|
قصص قصيرة قصص قصيرة,قصه واقعيه قصيره,قصص رومانسية قصيرة. |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
ذاكرة الحاج دخيل " قصة قصيرة" ذاكرة الحاج دخيل قصة قصيرة بقلم عبدالسلام محمد المسماري إيه... قالها في حسرةٍ بينما السيارة تشق ببطء شارعاً تلوح على حواف مطباته الكثيرة بقايا اسفلت زُفِّتَ به في زمنٍ غابر، فبات أشبه بثعبان مثخنٍ بالجراح يتمدد بين خرائبٍ هنْ بقايا مبانٍ كانت سوقا مزدهرة ذات يوم، جالت عيناه في جهات المكان كأنه يبحث عن رفاقه من تجار السوق الذين أنفق بينهم عمراً لا يستهان به، حين مرت السيارة بجوار ما كان يوما دكانه ترقرقت عيناه للمشهد البائس. الحاج دخيل المرجاوي، هذا اسمه منذ أن انتقل للعيش في مدينة بنغازي، قبل ذلك كان أحد أشهر تجار شارع الاستقلال بالمرج القديم، الحاج دخيل لم يولد وفي فمه ملعقةً من ذهب، فقد بدأ حياتَه فحاماً يُحضِّر الفَحم في "مَفْحُومةٍ" من حطب "الشْعَرة "و"البَطُّوم " الذي يقوم بجمعه من الغابة ثم يبيعه جملة إلى تجار التجزئة، ورغم عدم حصوله على أي قسطٍ من التعليم إلا أنه كان يتحلى ببصيرة ثاقبة وحكمة فطرية مكنته من السعي لتحسين أوضاعه، شجعه بعض أصحابه على دخول السوق، استأجر دكانا صغيرة، في البداية اقتصرت بضاعته على السلعة التي يفهم سوقها "البياض" وهو الاسم الذي يطلقه العوام على الفحم، يبيعه وبعض المواقد الصغيرة "الكوانين" وهي تجارةٌ رائجةٌ شتاءً كاسدةٌ صيفاً، وشيئا فشيئا أخذ يزيد أصناف السلع من أدوات الطهي كالقدور وقِصاع العود والملاعق والسواقم الخشبية والغرابيل والمواد الغذائية وكل ما يلزم أهل المرج القديم وضواحيها من سلع، وخلال سنوات قليلة تمكن من أن يصنع لنفسه سمعة طيبة بحيث أصبح يقال عن السلعة إذا لم تجدها عند دخيل فلا تتعب نفسك، وبالنظر إلى مستوى معيشة أغلب زبائنه فقد كان مضطرا للبيع بالآجل، بنفس الطريقة كان يتعامل معه تاجر الجملة في بنغازي، كانت نفوس الناس صافيةً رغم رقة الحال، والكلمة أوثق من العقود المبرمة، كانت المعاملات بين دخيل التاجر الشاب وزبائنه البسطاء وبينه وبين تجار الجملة في بنغازي تتم بكل سلاسة وثقة. ولم يحدث أن أخل أحدٌ بما عليه من التزامات تجاه الآخر. أحد تجار الجملة في بنغازي كان يقول له أنت تمتلك عقلية تاجر أصيل لو أنك تنقل تجارتك إلى سوق بنغازي سوف يكون لك شأنٌ كبير، لكن دخيل لم يقبل فكرة الانتقال واكتفى بمشاركة صديقه تاجر الجملة طاهر "البنغازينو" - كما كان يسميه- فهو رغم ما يتحلى به من بصيرة كان متمسكا "بمرجاويته " ولا يتصور حياته بعيدا عن دكانه التي تمكن أخيراً من تملكها، والحق يقال أن تجارته كانت مزدهرة بمقاييس زمنه وبيئته. حتى زلزال المرج المدمر لم يزحزحه عن هذه القناعة! طلب من السائق التوقف ونزل إلى دكانته المهجورة، رحلت به الأفكار إلى تلك السنين الخوالي، تنسم رائحة شايه المغلي على الفحم والذي كثيرا ما جعل أقرانه من تجار شارع الاستقلال يتحلقون حوله حين تقل حركة البيع والشراء، كان حديثُهم السائد في السنوات الأولى عن ذكريات الجهاد والحرب العالمية وما يسرده كبار السن عن بطولات المجاهدين، كثيرا ما تشعب بهم الحديث عن هذا المجاهد أو ذاك غير أن أكثر ما كان يشده هو حديث بعض المجاهدين عن رفيق لهم يدعى صالح الطويل ورفاقه الذين رغم عدم تجاوز عددهم اربعة عشرة رجلا إلا أنهم دوخوا سلطات الاحتلال وبعثروا أحلام المستوطنين الطليان الذين تنفسوا الصعداء بعد إعدام شيخ الشهداء عمر المختار وحلموا بهناءة العيش في مزارع الجبل الأخضر المغتصبة، فإذا بالطويل ورفاقه يبرزون لهم كالأشباح ليدب الرعب في نفوسهم ويدركون أن الأرض لا زالت ترفضهم. وكان الحديث يختتم دائما بتساؤل عن مصير صالح الطويل الذي اختفى في ظروف غامضة بعد سنوات قليلة من الاستقلال وهو الذي أفلت عدة مرات من موت محقق على يد الطليان. غير أنه مع الزمن طويت صفحة صالح الطويل ورفاقه، وهذه طبيعة الحياة والذاكرة الضيقة لدى الناس، فالبشر لا يحفلون إلا بالأحداث قريبة العهد منهم، فإذا تقادمت السنون يذهب الحدث مهما كانت أهميته إلى هامش الذاكرة رويدا رويدا حتى يتوه في غياهب النسيان. في السنوات التالية كان الحديث يدور أحيانا عن المواسم وبيع الصوت في الانتخابات وسلوك النواب والمآتم والأفراح إلى غير ذلك من الشؤون، ومع اقتناءه للراديو أصبحت أصداء أخبار صوت العرب الموضوع الأثير لأحاديثهم. كانت السذاجة والبساطة هي السمة الغالبة على تلك الأحاديث. ومضت السنوات ودخيل في تجارته ينميها ويطورها بالقدر المتناسب مع امكانياته المتواضعة، تزوج وفتح بيتا ورزق بالذرية ووفر مبلغا من المال مكنه من أداء مناسك الحج، فأصبح يعرف في السوق بالحاج دخيل. ولم تتغير الجلسة التقليدية لتجار السوق أمام دكان الحاج دخيل. - ما زلت امطول يا حاج ؟! سأله السائق. هذا السؤال أعاده من رحلة الذكريات إلى الواقع، زفر زفرةً طويلة كأنما يستعين بها على مغالبة ألم لا يريد لمن حوله أن يحس به، حين رآه محدثه على هذه الحالة لم يشأ أن يثقل عليه بسؤال ثان.. نظر الحاج دخيل إلى الشقوق والتصدعات الخطيرة التي في الجدران، مضت به الذكريات إلى ذلك اليوم الذي ظل محفوراً في ذاكرته ولم ينسه يوماً، كان في دكانه كعادته حين جاءت مجموعة من الشباب عرف بعضهم وأنكر البعض الآخر، لكن حتى الذين يعرفهم جاءوه ذلك اليوم في صورة منكرة لم يعهدها من قبل، خاطبه أحدهم بلهجة حازمة: - سَكِّرْ الدكان يا حاج. - خير شنو فيه اليوم عطلة يا ولدي؟! تسائل الحاج دخيل. - لا اليوم عمل .. ومنذ اليوم التجارة ممنوعة. - ليش يا ولدي التجارة ما هي عيب ولا حرام. الرسول عليه الصلاة والسلام اشتغل في التجارة. - خَرِّفْ .. قلنا لك سَكِّرْ يعني سَكِّرْ. - ليش يا ولدي شنو درت. - أنت برجوازي يا حاج دخيل؟! - شنو بر بر بر برزوازي؟! تسائل الحاج دخيل في حيرة وذهول. ورغم عدم معرفته لمعنى الكلمة إلا أنه ارتعب من مجرد نعته بها .. فمنذ فترة بدأ يسمع هذه الكلمة في نشرة الأخبار وتصور أنها تعني تهمة مثل الخيانة العظمى! وفي ذهول شديد أمام إجراءات لم يملك لها ردا ولا دفعا سلم الحاج دخيل مفاتيح الدكان بعد أن قام الشباب بجرد البضاعة وأخبروه بمراجعة إحدى الإدارات لتنسيبه للعمل في القطاع العام. وبالفعل نُسِّبَ الحاج دخيل للعمل خفيراً في إحدى شركات القطاع العام، لكنه ظل متوجسا من الكلمة التي نعت بها يوم أقفل دكانه، برزوازي اللهم احفظنا.. هكذا أخذ يردد في نفسه دائما. ذات يوم زارهم في المنزل قريبٌ أكمل دراسته الجامعية، سأله الحاج دخيل مترددا : - قول لي يا ولدي شِنْ معنى كلمة برزوازي؟! وبصعوبة بالغة شرح الشاب الجامعي معنى الكلمة للحاج الذي ما أن فهم معناها الحقيقي حتى ضحك إلى أن وقعت شنَّتُه. وهو يردد أثناء ضحكه المر فيما يشبه الهستيريا: - الحاج دخيل برزوازي الحاج دخيل برزوازي! كبرت الأسرة وكبر الأبناء، زادت الأعباء على الحاج دخيل لا سيما بعدما التحق ابنه البكر وابنته الوحيدة للدراسة بالجامعة في بنغازي، زين له صديقة الحاج طاهر "البنغازينو" الانتقال إلى بنغازي قائلا له: - المرج لا مستشفى ينفع ولا جامعة قريبة. كان ذلك في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، وهكذا انتقل الحاج دخيل إلى بنغازي دون أي اعتراض وهو الذي لم يفلح زلزال المرج في إقناعه بمغادرة المرج القديم. طافت بذهنه حادثة وفاة ابنه البكر في أحد أكبر مستشفيات بنغازي نتيجة خطأ طبي، وصورة ابنته يوم أن عادت من المدرسة التي تعمل بها وهي في غاية الحزن بسبب تقليصها وعدم تسكينها بالملاك الوظيفي، فلم يُجْدِهَا نفعا مؤهلها التربوي الجامعي ولا سنوات الخبرة وشهادات التقدير التي نالتها! تحسَّر على عمره المهدور، على ضياع ابنائه. فهاهو اليوم بعد عقود يقف على أطلال السوق الذي شهد نمو ونهاية تجارته التي أقامها على الأمانة والطيبة، أرعبته الحالة التي آل إليها السوق من تصدعٍ وخراب، مرت في مخيلته صور مرعبة لمشهد تجارة اليوم وكيف احتكر استيراد أغلب السلع بضعة أشخاص تراءوا له كالبوم تنعق في أرجاء السوق الخرب تنهش اللحوم وتمتص الدماء دون حسيب أو رقيب. تمتم في صوت منخفض كأنه يحدث نفسه: - وين يتغير الزمان يتعب إللي عنده ذاكرة. ثم غمغم فيما يشبه الزفير "قالك الحاج دخيل برزوازي!" وتسمر في جلسته مدة نصف ساعة دون حراك. - يا حاج دخيل الليل قريب يخش. قال السائق، فلم يسمع جوابا. وضع يده على كتف الحاج دخيل لم يحرك الحاج ساكنا، لمس جبهته فإذا ببرودة شديدة تغشاها.. لقد فارق الحاج دخيل الحياة. في المكان الذي شهد مولد ووأد مشروع حياته. تمت |
#2
| ||
| ||
رد: ذاكرة الحاج دخيل " قصة قصيرة" جزاك الله خيرا وحياك الله بيننا وننتظر منك المزيد |
#3
| ||
| ||
رد: ذاكرة الحاج دخيل " قصة قصيرة"
قصة جميلة ومعبرة ... فيها الكثير من الحكمة والألم ... بارك الله فيك وسلمت يداك
__________________ |
#4
| ||
| ||
رد: ذاكرة الحاج دخيل " قصة قصيرة" أختي الفاضلة غادة ... لعل الاعتذار هنا يسبق شكري لك فقد مر وقت طويل منذ مرورك العابق فعذراً أختاه ، وشكري جزيل تحيتي |
#5
| ||
| ||
رد: ذاكرة الحاج دخيل " قصة قصيرة" |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
(( سجل أسمك بالألبوم حتى تبقى فى ذاكرة المنتدى )) ... الرجاء الدخول للجميع | عاشقة فلسطين | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 61 | 04-20-2007 02:49 PM |