أشعر بأني سأموت..ما الذي سأفعله الآن؟
جميع تلك العيون البريئة التي تنظر إلي بغضب، تقطّع قلبي إلى أشلاء..تمزقه تفتته تحطمه..لدرجة أن الموت يبدو بسيطا وسهلا أمام كل هذا العذاب، كيف أخبرهم بأنهم مخطئون؟ كيف أخبرهم بأنني لست كما يفكرون؟ كيف أستطيع إقناعهم بأنني هنا لمساعدتهم...للإمساك بتلك الأيدي الصغيرة الناعمة...إمساكها بقوة وعدم التخلي عنها، سأخرجهم من ذلك الجحيم مهما كلفني الأمر..هذا وعد.
ولكن أولا،،،
علي أن أكون في قلوبهم..عليهم أن يثقوا بي..أن يحبوني...أن يبتسموا لي كما كانوا يفعلون دائما.
* * * * * * * *
* * * *
* *
صراخ ملأ المكان...ألم عذاب وخوف، صرخات مليئة بالذعر ويرافقها بكاء أطفال مؤلم ونحيب فتيات قاتل، كل هذه الأصوات المرعبة كانت تخرج من تحت الأرض...من تحت تلك الأرض اللعينة التي كانت سجنا لأولئك المساكين.
ومن فوقها ضحكات مقززة...ضحكات استهزاء على تلك المعاناة في الأسفل، رجال أوغاد جالسين على تلك الطاولات الثمينة يشربون ويضحكون بسعادة بعد أن أحضروا دفعة أخرى من الأطفال وزجوهم في سجونهم البالية العفنة الموحشة، هتاف علا من يمين الغرفة: لقد جاء الزعيم.
توقف الوحوش عما كانوا يفعلونه من غناء ورقص وضحك ثم جلسوا بترنح وانتظروا دخول الزعيم عليهم.
عينا أفعى سامة متكحلة بدماء قاتمة...ابتسامة مستفزة بشفتين كلون عصير عنب أحمر...شعر ورديّ تشوبه بعض الخصل الحمراء كلون الدماء، فستان زمرّديّ حريري..منقوش بخطوط من ذهب، مشية متخايلة بغرور وكبرياء.
مشت تلك المرأة بثقة في ذلك الممر المظلم وهي تتجه نحو باب ضخم أمامها، وما أن وصلت حتى فتح الباب من تلقاء نفسه والتفتت جميع العيون إليها بعد أن وقفت الأقدام بصعوبة، عم الهدوء المكان إلى أن بدأ صوت ضربات كعب حذائها يخرج وهي تتجه إلى مكانها في صدر الغرفة حيث يمكنها رؤية كل شيء، وصلت وجلست بغرور وهي تقول: يمكنكم الجلوس.
سقط الجميع على مقاعدهم بقوّة، فالتقى حاجباها بغضب وهي تقول: ما هذا؟ قللوا من الشرب أيها الحمقى.
أجابها أحد الواقفين بجانبها: سيدتي إنهم يحتفلون لأنهم أحضروا الدفعة الأخيرة من الأطفال ليكتمل جيشك العظيم.
رمقته بنظرة مخيفة وقالت: لم أسألك يا هذا، فأنا أعلم بكل شيء يحدث في عصابتي قبل حتى أن تفتح فمك المزعج هذا.
تراجع الرجل للخلف قليلا وقال باحترام: أنا أعتذر سيدتي ولكني اعتقدت بأنه يجب عليك أن تعلمي.
ابتسمت بسخرية وقالت: يالشجاعتك، ولكنها لن تفيدك، خذوه إلى الأسفل ودعوه يعلم كيف يفكر وكيف يرد علي مرة أخرى.
ما أن سمع الرجل تلك الكلمات حتى تغيرت ملامح وجهه وأخرج مسدسه بسرعة ليمسك المرأة ويلف يده حول عنقها واضعا فوهة المسدس على رأسها ويقول بعدها بغضب ونبرة لا تخلو من الخوف: لماذا؟ لماذا تفعلين هذا أيتها الأفعى المتوحشة؟، من تظنين نفسك حتى تتحكمي بحياة الجميع؟ ما الذي فعلته لك كي تأمرينهم بأن يأخذوني للأسفل؟ كنت أنفذ جميع أوامرك في السنوات الخمس التي مضت وأنا أراك تقتلين أشخاص كثيرين بلا رحمة، وقتلت الكثير لأجلك أيضا، وما الذي تفعلينه أنت؟!!...لا شيء، نعم لا شيء، ولكن هذا يكفي...سأقتلك الآن و...
لم يستطع أن يكمل كلامه لأنه بالفعل كان قد تجمع المئات من الرجال المسلحين حوله، وهم ينظرون إليه بوجوه مرعبة ومقرفة، ارتجفت يد الرجل للحظات ولكنه سرعان ما استعاد رابطة جأشه وصرخ: ابتعدوا...ابتعدوا قبل أن أطلق عليها.
ابتسمت المرأة وقالت بهدوء شديد: هيا ابتعدوا، افعلوا كما يقول.
ثم التفت برأسها نحوه لتصبح فوهة المسدس على جبهتها ونظرت إلى عينيه المرتجفتين بقوة لترفع يدها وتضع أصابعها على رقبته وهي تقول: إنك شجاع حقا كما قلت ولكن..
صرخة ألم انطلقت من الرجل عندما غرست المرأة أظافرها الطويلة في عنقه بقوة وبوحشية ثم أخرجتها بعنف لينطلق شلال من الدم في كل مكان ويسقط الرجل بعدها على الأرض وجميع الذين كانوا هناك ينظرون إليه بذعر وخوف بينما أخذت المرأة منديلا أبيضا و قالت وهي تمسح به يدها ببرود: لقد أزعجني كثيرا...هيا خذوه من هنا.
تحرك أربعة رجال بسرعة وحملوا الجثة واخذوها بعيدا، بينما أخذت تلك المتوحشة تتناول طعامها بكل هدوء وكأنها لم تفعل أي شيء وكأن تلك الحادثة لم تؤثر فيها نهائيا، إنها على هذه الحال منذ سنوات عديدة...بلا مشاعر...بلا أحاسيس، فقدت أنوثتها ورحمتها، وكيف لا وهي التي حاولت جاهدة أن تصبح زعيمة أكبر عصابة في العالم...ونجحت، نعم نجحت ولكن بعد أن سفكت الدماء وسلبت الأرواح ودمرت حياة وخلفت وعود وكسرت أحلام، إنها الفتاة الوحيدة التي جعلت العالم كله يعترف بها وبوحشيتها..إنها جيا تشوساكا، المعروفة بالأفعى السامة، زعيمة عصابة كيلرز سابقا و سنكسناك حاليا.
أنهت طعامها وصاحت بضجر وهي تجول بنظرها في المكان: أين هو سيهون الآن؟ من المستحيل أن أجده عندما أريده، أحضروه الآن.
انطلق أربعة من الرجال طوعا لأمرها، وأخذوا يبحثون عن سيهون في كل مكان، آملين أن يجدوه قبل أن تفقد صبرها.
~~~~
~~
~
وفي مكان آخر ليس ببعيد عن وكر تلك الأفعى المتوحشة، كان هناك شاب وسيم ينزل بنشاط من على سلالم قديمة مهترئة إلى مكان ما تحت الأرض، وصل وأخيرا إلى مراده، حيث كان الظلام والهدوء والخوف، أشعل تلك الأنوار الخافتة الموجودة هناك بابتسامة لم تفارقه، تنهد بقوة ثم بدأ يركض في ذلك الممر الطويل، فهو لم يعد يستطيع الإنتظار أكثر من هذا.
انتهى ذلك الممر وأخيرا حيث كان أمامه باب حديدي متوسط الحجم، اقترب منه ووضع أذنه عليه وهو يحاول سماع أي شيء، وبعد عدة ثوان رفع رأسه وقد اتسعت تلك الابتسامة لتملأ وجهه وقال: كما توقعت الباب عازل للصوت، والجدران كذلك، هذا راائع.
خلع ذلك الوشاح الأسود الطويل الذي كان يرتديه ثم بدأ يلف به رأسه ويغطي وجهه إلى أن انتهى ولم يعد يظهر شيء من ملامحه سوى تلك العينين الزرقاوتين اللامعتين، وكآخر خطوة في خطته خلع حذائه وبدأ بهزه بسرعة إلى أن سقط منه مفتاح ذهبي. ارتدى الحذاء بشكل جنوني ثم أخذ المفتاح من على الأرض وقال وهو ينظر إليه: لن تصدق كم عانيت للحصول عليك.
ثم التفت نحو الباب وقال بحنان: ولكن من وراء هذا الباب يستحقون أن أعاني كل تلك المعاناة وأكثر.
عادت الابتسامة المشرقة إلى وجهه من أسفل الوشاح لتزداد سرعة نبضات قلبه أكثر فأكثر كلما اقترب المفتاح من قفل الباب. وأخيرا فك القفل وبدأ بفتح الباب ببطء وحذر وشوق للذي يقبع خلف هذا الباب، دخل بسرعة وخفة ثم أغلق الباب خلفه والتفت نحوهم....نحو تلك العيون المرتجفة وهي تنظر إليه بخوف، أخذ يجول بنظره بينهم و هو يعدهم ليتأكد بأن الجميع هنا وأنه لم يصب أي واحد منهم بأي مكروه.
توقف عند طفل صغير بعمر الخمس أو الست سنوات تقريبا، وبدأ يمشي نحوه، ابتعد جميع الأطفال الذين كانوا بجانبه خوفا من ذلك الشاب القادم. وصل ذلك الشاب إلى مكان تواجد الطفل في منتصف الغرفة العملاقة تقريبا وجلس أمامه وهو ينظر إليه وهو يرتجف.
قال الطفل بخوف وهو على وشك البكاء: أ...أرجوك لا تضربني سيدي، فأنا ل..لم أصرخ، أقسم لك أنا لم أصرخ ولم أفتعل المشاكل..أ أ أرجوك لا تضربني.
دمعة حارقة سقطت من مقلة الشاب عندما سمع تلك الكلمات تخرج من ذلك الطفل البريء، لم يعد يستطيع التحمل أكثر من هذا، أمسك الطفل من ذراعيه وضمه إلى صدره بقوة وهو يقول: غارا أيها الصغير...اشتقت إليك ♡.
اتسعت عينا الصغير غارا الرماديتان عندما سمع صوت الشاب المألوف وقال بسرعة وهو يضمه بقوة: اوه سيهون...هل أنت حقا هنا؟.
انهمرت دموع غارا عندما سمع سيهون يقول بلطف: نعم أيها الصغير هذا أنا.
بمجرد أن أنهى سيهون جملته انقض عليه فوج كبير من الأطفال واخذو يضمونه ويقبلونه وكان بعضهم يضربه وآخرون غارقون بين دموعهم. حقا لقد كان الوضع فوضويا وجميلا ومؤثرا.
********
****
**
*
من هو يا ترى؟؟؟ من هو هذا الشاب المليء بالرصاصات؟ وكيف دخل إلى منزلي؟ وما الذي يريده مني؟؟؟ ما الذي علي فعله في هذا الموقف؟؟؟.... أسئلة كثيرة كانت تدور في عقل شارا كالإعصار وهي تضع الضمادات على جروحه بحذر وخوف كانت تشعر به داخلها ولكن من الخارج كانت تبدو هادئة واثقة من نفسها.
ما أن انتهت من عملها وبدأت بترتيب المكان الذي أصبح فوضويا حتى صرخ الشاب بقوة وهو يحاول إخراج شيء من جيبه: استلقي على الأرض بسرعة.
كانت واقفة أمامه بالضبط عندما أخفضت رأسها لتنظر إليه باستغراب وهي ترفع حاجبيها وقالت: م..ماذا قلت؟.
وقف على ركبتيه ومد يده بسرعة البرق ليضعها على رقبتها من الخلف ثم يحسبها بقوة نحو الأسفل لتضرب وجهها بالأرض. كانت تريد بشدة أن تقف وتلكمه على وجهه بقوة لولا ذلك الوابل من الرصاص الذي اخترق زجاج النافذة فجأة بدويّ
مزعج واستمر عدة دقائق كاد قلب شارا أن يخرج من مكانه فيها.
فتحت عينيها ببطء وكادت أن تقف لولا ذلك الصوت الهادئ الذي بدا قريبا منها بشدة: لا تتحركي...ابقي كما أنت.
كانت خائفة جدا ولكن فضولها كان يقتلها أيضا، وهذا ما جعلها تتجاهل كلامه وتدور حول نفسها مئة وثمانون درجة لتستلقي على ظهرها مغمضة العينين. شعرت بأنفاسه تختلط مع أنفاسها وسمعت ضربات قلبه الهادئة بقوة، فتحت عينيها لتتلاقى مع عينيه القاتلتين، لم تكن على وعي بما يحدث ولم تفعل اي شي...فقط بقيت تحدق في عينيه وهي تفكر "يا إلهي...هل هناك عينان كهاتين في هذا العالم حقا؟؟!! يا لروعتهما!! تبدوان كغيمتين صغيرتين ناعمتين وكبحر واسع غريب، لا أعلم ما علاقة الغيم بالبحر ولكن...إنهما رائعتان فحسب".
مرت الثواني الثلاثون وهي ما زالت تحدق به، قال بهدوء تام: ألم أقل لكِ بأن تبقي كما أنتِ؟؟.
ابتسمت بغباء وهي غارقة في عيونه وقالت: ماذا قلت؟؟.
تنهد بقوة لتطاير بعض من خصلات شعرها بلطف، فشعرت وأخيرا بأنه قريب منها كثيراً وعادت إلى وعيها بعد أن أدركت بأنه مستلق فوقها تقريباً، احمرّت وجنتاها وقالت: أيٌها السيد...أنتَ نائم فوقي.
أجابها بهدوء وهو ينظر من خلال النافذة: أنا أحاول حمايتك.
ابتسمت بسخرية وقالت: أنا لا أحتاج لحمايتك وكما أنني أستطيع أن أعتني بنفسي جيدا و....
تفاجئت به يقف بسرعة ويسحبها من يدها نحو زاوية الغرفة.
" اااااااه اوه اوه اوه هذا مؤلم" صرخات ألم خرجت من شارا عندما كان الشاب يسحبها ولكن شعرها الطويل كان عالقا بقدم السرير، لم يأبه ذلك الشاب لصراخها بل استمر بسحبها بكل قوته، صرخت عليه فجأة وهي تحرك يديها بفوضوية: هاي..أنت يا هذا، ألا ترى بأن شعري عالق؟ إنه مؤلم كثييييرا.
توقف الشاب ساكنا في مكانه ثم أخرج بسرعة سكينا كبيرا من جيب خفي في بنطاله وجلس القرفصاء أمامها وهي تحاول انقاذ شعرها من تلك المشكلة غير منتبهة له و هو يلف زراعيه حول رقبتها ليمرر شفرة السكين الحادة على خصلات شعرها السوداء فتتساقط على الأرض بهدوء ثم يُرجع الشاب السكين إلى مكانه بمهارة و يعود ليسحب شارا إلى المكان الذي حدده في عقله سابقا، وبغضون عدة ثواني كانت شارا جالسة في إحدى زوايا الغرفة وقد أصابتها صدمة عميقة أفقدتها القدرة على الحركة والكلام.
كانت تُدخل يدها اليمنى بين خصلات شعرها التي أصبحت قصيرة بما يكفي ثم تسحبها لتعيد الحركة مرات ومرات.
وفي تلك الأثناء دخل العديد من الرجال الذين يبدون كرجال العصابات إلى الغرفة محطمين ما تبقى من زجاج النافذة وأخذوا يتلفتون حولهم جنوبا وشمالا بحثا عن فريستهم بوحشية. ابتسم أحدهم بمكر عندما رأى شارا والشاب جالسان في تلك الزاوية، أشار إليهما منبها الباقين: إنه هناك.
التفت الجميع نحوه و وبدت على ملامحهم نظرات الكره والحقد والرغبة الشديدة بالإنتقام.
أخرج أقرب الرجال إليه مسدسا كبيرا من سترته وصوبه على الشاب قائلا: لقد مرّت فترة طويلة يا رصاصة الجحيم.
~~~~~~~~
~~~~
~~
~
وأخيرا عاد الأمل إلى قلوب هؤلاء الصغار بقدوم سيهون إليهم بعد أسبوعين من الخوف والعذاب، العديد من الأطفال السعداء الذين لا يعرفون كيف يعبّرون عن السعادة التي يشعرون بها، فبعضهم يضحك والبعض الآخر يبكي وآخرون يفقزون، كما أنه يوجد بعض الغاضبين الذي يفرغون حنقهم منه بضربه تارة ثم ضمه ومعانقته تارة أخرى.
كل شيء كان طبيعيا باستثناء أولئك الطفلين، أولهما غارا الصغير الذي كان نائما في حضن سيهون بعمق وسط كل تلك الضجة، والآخر الذي يُعتبر الأكبر بين جميع الأطفال هناك كان واقفا بعيدا عن سيهون بقليل متكتفا ينظر إليه بحقد وكره، صرخ فجأة على الأطفال بغضب: ابتعدوا عنه حالا قبل أن أعاقبكم جميعا.
التفت الجميع نحوه بمن فيهم سيهون الذي قال بلطف: تشاني عزيزي كيف حالك؟.
تجاهل تشاني الغاضب كلامه وعاد ليصرخ على الأطفال: ألم تسمعوا ما قلته...هيا تعالوا وقفوا خلفي بسرعة.
تحرك جميع الأطفال بسرعة وذهبوا إلى حيث قال ما عدا غارا الذي ما زال في عالم الأحلام في حضنه، فحمله سيهون على كتفه ووقف وهو يخاطب تشاني: ماذا هناك؟ لماذا تفعل هذا؟.
ابتسم تشاني بسخرية وقال: صحيح بأني ما زلت صغيرا وما زال عمري ثلاثة عشر سنة فقط ولكني أفهم جيدا ما الذي يجري حولي وأستطيع أن أميز بين الذين يقفون بجانبي والذين لا يفعلون.
أنهى كلامه عندما وضع سيهون غارا على الأرض ثم بدأ يتجه نحوه ببطء، بدأ تشاني بالتراجع كلما اقترب سيهون منه أكثر، أسرع سيهون نحوه وعانقه بقوة وقال: تشاني الصغير لقد أصبح كبيرا حقا، اشتقت لك كثيرا أيها الأحمق.
لم يستطع تشاني منع دموعه من الخروج وهو بين ذراعي سيهون ولكنه سرعان ما مسح آثار حزنه وضعفه ودفع سيهون بقوة بعيدا عنه وصرخ: لا تحاول أن تخدعني مرة أخرى بتصرفاتك هذه وبكلامك الكاذب هذا، كيف تستطيع أن تعود إلينا بعد أن خدعتنا جميعا واعتبرتنا مجرد سلعة رخيصة وبعتنا إلى هؤلاء الأوغاد؟؟ ونحن الأغبياء الذين أحببناك وآمنا بك وبأنك ستساعدنا للتخلص من حياتنا البائسة ولكنك جعلتها أسوأ...
لم يستطع تشاني حبس دموعه أكثر من هذا فنزل على ركبتيه ودفن وجهه بين كفيه وأطلق العنان لمشاعره ولدموعه، فبدأ الصغار بالبكاء بقوة معه والتفوا حوله وهم يعانقونه.
ألمٌ غير متوقع اخترق قلب سيهون بقوة ليمزقه إرباً عندما صرخ أحد الأطفال في وجهه: أنتَ شخص شرير، لماذا جعلت أخي تشاني يبكي؟؟ أكرهك.
جثا على ركبتيه أمامه ليقول لذلك الطفل الذي عاش معه لسنتين وأحبه أكثر من نفسه: عزيزي كلا أنا لم أفعل هذا عمداً..فأنا أيضاً أحب تشاني كثيراً و أحبكم جميعاً أيضاً ومن المستحيل أن أفعل ما يجعل.....قاطعه تشاني بصوت مختنق بسبب البكاء: لا تكذب على الأطفال هكذا فأنت لا تحبنا والا لما كنت بعتنا لهذه العصابة وانت تعلم بأنها شريرة وستعذبنا.
أجابه سيهون بتوتر: عزيزي لا تقلق، فأنا سأنقذكم وأخرجكم من هنا في أسرع وقت ممكن.
صرخ تشاني بحزن: أنت تكذب...أنت تكذب.
لم يستطع سيهون منع الدموع من الخروج عندما اتّجه نحو تشاني وجلس أمامه ثم عانقه بقوة وهو يقول: أنا آسف أنا آسف أنا آسف، أنا آسف إن سببّت لكم الألم، أنا آسف تشاني، أرجوك لا تفعل هذا، تعلم بأني أحبكم كثيراً.
ابتعد تشاني عنه والدّموع تملأ عينيه وقال: لقد فات الأوان على اعتذارك هذا و.........
انفجارٌ قويٌّ حدث عند تشاني كان يؤدي إلى موته لولا إنقاذ سيهون له في آخر لحظة، وضع سيهون تشاني على الأرض واتّجه مسرعا نحو مسبب الإنفجار الغاضب وانحنى نحوه وقال بغضب: غارا....ألم نتفق على ألاّ تستخدم طاقتك أمام الناس بعد الآن؟!.
تجاهل غارا كلام سيهون وصرخ وهو ينظر إلى تشاني بغضب: لا تتحدث هكذا عن سيهون ولا تقول أنّه كاذب ولا تدفعه بهذه الطّريقة مرّةً أخرى وإلا قضيت عليك.
أجابه تشاني من دون أي خوف: هل ما زلت تؤمن به غارا؟ هل ما زلت تعتقد بأنه سيحمينا؟ هل ما زلت تعتقد أنه يحبنا؟.
ثم تابع صارخاً: هل ما زلت تحبه؟.
ابتسم غارا وأخذت عيناه الرماديتان تلمعان وهو ينظر إلى سيهون الذي كانت الدموع تملأ خدّيه المحمرتين ثم وضع يده على صدر سيهون في مكان قلبه وقال: نعم بالتأكيد فأنا أشعر به وأعلم كم يحبنا فأنا أستطيع الإحساس بقلبه وبمشاعره، إنه يحبنا أكثر من أيّ شخصٍ في هذا العالم.
ثمَّ أدار رأسه مرّة أخرى نحو تشاني وقال: وأنت أيضاً تحبّه أكثر من أيّ شخصٍ في هذا العالم، وتخاف من أن تفقده ولا تريد أن يرحل ويتركك مرّة أخرى.
احمرّت وجنتا تشاني بشدة عندما نظر إليه سيهون بابتسامة ثمّ وقف واتّجه نحوه وهو يقول: ليس هناك داعٍ للخوف بعد الآن، فأنا لن أترككم أبداً...من المستحيل أن أترككم مرّة أخرى، سأبقى بجانبكم هذا وعد، وسأخرجكم من هنا أيضاً.
قال تشاني بحزن وألم: أريد أن أصدقك، أريد أن أؤمن بك، أريد أن أبقى معك ولكن....أنا خائف، خائف من أن.....
قاطعه سيهون بعد أن ضمّه إلى صدره بقوّة: لقد أخبرتك من قبل أليس كذلك؟!.
جاء صوت تشاني لطيفا عندما قال: ها؟ أخبرتني بماذا؟.
ابتسم سيهون وأجابه بلطف: أني أحبّك كثيراً.
أحاط تشاني سيهون بذراعيه وقال بابتسامة أخفاها في قلبه الذي يرقص من السعادة: أرجوك لا تتركنا مرّة أخرى أخي..أرجوك.
كاد سيهون أن يقول شيئاً ما عندما قفز غارا فوقه هو وتشاني وهو يقول: وأنا أيضاً وأنا أيضاً، ألا تحبني؟.
سقط الثلاثة على الأرض فغرق تشاني بالضّحك بينما ابتسم سيهون وقال وهو يربت على رأس غارا: بالطّبع أحبك أيّها الصغير.
ثم رفع رأسه نحو جميع الأطفال وقال بصوتٍ عالٍ: أنا أحبكم جميعاً، وأعدكم أنني سأنقذكم بأسرع ما أستطيع، هل تثقون بي؟؟.
صرخ جميع الأطفال بآنٍ واحد: نعم.
ابتسم سيهون وقال وهو يقف على قدميه: أنا لن أخذلكم ولكن الآن علي الذهاب، لا تقلقوا سأعود قريباً.
خرج سيهون من الباب وهو يرى علامات الحزن على وجوه جميع الأطفال، أغلق الباب ورحل تاركاً قلبه معهم.
~~~~~~~~~
~~~~~
~~~
~~
~
انطلقت الرّصاصة من فوهة المسدس لتخطئ هدفها وتستقر في جدار الغرفة، صرخت شارا على الشاب الجالس بجانبها: كدت تقتله أيّها الأحمق.
أخذ الشاب يتمتم: ما هذا..أنا لا أُخطئ في التّصويب عادةً، يبدو أنني فقدت الكثير من الدماء، اااه هذا مزعج.
كادت أن تصرخ عليه مرّة أخرى عندما قال أحد الرجال: لم أعهدك هكذا...فأنا لم أراك تخطئ في التصويب من قبل.
ثم ابتسم بخبث وأكمل: ما الذي حصل؟ هل فقدت لياقتك أم أنّك خائف.
أعاد الشاب تلقيم مسدسه وهو يقول: ألا تظنّ بأنك بالغت قليلاً في قولك بأني خائف، ولكنني أعدك بأنني سأصيب هدفي بدقة هذه المرّة.
أدار فوهة مسدسه نحو أقرب الرجال إليه وكاد أن يضغط على الزناد لولا وقوف شارا حائلاً بينهما، قطّب حاجبيه وقال: ما الّذي تفعلينه بحق الجحيم؟؟؟.
ردّت عليه بغضب: أبعد هذا المسدس، لن أدعك تقتل أحداً داخل منزلي، هيّا اخرج واقتله في مكانٍ آخر.
صرخ قائلاً: ابتعدي من أمامي قبل أن أطلق عليكِ.
ظلّت متمسكة برأيها وقالت: لن أبتعد.
زفر بقوّة وأخذ ينقل بصره بينها وبين الرجال وأخذ يفكر بطريقة للخلاص من هذا الوضع ( إنهم تسعة رجال وهذه الحمقاء وأنا لدي سبعة رصاصات و أربع ثوانٍ لأقضي عليهم، كنت سأفعل هذا بسهولة لو أنّ تلك الفتاة لا تقف هناك، والمشكلة بأنني لا أستطيع الوقوف على قدميّ، هذا يعني بأنني سأموت أو أقتل الفتاة مع الجميع............حسناً، سأقتل الجميع).
كان الجميع يتوقع منه أن يستسلم ولكنهم تفاجئوا به يفرّغ طلقات مسدسه خلال ثانيتين ليصيب أهدافه بدقّة، ستّة من الرجال والفتاة، ثم مدّ يده بسرعة ليأخذ مسدس الرّجل الذي أمامه ويقضي على بقية الرّجال في الثّانيتين المتبقيتين، ثم ابتسم عندما رأى جهاز انذار ينطلق من يد أحد الرّجال وقال: هذا يعني بأنه لديّ عشر دقائق لا أكثر لأهرب من هنا، وإلا سأموت حتماً.
ألمٌ غير متوقع شعر به في معدته وكأنّ رصاصةً اخترقته للتو، لم يستطع الحراك وكان مصدوماً بشدة...إنه يتألم حقاً وكأنّه أُصيب برصاصة، هذا لا يمكن أن يكون ألماً عادياً، ما الذي يحصل بحقّ الجحيم، أدار رأسه بسرعة نحو الفتاة عندما سمعها تقول وهي تجلس وتستند على الحائط: هل تتألم؟ يا لك من مسكين.
ثم بدأت بالصّراخ فجأة: أيّها الوغد الأحمق، كيف تطلق عليّ بهذه البساطة؟ هل حياة الآخرين لعبة من يديك؟ ولكنني لن أتركك تنجو بفعلتك بهذه البساطة، سأنتقم منك و سأجعلك تتألم حتى تندم وتعتذر لي.
أمسك بمعدته بقوة وهو ينظر إليها وقال بألم: ما...ما الّذي فعلتِه بي؟.
ابتسمت وقالت: فقط جعلتك تشعر بالألم الذي..ه...ه..ه..الذي أ أشعر به أنا الآن.
اتّسعت عيناه بشدّة وهو يحدق بجرحها الذي بدأ يُشفى شيئاً فشيئاً ثم قال: ما هذا...لقد خفَّ الألم، من أنتِ؟.
أجابته بعد أن وقفت على قدميها وبدأت بالسّير نحو الباب: شخصٌ لا أنصحك باللّعب معه.
وقف الشّاب بدوره واتّجه نحوها ثم وضع يده على كتفها فالتفت نحوه ليقول هو بصدمة: هل أنتِ من عائلة أوتشيها؟.
أبعدت يده عنها وقالت بإعجاب: إنك ذكيٌّ حقاً، ويبدو بأنّك تعرف الكثير من الأشياء.
أجابها ببرود وهو يمسك كتفه الذي بدأ بالنزف: أكثر ممّا تتخيلين.
قالت وهي تنظر إلى الدّماء التي تسيل منه: يبدو بأن جرح الرصاصة قد فُتح، لقد فقدتَ الكثير من الدّماء بالفعل، تعال علينا أن نهتم بأمر هذا الجرح قبل أن تموت بسببه.
قال لها وهو يأخذ مسدساً من الأرض: ولمَ هذا الاهتمام الشديد فجأة، ألم تقولي قبل قليل بأنّكِ ستنتقمين مني.
تنهدت وأجابته بجدية: لقد تغير الوضع قليلاً، بما أنّك تعرف أشياء كثيرة عن عائلتي فأنا أحتاجكَ حياً لتخبرني بما أريده، وأيضاً ما الذي ستفعله بهذا المسدس؟.
أجابها وهو يضع المسدس داخل سترته ويأخذ واحداً آخر: أظنّ بأنني أحتاجهم للخروج من هنا.
قالت باستغراب: ماذا؟.
كان بالفعل قد أخذ ثلاث مسدسات وهو في طريقه للحصول على الرابع عندما قال: بما أن المكان الآن محاطٌ بمئة رجل مسلّح أو أكثر ومروحيتين و ثلاثين رجلاً من رجال المهمات الخاصة، وكلّهم يسعون لقتلي، فمن الطّبيعي أن أكون بحاجة هذه الأسلحة لأستطيع الخروج من هنا.
صرخت شارا بخوف وهي تنظر إليه بعينين مرتجفتين: ماذااااااااااااااااااااااااااا؟.