عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي > روايات وقصص الانمي المنقولة والمترجمة

Like Tree3Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 05-05-2017, 04:53 PM
 
البارت التاسع بعنوان( بين أندريس والموت ..... طلقة مسدس

مصيبة ، لقد ضعت في بلاد لا أعرفها ، و كالعادة .......علي أن أتحمل نتائج أعمالي المتهورة ، هل كان علي أن أغضب لأنه مقزز ، حسنا.... بالتأكيد علي أن أفعل ولكن ليس لهذه الدرجة ، الأمر لم يكن يستحق عناء ترك المجموعة ، والضياع في هذه الحديقة الغبية .
سخرت من نفسها لهذا النعت، كيف للحديقة أن تكون غبية ؟؟ أنا هي الغبية التي تركت البقية وهي لا تملك هافتا ،
ولا حتى رقم هاتف أحدهم .

لم يستلزمها الكثير من الوقت للتفكير بل استدارت وقررت تذكر الطريق التي أتت منها ، ولكن عبثا تحاول ،
فعقلها كان في مهمة أصعب من مهمة تذكر الطريق ،فقد كان عليه إيجاد بعض الطرق التي يمكن لدايزي أن تستخدمها لتزيح تلك الابتسامة الساخرة عن وجهه القوي .
تلفتت حولها علها تجد شخصا يمكن أن يساعدها ، رأت رجلا عجوزا يجلس على أحد المقاعد الخشبية ،ينثر فتات الخبز للحمام ، وعلى وجهه علامات السرور والألفة ، علا ثغرها ابتسامة صغيرة وخطت خطوة إلى الأمام ، لكن يدين قويتين أمسكتا بكتفيها وثبتتاها في مكانها ، نظرت بهدوء إلى اليدين الموضوعتين على كتفيها ، ولكن لدهشتها لم تكن اليدين سمراوين ، ارتفعت تلك اليدان وغطتا عينيها ، في حين اقترب صاحبهما الذي يفوق دايزي طولا منها ، وهمس في أذنها برقة :
_متهورة كالعادة !!
رفعت يديها اللتين بدتا صغيرتين مقارنة بيديه ، ووضعتهما فوق يديه ، همس معاتبا :
_ سمعت أنك لم تسمحي لأحد بالتكلم في أمري طوال فترة غيابي ،فهل هذا صحيح ؟؟
شقت ابتسامة شقية طريقها لثغر دايزي التي تحاول مغالبة دموعها ، وهي تجيب:
_أنا لا أحب أن يذكر اسمك في حضرتي ، وذلك أنك سببت لي الكثير من المتاعب .
صمتت قليلا ثم أردفت بهدوء خائف:
_ والكثير من القلق .
أنزل يديه إلى خصرها وقال ، يغيظها :
_حضرتك ؟؟ تقولينها كما وأنك شخص مهم ، مسكينة دايزي تظنين أن المجموعة الشمسية تدور حولك .
أجابت والغصة تخنقها :
_أترى لقد سخرت مني متجاهلا أنني كنت قلقة عليك ، لازلت مراهقا بالنسبة لي ،كايل .
_ها قد نطقت باسمي ، فهل أصبت بالملاريا ؟؟
قهقهت بخفوت ، وقالت تسأله مطالبة بإجابة فورية :
_لم ذهبت؟؟
رفع يديه ،وتركهما لتستقرا على كتفيها النحيلين :
_سأخبرك ، ولكن ليس الآن ، أنا متعب من الرحلة .
حدق في الدموع التي تلألأت في عينيها ثم تابع :
_متعب جدا ، لقد وصلت البارحة على أمل اللقاء بك ، ولكنني كنت متعبا وبشدة ، وكم انتظرت حتى وصلت الفندق وغطت في النوم ، لكن اليوم أنا كلي لك .
تأوهت بخفوت ، وهي ترتمي في حضنه ، تجمع من حبه الذي فقدته ، تشعر بحنانه الوافر ، وبدفئ صدره الصلب ، لقد عاد ، كايل عاد ........... ضمها إليه بشوق ، وهو يدفن رأسه في شعرها الناعم.

[img]http://img105.***********/2010/07/28/301597254.gif[/img]


تبعتها عن بعد ، كنت أعلم أنها ستستمر بالسير ،لتضل طريقها في النهاية ، كانت تنظر في الوجوه المحيطة بها ،
يبدو أنها حاولت استذكار الطريق التي قدمت منها ، ولكنها لم تفلح ....... فجأة رأيت شابا قوي البنية ، أشقر الشعر يقترب منها ، كنت سأذهب إليهما ، ولكن عندما رأيت أنها وضعت يديها على يديه ، توقفت....... يبدو أنها تعرفه ، كانا يتحدثان أرا أفواههما تتحرك ولكنني لا أستطيع سماعهما ، فجأة .......أحسست أن قلبي توقف عن الخفقان ، أحسست أن الدنيا تظلم في عيني ، هل يعقل هذا ؟؟ هل ما أراه صحيح ؟؟ أم أنه مجرد وهم ؟؟
رأيتها ترتمي في حضنه ، وتحضنه بقوة ، كأنها تخاف عليه أن يضيع ، كأنه الشخص الوحيد الذي يهمها أمره ،
كأنها لا تستطيع العيش بدونه ، أتعلمون بما أشعر ؟؟ إنها الغيرة !! نعم الغيرة ، الشعور الوحيد الذي لم أظن يوما أنني أستطيع الشعور به ، شعرت بالغضب ، بالكره ، بالرغبة بالانتقام ، بالرغبة بالموت ، حتى أنني شعرت بالإعجاب ببعض الفتيات ، لكن دايزي هي الفتاة الوحيدة التي استطاعت اختراق جدران قلبي ، رقتها ، طيبتها ، براءتها ، عفويتها ، كل شيء فيها يجعلني مستعدا للموت من أجلها ........ماذا علي أن أفعل؟؟ فأنا حتى الآن لست متأكدا من أنني أحبها !! لست أعلم إن كان هذا مجرد إعجاب أم أنه حب ؟؟!
ولكن ما هذا الغباء تقول أنك مستعد لتضحية من أجلها ، ولكنك لست متأكدا مما إذا كنت تحبها ؟؟
يا إلهي ، ما أقصده هو أنني لا أريد أن أجرحها في يوم من الأيام !! لا أريد أن أخبرها يوما أنني لست الرجل المناسب لها ،وأتركها لتنهار ، ولتنهار حياتها من بعدها .
غبي ................لا تعلم ماذا تفعل ؟؟ انهض من مكانك ،اذهب إليهما ، اعرف من ذاك الشخص ، لربما كان أحد أصدقائها ! لربما كان أخاها الذي حدثتك عنه !! أيمكن ذلك ؟؟

وما إن أعطاه عقله فرصة للتفكير حتى راح يتأمل ملامح ذلك الشاب ، طويل ، شعر أشقر بلون العسل ، عينان دائريتان واسعتان تشبهان عيني دايزي ، ولكن باللون الأخضر .
أليست هذه هي الصفات التي ذكرتها دايزي في أخيها ؟؟
أخيرا قرر النهوض والتوجه إليهما ، اقترب بخطوات ثابتة ، يخفي خلفها خوفه وقلقه وتوتره .

[img]http://img105.***********/2010/07/28/301597254.gif[/img]

كنت أشعر بأن الدنيا لا تسعني من الفرحة ، أردت أن أصعد لأعلى ناطحة السحاب التي تظهر من خلف الأشجار العالية التي تحف الحديقة ، والتي يهيأ إليك أنها تتجاوز السماء التي تراها ، أردت أن أصعد لها وأخبرهم بأن عائلتي اكتملت مجددا ، فكايل عاد أخيرا لقد ظهر ، وهذا يعني أنه قرر البقاء معي .

شعرت بيد تشد شعرها ، رفعت وجهها عن صدره لتقابل عينيه الخضراوين ،و سألته بغضب خفيف:
_لم فعلت ذلك ؟؟
أدارها لتواجه أندريس ،الذي وقف على مقربة منهما ، وصرخ حالما رأى وجهها :
_ أيتها الفأرة ، تخيلي ما كان سيحصل لك لو لم تلتقي بالسيد .
لم تعجبها السخرية المبطنة التي يتحدث بها ، فصرخت به :
_كنت سأرتاح من رؤية وجهك الوسيم للحظات .
رد يغيظها :
_ لا بد أنك تغارين أيتها الفأرة ، وذلك أنك لا تمتلكين نصف جمالي حتى .
كانت تغلي من الغضب ، ولاحظ هو ذلك لكنه تجاهل الأمر عمدا والتفت إلى كايل :
_أتعلمين أيتها الفأرة أنه يلزمك بعض الذوق ؟!! على الأقل عرفيني على صديقك .
مع كلمة صديقك، تلك الكلمة التي قالها أندريس بقليل من الغضب الممزوج بالغيرة، التمع شيء في ذهن كايل ،صاحب النظرات الحادة الذكية والودودة في نفس الوقت ، وجه نظراته التي صب فيها كل ما يستطيع من حنان لدايزي ، التي قالت مكرهة :
_ أعرفك ، إنه أخي كايل الذي حدثتك عنه مسبقا .

لا تعلمون كم كنت سعيدا عندما قالت هذه الكلمات !! شعرت بأنني سأحلق من شدة الفرح ، قلبي الخائف انتظمت دقاته ، وأنفاسي المرتجفة هدأت ، شعرت بأن أحدهم أزاح عن صدري حملا ثقيلا ، كنت أشعر قبل ذلك أن هناك شيئا ما يضغط على صدري ويمنع عنه الهواء ، أما الآن فأستطيع التنفس بحرية ،براحة .... شكرا لله .

_ كايل ، هذا هو أندريس المزعج ، لربما سمعت عن عائلة سوفاكيس اليونانية ، إنه أحد أفرادها .
استفاق أندريس على صوت دايزي المغتاظ يحدث كايل ، الذي سأل مستفسرا:
_ أندريس يانيس سوفاكيس ؟؟؟
هز أندريس رأسه إيجابا ،فتابع كايل :
_أرى أنك استغنيت عن اسم والدك كذلك ، لكن لم؟؟ هو لم يفعل شيئا !!
قاطعه أندريس بسرعة مخافة أن يصل مكانا خطرا ، وقد علم أن كايل يعلم بأمر شخصه ، لاحظ نظرات دايزي المتسائلة ، فقال بهدوء يصرف نظرها عن الموضوع :
_ لقد أخبرتك ، أنا أعتمد اسم عائلة أمي !!
أجابت بنعم بهدوء ، وقد لاحظت لهجة أندريس التي تحذرها و تقول لها : لا تسألي !!
شعرت أن الجو قد شحن بالتوتر ، فسارعت تمسك يديهما وتقول بمرح طفولي ، انعكس أثره على جميع ملامح وجهها ، إذ بدت عيناها أكبر ، وأخذتا تلمعان ببراءة ، في حين صبغت وجنتاها بلون وردي خفيف :
_ حسنا هيا بنا ، أريد زيارة جسر هاربور ، مبنى الملكة فكتوريا ، وكذلك أريد زيارة المركز التجاري الذي بني على الطراز الفكتوري .
هتف أندريس متذمرا :
_ لم لا نعود للبقية ؟؟ ولم علي الذهاب معك أساسا؟؟
لم تتح له دايزي فرصة أكثر للاعتراض إذ سارعت تجذبه وكايل ، وتسير في طريق حف بأشجار النخيل بطريقة ملفتة ، بحيث يوجد بين كل شجرتين سجادة من الألوان الزاهية التي افترشت الأرض ، تنهدت دايزي براحة وهي تستنشق رائحة الهواء المحمل برائحة خليط من الأزهار ، غلب عليها رائحة الياسمين ، الذي تطايرت بعض أزهاره مع نسمات الهواء ، لتحتضن المارين من ذاك الطريق ناشره الأمان في قلوبهم الخائفة ، المضطربة ، المتوترة ، قلوبهم التي تحمل في داخلها ، مرارة الخيانة ، التوق للحنان ، اللهفة للأمان ، تلك القلوب الرقيقة لأولئك البشريين ، الذين شوهوا قلوبهم بالقسوة وانعدام الرحمة ، كما شوهتها الحياة بقسوتها وجورها ، وظلمها الذي لم يسلم منه أحد .
سأل أندريس بهدوء مستفسرا وهو يرى نظرات دايزي وكايل المرتاحة :
_ لم جئت بنا من هنا ؟؟ هذه ليست طريق الخروج !!
ما أدهش أندريس هو أن من أجاب كان كايل ، الذي قال بسرعة ، كأنما يخاف أن يخطف الحديث بعض هذه المناظر الخلابة:
_إنه مكان جميل ديدي فلا تتذمر .

الرحمة !! إنه كالأطفال ، إنه حقا شقيق تلك الغبية ، لا إنه أخوها - صحح لنفسه- ، لقد دعاني بديدي وهذا أكبر دليل على القرابة بينهما ، كما أن نظراته للأشياء من حوله وتلهفه لها يبين مدى البراءة المشتركة بينهما .

غطى وجهها بيأس ، وهو يواجه حقيقة سيره مع طفلين صغيرين ، يقودانه من شارع لآخر في هذه الحديقة المركزية الكبيرة . أبعد يد دايزي عن يده ثم استدار ليقف بين الأخوين وأمسك بيديهما وكأنهما طفلان صغيرا ، في حين أنهما حدقا به بعيون متسعة كعيون الأطفال ، فقال يطلب من الله المعونة :
_رحماك ربي !!

استمر يسير بهما في الطرقات متجاهلا نظرات الناس الفضولية التي تتجهه نوحهم ، وقد أفلتت إلى أذنه بعض عبارات الدهشة والاستنكار :
_ لم يمسك بهما هكذا ؟؟
_هل هما شقيقاه ؟؟
_لربما هما مجنونان ؟؟
فكر أندريس بسخرية أن الافتراض الأخير صحيح ، وإلا لما كان عليه أن يسير بين هذه الجموع وهو يمسك بشابين في الثانية والعشرين من عمرهما .

توقف كايل المفاجئ ، جعل كل من دايزي وأندريس الذي آلمته ذراعه بسبب وقوفه المفاجئ ، يلتفتان له ، وعلى وجههما استفسار ، ضحك بهدوء ، فنظرا له متسائلين ، وعندما رأى نظرتهما ضحك مرة أخرى ولكن بصوت أعلى ، سألت دايزي بفضول :
_ماهو الشيء الذي يضحكك؟؟
أفلت يده من يد أندريس وهو يقول :
_ لا شيء كنت أقول ،إنه لا يجوز لي أن أدخل معكما لهذه المنطقة !!
سألت دايزي مقطبة :
_لم لا يجوز ؟؟
سألت ذلك فيما هي تلتفت لترى ما بال الحديقة خلفها ؟؟ وما هو الشيء الذي يمنعه من الدخول معهما ، و
............... صدمة ........ذهول......غضب اشتعل في نفسها لتعليق كايل ، لكن كل ردود الفعل هذه اختفت بفعل سحر المكان ، مساحة كبيرة دائرية الشكل ، تتوزع فيها كراسي بيضاء جميلة ، وذلك الثوب الأحمر الذي تجملت به الأرض ، والذي يحيط بنافورة صغيرة يخرج الماء من قلب مثبت فيها ، ناشرا رذاذه على الأرض ، وتلك الطيور البيضاء التي أخذت ترتوي من ماء النافورة ، كل تلك الأشياء جعلت دايزي تشعر بالخدر .
آاااااااااااااه ياله من مكان شاعري ، سآتي إلى هنا حالما أجد فارس أحلامي ، وعلى الفور تحولت نظراتها لأندريس الذي يقف بكل شموخه وكبريائه ، شعرت بأن قلبها يخفق بقوة ، كانت تسمع صوت ضربات قلبها العالية ، وخافت أن يسمعها أندريس ، رفعت يدها ووضعتها على قلبها بهدوء .

لماذا يخفق قلبي هكذا ؟؟ أندريس ، هل هذا ممكن؟؟ لم أنت الوحيد الذي جعل قلبي يرتجف ؟؟ لم أنت من بين كل البشر؟؟ كنت أظن أن قلبي مات ، مات منذ زمن ، في الوقت الذي لم أجد فيه الحنان !! في ذلك الوقت الذي تخلى فيه الجميع عني ، أمي التي ماتت وأنا لم أبلغ الثالثة من عمري ، والتي لولا الصور التي يحتفظ بها والدي لما كنت أذكر صورتها ، أبي الذي مرض وترك شركاته وأعماله علي وأنا ابنة 17 عاما ، كايل الذي تركني تائه وحيدة عندما رحل ، وقال لي بجفاف لم أكن أتوقعه : (( لا أريد شفقتك آنسة بريسكوت)) ،ميديا التي سافرت مع والديها إلى أمريكا . اكتشفت الآن أن قلبي لم يمت ، ولكنه صحراء عطشى ، صحراء متعطشة للحب ، للحنان ،
للأمان ، أريد أن أشعر بذلك الأمان الذي شعرت به مع والدي مرة أخرى ، أريد أن أشعر بحنان أندريس وهو يستمع لي في المكتبة مرة أخرى ، أريد أن أشعر بدفء العائلة ، بل أريد أن أشعر بأنني أنتمي لواحدة ، أحب تلك الثقة التي تنضح من ابتسامة نيكول الشقية ، أحب ذلك الحب الذي يغلف كلمات سان الرقيقة ، وذلك الحماس الذي لا ينفك يرتبط بكل كلمة تقولها صوفيا ، وتلك الحكمة التي أراها في عيني السيد والسيدة بروس ، والتعاطف الذي أجده في السيد هاري .

_ أنا ودايزي ! لا بد أنك تمزح؟!
نبرة الاستنكار في صوته جعلتها تبتسم ، لطالما استنكرت هي ذلك لتجد في النهاية أنها لا تمانع حقا لو جلست معه في مكان كهذا ؟؟!!
صاحت به باسمة :
_ ما بي أنا ؟؟ لا بد أنني أجمل من لوسيتا ، أليس كذلك ؟؟
كأن هذا الاسم لسعه ، قال محذرا :
_لا تقولي هذا الاسم مجددا ، وأنت بالتأكيد أجمل منها ، فأنا حقا لا أعلم ما هوشكل وجهها الطبيعي ، فحتى عندما رأيتها في عزاء والدها كانت تضع طبقة من زينة الوجه يبلغ سمكها حوالي 3 سم .
قهقهت دايزي لهذا الوصف ، في حين جلس كايل بجانب فتاة سمراء طويلة وجذابة ، وأخذ يتحدث معها ، لاحظته دايزي من طرف عينها ، فنهرته بقوة ، اعتذر بمرح لرفيقته ونهض وهو يرسل لها قبلة في الهواء ، اقترب من دايزي الحانقة التي سارعت تقول :
_ ألن تكف عن حركاتك؟؟
قال يدعي الضجر :
_ لقد كنتما تتبادلان الغزل ، فما الذي تريدين مني فعله في الوقت الذي تعيشين فيه أوقات السعادة ؟؟ أتريدن مني أن أجلس وأراقبك وأنت تحمرين خجلا على كل كلمة يقولها ؟؟ أم تريدين مني أن أكون شاهدا على قبلتكما ؟؟؟
اصطبغ خداها بالحمرة ، حمرة الغضب والخجل في آن ، وهي ترد بحنق :
_لم نكن نتغازل ، بل كنا نتحدث ، ثم أنت من وضعنا في هذا الموقف ، فتوقف العبث .
أردفت بعد صمت :
_ أتمنى أن أرى اليوم الذي تستقر فيه وتؤسس عائلة ، ويصبح لديك العديد من الأطفال .

لم يستطع نيكول أن يمنع تلك الذكريات السعيدة التي غزت رأسه و سرقته من العالم الواقع ونقلته للعالم الوهمي، عالم الذكريات :
هناك في أمريكا ، وقبل حوالي 5 أشهر ، وقف كايل أمام شركة النقل البحري الأشهر في العالم ، شركة سوفاكيس ، نظر إلى الواجهة الزجاجية للمبنى ذو العلو الشاهق ، تطلع في تلك المساحة غير المنتظمة ، ليست مربعة ولا مدورة ، بل لا تتخذ شكلا هندسيا معينا ، حدق في زوايا المبنى المستطيل الذي يمتد على طول المساحة ، لاحظ تلك المساحات الخضراء المتفرقة الموزعة على جانبي المبنى ، وتنهد بتعب ، (لو تركوا لي هذه المساحة لصممت لهم مبنى أجمل من هذا بكثير ) .
عدل سترة بدلته الرسمية ذات اللون البيج ، وضبط نظارته السوداء في أعلى رأسه ، رفع حاسوبه وأمسكه بحزم،
ثم تقدم بكل ما يملكه من وقار ودخل ذاك الباب الزجاجي ، توجه إلى منصة الاستقبال ، استقبلته المضيفة الفاتنة بود ، وسارت أمامه ترشده إلى مكتب السيد سوفاكيس ، والذي يقع في أعلى طابق .

إنها مضيفة فانتة- انتبه لأفكاره فابتسم بسخرية وهو يتسائل ،لو كانت دايزي هنا فماذا سيكون قولها ، بالتأكيد ستصرخ عليه ، وستغضب ، وستبدأ بإعطائه محاضرة عن الآداب - .
تنبه لصوت المصعد الذي يعلن عن وصولهما ، انحنت المضيفة بهدوء وهي تتمنى له اجتماعا موفقا ، وقد كان بحاجة ماسة لمن يدعو له ، وخصوصا أن السيدان ( أندريس ) و( ليسندر ) معروفان بحنكتهما ، فأيا كان سيقابل، فعليه الاستعداد جيدا .
سار على السجاد الأحمر الوثير الذي تغوص فيه الأقدام ، وهو يتلفت حوله وينظر إلى تلك الرسومات الجذابة ،
شاطئ أثينا ، البحر الكاريبي ، جزر هاواي ، وصور متعددة لفروع الشركة المنتشرة على نطاق واسع في كافة أنحاء العالم ، أخيرا وبعد أن سار عدة أمتار وصل إلى غرفة كبيرة دائرية ، مفروشة بسجاد أحمر فاخر ، و
قد أثث بأفخم الأثاث ، حيث الكراسي المنجدة ، والستائر السكرية المذهبة ، والجدران المطلية بعناية ، ورائحة العطر اللطيفة التي رشت في الغرفة ، حتى تلك الفاتنة التي تجلس إلى الطاولة الخشبية الفخمة ، تبدو جزءا من هذه الفخامة اللامتناهية .
رفعت الفتاة رأسها بهدوء وعلى ثغرها الممتلئ ابتسامة ودودة بدت مغرية لكايل ، الذي أحس بتيار كهربائي يسري على طول عموده الفقري ، نهضت الفتاة بهدوء فاهتز شعرها النحاسي القصير الذي يحيط بوجهها الدائري وكأنه يرسمه ، لملم كايل شتات نفسه بسرعة ومد يده ليحتضن ذاك الكف الرقيق ، صاحب الأنامل الرقيقة والأظافر التي يبدو أنها تنال عناية خاصة ، شعر بدفء كفها في كفه البارد ، شدد قبضته على يدها ،
فرفعت حاجبها استنكارا ، وهي تصوب نظراتها إلى يديهما المتصافحتين ، رأى كايل تلك النظرة المتمردة في عينيها السوداوين ، فهمس بهدوء:
_ أدعى كايل سميث وأنا هنا لمقابلة السيد سوفاكيس .
اشتدت تلك النظرة المتمردة في عينيها وهي تنتزع كفها من كفه وتسأله بتحد ، ونظراتها النافذة تقيمه من الأعلى إلى الأسفل :
_ أي واحد بالضبط ؟؟؟
حدق بها بتصميم، لم يعجبه هذا التفحص ، و لكن يبدو أنه قبل التحدي ، إذ قال :
_ وما شأن مقدمة الطعام بهذا الأمر ؟؟
رأى كيف انتفضت بغضب ، فأكمل وهو يفكر بأنها من جنى على نفسها :
_ قيل لي أنني سأقابل سكرتيرته وليس مقدمة الطعام .

مقدمة الطعام ؟؟ هل هذا هو الشيء الوحيد الذي استطعت قوله ؟؟ حسنا إذن ....إنها أجمل مقدمة طعام رأيتها في حياتي ، شعر قصير أحمر متمرد ، كتلك العينان اللتان تتوعدان بقتلي ، جسد رشيق ممتلئ ، وبذلة رسمية .
ابتسم بسخرية لنفسه : إنها أجمل من رأت عيناي .

اختفى الغضب ، وعادت تلك النظرة المتمردة لتعتلي وجهها ، وهي تقول :
_حسنا إذن ..... مادام الأمر كذلك فسأتركك هنا حتى تأتي سكرتيرة السيد ، وسأذهب لأعد لك الطعام .
انحنت بهدوء ، وهي تسأل باستفزاز :
_ ماذا تحب على الغداء سيدي ؟؟
رفع يده البيضاء ، ليبعد نظارته عن عينيه ، ويثبتها في الفتحة العلوية لقميصه السكري ، أبعد بعض الخصلات التي غطت جبهته وهو يقول :
_حسنا ...مادمت مصرة ، أريد بعض الدجاج المشوي ، والقليل من سلطة الكافيار ، وبعض الشراب الأحمر ، وأتوقع أن تكون السلطة بالجودة المطلوبة ، كما أتوقع أفخر أنواع الشراب .
ابتسمت الفتاة بهدوء وهي تقول :
_ حاضر سيد سميث .
وأعطته ظهرها وسارت حتى وصلت الباب ، ثم التفت له وقد تطايرت خصلات شعرها النحاسية حول وجهها الأسمر الذي لفحته أشعة الشمس :
_ أوه بالمناسبة ، سأستدعي لك النائب عن أعمال السيد سوفاكيس .
انحنى انحناءة بسيطة :
_ لو كنت أعتمر قبعة ، لخلعتها شكرا لك ، لكنني للأسف لا أملك واحدة ،فاعذريني .
قال كلماته الأخيرة وعيناه الماكرتان ، تشعان باستهزاء جلي ، جعلها تلتفت عنه ، وتخرج دون أن تكلمه .

لم يسبق أن حدث هذا معي !! لم أعرفها إلا منذ عدة دقائق ، فما الذي دعاني لمشاجرتها وللتكلم معها بتلك الطريقة ؟؟ لربما نظرتها المتمردة ؟؟ أو سؤالها المخادع ؟؟ أو لربما شعرها ؟!! شعرها؟؟؟ ما دخل شعرها بالموضوع ؟؟؟ على كل هذا الأمر ليس مهما ، فهذا الموقف يتكرر معي كثيرا هذه الأيام ، مع جميع السكرتيرات اللاتي أرى أنهن لسن كفوآت ، ولكن هذه ........ إنها تبدو كفوءة جدا ، إذن ........ ما الذي دعاني لمشاجرتها ؟؟

بعدها مرت عليه عدة اجتماعات مملة ، جعلت النوم أسمى أمانيه ، والوسادة والسرير أكبر ما يطمح إليه ،
كان يترقب ويترقب ، يترقب انتهاء الاجتماعات المملة ، وكذلك ظهور الفتاة الفاتنة ، التي سحرته بكلماتها
القوية ، وعينيها الواسعتين ، وشعرها الأحمر الذي يشهد على تمردها وعلى طبعها الحار ، لكنه ظل ينتظر وينتظر وينتظر ....... ولم ترحمه تلك الفتاة من العذاب سوى فترة الغداء ، إذ أقبلت تدفع عربة الطعام أمامها
وقد وضعت عليه كل ما طلبه وأكثر : دجاج مشوي والقليل من السلطة الخضراء على جانبيه ، والقليل من سلطة الكافيار المزينة بالخس ، وكذلك الروبيان بالجمبري المزين بالبقدونس ، وبعض الشراب الأحمر الفاخر .
نظر للأطباق بدهشة ، ثم وجه نظراته النافذة إليها وقال بابتسامة ساحرة :
_ ما رأيك أن تتناولي العشاء معي يا آنسة ؟؟
ابتسمت الفتاة بغرور ، وهي تدفع بخصلات شعرها الحريرية للخلف ، اقتربت منه بخطوات متمايلة ، وما إن أصبحت أمامه مباشرة حتى انحنت على الطاولة وأسندت يديها إليها ، ثم قربت وجهها الأسمر من وجهه ، وقالت بتحقير :
_ ستبقى تحلم بذلك حتى آخر يوم في حياتك ، كايل .......
اعتدلت في وقفتها ،ثم استدارت وخرجت بكل شموخها وكبريائها ، في حين أنه بقي يراقب تلك الخطوات ، وذهنه يردد له : قلت لك لن تنالها ، ألم أفعل ؟؟؟



تنهد بهدوء ، تلك الفتاة عليك أن تنساها كايل ، نظر إلى أندريس ، لربما يعلم من تكون إنها تعمل في شركته ، لقد قالت لي أنها سكرتيرة السيد سوفاكيس ، صحيح أنها لم تحدد أي واحد لكن لا يوجد سواه وابن خاله (ليسندر) وبالتأكيد سيعرفها ، هز رأسه بهدوء ، لا فائدة من هذا لقد كنت غبيا ، لا بد أنها ستقتلني إن التقت بي .

سار أنرديس تتبعه دايزي وكايل ، جاب بهم حول جسر هاربور المشهور ، حيث وقفت دايزي تنظر للمياه التي تماثل عينيها في اللون ، ساروا على ذلك الجسر الذي أوصلهم لمبنى دار الأوبرا الذي يأتيه السياح
رغبة منهم في التعرف على ذلك المعلم صاحب التصميم الفريد للمهندس جورن أوتزن ، والذي كلف قرابة 100 مليون دولار ، لاحظ أندريس اهتمام كايل بالمبنى ، إذ أخذت عيناه تحللان بصمت وتركيز كل زاوية في المبنى ، قالت له دايزي :
_ إنه مهندس معماري .
رد أندريس بدراية :
_ أعلم هذا ، إن له شهرة واسعة ، لقد استدعيته ليصمم لي المبنى الجديد لشركتي في أمريكا .

بعد ذلك ، سار الثلاثة في أسواق المدينة ، كايل الذي كان مستمتعا برؤية الابتسامة تشق وجه دايزي ،
كان ليفعل أي شيء ليبقي هذه الابتسامة حتى ولو كان على حساب نقود جيبه ، خاطبه أندريس بجدية :
_اسمع عندما ندخل لذلك المركز الذي أرادت دايزي دخوله من قبل ، أنا من سيدفع .
أجاب كايل بهدوء :
_ حسنا ، لا بأس !!


[img]http://img105.***********/2010/07/28/301597254.gif[/img]

_ قال أندريس ،إنه وجد دايزي ، وأن شخصا ما يدعى كايل معهما .
لفت الاسم الأخير انتباه ميديا التي سارعت تسأل بلهفة :
_هل حقا قال: أن كايل معهما ؟؟؟
أومأ نيكول بهدوء ، فقفزت بفرح وارتمت في حضنه ، ودفنت رأسها في صدره وهي تردد :
_ شكرا لك ، شكرا .
ضمها نيكول بحب ، وهو يردد:
_كل هذا لأجل كايل ؟؟ مسكين أنا !!
ابتعدت عنه بهدوء والحمرة تصبغ خديها ، ثم اقتربت بهدوء وقبلت خده برقة ، شهقت كل من سان وصوفيا اللتان كانتا تراقبان المشهد ، وقالتا بحمااااس:
_راااااااااااااااااااااااااااااااااااااائع.
في حين أن نيكول وقف يتحسس خده بهدوء .


__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
رد مع اقتباس
  #12  
قديم 05-05-2017, 05:12 PM
 
تابع الفصل التاسع

وقف ثلاثتهم أمام المركز التجاري الفريد من نوعه ، أو ربما يجدر بي القول ، أمام ذاك القصر الذي بني على الطراز الفكتوري الرائع التصميم ، أحيط ذلك القصر بعدد من الشجيرات الصغيرة التي جعلت على شكل واحد ،
تقدمت دايزي وصعدت تلك الدرجات القديمة والتي ترك الزمن أثره عليها ، وهي تتلمس بيديها الناعمتين (الدرابزين) الحجري ، تبعها كل من أندريس وكايل وهما ينقلان نظرهما في جميع الزوايا ذات الهندسة الفريدة ، همس كايل بهدوء :
_راااائع .
التفت إليه أندريس ، وسأله :
_لو طلبت منك أن تصمم لي بيتا كهذا في إنكلترا ، هل يمكنك ؟؟؟
ابتسم كايل وهو يجيب :
_ هل قررت العودة لبلدك أخيرا ؟؟
نهره أندريس بسرعة :
_لا تغير الموضوع !!
_ حسنا ، أجل يمكنني ، ولكن ذلك سيكلف الكثير ، كما أنه يحتاج لمساحات شاسعة من الأرض .
هز أندريس كتفيه بلامبالاة ، وهي يقول :
_لا مشكلة ، ما رأيك بيوركشاير ؟؟
قطب كايل وهو يسأل :
_ الريف ؟؟ أتقصد منطقة الريف الإنكليزي ؟؟
أومأ أندريس بنعم ، فتابع كايل :
_إنها منطقة رائعة لمثل هذه القصور ، ولكنني لست واثقا من أنني أستطيع فعل ذلك بشكل كامل .
تابع أندريس سيره وهو يقول :
_لا أتوقع منك أن تصمم لي مثل هذا بالضبط ، بل أريد منك أن تنتقي الأفضل ، سيكون عليك أن تقوم ببعض الأبحاث ، ستزور بعض القصور ، وبعدها ستصمم لي واحدا شبيها بها جميعها ، ما رأيك ؟؟
قال كايل بعتاب :
_أنت تعرف رأيي ، وتعلم أنني أحب أن أعطى قطعة من الأرض ، وأن يقال لي ، افعل ما تريد !!
مد أندريس يده وهو يسأل :
_موافق إذا ؟؟
صافحه كايل وهو يجيب :
_أجل .

كان القصر ذا تصميم فريد ، فقد كونت اللوحات الجصية سقفا رائع الجمال لذلك القصر الرائع ،كما لونت الجدران بألوان قريبة من الأحمر يخالطها اللون الأبيض في تموجات رائعة تضفي سحرا أزليا على هذا المبنى .

تقدمت دايزي ، وهي تنقل نظرها بين المحال المنتشرة على جانبي الطريق الواسع ، المبلط بالسيراميك الأبيض الموشح بخطوط ذهبية ، لفت نظرها محل بواجهة زجاجية ، وباب خشبي مزخرف ، فتحت الباب ودخلت ، كان المحل ضيقا جدا ، وتفوح منه روائح زكية ، ولكنها مركزة وقد جلبت القليل من الدوار لدايزي ، التي سارعت ووضعت يدها على جبينها وأغمضت عينيها ، تقدم منها كايل وسألها بخوف حقيقي :
_ديدي ،أنت بخير ؟؟؟
هزت رأسها إيجابا ، ثم سارت باتجاه الأثواب الفكتورية الفريدة ، والثمينة ، لفت انتباهها ثوب أحمر اللون ، ضيق من الأعلى ، ومتسع جدا من الأسفل ، وقد أحيط خصره بقطع قماش سوداء ، كما وأحيطت القبة بالقليل من الدانتيل الأبيض الجميل ، تلمست دايزي كم الفستان بإعجاب ، اقترب منها أندريس وهو يقول :
_ارتديه .
التفتت إليه وقالت :
_أنا أشاهد فقط أندريس لن أشتريه حقا !!
رفع حاجبيه باحتجاج وقال يحذرها :
_ سوف أشتريه لك ، لربما أقيمت حفلة تنكرية في إنكلترا ، سيكون مفيدا جدا ، وستكونين مميزة ، فماذا قلت؟؟
ترددت قليلا ، لكنها هزت رأسها باسمة وطلبت من صاحبة المحل التي ترتدي فستانا مشابها ، أن تساعدها في ارتدائه . بدت دايزي فاتنة في الفستان ، فقد أظهر جمال قوامها ، كما أظهر نقاء بشرتها البيضاء التي صبغت بحمرة خفيفة ، ما إن رأى أندريس هذا المنظر ، حتى زاد إصراره على شراء هذا الفستان .

لقد كانت فاتنة ، مميزة ، رائعة ، لا أعلم كيف أصفها ، بدت كأميرة قادمة من العصور الوسطى ، لا..... أية عصور وسطى هذه التي أتحدث عنها لقد بدت كأميرة من عالم الأحلام من عالم الخيال .


[img]http://img105.***********/2010/07/28/301597254.gif[/img]

وقف على سطح المبنى الزجاجي ومسدسه في يده ، وهاتفه النقال في يده الأخرى ، كان يتكلم باحترام ، ويبدو من نبرة صوته المنخفضة أن محدثه ذو شأن عال ، هتف في سماعة الهاتف :
_ حسنا سيدي ،لا تقلق ، سأقضي عليه .
أقفل سماعة الهاتف ، وركز نظره على القصر الفكتوري ، الذي خرج منه ثلاثة أشخاص ، عدل الواقف اللثام على وجهه ، نظر إلى قفازيه ، ثم للمسدس في يده ، وبسرعة انحنى على سطح المبنى وهو يوجه مسدسه نحو الرأس الأسمر ، سالت قطرة عرق على وجهه تظهر مدى توتره، لكنه لم يتراجع ، أولئك الناس الذين يسيرون في طريقهم لم يهموه، كل ما كان يهمه هو قتل السيد سوفاكيس ، صوب بتركيز، ثم ...................... أطلق الرصاصة .


[img]http://img105.***********/2010/07/28/301597254.gif[/img]

كانت دايزي سعيدة جدا بالفستان ، وكذلك كنت أنا . خرجنا من ذلك القصر العتيق ، وقررنا العودة للمجموعة ، التقطت هاتفي لأكلم نيكول ، رد علي نيكول ، ورحت أحدثه عن موقعنا وأين نلتقي ، فجأة شعرت بأن أحدهم يراقبني ، رفعت رأسي للمبنى المجاور ، فلمحته هناك ........ إنه قناص ولا شك ، أردت أن أتحرك وأبعد دايزي وكايل من هنا ، فلا دخل لهما ، ولكنني شعرت بشيء ساخن ، كان حارا جدا ومؤلم كذلك ..........لا لا أستطيع أشعر بالألم ، صوت دايزي وهي تصرخ أخافني ، نظرت لها ، كانت تنظر إلي وكأنني قادم من كوكب آخر ، تحدق في برعب وتقول بهمس والدموع تسيل على وجنتيها : إنها دماء ...............

لا أعلم ما الذي حصل كل ما أعلمه هو أن أندريس صرخ فجأة بألم ، كان ذلك بعد أن سمعنا صوت عيار ناري ،
نظرت ناحيته ، فرأيته .....رأيته .......لقد كان ينزف ، وكان هناك دماء ، اختلطت الأصوات علي :
_ليطلب أحدكم الاسعاف .
_هناك شخص مصاب .
_اتصلوا بالشرطة .
صوت كايل القلق ، وكذلك صوت أندريس الذي هتف بألم شديد :
_دايزي ، أنا بخير .
لا أدري ما الذي حصل بعدها ، أحسست أنني أغرق في الظلام ، ثم لا شيء ....... لم أعد أشعر بشيء.


يتبع....
__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
رد مع اقتباس
  #13  
قديم 05-05-2017, 05:39 PM
 
البارت العاشر

كانت دايزي سعيدة جدا بالفستان ، وكذلك كنت أنا . خرجنا من ذلك القصر العتيق ، وقررنا العودة للمجموعة ، التقطت هاتفي لأكلم نيكول ، رد علي نيكول ، ورحت أحدثه عن موقعنا وأين نلتقي ، فجأة شعرت بأن أحدهم يراقبني ، رفعت رأسي للمبنى المجاور ، فلمحته هناك ........ إنه قناص ولا شك ، أردت أن أتحرك وأبعد دايزي وكايل من هنا ، فلا دخل لهما ، ولكنني شعرت بشيء ساخن ، كان حارا جدا ومؤلم كذلك ..........لا لا أستطيع أشعر بالألم ، صوت دايزي وهي تصرخ أخافني ، نظرت لها ، كانت تنظر إلي وكأنني قادم من كوكب آخر ، تحدق في برعب وتقول بهمس والدموع تسيل على وجنتيها : إنها دماء ...............

لا أعلم ما الذي حصل كل ما أعلمه هو أن أندريس صرخ فجأة بألم ، كان ذلك بعد أن سمعنا صوت عيار ناري ،
نظرت ناحيته ، فرأيته .....رأيته .......لقد كان ينزف ، وكان هناك دماء ، اختلطت الأصوات علي :
_ليطلب أحدكم الاسعاف .
_هناك شخص مصاب .
_اتصلوا بالشرطة .
صوت كايل القلق ، وكذلك صوت أندريس الذي هتف بألم شديد :
_دايزي ، أنا بخير .
لا أدري ما الذي حصل بعدها ، أحسست أنني أغرق في الظلام ، ثم لا شيء ....... لم أعد أشعر بشيء.


صرخ كل من أندريس وكايل بذعر مناديان باسم دايزي ، لكنها لم ترد ، بل كانت تردد بلى وعي :
_أندريس ، أندريس ...........
لم يعلم أندريس لم شعر بأن اسمه يبدو غريبا عندما تنطقه دايزي ، ربما لأنها المرة الأولى التي تناديه فيها باسمه
دون أن تتدخل السخرية ، وتفسد اللفظ الساحر لشفتيها الناطقتين باسمه ، شعر بألم شديد فأغمض عينيه ، لاحظ كايل ذلك بطرف عينه ، لكن اهتمامه كان منصبا على دايزي ، فما كان منه إلا أن قال مشجعا:
_أندريس ، تماسك ...........لقد وصلت سيارة الإسعاف .
قالها عندما لمح سيارتي إسعاف تتجهان نوحهم ، تصحبها العديد من سيارات الشرطة ، امتلأ المكان فورا بالأضواء التي تصدر من السيارات ، والأصوات التي تصدرها ،سببت الصداع لأندريس الذي لم يكن في كامل وعيه ، سمع بعض العبارات المشوشة :
_ ضغطه ينخفض .
_لقد فقد الكثير من الدم .
_إنه متعب .
_ أعطه إبرة مهدئة .

ثم كان السواد هو كل ما يراه ، ولكنه كان يسمع العديد من الأصوات ، أصوات غريبة ، وأخرى يذكرها ،
جده ريتشارد!!...... ما الذي جاء به ؟؟ إنه يصرخ وبشدة ، ويقول بجفاء ، متجاهلا النظرات الدامعة للطفل الذي لم يتجاوز السادسة من عمره : ( أنت ووالدك عار على عائلتي ) ، صوت آخر قال : ( ستكون الوريث ) كان الصوت رقيقا ، لطيفا ومتعاطفا ، إنه الجد ليونيداس ، ما الذي جاء به هو الآخر ؟؟! اختفت كل تلك الأصوات فجأة ولم يبق سوى صوت رقيق خائف ، مرتجف يهمس بذعر : إنها دماء ................

دايزي ، إنها دايزي !! ما الذي حصل لها ؟؟؟ شعر أنه مكبل ، لم يستطع التحرك ، أراد أن يجري باتجاه ذلك الصوت ، أراد أن يطمئن صاحبة الصوت الخائف ، أن يضمها لصدره ويبعث الأمان في قلبها الرقيق .
فتح عينيه المتعبتين ، وسارع لوضع يده على عينيه ليحميهما من ضوء المصباح الساطع المؤذي ، حدق بجدران الغرفة الزرقاء ، تسلل إلى أنفه رائحة المشفى التي يكرهها والتي تجلب لنفسه ذكريات سيئة ، أسدل ستار رموشه الكثيفة تاركا الذكريات تتدافع أمامه بسرعة :

طفل صغير جالس في غرفة كبيرة ، ينظر للخارج ، حيث المطر ، والصواعق المخيفة ، يرتقب وصول والديه ،
فجأة فتح الباب بقوة ، مصدرا صوتا مزعجا أخاف الطفل البريء ، ذي العينين الزرقاوين ، اللتين حدقتا بالظل الطويل ذاك الذي برز من الباب ، رفع الطفل عينيه عن الظل للشخص الواقف أمامه ، كان شخصا ضخما ، ذا جثة مخيفة ، لديه عينان زرقاوان جليديتان ، وشعر أشقر بلاتيني ، تخلله الشيب ، دمعت عينا الطفل وهمس ، بخوف تخلل كلماته البريئة :
_ جدي أين أبي وأمي ؟؟؟؟
في موقف كهذا يفترض بالجد أن يجري ويحتضن الطفل الصغير ويذرف بعض الدموع ، وهو يطمئن الطفل إلى أنه سيكون بأمان ، لكن هذا لم يحصل !!!! وإنما صرخ الجد بهيبة وقوة :
_لقد ماتا !!!
هل تتخيلون صدمة الطفل ، طفل في السادسة يقال له بتلك القسوة أنه لن يرى والديه مرة أخرى ، أنه لن يذهب إلى مدينة الألعاب مع والده ، أن والدته لن تضمه وتمسح على رأسه قبل النوم ، أن والديه لن يحتفلا معه بعيد مولده مجددا ، وأنهما لن يمسكا يده ليعلماه الكتابة ، لن يشجعاه ليقود الدراجة ، ولن يمسحا دموعه البريئة ، بل سيتركان للزمن هذه المهمة ، هذا الزمن القاسي الذي سيصفعه كثيرا ، ويؤنبه بشدة ، والذي سيمحو آلامه ويوجد آلاما أكبر منها .
ارتجف الطفل مكانه ، ليس من هول الخبر وإنما من القسوة التي تنضح من كلمات الجد ، انكمش على نفسه ، ودموعه الحارة تسيل على وجنتيه الصغيرتين السمراوتين ، همس بخوف مراقبا ردة فعل جده على كلماته:
_أنت كاذب ، أمي وعدتني أنها سترافقني إلى حفل المدرسة بعد أسبوع ....
زادت الدموع تدفقا ، واختنق صوت أندريس (الطفل الصغير) وهو يكمل:
_وأمي لا تخلف وعدا أبدا ......
رفع الجد حاجبه استنكارا ، ثم اقترب من أندريس وأمسك ذقنه الصغير بشدة ، وقال بحدة مغلفة بالكراهية:
_إياك أن تصفني بالكاذب أيها الفأر ، أنا جدك وولي أمرك ، لكنني لا أريد أطفالا مدللين في عائلتي ، سمعت؟؟
قال كلمته الأخيرة بصوت عال تزامن مع دوي الرعد ، ثم استدار على عقبيه وخرج يجر خلفه الباب الكبير ، حتى أغلقه ، تاركا الطفل الصغير يواجه المعاناة وحده ، ويذرف من الدموع ما يشاء ، على فراق والدين كانا له كل شيء في هذه الحياة ، كانا العائلة الوحيدة له ........
لكنه لم يبق حبيس تلك الغرفة ، وإنما سارع جده الثاني لانتشاله من ظلم الجد ريتشارد ، ليضمه تحت جناحه ،
ويحوطه بما يستطيع من الحنان ، ويزرع في نفسه ، الثقة وعزة النفس ، ويساعده ليرتقي سلم المجد، ثم ليتربع على عرشه .

فتح عينيه بهدوء ، محاولا التخلص من كل هذه الذكريات ، لكنه مع ذلك لم يستطع ، وإنما استمرت المشاهد بغزو دماغه، نظر إلى صدره المضمد ،و تلمسه بحذر ، لكنه مع ذلك آلمه ، تأوه وقطب حاجبيه الكثيفين ، فتح الباب مصدرا أزيزا خفيفا ، حرك أندريس رأسه بتعب ناحيته ،فرأى ممرضة كبيرة في السن بعض الشيء ، ذات ملامح ودودة جذابة ، اقتربت منه وقالت باسمة:
_حمد لله على سلامتك سيد أندريس ......
شكرها بتهذيب ، فتابعت:
_ لقد مكثت عندنا يومين كاملين .
حدق فيها مذهولا وهو يردد:
_ أتمزحين ؟؟؟ يومان؟؟؟
هزت رأسها بهدوء ، فرفع يده إلى رأسه يبعثر شعره بتوتر ، أراد أن يعرف شيئا عن دايزي ، ما الذي حل بها ،
والشخص الذي أطلق عليه النار هل وجدوه، ولكن دايزي هي الأهم الآن ،التفت للمرضة مجددا وسأل باهتمام:
_ أتعرفين شيئا عن الآنسة دايزي بريسكوت؟؟؟؟
تنهدت بهدوء ، واقتربت بخطوات بطيئة ، وقالت تطمئنه:
_إنها بخير لا تخف عليها.
لم يطمئن أندريس لقولها ،وإنما عرف أنها تكذب عليه فأن كانت بخير ، لم تركض في المشفى حتى الآن؟؟
ظهر الرعب على ملامحها وهي تسأل بصوت مرتجف :
_ما الذي تفعله ؟؟؟
سألته ذلك وهي تراه ، ينهض ويتجه إلى قميصه الموضوع على الكنبة الصغيرة ، تناول القميص وراح يرتديه ، وهو يجيب :
_ سأذهب إليها .....
هتفت بقلة حيلة:
_لا يمكنك!!
سأل وهو يحاول إغلاق أزرار القميص ، إلا أن ذلك آلمه وضغط على صدره ، فتركها مفتوحة:
_ لماذا لا أستطيع؟؟؟
ضمت يديها لبعضهما وهي تقول متوسلة :
_ أرجوك أنت مصاب ،قبل يومين فقط كانت هناك رصاصة في صدرك وقد كانت قريبة جدا من قلبك ، وكان هناك احتمال بأن تموت ، أرجوك لا تعاند ، عليك أن ترتاح أسبوعا على الأقل................
لم يستطع أندريس أن يخفي دهشته وهو يردد من ورائها:
_أسبوعا كاملا؟؟ مستحيل ؟!!!!
ذكرته قائلة:
_على أقل تقدير ........

_ لا بأس يا آنسة أنا سأهتم به .......
التفت الاثنان إلى نيكول الذي يستند إلى باب الغرفة بهدوء ، وعلامات التعب جلية على وجهه ، ابتعد عن إطار الباب وسار باتجاه أندريس ، وما إن وصله حتى قال بصدق وتأثر :
_صدقني أريد أن أضمك ، لكن أخاف على جرحك ، لذا سأكتفي بقول ، حمدا لله على سلامتك....
ابتسم أندريس لصديقه ذي القلب الرقيق ، ثم قال بمكر اعتاد عليه نيكول :
_ هل تريد أن تعلم ، ما هو الشيء الذي سيجعلني أشفى؟؟؟؟
تنهد نيكول بتعب وقد أدرك أن أندريس لن يرتاح إلا إن خرج من هنا ، تجاهل الطلب الغير مباشر الذي طلبه أندريس وقال بتأثر واضح ، وعيناه محمرتان :
_أندريس ..... لا أعلم ما الذي حدث ، كلما استيقظت تبدأ بقول كلمات غريبة ، لا أفهم ماذا تقول ، لكن ميديا تحدثها ، وكأنها تفهمها ، مع أنها تقول إنها لا تفعل .......
تقدم أندريس من الباب وفتحه ، ويبدو أنه تحرك بشكل خاطئ ، إذ صرخ ألما وهو يضع يده على صدره ، تقدم منه نيكول وأسنده وأخذ يساعده على السير في الممر الكبير وهو يقول محذرا:
_ إياك أن تقوم بأية حركة مفاجئة ، وإلا فإن الجرح سيفتح مرة أخرى .

تمتم أندريس بحسنا ، ثم طلب من نيكول متابعة ما كان يقوله قبل خروجهما ، نظر نيكول للأمام ،وتابع:
_كما قلت لك تبدأ بالتمتمة ،كل ما فهمناه منها كان :أندريس ، دماء ، أبي ، أمي ، لا تتركيني ، ....وكلمات كهذه ،
لا ترابط بين الكلمات ، لا أعلم حقا ما أقول ، ولكنها تبدو في حالة سيئة جدا ولولا وجود كايل ليهدأ من ورعها ،
لربما كانت ماتت من كثرة البكاء ، لقد اتصلنا بوالدها وقال إنه سيصل اليوم عصرا...
لم يعلق أندريس بكلمة ، وإنما قاده دماغه للتفكير في سبب ردة الفعل القوية هذه ، بالتأكيد الرصاصة التي أصيب بها لم تكن السبب ، وإنما هو بالتأكيد شيء حصل لها في الماضي ، لربما موقف مشابه ..........

وجد نفسه فجأة أمام باب خشبي ، نظر إلى نيكول الذي أومأ له بالإيجاب ، مد أندريس يده السمراء إلى المقبض وأداره ، و.........................................
لا لا يمكن أن يكون أندريس قد مات ! لا لا يمكن...هذا ليس معقولا ، هذا شيء مستحيل.....تناولت منديلا ورقيا وراحت تمسح دموعها ، التي تنهمر على خديها المحمرين ، نظرت إلى ميديا النائمة على الأريكة ، ثم إلى المقعد الذي تجلس عليه ساندرا ، ثم إلى الكرسي الخشبي الذي كان نيكول يجلس عليه منذ لحظات، وأخيرا رفعت نظرها لكايل الذي يضمها لصدره ، شعرت بيده القوية تمسح على شعرها بهدوء ، فهمست وهي تشعر براحة غريبة لا تعرف مصدرها:
_كايل .....
التفت ناحيتها وأصدر همهمة خفيفة ، رفعت عينيها الفيروزيتين إليه ، وسألته:
_ هل سيكون أندريس بخير ؟؟؟
ابتسم كايل بحنية ولمس أنفها المحمر ، وهو يجيب :
_أجل بالتأكيد ......
اقتربت منه أكثر ودفنت نفسها في صدره الحاني :
_أنا خائفة كايل ، خائفة ، لا أعلم لم ! كلما تذكرت ذلك المشهد تذكرت أمي وكيف ماتت ..........
وضع كايل إصبعه على شفتيها الرقيقتين ، وقال بحنو:
_لا داعي لأن تتذكري دايزي ، ارتاحي فقط ......
لم تستطع أن تفعل ما أمرها به ، وإنما رفعت وجهها إليه وقد عادت الدموع لتحفر خطوطا على وجهها ، وهي تقول بخوف وشهقاتها بدأت تعلو:
_لكن ماذا لو مات أندريس؟؟؟

_وأتركك لتنعمي بالحياة !! مستحيل !!
إنه هو ،صوته المخملي ، نبرته التي تتسم بالحدة وبنوع مميز من السخرية ،لهجته المتقنة ، كلماته التي لها وقع في النفس، صوته الذي يرسل رجفةلذيذة في قلبها .
أبعدت رأسها بهدوء عن صدر أخيها ، وراحت تتطلع إلى الواقف عند الباب ، شعر أسود كثيف حريري ، عينان زرقاوان حادتان، أنف أرستقراطي شامخ ، جبهة عريضة شاهدة على ذكائه ونبوغة ، منكبان عريضان ، طول فارع ، وجثة ضخمة ، نزلت عن السرير بهدوء ، وراحت تسير بخطوات متعثرة متجهة نحو أندريس ، الذي فتح ذراعيه على مصرعيهما ، وقفت أمامه للحظات ،تتفرس في ملامح وجهه الوسيمة ، سألت والدموع الماسية تتألق في عينيها مجددا:
_أندريس؟؟؟
ضحك بمرح طفولي ،وابتسامة جذابة تشق وجهه ، وتضفي على مظهره رونقا مميزا:
_هل نسيتني....أيتها الفأرة؟؟؟؟
هزت رأسها بلا ، وقد سالت على خدها الرقيق دمعة صغيرة بدت كماسة متوهجة، تبعتها الكثير من الماسات ،
اندفعت بسرعة و رمت نفسها في حضنه حيث تفجرت كل مشاعرها...... الشوق ، الحاجة للحنان ، الدفء ،الحب ، دفنت رأسها في انحناءة عنقه وأحاطت خصره النحيل بذراعيها ، وشهقاتها تعلو وتعلو، تنشد منه الأمان ،تريد الاطمئنان ، تريد أن تعرف أنه بخير ،رفعت وجهها الذي ملأته الدموع ليواجه وجهه الباسم ، رفعت يديها وتلمست فكه الحاد برقة ، ثم عادت تدفن نفسها بين ذراعيه ، أحاطها بذراعيه القويتين ، يعطيها ما ترغب من الحنان ، ويحوطها بشتى أنواع الأمان ، يمسح دموعها الغالية ، ويزيل الحزن عن ملامحها الرقيقة ، شعر بألم في صدره ، ولكنه لم يكترث فكل ما يريده هو بث الأمان في نفسها.

نيكول الذي صدم قليلا ، سارع لإيقاظ ميديا ، التي ظنت في بادئ الأمر أنها لا تزال تحلم ، رفعت يديها وصفقت خديها برقة :
_يا إلهي ، هذا كابوس ...!!!
جلس نيكول بجانبها ، وضمها لصدره ، وترك أصابعه لتتخلل شعرها الغزير ، وهمس في أذنها ، وأنفاسه الحارة تلفح عنقها الرقيق :
_ ليس كابوسا وإنما هو رد فعل وليد اللحظة ، وحالما يتخطيان الصدمة سيعودان كما السابق ،بعكسنا نحن ، سنبقى هكذا لآخر يوم في حياتنا .

انطلقت صوت تصفيق عال ، جذب الانتباه ، وكان المصدر كل من سان وكايل اللذان انسجما بسهولة ،
هتفت سان بصدق:
_رااااااااااااااااااااااائع .
وافقها كايل وهو يضيف:
_والصور كانت رائعة .
تساءل أندريس باستنكار :
_أية صور ؟؟؟
رفعت سان هاتفها وشغلت (مقطع الفيديو ) الذي صورته تريهم إياه ، أندريس قال بعدم اكتراث :
_ليس سيئا.....
بينما هتف نيكول بسعادة :
_هل يمكنك أن ترسليه لي ...
دايزي لم تهتم بالأمر كثيرا ، أما ميديا فكاد يغمى عليها من شدة الحرج . نهض كايل من جانب سان واتجه لأندريس ودايزي ، أبعد دايزي عن أندريس ، ثم وجه كلامه إليهما معاتبا:
_أندريس ، انظر ما الذي حل بك...

كانت الدماء القرمزية تصبغ الضمادة البيضاء التي تلف صدر أندريس ، شهقت دايزي برعب ، وراحت تصدر أوامر بلهجة هادئة:
_الجميع..... اصمتوا قليلا ، أندريس إلى السرير، كايل ساعده، ميديا أحضري بعض الوسائد ، نيكول ، أحضر الممرضات ، واطلب منهن بعض الضمادات ، والدواء المطهر ، وحقنة مهدئة ......
تجمد الجميع للحظة يحاولون استدراك الأوامر التي أصدرتها دايزي ، وسرعان ما تنبهوا عندما صاحت بهم :
_هيا ، ما الذي تنتظرونه ؟؟؟؟
ركض نيكول بسرعة إلى الباب ، وخرج منه ليحضر الممرضات ، في حين رتبت ميديا الوسائد على السرير ، وساعد كل من كايل وسان ودايزي أندريس لينام على السرير ، تأوه أندريس بخفوت ، فسألته دايزي باهتمام :
_هل يمكنك وصف مقدار الألم الذي تعانيه؟؟؟
أجاب أندريس بأنفاس متلاحقة :
_ هل تعلمين شعور الشخص عندما يقع من علو 50 طابقا ، ويشعر أن جميع عظامه محطمة .
قالت دايزي بتقطيبة وهي تبدأ بفك الضمادة عن صدره :
_لم أختبر هذا الشعور من قبل .!!
تابع أندريس بحس فكاهة غريب :
_حسنا لا داعي لذلك لأن ما أشعر به هو أبعد ما يكون عن ذلك ........
ضحكت دايزي لمقولته ، وتابعت عملها وهي تقول :
_ حتى في مثل هذه المواقف ، أنت مستعد للسخرية مني .....
في هذه اللحظة دخلت الممرضات ومعهن الطبيب المسؤول عن حالة أندريس ، تراجع الجميع بعيدا عن أندريس حتى يتيحوا للمرضات فرصة اتمام العمل ، ما عدا دايزي التي أبت إلا أن تضع الضماد بنفسها ، تنحنح الطبيب وقال يسأل بتهذيب :
_لكن يا آنسة هل أنت مؤهلة للقيام بهذا الأمر ؟؟
تناولت دايزي ، قفازات معقمة ثم استدارت إلى الطبيب ، وقالت بحزم :
_ بالتأكيد .......
تأوه أندريس بشدة حالما تم نزع الضماد عن صدره ، وبهدوء تام قالت دايزي :
_أعطه الحقنة ......
تناولت إحدى الممرضات الحقنة ،وحقنت أندريس بها ، تناولت دايزي المعقم وبعض القطن ، وراحت تمسح على مكان الجرح بعناية ودقة كبيرتين ، ثم تناولت الضماد وراحت تضمد صدره بهدوء ، وتصدر بعض الأوامر الهادئة ، كإعطائها المقص ، وتزويدها بالمعقم ، وأشياء أخرى كثيرة ..........
أعجب الطبيب بالهدوء الذي تعمل به دايزي ، فاقترب منها ومد يده مصافحا وهو يعرف بنفسه ، وضعت يدها في يده مصافحة ، ابتسم وهو ينظر لاتقان العمل الذي قامت به دايزي :
_ أحسنت يا آنسة ، إنه عمل متقن .
شكرته بهدوء ، في حين استرسل هو يقول :
_ لقد كنت هادئة جدا .....
قاطعه أندريس معترضا :
_ ظاهريا فقط ، بينما يداها كانتا ترتجفان ، وأنا واثق من أن قلبها كان كذلك....
طأطأ كايل رأسه ، ليخفي تلك الابتسامة التي سيطرت على شفتيه فجأة ، لكنه لم يستطع أن يكبت صوت الضحكة
فخرجت على شكل همهمات ضاحكة متقطعة ، أندريس الذي كان يأمل أن يخرج الطبيب بسرعة ، نظر لكايل بعتاب وهو يقول بسخرية مبطنة:
_ كايل هلا أضحكتنا معك؟؟؟ فكما ترى الجميع يبدو متحمسا ، بما فيهم الطبيب ....
شدد على آخر كلمة ، ونطقها بحدة وتحذير ، جعلت الطبيب يرتعش ويسارع للانسحاب من الغرفة بعد اختلاق عذر تافه ، وبعدما أغلق الباب خلف انفجر كايل بالضحك ، وهو يمسك بطنه بقوة ، استمر يضحك ويضحك ، وشعره يتناثر على جبهته البيضاء النقية ، وقد انعكس أثر الضحك في عينيه الخضراوين المتألقتين ، بعد أن استنفذ الضحك طاقة كايل ، هدأ تدريجيا ، واستكانت أنفاسه ، وتوقفت عيناه عن ذرف الدموع اللؤلؤية .

دايزي التي كانت تحدق في كايل تارة ثم تنقل بصرها إلى نيكول ، قالت فور انتهاء كايل من الضحك:
_هل تعلم يا كايل أنك ونيكول تشبهان بعضكما ؟؟؟
التفت نيكول إلى كايل ، ثم حول بصره إلى ميديا ، وقال ببراءة مصطنعة:
_فهمت الآن ....
_ ما الذي فهمته؟؟
سأله أندريس بهدوء ، فتابع نيكول يقول :
_ عندما جاء كايل احتضنته ميديا بقوة ، وقد عرفت السبب الآن ، لقد ظنت أنه أنا لذلك احتضنته.
قهقه الجميع لهذا التفسير الغريب ، في حين احمرت ميديا خجلا وهي تقول بتردد :
_لا، الأمر ليس كذلك ، إنما أنا لم أره منذ مدة ؟، وكنت مشتاقة إليه ......
تظاهر نيكول بالبكاء وهو يقول بحزن :
_ هذا يعني أنك لا تشتاقين إلي ، مسكين أنا ..............
ارتبكت أكثر ولم تعد تستطيع الكلام ، وفضلت السكوت ، في حين استمر الباقون بالضحك ........

نظرت إليهم دايزي بابتسامة ثم اعتذرت ، وخرجت لتغسل يديها ، في حين عاد الطبيب مرة أخرى ليرى أندريس، وجده مستلقيا على السرير ، فقال بتعالي:
_ لا تتعب نفسك سيد سوفاكيس ، جرحك لم يبرأ بعد ......
رد عليه أندريس ببرود مرعب وقد أظلمت ملامح وجهه ، وتحولت عيناه لزمردتين صافتين :
_ لا تقلق ، دايزي ستهتم بي ......
صر الطبيب على أسنانه بحقد ، ثم انسحب من الغرفة ، وصفق الباب خلفه بقوة ، صفر كايل بقوة وهو يقول :
_ حسنا هذه هي المرة الثانية ، أندريس اعترف أنت تغار على دايزي من الطبيب .....
نظر له أندريس بحقد ولم يعلق ، لكن كايل تابع :
_ألهذا قلت للطبيب أن قلب دايزي كان يرتجف عندما كانت تضمد جرحك؟؟؟
_ليس من شأنك..
قالها أندريس ببرود مخيف ، ثم نام على السرير وهو يعطيهم ظهره ، ابتسم أندريس بهدوء ثم أخفى رأسه تحت الغطاء ...

حسنا ، نعم ، أنا أغار عليها .......هل هناك شيء خاطئ ، أنتم لم تروا كيف كان يحدق بها ، كنت أريد أن أنكب
عليه وأسحب عينيه من مكانهما .

عادت دايزي إلى الغرفة واتجهت إلى أندريس الذي عاد ليجلس على السرير، وفتح ذراعيه يستقبلها ،
جلست بجانبه وأسندت رأسها إلى صدره ، ضمها إليه بحنان وراح يمسح على شعرها ، وهو يسأل :
_ ما الذي حدث لك؟؟؟ سمعت أنك بكيتي كثيرا ، فما كان السبب ؟؟
اقتربت منه أكثر وهي تقول بصوت متحشرج ، وقد شعرت بالأمان نفسه الذي شعرت به عندما أخبرته عن كايل، فأرادت أن تفصح له عن سبب بكائها وخوفها :
_ إنها أمي ، لقد ماتت بنفس الطريقة ، أصابتها رصاصة في صدرها ، ولسوء حظها كنا على قارب في البحر ، وقعت في البحر ، وتسربت دماؤها ، ولم نستطع إنقاذها .
رفعت يدها تمسح دموعها التي أصبحت تنهمر كثيرا ، ثم تابعت :
_كان نفس المشهد تقريبا ، في البداية صوت عيار ناري ، ثم صوتها تتألم ، ثم ترنحت للخلف مثلك تماما وسقطت في البحر ، وانتشرت دماؤها .
قربها منه ودفن رأسه في شعرها الناعم ، وهويسأل بحنان ويحاول أن يكون هادئا ورقيقا قدر الإمكان:
_كم كان عمرك في ذلك الوقت؟؟
همست بصوت مرتجف :
_ 3 سنوات تقريبا.
تأوه بخفوت وهو يدرك صدمتها ، كان في السادسة عندما مات والداه ، وأصيب بصدمة ، فكيف إن كان في الثالثة ، ثم إن والديه لم يموتا أمامه ، كان الأمر مرعبا بالتأكيد ........

قال كايل مقطبا:
_ألا تلاحظون أن هذا الباب قد فتح كثيرا اليوم؟؟؟
نظر الجميع ناحية الباب الخشبي الذي أطلت منه فتاة ، ذات شعر أسود طويل ناعم ، وعينان خضراوان ، جالت عيناها في المكان بحثا عن الشخص المطلوب ووجدته على السرير ، فانطلقت إليه بسرعة وحضنته وهي تردد :
_خفت عليك أندريس ، لكن السيد هاري قال إنك ستكون بخير ......
ابتسم لتلك البراءة التي تغلف كلماتها ، التفتت أنيتا ناحية دايزي وكشرت وهي تردد بامتغاص :
_لماذا تنام هذه بين ذراعيك؟؟؟
التفت أندريس إلى دايزي ، التي لا تزال الدموع معلقة برموشها الكثيفة ، سحره المشهد ، عينان لامعتان ، بشرة بيضاء صافية ، أنف محمر ، ووجنتان ملتهبتان ، التفت إلى أنيتا الغاضبة وقال :
_ الحقيقة إنه سريرها ولكنني متعب جدا ، لهذا أعارتني إياه .
نظرت نحو دايزي ، والغيرة تشع من عينيها (( لماذا يهتم بها؟؟ بسببها لم يعد أندريس يهتم بي ..... أنا أكرهها))
سأل أندريس وهو يبعثر شعر أنيتا :
_من أحضرك؟؟
رفعت يدها لشعرها تعيد تنظيمه وهمست:
_صوفيا .....

لفت الاسم انتباه كايل (( هل من الممكن أن تكون هي ؟؟ لم لا ؟؟؟ قد تكون مع أندريس في رحلة عمل !!))
كأنما تذكرت أنيتا شيئا ، فسارعت تقول بحماس :
_أندريس ، لقد رأيت فتاة شقراء غريبة في الممر ....
كان أول من خطر في بال أندريس ، لوسيتا ، استاءت دايزي لسماع هذا الاسم ، لكنها حاولت جاهدة حتى لا تظهر استياءها ، لكن أنيتا طمأنتها حالما هتفت :
_ لا ، إنها شقراء حقا ، وشعرها ليس مصبوغا كلوسي الغبية ، لديها عينان بنيتان ضيقتان ، وهي نحيفة جدا جدا جدا ، وقبيحة كذلك ، ليتك رأيتها ، كيف كانت تسير ، تبدو مقززة بشكل مقزز....

قال أندريس معاتبا ، وهو يضربها بخفة على وجنتها:
_كفي عن انتقاد الناس ....
تمتمت بحسنا ، وهي تنظر ناحية كايل بغرابة ، ثم سألت وهي تشير إليه :
_أندريس من هذا ؟؟؟
قال أندريس يعرفها :
_إنه كايل سميث ، أخ دايزي ....
حدقت بكايل بحاجبين مرتفعين ، واستمرت تحدق به وكذلك فعل هو ، وفي النهاية قالت :
_يبدو ظريفا ....
رد كايل بدماثة:
_وأنت كذلك آنستي .......
ترجلت من جانب أندريس واتجهت إليه تمد يدها مصافحة وهي تقول :
_نادني أنيتا ..
صافحها بهدوء ، والابتسامة تزين وجهه :
_تشرفت بمعرفتك أنيتا ...

_أبعدي يدك أنيتا ستتلوث أؤكد لك ...
صدم كايل بشدة ، وشعر أن أحدهم وجه له صفعة قوية ،إنه ذلك الصوت الحاد ، صوت الفتاة التي كان كايل يبحث عنها ، إنها هنا ، ارتسمت ابتسامة فاتنة على شفتيه ، واستدار مسرعا ، وهو يقول :
_لا يمكن أن تظلي غاضبة مني إلى الأبد ، عزيزتي ...
دخلت الغرفة بخطوات رزينة وصوت هادئ ، يخالف تلك النبرة الحماسية التي اعتاد عليها الجميع :
_لست عزيزتك ، وأنا لا أكرهك ، فمن تكون أنت حتى أكن لك مشاعر خاصة ؟؟؟ثم ما الذي جاء بك إلى هنا؟؟
قالت جملتها الأخيرة وهي تصر على أسنانها بقسوة ....

أراد أن يجيبها إلا أن فتاة أخرى شقراء الشعر دخلت الغرفة ، وهي تقول بصوت مائع :
_مرحبا جميعا................
التفت الجميع بمن فيهم دايزي لصاحبة الصوت وهنا كانت المفاجأة ، رفعت دايزي يديها لتغطي عينيها ، شعرت بألم فظيع في رأسها ، اقتربت الفتاة بدلع مقزز من كايل ، وأمسكت ذراعه وقالت بدلال مثير للاشمئزاز :
_كيف حالك عزيزي ؟؟
نظر إليها شزرا ، والشرار يتطاير من عينيه ، وهمس بحدة :
_ كانت جيدة ....
أفلتت يده وهي تقول بتأثر مصطنع:
_ آسفة لسماع ذلك ....
التفتت نحو دايزي التي كانت تشعر بأن الأرض تميد بها وهمست بمكر :
_عزيزتي دايزي ، كيف حالك؟؟؟
ردت دايزي بهمس حاقد :
_ ما الذي تريدينه ؟؟؟.........سيلفيا!!!!
__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
رد مع اقتباس
  #14  
قديم 05-05-2017, 06:27 PM
 
البارت الحادي عشر
أنيتا: حالما رأيتها ، شعرت بأنني على وشك التقيأ ، ألا ترى نفسها ؟؟؟ إنها مقززة ، إنها غير ملتزمة بالأناقة ، حتى ملابسها غير متناسقة ، ليست جميلة البتة ، ووجها مليء بالأصباغ ، لا أدري ما هي ردة فعل الباقين وبالأخص كايل ، مسكين يبدو شخصا لطيفا ، أنا حقا خائفة أن يكون مرض التكبر ينتقل بالعدوة .....

كايل : صدمتان في نفس الوقت ، أشك في أن أحدكم يريد أن يكون مكاني ، صدمتي الأولى كانت رائعة ، لم أكن أستطيع الحراك ، صوتها الحاد ، تغلغل إلى أعماقي ليرسل تلك الرجة الخفيفة اللطيفة ، في كياني ، ويبعثر شتات نفسي ، لكم تطلعت لهذا اللقاء ، حتى لو لم تجمعنا الصدف ، كنت لأبحث عنها ، وأجدها ، وأجعلها تقع في حبي ،
كما سبق وأوقعتني في شباك مصيدة حبها العذب ، صدقيني يا صوفيا ، رغم أننا لم نلتق سوى بضع دقائق إلا أن تلك الدقائق كانت كفيلة ، بجعلي أغوص في حبك ، وسأظل متمسكا بهذا الحب ، لآخر أيام حياتي .
أما صدمتي الثانية ،فقد حطمت كل الأحلام الرقيقة التي اجتاحت كياني ، وحولتها إلى حطام ، دخلت كالعاصفة، يا إلهي ألا يكفيها ما فعلت ؟؟؟ ألا يكفيها كم الدمار الذي أشاعته ؟؟ لمستها كانت كفيلة بجعل كل عضلة في جسدي ترتجف اشمئزازا ، طريقة مشيها تقرفني ، مسكينة دايزي ، لا أعلم كيف ستتحملينها.........

صوفيا: حقا لا أعلم ما الذي دعاني لقول ما قلته ؟؟ كل ما أعرفه أن شيئا ما تحرك في داخلي فور رؤيتي له ، لا أعلم ما هو ........ لربما أردت أن أرد اعتباري ، لكن هذا ليس مهما الآن ، فلقد اشتقت حقا لوجهه المرح ، ذو الملامح الجذابة ، لديه وسامة خارقة ، لا بد أن له أصلا إيطالياأو إسبانيا ، فهناك نوع من الخشونة في صوته ، كما أن لديه بحة مميزة غريبة لم أسمع مثلها قبلا ، لكن أحلامي تناثرت مع الرياح التي سببها دخول تلك المتشردة ، ما الذي جاء بها إلى هنا ؟؟ سمعت ديزي تردد بخفوت سيلفيا ....تساءلت : هل هذه هي سيلفيا حقا ؟؟ ولم تمسك بيد كايل بذاك التملك ؟؟ أصابني الدوار عندما جال برأسي فكرة كونها حبيبة كايل ............

ميديا: صدمتي كانت قوية ، كأنني تلقيت ضربة على الرأس ، شعرت بأن الضباب خيم على المكان ، سيلفيا هنا ، آه لكم أكره تلك الفتاة ، نظراتها الزائغة تصيبني بالاشمئزاز ، لقد قامت بتفحص الشباب الثلاثة وبكل وقاحة ، وأراهن أنها فعلت ذلك مع كل شاب مرت به ، لا شعوريا ، شددت قبضتي على يد نيكول ، نظر إلي بخوف ، وأحاطني بذراعه ثم ضمني لصدره الحنون ، تطلعت بسيلفيا التي يبدو أن تصرف نيكول لم يعجبها ، أنا حقا خائفة من أن تبدأ بزرع الفتن بيني وبينه ، رفعت عيني إليه أتفحص وجهه الوسيم الأسمر ، ونزلت دمعة رقيقة على خدي لهذا الاحتمال ، خفت كثيرا ، فدفنت رأسي في صدره ، أدعو الله أن يبعد شرها عنا ........

نيكول : شعرت بيد ميديا على ذراعي فالتفت إليها ، رأيت أن وجهها قد شحب فخفت وأسرعت أضمها لصدري ،
ولسبب ما انحدرت دمعة رقيقة على خدها ، لم أشأ أن أقلقها أكثر ، فتركتها ترتاح ، وقربتها مني أكثر ، ثم رحت أوجه نظراتي إلى تلك الفتاة التي جعلتني أشعر بالمعنى الحقيقي للمصطلح المسمى بالقرف ، وأكثر ما جعلني أشعر بالاشمئزاز الطريقة التي أمسكت فيها بيد كايل وهي تتكلم بمياعة ، مسكين كايل ، حقا مسكين ...

أندريس : هذا ما كان ينقصني .... الرحمة !! حقيقة هذه الفتاة حتى نظراتها وقحة ، إنها تتطللع في مذ دخلت دون أن يبدو عليها الحياء ، وإنما نظراتها صريحة ، شعرت فجأة بألم حاد في صدري ، فشدت قبضتي على ثوب دايزي من الخلف ، نظرت إلي بقلق وخوف ، فابتسمت لها وأنا أرى عينيها تتفحصانني بقلق ، أحطت كتفيها الرقيقين بذراعي ، وضممتها لصدري ، وكما توقعت فقط اغتاظت تلك الفتاة ، وراحت تصر بشدة على أسنانها،
لم أكترث لها وإنما رحت أمرر أناملي في شعر دايزي ناعم الملمس وأتمتم في أذنها بكلمات لأغنية يونانية ، شعرت بها تسترخي ، ولكن لم يفتني توترها ، ونظراتها الحادة المصوبة نحو المسماة سيلفيا ....

دايزي : هل أقول لكم :إنني لم أخف ؟؟؟ لا بل فعلت ، وإن كان شعور التحدي قد طغى على شعور الخوف ، إلا أنني شعرت به ، فسيلفيا تسبب لي المشاكل مذ كنت صغير ، لقد تسببت بطردي عندما كنت في المدرسة المتوسطة ، واتهمتني كذبا ، وفي الثانوية أوجدت العديد من المشاكل بيني وبين كايل ، ونسبت لي بعض التهم ،
كبيع الممنوعات ، وتجارة المخدرات بل وتعاطيها ، كانت جريئة جدا ، تذهب للشرطة وتخبرهم بتلك الأمور الكاذبة ، وقد حدث أن جاءت الشرطة بضعة مرات لتعتقلني على ذمة التحقيق ، ولكن الفضل لوالدي وكايل ،
اللذان دافعا عني ، وكالعادة كانت تنجو بأفعالها بسبب نسبها العريق وقرابتها من العائلة الحاكمة ، صحيح أن عائلتي مشهورة إلا أنها ليست ذات نسب عريق على العكس من سيلفيا التي لها نسب ضارب في أعماق التاريخ الإنجليزي ، فجأة شعرت بيد أندريس تشد على قميصي ، فسارعت للنظر إليه ، ولم تغب عني تلك النظرة المتألمة ، شعرت بحرقة في عينيي وتجمعت الدموع فيهما (إنه يتألم) ، أحاطني بذراعه القوية ، وجذبني بهدوء إلى حضنه ، أرحت رأسي على كتفه ، ورفعت يدي لتستقر على موضع الرصاصة على صدره ، نظرت إلى سيلفيا حيث اتجهت الأنظار ، لكن فجأة ،لم تعد هي محط الأنظار ، وإنما الواقف بالباب ، رفعت رأسي بذهول عن كتف أندريس ، حدقت به كأنني أراه لأول مرة ، ولكن الحقيقة أنني كنت بحاجة له ،بحاجة إلى حنانه ، إلى دفئه ، إلى رقته ،آاااااااااااااااااااااه لكم اشتقت إليه ، تركت أندريس وركضت بسرعة خارقة متجاوزة سيلفيا الحانقة ، وارتميت إلى صدره الحاني ، ولم يتردد هو وإنما سارع ولمني بكل شوق ، وهمس بأذني :
_لقد اشتقت لك يا طفلتي ......
سار بقامته المنتصبة في ممرات المشفى ذات الجدران البيضاء ، أخذ نفسا عميقا ، فتشبعت رئتاه برائحة المشفى تلك التي تبعث في نفسه بعض الذكريات الحزينة ، رفع يده القوية بهدوء وانتزع نظارته الثمينة ، التي تخفي خلفها عينان بنيتان رائعتي الجمال ، حرك عينيه الساحرتين لتستطلعا المكان ، واستقرتا على مكتب الاستقبال الكبير ، ذاك الذي تجلس خلفه فتاة تبدو في مقتبل العمر ، كانت تحدق به ، ويبدو أنها لم تكن في كامل وعيها إذ كانت تطلق العديد من التنهيدات ، اقترب منها بهدوء وهو يلوح بنظارته السوداء ، استند إلى الطاولة بذراعه ، وسأل بنفاذ صبر :
_من فضلك يا آنسة ، هلا دللتني على غرفة الآنسة دايزي بريسكوت ؟؟؟
كلماته الملحة أيقظت الفتاة من غفوتها القصيرة ، بدا على وجهها الرقيق الارتباك ، ولكنها سارعت تخفيه خلف ابتسامتها التي ترسمها على فمها ، عندما تسأل عن سؤال مشابه ، داعبت أناملها لوحة المفاتيح ، وسرعان ما رفعت رأسها لتقول بمرح :
_الغرفة رقم 25 ، ولكنني آسفة يا سيد لا يسمح لأحد بزيارتها ....
لم يعرها اهتماما وإنما سار في طريقه متجاهلا نداءاتها المتواصلة ، غضبت الفتاة وبشدة ، وخرجت مسرعة من خلف طاولتها ، وسارت حتى وصلته ، أمسكت بذراعه بشدة ، فتوقف ، التفت إليها وهو يحاول أن يرسم ابتسامة ودودة على وجهه ، ولكن يبدو أنه فشل إذ تراجعت الفتاة للخلف ، وهي تعتذر ، ثم راحت تتمتم بارتباك ظاهر :
_آسفة يا سيدي ولكن الآنسة أصيبت بانهيار عصبي ، ويقول الأطباء إن عليها أن ترتاح أسبوعا كاملا .
استدار ليواجهها ، حدق بوجهها الممتلئ ، وابتسامتها التي يبدو أنها مخصصة للشبان فقط ، وقال ببرود قاتل ،
أرسل رعشة في جسدها الرقيق الفاتن :
_هل لك أب يا آنسة ؟؟؟
هزت رأسها بنعم ، فتابع يقول :
_ لا بد إذن أنك تعلمين مدى قلق الآباء على أبنائهم ، وابنتي الوحيدة في الداخل ، وأنا أريد رؤيتها حالا...
شهقت الفتاة وهي تردد :
_أنت والدها ....ولكن لا يبدو عليك هذا .
ابتسم بسخرية لشدة سذاجتها ، وانتزع ذراعه من بين يدها ، وهو يتمتم لنفسه بهدوء ساخر ((لا بد أنني خيبت أملها !!)) . توقفت قدامه أمام باب خشبي كتب عليه ( غرفة رقم 25) ،لم يكن بحاجة لطرق الباب فقد كان مفتوحا ، كان المنظر غريبا بعض الشيء ، فالسكون قد عم المكان ، والكل يحدق ناحية الفتاة التي تعطيه ظهرها،
لقد بدأ يشعر بأن هناك شيئا خاطئا في الأمر ، ينتابه شعوربأنه يعرف هذه الفتاة ، لم يكن هذا هو ما يهمه ، بل كانت طفلته الصغيرة ، التي تجلس بقرب شاب قوي البنية ، يبدو الألم على ملامحه ، هتف بصوت خافت :
_ مرحبا!!
وعلى الفور رفعت رأسها الأشقر إليه ، وطالعته عيناها الفيروزيتين ، وابتسامتها التي كشفت عن صف من اللؤلؤ، فتح ذراعيه لها ، فنهضت مسرعة من جانب الشاب الذي تطلع إليه بتركيز محاولا استذكار ملامحه، وتجاوزت الفتاة التي لم تحرك ساكنا وإنما يبدو عليها أنها تحدق بشيء ما ، وارتمت في حضنه ، ولم يقاوم هو رغبته في ضمها ، بل سارع يحيطها بذراعيه . شدت على قميصه الحريري ، وبللت دموعها ثيابه ، ولكنه لم يكترث وإنما همس في أذنها بحنو:
_لقد اشتقت لك يا طفلتي!!
رفعت دايزي رأسها نحوه ، وتأملت ملامح وجهه الباسمة ، اتسعت ابتسامته ، وظهر تغضن على زاويتي عينيه اللتين شعتا بإشراق، همست وهي تعاود دفن رأسها في صدره:
_وأنا اشتقت لك أبي ..
ابتسم كايل بحنان لهذا المشهد ، وراح يتذكر كم كان السيد مارك ، الذي ضمه إليه بعد أن توفي والده ، إثر نوبة قلبية،حنونا معه ، ارتعش جسده وهو يفكر بأنه قد أخطأ كثيرا بحق الرجل الذي كان له الوالد ، والصديق ، والأخ ...

رفع مارك وجه ابنته الباكي ، ومسح دموعها الرقيقة وهو يقول بعتاب خفيف:
_لو كنا نجمع دموعك لكنا حصلنا ثروة ليست بالصغيرة..
ولأول مرة منذ دخوله ،استدارت الفتاة الشقراء إليه ، لم تكن سيلفيا شخصية مجهولة بالنسبة لمارك الذي عانى كثيرا من محاولاتها للإيقاع به، فرغم أنه يكبرها بـ 23 سنة ، إلا أنها كانت من الوقاحة بحيث تسعى لإغراء رجل بعمر والدها . رفعت يدها ذات الأظافر المطلية بعدة ألوان ، ولوحت لمارك وابتسامة ماكرة تشق فمها الكبير ، أنزلت يدها وهي تقول باستخفاف :
_لا أظن أنك كنت ستجني دولارا واحدا ، عزيزي !!
شعر مارك بالنفور من صوتها الذي يبدو كصوت دجاجة أصيب ببحة ، لا بل كان كالصوت الذي تصدره أظافرها الطويلة ، عندما تقوم بتمريرها على لوح كتابة . أدار دايزي ليقابل وجهها الذي استعاد حيويته ، ثم أعاد ناظريه لسيلفيا التي اتجهت لتجلس على الطرف الآخر للأريكة التي تجلس عليها سان، وقال وهو يحوط كتفي دايزي النحيلين بذراعه الصلبة :
_ بل صدقيني ، أيتها الآنسة ، فدموع العزيزة غالية جدا ، وجدا جدا ، بحيث لا يوجد سعر يمكن أن يوازي غلاتها.
كشرت سيلفيا بانزعاج ، في حين قاطع كايل هذه المناقشة قائلا بمرحه الذي شابه قليل من العتاب :
_ حسنا ، شكرا لك أبي ،كل هذا لدايزي؟؟؟ وماذا بقي لي أنا ؟؟!!
ابتعدت دايزي عن والدها مفسحة المجال لكايل ، الذي قطع الغرفة بخطوتين كبيرتين ، واتجه لوالده وقابله بعناق حميم . همس كايل بشوق ونبرة مختنقة :
_اشتقت لك ....
كان جواب مارك مشابها ، فتابع كايل :
_أنا آسف على كل ما سببته لك أبي !!
ربت مارك على كتفي كايل ، وقال بفخر :
_ما دمت قلت (أبي) فأنا أسامحك على كل ما فعلته ...

دايزي التي أسندت نفسها إلى الجدار كانت في غاية السعادة ، لكن الشيء السيء الوحيد ، كان وجود سيلفيا صاحبة النظرات الخبيثة الموجهة إلى كايل ، رفعت دايزي يدها إلى صدرها وقبضت عليها بقوة ، وعيناها تتألقان بتركيز ، راحت تفكر في نفسها (( إنها هادئة ، وتجلس كالمعتاد ، أوه سيلفيا سأنتقم منك يوما ما ))
حركت سيلفيا عينيها باتجاه ساندرا الهادئة ، فلاحظتها دايزي ، وراحت تصر على أسنانها بغضب ، تحولت عينا سيلفيا إلى نيكول وميديا ، وبان الحسد فيهما ، تطلعت دايزي نحوهما ، وقلبها يرتعش من أن تحاول سيلفيا تحطيم حبهما الرقيق ،عادت العينان البنيتان الضيقتان لتجريا مسحا للغرفة ثم استقرتا على صوفيا التي يبدو عليها التفكير العميق ، رفعت إبهامها إلى فمها وراحت تقضم أظافرها وهي تردد في نفسها بقلق : ((هذا ما لم أحسب له حسابا )) ، ثم في النهاية أدارت سيلفيا رأسها لتقع عيناها على الشعر الأسود الكثيف والعينان الجليديتان الذكيتان. حدق بها أندريس ببرود ووجوم ، ولم يلق لها بالا ، ظهر النفور على وجه سيلفيا وهي ترى عدم اكتراثه ، لكنها عادت تهز رأسها وهي تتوعد الجميع بانتقام مرير ، لذنب لم يقترفوه .

ابتعد كايل عن مارك بهدوء وقد اتسعت ابتسامته وتألق وجهه الوسيم ، وقال بصوته العالي وهو يؤشر على مارك الذي لازال يحيط كتفي ابنه بذراعه القوية :
_ أعرفكم بالسيد مارك بريسكوت ، والدنا أنا ودايزي .
رفع مارك يده محييا ، وقد عاد ذاك التغضن ليظهر عند زاويتي عينيه ، عندما ابتسم :
_ كيف حالكم ؟؟
تقدمت دايزي منهما وأشارت لنيكول الباسم :
_ أبي أعرفك على نيكول بروس ، حبيب ميديا ..
احمرت ميديا خجلا وأخفت وجهها بين يديها ، في حين قهقه الجميع لهذا الخجل ، أحاطها نيكول بذراعيه وهتف بتأنيب :
_ دايزي هلا كففت عن ذلك ؟؟؟
ثم التفت إلى مارك وقال باحترام:
_سررت بالتعرف إليك سيدي ..
قطب مارك بخفة وهو يقول :
_نادني عمي ، فهذا أفضل .
أكملت دايزي وهي تشير إلى ساندرا :
_هذه ساندرا بروس شقيقة نيكول التوأم .
حيته ساندرا بخفة وود ، فتابعت دايزي تشير إلى صوفيا :
_وهذه .....
قاطعها كايل بنبرة استفزازية تعمد فيها إغاظة صوفيا :
_الآنسة صوفيا ، سكرتيرة السيد سوفاكيس ، لكن للأسف لا أدري أي واحد ، فهما اثنان ....هذا ما قالته لي يوم ذهبت إلى الشركة ، وهذا يثبت نظريتي التي تقول ، السكرتيرات اللاتي يعملن في الشركات الكبرى ، حمقاوات .

قال كلمته الأخيرة بصوت عال ، في حين وقفت صوفيا عند الباب ، وهي ترفع أكمام قميصها إلى المرفقين ، وفي عينيها شرارة غضب ، أربكت كايل وجعلته يتراجع إلى الوراء بضع خطوات ، تقدمت منه بهدوء :
_حمقاء إذن !! حسنا أيها القط الأشقر سأريك ماذا ستفعل بك هذه الحمقاء .
تقدم خطوتين إلى الأمام وكرر بغضب اجتاح جسده:
_قط أشقر ؟؟ اسحبي كلامك حالا.
رفعت حاجبيها تستفزه ، وقالت بتحدي:
_وإن لم أفعل ؟؟
رفع سبابته في وجهها ، وقال يصر على أسنانه:
_ستفعلين ،رغما عن أنفك.
أنزلت أكمام قميصها الرقيق ، وراحت ترتب ملابسها ، وتقوم بضبط شعرها متجاهلة إياه ، ثم قالت بلامبالاة:
_ومن سيجبرني؟؟أنت؟!!
قالت كلمتها الأخيرة باستهزاء ، وهي تتجه إلى الكنبة الصغيرة وتجلس بين سيلفيا وساندرا . حدقت سيلفيا بصوفيا بتعال ، وراحت ترمقها بنظرات متفحصة أثارت حفيظة كايل ، الذي كان يراقب من بعيد . تنهدت دايزي بتعب ، ثم قالت وهي تشير إلى أندريس الباسم:
_والأخير هو أندريس سوفاكيس ، أظنك التقيت به ، لقد قلت لي هذا مسبقا ..
تقدم مارك برزانة من السرير ثم رفع يده مصافحا ، وعيناه تشعان احتراما وتقديرا لأندريس الذي تحامل على ألمه واعتدل في جلسته قليلا ، قال مارك وهو يشد على يد الشاب الأسمر :
_ أجل صحيح ، لقد التقيته مسبقا كزائر عند الملك ، أما الآن...
أدار رأسه لدايزي ، وعمزها بخفة وهو يسترسل :
_ فأنا أقابله بصفته أول صديق لابنتي .
استلزم دايزي بعض الوقت ،لتفهم ما قاله والدها ، وفجأة شعرت بأن شيئا ما قد أصابها في رأسها ، وتسبب في استيقاظها من غيبوبة بدت لها طويلة . اختفت النظرات الخائفة التائهة ، لتحل محلها النظرات الحانقة ، واختفت تلك الابتسامة الودوة ، لتحل محلها تكشيرة محملة بغضب عارم ، وكذلك اختفى الارتخاء الذي كان يحوط جسدها، وترك التشنج ليسيطر عليها . صرت على أسنانها بقوة ، لكنها لم تصرخ وإنما كانت المفاجأة أنها ابتسمت بخفة ، ثم رفعت يدها لتبعد بعض الخصلات الشقراء عن جبينها الأبيض ، وسارت بتعال يوازي التعالي الذي سارت به سيلفيا ، وراحت تقول بصوتها الناعم ذي النبرة الحادة:
_ عليك أن تفهم أبي أنا وأندريس لا ، ولم ، ولن يكون بيننا شيء ..
حولت نظراتها ناحية أندريس الذي كان يبتسم باستهزاء ، كما لاحظت من طرف عينها سيلفيا ، التي يبدو عليها الاستمتاع ، وقالت بقليل من التحقير وهي تشير إلى أندريس:
_ ثم ، عندما أختار صديقا لي على حد قولك ، سيكون وسيما ، ذكيا ، قويا ، واثقا ، عزيز النفس.
جلس مارك على السرير يراقب ابنته الغبية ، لطالما كانت عنيدة فيما يختص بمشاعرها ، أشار لها بيده وهو يسأل :
_ أليست هذه هي مواصفات أندريس ؟؟
وعلى الفور ، اعتلى وجه دايزي تكشيرة غير راضية ، وهي تقول باستياء:
_لا هذا مستحيل ، انظر إلى وجهه..
قالتها وهي تشير إلى أندريس الساخط ، ثم أردفت:
_هل هذا وجه وسيم ؟؟؟ لا بالطبع ، حسنا هل يبدو عليه الذكاء ؟؟
رفعت يديها ووضعتهما على رأسها وهي تقول :
_بحق الله ، الغباء مرسوم على جبينه الغجري ، كما أنه ليس واثقا ، وإنما مغروووور .
أخذت نفسا عميقا ، أطلقت معه بقايا عضبها الذي لم تستطع الكلمات أن تعبر عنه ، هتف أندريس بضيق :
_هل انتهيت؟؟
رفعت حاجبها استنكارا وقالت بحدة تناسبت مع جو الغرفة الصامت ، والذي بدا لها ثقيلا فجأة:
_ أجل ، ما الذي ستفعله ؟؟؟
هز رأسه بهدوء وقال مشيرا إلى جراحه:
_انظري إلي ،أنا مصاب ولو لم أكن لقمت الآن بتأديبك ، بطريقتي المفضلة .
ارتعشت دايزي قليلا ، لكلماته الهادئة ، وقد كانت واثقة من أنه لن يتوانى عن تنفيذ العقاب مهما كان :
_ وما هي طريقتك المفضلة؟؟
كتف يديه ، وقال بتحاذق :
_أتعلمين أن الأساتذة الإنجليز ، كانوا يضربون الأطفال على مؤخراتهم عندما يقومون بأعمال شينة ؟؟؟

وعلى الفور كانت دايزي تختبئ في حضن شقيقها ، ووجهها باتجاه أندريس ، حدق فيها بسخرية ، أرسلت ارتعاشة بسيطة على طول عمودها الفقري ، حاولت أن تخفي قلقها ، فمدت لسانها تستفزه ، لكنه ابتسم ،
لم تكن ابتسامة كاملة وإنما شبحا لابتسامة ساخرة ، رفع يده السمراء إلى شعره المبعثر ، وراح في محاولة لترتيبه ، وهو يقول بكسل:
_حسنا دايزي ، سررت بتلك الفترة التي كنت تبكين فيها علي ، وتصرخين ((أندريس أرجوك لا تمت)).
قال كلماته الأخيرة وهو يحاول تقليدها ، ما جعل دايزي تشتعل خجلا وغضبا في آن ، بدا الجميع مستمتعا بالتمثيلية ، بالأخص سيلفيا التي لم تكف عن القهقه بصوت عال لا يناسب فتاة عريقة الأصل . رفعت يدها الهزيلة وراحت تمسح بعض الدموع التي لم تنزل قط ، فدموع عينيها قد تحجرتا ، كما سبق وتحجر قلبها ، قالت باستخفاف محدثة أندريس :
_هل أنت واثق من أن دايزي كانت تبكي ؟؟
لم يجبها وإنما عادت اتكشيرة لتغطي وجهه ، فوجهت سيلفيا كلامها لدايزي ، لكن الأخيرة قالت بذكاء :
_ الدموع هي دليل الإنسانية سلفي ، وهي على أي حال شيء لا تملكينه..

هكذا إذن دايزي ، تحقرينني أمام الجميع ، سنرى ما الذي ستفعلينه عندما يحضر (ألبرت) ، ستنهارين بالتأكيد ، سأريك ، أنت وأندريس ذاك ، أنا أحضر له مفاجأة عظيمة ، وعظيمة جدا جدا . وكذلك ميديا العزيزة سنرى ما الذي سيحل بقلبك الرقيق عندما ترين ألبرت مجددا ، يا ترى ماذا ستكون ردة فعل صديقك الوسيم ، ستفقدينه بالتأكيد ، أما صوفيا فسيكون علي أن أتفرغ لها فلا تبدوا لي سهلة البتة ، وكذلك ساندرا التي سأحيل حياتها جحيما ، كل ما علي هو زيارة بعض الناس هنا والاستفسار عن حياتها السابقة ، وبالتأكيد سأجد شيئا ما أمتع به نفسي ، انتظروني أيها الأغبياء ، سأريكم النجوم في عز الظهيرة ، سأجعلكم تعيشون في الجحيم ، لن ينجوا أحد مني. بعدها سأتسلى بالشبان الثلاثة ، فكايل يتجاهلني كثيرا ، حسنا علي أن أبدأ حالا.

نهضت عن الكنبة بهدوء ، وراحت تقطع الغرفة وصوت حذائها يصدر ضجيجا مزعجا ، رمقت دايزي بتعال ، وسارت بمحاذاتها متعمدة أن تصطدم كتفها بكتف دايزي ، قرت شفتيها اللتين صبغتا بلون قاتم ، من أذن دايزي ،
شعرت دايزي بأنها ستختنق من رائحة عطر سيلفيا المريعة ، والتي جلبت الدوار لنفسها ، همست سيلفيا بمكر :
_ما رأيك لو قلت لك بأن ألبرت قادم؟؟
وشدت على كلمة ألبرت ، ثم سارت دون أن تنتظر ردة فعل دايزي ، التفتت دايزي خلفها بسرعة ، ولكن سيلفيا اختفت ، ((هل يمكن ؟؟ لا لن يعود ليدمر حياتنا م جديد ، يا إلهي ، تلك الفتاة لا يأتي منها إلا كل ما هو سيء ، أكرهك سلفيا)) ، حاولت أن تتجاهل كلمات سيلفيا التي بقيت تصدح في أذنها إلا أنها لم تستطع ، رفعت يديها وأحاطت رأسها الأشقر ، ورحات تضغط عليه بقوة محاولة محو الصداع الذي سيطر عليها فجأة ، أحست بيد على كتفها ، فاستدارت باسمة لتواجه ، وجه أخيها القلق ، الذي سارع يسأل بخوف :
_ماذا قالت لك ؟؟
لوحت بيدها موحية إليه ألا شيء مهم ، وقالت بعدم اكتراث وهي تسير ناحية أندريس الذي بدا عليه الألم :
_لا شيء مهم ، إنها تتوعد كالعادة .
اقتربت من أندريس الذي لم يعد يستطيع إخفاء ألمه ، وضعت يدا على صدره والأخرى خلف ظهره ، وساعدته لينام ، وهي تقول بقلق شابه عتاب بسيط:
_ كله بسبب إهمالك ، كان عليك أن تبقى في غرفتك..
ابتسم بألم ، وقد بدأت قطرات العرق ترسم لها مسارا على جبينه ، وهو يرد :
_ يا ناكرة الجميل لقد أسرعت إليك ، حالما استيقظت وهذا هو جزائي .
ضغطت دايزي زر استدعاء الممرضة ، وهي تغطي أندريس الذي بدأ يرتجف ، وقالت بحنية ، وهي تزيح خصلات شعره المبللة بالعرق عن جبينه الساخن:
_شكرا لك أندريس ، والآن عليك أن تستريح .
أغمض أندريس عينيه ، وهو يشعر بالراحة ، تمنى لو أنها لا تبعد يدها الحانية عن جبينه ، لو أنها تبقى بجانبه ، وتؤنس وحدته ، وتملأ الفراغ داخل قلبه ، لو تزيح بحنيتها الألم الذي يسكن داخل قلبه ، وتمسح بطيبة قلبها ، حقده لجده . لم ترغب دايزي برفع يدها عن جبينه ، شعرت بأنه يحتاجها ، ولكنها اضطرت لذلك ، حتى تسمح للأصباء بالقيام بعملهم ، قامت الممرضات بتخديره ، وأعادوا نقله إلى غرفته ، ليتلقى العلاج اللازم .

تقدم مارك من ابنته التي كانت تراقب الممرضات يدفعن بسرير أندريس ، وجهاز التنفس موضوع على وجهه، واحتضنها من الخلف وراح يهمس في أذنها بكلمات أغنية ، كانت والدتها تغنيها لها قبل النوم، سالت الدموع على وجنتي دايزي بغزارة ، وراحت تشهق بقوة ، وهي تتمتم:
_ أبي لقد رأيته ، كان نفس المشهد ، الرصاصة ، والدماء ، الصراخ ، كان يقول لي ((دايزي أنا بخير ))، لكنه لم يكن ..
استدارت لتقابل والدها ، وأكملت بصوت أبح من البكاء :
_كان صوته متهدجا ، والدماء تتسرب من صدره ، كان علي أن أساعده ، لكنني لم أستطع ...
ارتمت في حضن والدها لتكمل بكاءها ، وهي تتابع :
_ كان علي أن أهرع إليه ، وأطمئنه ، وأحاول إجراء بعض الإسعافات ، لكنني لم أستطع كنت خائفة ، خائفة...

وعادت تبكي بحرقة ، فما كان من كايل إلا أن طلب من إحدى الممرضات أن تقوم بتخديرها حتى لا تؤذي نفسها أكثر ، نهض نيكول واصطحب ميديا القلقة ، وساندرا الخائفة معه ، وكايل اصطحب صوفيا التي كانت على وشك البكاء، وأنيتا التي بدت الحيرة جلية على وجهها ، في حين قام مارك بمساعدة الممرضة ، وممدا دايزي على السرير .

شعرت بأنها مخدرة ، وأن جسدها لا يستطع الحراك ، حاولت أن تتلفظ ببعض الكلمات ، لكنها لم تستطع ، أغمضت عينيها واستسلمت للنوم الذي سيطر على أجفانها ، جاعلا إياها تطبق على بعض ، ترددت عبارة سيلفيا في ذهنها ((ما رأيك لو قلت أن ألبرت قادم؟؟)) ، مرت في ذهنها عدة مشاهد ، سيلفيا وابتسامتها الماكرة ، ألبرت الذي انصاع لسيلفيا ، وأعطاهم ظهره وابتسامة شديدة الخبث تلوح على شفتيه ، وكلماته التي أحرقت قلبها:
_ لم تكوني سوى دمية ، يستحيل أن أحب شخصا مثلك!!

ثم لم تعد تدري عن شيء ، شعرت بالظلام يلفها ، وبراحة تغمر جسدها ، قررت الاستسلام لهذا الشعور ، فهو مريح ، ويشعرها بأنها تطفو فوق السحاب ، شعرت بالدفء يغمرها وبالحنان يحفها ، فنامت مقررة أن تترك أعباء الغد للغد.

يتبع...

__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
رد مع اقتباس
  #15  
قديم 05-05-2017, 07:01 PM
 
البارت الثاني عشر ( توقفت قدامه التعبتان عن المسيرأمام البوابة الكبيرة الضخمة التي يوجد خلفها ما كان بيته لأسابيع سابقة ، نظر إلى جانبيه شاكرا كلا من نيكول وكايل اللذان ساعداه ، شد سترته الملقاة على كتفيه بإهمال لتغطيا منكبيه العريضين ، تقدم خطوات قليلة محاولا الاعتماد على نفسه ، لكنه كاد يقع فتوقف، حرك عينيه اللتين بان التعب فيهما لتجريا مسحا شاملا .

انتصبت اللافتات المزينة بالكتابات الطفولية في المكان ، واهتزت الأجراس المعلقة في الأشجار مذكرة إياه بأجراس الميلاد، امتلأت الأرصفة بعربات خشبية ملونة ، ملأت بمنتجات متنوعة ، هب نسيم لطيف حاملا معه بعض البتلات الرقيقة التي أرسلت الراحة في قلبه ، شقت ابتسامة صافية طريقها لفمه القاسي ، عندما لمح أطفال المخيم يجرون باتجاهه ، يحملون علب الهدايا الملونة ، تقودهم أنيتا التي أوقفت الجميع بعيدا ولم تسمح لأحد بالاقتراب ، وإنما صرخت بغضب طفولي ، وهي تهز رأسها :
_ غير مسموح لأي أحد بالاقتراب ، سمعتم؟؟؟
تذمر بعض الأطفال ، بينما بدا الضيق على بعضهم ، لم تعرهم اهتماما وإنما التفتت إلى أندريس وعيناها تتألقان بفرح :
_لقد جهزت لك هدية .
وقدمت له علبة لفت بورق ملون جذاب ، وهي ترسم على وجهها ابتسامة نقية ، تناول أندريس الهدية شاكرا، وهم أن يتابع سيره إلا أن أنيتا أوقفته ، وقالت بشك:
_ألن تفتحها ؟؟
ابتسم بهدوء ، ثم نظر إلى الهدية الصغيرة :
_بلى .
وبدأ بإزالة الغلاف الملون ، نظر إلى الهدية بحيرة ثم وجه نظره إلى أنيتا الباسمة وسألها بدهشة:
_من أين أتيتي بها؟؟
انتزعت زجاجة العطر الثمينة من بين يديه ، ثم قالت وهي تشير إلى كايل :
_ لقد اصطحبني إلى سدني أنا ودايزي .
قطب أندريس متسائلا:
_دايزي؟؟
هزت رأسها بنعم ، فتحت علبة العطر ورشت كمية قليلة على باطني كفيها الصغيرين ، ثم قالت وهي تطلب من نيكول الحائر أن يحملها :
_ قررت الفتيات إقامة وليمة بمناسبة خروجك سالما .
وضعت يديها الصغيرتين على ذقن أندريس ورقبته فتبللتا بالعطر ، نظر إليها نيكول مستفهما وهمس :
_ ما الذي فعلته ؟؟؟
سألت أنيتا باستغراب مقطبة:
_ماذا؟؟
أشار إلى علبة العطر التي بين يديها ، فطلبت منه أن ينحني حتى صار بمستواها ، وضعت له القليل وهي تقول :
_ أمي دائما ما تفعل هذا لأندريس وليسندر وأبي كذلك ، وأنا أقلدها فقط.
هز رأسها دلالة على الفهم في حين هتف كايل بصوت طفولي :
_وأنا ؟؟ ألن تضعي لي من العطر؟؟؟
وضعت أنيتا علبة العطر في يد أندريس واستدارت لتواجه كايل وهي تمد لسانها قائلة :
_لا!!
ناظرهم كايل بانكسار ، وهو يتمتم بكلمات مستاءة ، ابتسم أندريس بهدوء وهو يتطلع في أرجاء المخيم الذي اشتاق له ، وقعت عيناه على تلك الشجرة الضخمة التي ملأت بالأجراس ، وتذكر أول مرة التقى فيها بدايزي ،كانت تقف عند هذه الشجرة قريبة من المنزل الكبير ، وهي تبدو في أسوأ حالاتها ، ومع ذلك بدت جذابة!!
(( مر يومان على آخر مرة رأيت فيها دايزي ، لم أكن أظن أن غيابها عني سيسبب لي كل هذا القلق ، افتقدت ابتسامتها الصافية النقية ، عينيها الباسمتين، غضبها المستعر ، شعرها الذهبي ، رقة قلبها ، حدة لسانها ، وعذوبة صوتها )).




تركت الشمس خيوطها الذهبية الشقية ،لتتسلل من بين الستائر الثقيلة شبه المغلقة ، وتلقي بنفسها على تينك العينين الزرقاوين الجذابتين ، وذاك الشعر البني الذي استرسل على كتفي صاحبه ، معتدل البنية ، حسن الشكل ، صاحب الابتسامة الفاتنة . أسند نفسه إلى الطاولة الخشبية الفخمة ، متكأ إلى ساعديه ، وهو يوجه نظراته الهادئة إلى الفتاة الشقراء الجالسة أمامه ، ارتشفت الشقراء بعض الرشفات من فنجان القهوة ، قبل أن تضعه على صحنه المزخرف ، و تدفع به إلى الطاولة الصغيرة الموضوعة أمامها ، ابتعد الشاب عن الطاولة الضخمة واتجه ليجلس مقابل الفتاة الشقراء ، تناول فنجانا آخر ، وارتشفه على جرعة واحدة ، ثم وضعه على الطاولة بقوة ، جعلت الطاولة تهتز ، رفعت الفتاة عينيها البنيتين لتواجها غضب زرقة عينيه ، أسندت جسدها بالغ النحافة إلى ظهر الكرسي ، ثم راحت تقول وهي ترفع قدمها اليمنى لتستقر فوق اليسرى بتعال :
_لا يهمني ما الذي ستفعله ألبرت ، كل ما يهمني هو أن تحطم دايزي ....
مال المدعو ألبرت بجذعه إلى الأمام ، شبك أصابعه الطويلة وقال بهدوء مزعج :
_اسمعي أنا هنا من أجل ميديا وأنت تعلمين ذلك ، فما دخل دايزي بالموضوع،سيلفيا؟؟
ابتسمت سيلفيا بوقاحة وأجابت وهي تنظر إلى طلاء أظافرها المنفر:
_أنت ستحاول أن تقنع ميديا بأنك تحبها بحق ، بعدها ستبعد نيكول عن طريقها ، ثم ستتركها محطمة ...
ابتسمت بمكر وهي تشير إليه بسبابتها:
_عندها ستخسر حب نيكول ، وستخسرك كذلك ، وسوف تتحطم وستتبعها دايزي ،فهمت؟؟
شقت ابتسامة ماكرة طريقها لوجهه الهادئ ، جعلت ملامحه تتغير 180 درجة :
_إذن نضرب عصفورين بحجر واحد؟؟
هزت سيلفيا رأسها وهي تقهقه بصوتها العالي ، شاركها ألبرت الضحك لهذا المخطط ، فالجميع يعلم بأنه نبذ ميديا من قبل ، وأنه كان يتسلى بها ، نهضت سيلفيا بهدوء عن كرسيها ، وتناولت حقيبتها الجلدية الحمراء ، أخرجت زجاجة عطرمنها ، ورشت نفسها بها ، كشر ألبرت بانزعاج، فسوف يلزمه عدد لا بأس به من معطرات الجو ، حتى يزيل هذه الرائحة الجالبة للدوار من منزله ، لم تكتف سليفيا بذلك وإنما أخرجت أحمر شفاه ذا لون أحمر قاتم، ولونت شفتيها الكبيرتين به ، نظر لها ألبرت بنفور وهي تلوح له ، بغنج ودلال مبالغ فيهما ، ثم تخرج تاركة سحابة من عطرها الذي ملأ أنفه جالبا له دوارا خفيفا .

لم تزل الابتسامة الخبيثة عن وجهه وهو يسترجع كل ما دار بينه وبين سيلفيا ، اتجه بخطوات هادئة إلى حيث كانت تجلس ، انحنى على الطاولة الصغيرة والتقط الصورة التي ألقت بها سيلفيا عند دخولها ، كانت الصورة تجمع كل من ميديا ودايزي ، نظر إلى الصورة بمكر ، ثم شقها إلى نصفين مبعدا دايزي عن ميديا ،
تناول القسم الذي يحوي صورة ميديا ، حدق به بعينيه الزرقاوين ، ثم قام بتمزيقها إربا ، ثم رفع صورة دايزي وقبلها وهو يهمس :
_كله بسببك لو لم ترفضيني ، لما حدث ما حدث مع ميديا .
وضع صورة دايزي في جيبه ، وترك صورة ميديا الممزقة لتلعب بقطعها نسمات الهواء اللطيفة ، وتبعثرها،
ابتعدت إحدى القطع عن المجموعة ، كانت تصور عيني ميديا الدامعتين ورموشها المثقلة بالهموم.



تنهدت براحة ، وهي ترفع يدها الملطخة بالطحين لتحجب أشعة الشمس التي ألقت بنفسها على المطبخ الصغير ، مالئة إياه بالدفء ، نظرت إلى الطبق الذي أمامها برضا ، ثم رفعته عن الطاولة الحجرية ، ووضعته في الفرن وهي تتمتم:
_ذاك الغبي أكان عليه أن يخرج من المشفى بهذه السرعة.....
خيل إليها أنها تسمع صوته الساخر يرد بوقاحة:
_أنت شريرة أيتها الفأرة ، تريدين أن أبقى مريضا جالسا في فراشي حتى ترتاحي مني ...
ابتسمت بغباء لتخيلاتها وصاحت بصوت عال :
_هذا صحيح أندريس ، لقد مللت من مشاجرتك ...
تخيلت أنه يقول بتهكم:
_إذن لا تشاجريني ..
تسللت إلى أنفها رائحة عطر جميلة ، وشعرت بأنفاس شخص تلفح عنقها ، تراجعت إلى الخلف قليلا فاصطدمت بصدره الصلب ، ابتسمت بغموض ، إذن لم تكن تتخيل وإنما هو خلفها حقيقة ، ابتعدت عنه وهي تقول :
_حقا أندريس ما كان لك أن تخرج من المشفى!!
تضايق قليلا وذلك أنها لم تلتفت إليه لكنه قال بهدوء:
_أنا بخير دايزي ، لا تعامليني وكأنني طفل ...
لم تعلق دايزي وإنما أشغلت نفسها بتقطيع الخضار ،دنا منها أندريس وهو يقول بعتاب طفيف:
_البارحة....زارني الجميع ....عداك،لم؟؟
كان تهم بقطع حبة بطاطا إلى قسمين ، لكنها توقفت لبرهة ، ثم هوت بالسكين على الحبة محولة إياها إلى قسمين،
تابعت التقطيع بهدوء :
_عندما نجتمع معا فإننا نتشاجر وهذا ليس جيدا لصحتك ، فيكفي ما سببته لك ذاك اليوم ، لقد تم نقلك إلى العناية مجددا ، صحيح؟؟؟
علق بلامبالاة:
_هذا ليس مهما!!
غضبت بشدة للامبالاته ، وبروده ، فهوت بالسكين على لوح التقطيع بقوة ، مصدرة صوتا عاليا وهي تصيح بقوة:
_بل هو أمر مهم أندريس ، لا تكن أنانيا هكذا ، لو مت ، أو حدث لك مكروه فما الذي سيحل بوالدتك المسكينة؟؟ ما ذنبها ؟؟ ووالدك ، جدك ، إخوتك ....قل لي !!
تقدم خطوتين إلى الأمام حتى أصبح خلفها مباشرة، رفع يديه لتستقرا على كتفيها النحيلين ، ثم أدارها بقوة ، فاجأته بدموعها المنسابة ، ابتسم لها بحنان ، وضع يده على شعرها وراح يبعثره وهو يردد:
_ألا تظنين أنك بكيت كثيرا ؟؟
رفعت يديها لتمسح دموعها كطفلة صغيرة ، حاولت أن تغتصب ابتسامة ، ونجحت في ذلك بعد جهد ، ثم همست:
_لقد أفسدت شعري !!
لم تفارق الابتسامة وجهه وهو يرفع وجهها إليه ويقول بحزم:
_هيا اصرخي في وجهي !!
استغربت طلبه في البداية ، لكنها سرعان ما جففت دموعها ، وابتسمت بثقة ، وهي تصيح بوجهه :
_أيها الغبي الأحمق ،انظر ماذا فعلت؟!!
ضربها بخفة على كتفها ، وقال بمشاكسة:
_هكذا أريدك دوما أيتها الفأرة ، لا أريد أن أرى نظرة الإنكسار في عينيك مرة أخرى فهمت ؟؟؟
رفعت حاجبها بسخرية وردت:
_ومن أنت حتى تأمرنى سيد سو ؟؟
همس لنفسه : (( هذا رائع ، لقد عادت كما كانت !! لكنني سأفتقد حنانها ، ولطفها ، هممممم لا بأس على الأقل لن تتحاشاني )).
أجابها بتعال وهو يزيل بعض الطحين عن جبهتها :
_السيد أندريس سوفاكيس ، رئيس شركات سوفاكيس للنقل البحري !!
أبعدت يده ،وهي تقول بحنق :
_ حسنا سيد سو ، ليس لديك سلطة علي فاتركني وشأني...
تقدم ليقف بجانبها في حين تابعت هي تقطيع الخضار :
_ما الذي تفعلينه؟؟؟
أجابته بهدوء شابه قليل من العتاب :
_ هل تريد إخباري أن أنيتا لم تخبرك بأمر الحفلة ؟؟؟
رفع يده بخفة ووضعها على رأسه وهو يوقل مستذكرا :
_بلى لقد قالت لي ...
وضعت دايزي الخضار المقطعة في داخل قدر كبير ، ثم سارت متجاوزة أندريس ، مبعدة إياه عن طريقها وهي تقول :
_ هلا تركت المكان ؟؟ أنت تعيق عملي !!

حدق بملامحها المجهدة ، وقد مال الشمس ملقية بظلالها عليها ، فبدت كالملاك ، تجلب الهدوء للنفس ، وتجلي الهموم عن القلب ، لا يمل الناظر من مشاهدتها ، لم يستطع منع ابتسامته من الظهور ، لاحظت دايزي هذه الابتسامة من طرف عينها فسألت مقطبة :
_ما الشيء المضحك؟؟؟
لم يرد أن يخبرها كم يريحه النظر إليها ، وكم تجلب الطمأنينة إلى قلبه ، فأشار إلى ملابسها هامسا :
_ رداء المطبخ هذا يليق بك دايزي ..
حدقت دايزي بردائها ، وفكرت : ما الذي يعيبه ؟؟ صحيح أن الرسومات الطفولية تملأه إلا أنه يبدو ظريفا ، ومناسبا جدا ...
قطعت سيل أفكارها ، وهي تستطرد قائلة :
_ ما الذي ستقوله عن لباسي الذي سأرتديه في المهرجان ،إذن؟؟
جاب بعفوية وهو يتناول حبة تفاح ويقضمها :
_لم أره بعد .
اتجهت إلى الفرن وهمت بإخراج الكعكة التي أصبحت جاهزة ، إلا أن أندريس سارع لالتقاط الكعكة الساخنة من الفرن قبلها ، لم تجادله وإنما سارعت تخرج الكريما وبعض حبات الفراولة لتزين الكعكة ،ذات الرائحة الطيبة ، وهي تقول :
_في المهرجان....سأرتدي زي فتاة الحلوى ..
_ماذا؟؟
صرخ بها أندريس مستنكرا ، فأعطته ظهرها وشرعت تزين الكعكة وهي تتابع:
_تنورة قصيرة ، قميص وردي ، ورداء مطبخ أبيض ، ما قولك؟؟؟
كانت إجابته الوحيدة أن قال بجمود :
_سأنتظر الغد بفارغ الصبر .
بدا عليه أنه تذكر شيئا ما فسارع يسأل :
_صحيح ، لم أر والدك ، فأين هو دايزي ؟؟
حملت دايزي السكين وقالت ببطء وهي تقطع حبات الفراولة إلى قسمين ، وتضعها على الكعكة :
_لقد جاء لاصطحابي ، ولكنني أردت حضور المهرجان ،وبالتأكيد لا يستطيع هو ترك أعماله والبقاء هنا ، لذا عاد إلى الوطن ..
تمتم أندريس بكلمات غير مفهومة ، قبل أن يستدير مودعا دايزي ، ويخرج من الباب ، صافقا إياه خلفه بقوة .



_ دايزي مع أندريس، ميديا مع نيكول ، وأنا مع السيد هاري ...
هذا ما قالته ساندرا ، معلنة توزيع الشبان والشابات المشرفين على الأطفال ، بالتأكيد دايزي لم تكن سعيدة ، أندريس لم يقدم أي تعليق ، أما عن ميديا ونيكول فبالتأكيد طارا من الفرحة لهذا الخبر . تقدمت صوفيا وهي تعبث بشعرها الأصهب الطويل وهي تقول مستفسرة :
_سان أتلاحظين أنك لم تذكري اسمي ؟؟؟
ارتبكت ساندرا قليلا وهي تتمتم:
_نعم بخصوص هذا الأمر ...أنت ستكونين مع ....
ترددت في الإجابة ، فاقتربت منها صوفيا وهي تقول بحماسها المعتاد الذي بدا غريبا لكايل ، ذلك أنه لم ير سوى السكرتيرة الجادة ، والفتاة الشرسة ، ولم ير الجانب اللطيف من صوفيا :
_مع من ؟؟ مع من ؟؟؟
رفعت سان يديها لتغطي وجهها الأسمر وهي تشير إلى كايل :
_كايل سميث..
زالت الحماسة عن وجه صوفيا ، وبدا الغضب على وجهها الذي ظهر عليه النمش ، استدارت نحو كايل وهي تقول بأسى :
_تقولين أنني سأكون مع هذا طيلة الوقت؟؟
هزت ساندرا رأسها بهدوء فاهتز معه شعرها الكستنائي الخلاب ، وتناثرت بعض خصلاته لتحط رحالها على الجبين العسلي ، سأل كايل الذي وقف مسندا نفسه إلى شجرة كبيرة ليحتمي بظلها من أشعة الشمس الحارقة ، وهو يلعق حبة بوظة:
_ما بي أنا ؟؟؟ ألست سعيدة لأنك ستكونين مع حبيبك في نفس الفريق؟؟
صرخت صوفيا بغضب وهي تهز رأسها بقوة :
_أنت لست حبيبي ولا تعد هذه الكلمة مرة أخرى ،فهمت؟؟؟
استاء قليلا لهذا الرد الحاد ، لكنه ابتسم بغباء وهو يتابع لعق البوظة :
_اعذريني ،فسرعة الاستيعاب لدي منخفضة ، هلا أعدت ما قلته؟؟؟
تنهدت بأسى وقد زال حماسها وخبا شعاع المرح الذي لطالما التمع في عينيها الفحميتين الكبيرتين ، شعرت بيد توضع على كتفها ، فاستدارت لتجد دايزي التي سارت تقول مخففة :
_على الأقل أنت لا ترتدين لباسا كلباسي ، ولا تخضعين لسلطة حاكم دكتاتوري ..
ألقت صوفيا برأسها على كتف دايزي وهي تقول بصوت بدا من خلاله أنها ستبكي في أي لحظة:
_أووه دايزي ، على الأقل أندريس لديه عقل ، وهو لطيف ، والتعامل معه سهل ، أما كايل ...
تابعت دايزي عنها وهي تبعد رأس صوفيا عن كتفها ، وتنظر إلى أعماق عينيها اللتين كشفتا عن حب عميق مخفي:
_فهو لطيف ، والتعامل معه سلس للغاية ، كما أنه يحبك ...
ظهرت تعابير اليأس على وجه صوفيا ، وهي تقوس فمها الصغير المكتنز بغضب طفولي ، وتقطب حاجبيها
الرقيقين ، شكبت يديها على صدرها فأظهرت يداها المرتعشتان مدى توترها ، ودلت وقفتها غير المتزنة على ارتباكها :
_حسنا دايزي ،لنفترض بأنه يحبني ، لماذا يقوم بتعذيبي؟؟
ابتعد كايل عن الشجرة ، وسار بخطوات بطيئة ناحية دايزي وصوفيا ،و ألقى ما تبقى من حبة البوظة ، في سلة مهملات قريبة ، توقفت قدماه على بعد مسافة قصيرة جدا من صوفيا ، أخذ يوجه لها نظرات لم تفهم مغزاها ، ثم وقبل أن يفهم أحد ما يجري كانت صوفيا تستمتع بدفء حضنه الحاني ، وهو يتمتم بأذنها :
_أعطني فرصة واحدة لأثبت لك مدى حبي ، فرصة واحدة...
شعرت بالخدر بين ذراعيه ، واحمر وجهها بخجل ، حاولت إبعاده ، فأخذت تضرب صدره القوي بيديها بقوة ،
ولكنها لم تفلح وسرعان ما خبت طاقتها ، ووجدت نفسها تبادله العناق الحميم .

تعالت أصوات التشجيع والتصفير ، والكلمات المذهولة من شدة جرأة كايل ، الذي ترك صوفيا وعاد ليتكأ إلى الشجرة ، حدقت به صوفيا بعينين دامعتين وهي تسأل نفسها : ((هل يعقل أنه يحبني ؟؟ هل يعقل أنه يشعر بالشعور اللطيف الذي أشعر به ؟؟ أتمنى ذلك كايل ....أتمنى أن تكون مخلصا بحبك لي ......أحبك!!))

وقف الجميع في ساحة كبيرة جدا جدا ، وهم يرتدون أثوابا بلاستيكية ، وكل ينظر إلى الآخر كأنه عدو سينقض عليه في أية لحظة ، وبعيدا قليلا كان أندريس يجلس على كرسي مريح ، وبجانبه طاولة مليئة بالمرطبات اللذيذة ،
نظر إلى الجميع ، كلهم متحمسون ، الأطفال ، المشرفون ، حتى السيد والسيدة بروس سيشاركان ، هتف بصوته العالي :
_ابدأوا ...
ما إن قالها حتى تعالت الصيحات ، وبدأ الجميع بتراشق البلالين المملوءة بالأصباغ ، وفي غضون ثوان معدودة تحول المكان، من مساحة لا لون فيها ، إلى لوحة برئية اجتمعت فيها كل الألوان .

التمعت العينان الخضراوان بمكر ، وهما تحدقان بالفتاة ذات الشعر الذهبي المرفوع كذيل فرس ، تقدمت أنيتا بشعرها الفحمي الطويل من دايزي وبرفقتها مجموعة من الصغار ، لم تكن دايزي متنبهة لمخططات أنيتا الشريرة إذ كانت مشغولة بتراشق الأصباغ مع كايل ، فلقد اشتاقت كثيرا للعب معه ، سمعت صوت فتاة تعرفها جيدا تقول بقوة:
_هجووووووووووووووووووووم....
التفتت لترى ما خلفها ، وما كادت تفعل ، حتى اصطدم شيء ما بوجهها ، كان لزجا ومقززا ، رفعت يدها وأزالته، ثم نظرت ليدها الملوثة بالطلاء الأزرق ، وكشرت باشمئزاز ، استرعى انتباهها صوت ضحكات خفيضة ، كانت أنيتا ومجموعتها الشقية ، يضحكون بأصواتهم الطفولية ، كتفت دايزي يديها وقالت بعينين مشتعلتين:
_ألن تتوقفي عن هذا أنيتا؟؟
توقفت أنيتا عن الضحك ، وقالت بتعال وهي تزيح خصلات شعرها عن عينيها :
_ لا ، لن أفعل ...
لم تستطع دايزي أن تتحمل أكثر من ذلك ، فرفعت بالونا مملوءاً بسائل لزج أخضر اللون ، وقذفت به أنيتا ، التي راحت تصيح ، وتطلق بعض العبارات معبرة بها عن مدى اشمئزازها ، قالت دايزي بلهجة ودودة مصطنعة:
_لقد أصبح لون وجهك مجانسا للون عينيك .
وانخرطت في الضحك ، حدقت أنيتا فيها بكره وحقد ، لم يدوما سوى عدة ثوان ، إذ جذبتها الملامح البريئة التي تتمتع بها دايزي ، فوجدت نفسها تشاركها الضحك .

تتالت الفعاليات واحدة تلو الأخرى ، حتى وصل النهار إلى آخره ، وتلونت السماء بألوان الغروب البديعة ، مكونة لوحة يعجز الكتاب عن وصفها ، والرسامون عن رسمها ، والشعراء عن مدحها ، حيث امتزجت تدرجات اللون الأحمر بشكل يلفت الأنظار و خالطها لون بنفسجي لطيف ، ومالت الشمس ملقية بآخر خيوطها قبل أن تختفي، وتسلم القمر مهمة حراسة سماء الأرض البديعة.

أشعلت النيران وحفت بأحجار صغيرة لتصنع حاجزا بين ألسنة اللهب والأيادي التي امتدت تلتمس الدفء ،
توزع الأطفال في جماعات ، كل مجموعة تحوي ما بين 5 إلى 7 أطفال ، يجلسون حول ما بدا لهم كموقد صغير، وكذلك كان الحال عند دايزي والبقية ، فقد التموا حول النار ليقوا نفسهم من نسمات الهواء الباردة التي تجلب القشعريرة إلى النفس . شدت دايزي قميصها الصفوي على جسدها الذي ارتعش فجأة ، من أثر نسمة هواء أثارها أندريس عند مروره من خلفها ، فهتفت بضيق :
_هلا جلست رجاء؟؟؟
جلس بهدوء إلى جانب صوفيا التي تحمل بين يديها كوبا من القهوة الساخنة ، وهو يقول بسخرية :
_أرى أنك قد حسنت ألفاظك ، وبدأت تقولين رجاء؟؟
أغاظها تلميحه الساخر إلى فظاظتها ، فزمت شفتيها وهي تقول :
_ألا يفترض بك التزام الفراش؟؟؟
أجابها وهو ينظر إلى النار التي انعكست في عينيه ، فبدا أن تلك النار تشتعل في عينيه الجليديتين :
_لا تبدأي مجددا ...
كورت يديها بغضب وصاحت به :
_ الذنب ذنبي لأنني أهتم بصحتك .
لم يلتفت إليها وهو يجيب ببرود قاتل :
_نعم إنه ذنبك، فعلى حد علمي ، أنا متوحش ، ولا يفترض بالأميرات الاهتمام بالوحوش أمثالي ، فأنا حقيقة لا أؤمن برواية الأميرة والوحش ..
حل صمت رهيب على الجلسة ، لم يقطعها سوى أصوات صراصير الليل ، التي كانت تراقب الجميع من أعاليها،
فقد فردت أجنحتها وأطلقت العنان لها لتقودها إلى بر الأمان المنشود ، ذاك الذي تحاول دايزي جاهدة الوصول إليه لكنها في كل مرة تصطدم بعقبة . بدا لنيكول أن هذا الصمت سيدوم للأبد ، وأن أنفاسه ستنقطع بسبب ثقل الجو ، فقال موجها سؤالا عاما :
_ ما الذي حل بذاك الذي أطلق النار عليك ؟؟
لم يكن لدى أي واحد منهم رغبة في الحديث ، وظن نيكول أن سؤاله لن يجد جوابا ، لكن أندريس أجاب وهو يحرك الأخشاب المشتعلة بعصا صغيرة :
_لم يتم القبض عليه ، ولا أحد يعرف كنته وذلك أنه كان مقنعا ...
بعدها عاد الصمت الثقيل مجددا ، لم ترد صوفيا دائمة الحماس أن تخبو شعلة المرح فقالت وهي تصفق يديها بقوة:
_لنبدأ ، هيا ..أريد أن ألعب وأعرف كل شيء عنكم ...
وعلى الفور قال كايل بسرعة :
_لم أطلت شعرك ؟؟؟
تفاجأت بالسؤال ، وارتبكت قليلا للسرعة التي ألقى بها سؤاله ، لكنها أخذت نفسا عميقا ، وهمت بأن تجيب لولا أن قاطعتها ساندرا بتحذير :
_بكل صدق صوفيا ، بكل صدق ..
هزت صزفيا رأسها الأصهب ، وهي تقول بحدة :
_أعلم ! أعلم !
وجهت نظراتها لكايل وهي تجيبه :
_حقيقة يفترض بالسؤال أن يكون لم قصصت شعرك ؟؟ فشعري كان دائما طويل ، لكن...
وجهت نظراتها العاتبة نحو أندريس وهي تقول بحقد :
_أحدهم قام بحرق أطرافه .
رفع أندريس يديه للأعلى دلالة على ألا دخل له وهو يقول بدهشة :
_أقسم ألا دخل لي ، كم مرة علي أن أقول لك ، ابن خالتي أندريا ، هو من قام بذلك ؟؟
يبدو أنها لم تقتنع برده إذ أدارت رأسها بتعال وهي تتمتم:
_عائلة مجنونة ، أنا الغبية التي قبلت بالعمل مع العائلة الكريمة .
كانت الصدمة تبدو على وجوه الجميع ما عدا كايل الذي راح يقهقه بعلو جالبا الأنظار ناحيته ، وهو يتمتم :
_ يا إلهي !! كان علي أن أرى ذلك ...كم أحب هذا الصبي .
حدقت صوفيا ناحيته بحنق ، وسرعان ما قالت بحدة :
_ إنه دوري لم أنت مزعج كايل ؟؟
حرك كايل يديه دلالة على أن ما تقوله خاطئ وهو يقول :
_أنا لست مزعجا وإنما منزعجا ، والسبب...
رفع يده وأشار إليها وهو يتابع بغضب طفيف :
_ هو أنك تجلسين بجانب أندريس في حين أنه يفترض بك الجلوس بجانبي ..
أشار إلى نيكول وميديا وهو يكمل :
_انظري إليهما ، إنهما لا يفترقان ، أنت محظوظ نيكول ...
علق نيكول بمرح ، وهو يحيط كتفي ميديا بذراعه :
_أعلم ذلك ..
لاحظت دايزي ، ذاك اللون الوردي الذي علا خدي صوفيا ، فابتسمت برقة ، وهي تتمتم لنفسها :
مسكينة صوفيا ، لن يتركها كايل حتى تعترف بشعورها نحوه ، أنا حقا أشفق عليها ، فعندما يريد كايل أن يعرف أمرا ما فإنه يعرفه ولو كان على سرا دوليا ، فما بالكم بإحساس فتاة ، يظهر في عينيها الحب ، ويشتعل خداها بخجل ، ويظهر الارتباك على حركاتها ، ويتحول حماسها إلى حذر .

_حسنا ، لدي فكرة ، كل واحد يطرح سؤالا وسيجيب عليه الجميع ، موافقون؟؟
هتفت ساندرا بذلك ، مبددة الجو الصمت ،وافقتها ميديا بابتسامة ودودة ، فوافق نيكول بالتالي ، سألت سان :
_لنبدأ بأفراد العائلة ، بالنسبة لي ، هناك أنا ونيكول وأبي وأمي فقط ..
نظر الجميع إلى أندريس الذي راح يقول بشرود :
_أمي وأبي ميتان ، وأنا أعيش عند خالي وزوجته ، ولديهما أنيتا وليسندر ...
همست دايزي بتردد :
_ أووه ظننت أن أنيتا شقيقتك ..
وعلقت ميديا بمرح :
_وأنا ظننتها ابنتك ..
حرك أندريس يده جيئة وذهابا ، وهو يقول نافيا :
_لا هذا ولا ذاك...
رفع كايل يديه إلى النار وهو يقول :
_أما عني فوالداي متوفيان كذلك ، لدي أخت غير شقيقة وهي دايزي .
أكملت دايزي :
_أمي متوفية ، لدي أبي وكايل ..
جاء دور صوفيا التي قالت بحنان :
_لدي شقيقان ، وأمي وأبي ، لكنني أعيش مع جدي وجدتي ...
سأل كايل بعفوية ، جلبت انتباه صوفيا :
_لم ؟؟
أجابته بهدوء وهي ترسم دوائر على الأرض الرملية:
_ قرر أبي منذ مدة أن يترك أستراليا ويذهب إلى أميركا، وذلك أن إدارة شركة سوفاكيس عرضت عليه عملا هناك ، وأنا حسنا ! كنت أريد أن أكمل دراستي هنا بين أهلي ، وأصدقائي ، فتكفل جدي برعايتي ، وعندما أنهيت دراستي ، كانت شركة سوفاكيس قد افتتحت فرعا في أستراليا ، وأصبحت أعمل فيها ، وأحيانا أزور أهلي في أمريكا .
ما كادت تنهي كلامها حتى سألها مجددا :
_كيف تعرفت على أندريس ، وعائلة سوفاكيس ؟؟
قطبت تتذكر جزءا من طفولتها وهي تهمس :
_ أذكر أن جدي وجده صديقان من أيام الدراسة وبينهما صداقة متينة ، كنا نلعب معا دائما .
قاطعت تأملاتها وهي تنظر لميديا وتقول :
_دورك ميدي ، حدثينا عن عائلتك .
شرعت ميديا تقول بهدوء وابتسامتها لا تفارق شفتيها :
_ هناك أبي وأمي وأنا ، وثلاث شقيقات ، وشقيق واحد أرعن.
كشرت دايزي باستياء وهي تؤيد ميديا :
_إنه أرعن حقا !! كاد أن يسحقني تحت عجلات دراجته النارية .
اعتذرت ميديا بخفة ، فهزت دايزي رأسها تومئ إليها أن ليس شيئا مهما ، هتف نيكول بمرحه الطفولي المعتاد:
_ليخبرنا كل واحد فيكم عن عمله ، عني أنا لدي شهادة في إدارة الأعمال ، لكنني أعمل هنا ..
قالت ساندرا بحنان تجلى في صوتها ، وهي تنظر إلى النار :
_أنا لدي شهادة في علاج النطق ، لكنني أعمل هنا أيضا ..
علقت دايزي بهدوء وهي ترى مدى الحنان الذي تتكلم به ساندرا :
_يبدو أنك تحبين عملك ؟؟
أومأت سان بهدوء وأكملت :
_كم هو مفرح أن ترسم الفرح على الوجوه !!
حان دور صوفيا التي قالت بحماس :
_أنا لدي شهادة في السكرتارية ، وأعمل في فرع شركة سوفاكيس الموجود في أستراليا .
تمتم كايل بهدوء :
_أراهن على أنك تسببت للشركة بخسائر جمة ، نتيجة طيشك .
كم ودت صوفيا في تلك اللحظة أن تشعل شعره الذي يتطاير بفعل نسمات الهواء الباردة ، من ثم يحط مجددا على جبينه الأبيض ، كورت يدها بغضب وهي تقول :
_وأنا أشك بأن البنايات التي بنيتها لازالت قائمة إلى الآن ؟
رفع حاجبيه استنكارا وقال بذكاء :
_ أريد أن أطمئنك إلى أنها لازالت قائمة ، فلم يصلني بلاغ بأمر كهذا .
كادت صوفيا أن تجيبه ، إلا أن نيكول قاطع جدالهما العقيم وهو يسأل ميديا برقة :
_وأنت يا حلوتي ؟؟
ضربته بخفة على كتفه وهي تبتسم بخجل :
_أنا لدي شهادة في الهندسة الداخلية ( الديكور).
رفع أندريس رأسه وقال مقطبا وهو يوجه نظراته إلى دايزي ، التي تشد قميصها على جسدها الرقيق :
_كنت أظن أن دايزي ، هي من سيدرس شيئا كهذا نظرا لاهتمامها بالموضة ، والتصاميم .
انتفخ وجه دايزي من الغضب وهي تقول :
_اهتماماتي ليست من شأنك يا سيد سوفاكيس .
عاد إلى سخريته المعهودة وهو يقول :
_نعم نعم ، ليست من شأني ، أظن أنك درست الطب ، صحيح؟؟
نظرت إليه من طرف عينها وهي تجيب بوجوم :
_نعم أنا طبيبة ، ألا يعجبك ؟؟
أرجع نفسه إلى الخلف مستندا إلى ذراعيه القويين ، وهو يرد بمرح :
_بلى ، فلو لم تكوني طبيبة لكنت مت من الألم ذاك اليوم عندما قمت بتجديد ضمادي .
أثارت الذكرى مشاعر عديدة في نفسها ، مشاعر الخوف والقلق عليه ، مشاعر الرغبة في أن يكون سليما ، آمنا ، محفوفا بالأمان والطمأنينة ، بعيدا عن الآلام والجروح ، كم انتفض قلبها ذلك اليوم ، وكم دعت ربها ألا يصيبه مكروه . أبعدت تلك الأفكار عن عقلها ووجهت نظرها نحو كايل وقالت :
_إنه دورك كاي ، هيا تكلم .
رمقها بنظرة حارقة وهو يجيب :
_كم مرة قلت لك لا تنادني بـ كاي ، اسمي كايل .
قال كلمته الأخيرة وهو يمدها ويشدد عليها بطريقة مضحكة جعلت الجميع ينخرط في الضحك ، تنهد كايل بغضب ، ورفع يده ليبعد خصلات شقراء تساقطت على عينيه ، و تمتم بحقد:
_علي أن أقص شعري فقد أصبح طويلا ، ما الذي كنا نتحدث عنه منذ قليل ؟؟ أوه نعم ،صحيح ، أنا مهندس معماري و.......
مد حرف (و) كثيرا ،وصمت برهة من الزمن وأغلق عينيه بتركيز ، أخذ الجميع يصغي إليه باهتمام ترقبا لما سيقول ، لكنه قال ببساطة:
_فقط.
علق نيكول متسائلا باستنكار :
_فقط؟؟
فرد كايل موافقا :
_نعم ، فقط ...في المستقبل سأكون أبا وهذا الأمر بحد ذاته وظيفة .
صمت قليلا ثم تابع وهو يشبك أصابعه :
_حسنا الآن دوري ، ليخبرنا كل واحد عن حياته العاطفية .
بدأت دايزي وهي ترفع يديها وكأنها تبرئ نفسها من تهمة ما :
_لا أحد في حياتي !
سألها نيكول بدهشة :
_هكذا وبكل بساطة ؟؟
أومأت بهدوء موافقة وهي تعيد :
_أجل ، وبكل بساطة .
حول نيكول نظره إلى ميديا الجالسة بجانبه ، وسألها وهو يحتضن كفيها بين كفيه :
_وأنت ؟؟
ارتبكت قليلا ، واحمر وجهها ، وبدا التردد عليها وهي تقول :
_أنا؟؟حسنا ، لقد خرجت مع شابين أو ثلاثة ، على ما أذكر .
رفع نيكول يديها إلى شفتيه ولثمهما برقة ، وهو يسألها بقلق :
_وهل لهما أثر في حياتك؟؟
هزت رأسها بعنف تنفي قوله :
_أنا لا أذكر أسماءهم حتى !
أخذها بين ذراعيه برقة ، وهو يتمتم :
_أحبك ميدي ، أحبك ...
ضربته سان بخفة على ذراعه وهي تقول:
_الآن دورك نيك ، أخبرها عن سوزي !
ابتعد نيكول عن ميدي ورفع رأسه إلى السماء وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة ، وسرعان ما حول نظره إلى سان وهو يقول بحدة :
_كم مرة علي أن أقول :أنا وسوزي لم يكن بيننا شيء ؟؟ أنا لا أنكر أنني خرجت مع عدد لا بأس به من الفتيات !
لكن لم يكن لي أي صلة تذكر بسوزي الغبية ، صاحبة الرأس العنيد .
صرفت دايزي نظرالجميع عن نيكول وهي تقول لسان :
_انسي أمر نيك وأخبرينا عنك .
حركت سان يديها دلالة على أن الأمر كان روتينيا :
_ككل فتاة ، شاب وسيم ، أعجبه ، يعجبني، نخرج معا بضعة مرات قبل أن نقرر أن الأمر انتهى .
قالت صوفيا بحماس :
_تعجبينني يا فتاة أنا وأنت نفس الشيء .
حولت نظرها نحو أنريس وسألته :
_دورك أندريس .
وضع أندريس يديه على رأسه بأسى وهو يصيح :
_لا تذكريني صوفي ! لا تذكريني!
لم تستطع صوفيا أن تكبت ضحكتها من جراء منظره المضحك ، فأطلقت قهقهاتها الرقيقة ، التي انسلت إلى أذني كايل بخفة ، وترجمها عقلة على أنها سمفونية من أجمل ما ألف بيتهوفن ، أطربته ضحكتها ، وأرجحته برقة في عالم أحلامه ، واستمر هذا الطرب يهزه وهي تتابع بصوتها الموسيقي:
_ عادة أرى الرجال يلاحقون النساء ، لكن في حالة أندريس فالعكس هو ما يحصل .
استفاق من عالم أحلامه على صوت نيكول ، فقال بحسرة ((انتهت الأحلام ، كايل!!)) ، وأخذ يستمع لنيكول :
_ وماذا كانت ردة فعلك؟؟
أجاب أندريس بلامبالاة :
_ أتجاهلهن.
تابع كايل :
_وهل يجدي هذا الأمر؟؟
قست عينا أندريس وشعتا بكره عميق وهو يجيب :
_للأسف لا.
وجد الجميع أن الأمر مسليا فعلت الابتسامات وجوههم ، لكن أندريس كشر مستفسرا:
_هل هناك ما يضحك؟؟
قالت دايزي من بين ضحكاتها التي توازي في رقتها رقة البتلات الوردية ، التي تناثرت عليهم بفعل
نسمات الهواء الباردة:
_ هل تريد طريقة لإبعادهن ؟؟
رفع يديه وكتفهما على صدره وهو يقول بسخرية ، وشبح ابتسامة يلوح على زاويتي فمه :
_تفضلي وأخبريني .
وعلى الفور رفعت يديها وكتفتهما ، ولوت فمها الرقيق بسخرية ، وقالت ترفع حاجبها مقلدة إياه :
_خذهن إلى طبيب العيون ، فيبدو أنهن لا يرين جيدا ، ولهذا فإنهن يرمين بأنفسهن عليك!!
علت الصدمة وجوه الجميع ، ما عدا كايل الذي انخرط في الضحك منذ ذكرت طبيب العيون ، دمعت عينا دايزي وهي تراقب ملامح أندريس المتضايقة ، رفعت أناملها لتزيح الدموع العالقة في رموشها ، وعندما فتحت عيناها مجددا ، تفاجأت من عدم وجود أندريس ، لكن دهشتها لم تدم ، إذ ارتفعت قدماها عن الأرض ، ثم وجدت نفسها فجأة بين ذراعيه ، قرب وجهه من وجهها وهمس بغضب ، وأنفاسه الحارة تلفح عنقها الرقيق:
_ستندمين على ذلك دايزي .
ورفعها على كتفه ، ككيس بطاطا ، وأخذ يسير بها ناحية النهر الصغير الذي يسير في أراضي المخيم ، عرفت دايزي أن مخططه شنيع ، فراحت تضربه بقوة ، وتحرك قدميها ويديها لتصيبه في صدره وظهره ، تأوه أندريس بخفوت ، فقد أصابت ضربتها صدره ، حاول أن يخفي ألمه ولكن دايزي أدركت تلك تلك الآهة المتألمة ، فقالت بصوت باك:
_أندريس !!
توقف عن المسير وقد اتسعت عيناه ، سارع لإنزالها وهو يسأل بلهفة وقلق :
_ما بك دايزي ؟؟ لم تبكين؟؟؟
رفعت يدها لتستقر على صدره بخفة وهي تقول بصوت متحشرج:
_هل آذيتك؟؟
بدا عليه الملل وهو يجيب :
_هل سنعود لذلك الموضوع مجددا؟؟ دايزي أنا بخير ..ولأثبت لك..
وعادت قدماها لترتفعا عن الأرض وبسرعة وجدت قدميها تغوصان في مياه النهر التي اكتسبت برودة الجو ، وتحولت إلى جليد حديث الذوبان ، ارتعشت دايزي بقوة ، وصرخت بفزع :
_أخرجني أيها الغبي ، قلت لك أخرجني.
استجاب أندريس لطلبها الصارخ ورفعها من الماء ، وسار بها إلى حيث يجلس البقية مستمتعين بالعرض الفريد ،
استمرت بالصياح والتوعد طوال الطريق ، وعندما وصل إلى البقية وضعها على الأرض وتراجع بسرعة متفاديا يدها التي كانت ستحط على وجهه ، وقال محذرا :
_لو أنها حطت على وجهي لكنت نلت شيئا قاسيا جدا .
نظرت إليه بحنق وهي ترتجف من البرد وتقول بسخط:
_هل نحن في الصحراء؟؟ في النهار حر ، وفي الليل برد شديد!!
قال لها نيكول بخفة ، ويبدو على وجهه أنه مستمتع بهذه المشاجرة :
_ لا نحن لسنا في الصحراء ، ولكن ذلك لا يمنع وجود بعض الليالي الباردة .
هتفت ميديا بقلق وهي تلاحظ ارتجاف دايزي :
_دايزي ، لربما عليك أن تستحمي وتدفئي نفسك ؟؟
وافقتها دايزي وهي تقول بارتجاف :
_سأعود حالا ، لا تفعلوا شيئا من دوني .
سمعت الموافقات وهي تتجه إلى منزلها الصغير مسرعة ، اتجازت الطريق في ثواني معدودة ، حتى وصلت باب المنزل ، ارتقت الدرجات الثلاث الصغيرة ، وأخرجت المفتاح من جيبها ، ثم دفعت الباب وأنارت الضوء ، وانطلقت بعد أن دفعت الباب لتغلقه خلفها ، وصلت غرفتها ذات الجدران السكرية والتصميم الفخم الراقي ، اتجهت خطواتها إلى خزانة ملابسها ، فتحتها وأخرجت بنطالا من الجينز ، وقميصا ثقيلا أبيض اللون ، ثم سارعت تدخل إلى الحمام ، وبعد بضعة دقائق خرجت وقد ارتدت ملابسها الجديدة ، وغسلت قدميها بمياه دافئة ، لتبدد البرد الذي غزاهما ، تناولت حذاءها في طريقها للخروج ، وارتدته في أثناء نزولها الدرج ، وكانت ستقع بضع مرات أثناء سيرها السريع المتعثر .
أقبلت عليهم مسرعة ، ببنطال الجينز الضيق ، وقميصها الواسع ، وشعرها المتهدل على عينيها ، رمقها أندريس بنظرات إعجاب خفية ، وهو يراقب وجهها المتورد من الجري ، وتنفسها السريع ، جلست على الأرض وهي تقول بأنفاس متلاحقة :
_هيا فلنكمل.
هتفت صوفيا بهدوء :
_حسنا ، ليخبرنا كل واحد عن أكثر حدث مؤلم مر به في حياته .
تبادل الجميع النظرات المترددة والمرتبكة ، وانتهى الأمر بأن تنهدت سان بتعب وقالت وقد بدأت الدموع تجتمع في عينيها اللوزيتين:
_في الماضي كان لدي صديق ، ظننت أنه سيكون الأخير في حياتي ، لكنه خيب أملي به ...
نظرت بعينين دامعتين إلى نيكول الجالس بجانبها ، ووضعت رأسها على صدره ، فرفع يده يحيطها بحنية ، ثم تابعت:
_أراد توريطي في جريمة سرقة ، قال لي أنه يريد أن يلتقيني في مكان ما ، كان بيتا كبيرا، وعندما ذهبت ، كان قد أنهى السرقة وهرب ، أنا ارتبكت ولم أعلم ما علي فعله ، وجاءت الشرطة ووجدوني هناك ...
شدت قبضتها على قميص شقيقها ، ودفنت وجهها في صدره وهي تتابع:
_لكن ، تمتمت تبرئتي ، وذلك أن الشخص الذي سرق بيته ، كان قد وضع آلات تصوير للمراقبة ، و(جايكوب) لم يكن يعلم بذلك.
نظرت إليها ميديا بحنان وراحت تمسح على شعرها الكستنائي وهي تتمتم :
_لا تبكي سان ، إنه لا يستحق دمعة واحدة .
رفعت سان رأسها وقالت بانكسار وهي تمسح دمعة سالت على خدها المتورد :
_لقد حطمني ميدي .
ضاق صدر نيكول لهذه الذكرى فقال يصرف نظر الجميع عن الموضوع :
_حسنا اتركوني من هذه الحادثة ، وانتقلوا لشيء آخر .
تكلم أندريس بصوت متحجر ، ونظرات شاردة يبدو أنه عاد بها إلى ماضيه الأليم:
_أصعب شيء في حياتي كان ، أن أفقد والدي في نفس اليوم ، كنت في السادسة من عمري ، يومها خرجا ليشتريا هدية لعيد مولدي ، وليتهما لم يفعلا ، فقد انقلبت فيهما السيارة ، وماتا معا ، وبعدها لم أحتفل بعيد مولدي مجددا .
كانت العبرة تخنقه ، وبدا التأثر الشديد على وجهه ، وجدت دايزي أن معاناتها تشابه معاناته فقالت ، وهي تتذكر ملامح أنها الرقيقة ، شعر بني طويل ، وعينان فيروزيتان ، وقد رشيق :
_أصعب ما مر علي كان وفاة والدتي أمام عيني ، وأنا في الثالثة .
اكتفت بذلك ، وتابع كايل :
_وأنا فقدت والدي ، كان قلبه متعبا ، وقال الطبيب أنه لن يستمر كثيرا ، و...
بسط يديه ، دلالة على أن الأمر كان مقدرا :
_حسنا ، لقد مات وتركني .
ضربته دايزي على كتفه بخفة وهي تقول بحزن تجلى في عينيها المتضايقتين:
_وماذا نكون نحن ؟؟
أحاطها بذراعه وهو يجيب:
_أنتم عائلتي الوحيدة .
تضايق أندريس من الجو الخانق ، فقال بخفة ومرح ليبعد هذا الجو الكئيب ، وينشر الفرحة على الوجوه:
_حسنا ، اتركونا من هذه الذكريات المزعجة ، وليقل لنا كل واحد ما هو الجانب الرومانسي في عمله ؟؟
نظر الجميع إليه بدهشة وهمسوا بغرابة:
_الجانب الرومانسي؟؟
هز رأسه بالإيجاب وهو يهتف :
_نعم فالجانب الرومانسي من عملي هو أن تكون جالسا خلف مكتبك ، وفجأة تأتيك إحدى السيدات الغاضبات ، وتصرخ بك مطالبة بإجازة لزوجها ، وذلك أنها تفتقده ، وعندما تحاول أن تخبرها بأن ذلك مستحيل ، فإنها توشك على البكاء وتبدأ بالتوسل ، وتخبرك كم أن زوجها متعب ، ومريض ويحتاج إلى راحة .
قهقه الجميع بمرح ،فقد أزال أندريس جو الكآبة ، أكملت عنه صوفيا بحماس وعينيها تدمعان :
_ الجانب الرومانسي في عملي ، عندما أكون في مكتب مديري ، وتدخل زوجته مبتسمة ، وحالما تراني ، تكشر بغضب ، وتسرع إلى جانبه وتبدأ بتدليله وتدليعه ، وهي ترمقني بنظرات غيورة .
اشتعل كايل غيرة وهو يتخيل صوفيا تمضي النهار بكامله مع مديرها ذاك ، فقال بلهجة مطاطة :
_الجانب الرومانسي في عملي أن العديد من الفتيات الجميلات يمررن عليك يوميا ، إنهن فاتنات ، وجميلات ، ورقيقات.....
وكان سيتابع إلا أن دايزي ضربته على كتفه بخفة مطالبة إياه بالصمت ، وهي تقول :
_إنه دوري .
ما كادت تقول هذه الكلمات ، حتى قال أندريس:
_الجانب الرومانسي في عملها أن هناك الكثير من اللون الأحمر .
رمقته بنظرات حارقة قاتلة وقالت بتكشيرة :
_لا ، الجانب الرومانسي ، وهو عندما ترى شخصا يبكي على عزيز له يعاني من حالة خطرة ، وحالما يرى الطبيب ، فإنه يسرع إليه والدموع تبلل وجهه ، وعندما يخرج الطبيب تجد أن ذاك الشخص لازال يبكي ويبتهل وهو يذرع الممر جيئة وذهابا ، وما إن يرى الطبيب حتى يسرع إليه ، ويبدأ بالسؤال بطريقة مرتبكة ، وكم تكون فرحته عظيمة عندما تخبره بأن المريض قد تجاوز مرحلة الخطر وأنه سيعيش!!
رفع أندريس يديه إلى عينيه وراح يتظاهر بالبكاء وهو يقول :
_يا إلهي ،كم هو موقف مؤثر !!
ثم استطرد ، وهو يقول ساخرا :
_منذ متى أصبح لديك هذه المشاعر النبيلة دايزي ؟؟
اغتاظت بشدة ،و تمنت لو أن بيدها شيء لترميه به ، لكنها تمالكت نفسها وهي تغتصب ابتسامة وتقول :
_حسنا ، دوري ، فليخبرنا كل شخص ماذا فعل في يوم الحب السنة الفائتة؟؟
تبادلت هي وميديا النظرات ، وسرعان ما انفجرتا ضاحكتين ، حدق نيكول بميديا وهو يقول باستنكار :
_ما الأمر ؟؟
قالت ميديا من بين ضحكاتها :
_في السنة الماضية ، كان هناك احتفال يقيمه الأصدقاء بمناسبة يوم الحب ، أنا ودايزي ذهبنا ، لكن لم يكن لدينا مرافقين ، لم نشارك بأي شيء وإنما جلسنا نراقب الجميع ونطلق التعليقات .
تابعت عنها دايزي ضاحكة:
_أوه حبيبتي لا أستطيع أن أتخيل حياتي بدونك .
_ولا أنا عزيزي ، إياك أن تذهب إلى أي مكان بدوني .
تابعت دايزي :
_حتى إلى الجحيم ؟؟؟
أكملت ميديا :
_كان الجميع ينتظر ردة فعلها الرومانسية ولكنها فاجأت الجميع بأن حملت كوبا من العصير وسكبته على رأسه وهي تقول بحقد : تحلم أيها الغبي .
تابعت دايزي وهي تحرك يديها :
_ ثم دفعته ليقع وسط بركة السباحة ، يا إلهي كان الموقف مضحكا جدا ، وبعدها رمقته باستصغار وانصرفت وهي تتمتم بالعديد من الشتائم .
حول نيكول نظره إلى ميديا الضاحكة وسارع يقول بخوف :
_ هل ستفعلين هذا بي ميديا ؟؟؟
وضعت رأسها على كتفه وهي همس :
_بالتأكيد لا ، نيكو ....
ضمها نيكول بحب وهو يقول :
_هذه هي الفتاة الوحيدة التي أحببت ، ماذا عنكم؟؟
كان هذا السؤال ، وهو الشيء الوحيد الذي أخاف صوفيا ، نقلت نظرها إلى كايل فوجدت أنه يحدق بها ، بنظرات نافذة ، ارتعشت بقوة وراحت تكلم نفسها : (( لا ، لا أريد أن أعلم !! لا تقل شيئا كايل ، أرجوك)).
لكن كايل لم يستجب لها إذ سارع يقول :
_أنا أحب فتاة ما ، لم ولن أحب غيرها ولكنني لا أعلم إن كانت تحبني .
تحولت نظرات الجميع إلى صوفيا ، التي اصطبغ خداها بلون وردي لطيف ، وظهر القليل من النمش على خديها المسمرين ، تطلعت في الجميع فوجدتهم ينتظرون إجابتها ، فسارعت تخفي وجهها بين يديها وهي تقول :
_حسنا حسنا ، كايل أنت تعجبني ، ولكن لا أعلم إن كنت أحبك أم لا ، إن كنت تحبني حقا فأمهلني بعض الوقت .
أنهت كلامها ثم أزالت يديها ببطء فوجدت الجميع يحدق بها ، صاحت بهم بإحراج :
_لا تنظروا إلي هكذا .
اتسعت ابتسامة كايل ، وأجابها بصدق :
_ سأنتظرك صوفيا ولو لآخر يوم في حياتي .

نيكول الذي كان يهمه سماع إجابة ميديا ، قال لها بهمس مرتجف :
_وأنت ميديا ؟؟
قالت ميديا بصوت عال جذب انتباه الجميع عن صوفيا :
_أنت الشخص الوحيد الذي أحببت نيكول .
أشرقت عيناه بفرح لم يدم ، إذ جاءهم من الخلف صوت ماكر مألوف يقول :
_ماذا عني ميديا ؟؟
اتسعت حدقتا ميديا بخوف ودهشة ، ومرت العديد من المشاهد على ذهنها ، شاب بني الشعر ، لديه عينان زرقاوان ، وابتسامة جذابة ، كان يمسك بيدها ويجري معها ، ومشهد آخر كان يعطيها البوظة ، وآخر يهديها هدية ، وفي النهاية جاء المشهد الذي قال فيه بقسوة وخبث :
_لم تكوني سوى دمية !!
تردد صدى هذه الكلمات في ذهنها المشوش ، تمنت ألا يكون هو نفسه ، تمنت لو أنه يكون في النصف الآخر من الكوكب ، كان عليها أن تنظر إليه لتراه ، لتتأكد من أنه هو نفس الشخص الذي ظنت في يوم أنها تحبه ،وإذ به في ثوان يصبح الشخص الوحيد الذي تحمل له ضغينة على وجه هذه الأرض ، ويا لدهشتها ، طالعتها تينك العينان الزرقاوان الخبيثتان ، عينان تعرفهما جيدا ، عينان لن تنساهما أو تنسى صاحبهما ، همست بضياع وهي تتشبث بقميص نيكول :
_ألبرت!!





يتبع...
__________________
]ما أجمل أن تبقى القلوب على العهد و الوعد
حتى و إن ... طالت المسافات
و إن غابوا الأحبه ... فلهم فى الخيال لقاء?? !؟
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ماسك طبيعى لمشاكل البشرة صيفا جمالك مهم أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 3 08-30-2014 05:07 AM
رواية جديدة للدكتورة ناعمة الهاشمي 2012 تعالوا يا بنات رواية شما وهزاع احلى رواية florance أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 2 02-26-2014 02:28 PM
نصائح ووصفات للعناية والمحافظة على شعرك صيفا اياامنا الحلوة حواء ~ 3 09-07-2012 01:36 AM
وكان لقاء عبر الهاتف.. وكان حمد الكاتب قصص قصيرة 4 10-17-2007 12:22 AM


الساعة الآن 09:54 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011