل وعلا : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السماوات والأرضوعشياً وحين تُظهرون ) فيصبحهم ويمسيهم صلى الله عليه وسلم على طهارة القلب ونظافة السريرة ، وسلامة الصدر ، استعداداً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى بقلب سليم .
فما بالنا معاشر المسلمين نربي أبناءنا هذه الأيام مساء وصباحاً على : مسا التماسي ، ويا حلو صبح !! حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
معاشر المسلمين ، هل تعلمون معنى تربية الجيل على أن يصبح ويمسي ليس في قلبه غش لأحد ؟ أقرأوا الحديث التالي تعرفوا .
عن أنس بن مالك قال : كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يطلع عليكم رجل من أهل الجنة ، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد تعلق نعليه في يده الشمال
ثلاث مرات في ثلاثة أيام فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمر وبن العاص واستأذنه أن يبيت عنده ثلاث ليال فأذن له ،
، قال أنس : وكان عبد الله يحدث أنه بات عنده تلك الليالي الثلاث فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعار وتقلب على فراشه ذكر الله تعالى وكبر حتى يقوم لصلاة الفجر ، قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً ، فلما مضت الثلاث ليال وكدت أن أحتقر عمله ؛ قلت : يا عبد الله ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرار : " يطلع عليكم ألآن رجل من أهل الجنة " فطلعت أنت الثلاث مرار ، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك فأقتدي به ؛ فلم أرك تعمل كثير عمل ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : ما هو إلا ما رأيت ، قال : فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلا ما رأيت ؛ غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً ، ولا أحسد أحداً على خير أعطاهه أياه . فقال عبد الله : هذه التي بلغت بك ، وهي التي لا نطيق !. فهل نعلم أبناءنا مثل هذا الحديث ، ومثل هذه الآداب ؟ !
نصيحة الغزالي في تعويد الصبي مكارم الأخلاق :
يقول رحمه الله: ( وينبغي أن يعود ألا يبصق في مجلسه ، ولا يتمخط ،ولا يتثاءب بحضرة غيره ، ولا يستدبر غيره ،ولا يضع رجلاً على رجل ، ولا يضع كفه تحت ذقنه ، ولا يعمد رأسه بساعده ؛ فإن ذلك دليل الكسل ، ويعلم كيفية الجلوس ، ويمنع كثرة الكلام، ويبين له أن ذلك يدل على الوقاحة ، وأنه فعل أبناء اللئام . ويمنه اليمين رأساً ، صادقاً كان أو كاذباً ، حتى لا يعتاد ذلك من الصغر .
ويمنع أن يبتدع أن يبتدى بالكلام ، ويعود ألا يتكلم إلا جواباً ويقدر السؤال ، وأن يحسن الاستماع مهما تكلم غيره ممن هو أكبر منه سناً ، أن يقوم لمن فوقه ، ويوسع له المكان ، ويجلس بين يديه ، ويمنع من لغو الكلام وفحشه ، ومن اللعن والسب ، ومن مخالطة من يجري على لسانه شيء من ذك ؛ فإن ذلك يسري لا محالة من القرناء السوء . وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء ) .
(48) ويدعو لهم صلى الله عليه وسلم وينهي الآباء عن الدعاء عليهم :
عن أنس رضي الله عنه قال : جاءت أمي أم أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزرتني بنصف خمارها وردتني بنصفه فقالت : يا رسول الله ، هذاأنيس أبني أتيتك به يخدمك فادع اللهله، فقال : " اللهم أكثر ما له وولده " . وفي رواية البخاري: " وبارك فيما أعطيته " . قال أنس " فوا الله إن ولدي وولد ولدي ليتعادون على نحو المائة اليوم .
وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم في السفر : " .. اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر وكآبه المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل والولد " .
فالنبي صلى الله عليه وسلم يحب ألا يفجع في ماله أو أهله أو ولده وهو عائد من سفره ، فيأخذ بالأسباب فيدعو الله تعالى ألا يحدث شيء من هذا " ( وقال ربكم أدعوني أستجب لكم ) [ غافر : 60].
وعن جابر بن عبد اله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على خدمكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله تبارك وتعالى ساعة نيل فيها عطاء فيستجيب لكم "
ويقول صلى الله عليه وسلم : " ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن " دعوة المظلوم ، ودعوة المسافر ، ودعوة الوالد على ولده " .
وقد يتضايق الأب أو الأم على الولد فيدعو عليه ، وهذه غاية الخطورة ، فقد تستجاب الدعوة فيفسد الولد أكثر ، ويظن الأهل أن الولد مازال مشاغباً ولا يردي أن يتراجع عما هو فيه بل يزداد ، ناسين أنهم دعوا عليه ففسد ، ولا بد من الدعاء له مرة أخرى لتزيل الدعوة له ؛ الدعوة عليه . قال صلى الله عليه وسلم : " .. ولا يرد القدر إلا الدعاء " . وقد جاء رجل إلى عبد الله بن المبارك يشكو له عقوق ولده ، فقال له ابن المبارك : هل دعوت عليه ؟ فقال : بلى ، فقال ابن المبارك " أنت أفسدته . فال ييأس المربي من روح الله ، ولا يقول : دعوت للولد ، ولا فائدة . بل يستمر في الدعاء والرجاء ، والله إن شاء لن يخيب الرجاء ، وسيهدي الأبناء .
(49) ويستأذنهم صلى الله عليه وسلم فيما هو من حقوقهم :
إن إعطاء الطفل حقه ؛ يشعره بقيمته في الحياة ، ويؤهل مستقبلاً أن يلتزم القدوة ، فلا يفرط في حقوق الآخرين وهذا النبي القدوة صلى الله عليه وسلم يستأذن غلاماً جالساً عن يمينه أن يتنازل عن حقه في الشراب للشيخ الكبير الجالس عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم وإذا بالطفل يرفض التنازل عن حقه لأي أحد إلا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا بالطفل يرفض التنازل عن حقه لأي أحد إلا النبي صلى الله عليه وسلم فقط ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الإناء ليشرب ويستأثر بحقه .
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتيى بشراب فشرب منه ، وعن يمينه غلام ، وعن يساره أشياخ ، فقال للغلام : " أأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ " فقال الغلام : لا ، والله سبحان الله ! محمد سيد الخلق ، وأعظمهم منزلة ، وأعلاهم مكانة ؛ يستأذن صبياً !!
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يضرب أروع المثل في الأقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في استئذان الصغير في حقه ؛ فكان أبو بكر فوق الستين من عمره حين استأذن أسامة بن زيد البالغ من العمر ثماني عشر سنة في أن يترك له عمر الفاروق ليساعده في شؤون الخلافة وذلك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث أسامة أميراً على جيش لغزة الروم ، وكان عمر أحد جنود هذا الجيش بقيادة أسامة ، وتأخر خروج ذلك الجيش بسبب وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم بعد دفن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبو بكر رضي الله عنه بأن يمضي جيش أسامة لغزو الروم .
قال الإمام الذهبي : قال أبو بكر : امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمر به ، ثم أعز حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين .. ولكن إن رأيت أن تأذن لعمر فأستثيره وأستعين به فافعل ، ففعل أسامة
(50) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم حفظ الأسرار :
فعن عبد اله بن جعفر رضي الله عنه قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه ، فأسر إلى حديثاً لا أحدث به أحداً من الناس .
ولاشك أن أئتمان النبي صلى الله عليه وسلم الطفل على السر بني جسور الثقة في نفسه ، فيشعر بأهميته وأهميته ما يحمله من أسرار ، فيحفظ السر كما حفظه أنس عندما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأخر على أمه ، فقالت له : ما حبسك ؟ أي ما أخرك ، قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجة ، قالت : ما حاجته ؟ قال : إنها سر ، فقالت له : لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً . وأخفى أنس السر عن أمه ، وكذلك أخفاه عن ثابت الذ ي سمع منه الحديث ، وقال له : والله لو حدثت به أحداً لحدثتك يا ثابت .
( 51) ويأكل معهم ويوجههم ويصحح أخطاءهم أثناء الأكل :
كثيراً ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأكل مع الأطفال ، وهي فرصة بلا شك أن هؤلاء من معلمهم الأعظم آداب الأكل.
فلم يكن ثمة معلم أحسن تعليماً منه صلى الله عليه وسلم .
يقول عمر بن أبي سلمه رضي الله عنه : كنت غلاماً في حجر النبي صلى الله عليه وسلم فكانت يدي تطيش في الصحفة ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم " يا غلام ، سم الله وكل بيمينك وكل مما بليك " ( فما زالت تلك طعمتي بعد) .
ولا بد من وقفه ها هنا لننظر إلى التوجيها ت العملية السريعة ؛ وما يقابها من سرعة الاستجابة ، ودوام الاستقامة ( فما زالت تلك طعمتي بعد ) ، وهذا كله ما أتى من فراغ ؛ ولكنه نتيجة خطوات صحيحة ، وتربيه سليمة ، بذلت مع أمثال هؤلاء الأطفال في جميع نواحي حياتهم ؛ في فرحهم وحزنهم ، في لعبهم وجدهم ، في تنويمهم وإيقاظهم ، في نصحهم ومداعبتهم ، في إعطائهم حقوقهم ولاعتراف بكيانهم ، في الصدق معهم وعدم إهمالهم ، في مأكلهم ، مشربهم ، في ملبسهم .. إلخ .
فكانت النتيجة كما رأينا ؛ ثمرة حلوة نضيجة ( فما زالت تلك طعمتي بعد) . ومثله الغلامعبد الله بن عمر ، كان لا يقوم الليل ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل " فكان عبدالله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً فهذه أيضاً من الثمار السريعة ، هل جاءت هي الأخرى من فراغ ؟ وهل عرفت أخي المربي أن الأسلوب النبوي في التربية هو خير أسلوب ؛ وهو أقصر طريق للوصول بسرعة إلى الثمرة النضيجة ؛ وهي أبناؤنا ثمرات فؤادنا وفلذات أكبادنا ؟
وعن أعربي هريرة قال : أخذ الحسن بن علي رضي الله عنه تمرة من تمر
الصدقة فجعلها في فيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " : كخ كخ ، أرم بها ، أماعلمت أنا لا نأكل الصدقة " ؟ وهنا ينهاه لنبي صلى الله عليه وسلم بكلمة زجر لطيفة ، ثم يعلل صلى الله عليه وسلم للطفل سبب الني أن النبي صلى الله عليه وسلم وآله لا تحل لهم الصدقات ، لتكون قاعة عامة في حياته مستقبلاً .
وعن حصيفة رضي الله عنه قال : كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم طعاماً لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فيضع يده ، وإنا حضرنا معه مرة طعاماً فجاءت جارية كأنها تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدها .. ثم قال : " إن الشيطان يستحل الطعام ألا يذكر اسم الله تعالى عليه ، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت بيدها .. "
إن أول ما يغلب على الصبي شره الطعام ، فينبغي أن يؤدب فيه بالآداب الآتية :
1- ألا يأخذ الطعام إلا بيمينه .
2- وأن يقول عند أخذه : بسم الله الرحمن الرحيم ، وفي نهايته : الحمد لله .
3- وأن يأكل مما يلبه ، ويصغر اللقمة ، عملاً يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم " كل مما يليك " .
4- وألا يبار إلى الطعام قبل غيره .
5- وألا يحدق النظر إليه ولا إلى من يأكل .
6- وألا يسرع في الأكل ، وأن يجيد المضغ .
7- وألا يوالي بين اللقم .
8- وألا يلطخ يده ولا ثوبه .
9- وألا يذم أي طعام ، فإذا أعجبه أكله ، وإلا تركه من غير ذم فيه .
10-كذلك وأن يعود الخبز القفار في بعض الأوقات حتى لا يصير بحيث يرى الادم حتماً . وأن يقبح عنده كثرة الاكل ؛ بأن يشبه كل من يكثر الاكل بالبهائم ، وبأن يذم بين يديه الصبى الذي يكثر الأكل ، ويمدح عنده الصبي المتأدب ، القليل الأكل ، وأن يجب إليه قلة المبالاة بالطعام ، والقناعة بالطعام الخشن .
(52) ويأمر صلى الله عليه وسلم بالعدل بينهم ذكوراً وإناثاً :
يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : " اتقوا الله وأعدلوا في أولادكم " .
لأن العدل يمنع الحسد والكراهية ، ويورث المحبة والألفة بين الإخوة ، ويعينهم على بر الوالدين والدعاء لهما . وهذا أثر عن أنس رضي الله عنه أن رجلاًٍ كان عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء أبن له فقبله وأجلسه على فخذه ، وجاءت بنت له فأجسلها بين يديه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ألا سويت بينهم ؟ " . فلا بد من التسوية بين الأبناء حتى في القبلة .
وكذلك يجب التسوية بينهم في العطاء ، فقد جاء النعمان بني بشير إلى رسول الله فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية ،فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله ، قال : " أعطيت سائر ولدك مثل هذا ؟ " قال : لا ، قال : " فاتقوا الله وأعدلوا بين أولادكم " فرجع في عطيته . وفي رواية قال له النبي صلى الله عليه وسلم قال له : " أليس يسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ " قال : بلى ، قال : " فلا إذا " وفي رواية قوله صلى الله عليه وسلم : إني لا أشهد على جور، إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم .
فالواجب على الآباء العدل بين أبنائهم في الأمور الظاهرة المحسوسة التي يعرفها الأبناء ويحسونها حتى في الحب الظاهر ، أما إن كان في القلب ميل لأحدهم أكثر من غيره فلا حرج ، بشرط ألا يظهر له أثر في المعادلة الظاهرة .
فعن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول : الهم هذا قسمي فيما أملك . فلا تلمني فيما تملك ولا أملك . قال أبوداود : يعني القلب . وقد علمنا أن إخوة يوسف صلى الله عليه وسلم لما رأو ميلاً وحباً زائداً من أبيهم ليوسف كادوا له كيداً عظيماً بلغ إلى محاولة قتله والتخلص منه ليخلو لهم وجه أبينهم . والله المستعان . فيما أيها المربون ؛ خذوا العبرة .
(53) ويفصل صلى الله عليه وسلم بين المتقاتلين من الأطفال :
عن جابر بن عبدالله قال : أقتتل غلامان ، غلام من المهاجرين وغلام من الأنصار ، فنادى المهاجر : يا للمهاجرين وغلام من الأنصار ، فنادى المهاجر : يا للمهاجرين ، نادى الأنصاري : يا للأنصار ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما هذا ؟ دعوى أهل الجاهلية ؟ " قالوا : لا يا رسول الله أن غلامين اقتتلا ، فكسع أحدهما الآخر، فقال صلى الله عليه وسلم : " لا بأس ، ولينصر الرجل أخاه ظالماً أومظلوماً ، إنكان ظالماً فلينهه فإنه نصر له ، وإن كان مظلوماً فلينصره " . بهذه الروح الرشيدة ، والتوجيهات السديدة ، يفصل النبي صلى الله عليه وسلم بني المتقاتلين الصغار ويصحح لهم الأفكار ، ويدعو إلى دفع الظلم الكبار .
(54) ويحرك صلى الله عليه وسلم المنافسة فيهم ليفجر طاقاتهم المخزونة :
عن أبي عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من شجر البوادي شجرة لا يسقط في لشجر البوادي ، قال عبد الله : ووقع في نفسي أنها النخلة فاستحييت . ثم قالوا : حدثنا ما هي يا رسول الله ؟ قال : " هي النخلة " . وفي رواية قال عبد الله : فذكرت ذلك لعمر قال : لأن تكون قلت هي النخلة أحب إلى من كذا وكذا . وهذا تحريك للمنافسة لعبد الله من أبيه وتشجيع له أن يتحدث في مجالس الكبار ما دام سيتحدث بعلم ليس عندهم .
بل إن نفسه رضي الله عنه ، يشجع الأطفال على تقديم ما لديهم من العلم في مجالس الكبار ، فيسألهم قائلاً : فيم ترون
يحسن إله ، وشربيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه " .
ومن مواساته لليتاميى بنفسه صلى الله عليه وسلم لما أصيب جعفر بن عمه وأصحابه شهداء ؛ وكان أسماء بنت عميس زوجة جعفر ؛ تقول : لما أصيب جعفر وأصحابه ؛ دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد دبغت أربعين منيئة ، وعجنت عجينتين ، وغسلت بني ودهنتهم ونظفتهم ؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أئتيني بيني جعفر " قالت : فأتيته بهم ، فشمهم وذوفت عيناه ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، ما يبكيك ؟ أبلغك عن جعفر وأصحابه شيء ؟ قال : " نعم أصيبوا هذا اليوم " ، قالت : فخرجت أصبح ، وأجتمع إلى النساء ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله فقال : " لا تفعلوا آل جعفر من أن تصنعوا لهم طعاماً فإنهم قد شغلوا بأمر صاحبهم " .
وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمه آل جعفر ثلاثاً أن يأتيهم ثم أتاهم صلى الله عليه وسلم فقال : " لا تبكوا على أخي بعد اليوم أو غد ، أدعوا لي ابني أخي " ، فجيء بنا كأنا أفرح ، فقال : " أدعوا لي الحلاق " فجيء بالحلاق فحلق رؤوسنا ، ثم قال : " أما محمد بن جعفر فشبيه عمنا أبي طالب ، وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي " ، ثم أخذ بيدي فأشالها فقال : " اللهم أخلف جعفراً في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه " ، قالها : ثلاث مرار ، قال : فجاءت أمنا فذكرت له يتمنا وجعلت تفرح له ، فقال : " العيلة تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة ؟ " .
( 58) ويتوعد صلى الله عليه وسلم من اعتدى أو يعتدي على حق اليتيم :
قال صلى الله عليه وسلم : " اللهم إني أحرج حق الضعيفين ؛ اليتيم والمرأة " .
وهل هناك أعظم تهديداً ووعيداً من قول الله تعالى :
( إن الذين يأكلون أموال اليتمى ظلماً إنما يأكلوا في بطونهم نار وسيصلون سعيراً ) [ النساء : 10] .
(59) ويأمر صلى الله عليه وسلم بكفهم عن اللعب وقت انتشار الشياطين :
قال صلى الله عليه وسلم : " إذا استجنح الليل أو قال : كان جنح الليل فكفوا صبيانكم ، فإن الشياطين تنتشر حينئذ ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم ، وأغلق بابك واذكر اسم الله فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً ، وأطفئ مصباحك واذكر اسم الله ،وأوك سقاءك واذكر اسم الله ، وخمر إناءك واذكر اسم الله ، ولوتعرض عليه شيئا " . وما هذه الوصايا إلا انسجام مع ما عرفناه من ديننا عن نبينا صلى الله عليه وسلم بالضرورة أنه ما ترك شيئاً فيه خيرلنا إلا دلنا عليه وارشدنا إليه ، ولا ترك شيئاً فيه شر إلا نهانا عنه وحذرنا معه .
( 60) ويعودهم صلى الله عليه وسلم من الشياطين والعين :
إن العلاج بالأذكار والطب النبوي ركن أساسي وأصيل في التداوي والمحافظة على صحة الطفل وقوته . فعن أبن عباس قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين ويقول : " إن أباكما كان يوذ بها إسماعيل وإسحاق : أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة " . وعن عمرة عن عائشة قالت : دخل النبي صلى الله عليه وسلم فسمع صوت صبي يبكي ، فقال : " ما لصبيكم هذا يبكي ؟ فهلاً استرقيتم له من العين ؟ يعني تطلبوا من يرقيه من الحسد .

(61) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم الأذان والصلاة :
قال أبو محذورة : خرجت في عشرة فتيان مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبغض الناس إلينا فأذنوا ،فقمنا نؤذن نستهزئ بهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" ائتوني بهؤلاء الفتيان " . فقال : أذنوا فأذنوا ، فكنت أحدهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "نعم هذا الذي سمعت صوته ، اذهب فأذن لأه مكة " فمسح على ناصيته ، ثم عمله الأذان وقال له : " أسمعت ؟" قال : وكان أو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها .
أما الصلاة فقد أمر صلى الله عليه وسلم الآباء بتعليمها للأبناء عند سبع سنين ، وضربهم على تركها عند عشر قال صلى الله عليه وسلم : " علموا الصبي الصلاة ابن سبع سنين واضربوه عليها ابن عشر " .
وكان صلى الله عليه وسلم يصف الأطفال في الصف الأخير ويأمرهم بتسوية الصفوف . قال ابن مسعود رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول : " استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ..
وكان يحذرهم صلى الله عليه وسلم من الالتفات في الصلاة فيقول : " هو اختلاف يختلسه الشيطان من صلاة العبد " . وكذلك يعلمهم ما يحتاجونه في الصلاة كما قال الحسن رضي الله عنه : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما أقولهن في الوتر : "اللهم أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت ، وصلى الله على النبي محمد " .
وكان صلى الله عليه وسلم يصحبهم للصلاة ويمسح خدودهم رحمه وإعجاباً بهم .
فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : صليت مع رسول اله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى ثم خرج إلى أهله وخرجت معه ، فاستقبله ولدان فجعل يمسح خدي أحدهم وأحداً واحداً ، قال : وأما أنا فمسح خدي ، فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها صلى الله عليه وسلم من جونه عطار .
(62) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم الجراة الأدبية والشجاعة :
وقد مر بنا موقف الطفل الذي كان في المجلس عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم واشياخ عن يساره ، فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم الصبي في أن يسقي الأشياخ قبله فرفض وتمسك بحقه لأنه عى اليمين ، ولم يعنفه النبي صلى الله عليه وسلم أو يعاتبه ، رغم أن هذا الموقف ربما يتهم كثير من المربين من يفعله في أيامنا هذه ؛ أنه لا يستحي أو عنده سوء أدب واحترام ! لكن هل يكفينا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم معلماً ومربياً ؟ . إنه يعلمهم الجراة الأدبية ما دامت ليس فيها تجاوز لحقوق الآخرين .
ولما مر أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه بأطفال يلعبون في طريق المدينة وفيهم عبد الله بن الزبير ، فلما رأى الأطفال عمر فروا إلا عبد الله ، فلما سأله عمر : لم لم تهرب مع الصبيان ؟ فقال بغير تردد : لست جانياً فأفر منك ، وليس في الطريق ضيق فأوسع لك .
وأيضاً فإن عمر رضي الله عنه تمنى لو تلكم ولده عبد الله في مجلس الكبار وحضرتهم حينما عرف إجابة سؤال سأله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعرفه أحد غيره ، ولم يعجبه سكوت ابنه عبدالله لما رأى ابا بكر وعمر لا يتكلمان . إنه يريد أن يزيل عنه ظاهرة الخجل وأن يعلمه الجرأة الأدبية ؛ما دامت في حق وعلم ، ولم يتعد بها على حقوق الآخرين .
ومن الشجاعة الأدبية ألا يفعل الطفل الشيء خفية ، لأنه إنما يخفيه عن أبيه وأمه ، ومربيه ومربيته لا عتقاده أن هذا الفعل قبيح وا يجوز له فعله . قال الغزالي رحمه الله : ( وينبغي أن يمنع من كل ما يفعله في خفيه ؛ فإنه لا يخفيه إلا وهو يعتقد أنه قبيح ) .
(63) ويحث صلى الله عليه وسلم أئمة المساجد على تحفيف الصلاة لأجلهم :
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا أم أحدكم الناس فليخفف فإن منهم الصغير والكبير والضعيف والمريض ، فإذا صلى وحده فليصل كيف يشاء " .
من سن 10 حتى 14
(64) ويدعوهم صلى الله عليه وسلم للنوم المبكر بعد صلاة العشاء :
كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤخر صلاة العشاء هو وأصحابه ، فكان عمر رضي الله عنه يعجلها لصبيانه ونسائه ليناموا بعدها مباشرة ، فإذا وقدوا ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : الصلاة يا رسول الله ، رقد النساء والصبيان ، فخرج صلى الله عليه وسلم ورأسه يقطر ويقول : " لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة "
ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء ما قاله أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة ، وكان يكره النوم قبلها والحديث يعدها .. ) .
فكم يسهر كثير من الناس في أيامنا هذه بعد صلاة العشاء ؟ ! وكم من الشباب يقضون الليل سهراً لا يعلم به إلا الله ، ثم ينامون قبيل الفجر كالجيف ولا يستيقظون إلا ظهراً ؟ الله المستعان .
(65) ويفرق صلى الله عليه وسلم بينهم في المضاجع من سن العاشرة :
في سن العاشرة تكون غريزة الطفل في طريقها للنمو والظهور ، فلا بد من الاحتياط بسد ذريعه الفساد ، وطريق الأنحراف والانحراف ، فلا ينامون تحت لحاف واحد ، وإنما كل واحد بلحافه ، وهذا هو مقتضى التفريق وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم كما قال : " مروا ابناءكم بالصلاة لسبع سنين واشربوهم عليها لعشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع . وإذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته ، فإن ما اسفل من سرته على ركبته من عورته "
(66) ويمنعهم صلى الله عليه وسلم من النوم على البطن :
عن يعيش بن طخفة الغفاري عن ابيه رضي الله عنه قال : بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني إذا رجل يحركني برجله فقال : " إن هذه ضجعة يبغضها الله " قال : فنظرت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي رواية : " هذه ضجعة أهل النار " . ولا شكل أن النوم على البطن فيه احتكاك مذموم ، يوقظ الشهوة ويحرك الغريزة
(67) ويعودهم صلى الله عليه وسلم على غض البصر وحفظ العورة :
عن الفضل بن العباس رضي الله عنه قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع ، إلى منى فبينا هو يسير إذا عرض له أعرابي مردفاً ابنه له جميلة ، وكان يسايره ، قال : فكنت أنظر إليها ، فنظر إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم فقلب ووجهي عن وجهها ، ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثاً ، وأنا لا أنتهي ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة .
وفي رواية لابن خزيمة أنه قال له صلى الله عليه وسلم :" ابن أخي ، إن هذا يوم من غض فيه بصرة وحفظ فرجه ولسانه غفر له " .
(68) ولم يضرب صلى الله عليه وسلم صبياً ولا طفلاً أبداً ، لكنه صلى الله عليه وسلم يبين أسس الضرب وقواعده :
إن الغرض من العقوبة في التربية الإسلامية إنما هو الإرشاد والإصلاح ، الانتقام والتشفي . ولهذا ينبغي أن يراعى طبيعة الفل ومزاجه قبل الإقدام على معاقبته ، ويشجع على أن يشترك بنفه في تفهم وإصلاح الخطأ الذي أخطأه ، وتغفر أخطاءه وهفواته بعد إصلاحها .
مضار الضرب :
يذكر ابن خلدون رحمه الله في مقدمته ما يفيد أنه ضد استعمال الشدة والقسوة في تربية الأطفال ، يقول : " من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين والمماليك أو الخدم ؛ سطا به القهر وضيق القهر على النفس في انبساطها ،وذهب بنشاطها ، ودعاه إلى الكسل ، وحمله على الكذب والخبث خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه ، وعلمه القهر المكر والخديعة ، فصارت له هذه عادة وخلقاً ، وفسدت معاني الإنسانية التي له " .
ا ه .
( ويجب ألا يمس نوع العقوبة كرامة الطفل ، وألا يكون فيها إهانة له ، كأن يضرب أمام الناس ، أو يعلن عندهم أنه سرق أو نحو هذا ، فإن للطفل شخصية يجب أن تراعى ، وكرامة يجب أن تصان .
وكثيراً ما أخطأ المربون الغرض من العقوبة فضلوا السبيل ، وظنوا مخلصين أن الشدة على البنين والبنات ؛ قد تأتي في ظنهم بخير ما يرجون ، وذلك لقلة يقظتهم للحقيقة المؤلمة ، فقد أدت الشدة إلى كثير من البلايا التي ولدت بعض المشاكل الاجتماعية التي يتألم منها المجتمع الإنساني ، فجعلت الطفل كائناً ميت النفس ، ضعيف الإرادة ، نحيف الجسم ، مضطرب الأعصاب ، غائر العزيمة ، قليل النشاط والحيوية .
وإن كثر الضرب وشدته لا تزيد الطفل إلا بلاده وجموداً ، على أ، الطفل إذا وجد بجانبه من يبصره بالواجب بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويستميله دائماً إلى العمل ؛ لم تكن هناك حاجة إلى هذه العقوبة القاسية ، وإذا كان الغرض من العقوبة الإصلاح فالضرب ليس بوسيلة للإصلاح ، وإن التفاهم على انفراد يؤدي إلىنتيجة أحسن من نتيجة السوط والعصا ، الخطأ أن تهدد الطفل بعقاب لن تقوم بتنفيذه ، أو لا يمكنك تنفيذه ، فقد يعودالطفل إلى الخطأ ؛ فتزداد الخطورة والمشكلة ) .
أقول : وإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هو أكمل الهدي ، ( وإن تطيعوه تهتدوا ) [ النور : 54] .
عن عائشة رضي الله عنها قالت :" ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده ، ولا أمراة ، ولا خادم ، إلا أن يجاهد في سبيل الله .. )) .
وهذا شيء لا يفعله إلا أولوا العزم وأولوا الصبر ، فلكئي يكظم الإناسن غيظه عن ولده أو خادمه أو أمرأته فهذا لا يقدر عليه إلا الأقوياء الأشداء الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .
أما عن قواعد الضرب :
1- ألا يكون قبل سن العاشرة ، وهذا في شأن الصلاة التي هي الركن الأعظم بع الشهادتين ، فلا شك أن ما هو دون الصلاة من الأمور الحياتية والسلوكية والتربية فلا يضرب الطفل عليها قبل ذلك السن .
2- أن يقلل منه ما أمكن ، بحيث يكون كالملح في الطعام ، وهو قليل لكنه يصلح الطعام ، فإذا كثر أفسد ، وكذلك فإن كثرة الضرب تقلل من هيبته ومفعوله ، وتعود الطفل عليه ثم على البلادة . قال صلى الله عليه وسلم : " لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في ضربات ، وهذا في حق البالغ المكف ؛ فما بالنا فيمن عشر ضربات ، وهذا في حق البالغ المكلف ؛ فما بالنا فيمن لم يبلغ سن التكليف ؟ لا شك أنه لن يضرب إلى العشرة ، وقد كان عمر بن عبد العزيزرحمه الله يكتب إلى الأمصار : لايقرن المعلم فوق ثلاث ، فإنها مخافة للطفل . والضرب هنا يسمى تأديباً وليس عقوبة .دليل ذلك وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه : " .. ولا ترفع عنهم عصاك أدباً ، وأخفهم في الله " .
ورأى القاضي شرح ألا يضرب الصبي على القرآن إلا ثلاثاً ، كما غط جبريل عليه السلام محمداً صلى الله عليه وسلم ثلاثاً .
3- علماء التفسير على أن الضرب بالسوط ينبغي أن يصيب الجلد فقط ، ولا يعدوه إلى اللحم ، فكل ضرب يقطع اللحم أو ينزع الجلد ، وجرح اللحم فهو مخالف لحكم القرآن .والمقصود قوله تعالى ( فاجلدوا ) وهو ظاهر البشرة من جسم الإنسان .
4- ألا يكون السوط غليظاً أو به عقد لورود النهي عن ذلك .
فعن زيد بن أسلم رضي الله عنه أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسوط ، فأتي بسوط مكسور فقال : " فوق هذا " فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال : " دون هذا " فأتي بسوط قد ركب به ولان ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فجلد ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس ، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله ، من اصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله ، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله " .
5- ألا يرفع الضارب يده رفعاً عالياً كما قال عمر رضي الله عنه للضارب : " لا ترفع إبطك . والمقصود في هذا ألا يكون الضرب مبرحاً أي قوياً وشديداً لهني النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما سيأتي .
(69) ويأمر صلى الله عليه وسلم بوقف الضرب عن الطفل إذا استغاث بالله :
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء والسميع العليم . الله جل ثناؤه ، وتقدست أسماؤه ، ينبغي على العبد إذا ذكر اسم الله عنده أن يخشع ويهجع ، ويستحي ويرجع ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم . إذا كان هذا مطلوباً مع الخادم؛ فالطفل من باب أولى ، ولا عبرة بقول أهل الجدل أن الطفل ستخذها حيلة ومخرجاً من العقوبة في كل مرة ، لأن البركة والتوفيق والهداية كلها في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم . قال تعالى " ( وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) . [ النور:54] . وصحيح أنه يمكن أن يحتال بذلك بعض الأطفال ، لكن من الذي أوصلهم إلى هذه الدرجة وأضظرهم إلى الدهاء والمكر ؟ فلا بد من التراجع من المربي ، ومراجعة الأخطاء ، والأنطلاق من القاعدة شرعية تربوية علمية صحيحة حتى لا يحدث التعاون والتصادم في الجانب التربوي .
( وأعود فأقول : إنه لا ينبغي الإكثار من العقوبة لما يترتب على ذلك من الآثار السيئة ، " فالشدة المستمرة مع الأطفال مضرة بهم جسمياً ، وخلقياً ، واجتماعياً ، ووجدانياً ، ولا بد إذا من الأخذ بالحكمة القائلة ( الوقائية خير من العلاج ) . فالمربي الحازم هو الذي يبعد الطفل عن البيئة التي تشجعه على الأخطاء .. ) .
(70) ويمنع صلى الله عليه وسلم من ضربه في الأماكن الحساسة وعند الغضب:
لاشك أن الذي يعاقب طفله وهو غضبان ستكون العقوةب أولاً : غير مجدية ، ثانياً : منفرة وستورث في الطفل الكراهية ، ثالثاً : يكون الضرب ساعتها ليس للتربية وإنما للتشفي وإخراج غل الصدر كله على الطفل المسكين ، رابعاً : فإن الغاضب بهذا الوصف في الغالب أنه لن يراعي حدود الله تعالى في الضرب ، فربما ضرب الوجه ، أو ضرب أماكن حساساة كالرأس والرقبة والفرج ؛ فإنها أماكن لا يجوز ضربها ، وربما سببت ضربة عاهة مستديمة ، بل ربما أودت بحياة الطفل او الطفلة ؛ والأمثلة كثيرة ، والمآسي مثيرة .
وقد أتي علي رضي الله عنه برجل سكران أو في حد ، فقال : اضرب وأعط كل عضو حقه ، وأتق الوجه والمذاكرين وقال رضي الله عنه : " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه " . ومن هنا ندرك قيمة تكرار النبي صلى الله عليه وسلم الوصية لرجل كلما قال أوصني قال : " لا تغضب " ، قال الرجل : ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ؛ فإذا الغضب يجمع الشركله .
(71) ويمنع صلى الله عليه وسلم تدليل الطفل وتمييعه لما له من مضرة :
وكما أمر الإسلام بالحنان مع الطفل والرأفة ؛ فقد نهى عن الإفراط والغدو في هذا الحنان ، فلا مفر في بعض الاوقات من الحزم والتخويف لترتد نفس الطفل عن التمادي في الغي أو الانحراف ، وكثير من الأطفال يردعهم مجرد رؤية العصا أو السوط ، ويلزمهم ظهور أداة العقوبة ، فيسارعو إلى تجنب التعرض لها ، فتستوي تصرفاتهم وتحح مسارهم . لذلك أوص النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل أن يلق لأولاده العصار في البيت قال معاذ رضي الله عنه : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات ..وكذر منها : " ... وأنفق على عيالك من طولك ، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً ، وأخفهم في الله "
وعن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت " .
فالنبي صلوات الله وسلامه عليه لا يريد أن يكون من وراء حب الطفل والحنان عليه تدليل وتفريط ، ومجاراة للطفل في جميع أهوائه ، فيفعل ما يشاء ويقضي ما هو قاض ؛ فإن ذلك جناية كبرى على الولد . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " ألا لا يجني جان إلاعلى نفسه ، ولا يجني والد على ولده ، ولا يجني ولد على والده " .
فإذا فعل الإنسان ما يوجب العذاب على غيره ؛ فهذه هي الجناية علىالغيرة ، كما يتسبب بعض الآباء في عذاب الله لأبنائهم بسبب تدليلهم وحبهم المفرط ؛ الذي ينتج عنه عدم الاخذ على أيديهم لتعويدهم طاعة الله والوقوف عند حدوده ، والله تعالى أمر مثل هؤلاء الآباء وأمثالهم ، بل وسائر الذين آمنوا بقوله جل وعلا"( يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [ التحريم : 6 ].
ضرر مخالطة الطفل لأهل الميوعة والدلال :
( قال الغزالي رحمه الله : " ينبغي أن يحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والراهية ، ولبس الثياب الفاخرة .
وألا يسمح له بمخالطتهم . فإن الصبي إذا أهمل في بدء حياته خرج في الأغلب ردي الاخلاق ، كذاياً ، حسوداً ، سروقاً ، ذا فضول وكيدوجانبة .وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب ، وكمال التربية " .
فينبغي ألا يسمح للطفل بمخالطة المدللين من الأطفال ؛ لأنهم لا يصلحون للحياة التي تنتظرهم ؛ فقد وجدوا الحياة سهلة ميسرة لهم ، كلها نعيم ورخاء ، اعتمدوا على ثروة آبائهم وأمهاتهم ، فناموا واستعذبوا النوم ، وصارت حياتهم كلها حياة خمول وكسل ، وجعلوا ليلهم نهاراً ، ونهارهم ليلاً ، وأصبحوا جرثومة من الفساد ، وإن المربين يرون أن أهم مرحلة في الحياة هي مرحلة الطفولة المبكرة ، في الخمس سنوات الأولى من حياته. فإذا أهمل في بدء حياته صار غالباً فاسد الخلق ، كثير الكذب ، كثير الحقد والحسد كثير السرقة والنميمة والالحاح ، فضولياً يتدخل فيما لا يعنيه ، ويكيد لغيره من زملائه ، ذا مجون لا يبالي بما يصنع ، الخلق ، ومن هذه الرذائل كلها إذا عنينا بتربيته كل العناية في طفولته وأطوار حياته ، ولا يستطيع أحد أن ينكر أثر في تربية الطفل .
(72) ويزورهم صلى الله عليه وسلم في مرضهم ويدعوهم ويقرأ عليهم :
كان النبي صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه ، فمرض ذلك الغلام ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه ، فقال له : " أسلم " فنظر الغلام إلى أبيه وهو عنده ، فقال أبوه : أطع أبا القاسم ، فأسلم الغلام ثم مات ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " . وجاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بولدها فقالت : يارسول الله ، إن به لمما وإنه يأخذه عند طعامنا ، فيفسد علينا طعامنا ، فمسح صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثع فخرج من فيه مثل الجرو الأسود فشفى .
وعن السائب بن بزيد قال : ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابن أختي وجع ، قال : فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ، ثم توضاً فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة .
وعن البراء قال : دخلت على أبي بكر أول ما قدم المدينة فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى ، فأتاها أبو بكر فقال لها : كيف أنت يا بنيه ؟ وقبل خدها .
(73) ويصحح صلى الله عليه وسلم بالحكمة مفاهيمهم وأخطاءهم :
عن رافع بن عمرو الغفاري رضي الله عنه قال : كنت وأنا غلام أرمي نخلاً للأنصار ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: إن هاهنا غلاماً يرمي نخلنا ، فأتي بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا غلام ، لم ترمي النخل ؟ " قلت : آكل ! قال : " فلا ترم النخل ، وكل ما يسقط في أسافلها " ثم مسح رأسي وقال : "اللهم أشبع بطنه " .
وهذا أحد أصحابه صلى الله عليه وسلم وكان مولى من أهل فارس يقول : شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة أحد ، فضربت رجلاً من المشركين فقلت : خذها مني وأنا الغلام الفارسي ، فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " هلاً قلت : خذها مني وأنا الغلام الأنصاري ؟ ! " .
فما أرو تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يريد أن ينسب الغلام إلى الأنساب الشريفة ؛ أنساب الأنصار ؛ لا نسب فارس والروم . إن النبي صلى الله عليه وسلم حين يصحح الخطأ بصورة عملية ، ويدلل على تصحيحه بالقواعد العامة الشرعية ؛ يكون بذلك قد استأصل الخطأ من حذوره ؛ وحقق ربحاً هائلاً في منهج التربية الإسلامية ، وهذا الذي ينبغي أن يسير عليه ويقتدي به جميع المربين .
وهذا ابن عمر رضي الله عنه ينفذ القدوة في تصحيح خطأ الأطفال ، فقد مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً ، وهم يرمون ، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم ، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا ، فقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضا
(74) ويعاونهم ويعلمهم صلى الله عليه وسلم بنفسه ما لم يحسنوا علمه :
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلام يسلخ شاة ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " تنح حتى أريك " ، فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الأبط ، وقال : " ياغلام ، هكذا فاسلخ " ، ثم مضى، وصلى للناس ولم يتوضأ .
فلم يستنكف ويستكبر رسولالله صلى الله عليه وسلم أن يقف لدى ذلك الغلام ويساعده في علمه ، ويسهل له ما شق عليه ، ويعلمه ما لم يكن يعلم ، ولو كان خارجاً إلى الصلاة للناس ومتزيناً بزينه المسجد ، وصدق الله تعالى لما قال عنه : ( بالمؤمنين رءوف رحيم) [ التوبة : 129] .
(75) ويدربهم صلى الله عليه وسلم على العلاج الطبيعي :
ذكر ابن الأثير في النهاية باب ( قحم)حديث عمر رضي الله عنه أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده غليم أسود يغمز ظهره صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : ما هذا ؟ قال : " إنه تقحمت بي الناقة الليلة " ، أي القتني في ورطة .
فالنبي صلى الله عليه وسلم هاجت به الناقة حتى ألقته في حفرة فتأثر ببعض الصدمات والكدمات ثم هو يعلم ذلك الغلام الصغير في جسمه الشريف الطاهر كيف يدلك عضلاته وكدماته ليخفف من إصاباته ، وكل أب ومربي بل وكل أم ومربية في حاجة ماسة إلى تدريب أبنائهم على ذلك العلاج الطبيعي الذي يعطي العضلات عافية من التقلص والألم .
لقد أصابني البرد في الساقين ، فإذا وقفت بعض الوقت أو مشيت أحسست بآلام شاقة لا تزول إلا بالتدليك والطرق الخفيف على عضلات الساقين ، فأكلف أحد أبنائي بهذا العمل فأستريح جداً بعدها مباشرة والحمد لله ، لكني أحزن في نفس الوقت عندما أتذكر أن أمي عليها سحائب رحمات الله عز وجل كانت تعاني أيضاً من روماتيزم الألم خاصة إذا كان الجو بارداً ، وطلبت مني تدليك ساقيها فلا أنا أعرف ولا هي أيضاً ، وكلما تذكرت ذلك تأثرت ، ومن هنا ندرك الفائدة العظيمة من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم التدليك بجسمه الشريف للغلام الصغير .
(76) وإذا عاقب الطفل عاقبة برفق ولطف صلى الله عليه وسلم :
قال النووي : روينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن بسر المازني الصحابي رضي الله عنه قال : بعثتني أمي بقطف من عنب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ،فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه ، فلما جئت أخذ بأذني وقال : " يا غدر " .
(76) وإذا عاقب الطفل عاقبة برفق ولطف صلى الله عليه وسلم :
قال النووي : روينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن بسر المازني الصحابي رضي الله عنه قال : بعثتني أمي بقطف من عنب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكلت منه قبل أن أبلغه أياه ، فلما جئت أخذ بأذني وقال : " يا غدر .
وقد يرى البعض أن الغلام ربما اشتهى العنب فأكل منه فليست مشكلة ؛ وهذا هو الظاهر مما حدث أنه اشتهاه ،ولكن رغم هذا هل يترك النبي صلى الله عليه وسلم الموقف يمر ولا يستفيد الطفل تعلم الأمانة والصبر وتوصيل الأمانات إلى أهلها ؟ كلا، إن إشفاق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الصبي أن يكون أميناً ؛ أعظم من إشفاقه على بطن الطفل إشفاقاً عليه ليذهب إلى المدرسة مستريحاً بعد أن أخذ قسطاً من النوم كافياً ، والبعض لا يرده عن أكل حرام أو سرقة لأنهيراه صغيراً لا لوم عليه ولا عتاب !! فلماذا أخرج النبي صلى الله عليه وسلم التمرة من فم الحسن إذن وقال له : " كخ .. كخ " ؟ إن المتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يكون عرضة لهذه الأخطاء التي تؤثر سلباً على الطفل .
(77) ويخالطهم صلى الله عليه وسلم ويحدثهم عن مخالطته الكبار وهو غلام مثلهم :
قال أنس : " إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا " .
ويحدثهم صلى الله عليه وسلم عن حضوره مجالس الكبار وهو صغير ليرتسم في أذهانهم مخالطة الشباب للكبراء الصلحاء ، فيقول : " أشهدت حلف المطيبين ، مع عمومتي وأنا غلام ، فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه " .
قال الزهري : م يصب الإسلام حلفاً إلا زاده شدة ، ولا حلف في الإسلام ، وقد ألف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار . وحلف المطيبين هو معاهدة ومعاقدة التعاضد والتساعد على نصرة المظلوم تحالفت فيه بنو هشام وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية ، وجعلوا طيباً في جفنة وغمسوا أيديهم فيه ، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظلم ، فسموا بذلك المطيبين . وما كان من الجاهلين من حلف على الفتن والقتال بين القبائل والغارات ؛ فذلك الذي ورد النهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم : "لا حلف في الإسلام " ، وما كان كحلف المطيبين وما جرى مجراه فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم " وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " وبذلك يجتمع الحديثان .
(78) ويسلم عليهم وهم يلعبون توقيراً لهم ولتعليمهم سنة السلام :
عن أنس رضي الله عنه أنه مر على صبيان يلعبون فسلم عليهم ، وقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله . وقد مر الحديث : " فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم على الصبيان وهم يلعبون" .
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن قوة هذه الأمة في قوة شبابها وصلاحة ، لذلك فهو يبني البناء النفسي الصحيح للأطفال ، ويربي تربية على منهج علمي دقيق ومدروس وليس عشوائياً ؛ حتى لا يشب الشباب مشوه النفسية ، محطم الشخصية .
(79) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم آداب الدخول على أهلهم :
قال أنس : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا بني ، إذا دخلت على أهلك فسل ، يكن بركة عليك وعلى أهلك " . بل يعلمهم ضوابط التسليم فيقول : " يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل علىالكثير ، والصغير على الكبير .
إن تربية الشباب منظومة متكاملة ، تشمل داخل البيت وخارجة ، في المسجد أو في المدرسة ، في السوق أو في ميدان اللعب ، وتتصل بالأهل والجيران وسائر الناس ، كل هذه لابد أن تتجه أتجاهاً واحداً ، تتضافر فيه جهودها ، وتتوحد فيه أهدافها ، وتتفق وسائلها وأساليبنها ، مستندة في ذلك إلى قدوة حسنة وسلف صالح ، حتى لا ينشأ الجيل ضحية صراع المتناقضات ، فيرى الهدم والبناء في وقت واحد ، ويرى السب والثناء في شخص واحد ، وهو بمفرده لا يستطيع الفصل بين تلك المتاقضات فلا يملك إلا تقليد كل حالة على حدة ، ومن هنا يأتي انضمام الشخصية .
(80) ويشجعهم صلى الله عليه وسلم على حضور الأفراح وزيادة الأقارب لأخذ التجارب :
عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم الصبيان والنساء مقبلين ن حسبت أنه قال : من عرس ، فقام ممثلاً . وفي رواية : ممتنا ، فقال : "اللهم أنتم من أحب الناس إلى .. قالها ثلاث مرار" ، يعني الأنصار .
وبهذا يتم تكوين الطفل اجتماعياً بأخذه إلى الأماكن العامة والأفراح بشرط عدم مخالطة التبرج والسفور ، ولا الجلوس مع مرتكبي المخالفات الشرعية كالمدخنين والمغنين أهل الفسق .
وكذلك فإن التردد على صالحي الأقارب فوق أنه قربة لله تعالى ؛ فإن فيه الاستفادة . وابن عباس رضي الله عنه يحدثنا عن ذلك فيقول : بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرقبت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي ، فقام فبال ثم غسل وجهه وكفيه ثم نام ، ثم قام فعمد إلى القربة فأطلق شناقها ثم صب في الجفنة أو القصعة وأكب يده عليها ثم توضأ وضوءاً حسناً بين الوضوئين ، ثم قام يصلي ، فقمت عن يساره فأخذني فأقامني عن يمينه ، فتكاملت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة ، قال : ثم نام حتى نفخ وكنا نعرفه إذا نام بنفخه ، ثم خرج إلى الصلاة فصلى فجعل يقول في صلاته أو في سجوده : " اللهم اجعل في قلبي نوراً ، وفي سمعي نوراً .." الحديث .
(81) ويحثهم صلى الله عليه وسلم على مجالس العلماء والتأدب معهم :
عن أبي أمامة قال : قال صلى الله عليه وسلم : إن لقمان قال لابنه : ( يا بني عليك بمجالسة العلماء ، واسمع كلام الحكماء ،فإن الله يحيي القلب الميت بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر ) .
وعن أبي جحيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جالسوا الكبراء ، وسائلوا العلماء ، وخالطوا الحكماء " .
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول : المتقون سادة ، والفقهاء قادة ،ومجالستهم زيادة .
وحث النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً على إكرام العلماء ومعرفة حقهم وقدرهم ، فقال صلوات الله تعالى وسلامه عليه : " إن من إجلال الله ؛ إكرام ذ ي الشيبة المسلم ، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه ، وإكرام ذي السلطان المقسط" .
وقال صلى الله عليه وسلم :" ليس من أمتي من لم يجل يحترم كبيرنا ، ويرحم صغيرنا ، ويعرف لعالمنا حقه" .
وعن مالك رحمه الله تعالى أنه بلغه أن لقمان الحكيم أوصى أبنه فقال : ( يا بني ، جالس العلماء ، وزاحمهم بركبتيك ، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة ، كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء ) .
قال الغزالي : ( وينبغي أن يعلم طاعة والديه ومعلمه ومؤدبه ، ولك من هو أكبر منه سناً ، من قريب أو أجنبي ، وأن ينظر إليهم بعين الجلالة والتعظيم ، وأن يترك اللعب بين أيديهم ) طبعاً الطاعة في المعرف . ولم يكن الحث على مجالسة ومصاحبة العلماء فقط ، بل مصاحبة المجاهدين في ميادين القتال . وأنظر الفقر التالية .
الصحابة يصطحبون أبناءهم في الغزو لتعلم المواجهة :
قال عروة بن الزبير رضي الله عنهما : أن أباه الزبير كان به آثار ضربات في جسمه ضربها يوم بدر ، قال : كنت أدخل أصابعي في تلك الضربات ألعب وأنا صغير ، قال عروة وكان معه عبدالله بن الزبير اليرموك وهو ابن عشر سنين فحمله على فرس ووكل به رجلاً
وكذلك يقول عبد الله بن الزبير : كنت أنا وعمر بن أبي سلمة يوم الخندق مع النسوة في أطلم حسان فكان يطاطئ لي مرة فأنظر ، وأطأطئ له مرة فينظر ، فكنت أعرف أبي إذا مر على فرسه في السلاح إلى بني قريظة ، قال : فذكرت ذلك لأبي ، فقال : ورأيتني يابني ؟ قلت : نعم .
وهذه أمرأة دفعت إلى ابنها يوم أحد السيف ، فلم يطق حمله لصغر سنة فشدته على ساعده بسير مضفور ، ثم أتت به النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يارسول الله ، هذا ابني يقاتل عنك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أي بني ، أحمل هاهنا فأصابته جراحة فصرع ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : : " أي بني ، لعلك جزعت " ؟ قال : لا يا رسول الله .

(82) ويحذرهم صلى الله عليه وسلم من مجالسة ومصاحبه الأشرار :
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم : " الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل ".
وعن أبي موسى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مثل الجليس الصالح وجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك وجليس السوء ، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحام المسك إما أن يحذيك يعطيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ونافخ الكير ؛ إما أن يحرق ثيابك أو تجد منه ريحاً خبيثة " .
ولعل الحديثين واضحان في بيان مضرة جليس السوء .
كذلك فإن من خالط الاشرار واتخذهم أصحاباً فهو مثلهم ، ودينه دينهم ، ومصيره مصيرهم ، وإن قال غير ذلك .
ويقول ابن سيناء في كتابه سياسة الأولاد: ( ينبغي أن يكون الصبي مع صبية حسنة آدابهم ، مرضية عاداتهم ، لأن الصبي عن الصبي ألقن ، وهو عنه آخذ وبه آنس ) .
وقال الغزالي في الإحياء : ( وقد قال الله تعال : ( يأيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً ) ، ومهما كان الأب يصون الصبي عن نار الدنيا ؛ فبأن يصونه عن نار الآخرة أولى . وصيانته بأنه يؤدبه ، ويهذبه ، ويعلمه محاسن الأخلاق ، ويحفظه من قرناء السوء ... ولا يستعمل في حضانته وإرضاعه إلا أمرآة صالحة متدينة تأكل الحلال ) .
وقد بين الله تعالى شدة ندم من يجالسون أهل السوء ويتخذونهم أخلاء ويسيرون في ركابهم ، ويتركون مجالسة أهل الخير والسير في صراطهم المستقيم ، كما قال سبحانه : (ويوم يعض الظالم على يديه يقول ياليتني أتخذت مع الرسول سبيلاً * يوليتي ليتني لم أتخذ فلاناً خليلاً * لقد أضلني عن الذكر بع إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا * ) [ الفرقان : 27 29 ] .
(83) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم أدب الكلام ومنزلة الأخر الأكبر :
جاء عبدالرحمن بن سهل وحويصة بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " كبر كبر " يعني ليتكلم الأكبر سناً وكان عبد الرحمن اصغر القوم .
فهذا حق الكبير ، ولا يجوز للصغير أن يبادر بالكلام إلا إذا طلب منه ، أو أن القوم انتخبوه متحدثاً عنهم ، أو كان له هو سؤال وحاجة . وقد مربنا قوله صلى الله عليه وسلم : " ليس من أمتي من لم يجل كبرنا " .
فإذا رشخ القوم صغيرهم متحدثاً عنهم في المحافل لمناسبة لذلك فلا إشكال ، وقد حدث شيء من هذا أمام عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه حينما ولي الخلافة وفدت عليه الوفود من كل بلد لبين حاجتها وللتهنئة ، فوفد عليه الحاجازيون فتقدم غلام هامشي للكلام ، وكان حدث السن فقال عمر : لينطق من هو أسن منك ، فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين ، إنما المرء بأصغريه ، فقد استحق الكلام ، وعرف فضله من سمع خطابه ، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين ! بالسن ؛ لكان في الأمة من هو أحق بمجلسك هذا منك ، فقال عمر " لكان في الأمة بدا لك . فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين ، نحن وفد تهنئة ، لا وفد مرزئة ، وقد اتيناك لمن اله الذي من علينا بك ، ولم يقدمنا إليك رغبة ورهبة ، أما الرغبة فقد أتيناك من بلادنا ، وأما الهيبة فقد أمنا جورك بعدلك . فقال عمر : عظني يا غلام! فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين ، إن ناساً من بلادنا ، وأما الهيبة فقد أمنا جورك بعدلك . فقال عمر : عظني يا غلام !فقال الغلام : أصلح الله أمير المؤمنين ، إن ناساً من الناس غرهم حلم الله عنهم ، فزلت بهم الأقدام فهووا في النار ، فلا يغرنك حلم الله عنك ، وطول أملك ، وكثرة ثناء الناس عليك ، فتزل قدمك ، فتلحق بالقوم ، فلا جعلك الله منهم ، وألحقك بصالحي هذه الأمة ، ثم سكت . فقال عمر :كم عمر الغلام ؟ فقيل : هو ابن إحدى عشرة سنة ، ثم سأل عنه ، فإذا هو من ولد الحسين بن علي رضي الله عنه ، فأثنى عليه ودعا له . نعم ! ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ) [ الأعراف : 58] .
كما علمهم صلى الله عليه وسلم القايم للكبير أباً كان أو شيخاً أو معلماً فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت عليه فاطمة ابنته قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فقبلته وأجلسته في مجلسها
ولما دنا سعد بن معاذ إلى المسجد قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : " قوموا إلى سيدكم أوخيركم .." .
(84) ويلقنهم صلى الله عليه وسلم آداب الاستئذان :
الطفل وهو صغير لم يبلغ الحمل يستأذن في دخول غرف النوم على والديه أو غيرهم ثلاثة أوقات فقط ، تكون العورات فيها عرضة للانكشاف في تلك الاوقات وهي قبل صلاة الفجر ، ووقت الظهيرة ، وبعد صلاة العشاء . وقد حدد الإسلام هذا الثلاثة للطفل الصغير قبل الاحتلام ؛لأنه في هذه المرحلة يكون كثير الحركة ، والدخول والخروج ، والوقوف واللعب ، فيصعب ويشق عليه الاستئذان في كل الأوقات . فإذا اقترب من البلوغ والاحتلام والتمييز فإنه يقل لعبة ودخوله وخروجه ، وصار يفهم ويتحمل ولا يشق عليه أن يستأذن بالدخو على والديه في سائر الأوقات كلما وجد الباب مغلقاً . وقد راعى الإسلام الحنيف كل هذه الجوانب مراعاة العليم الحكيم الخبير بأحوال خلقه ؛ فقال عز من قائل :
() يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [ النور " 58 ، 59 ] .
وكان أنس خادم النبي صلى الله عليه وسلم يدخل عليه بغير إذن فجاء يوماً ليدخل فقال له : ( كما أنت يا بني ، فإنه قد حدث بعدك أمر ؛ لا تدخلن إلا بإذن ) .
ويبين صلى الله عليه وسلم أن المستأذن لا يقف في مواجهة الباب مباشرة حتى إذا فتح الباب فجأة فلا تقع العين على شيء يؤذي أهل البيت رؤيته ، وهنا تظهر القيمة العظمى للاستئذان كما جاء عن سهل بن سعيد رضي الله عنه قال : اطلع رجلمن حجر في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع النبي مدرى يحك به رأسه ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك ، إنما جعل الإذن من أجل البصر " .
وقال عبد اله بن يسر رضي الله عنه : كان رسول الله : إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه ، ولكن من ركنه الأمين أو الأيسر ، ويقول : " السلام عليكم ، السلام عليكم " ، وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور .
والدور الآن ، وإن كان عليها ستور ، إلا أن الحكم يشملها ، وهو عدم استقبال الباب مباشرة والوقوف بالوجه في مقابلة ، ولكن يجب التنحي يميناً أو يساراً بحيث إذا فتح الباب ؛ لا يتمكن النظر من رؤية شيء بكره أهل البيت اطلاع أحد عليه ، أو تقع العين علىعورة فجأة ، فيحصل الضيق في اصدر والحرج في النفس ، والله تعالى ما جعل علينا في الدين من حرج .
وتلك الأخلاق وهذه المبادئ قد ارسى قواعدها رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وكان هو قدوة فيها ، فليتأس به المسلمون ، وليقتد به المربون ، في تنشئة جيل يرضى عنه الله وعباده الصالحون .
(85) ويؤدبهم صلى الله عليه وسلم على ألا يغيظ بعضهم بعضاً وبخاصة الجار :
أيها المربي ، لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بولد الجار ، لأنه ربما تكون مخالطته لولدك أكثر من مخالطته لأي أحد ، فلذلك كانت الوصية عليه ، عن عمرو بن شعيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وإن اشتريت فاكهة فاه له ، فإن لم تفعل فأدخلها سراً ، ولا يخرج ولدك ليغيظ بها ولده " .
صلى عليك الله ياعلم الهدى ، يا سيدي يارسول الله ، يارحمة للعاللمين مهداة . ما أعظم خلقك ، وما أرحم قلبك .
قال العزالي : ( ويمنع الصبي من أن يفتخر على أقرانه بشيء مما يمكه والده ، أو بشيء من مطاعمه ، وملابسه ، أو لوحه ودواته ، بل يعود التواضع ، ولاإكرام لكل من عاشره ، والتطلف في الكلام معهم ) .
( 86) ويحذرهم صلى الله عليه وسلم من تهديد بعضهم البعض بالسلاح ولو مزاحاً :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه " .
ولا شك أن في هذا دراً لمفاسد المحتملة والمتوقعة ، فإن المرء يذهب يمزح فيتدخل الشيطان فينقلب المزاج شيئاً خطأ وهو يمزح ، وفي كلام الحالين شر وأذى ن وإيقاع من الشيطان للعداوة والبغضاء ، ومن هنا يعرف قيمة وفائدة منعه صلى الله عليه وسلم المزج والإشارة بالسلاح .
والأمثلة كثيرة في بيان المزح الذي ينقلب إلى عداوة .
(87) وينعهم صلى الله عليه وسلم من أن يروع بعضهم بعضاً ولو مزحاً :
فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى رضي الله عنه قال : حدثنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى نبل معه فأخذها فلما استيقظ الرجل فزع فضحك القوم فقال : " ما رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لمسلم أن يروع أخاه " .
النبي صلى الله عليه وسلم يبني أسس القواعد العامة في نفوس المسلمين وسلوكهم منهجاً لهم ولسائر الأمة ؛ يتحدد بها موقفهم من الممنوع والجائز "لا يحل لمسلم أن يروع أخاه " فلا يخفي عنه ماله أو ولده ؛ فليتفرج على لوعته وحيرته ثم يقول له : كنت أمزح ، ولا يدخل عليه بيته من مكان غير مألوف فيرعبه ويرعب من بالبيت ويقول : كنت أمزح . ولا يأتي من وراء ظهره ويحدث صوتاً مرعباً كصوت سيارة أو صوت كلب ، حتى إذا أفزعه وأرعبه ضحك وقال : أنا أمزح ! أين نحن من تعاليم هذا لدين العظيم ؟ !
( 88) ويخفف عنهم صلى الله عليه وسلم مراعاة لطاقتهم العقلية المحدودة :
وقد ظهر ذلك حينما كان يكلف أنساً رضي الله عنه بعمل ؛ فإذا رأى منه تقصيراً أو نسياناً لم يعاقبه ، فإذا رأى من أهله من يريد معاقبته قال : "دعوه فلو قدر لكان " لأنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن للطفل طاقة عقلية محدودة ، فقد تقول لطفلك لا تعلب مع الصبيان ، وحينما يراهم لا يعلق بذهنه ، ولا تستحضر ذاكرته نهي أبيه له ، كذلك فإن عقله لا يستجمع أن المخالفة عقوق وأنه منهي عن ذلك ، وهكذا . ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : "دعوه ، قدر لكان .
كذلك من المواقف اللطيفة الحصيفة التي لا تقع إلا من مثل نبينا صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنه قبيل غزوة بدر أرسل النبي صلى الله عليه وسلم استخباراته من أصحابه ليستكشفوا أخبار العدو ، فقبضوا على غلامين كانا يستقيان لجيش مكة ، فسألوهما : لمن أنتما ؟ قالا : نحن سقاة قريش ، فظن الصحابة أنهما يكذبان وأنهما لا بي سفيان ، فضربوهما ضرباً موجعاً حتى قالا : نحن لأبي سفيان فتركوهما ، وكان صلى الله عليه وسلم يصلي حينها فلما فرغ من صلاته استنكر ما فعله أصحابه وقال لهم وهو الخبير : " إذا صدقاكم ضربتموهما وإذا كذباكم تركتموهما ؟ صدقا والله ، إنهما لقريش " ، بدأ صلى الله عليه وسلم باستجوابهما على قدر ما يتحمل ويستوعب عقلهما رافعاً الروع والخوف عنهما ،وما لم يقدرا على الإجابة عليه سألهما سؤالاً غيره أخف لكنه يوصل إلى المقصود الأول .
قال صلى الله عليه وسلم لهما : " كم القوم ؟ " قالا : كثير ، قال : " ما عدتهم ؟ " قالا : لا ندري ، فقال : " كم ينحرون من الإبل كل يوم ؟ " قالا : يوماً تسعاً ويوماً عشراً . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " القوم ما بين التسعمائه إلى الألف " على أساس أن البعير يكفي من تسعين إلى مائة فرد .
(89) وينزهم صلى الله عليه وسلم عن التشبه بالاناث :
عن عبدالله بن يزيد رضي الله عنه قال : كنا عند عبد الله بن مسعود فجاء ابن له ، عليه قميص من حرير ، قال : من كساك هذا ؟ قال : أمي ، قال : فشقه وقال : قل لأمك تكسوك غير هذا!
ولاشك أن ابن مسعود رضي الله عنه مزق القميص لأنه تعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الحرير للنساء وليس للرال ، قال صلى الله عليه وسلم : " حرم لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي وأحل لإناثهم . ولا فرق بين الكبير والصغير في حرمة لبس الحرير ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرمه على جنس الذكور ، إلا أنه لو لبسه الصغير فالإثم لا يلحقه وإنما يلحق الذي ألبسه .
(90) ويعودهم صلى الله عليه وسلم على الإخشيشان وقوة التحمل :
قال العزالي في الإحياء : ( ولا يعود الأب ولده التنعم ، ولا يجب إليه الزينة ، واسباب الرفاهية ، فيصبع عمره في طلبها فيهلك هلال الأبد ) .
وعن جبار رضي الله عنه قال : لما ينيت الكعبة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم وعباس ينقلان الحجارة ، فقال العباس رضي الله عنه : اجعل إزارك على رقبتك ؛ يقيك الحجارة ، فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ، فقال : " أرني إزاري " فشده عليه . وكان رسول الله إذ ذاك شاباً .
وقد رعى الغنم أيضاً ، قال : " ما بعث اله نبياً إلا رعى الغنم " ، فقال أصحابه : وأنت ؟ قال : " نعم ، كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة .
وكان صلى الله عليه وسلم يحث الشباب على الرماية وركوب الخيل ، لما في ذلك من الرجولة والقوة ، والاستعداد للشدائد ، فعن عبد الرحمن بن أبي حسين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن اله ليدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة ؛ صانعة يحتسب في صنعته الخير ، والرامي به ، والممد به ، وقال : " أرموا وأركبوا ،وأن ترموا أحب إلى من أن تركبوا ، كل ما يلهو به الرجل المسلم باطل ، إلا رميه بقوسه ، وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، فإنهن من الحق " . وفي رواية : " .. أرموا واركبوا .. ومن ترك الرمي بعدما علمه رغبة عنه فإنها نعمة كفرها" . وقد كان عمر يقول : علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل .
وقال عمر أيضاً رضي الله عنه :" تمعددوا وأخشوشنوا " ، يقال : تمعدد الغلام ، إذا شب وغلظ . وقيل : أراد : تشبهوا بعيش معد بن عدنان وكانوا أهل غلظ وقشف : أي كونوا مثلهم ودعوا زي التنعم وزي العجم . وفي رواية : " عليكم باللبسة المعدية " .
وأيضاً من تعيد النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين على الإخشيشان الذي بدأ هو فيه بنفسه وتبعهفيه الكثيرون من صالحين هذه الأمة ؛ ما رواه عبدالله بن بريدة رضي الله عنه أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد رضي الله عنه وهو بمصر ، فقدم عليه وهو يمد ناقة له ، فقال : يا فضالة ، إني لم آتك زائراً ، إنما أتيتك لحديث بلغني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم ، فرآه شعثاً فقال : ما لي أراك شعثاً وأنت أمير البلد ؟ قال فضالة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهانا عن كثير من الإرفاه ، ورآه حافياً فقال : مالي أراك حافيا ؟ قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحتفي أيحاناً
وعن عائشة رضي الله عنهما قال : " شرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائماً وقاعداً ، ومشى حافياً وناعلاً ، وأنصرف عن يمينه وعن شماله . أي من الصلاة بع التسليم.
وعن عبد الله بن مغفل المزني رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الترجل إلا غبا " .
وهذا كله ليس رضاً مع حب الرجل منا أن يرى ثوبه حسناً ونعله حسناً ؛ وليس متعارضاً مع أمر النبي صلى الله عليه وسلم لمن كان له شعر بأن يكرمه ويدهنه ؛ وليس متعارضاً كذلك مع قول أحد أصحابه له : إني ليعجبني أن يكون ثوبي غسيلاً ورأسي دهيناً وشراك نعلي جديداً ؛ فقال له صلى الله عليه وسلم : " ذاك الجمال ، إن الله جميل يحب الجمال . وإنما يريد النبي صلى الله عليه وسلم مع نظافة المسلم وجماله ؛ ألا يكون ذلك شغله الشاغل ، وهدفه العاجل والآجل . وإنما المسلم يدرب نفسه على هذا وذاك ويستعد لهاذ وذاك ، فإذا حوصر كان رجلاً ، وإن أحيط به كان بطلاً .
حتى اللحم ، ما كان يجده رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل الاوقات ليأكله ، وفي نفس الوقت ؛ لم يحرص على إيجاده وتوفيره . وقد أتي يوماً بلحم ، فرفع إليه الذراع وكانت تعجبه وتبين عائشة رضي الله عنه وهي زوجته وأعرف الناس بطعامة ؛ لمذا كان صلى الله عليه وسلم يجب ذراع الشاة ؟ تقول : ما كان الذراع أحب اللحم إلى رسول كان صلى الله عليه وسلم ولكن كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجد اللحم إلا غباً فكان يعجل إليه لأنه أعجلها نضجاً .
وللعدل والإنصاف ؛ نقول : إن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم إذا كان يحث الأمة على
شيء من الإخشيشان ، وينهاهم عن كثير من الإسراف والإرفاه فإنه قد بدأ بنفسه كما رأينا ، بل وبأهل بيته رضوان الله عليهم أجمعين . فعن أبي الورد ، عن ابن أعبد قال : قال لي علي رضي الله عنه : ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت من أحب أهله إليه ؟ إنها جرت بالرحى حتى أثر في يدها ، واستقت بالقربة حتى أثر في نحرها ، وكنست البيت حتى اغبرت ثيابها ، فأتيى النبي صلى الله عليه وسلم خدم ، فقلت : لو أتيت أباك فسألتيه خادماً ؟ فأتته فوجدت عنده حداثاً فرجعت . فأتاها من الغد صلى الله عليه وسلم فقال : " ما كان حاجتك ؟ " فسكتت ، فقلت : أنا أحدثك يا رسول الله : جرت فاطمة بالرحى حتى أثرت في يدها ، وحملت بالقرية حتى أثرت في نحرها ، فلما جاءك الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمها خادماً يقيها حر ما هي فيه ، فقال صلى الله عليه وسلم : " أتقي الله يا فاطمة ، وأدي فريضة ربك ، اعلمي عمل أهلك ، فإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثاً وثلاثين ، وأحمدي ثلاثاً وثلاثني ، وكبري أربعاً وثلاثين ، فتلك مائة خير لك من خادم ، قالت : رضيت عن الله عز وجل ، وعن رسوله صلى الله عليه وسلم . قال علي : ولم يخدمها .
أمراة أعرابية تساوي رجال :
مما يروى في كتب التاريخ والأدب أن الفضل أو المفضل بن زيد رأى مرة ابن امرأة اعرابية فأعجب به ، فسألها عنه فقالت : إذا أتم خمس سنوات أسلمته للمؤدب فحفظ القرآن وتلاه ، وعلمه الشعر فرواه ، ورغب في مفاخر قومه ، ولقن مآثر آبائه وأجداده ، فلما بلغ الحلم ؛ حملته على أعناق الخيل فتمرس وتقرس ولبس السلاح ومشى بين بيوت الحي وأصغى إلى صوت الصارخ ليغيثه وينقذه .
(91) ويوصي بالبنات صلى الله عليه وسلم ويبين منزلتهن في الإسلام :
عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسان الغاليات " .
وقال صلى الله عليه وسلم " " من كان له ثلاث بنات فصبر على لأوائهن وضرائهن وسرائهن أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهن "، فقال رجل : أو ثنتان يا رسول الله؟ قال : " أو ثنتان " فقال رجل : أو واحدة يارسول الله ؟ قال : " أو واحدة " . وفي رواية : " من كان له ثلاثة بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان فأحسن صحبتهن واتقى الله فيهن فله الجنة " . وقد رأينا جابر بن عبد الله رضي الله عنه وهو الشاب الشهم الأعزب يضحي بشهوته ويترك الزواج من شابه بكر مثله ، لما قتل أبوه بأحد وترك خلفه تسع بنات ؛ ثم يتوزج بأمرأة ثيب لتقوم على رعاية أخواته ، فأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على صنيعه وحياه وقال له :
" بارك الله لك " .
( 92) ويلحق صلى الله عليه وسلم الإثم بمن يضيع حقهم في النفقة والتعليم :
قال صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقرب " .
والتضييع في هذا الحديث على إطلاقه وليس تضييعاً دون تضييع ، فمن ضيع حقهم في النفقة فقد ضيعهم ، ومن ضيع حقهم في التربية فقد ضيعهم ، ومن ضيع حق من يعول في التعليم فقد ضيعهم ، وكذلك في الحنان والمودة وفي العدل والرحمة وهكذا .
وقال صلى الله عليه وسلم : " كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته"
فلا يجوز التقتير على الأولاد أو حبس النفقة والقوت عنهم لأن هذا تكليف من الخبير اللطيف . قال تعالى: ( وعلى المؤلود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ... ) [ البقرة : 233] .
وعن وهببن جابر رضي الله عنه قال : إن مولى لعبد اللهبن عمرو قال له : إني أريد أن أقيم هذا الشهر ها هنا ببيت المقدس ، فقال له تركت لأهلك ما يقوتهم هذا الشهر ؟ قال : لا ، قال : فارجع لأهلك فاترك لهم ما يقوتهم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت "
(93) ويحذرهم صلى الله عليه وسلم من تحقير الناس والسخرية منهم :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية أنها كذا وكذا ، قال مسدد الرواي : تعني أنها قصيرة ، فقال عليه الصلاة والسلام : " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " ، عين غيرت لن وطعم ماء البحر من شدة نتنها وقبحها ، لأنه غيبة ، حيث إن عائشة حقرت من قصر صفية .
وعن وائلة بن الأسقع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تظهر الشماتة لأخيك ، فيرحمه الله ويبتليك " .
والله تعالى يقول : ( يا أيها الذين أمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن .. ) [ الحجرات : 11] .

من سن 15 – 18
(94) ويحثهم صلى الله عليه وسلم على الاستفادة من وقت البكور :
عن عثمان بن عفان قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصبحة تمنع الرزق وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم بارك لأمتي في بكورها " . فالاستيقاظ المبكر وعدم النوم صباحاً ، سبب في زيادة الرزق ، وقد رأى ابن عباس ابناً له نائماً نومه الصبح فقال له : " قم ، أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق " .
(95) ويحل لهم صلى الله عليه وسلم مشكلة الفراغ :
وذلك بحثهم على استغلال الوقت فيما يفيد كتعلم الرماية .
قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه :مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون فقال لهم أرموا يا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان رامياً "
وكذلك بمسابقات الجري وركوب الخيل والسباحة ، وكلها رياضيات تعلم الشجاعة والقوة والجراءة وتطرد الخوف والانطواء ، وتجعل الغلام المسلم جاهزاً دائماً لمنازلة الاعداء والقتال في سبيل الله ، وقد سبق الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصف الشباب ليتشابقوا في الجري .
وعن ملاء الفراغ عبادياً ارشد النبي صلى الله عليه وسلم أبن عمر إلى قيام الليل ، وقد سبق بيان ذلك .
كذلك يدلهم صلى الله عليه وسلم على أشياء هي من اللهو المباح الذي يتلهى به المسلم ويروح عن نفسه مستفيداً من ذلك فيما ينفعه .
عن عبد الرحمن بن حسين رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " .. كل ما يلهو به الرجل باطل إلا رمية بقوسه وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، فإنهن من الحق " .
أهمية مراعاة جوانب نبوغ الطفل وميوله واستعدادته :
إن الواجب الأساس الذي لا يجوز التفريط فيه هو تعليم الأولاد أولاً فروض العين التي لا يعذر أحد بتركها ، وتلك هي أصول الإيمان وأركان الإسلام ، وواجباته ، كالطهارة والصلاة والصيام والحج وبر الوالدين ونحوها، فإذا ما علم الصبي ذلك وربي عليه ، نظر وليه في تصرفاته ورغباته ،فإن وجده مقبلاً على علوم الإسلام راغباً في حفظها والتضلع منها ، فعلهي أن يهيئ له الفرصة بالمعلم الكفء والكتاب والكفاءة لكل حاجاته ليفرغه لهذا الغرض العظيم ، حتى يصبح من علماء الإسلام ودعاة الحق .
وإن وجده مقبلاً على غيرذلك من الصناعات والمهن الاخرى المباحة غير
الدنيئة وجهه إلى ما يراه راغباً فيه وأعانه بسبلها التي يتمكن بها من تحصيلها ، ولا ينبغي أن يجبره على علم لا رغبته له فيه ولا يرى عنده استعداداً له ، فإن ذلك يعوقه ويحرمه من سلوك الطريق الذي خلق مهياً له .
وجوب تهيئة ما يوافق الطفل من الأعمال :
قال ابن القيم رحمه الله : (ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهياً له منها ، فيعلم أنه مخلوق له ، فلا يحمله على غيره ، ما كان مأذوناً فيه شرعاً ، فإنه إن حمل على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه ، وفاته ما هو مهياً له ، فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك ، جيد الحفظ واعياً ، فهذه من علامات قبوله وتهيئوه للعلم ، لينقشه في لوح قلبه ، ما دام خالياً ، فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه ، وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه ، وهو مستعد للفروسية واسبابها ، من الركوب والرمي واللعب بالرمح ، وأنه لا نفاذ له في العلم ولم يخلق له ، مكنه من أسباب الفروسية والتمرن يخلق لذلك ، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعداً لها قابلاً لها ، وهي صناعة مباحة نافعة للناس فليكمكنه مستعداً لها قابلاً لها ، وهي صناعة مباحة نافعة للناس فليمكنه منها هذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه ، فإن ذلك ميسر على كل أحد، لتقوم حجة الله على العبد ، فإن له على عبادة الحجة البالغة ،كما له عليهم النعمة السابغة ) .
(96) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم حب النبي وآله وأصحابه وتلاوة القرآن :
إن الفراغ الذي تحياه البشرية الآن ما هو إلا أثر من آثار فقدان القدوة الربانية الصحيحة وعلى رأسها محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكي تعود البشرية إلى رشدها وتخرج من غيها فلا بد أن يلقن المربون أبناءهم حب النبي صلى الله عليه وسلم ويعرفهم عليه ويربطهم بشخصة الكريم ، وهذا الذي فعله أصحاب النبي مع أبنائهم ، فنشأوا على حب الرسول صلى الله عليه وسلم والتسابق على خدمته ، كأنس وابن عباس وغيرهم.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يربط قلوب اصحابه وأبنائهم رضوان الله عليهم بحبه ويعلمهم أن حبه من الإيمان . قال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " .
كما يربطهم بحب آل بيته ، فيقول صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين أثني علي رضي الله عنهما : اللهم إين أحبهما فأحببهما ، ومن أحبهما فقد أبني " . ويقول صلى الله عليه وسلم عن ابيهما ، ومن أحبهما فقد أحبني " . ويقول صلى الله عليه وسلم عن ابيهما على رضي الله عنه :
" وأبوهما خير منهما " .
وأما عن تعليمهم القرآن فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كفي أو على منكبي شك سعيد ثم قال :
" اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" .
وقال ابن عباس : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم . وقال أيضاً لسعيد بن جبير : جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله وما المحكم ؟ قال :
المفصل .
قال ابن كثير رحمة الله : ( وعلى كل تقدير ففيه دلالة على جواز تعليمهم القرآن في الصبا ، بل قد يكون مستحباً أو واجباً ، لأن في الصغر أولى من حفظه كبيراً ، وأشد علوقاً بخاطره وأرسخ وأثبت ، كما هو المعهود في حال الناس . وقد استحب بعض السلف أن يترك الصبي في ابتداء عمره قليلاً للعب ، ثم توفر همته علىالقراءة لئلا يلزم أولاً بالقراءة فيملها ويعدل عنها إلىاللعب ، وكره بعضهم تعليمه القرآن وهو لا يعقل ما يقال له ، ولكن يترك ، حتى إذا عقل وميز علم قليلا قليلاً بحسب همته ونهمته وحفظه وجودة ذهنه ، وأستحب عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يلقن خمس آيات
(97) وبين صلى الله عليه وسلم لهم منزلته في قلوب المؤمنين :
يقول صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " . وفي رواية : فقال عمر : يا رسول الله ، لأنت أحب إلى من كل شيء إلا نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك ، فقال له عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلى من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لأن يا عمر " يعني الآن تم إيمانك .
ولما كنت هذه منزلته صلى الله عليه وسلم فكان لزاماً أن يكون مصاب المسلمين فيه عزاء في أي مصيبة أخرى، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا " أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب " .
(98) ويكون صلى الله عليه وسلم قدوتهم في حسن العشرة :
قال أنس رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً ، فأرسلني يوماً لحاجة ، فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي ن فنظرت إليه ، وهو يضحك ، فقال : يا أنيس ، ذهبت حيث أمرتك؟ " قلت : نعم أنا أذهب يارسول الله ، قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ، ما علمته قال لشيء صنعته : لم فعلت كذا أو كذا ؟ أو لشيء تركته : هلا فعلت كذا وكذا
(99) ويشجع فهيم صلى الله عليه وسلم الاعتماد على النفس والأكل من عمل أيديهم ، ويجنبهم البطاقة والكسل :
في هذا الشأن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بتنمية مواهب الطفل الاجتماعي والاقتصادي ، ويبني فبه جسور الثقة بالنفس ، والاعتماد عليها ، ليتعامل مع كثير من عناصر المجتمع ، ويتعامل مع شخصياته ، فينتفع بالتجربة ، وتزداد فيه الثقة، فتصبح حياته جادة ، ورجولته ممتدة ، فلا تعرف الميوعة إليه سبيلاً ، وتكون الرجولة عليه دليلاً .
وعن عمرو بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر وهو يبيع بيع الغلمان أن الصبيان قال : " اللهم بارك له في بيعه أو قال في صفقته " .
وهذا لعمري لمن أعظم المواقف للنبي الكريم ، فعبد الله بن جعفر أنب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبوه قائد المسلمين وشهيدهم في غزوة مؤته ، وهو الطيار الذي يطير بجناحين في المدبوغة والقرب وغيرها ؛ فلم يخحل النبي من ذلك وهم أشرف الناس عند الله وعندالناس ، ولم يمنعه صلى الله عليه وسلم من البيع بل دعا له بالبركة والمزيد ،ولم يجعل كذلك خزانة بيت المال تحت تصرفه ، بل تركه يعتمد على نفسه ، كيف لا وهو القائل صلى الله عليه وسلم : " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً " يعني رزق يوم بيوم . فليتعظ أئمة العالم من إمام العالمين !!
إذا فالسعي على الرزق ،والأكل من عمل البد ، والمهنة والحرفة عفة تعف المسلم عن الأخذ والسؤال .
وفي باب الكسب والتجارة مجبتها والبحث على طلب الرزق عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يحب المؤمن المحترف . وعن أمه سلمة قالت : لقد خرج أبو بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تاجرا إلى بصرى ، لم يمنع أبا بكر الضن برسول الله صلى الله عليه وسلم شحه . وقد كان نوح عليه الصلاة والسلام يصنع الفلك بأمرربه عز وجل . وكان داود عليه الصلاة والسلام يجيد الحدادة وصناعة الدروع الحربية بتعليم الله عز وجل له . وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يجيد التجارة .
ومن الواجب على المسلمين أن يتقنوا الحرف والصناعات ويجيدوها ، فليس عاراً أن يجيد الإنسان صنعة من الصناعات أو حرفة من الحرف ،كما قيل :
وليس على عبد تقي نقيصة إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم
قال ابن القيم رحمة الله : ( ويجنبه الكسل والبطاقة والدعة والراحة ن بل يأخذه بأضدادها ، ولا يريحه إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل ، فإن للكسل والبطاقة عواقب سوء ومغبة العقبى ، وإما فيهما ، فأروح الناس أتعب ،وأتعب الناس أورح النسا . فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب )
قال الدكتور عبدالله قادري : وإن الذي يتأمل حال شباب المسلمين في هذا الزمان ،وما منوابه من البطاقة والكسل والراحة الجالبة للميوعة الترهل ، بسبب الفراغ الذي أنعم الله به عليهم ، فلم يشكروا نعمته بملئه بما يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالخير في الدنيا والآخرة ،وإنما ملؤوه باللهو واللعب والمتع المباحة أو المحرمة حتى أصبح كثير منهم مثل القطعان الحيوانية الضارة لأمن الناس على أموالهم ودمائهم وأعراضهم ، الذي يتأمل ذلك يبدو له جلياً ما عنته نصوص القرآن والسنة وأقوال العلماء من التحذير من الفراغ والبطاقة والكسل ، فلا حولولا قوة إلا بالله العي العظيم
(100) ويثبت صلى الله عليه وسلم حقهم في طلب العلم وتعلم القرآن :
المعلم نعم الأرواح وسلاح زان الأشباح . استحق طالبه استغفار الكائنات كلما غدا أو راح ، ورضا بما يصنع ؛ خفضت له الملائكة الجناح ، واستحق العلم أن يكون فرضاً من العليم الفتاح ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم : " لب العلم فريضة على كل مسلم ، وواضح العلم عند غير أهله كمقلد الخنازي الجوهر واللؤلؤ والذهب " .
كيف وماذا يعلم الطفل في صغره ؟
( قال عبد الملك بن مروان لمؤدب ولده : " علمهمالصدق كما تعلموهم القرآن ، وجنبهم السفلة ، فإنهم أسوأ الناس ورعاً ، وأقلهم أدباً . وجنبهم الخدم فإنهم لهم مفسدة .. وأطعمهم اللحم يقووا ، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا ، ومرهم أن يستاكوا عرضاً ويمصوا الماء مصاً ، ولا يعبوه عباً ، وإذا احتجت أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد من الفاشية فيهونوا عليه ) .
وفي هذه الوصية لم يفكر عبد الملك بن مروان في التربية العلمية والدينية والأدبية وحده ؛ ولكنه فكر أيضاً في التربية الخلقية والجسمية واللسانية ، والتربية الصحية والتربية الاجتماعية .
وقال هشام بن عبد الملك لسليمان الكلي مؤدب ولده :
( إن أبني هذا هو جلده ما بين عيني ، وقد وليتك تأديبه ، فعليك بتقوى الله ، وأد الامانة ، وأول ما أوصيك به أن تأخذه بكتاب الله ، ثم روه من الشعر أحسنه ، ثم تخلل به في أيحاء العرب ، فخذ من صالح شعرهم ،وبصرة طرفاً من الحلال والحرام ، والخطب والمغازي ) . وقال الرشيد لمعلم ولده محمد الأمين : ( إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه ، وثمرة قلبه ، فصير يدك عليه مبسوطة ، وطاعته لك واجبه . فكن بحيث وضعك أمير المؤمنين ، أقرئه القرآن ، وعرفة الأخبار ، وأمنعه من الضحك إلا في أوقاته ، وخذه بتعظيم مشايخ بني هشام إذا خلوا عليه ، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه ،ولا تمرنبك ساعةإلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه ، وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة ، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة ) .
وأما من تعلم الأطفال كتاب الله تعالى فقد قال الحافظ السيوطي : ( تعلم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام ؛ فينشؤون على الفطرة ، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الاهواء منها ؛ ويسبق إلى قلوبهم أنوار والضلال ) ، وأكد ابن خلدون هذا المفهوم بقوله : تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين أخذ به أهل الملة ، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم ؛ لما يسبق إلىالقلوب من رسوخ الإيمان وعقائده ؛ بسبب آيات القرآن ؛ ومتون الأحاديث ، وصار القرآن أصل التعليم ؛ الذي ينبغي عليه ما يحصل بعد من الملكات .
كذلك قال ابن سينا في كتاب السياسة باب سياسة الرجل ولده : فإذا تهيأ الصبي للتلقين ؛ ووعى سمعه أخذ في تعليم القرآن ، وصورت له حروفه الهجاء ولقن معالم الدين .
ومن شدة حرص الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على ارتباط أطفالهم بالقرآن أن أنس بن مالك رضي الله عنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم .
وهذا ابن عباس رضي الله عنه قرأ المحكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو طفل صغير ، فقد ذكر ابن كثير في فضائل القرآن ، عن ابن عباس رضي الله عنه قال : توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين ؛ وقد قرأت المحكم .
وكذلك السلف الصالح رضوان الله عليهم كانوا يحرصون على تعلم أطفالهم القرآن حفظه في صغرهم ؛ فقد ذكر ابن سحنون في مقدمة كتاب المعلمين أن القاضي الورع عيسى بن مسكين كان يقرئ بناته وحفيداته .. فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم، وكذلك كان يفعل قبله فاتح صقليه بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة . ويحسن أن يشرح المعلم للطفل شرحاً مبسطاً على قدر استيعابه ليفتح قلبه وعقله وتكبر هذه المعاني معه في كبره ، فهذا ابن عباس يقول لأصحابه: سلوني عن سورة النساء فإن قرأت وأنا صغير.
وهذا المأمون رحمه الله تعالى يفهم فهما عجيباً في القرآن وهو صغير ، فقد كان يقرأ على معلمه الكسائي ، وكان من عادة الكسائي أن يخفض راسه قرأ المأمون ، فإذا أخطأ رفع رأسه ناظراً فيرجع إلى الصواب ، فقرأ المأمون يوماً سورة الصف ، ولما وصل إلى قول الله تعالى( يأيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون )[ الصف : 2] ؛ رفع الكسائي رأسه ، فنظر المأمون إليه وكرر الآية وهو يفتش عن خطئه فوجدها صحيحة ، فمضى في قراءته ، ولما أنصرف الكسائي دخل المأمون على أبيه قائلاً : هل وعدت الكسائي بشيء ؟ قال : كيف علمت بذلك يا بني ؟ فأخبره بالأمر ، فسر الرشيد لفظنه ولده وشدة ذكائه . وكذلك السنة ؛ فإن السف رضوان الله عليهم كانوا يلقنون أبنائهم السنة مع القرآن لأنهما الركنان الأساسيان في بناء الطفل علمياً ، وهذا البخاري رحمه الله تعالى يقول : ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب ، فقيل له : كم أتى عليك إذ ذاك ؟ فقال : عشر سنين أو أقل .
وهذا الشافعي رحمه الله يقول : حفظت القرآن وأنا بان سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين .
ويقول سهل بن عبد الله التستوي :مضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين .
وهذا ابن خلدون حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وتعلم العلوم الكثيرة في اللغة والأدب والفقه والاصول والتفسير والحديث ونبغ في كل ما تعلمه وهو لم يبلغ العشرين من عمره .
وكذلك ابن سيناء كان عالماً وطبيباً بارعاً وهو ابن 16 سنة .
تعليم الأولاد الشعر :
عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من الشعر حكمة وإذا التبس عليكم شيء من القرآن فالتمسوه من الشعر فإنه عربي " .
وعنه قال : إذا قرأ أحدكم شيئاً من القرآن فلم يدر ما تفسيره فليلتمسه في الشعر فإنه ديوان العرب هذا هو الصحيح موقوف .
وعنه أيضا رضي الله عنه أنه سئل عن قوله عز وجل : ( يوم يكشف عن ساق ). قال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر :
أصبر عناق إنه شر باق قد سن قوم ضرب الأعناق
وقامت الحرب بنا عن ساق
قال ابن عباس : هذا يوم كرب وشدة .
وعن محمد بن سيرين قال : كان شعراء اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك رضي الله عنه .
وليس الأمر قاصراً على الرجال ، بل من النساء من لهن في ذلك اروع الأمثلة . فهذه حفصة بنت سيرين حفظت القرآن وهي بنت ثنتي عشرة سنة ، وكان أخوها محمد بن سيرين إذا أشكل عليه شيء من القرآن قال : أذهبوا فأسألوا حفصة كيف تقرا
وأيضاً سلمى بنت محمد بن الجزري ؛ وكنيتها أم الخير ، يقول عنها والدها شيخ الإفراء .. هي ابنتي نفع الله بها .. وعرضتها ومقدمة النحو ، ثم حفظت الألفية ،وعرضت القرآن حفظاً بالقراءة العشر ، وأكملته فيالثاني عشر من ربيع الأول سنة 832ه ، قراءة صحيحة مجودة مشتملة على جميع وجوه القراءة ؛ بحيث وصلتفي الاستحضار إلى غاية لا يشاركها فيها أحد في وقتها ، وتعلمت العروض ، والعربية ، وكتبت الخط الجيد ، ونظمت بالعربي والفارسي ، وقرأت بنفسها الحديث ، وسمعت مني وعلي كثيراً ، بحيث صار لها فيه أهلية وافرة ، فالله يسعدها ويوفقها لخير الدنيا والآخرة .
والأمثلة كثيرة ونكتفي لعدم الإطالة ، والله الموفق .
فطلب العلم فرض على جميع المسلمين ، رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً ، والصغار يقوم به لهم كبارهم خاصة أن فترة الطفولة هي أثر وأغنى وأخصب الفترات للحفظ واتحصيل والاستفادة .
وكذلك السيرة من العلوم العظيمة التي يجب أن يتعلمها الطفل ويتلقنها ؛ لأن في السيرة والقصة مشاهدة الواقع الإسلامي ومعايشته ، والتأثر به ، والقصة لها دون كبير في شد انتباه الطفل ، فهي من الأساليب المؤثرة في عقله ونموه الفكري لما لها من متعة تسهل إفادة الطفل تعليمياً باستخلاص النتائج والعبر ، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ) [ يوسف : 111] .
فعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال : كان أبي يلعمنا المغازي والسرايا ، ويقول : يا بني ، إنها شرف
آبائكم ، فلا تضيعوا ذكرها .
وقال زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم : كنا نعلم مغازي رسول الله كما نعلم السورة من القرآن .
وقال السمعاني : يجب على الآباء تعليم أوأدهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بمكة إلى كافة الثقلين ،ودفن بالمدينة ، وأنه واجب الطاعة والمحبة .
الرحلة في طلب العلم :
عن كثير بن قيس قال : كنت جالساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فأتاه رجل فقال : يا أبا الدرداء إني أتيتك من مدينة الرسول في حديث بلغني أنك تحدث9ه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو الدرداء : أما جئت لحاجة ؟ أما جئت لتجارة ؟ أما جئت إلا لهذا الحديث ؟ قال : نعم ، قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة ، والملائكة تضع أجنحتها رضي لطالب العلم ، وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء إن الانبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وأورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر
وعن ابن شهاب عن ابن عباس قال : " كان يبلغنا الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلو أشاء أن أرسل إليه حتى يجيئني فيحدثني فعلت، فأقبل على بابه حتى يخرج إلى في حدثني " .
وهذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر ، قد عليه .. فقال يا فضالة ، إني لم آتك زائراً ، ولني سمعت أنا وأنت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم ، قال : وما هو ؟ قال : كذا وكذا .
وصية لقمان الحكيم لطالب العلم :
تحمل هذه الوصية آداباً عالية لا غنى أبداً لطالب العلم عنها . يقول شهر بن حوشب : أن لقمان الحكيم قال لابنه : يا بني ، لا تعلم العلم لتباهي به العلماء ، أو لتماري به السفهاء ، أترائي به في المجالس ، ولا تتركالعلم زهداً فيه ورغبة في الجهالة. يا بني ، أختر المجالس علىعينك ، وإذا رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس معهم ، فإنك إن تكن عالماً ينفعك علمك ، أو تكن جاهلاً علموك ، ولعلاله أن يطلع عليهم برحمته فيصيبك بها معهم . وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم ، فإنك إن تكن عالماً لم ينفعك علمك ، وإن تكن جالاً زادوك غيا ، ولعل الله أن يطلع علهيم بعذاب فيصيبك معهم .
وصية الغزالي لطالب العلم :
1- يجب على طالب العلم التحلي بمكارم الأخلاق ، والبعد عن مذموم الصفات كالغضب ، والشهوة ، والحقد ، والحسد ، والكبر ، والعجب ، كل هذه ظلمات تحجب نور العلم . وليس العلم بكثرة الرواية وما تعيه الحافظة ، وإنما هو نور البصيرة بها تميز بين الحق والباطل ، والضار والنافع ، والخير والشر ، والهدى والضلال .
2- يجب أن يقلل طالب العلم من شواغله ، وما يصرفه عن التحصيل وتكريس الوقت ؛ إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه .
3- ألا يتكبر المتعلم على العلم ، ولا يتآمر على المعلم ، بل يدعن لنصيحته أذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق . وينبغي أن يتواضع لمعلمه ، ويطلب ثواب الشرف بخدمته ، ولا ينال العلم إلا بالتواضع والانتباه وإلقاء السمع ، قال تعالى : ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد ) [ ق : 37] .
4- ألا يدع طالب العلم فناً في العلوم المحمودة ، ولا نوعاً من أنواعها إلا وينظر فيه نظراً به على مقصده وغايته .
5- ألا يخوض المتعلم في فن من فنون العلم دفعة واحدة بل يراعي الترتيب ، ويبتدئ بالأهم .
6- ألا يخوض المتعلم في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله ، فإن العلوم مرتبة ترتيباً ضرورياً ، وبعضها طريق إلى بعض . والموفق من راعي ذلك الترتيب والتدريج . قال الله تعالى ( الذين أتيناهم الكتب يتلونه حق تلاوته ) أي لا يجاوزون فناً حتى يحكموه علماً وعملاً .
7- اشرف العلوم العلم بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله ، والعلم بالطريق الموصل لهذه العلوم .
8- أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنة وتجميله بالفضيلة ، وفي المآل القرب من الله سبحان وتعالى ، ....
ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ، ومباهاة الأفراد .. قال الله تعالى : ( يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .
(101) ويؤكد صلى الله عليه وسلم على اختبار المعلم الصالح :
لا شك أن الطفل أو المتعلم عامة يحدث بينه وبين معلمه بطول الوقت والخلطة نوع من التداخل والتقليد والموافقة والمشاكلة والخلة ، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم باختيار الخليل الناجح والجليس الصالح ، وبالأولى في اختيار المدرس والعلم . قال رسو اله صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل "
وعن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال : ( المرء على دين خليلة فلينظر أحدكم من يخالل)
وعن محمد بن سيرين رضي الله عنه قال " ( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذوا دينكم ) .
وقال الماوردي : ( يجب أن يجتهد في اختيار المعم والمؤدي ؛ الاجتهاد في اختيار الوالدة والظئر المرضعة بل أشد منه ؛ فإن الولد يأخذ من مؤدبه من الاخلاق والشمائل والآداب والعادات أكثر مما يأخذ من والده ، لأن مجالسته له أكثر ، ومدارسته معه أطول ، والولد قد أمر حيث سلم إلى المدرس بالاقتداء به جملة ، والائتمار له دفعة ، وإذا كان هكذا فيجب ألا يقتصر من المعلم والمؤدب على ان يكون قارئاً للقرآن وحافظاً للغة ، أو راوياً للشعر حتى يكون تقياً ، ورعاً ، عفيفاً ، يناً ، فاضل الاخلاق ، أديب النفس ، نقي الجيب ، عالمأً بالخلاق الملوك وآدابهم ، عارفا بجوامع أصول الدين والفقه ، وافياً بما ذكرنا أنه يحتاج أن يعلمه على الترتيب ، فإن فاته شيء مما ذكرنا ، فلا يفوته التقى والدين والفقه ) .
وقد كان السلف يحرصون على اختيار المعلم والمدرس الصالح ، ولو كلفهم ذلك السفر والانتقال على أقطار بعيدة ، وأموال عديدة .
قال ابن سينا : ( ينبغي أن يكون للصبي مؤدب عاقل ، ذو دين ، بصير برياضة الأخلاق ، حاذق بتخريج الصبيان ، وقور، رزين بعيد عن الخفة والسخط ،قليل التبذل والاسترسال بحضرة الصبي ، غير كر ولا جامد ، وأن يكون حلوا لبيباً ، ذا مروءة ونظافة ونزاهة ) .
وروي أن عتبة بن أبي سفيان قال لمؤدب ولده : ( يا عبد الصمد ، فالحسن عندهم ما استحسنت ، والقبيح عندهم ما ستقبحت . وعلمهم كتاب الله ، ولا تستكرههم عليه فيملوه ، ولا تتركهم منه فيهجروه ، وروهم من الشعر أعفه ، ون الحديث أشرفه ، ولا تخرجهم ن علم إلى علم حتى يحكموه ، ، فإن أزدحام الكلام في السمع مضلة للفهم . وتهددهم بي ، وأدبهم دوني ، ولكن لهم كالطبيب الرفيق لا يضع الدواء إلا بعد معرفة الداء ، وروهم سير الملوك ، وجنبهم محادثة النساء ، ولا تتكلن على عذر مني ، فإن أتكلت على كفاية منك . واستزدني بزيادتك إياهم ، أزدك إن شاء الله ) .
وقد لخص أبو شامة الشافعي في كتاب فقال : يبدأ بإصلاح نفسه ؛ فإن أعينهم إليه ناظرة ، وآذانهم إليه مصغية ، فما استحسنه فهوعندهم احسن ، وما استقبحه فهو عندهم القبيح ، ويلزم الصمت في جلسته.. ويكون معظم تأديبه بالرهبة . ولا يكثر الضرب والتعذيب .. ولا يمازح بين أيديهم أحداً ..ويقبح عندهم الغيبة ، ويوحش عندهم الكذب والنميمة ، ولا يكثر الطلب من أهلهم .
وفي المقابل يوجه الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله
شيخ الأزهر سابقاً تحذيراً إلى المسلمين من القذف بأبنائهم بين براثن المدارس والمعلمين الذين يضللونهم ويفسدون عقائدهم ، ويقول : ( من الذي يستطيع أن يهيئ لولده عيشاً راضياً ، وينبته نباتاً حسناً فينشأ سليم القلب ، طاهر اللسان صديقاً لا سرته ، عاملاً إعلاء شأن أمته ؟ ! ولكنه يأبى أن يفعل هذا الذي ينصح به لولده ، وجني ثمار الحمد من عواقبه ، فيعمد إليه وهو صافي الفطرة ، فيلقيه في بيئة يتولاه فيها من لا يرقبون إلا ولا ذمة . فلا يزالون يلقنونه زيفاً ، ويبذرون في نفسه شراً ، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً .. ذلك مثل المسلم الذي يهبه الله ولداً ليسلك به هداية ، ويعده لأن يكون عضواً يرتاح لسعادة قومه ، ويتألم لشقائهم ، فإذا هو يبعث به إلى مدارس أسست لمحاربه الدين الحنيف ، ولقتل العاطفة الإسلامية ، وهي المدارس التي تنشئها في بلادنا الجمعيات التي يقال لها : جمعيات التبشير .
إن الذي يقذف بولده بين جدران هذه المدارس ، لا تكون جريمته من جريمة أولئك الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق ببعيد.. ألم يقم الدليل إثر الدليل على أن القائمين بأمر التعليم يلقنون أبناء المسلمين معتقدات ديانة غير إسلامية ، ويحملونهم على تقاليدها ن ويتعرضون للطعن في شريعة الإسلام بطرق شأنها أن تؤثر على الأطفال ، ومن هم بمنزلة الأطفال في عدم معرفتهم بحقائق الدين معرفة تقيهم من شر ذلك الإغواء .
ليس الذي يزج بابنه في مدارس التبشير بالذي يقتل نفساً واحدة ، ولكنه يقتل خلقاً كثيراً ، ويجني بعد هذا على الأمة بأجمعها ، ولا أقول هذه مبالغة ، فقد يصير هذا الولد أستاذاً من بعد ويفسد على طائفة عظيمة من أبناء المسلمين أمر دينهم ، ووطنيتهم ، كما أفسد عليه أولئك القُسس أمر دينه وظنيته ، وقد أرتنا الليالي أن من المتخرجين من هذه المدرسة من يملك سلطة على قوم مسلمين ، فيجدون فيه الغلظة والمكر وعدم احترام الشريعة ؛ ما لا يجدونه في الناشئ على غير الإسلام ، وقد ينال الطالب في هذه المدارس علماً ، وليس هذا العلم في جانب ما يخسره من دينه وما يفوته من الإخلاص لأمته بالشيء الذي يثقل وزنه ، ولكنها الأهواء التي أخذت القلوب ، فتبعث الرجل على أن يأخذ أبنه ، وهو كالملاك طهراً وطيبه ، ويقوده إلى حيث يشهد ازدراء قومه والطعن في الحنيفية السمحة ، فلا يلبث أن ينقلب ذلك الطهر رجساً ، وذلك الطيب الطيب خبثاً ، وتكون العاقبة ما نسمعه عن كثير من المتخرجين من هذه المدارس ، وما نرى ) .
واجبات المعلم نحو تلاميذه :
1- أن يشفق على المتعلمين ويجريهم مجرى بنيه . قال صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا لكم مثل الوالد لولده أعلمكم .. " .
2- ألا يقصد بالتعليم جزاءاً ولا شكراً ، بل يقصد به وجه الله والتقرب إليه .
3- ألا يدع من نصح المتعلم شيئاًٍ ، بل ينتهز كل فرصة لنصحه وإرشاده .
4- أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ، ولا يصرح ، وبطريق الرحمة لا يطريق التوبيخ .
5- أن يراعي مستوى الأطفال من الناحية العقلية ، ويخاطبهم على قدر عقولهم ، ولا يلقي إليهم فوق مستوى إدراكهم حتى لا ينفروا من التعلم ويتخبطوا فيما لا يفهمون .
6- ألا يقبح في نفس المتعلم علوم غيره ، وينبغي أن يوسع على المتعلم طريق التعلم في غير علمه .
7- ينبغي أن يلقي إلىالمتعلم القاصر العلم الجلي اللائق به ، ولا يذكر له أن وراءه تدقيقاً وهو يدخره عنه حتى لا يفتر رغبته ويضطرب عقله .
8- أن يعمل المعلم بعلمه ، فلا يكذب قوله فعله . قال الله تعالى ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) ، ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) .
أن يعمل المعلم بعلمه ، فلا يكذب قوله فعله. قال الله تعالى ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) ، ( كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون ) .
( 102) ويعودهم صلى الله عليه وسلم على غض البصر وحفظ العورة :
عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع إلى منى ، فبينا هو يسير إذ عرض له أعرابي مردفاً ابنة له جميلة ، وكان يسايره ، قال : فكنت أنظر إليها ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلب وجهي عن وجهها ، ثم أعدت انظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثاً ، وأنا لا أنتهي ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة . وفي رواية لا بن خزيمة أن قال له صلى الله عليه وسلم : " ابن أخي ، إن هذا يوم من غض فيه بصره وحفظ فرجه ولسانه غفر له " .

102) ويعودهم صلى الله عليه وسلم على غض البصر وحفظ العورة :
عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع إلى منى ، فبينا هو يسير إذ عرض له أعرابي مردفاً ابنة له جميلة ، وكان يسايره ، قال : فكنت أنظر إليها ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلب وجهي عن وجهها ، ثم أعدت انظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثاً ، وأنا لا أنتهي ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة . وفي رواية لا بن خزيمة أن قال له صلى الله عليه وسلم : " ابن أخي ، إن هذا يوم من غض فيه بصره وحفظ فرجه ولسانه غفر له " .
( 103) ويأمر البنات صلى الله عليه وسلم بالحجاب والتستر إذا بلغن :
الله عز وجل أمر النساء والبنات بالحجاب ، فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونسآء المؤمنين يدنين علينهن من جلابيبهن ) [ الأحزاب : 59 ] الآية
وقد نفذ النبي صلى الله عليه وسلم أم الله تعالى على نسائه وبناته ونساء المؤمنين ،حتى صار أمر الحجاب معروفاً لدى كل صغيرة وكبيرة من المسلمات ، حتى تقول عائشة رضي الله عنها : تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست سنين ، ودخل علي وأنا بنت تسع سنين ، وكنت ألعب بالبنات ، وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه ، وفي لفظ : وعندي الجواري فإذا دخل خرجن ، وإذا خرج دخلن !!
فيا تاركي الحجاب ، معي هدية لمن أجاب ، لماذا كانت صديقات عائشة تختبئن وتستترن من النبي صلى الله عليه وسلم وهو الشريف العفيف ؟ إن قلتم حياء منه فما لكم لا تستحون ؟ وإن قلتم حجاباً منه فما لكم لا تعقلون ؟ وقد يخرج متفلسف علينا فجأة ، فيقول : هذه كانت عادات عند العرب ! فنقول له : إنها في سورة الأحزاب آية ، نسأل الله لك الهداية . ثم أقول أخيراً لتاركه الحجاب : أنظري إلى تلك البنت الصغيرة ، وإما أن تعطيها قبلة ؛ أو تأخذي منها صفعة ! تلك البنت هي أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب ، وكانت صغيرة ، فخطبها أمير المؤمنين عمر ، فقال أبوها : إنها صغيرة ، فقيل لعمر " إنما يريد بذلك منعها ، فكلمه عمر ، فقال علي : أبعث بها إليك ، فإن رضيت فهي أمرأتك . فبعث بها إليه ، فذهب عمر ، فكشف عن ساقها ، فقالت : أرسل ، فلولا أنك أمير المؤمنين لصككت عنقك ! سبحان الله ! لا يخافون في الله لومة لائم .
ولكن لم يفت عمر نفسه رضي الله عنه أن يلفت نظر المربين إلى أنه لا حرج من بروز البنت الصغيرة على الرجال أو دخولها عليهم عند أبيها في مجلسه لكي يؤخذ عنها فكرة عامة فلعلهم يخطبونها فيما بعد لأحد أبنائهم .
عن عمر بن الخطاب قال : أبرزوا الجارية التي لم تبلغ ، لعل بني عمها يرغبوا فيها .
وبالطبع ، هناك فرق شاسع بين مدلول كلام عمر رضي الله عنه وبين مفهوم التي تترك وجهها كاشفاً حتى بعد البلوغ لتعرض نفسها على من لم يصبه الدور ، ومن لم يحالفه الحظ ، لعله يجد فيها بغيته ، ولتكون يوماً وزجته ،والله المستعان
( 104) ويأمرهم صلى الله عليه وسلم بالزواج متى بلغوا وقدروا على تكاليفه :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباء فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " .
وقد اهديت عائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين ، وخطب عمر رضي الله عنه أم كلثوم بنت علي رضي الله عنه وهي جارية تلعب مع الجواري .
فالنبي صلوات الله وسلامه عليه ، يريد للشباب ألا ينحرف ، أو يضيع ونجرف ، ويكون فريسة سهلة للشياطين والمنحرفين ، فلذلك حثهم على الزواج لمن استطاع الباءة ، وهي تكاليف الزواج والقدرة عليه ، فإن في الزواج تحصين
وحفظ للفرج ، وإشباع للعين لكتون غاضة عن محارم الله وحرماته ، ونساء الناس وأعراضهم ، فيكون الزواج بذلك وجاء ؛ أي وقاية ومنعاً من الوقوع في الزلل .
وإذا كان الولد محتاجاً إلىالنكاح ، والأب أو من يقوم مقامه قادر على تزوجيه ؛ لزمه ذلك ، لمافيه من تحصينه وإعفافه عن الوقوع في الحرام .
قال ابن قدامة رحمه الله : ( ويلزم الرجل إعفاف ابنه ، إذا احتاج إلى النكاح ، وهذا ظاهر مذهب الشافعي .. )
وكذلك يجب أن يزوج ابنته التي بلغت سناً تحتاج فيه إلى الزواج لإعفافها . وأن يلتمس لها الزوج الصالح ، فلا فرق بين الأبن والبنت في وجوب إعفافهما .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " ثلاثة حق على الله عونهم ، ... وذكر منهم الناكح الذي يريد العفاف " .
(105) فإذا بلغوا علمهم صلى الله عليه وسلم الأمانة وتحمل المسؤوليات :
لا شك أن الطفل لن يظل طفلاً ، بل سيأتيه اليوم الذي فيه يبلغ ويصير مكلفاً مسؤولاً ، فإذا كان يعمل في مال أبيه فهو راع ومؤتمن ومسؤول أمام عز وجل يوم القيامة عن هذا المال ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال : " والرجل في مال أبيه راع ومسؤول عن رعيته ، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته " .
إذن فالولد أمين في مال أبيه ، والنبي صلى الله عليه وسلم يشدد على جانب الأمانة عند الصبي لتتأصل فيه .
(106) ويعاقبه صلى الله عليه وسلم إذا أخل بتلك المسؤولية :
عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : بعثتني أمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطف من عنب ، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه ، فلما جئت به أخذ بأذني ، وقال : " يا غدر" .
فالنبي صلى الله عليه وسلم يعالج الخطأ بدون إفراط ولا تفريط ، فلا هو بالشديد القاسي ، ولا بالمهمل المتناسي ، وهو لا يسكت على خطأ أبداً ولو كان من الطفل الصغير ، فالصغير ليس شافعاً للسكوت على الخطأ كما يفعل ويعتقد البعض ، ولا زلنا لم يغب عنا أخذه صلى الله عليه وسلم التمرة من فم الحسن ابن ابنته وهو صغير وقال له : " كخ ، كخ ، أما تعرف أنا لا نأكل الصدقة ؟" .
(107) ويستقرئ صلى الله عليه وسلم أفكار الشباب ليرى كيف يفكرون :
عن جابر رضي الله عنه قال : لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجراً البحر قال :" لما رجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر قال : " ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة ؟ " قال فتيه منهم " بلى يا رسول الله ، بينما نحن جلوس مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة ماء ، فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها ، فانكسرت قلتها ، فلما أرتفعت التفتت إليه وقالت : سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين ، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون ؛ فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غداً . قال : يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صدقت صدقت ، كيف يقدس الله أمه لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ؟ "
والمتأمل في هذا الحديث يعرف كيف يفكر شباب محمد صلى الله عليه وسلم وما الذي يشغل عقله وفكره ، وما هي الأعاجيب التي ترم على خياله ، إنها يشغل عقله وفكره ، وما هي الأعاجيب التي تمر على خياله ، إنها القيامة الكبرى ، إنها يوم الجمع والحشر ، يوم تتكلم الأيدي والأرجل بغدرات الناس وخياناتهم ، يوم يقتص رب الأولين والآخرين من الظلمة للمظلومين .
الآخر ؟ هل هي حضارة الغرب وتفسخه ، أم الإباحية التي يطلقونها بلا حدود ،والمتعة والشهوة التي يمارسونها بلا شروط ولا قيود ؟ نسأل الله السلام والعافية .
(108) ويثني عليهم صلى الله عليه وسلم عند نصحهم لتجد النصيحة عندهم موقعاً :
نبينا صلى الله عليه وسلم هو عالم النفس البشرية حقيقة ، وهوالخبير بترويضها ، على اختلاف اتجاهاتها ونوازعها ، يستخدم أحياناً المدح والثناء ، لتخفيز همة ، أو تحريك مشاعر ، فتتأهل النفس للاستجابة والتنفيذ راضية غير مكرهة ، راغبة غير راهبة . يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كنت غلاماً شاباً أعزب ، وكنت أنام في المسجد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت في النوم كأن ملكين لها قرنان ، وإذا فيها أناس قد عرفتهم ، فجعلت أقول : أعوذ بالله من النار ، قال : فلقينا ملك آخر ، فقال لي : لم ترع . فقصصتها على حفصه ، فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل " فكان بعد لا ينام من اليل إلا قليلاً . فثناء الني صلى الله عليه وسلم على عبدالله بن عمر كان حافزاً له على الليل بصفة دائمة .
يقول الغزالي : ( إذا ظهر من الصبي خلق جميل ، وفعل محمود فإنه ينبغي أن يكرم عليه ، ويجازى عليه بما يفرح به ، ويمدح أمام الناس لتشجيعه على الأخلاق الكريمة ، والأفعال الحميدة . وإذا حدث منه ما يخالف ذلك وسره الصبي واجتهد في إخفائه ؛ تغافل عنه المربي وتظاهر بأنه لا يعرف شيئاً عما فعل حتى لا يخجله ، فإن عاد ثانية إلى الخطأ عوتب سراً ، ، وبين له نتيجة خطئه ، وأرشد إلى الصواب ، وحذر من العودة إلى مثل هذا الخطأ ، خوفاً من أن يفتضح بين الناس .
اللهم علمنا الصواب ...
وأرشدنا إليه ، ولا تفضحنا بين خلقلك ، إنك على كل شيء قدير .
( 109) ويعد لهم صلى الله عليه وسلم عرضاً عسكريا للشجاعة والإقدام :
عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : تأيمت أمي ، وقدمت المدينة ، فخطبها الناس ، فقالت : لا أتزوج إلا برجل يكفل لي هذا اليتيم ، فتزوجها رجل من الأنصار ، قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض غلمان الأنصار في كل عام ، فيلحق من أدرك منهم ، قال فعرضت عاماً فاحلق غلاماً وردني ، فقلت : يارسول الله ، لقد ألحقته ورددتني ، ولم صارعته لصرعته ، قال : " فصارعه " فصارعته ، فالحقني .
ولا شك أن إعداد النبي صلى الله عليه وسلم لهذا العرض لقبول المجاهدين فيه تشويق للمشاركة ، وحرص على القبول ، وأسى وأسف إذا لم يلتحق الصبيان بالمجاهدهين ، وبذلك يشارك الشباب في الجهاد في رغبة وحرص ، فيبذل روحه سهلة رخيصة في سبيل كلمات هذا الدين وهكذا كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم .
( 110 ) ويشاهد صلى الله عليه وسلم المصارغة بين الفتيات :
رأينا في الحديث السابق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد المصارعة بين أثنين من فيتان المسلمين من أيناء الأنصار ، كل منهما يريد بهذه المصارعة أن تكون مؤهلاً له للقبول كجندي في الجيش المسلم الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفرى ، وما أرادا بهذه المصارعة شهرة أو أجرة ، ولا كمال أجسام والبطل الهمام ، لكن لنصر دين الملك العلام ، وما أراد النبي صلى الله عليه وسلم بإجراء هذا المصارعات تنزها وتفكهاً واستعراض العضلات بنشر العورات ؛ وإنما أراد بذلك تشجيع الكفاءات ومعرفة القدرات ، والإعداد للجهاد وليس ترك الجهاد ، كما تركه أبطال الزمن الآخر .
وثمة أمر آخر هام، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليشهد تلك المصارعة بصحبه معصية ؛ كإبراز الأفخاز والعورات ، بل كان يمنع ذلك تماماً ، فهو القائل صلى الله عليه وسلم : " إذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته ، فإن ما أسفل من سرته إلى ركبته من عورته . وهوالقائل صلى الله عليه وسلم " غط فخذك فإنها من العورة . فما بال كثير من المسلمين وأبنائهم ، والمربين وعيالهم عكفوا على حلقات المصارعة بالتلفاز وغيره وعورات البغال فيها مكشوفة ، بل عوراتهم المغلظة مجسمة من السراويل الضيقة جداً ، وأنباء المسلمين وبناتهم ينظرون ويشاهدون غير مبالين ولا مهتمين بتحذيرات الرسول الأمين ؟ !
حتى ضاع الحياء ، وألفت المعصية فلم يعد يستنكرها أحد ، بل النكير على من أنكر ، إلا من رحم الله عز وجل .
(111) ويجهزهم صلى الله عليه وسلم للغزو في سبيل الله :
عن أنس بين مالك رضي الله عنه أن فتى من أسلم قال : يا رسول الله ، إني أريد الغزو وليس معي ما أتجهز ، قال : " أنت فلاناً فإنه قد كان تجهز فموض " ، فأتاه فقال : إن الله يقرئك السلام ، ويقول : أعطني الذي تجهزت به ، فقال : يا فلانة ، أعطيه الذي تجهزت به ولا تجسي عنه شيئاً ، فوالله لاتجسي منه شيئاً فيبارك لنا فيه
أرأيت أخي المربي هذا التفاعل العجيب والترابط المهيب بين أعضاء الأمة المسلمة ! إنهم تربوا على توجيهات نبيهم : من كان عنده فضل ظهر فليعد به علىمن لا ظهر له ، ومن جهز غازياً غزا.
النساء يفرحن باستشهاد ابنائهن
فها هي أم سعيد بن معاذ وقا فقدت ابنها عمرو في غزوة أحد مع قتلى آخرين ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أم سعد أبشري وبشري أهلهم أن قتلاهم ترافقوا في الجنة جميعاً ، وقد شفعوا في أهلهم جيمعاً " قالت : رضينا يارسول الله ، ومن يبكي عليهم بعد هذا ؟ ! .
وكذلك أم حارثة بن الربيع رضي الله عنهما ؛ يقول أنس رضي الله عنه أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وكان حارثة ابنها قتل يوم بدر ، أصابه سهم غرب ، فقالت : يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة ؟ فإن كان الجنة صبرت ، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في الكباء فقال صلى الله عليه وسلم : " يا أم حارثة ، إنها جنان في الجنة " وإن أبنك أصاب الفردوس الأعلى " . قال قتادة : والفردوس ربوة الجنة وأوسطها وأفضلها .
وأيضاً الخنساء بنت عمرو السلمية رضي الله عنها ، حضرت حرب القادسة ضد الفرس ، ومعها بنوها الأربعة ، تعظهم وتحرضهم على القتال وعدم الفرار وتقول لهم " " إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، وإنكم لابن أب واحد وأم واحدة ، ما حبت آباؤكم ، ولا فضحت أخوالكم " فلما أصبحوا باشروا القتال واحداً بعد واحد حتى قتلوا جميعاً فبلغها الخبر ، فقالت قولتها المشهروة : " الحمد لله الذي شرفني بقتلهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته " .
( 112) ولا يرحمهم صلى الله عليه وسلم من نيل الشهادة في سبيل الله :
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : رأيت أخي عمير بن ابي وقاص قبل أن يعرضنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يتوارى ، فقلت : ما لك يا أخي ؟ قال : إني أخاف أن يراني رسول الله صلى الله عليه وسلم فيردني وأنا أحب الخروج لعل الله يرزقني الشهادة ، قال : فعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرده لصغره فبكى فأجازه عليه الصلاة والسلام ، فكان سعد رضي الله عنه يقول : فكنت أعقد حمائل .
سيفه من صغره ، فقاتل وهو ابن ست عشر سنة رضي الله عنه .
ولما خرج المسلمون إلى أحد للقاء المشركين ، استعرض النبي الجيش فرأى فيه صغاراً حشروا أنفسهم مع الرجال ليكونوا مع المجاهدين لإعلاء كلمات اله ، فأشفق عليهم صلى الله عليه وسلم ورد من استصغر منهم ، وكان فيمن ردهم عليه الصلاة ولاسلام رافع بن خديج ، وسمرت بن جندب ، ثم أجازه لما قيل له : إنه رام يحسن الرماية ، فبكى سمرة وقال لزوج أمه : أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم رافعاً وردني ، مع أني أصرعه ، فبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر فأمرهما بالمصارعة ، فكان الغالب سمرة فأجازه عليه الصلاة والسلام .
عمير بن أبي وقاص يتوارى ويختبئ من النبي صلى الله عليه وسلم ويهرب ليدخل الجيش ، فكيف لو سمع بأن بعض الناس يختبئ ويهرب من الجيش ؟ ! .
( 113) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم لغة عدوهم :
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم له كلمات من كتاب يهود قال : " إني والله ما آمن يهود على كتابي " قال : فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته له ، قال : فلما تعلمته ؛ كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم ، وإذا كتبوا إليه قرأت كتابهم .
وفي لقظ : قال زيد : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تحسن السريانية ؟ إنها تأتيني كتب ، قال : قلت : لا ، قال : " فتعلمها " فتعلمتها في سبعة عشر يوما ً .
إن طالب الجامعة الآن . كم يقضي من السنين حتى يتخرج متخصصاً في أي لغة من اللغات الأجنبية ؟ ليحصل على ما يسمى بالليسانس أو البكالوريوس ؟ 16 سنة .
وفي جامعة الإسلام الأولى ، جامعة سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم ؛ في كم من الزمن حصل زيد بن ثابت على التخصص في السريانية ؟ 16 يوماً بتقدير امتياز ، في مقابل 16 سنة لطالب يبدأ من الابتدائية وينتهي بالجامعة !! أراينا كم يتفق من الوقت في عمر الأمم ؟ إنها بركة هذا الدين والتوجه بالعمل إلى الله عزوجل .
(114) ويهتم صلى الله عليه وسلم بتعليمهم كتابه اللغة العربية :
لقد اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم أبناء الصحابة الكتابة والغة ، لغة القرآن والحديث ، فكلما تمكن الشاب من اللغة سهل عليه الولوج في كافة العلوم الشرعية ، فلذلك كان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بها أن يفدي الأسير من أسرى بدر مقابل تعليمه عشرة صبيان من أبناء الصحابة اللغة والكتابة . قال ابن سعد : ( أسر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين أسيراً ، وكان يفادي بهم على قدر أموالهم ، وكان أهل مكة يكتبون ، ، وأهل المدينة لا يكتبون ، فمن لم يكون عنده فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة يعلمهم ، فإذا حذقوا فهو فداؤه ) . وقال : ويلغ فداء أهل بدب يومئذ 4000 فمادون ذلك حتى إن كان الرجل يحسن الخط ففودي على أن يعلم الخط .
( وكانت العرب تعظم قدر الخط، وتعده من أجل نافع .. لما هو مستقر في نفوسهم من عظم خطره وجلاله قدره ، وظهور نفعه وأثره . وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ( أقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * ) [ العلق " 3 ، 4 ] . فوصف نفسه بأنه علم بالقلم ، كما وصف نفسه بالكرم ، وعد ذلك من نعمة العظام ، ومن آياته الجسام ، حتى أقسم به كتاب ، فقال سبحانه وتعالى ( ن والقلم وما يسطرون) [ القلم : 1 ، 2 ]
فأقسم بالقلم ، كما أقسم بما يخط بالقلم ) .
قال ابن الأثير رحمه الله في النهاية : " وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه : " لا تمشين أمام أبيك ، ولا تجلس قبله ، ولا تدعه باسمه ، ولا تستسب له " أي لا تعرضه للسب وتجره إليه ، بأن تسب أبا غيرك فيسب أباك مجازاة لك ، وقد جاء مفسراً في الحديث الآخر : " إن من أكبر الكبائر أن يسب الرجل والديه " ، قيل : وكيف يسب والديه ؟ قال : " يسب أبا الرجل فيسب أباه وأمه " ) . اه .
وأورد الإمام النووي هذا الحديث في كتابه الأذكار وفسر قول النبي صلى الله عليه وسلم : " ولا تستسب له " ، قال : لا تفعل فعلاً يتعرض فيه لأن يسبك أبوك لكل وتأديباً على فعلك القبيح ، والولد البار يسر أهله ، ويدخل البهجة في نفوسهم ، فتبستم لهم الحياة ، ويستحق الولد أن يكون قرة عين أهله ، فهو بهم بار ، وله أجر البر وعظيم ثوابه .
عن ابن عباس رضي الله عنه : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إن لي مالاً وولداً ، وإن والدي يحتاج مالي ، قال : " أنت ومالك لوالدك ، وإن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من كسب أوادكم .
بل إن الأب لو أعطى لابنه شيئاً ثم أراد أن يرجع في عطيته فله ذلك ولا جناح عليه ، بعكس ما لو أعطاها لأحد من غير أبنائه فلا يجوز له الرجوع فيها أعطي ، لما رواه ابن عمر وابن عباس يرفعان قال : " لا يحل للرجل أن يعطي عطية ، ثم يرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ، ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم عاد في قيئه " . قال الترمذي : قال الشافعي : لا يحل لمن وهب هبة أن يرجع فيها ، إلا الوالد فله أن يرجع فيها أعطى ولده واحتج بهذا الحديث .
( 117) ويودع الحجاج منهم بالدعاء ، ماشياً معهم بعض الطريق :
أيضاً من اهتمامات النبي صلى الله عليه وسلم بأداء الصبيان فريضة الحج ومشاركتهم فيها ما رواه ابن عمر رضي الله عنه قال : جاء غلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم : إني أريد الحج ، فمشى معه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " يا غلام ، زودك الله التقوى ، ووجهك في الخير ، وكفاك الهم " ، فلما رجع الغلام على النبي صلى الله عليه وسلم : صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان الروحاء لقي قوماً فقال : " من أنتم ؟ " قالوا : المسلمون ، قالوا : من أنتم ؟ قال : " رسول الله " . فأخرجت امرأة صبياً من المحقة فقال : الهذا حج ؟ قال : " نعم ولك اجر "
(118) ويربطهم صلى الله عليه وسلم بالله تعالى عند الشدائد وغيرها :
قال السدي وزغم أن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له عوف بن مالك رضي الله عنه ، كان له ابن ، وأن المشركين اسروه فكان فيهم ،وكان أبوه يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشكو إليه مكان ابنه وحاله التي هو بها وحاجته ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بالصبر ويقول له : " إن الله سيجعل لك فرجاً " فلم يلبث بعد أغنام إلا يسيراً أن أنفلت ابنه من أيدي العدو فمر بغنم من أغنام العدو ، فاستاقها فجاء بها إلى أبيه ، وجاء معه بغني قد أصابه من الغنم فنزلت هذه الآية " ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) [ الطلاق : 2] . وفي رواية أبن أبي حاتم : قال محمد بن إسحاق : جاء مالك الاشجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : أسر ابني عوف ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أرسل إليه أن رسول الله يأمر أن تكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله ) . وكانوا قد شدوه بالقد فسقط القد عنه فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها ، وأقبل فإذا هو يسرح القوم الذين كانوا قد شدوه فصاح بها فاتبع أولها آخرها ، فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب ، فقال أبوه : عوف ورب الكعبة . فقالت أمه : وأسواتاه ، وعوف كيف يقدم ؟ لما هو فيه من القد ، فاستبقا الباب والخادم ، فإذا عوف قد ملأ الفناء إبلا ، فقص على أبيه أمره وأمر الإبل ، فقال أبوه : قفا حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله عنها ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبر عوف وخبر الإبل ، وفقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبر عوف وخبر الإبل ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أصنع بها ما أحببت وما كنت صانعاً بمالك " ونزل : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً * ويرزقه من حيث لا يحتسب ).
السلف يرسخون العقيدة الصحيحة عند الأبناء .
عن عبدالواحد بن سليم قال : قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح ، فقلت له : يا أبا محمد ، إن أه البصرة يقولون في القدر ، قال : يا بني أتقرأ القرآن ؟ قلت : نعم ، قال : فاقرأ الزخرف ، قال : فقرأت ( حم * والكتب المبين * إنا جعلنه قرءناً عربيا لعلكم تعقلون * وإنه في أم الكتب لدينا لعلي حكم *) [ الزخرف : 1 4 ] فقال : أتدري ما أم الكتاب ؟ قلت : الله ورسوله أعلم ، قال: فإنه كتاب كتبه الله قبل أن يخلق السماوات وقبل أن يخلق الأرض ، فيه أن فرعون من أهل النار ، وفيه : ( تبت يدا أبي لهب وتب *) . قال عطاء : فلقيت الوليد بن عبادة بن الصامت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألته : ما كان وصية أبيك عند الموت ؟ قال : دعاني أبي فقال لي : يا بني ، أتق الله ، وأعلم أ،ك لن تتقي الله حتى تؤمن بالله وتؤمن بالقدر كله خيره وشره ، فإن مت على غير هذا دخلت النار ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن أول ما خلق الله القلم ، فقال : " أكتب " فقال : ما أكتب ؟ قال : " أكتب القدر ، ما كان وما هو كائن إلى الأبد " . وفي رواية أن عبادة بن الصامت قال لابنه : ( يأبني ، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك . )
وقد سبق أن زين العابدين بن الحسين بن علي قال : كنا نعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السور من القرآن .
وهذه قصة لطيفة لسهل بن عبد الله التستري قال : كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم الله ، فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار ، فقال لي يوماً : ألا تذكر الله الذي خلقك ؟ فقلت : كيف أذكره ؟ فقال : قل بقلبك عند تقلبك بثيابك ؛ ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك : الله معي ؛ الله ناظري، الله شاهدي ، فقلت ذلك ليالي ثم أعلمته فقال : قل في كل ليلة سبع مرات ، فقلت ذلك ثم أعلمته فقال : قل ذلك في كل ليلة إحدى عشرة مرة ، فقلته ، فوقع في قلبي حلاوته ، فلما كان بعد سنة ، قال لي خالي : احفظ ما علمتك ودم عليه إلىذلك سنين ، فوجدت لذلك حلاوة في سري ، ثم قال لي خالي يوماً : يا سهل ، من كان الله معه وناظراً إليه وشاهده ؛ أيعصيه ؟ إياك والمعصية ، فكنت أخلو بنفسي ، فبعثوا بي إلىالمكتب ، فقلت : إني لا خشى أن يتفرق علي همي ، ولكن شارطوا المعلم أني أذهب إليه ساعة ، فأتعلم ثم أرجع ، فمضيت إلى الكتاب ، فتعمت القرآن وحفظته ، وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين ، وكنت أصول الدهر وقوتي من خبز الشعير .
وكل هذا لاشك كان ببركة الذكر والمراقبة لله جل وعلا .
السلف يهتمون بتعليم أبنائهم الآداب والمشاركة في الأعمال
السلف جيلاً عن جيل يهتمون بنقل الفوائد التربوية ، والتوجيهات الإسلامية ، فهذا ابن سيرين رحمه الله يقول : جلس إلينا رجل ونحن غلمان فقال : كتب إلينا عمر بن الخطاب زمن كذا : " إن اتزروا ، وارتدوا واتعلوا وقابلوا النعال ، وعليكم بعيش معد وذروا التنعيم وزي الأعاجم . قد سبق شرح الألفاظ الغربية .
ومن المشاركة في الأعمال تعويد الطفل أن يجهز الطعام بنفسه ، وهذا يعطيه الثقة بنفسه ، فيتعود الأعتماد على النفس ، وألا يكون عالة وثقلاً ، أو عبئاً وحملاً ، وهذا أنس رضي الله عنه يعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، يقول أنس : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك في السحر : "يا أنس ، إني أريد الصيام فأطعمني شيئاً " قال : فجئته بتمر وإناء فيه ماء بعدما أذن بلال ، فقال : " يا أنس ، أنظر إنساناً يأكل معي " قال : فدعوت زيد بن ثابت فقال : يا رسول الله ، إني شربت شربة سويق وأنا أريد الصيام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأنا أريد الصيام : " وأنا أريد الصيام " فتسحر معه ، وصلى ركتين ثم خرج فأقيمت الصلاة .
وفي هذا تعويد للصبي أنس على تحم المسؤولية وإعداد مائدة الطعام لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
(119) ويوكل إليهم صلى الله عليه وسلم المهام العظيمة :
إن الطفل إذا ربي تربيه صحيحة سليمة ، على القواعد الشرعية الحكمية ؛ فلا شك أنه يمكن في سن مبكر الاستفادة من ذلك الطفل ، وتكليفه بالمهام العظيمة ، والمسؤوليات الجسيمة ، وبالتالي يكونعنصراً فعالاً في الأمة ، بل من الشباب من يجعل الله سبحانه وتعالى من جهودهم وعقولهم ورجولتهم نقطة تحول في حياة الأمم على صغر سنهم . وما موقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليلة أن بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة ؛ متحملاً مواجهة أقوى رجالات قريش ؛ تلك المواجهة التي كان متوقعاً أن يكون من أول نتائجها ؛ قلت علي رضي الله عنه ، ذلك الشاب الذي كان في مقتبل عمره وريعان شبابه ، فقد كان عمره آنئذ ثماني عشرة سنة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نم على فراشي ، وتسج ببردي هذا الحضرمي الأخضر ، فنم فيه ، فإنه لمن يخلص إليك شيء تكرهه منهم " ، حتى إذا خرج النبي صلى الله عليه وسلم وهم لا يشعرون ، تطلعوا من صير الباب فرأوا علياً ، فقالوا : والله إن هذا لمحمد نائماً ، عليه برده ، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا . وقام علي عن الفراش ، فسقط في أيديهم ، وسألوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " لا علم لي به " .
ما الذي جعل عليا رضي الله عنه يتحمل تلك المخاطرة والمراهنة على حياته ؟ إنها التربية الإسلامية الصحيحة ، التي جعلته يفدي النبي صلى الله عليه وسلم يروحه ، فنجاه الله كما نجا نبيه صلى الله عليه وسلم . كم من الشباب مثل علي ؟ !
وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنه ، استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على جيش لغزو الشام وفي الجيش عمر والكبار فلم يسر حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فبادر الصديق رضي الله عنه ببعثهم .
قال الذهبي : لما أمره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الجيش كان عمره ثماني عشرة سنة .
فانظر يا حبيبي إلى أسامة ، ذلك الشاب الصغير الذي جعله النبي صلى الله عليه وسلم أميراً على جيش فيه كبار الصحابة وفيهم عمر بن الخطاب ، حتى أن عمر نفسه كان لا يلقي إسامة قط إلا قال : السلام عليك أيها الأمير ورحمة الله ! توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت علي أمير .
وهل يقول أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم جامل أسامة حين وله على ذلك الجيش ؟ إن قيادة الجيش ليست مجامة ، لأن المحاربين عادة يستهدفون القادة بالقتل أو شيء . فهل تصح المجاملة هنا ؟ كلا والله ما يجامل النبي صلى الله عليه وسلم أحداً على حساب مصلحة كائناً من كان ، وهو الذي رد أسامة عينه يوم جاء يشفع في امرأة من اشراف قريش سارقة ، فقال له : " أتشفع في حد من حدود الله؟ " ثم قام فخطب قال : " يا أيها الناس ، إنما ض من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه ، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد ، وأيم الله ، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت ؛ لقطع محمد يدها " .
لم يبق إلا أن نقول إنها الثمرة المباركة للتربية النبوية المباركة ، والعناية والرعاية للنشء على الأسس والقواعد الشرعية التي سقى شجرتها الإسلام الحنيف .
( 120 ) وبالحكمة يقودهم صلى الله عليه وسلم إلى الطاعة والمعروف :
الحوار الهادئ يطمئن الصبي ، فتنتبه حواسه ، فيستمع وينصت ويفكر ، فيفهم ويدرك ، ويقبل ويترك ، ويصل إلى ما لم يكن ليصل إليه بغير الهدوء في الحوار. وهذا ما حدث بين النبي صلى الله عليه وسلم وأحد الصبيان ، فظهر أثر الحوار الهادئ على الفور .
عن أبي أمامة رضي الله عنه : أن فتى من قريش أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أئذن لي بالزنا ، فأقبل القوم عليه فزجروه ، قالوا : مه .. مه ، فقال : " أدنه " ، فدنا من النبي صلى الله عليه وسلم قريباً ، قال : فجلس ، قال صلى الله عليه وسلم : " أتحبه لامك ؟ " قال : لا والله ، جعلني الله فداءك . قال : " لا والله ، جعلني الله فداءك . قال : " ولا الناس يحبونه لأمهاتهم " قال : " أفتحبه لابنتك ؟ " قال : لا والله ، جعلني الله فداءك. قال : " ولا الناس يحبونه لبناتهم " قال :" أفتحبه لأختك ؟ " قال : لا والله ، جعلني الله فداءك . قال : " ولا والله جعلني الله فداءك . قال : " ولا الناس يحبونه لخالاتهم " . قال : فوضع الرسول صلى الله عليه وسلم يده عليه وقال : " اللهم أغفر ذنبه ، وطهر قلبه ، وحصن فرجه " . فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء .
صلى الله تعالى على نبينا ، ما وجدنا معلماً ألين ولا أعظم ولا أحسن تعليماً منه .
إنها الحكمة والمحمدية ( ويعلمهم الكبت والحكمة ) ،
وإنه الرفق الذي ما دخل شيئاً إلا .انه ، وأخرج منه أدرانه .

الرسول والأطفال

إذا نظرنا للنبى صلى الله عليه و سلم فى طريقة تربيته لأولاده صلى الله عليه و سلم لرأينا العجب العجاب!!!!
كيف أستطاع النبى عليه الصلاة و السلام أن يبث العقيده فى قلوب أبنائه و هم صغار حتى ترجمت هذه العقيدة نموذجاً حياً فى شخصيتهم منذ الصغر؟؟؟

فهذة هى السيدة فاطمة أبنة النبى عليه الصلاة و السلام و كانت صغيرة , حينما آذى المشركون رسول الله صلى الله عليه و سلم و وضعوا على ظهره و هوساجد أمعاء البعير , ما أستطاع أحد من الناس أن يزيل هذة الأمعاء أو يرفعها عن النبى صلى الله عليه و سلم , فأتت فاطمة و هى صغيرة رضى الله عنها و رفعت هذا الأذى عن أبيها ثم قالت " أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله " .
هل يستطيع ولد من أولادنا أو بنت من بناتنا إذا كانوا فى هذا السن الصغير أن يتكلموا بمثل هذة الكلمة....
بل و أنظر إلى الجرئة كيف تستطيع أن تقف عند الكعبة و تخاطب أقوام غلاظ القلوب عندهم من القسوة ما بلغوا , و كانت البنت فى الجزيرة العربية تخشى مواقع الرجال , إلا أن الموقف شديد , فانطلقت بلا أدنى خوف و بلا أرتياب تقول " أتقتلون رجلاً أن يقول ربى الله "

فهل نستطيع أن نربى أبناءنا هذة التربية التى رباها النبى صلى الله عليه و سلم لأبنائه؟؟؟

فالنبى عليه الصلاة و السلام لم يكن يعامل أبنائه كما يفهم بعض الناس فى منهج التربية و التطبيق بالغلظة و الجفاء........... أبداً !!

** فانظر إلى النبى صلى الله عليه و سلم مع فاطمة:
كان النبى صلى الله عليه و سلم يرفع فاطمه رضى الله عنها و هى صغيرة إلى السماء ثم ينزلها إلى يده , ثم بفعل ذلك مرة أخرى ثم مرة أخرى , ثم يقول " ريحانة أشمُها و رِزقُها على ربها "
النبى صلى الله عليه وسلم هذا القدر و هذة المكانة و رغم أنشغاله الشديد يصنع ذلك مع أبنته رضى الله عنها و أرضَاها !!!
فانظر كيف كان النبى يربى أبنائه و هم صغار

فهذا هو رسولنا !
** وأنظر إلى النبى صلى الله عليه و سلم مع الحسن و الحسين :
فحينما كان الحسن و الحسين يلعبان فى بيت النبى عليه الصلاة و السلام كان النبى صلى الله عليه و سلم يُخرج لهما طرف لسانه ثم يدخله و يخرجه لهم ثم يدخله , فيأتى الحسن و الحسين بأفواههم الصغيرة فيُريدان أن يلتقما لسان النبى صلى الله عليه و سلم فيدخله النبى إلى فمه و يغلق أسنانه , فيضحكون , ثم يعود النبى فيخرج لهم طرف لسانه و هكذا ......., يداعبهم و يلاعبهم .
فهل يستطيع أحد منا أن يتفهم كيف كان يصنع النبى صلى الله عليه و سلم ؟؟؟
فالنبى صلى الله عليه و سلم كان رحمة مع أولاده و للعالمين

** وأنظر إليه عليه الصلاة و السلام مع إحدى بناته :
حيث كانت إحدى بنات النبى صلي الله عليه و سلم أبنها يحتضر و كان مع النبى وفود من العرب يدعوهم إلى الإسلام فأرسلت إليه " أبنتك تريدك " فانتظر النبى , فأرسلت مرة أخرى قالت " أقسم عليك يا أبت أن تأتنا " فقام النبى و ترك المجلس تلبية لرغبة أبنته,,,,,,, صلى الله على سيدنا محمد.

**وأنظر إليه عليه الصلاة و السلام معأبنته زينب :
حيث كانت زينب فى مكة و لم تستطع الهجرة لما هاجر النبى عليه الصلاة و السلام , و أحبت أن تهاجر معه لكن منعها أهل مكة لأنها كانت متزوجة برجل من قريش منعها من الهجرة مع رسول الله صلى الله عليه و سلم , ثم أُسر زوجها فى غزوة بدر , فأرسلت السيدة زينب عقد كان لأمها خديجة فعرفه النبى عليه الصلاة و السلام فلما رأه بكى و قال " هذا عقد خديجة رضى الله عنها " و أسأذن الصحابة أن يفكوا أسر زوج أبنته عليه الصلاة و السلام وأن يعيدوا إليها عقدها.
كان النبى صلى الله عليه و سلم يحب أبنائه
و كان يحسن معاملتهم رضى الله عنهم
و
حتى أن الأئمة رضى الله عنهم يحكوا لنا أمثلة عديدة و عجيبة من تصرفات النبى منها** أن النبى صلى الله عليه و سلم كان يوماً يخطب فوق المنبر يوم الجمعة و فى المسجد عدة ألاف من المسلمين رجالاً و غلماناً و نساءَ , فإذا بالحسن و الحسين يخرجان من حجرة من حجرات النبى فيتعثران فى أثواب لهما كبيرة عليهما , فيرى النبى هذا المنظر , فإذا به ينزل من على المنبر فيحتضنهما بين يديه صلى الله عليه وسلم و يصعد بهما المنبر , ثم يقول للناس " و الله ما أحسست إلا حينما حملتهما "
**و هذا موقف أخر له عليه الصلاة و السلام :
كان النبى عليه الصلاة و السلام يصلى بالناس يوماً فأتت أمامة أبنة أبنته و زحفت حتى و صلت إلى مكان صلاة النبى , فماذا يفعل رسول الله؟؟ , هل يتركها تبكى؟؟
هل يتركها و يكمل صلاته؟؟ , لا بل حملهل بين يديه!! حملها بين يديه وهو فى الصلاة إذا ركع و ضعها و إذا سجد و ضعها و إذا قام حملها بين يديه صلى الله عليه و سلم.
أىُ حنان أنت يا رسول الله
أى حب أنت يا رسول الله

** ووصل هذا الحنان إلى أن النبى عليه الصلاة و السلام كان يركب أحفاده الحسنو الحسين على ظهره , فدخل رجلاً فقال " يا رسول الله نعم الدابة أنت " فقال الرسول " و نعم الفارسان ولدىَّ هذان "
من يفعل ذلك؟؟
أنها النبوة , النبوة الصادقة
من سيد البشر صلى الله عليه و سلم
** ولما دخل رجل من أجلاف العرب و أصحاب الغلظة فى القلوب على النبى صلى الله عليه و سلم و هو يلاعب أحفاده و أبنائه الصغار , " أتلاعبون أبنائكم إن لى عشرة من الولد ما لعبت واحدٍ مننهم " فقال السول صلى الله عليه و سلم " أو أملك لك إن كان الله قد نزع الرحمة من قلبك "

و لقد كان النبى صلى الله عليه و سلم يربى أبنائه على العقيدة الصحيحة و حسن الخلق وعلى الدرجات العالية و على السمو الأخلاقى

** فها هو يدخل يوماً صلى الله عليه و سلم على حفيده الحسن أبن علي أبن السيدة فاطمة رضى الله عنها فيجد فى فمه تمرة , فيخلعها النبى عليه الصلاة و السلام من فمه , و يقول " إنها من الصدقة لا تحل لأل محمد ".
لا يفهم هذا الصغير , كان بإستطاعة النبى أن يأتى بنمرة أخرى مما أشتراه من ماله أو مما أهدى له صلى الله عليه و سلم و يضعها بدلاًمن هذة التمرة .
و لكن لماذا لم يفعل الرسول هذا؟؟
لأنه يربيه و يخرجه على حسن الفهم لهذا الدين
فصلى الله على سيدنا محمد و على أله و صحبه أجمعين

من وصايا لقمان في تربية الولدان

تعريف بلقمان :
لقمان رجل آتاه الله الحكمة ، كما قال جل شأنه : ( ولدق آتينا لقمان الحكمة ) [ لقمان : 12 ] منها العلم والديانة والإصابة في القول ، وحكمة كثيرة مأثورة ، كان يفتي قبل بعثه داود عليه السلام ، وأدرك بعثته وأخذ عنه العلم وترك الفتيا ، وقال في ذلك : ألا أكتفي إذا كفيت ؟ . وقيل له : أي الناس شر ؟ قال : الذي لا يبالي إن رآه الناس مسيئا . وقال مجاهد : كان لقمان الحكيم عبداً حبشياً غليظ الشفتين مشتق القدمين ، أتاه رجل وهو في مجلس ناس يحدثهم فقال له : ألست الذي كنت ترعى الغنم في مكان كذا وكذا ؟ قال : نعم ، قال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث، والصمت عما لايعنيني .
وعن خالد الربعي قال : كان لقمان عبداً حبشياً نجاراً فقال له مولاه : أذبح لنا هذا الشاة فذبحها ، قال : أخرج أطيب مضغتين فيها ، فأخرج اللسان والقلب ، ثم مكث ما شاء الله ثم قال : أذبح لنا هذه الشاة ، فذبحها ، قال : أخرج أخبث مضغتين فيها ، فأخرج اللسان والقلب ، فقال مولاه : أمرتك أن تخرج أطيب مضغتين فيها فأخرجتهما ، وأمرتك أن تخرج أخبث مضعتين فيها فأخرجتهما . فقال لقمان : إنه ليس شيء أطيب منهما إذا طابا ، ولا أخبث منهما إذا خبثا .
وقال القرطبي : قيل أنه أبن أخت أيوب وابن خالته ، رأي رجلاً ينظر إليه فقال : إن كنت تراني غليظ الشفتين فإنه يخرج من بينهما كلام رقيق ، وإنكنت تراني أسود فقلبي أبيض .
والآنل مع وصايا لقمان
الوصية الأولى : ( وإذ قال لقمن لابنه وهو يعظه يابني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان : 13]
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها : يوصي ولده الذي هو أشفق الناس عليه ، وأحبهم إليه ، فهو حقيق أن يمنحه أفضل ما يعرف . ولهذا أوصاه أولاً بأن يعبد اله وحده ولا يشرك به شيئاً ، ثم قال له محذراً : ( إن الشرك لظلم عظيم أي هذا أعظم الظلم ، قال البخاري : عن عبد الله رضي الله عنه قال : لما نزلت ( الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) قلنا : يا رسول الله ، أينا لا يظلم نفسه ؟ قال : " ليس كما تقولون " ، (ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ) بشرك ، أولم تسمعوا قول لقمان لابنه : ( يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ) .
فالشرك هنا عبرعته بالظلم ، ويلبسون إيمانهم بظلم ؛ أي لم يخلطوا إيمانهم بشرك . ثم قرن بوصيته إياه بعبادة الله وحده ؛ البر بالوالدين ، كما قال تعالى " ( وقضى ربك ألاتعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسناً ) [ الإسراء " 23 ] . وكثير ما قرن الله تعالى بين ذلك في القرآن الكريم .
الوصية الثاني : ( يابني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأتي بها الله إن الله لطيف خبر ) [ قمان : 16] .
قال ابن كثير : ولو كانت تلك الذرة محصنة محجبة في داخل صخرة صماء أو غائبة ذاهبة في أرجاء السماوات والأرض فإن الله يأتي بها ، لأنه لا تخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ، ولهذا قال ( إن الله لطيف خبير ) ، أي لطيف العلم فلا تخفى عليه الأشياء وإن دقت ولطفت ، ( خبير ) بدبيب النمل في الليل البهيم .
وقال القرطبي : روي أن ابن لقمان سأل أباه عن الحبة التي تقع في سفل البحر أيعلمها الله ؟ فراجعه لقمان بهذه الآية : ( يابني إنها إن تك مثقال . ) الآية .
الوصية الثالثة : لا زال لقمان يوجه ولده فيقول : ( يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور ) [ لقمان 17 ] .
قال ابن كثير : أقم الصلاة ، أي يحدودها وفروضها وأوقاتها ، وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر بحسب طاقتك وجهك ، وأصبر على ما أصابك ، لأن الأمر بالمعروف والناهي عن المنكر لا بد أن ينال من الناس أذى ، فأمره بالصبر. وقوله : ( إن ذلك لمن عزم الأمور ) أي الصبر على أذى الناس من عزم الامور.
وقيل : أمره بالصبر على شدائد الدنيا كالأمراض وغيرها وألا يخرج من الجزع إلى معصية الله عز وجل وهذا قول حسن لأنه يعم والظاهر والله أعم أن قوله تعالى : ( إن ذلك ) يشير إلى إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والصبر علىالأذى والبلاء وكلها من عزم الأمور.
والوصية الرابع : ( ولا تصعر خدك للناس ولاتمش في الأرض مرحاً إن اله لا يحب كل مختال فخور ) [ لقمان : 18]
الصعر : الميل ، وأصله داء يأخذ الإبل في اعناقها أو رؤوسها حتى تفلت أعناقها من رؤوسها . فشبه به الرجل المتكبر ، قال ابن كثير : لا تتكبر فتحتقر عباد الله وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك ، وفي الحديث : " كل صعار ملون " .
والصعار هو المتكبر لأنه يميل بخده ويعرض عن الناس بوجهه . ومعنى الآية عند القرطبي : ولا تمل خد للناس كبراً عليهم وإعجاباً واحتقاراً لهم ، وهذا تأويل ابن عباس وجماعة .. فالمعنى أقبل عليهم مؤنساً مستأنساً ، وإذا حدثك اصغرهم فأصغ إليه حتى يكمل حديثه ، وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل .
( ولا تمش في الارض مرحا) . قال القرطبي : وهو النشاط والمشي فرحاً في غير شغل وفي غير حاجة ، وأهل هذا الخلق ملازمون للفخر والخيلاء ، فالمرح مختال في مشيته ، والفخور هو الذي يعدد ما أعطي ولا يشكر الله تعالى ، قاله مجاهد.
والوصية الخامسة : ( واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) [ لقمان : 19 ] .
قال القرطبي : لما نهاه عن الخالق الذميم رسم له الخلق الكريم الذي ينبغي أن يستعمل فقال : ( واقصد في مشيك) أي توسط فيه ، والقصد : ما بين الإسراع والبطء ، وقد قال صلى الله عليه وسلم " سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن " . فأما ماروي عنه عليه السلام أنه كان إذا مشى أسرع ، وقول عائشة في عمر رضي الله عنه : كان إذا مشى أسرع؛ فإنما أرادت السرعة المرتفعة عن دبيب المتماوت ، والله أعلم ، وقد مدح الله سبحانه من هذه صفته حسبما تقم بيانه في الفرقان . ا ه
قلت يقصد قوله تعالى : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هوناً ) ( وأغضض من صوتك ) . قال القرطبي : أي أنقص منه ، أي لا تتكلف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه ؛ فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي ، والمراد كله التواضع ، وقد قال عمر رضي الله عنه : كان إذا مشى أسرع ؛ فإنما أرادت السرعة المؤتفعة عن دبيب المتماوت ، والله أعلم ، وقد مدح الله سبحانه من هذه صفته حسبما تقدم بيانه في الفرقان . ا ه
قلت : يقصد قوله تعالى : ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً )،( وأغضض من صوتك ) . قال القرطبي : أي أنقص منه ، أي لاتتكلف رفع الصوت وخذ منه ما تحتاج إليه ؛ فإن الجهر بأكثر من الحاجة تكلف يؤذي ، والمراد كله التواضع ، وقد قال عمر رضي الله عنه لمؤذن تكلفت رفع الأذان بأكثر من طاقته : لقد خشيت أن ينشق مريطاؤك . والمؤذن هو أبو محذورة ، سمرة بن معير .
( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) . قال القرطبي : أي اقبحها واوحشها ، قال : والحمار مثل في الذم البليغ والشتيمة وكذلك نهاقة ، ومن استفحاشهم لذكره مجرداً ؛ فإنهم يكنون عنه ويرغبون عن التصريح فيقولون : الطويل الأذنين ؛ كما يكنى عن الأشياء المستقذرة ، وقد عد في مساوئ الآداب أن يجري ذكر الحمار في مجلس قوم من أولي المروءة ، ومن العرب من لا يركب الحما استنكافاً وإن بلغت منه الرجل ، وكان صلى الله عليه وسلم يركبه تواضعاً وتذللاً لله تبارك وتعالى، وفي الآية دليل على تعريف قبح رفع الصوت في المخاطرة والملاحاة بقبح أصوات الحمير ن لأنها عالية .
وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان ؛ فإنها رأت شيطاناً " . وقد روي أنه ما صاح حمار ولا نبح كلب إلا أن يرى شيطاناً . وقال سفيان الشوري : صياح كل شيئ تسبيح إلا نهيق الحمير . ا ه . قال ابن كثير : وهذا التشببيه في هذا بالحمير يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ليس لنا مثل السوء " ا ه .
والله أسأل أن يرزقنا حب النبى
صلى الله عليه و سلم,,,,,,,,,,

منقول للفائدة من أكبر موقع لرسول الله تم الانتهاء منه مؤخرا ً , أتمنى السماح لي بإدراج الرابط للفائدة
الحمد لله بكرمه و فضله تم الإنتهاء من موقع رسول اللهhttp://www.rasoulallah.net
شكر خاص للمهندس يوسف خويي بارك الله فيه وجعله في ميزنا حسناته وأشكره على الإفادة والنشر


__________________
من ضمن قائمة مشترياتنا اليومية , يجب أن نوفر ما يلي :
1- قلب محض شفاف خالي من الأنانية.
2-دواء للقلوب التي شغفها النسيان فباتت أملا ً بنتظر على الأبواب.
3- كتاب صادق لا يدعي اجتراح المستحيل.
3- عجينة من المرمر لرأب صدوع التجربة.
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-05-2008, 02:09 PM
 
رد: رسولنا والأطفال , منهجه كاملا ً لكل الأعمار

جزاكم الله خيرا
وأعقبكم ذرية صالحة
__________________
لبست صروف الدَّهر كهلاً وناشئاً ^205^ وجرَّبت حالي على العسر واليسر
فلم أر بعد الدِّين خيراً من الغنى ^205^ ولم أر بعد الكفر شراً من الفقر
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 05-11-2009, 12:05 PM
 
رد: رسولنا والأطفال , منهجه كاملا ً لكل الأعمار

جزاك الله كل الخير ، وإن شاء الله يجعله في ميزان حسناتك
__________________
[U] [SIZE=5]☆★ أجمل ما في الحياة الصداقة☆★

❤الصداقة الوفاء، وأجمل ما في الوفاء الأمل❤

❤الصداقة المزيفة كالطير المهاجر يرحل إذا ساء الجو❤

❤الصداقة كالماء... سهل أن تضيعه... وصعب أن تحتفظ به❤[/SIZE]
[/U]
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 05-14-2009, 06:13 PM
 
رد: رسولنا والأطفال , منهجه كاملا ً لكل الأعمار

__________________

|x| مظلة الامل |x|


(( .. لوحة حب عاشق صنعتها تحت ظلال الهوي .. ))


قرآن يتلي آناء الليل وأطراف النهار
لمعظم قراء العالم العربي ..
www.livequran.org

انشره ولنا ولك الثواب



I Alexandria
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
حمل القران الكريم الان كاملا تحميل مباشر لاجمل مقرئى العالم الاسلامى شهبندر المنتدى أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 0 11-27-2007 09:55 PM
من وصاية رسولنا الكريم entsaar نور الإسلام - 7 04-16-2007 10:45 PM
احدث نسخه للموبايل القراّن الكريم كاملا moner أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 7 04-02-2007 12:29 AM
هااااااااااااااام جداً من أجل رسولنا الحبيب محمد (تصويييييت) الفتى الحزين نور الإسلام - 2 06-30-2006 10:35 PM


الساعة الآن 03:01 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011