09-23-2017, 03:04 PM
|
|
سـرت بهدوء إلى طآولتــي بآخر الفصل قُرب النآفذة وجلست عليهآ
نظرتُ إلى ريو الذي وضع حقيبتــه على كُرسيّــه .. كان ينظُر إليّ هوَ الآخر ببرود
قُلت بتعجب وتساؤل ( ماذا ؟ )
لم يُبعد نظرآته عني بينما قآل بهدوء ( أعطينــي ورقة الرحلة الآن ! )
هززتُ رأسي بإيجآب وفتحتُ حقيبتــي التي كانت على فخذيّ ثم أخرجتُ الورقة المطوية المُربعة
( خّذ ) .. قلت ذلك بعدمآ مددتُ الورقة إليه موضوعة بين إصبعي الاوسط والسبآبة
سحبهآ من بين إصبعيّ بهدوء دون أن يرسم أي تعآبير على وجهه
ثم قآم بفتحهــا ليعرف ردِي .. أشحتُ ببصري عنهُ أنظُر لما ورآء النآفذة ببرود
عآودت النظر إليه بعد بُرهة لأرآه يستعد لقول شيءٍ مآ بتعجُب
( إذًا .. رفضتِ هاه ؟ " ثم قآل بضحكة بسيطة " حسنًــا )
لـِمَ هوَ يضحك ؟ .. أعدم ذهآبي يجعلُــه مسرورًا إلى ذاك الحد ؟
تركني وأخذ يجمعُ الأورآق من الجميــع قبل دخول الاستآذ ..
وضعتُ رأسي تحديداً جانبي الأيسر على الطآولة بهدوء أنظُر بعيني لجميع الطُلآب
كان فصلُنــا مقسمٌ إلى ثلاثة صفوف مُرتــبة بالطول ، وتكون خمســةٌ بالعَرض
لمحتُ آكي تنظُــر إلي ، كانت تجلُس على يمينــي بالمجموعة الثآنية المقآبلة لي
كان وجهها مشدودًا ولم ترسُم أي تفاصيل أو ملامح واضحة لمعرفة ماهية شعورها تلك اللحظة
على كُلٍ ، نظرت إلى ريو لأراه يُحني ظهرهُ قليلاً واضعاً أوراق الرحلـة على طآولة الأسآتذة الطويلة والكبيرة بعض الشيء الواقعة أمام السبورة مواجهة للطلآب
مُمسكًـا بقلمٍ أزرق اللون يكتُب به شيئًــا على إحدىَ الأورآق وإبتسآمة وآسعة مآكرة ترتسم على شفتيـه ..
لوهلةٍ شعرتُ بشيءٍ مُريب ، هل هُو حقًــا ما أفكر به ؟ أنهُ قد ...
لآ لآ .. مُستحيل لا أظن بإستطآعته فعل ذلك ..
رفعتُ رأسي من على الطآولة وبدأ الشك يسآورني .. سسُحقـــًا هذا حقـًا شعورٌ سيء !!
عاودتُ النظر لريو لأراه واضعًا يده على جبينـه ليُبعد خصلاتٍ من شعره الأشقر عن عينه للوراء
نهضتُ من على كُرسييّ بسُــرعة لأجعل خطواتي الثآبتة تقودني إليــه
وقفتٌ خلفه .. يبدو أنه لم يشعــر بي حتى ،
كآن يبتســِم بخُبث شديد وبإمكآني سمآعُ ضحكاته الخبيثة المكبوتة
إقتربتُ أكثر حتى كدت التصق بظهره .. نظرتُ إلى مآيفعــل بفضــول شديد ..
لحظة ، مهلاً مهلاً !!! هذه ورقتـــي ، مالذي يفعَلـــه بهآ ؟
دفعتُــه بكتفــي الأيسر بقوة لأرى مالذي فعلهُ بهـــآ ..
صَرخ مُعترضًــا على ذلك ( أنتِ ..... مالذي تفعلينــه ! )
لقَد بدّل ردي بالموآفقة ، قآم بمسح إشآرتــي بمُزيل الحـِـبر
صرختُ بإعترآضٍ مركزة بنظري على ورقتـي ( أيها الوقح المتعجـــرف ، كيف تجرؤ !! )
أمسك بالأورآق بحركة خاطفـة فاجأتني ثُم إنطلق مبتعدًا عني هاربًــا عندما رأى ملامحي تُشير لغضبٍ عارم عجزتُ فعلاً عن كبتــه
يا إلهي ستتلف أعصآبي !!
رَكض يتجه إلى خارج الفصل ضاحكًــا مُخرجًـا لسانه لي بحركة مشاكسة ليًغيظني
إلا أنه إصطدم بالأستآذ مآشيرو الذي كان يهُب للدخول
قال ريوُ مسرعًــا ( آه ، سـ .. سأذهبُ لأسلم الأورآق .... )
لم ينتظر حتى جوآب الأستآذ بل ذهب كالصآروخ راكضًا لينجو بحيآته .. نعم لقد كُنت أخطط لقتله إلا أنه فرّ من بين يديّ للأسف !
تنهدتُ بتعَــب وإتجهتُ إلى طآولتي عندما رمقني الاستآذ بنظرآت تطلب تفسيرًا ..
إلا أنني فقط أجبته بقولي ( لا شيء ) مع هزةٍ بسيطة من رأسي
هز رأسه إيجابـًـــا ثم إلتفت إلى الطُلآب أمامه وبدأ في سؤالنــا عن الدرس المآضي ..
خمسُ دقآئق مرّت جلستُ أعد كل ثآنية منهــا في إنتظآر وترقب ..
أُريد لكمه ... ذلك الريــو الأخرق أريد سحقـه أيضًــا برجلــيّ هاتين لاجعلهُ كفتات الخبز القديم العفن
آه ! ها هو ذا يدخل اخيــرًا بإبتسامة إنتصآر تعلو وجهه رافعًــا أنفه المستقيم للأعلى بغرور
وكانت نظرآتُـه تلك موجهة إليّ فقط ...
تقدّم إلى كُرسية ليجلس عليه .. ما إن سحبه وهَم بالجلوس حتى قُمت بتحريكهِ للورآء أكثر بسرعةٍ خاطفةٍ بقدمي
لأرى ريو واقعًــا على الأرض واضعًــا يدهُ على رأسه الذي إصطدم بالكُرسي دلالة الألم الشديد
ضحكت سآخرة بقوة .. تلتهــا ضحكآت بآقي طُلآب الفصل حتى الآستاذ حآول بشدة كتم تلك الضحكة الخفيفة التي خرجت منه إلا أنه عجز عن ذلك
بعد بُرهة عقّد ريو حاجبيه وإحمر وجهه بالكآمل غضبًا وصرخ متجاهلاً الضحك
( أيتها الحمقآء .. ماذا إذا تشوه وجهــي الجميل ! )
ضحـِكتٌ بخبث ثم أردفت ( ماذا ؟ جميل ! هل تمزح .. أنت أقبحُ من آلـ ... )
لم أستطـِع إكمآل جُملتــي تلك لأنني وقعتُ أرضًــا بعدما حَرك ريو كُرسيي بقوة لأسقُط أنا أيضًــا
أغمضتُ عينــي بشدة عند شعوري بالألم ، ثٌم فتحتُهــا لأراه هو الآخر مُتألمًــا مثلي !!
هذا الأمر جعَــل مني نوعًــا ما أشعُر بالرضى .. فبالنهاية لقد آلمتُــه ها ها ها ،
أخذ يُتمتم بغضب كلمآتٍ غير مفهومـة ومازالت يدُه على رأسه تُدلك مكان شعورهِ بالألم
عاود للصُراخ بوجهـي ( أنتِ مُهرجـة ملعونـة .. نعم فأنتي لي كاللعنــة التي أود حقًـا إبطالها ! )
رفعتُ حاجبي الأيمن بغرور وقلت ( آوه حقًــا ؟ وأنت لي كالذبابة البغيضة التي تحوم حولي بأزيزها المُزعج محدثة الضجة والفوضى فقط ! )
نظر كُل منا الآخر بنظرآتٍ ثآقبة تكاد بحدتها تخترق أجسآدنا ..
رفعتُ رأسي عندما شعرتُ بظل شخص ما على وجهي .. لأرى تلك العيون الغاضبة المشتعلة تنظُر إلي
( ريو ، مينــوري ... أتعلمان أنكما مُزعجين جدًا عندما تجتمعان مع بعضكما ، لدرجة ... حقًا حقًا ، لآ تُعجبني !! )
قال ريو في غضب بان على تقاسيم وجهه ( لكن .. هي من بدأت ذلك ، عليكَ مُعاقبتهـــا )
قال الاستآذ ماشيرو رافعًــا حاجبه الأيسر بسُخرية ( حقًــا ؟ ، حسنًــا أنا لا أظن أنها تعمدت ذلك .. فهي فتاة مُهذبة )
إبتسمتُ بلُطف وطأطأت رأسي المُحمر دلالة الخجل الشديد من مدحه لي ..
وضحكتُ بخبث عندما أخذتُ أنظُر لريو الغاضب مُقطبًـا حاجبيه يلوي فمهُ في سُخرية بطرف عيني
وقفتُ بهدوء نافضةً الغبار عن ملابســي وأخذتُ الكُرسي من خلفــي لأجلس عليه .. كما فعل ريو تمامًـا
مرت الدقائق الطويلة سريعةً جدًا بالنسبة لي .. وها هو ذا الجرس يرن مُعلنًــا بدأ حصةٍ جديدة
إلتفتت إلى الأبله الجالس أمامي واضعًا ساعديه على طاولته مُمسكًـا بقلم الحبر يكتُب الدَرس ببرود ..
بينما أنا قد إنتهيتُ قبله بفترةٍ بسيطة فأنا لا أهتمُ حقًــا بجمال خطي أو ترتيبــه ..
الأهم هو أنني أستطيعُ فهمه على كُــل حآل !
إقترَب مني مُميلاً جسمه ناحيتي بهدوء ثم هَمس دون النظر إليّ ( سأعفو عنكِ هذه المرة .. )
ماذا ماذا ؟ يعفو عني .. ! آه أنسي مافعله ؟ هوَ من بدأ بالأمر ..
دفعته عني بعُنف ثم صرخت قائلة واضعة خدي على يدي اليُسرى أنظر إليه بإستنكار ( أحمق ، لم أطلب ذلك )
أردف وإمارات التململ تُرسم على وجهه الأبيض ( حسنًــا ، أحببت أن أُخبركِ بذلك فقط )
تنهدتُ بعُمق .. ونظرتُ إلى الطالبة التي تجلس أمامي لأتأمل شعرها البُنيّ القصيــر
لآبد أنها شعرت بنظراتي حيثُ أنها إلتفتت خلفها بنصف وجهها لتراني أحدق بها
إبتسَمت بهدوء ثم قالت متسائلة ( مالأمر ؟ )
قلت بغير شعورٍ مني مُشيرة بإبهامي لريو ( ذو المنقــار مُزعج جدًا !! )
نظرت إليه بإستغراب ثٌم عادت بنظرها إلي قائلة ( حقًــا ؟ أظن أنه فتىً لطيف جدًا )
هززتُ يدي بسُخرية مُلصقة أصابعي ببعضها ثُم قلت بتعجُب ممتزج بإنكار ( الرحمــة ، أنتِ لا تعلمين شيئًــا )
شعرت بوكزة مُفاجئة على فخذي مما جعلني أقفز ذعرًا فصرخت بغضب ونظرت لريو ( ماذا ؟!! ) ..
كان وجههُ محمرًا بشكلٍ ملحوظ ، إلا أنني لم أكُن اعلم أكان خجلاً أم غضب ..
رمَقني بنظرةٍ حادة مُشيرًا إليّ بالسكوت إلا أنني إبتسمتُ بمَكر وهممت بالقول مُميلة جسمي للأمام حتى أقترب من تلك الفتاة
( آوه عزيزتــي .. ماذا عساي أقول عن هذا الفتىَ ! )
( مينــوري ... )
نبض قلبي بقوة حتى خلته سيخرُج من صدري عندما نادى بإسمي وإلتفتُ إليه بإستغراب وفتحتُ فمي للتحدث ..
لكنني أغلقتُـه مباشرةً عندما أخافتني نظراتُه الغاضبة التي – ولوهلة – جعلت القشعريرة تسري بجسدي .
هززتُ رأسي بالإيجاب وعدت للوراء لأعتدل بجلستي .. بينما علامة إستفهام كبيرة هي كل مايمكن رؤيته بوجه تلك الطالبة ..
آه ! مرت الحصص على خير .. لا شيء يستحق الذكر ،
وها نحنُ ذا بالحصة الأخيرة ... حصة الاستاذ " تاداشي " للغة الانجليزيــة
كُنت اضغط قاعدة القلم بشرود و بشكل مُتتالي محدثة به صوتًــا مستفزًا مما أثار غيظ الاستاذ على مايبدو
لأنه قال بأمرٍ منه وإبتسامة باردة مرسومة على فمه ( مينـــوري ، أجيبي على هذا السؤال ! )
رفعتُ رأسي بإستغراب وتساؤل والاستفهامات تدور حول رأسي ... سألتُه مشيرة لنفسي بسبابتي ( أنا ؟ )
هَز رأسه إيجابًــا فوقفت بتردد ملحوظ .. وعلى هذا الحال بقيت مدة دقيقتين
أكره هذه المادة أكثر من أي شيء آخر ، صعبة جدًا بالنسبة إليّ ولا أستطيع فهم كلمة منها .
سمعتُ قهقهة خفيفة تصدر من الذي بجانبي .. فغضبت ، وتمنيت لحظتهــا لو أخنُقه ,
أكره هذه المادة أكثر من أي شيء آخر ، صعبة جدًا بالنسبة إليّ ولا أستطيع فهم كلمة منها .
سمعتُ قهقهة خفيفة تصدر من الذي بجانبي .. فغضبت ، وتمنيت لحظتهــا لو أخنُقه ,
أمرني الاستاذ بالجلوس بعدها والإنتبــاه جيدًا ... سُحقًــا لك ولحصتك الغبيــة !!
" ترررررررررررررررررن "
رَن الجرس !!! أخيرًا !!
أخذنا جميعًــا نجمَع أغراضنا مُستعدين للإنطلاق نحوَ غُرفنا ..
والبعض وقف يتناقش حول الرحلــة وماذا سيفعل ومع من سيذهب و و و ... إلى آخره .
إنتهيت من جمع أغراضي وها أنا أحمل حقيبتي على كتفي .. ما إن رفعتُ رأسي لأنظر للباب
حتى لمحت تلك النظارة اللامعــة التي إنعكس عليها ضوء الشمس .. وذاك الشعر الأملس القصير يُغطي جبينه بالكامل
( مينوري ، آكي .. تنظيف الفصول !! )
ما إن قال ذلك حتى سقطت حقيبتي بإحبــاط شديد .. نسيتُ ذلك ، وما إن تذكرت حتى إشتعلت النيران بجوفي
زمجَرتُ بغضب عندما أصبح ريو يقهقه بسعآدة ( هذا ليس مُضحكًــا ... مالمُضحك هاه ؟ قُــل لي ! أنت ايضًـا معنا في هذا )
أصبح يرفع حاجبيه وينزلهما بسُرعة ليغيظني ثُم قال بثقة
( حقًــا ؟ عزيزتـي مينوري ، أنا المُدير .. ولدي أعمالٌ كثيرة يجب عليّ القيامُ بها .. خاصةً هذا اليوم ، هل سأجد وقتًــا لتنظيف المَدرسة ؟ بالطبع لآ )
جحظت عيناي وفغرت فاهي في ذهول .. كلآ ، لا يُمكن أن أفعل كل هذا وحدي !!
عاد الاستاذ يصرُخ مناديًــا إياي أنا وآكي التي وقفت تمشي نحوَ الباب ..
رأيتُ ظلاً صغيرًا من خلف الاستاذ ، عرفت صاحبه على الفــور ..
نظرت إليّ رين بنظراتٍ باردة ثُم وجّهت نظراتها للأُستاذ الذي بانت قطرات العَرق على وجهه
رأيتُها تحدث الاستاذ إلا أنني لم أستطع سماع شيءٍ أبدًا مما قالت ..
هَز ذو النظارات رأسه إيجابًــا كما يبدو .. ثُم عاد للنظر إلينا بعدما هَمت رين تمشي مُبتعدة
قال بقهر واضح كل الوضوح على صوته الحاقد ( لن أجعلكم تعملون اليوم .. لكن حتمًـا لن أُكررها الاسبوع القادم ، يمكنكم الذهآب للإستعداد لرحلتكُــم ! )
لن أخفي عليكُم أنني تفاجأت ... وبشدة !
مالذي قالته تلك الشبح حتى جعله يتراجع هكذا ..؟ من حركة شفتيها لم تقل سوى بضع كلمات قصيرة ،
في كُل مرة أرى تلك الفتاة تذهلنــي فعلاً
عُدت لأخذ حقيبتــي ونظرت إلى ريو ثم أصبحتُ أنفذ حركته المستفزة عينها لأرُدها له
إبتسم دون أن يُعلق بشيء فمررت من أمامه رافعة رأسي بغرور ..
خَرجتُ من الفصل أتجه كباقي الطلاب لغرفتي .. شعرتُ بإحدٍ ما يتبعني فنظرتُ للوراء
كما توقعت ...
وقفتُ أنظر إليه رافعة حاجبي الأيمن بإستغراب وسألتُه ( ماذا تريد ريو ؟ أتعلم ! بـِتْ أشعُر وكأنك مُلتصق بي بصمغ قويّ جدًا )
ضحك بخفة ثم أعقبها بقوله ( حقًــا ؟ هذا لا يُهم فالأمر يعجبنــي .. )
قطبت حاجبيّ بضيق وهززت رأسي بحسرة ثم عدت للمشي من جديد ..
( أراكِ في الساعة الرابعــة ! لا تتأخــري )
إلتفتت بنصف جسمي للورآء لأراه يسلُك الطريق الآخر المؤدي إلى سكن الطلاب رافعًا يده مودعًا ..
لويتُ فمــي بسُخرية ، من قال أنني ذاهبــة ! سأجعلهُم يذهبون بدونــي
مَشيت في الممر الطويل إلى أن وصلتُ لآخره .. حيثُ غرفتي ،
أخرجتُ المفتاح من حقيبتــي البُنية وفتحتُ الباب بهدوء ثم أغلقتُه خلفــي ..
وكعادتي ألقيت بحذائي الأسود على الجدار ليسقُط أرضًــا .. ثم أخذت خطواتي تقودني لخزانة ملابسي
أخرجتُ قميصًــا أبيض اللون مُطرزًا بالأسود وبنطالاً أسود يصل إلى تحت ركبتيّ بقليل وبدلت زي المدرسة بها
فتحتُ شعري لأجعله ينسدل على كتفيّ بنعومة ، ثم إرتميت على سريري بتعَب مُطلقة تنهدية عميقة
ظللتُ قرابة الخمس دقائق أنظر إلى ... اللآ شيء في الحقيقةً !
ثم أخذت أغمض عيني بهدوء .. حَتى نـِمت
.....................
صحوت مفزوعة بسبب الضجيج المزعج الذي عَم أرجاء غرفتــي .. نظرت حولي برُعب ..
أرتكز نظري على فتاتين واقفتين بوسط الغُرفة .. دققتُ في ملامحهمآ
ما بال آكي و هيكارو تصرخان هكذآ هُنــا ؟
نهضت وجلست على طرف سريري ثم قلت متسائلةً وأنا أحُك عيني بكسل ( مـ ... ماذا يحدُث ؟ )
قالت آكي وهي تعبث بخزانة ملابسي ( حمقآء ! .. إنها الساعةُ الثالثة وخمس وخمسون دقيقة .. سنتحَرك في الرابعة تمامًا وأنتي لم تجهزي شيئًــا ! )
رفعتُ حاجبي الأيمن بإستغراب وظللت أنظر إليهُن يجمعن أشيائي في إحدى حقائبي ..
عند إستيعابي للأمر قُلت ببرود ( أنا لــن أ .... )
قآطعتني آكي بحــِدة وهي تحمل حقيبتي ( نحنُ ننتظركِ بالخارج .. إغسلي وجهكِ وإلحقي بنا يا فتاة " وشددت بقولها " لا تتأخري )
لم تنتظر حتى أُكمل باقي حروف كلماتي بل أغلقت الباب خلفها بقوة
ماهذه الورطة ! أنا حقًــا لا أريد الذهاب ..
تنهدت بكسل ووقفت متجهة إلى الحمام .. دقائق سريعة مرت حتى خرجتُ وأنا ألعب بخصلات شعري الحريرية السوداء
أخذتُ مفتاح الباب من على منضدتي ثم أخذت أمشي إلى حيث زر إطفاء الأنوار .. ضغطتُه وفتحت الباب ثُم خرجت وأقفلته
وضعتُ المفتاح في جيبي وإبتسمت بسُخرية .. ها أنا ذا أتوجه إلى حيثُ لا أريد رغمًـا عني
صرخت بغيظ ( سُـــــــــــحقًا !!!!! )
( إهدئي يا سُلحفاة ، أنتِ مُزعجــة )
سلحفاة ؟ ..
نظرتُ خلفي لأتأكد من شكوكي ، ذاتُــه الوجه الأبيض ذو الوجنتين المُحمرتين والعيون الرمادية
( كين .. ! أنت مازلت مريضًـا كما يبدو .. هل ستذهب معنا ؟ ) سألتُـه ذلك بعدما أدخل يديه بجيبي بنطاله الأزرق وتقدمني بمسافة بسيطة
أجابني ببرود وإختصار شديد ( نعم ! )
هززت رأسي بالإيجاب وعُدت للنظر أمامي وأخذت ألحقُــه إلى أن وصلنا إلى خارج المدرسة ..
حيثُ تجمعت عدة حافلات واقفة بإنتظام بجانب بعضها البعض لتحمل الطُــلاب ،
رأيت آكي وهيكارو واقفاتٍ أمام إحدى الحافلات فذهبت إليهما مُسرعة لأخذ حقيبتي التي تحملها آكي بالإضافة إلى حقيبتها
ناديتُهــا بإسمها لألفت إنتباهها فأعطتني الحقيبة وإبتسامةٌ واسعة زيّنت فمها
بادلتُها الإبتسامة ثُم نظرت إلى الحافلة .. إنها طويلة وكبــيرة بعض الشيء ويبدو أنها مريحة !
دخلتا قبلي ولحقت بهما .. جلستــا على مقعدين بالأمام بينما فضلتُ الجلوس بالخَلف بجوار النافذة كما إعتدت دائمًا
أسندتُ رأسي على الكُرسي مُحدقةً إلى ماوراء النافذة .. إلى الطُلاب المُتجمعين حول الحافلات الأُخرى
سمـِعتُ صوتًـا عرفته على الفور قائلاً ( سأجلس بجوارِك ! )
( لا لن تفعــل .. سأجلس أنا ) نظرتُ إلى صآحبة الصوت بإستغراب رافعة حاجبي الأيمن .. ثُم إلى ريو الذي
بدت إماراتُ الغضب تظهر على تقاسيم وجهه
صرخ بوجه من يُخاطبهــا بعناد وحِدة مُشددًا على قبضة يديه ( أنا من سيجلس بجوارهــا ! ) ..
أجابت ببرود وثقة ( أنا من ستجلس بجوارها .. لا تنآقشني )
أصبحتُ أنظُــر إليهمــا بنظرات إستهزاء والإبتسامة الساخرة لم تُفارق شفتآي ..
حملت حقيبتــي السوداء متوسطة الحَجم عن فخذي لأضعهــا على الكرسي بجانبي ثُم صُحت بإبتسامة لطيفة زائفة
( آوه ، أنا حقًــا أُفضل الجلوس وحيدة .. يُمكنكمــا الجلوس بجانب بعضكمــا .. هكذا أفضل للجميع ! )
نظر كُلٌ من ريو ورين إليّ بنظراتٍ غاضبـة مُشتعلة .. فما لبثتُ أن بادلتُهما تلك النظرة بأكثر إرعابًا وغضب !
فذهبـا وجلسا ورائي بآخر كُــرسي موجود بالحافلة وكُل منهمـا يشتُم الآخر بغيظ وعداوة
تنَهدتُ بعمق ووضعتُ كوعي على حافة النافذة بينما باطن كفي الايسر يحمل وجهــي
شعرتُ بشيء غريب ، وكأنه خوف مُمتزج بإنتظــار وحماسة .. مشاعر إختلطت بعضها ببعض لتُنتج شعورًا لا يُمكنني وصفه !
إهتزت الحافلة أخيرًا مُعلنة عن بدء تحرُكهــا .. نظرتُ من حولــي .. لقد إمتلأت بطُلاب فصلي والبعض كان من فصولٍ أُخرى
سمـِعتُ صرخة قويــة آتية من خلفي دلالة الحماس فنظرتُ إلى صآحبها الذي كان – بالطبع – ريو المُتعجرف !
( ياللحمـــآسة .. ستكون أمتع رحلة على الإطلآق !! )
هززت رأسي نفيًــا وأسفاً على حالي .. لولا هذا الأخرق الذي ورائي كُنت سأكون غارقة في النوم أغوص بإحلامي الوردية الآن
وقف ريـو مُمسكًا كُرسيي بيده اليُسرى حتى يبقى ثابتًا ولا يقع .. وبيده الأخرى على مايبدو جريدة للرياضة ملفوفــة بقوة و يوُجه مُقدمتهــا نحو فمــِه
صَرخ إحدى الشُبــان ضاحكًــا ( آوه شباب .. إستعـِدوا ، ريُـو سيُفجر طبلة آذانكم بغضون دقآئق ! )
وجه لهُ ريو نظرة ثاقبة مازحًا ثُم فَتح فمَــه ليبدأ ماسيبدأُه ، أظن أنه سيُغنــي !
بدأ الصُـراخ بـِأعلى صوتـِه مُطلقًــا ألحان عجيبـة تصُم الآذان بحدتها .. وصوتٌ لن أكون مُبالغة إن شبهته بنعيق حمآر !!
أخذ يدور ويمشي بثقة من أول الحافلة حتى آخرها يُغني إحدى الأغاني المشهــورة هذه الأيام لمُغنية معــروفة ..
إقتَرب مني ثُم إنتشَل حقيبتــي ليضعها على فخذي .. ونظر لي بنظراتٍ حالمة رقيقة مُقربًــا وجههُ لي بينما أنا أبتعد كُلمــا إقترب
قال وهوُ يغنــي مُشددًا بقوة على كلمات الأغنيـة دون إبعاد عينيهِ عن عيني ( أُحبـــــكِ .. نعم أنا أُحبـــــــــك أحُبــكِ )
صُبغ وجهي باللون الأحمر من شدة خجلي وصفعتُه إلا أنها صفعة بسيطة أظنها دغدغته من خِـفتها !
سَكت قليلًا ليستوعب الموقف وأغمض عينيــه بهدوء ..
ثُم أطلق ضحكة خفيفــة مُتقطعة و فاجأني بضربة على رأسي بتلك المجلة الملفوفة التي يضُمها بقوة بكفة يدِه
قال وهو مايزال يضحك إلا ان نبرته غُلفت قليلًا بالسُخرية
( لا أُحب رؤية شكل أصابع يدكِ بتاتًا عندما تُطبع على خدي ، يكون الأمر مُزعجًــا عندما أنظر لمرآتي الحبيبة ! )
قطبت حاجباي في إنزعاج وأدرتُ وجهي ناحية النافذة مُصطنعةً الغضب .
بينما كان الجميعُ يضحك ، شد إنتباهنــا صوت إحدىَ الطالبات العالي وكأنها لاحظت شيئًـا
( شباب ، ألا تظنون معي أن مينــوري وريو ثُنائي رائع ! فإنهُما إذا إجتمعا يُشكلان مُهرجين مضحكين جدًا )
قال ماكوتو صديق ريــو المُقرب بتأييد ( حتىَ مع أنهُم قَد تعرفوا على بعضهـِم بأيام قليلة ! )
أعقبت أُخرى بجانبه من إحدى الفصول الأُخرى تتوجه بسؤالها – الأخرق - إلينا ( نعم ، هل أنتُما على علاقة ؟ )
حَل الصمت ليكون سيد الموقف .. ثُم أصبح كل ما يُسمع هو الهمسآت ومايُرى هوَ الإيماءات بالإيجاب
بالطبع لقد فغَرتُ فاهي مذهولة !
كان ريو ينظُر إلي تارةً وإلى الطُلاب جميعًــا الذين صوبوا أنظارهُم إلينا تارةً أُخرى
دَوت صرختنا بالوقت ذاته مُتعجبيّن في إنكار ( مُستحيــــــــــل )
قُلت بسُرعة مُعترضة أشد إعتراض على مايقولونه مُشيرة لنفسي ثُم لريو
( مُستحيلٌ ذلك ! أنا مينــوري .. على ... عـ ... ـلى علاقة بهذا الكائن !!! )
ضحكتُ بسُخــرية ثُم قلت ( آه ، دُعابة ظريفـة .. حقًــا ظريفة ! )
صاح ريو مُحاولاً إعادة الجوّ كمــا كان قائلاً بأمر ( هدوووء يا أصحاب .. هدوء ، لا تُقاطعونـي فأنا لم أنتهي بعدُ من أغنيتي )
قُلت بإعتراضٍ إمتزج بترجيّ ( لا ! الرحمـــة .. )
لم يُبــالي بقولـي بل أخذ مجلتـه من جديد وعاد للغناء والطلاب من حوله كان منهُم من يضع أصابعه في أذانه خشية الصمم وكان من يُصفق بحماس ويُغنــي معه
بينمـا أنا تنهّدتُ بإستسلام وأسندتُ رأسي على الكرسيّ بتعَب ..
توقفت الحافلة عـِند إحدى الإشارات عندما أضاءت بلونٍ أحمر تأمر بالوقوف
أحسستُ بشيء ما يمشي على سآقي .. لم أبالي فلقد ظننتُ أنني أتخيل لا أكثر
لكن مادفعنــي للنظر إلى ساقي لأتأكد هو شعوري به من جديد !
ما إنْ تعرفتُ على ماهية " ذلك الكائن الصغير " الذي يُسمى بـ " عنكبوت " حَتى دوت صرخةُ أستطيعُ جزم أنها قد وصلت إلى آخر شارع من هذه المنطقة
وقفتُ بحركة لا إرادية أقفز في هلع والدموع قد تلألأت في عينــي ..
رُحت أتلفت يمنة ويسرة لأرى الذُعر في عيون الجميع من حولــي ..
وقفتُ بمُنتصف الحافلة أبكي واضعة يداي على وجهي
شعرتُ بـريو يقف خلفــي قائلا بتساؤل وصوتٍ خائف ( مينــوري .... مابكِ ؟ تبكين ! )
تحَركت الحافلة من جَــديد بسُرعة لتُحدث هزة أسقطتنــي أرضًــا ..
وللأسف سقطتُ على ريو الذي كان خلفـي لأًصبح في حجـره !
رفعتُ وجهـي لتظهـَر آثار الدموع البــاردة على وجنتيّ
رأيتُ ريو مُقطبًــا حاجبيه ويبدو أنه يتألم مُمسكًـا ظهره بيدهِ اليُمنى والأخرى تُمسك بذرآعي
لقد كان يستند على شيء كمُرتفع أو أشبه بـِدَرجٍ صغيـر يفصل بين الكراسي الأمامية والخلفية
لابُد أن ذلك آلمه كثيــرًا .. هُوَ حتى لا يستطيع الكلام .. !
قال بألم مغمضًــا عينيه بقوة ( ظهــري المسكين .. عمودي الفقــري الجميل .. ياللهول ماذا تأكُلين مينـوري ؟ )
ودَدت لو أصفعُــه إلا أن معهُ الحَق في قول مايشــاء .. لقد سقطتُ عليه هذا حقًــا يبدو مؤلمًــا ،
( يستحـِقُ ذلك .. الأهَم أنكِ لم تُصــابي بأذى ! )
رفعتُ رأسي لأنظُــر إلى تلك المخلوقة الصغيــرة .. أو كما إعتدتُ مُناداتها .. " الشبح ! "
هذه الفتاة تجعل الحَــكة تُباغتني حتى تكاد تقتلنــي .. حَكة الحيرة التي تُصيب رأسي الفضولي المليء بالتساؤلات !
أحيانًــا أشعُر أنها من طَرف جــدي لتحميني لا أدري لماذا ؟ ..
[ أعلم .. ستقولون أنه شعورٌ أخرق فعلاً .. لكن صدقًــا ، ألا يشعُـر أحدكم بذلك مثلي ؟ أم .. أم أنها مُجرد تخيُلات وأفكار غبيّــة بنظركُــم ! ]
أومأتُ بالإيجاب بسُرعة .. لم أجـِد غير تلك الحركة لتكون مُنــاسبةً للرد
كانت تقف أمامي بشموخ ونظراتها الحادة أرعبتنــي – كما هي العادة - ..
أشعُر بالغموض يلُفها من كل جانب ، يا إلهي كم هي مَخلوقة عجيبــة !
جُلت ببصري بعيدًا عنها لأنظُــر للطلاب لوهلة .. إذ بي أرى منظرًا فظيعًــا ،
كُــل العيون مُتجهة نحونا تنظُر بتعجُب وقَد توسعَت في ذهــول .. والبعض في ترقُب .. والآخر بإعجاب كما يبدو .. ولكن لـِمَ هذا ؟
تنهَــد ريو ببساطة وحاول النهــوض وتوقف فجأة فأصبح يقف بشكلٍ .. كيف أصفه ؟ غبي !
وقفتُ ومشيت إلى حيث تلك الشبح ريــن التي كانت أمامي لأصبح بجانبها ..
سألتُـه بقليلٍ من التوتر محاولة قدر الإمكان تجاهُل النظرات من حولي
( هـ .. هـل تحتاج إلى ... مـ ... مساعدة ؟ )
( مينــوري بالطبع يجبُ أن تساعديــه .. لقد أنقذ حياتكِ ! )
كان ذلك صوت إحدى الفتيــات قائلة بأمر إمتزَج بإنكار وتعجب ..
أنقذ حياتي ؟ لن أعلق على هذا .. لن أعلق على كلام غبي كهذا أبدًا !
حاولتُ مساعدتَـه بأي طريقة إلا أنني لم أعرف ماذا أفعــل حقيقةً .. لا أُريد لمسه مطلقًــا فقُلت بإحباط
( أنا ... أنا آسفة ! )
عاد قلبـي يدُق بقوة وسُـرعة كما السابق .. فقط بمُــجرد أن نظر ريو إليّ بنظرة حادة لم أعلم ما مغزاها
قال بلهجة غريبــة ( هل أنتِ آسفة حقًــا ؟ )
~
~
حاولتُ مساعدتَـه بأي طريقة إلا أنني لم أعرف ماذا أفعــل حقيقةً .. لا أُريد لمسه مطلقًــا فقُلت بإحباط
( أنا ... أنا آسفة ! )
عاد قلبـي يدُق بقوة وسُـرعة كما السابق .. فقط بمُــجرد أن نظر ريو إليّ بنظرة حادة لم أعلم ما مغزاها
قال بلهجة غريبــة ( هل أنتِ آسفة حقًــا ؟ )
نظرتُ إليهِ قليلًا لأدقق ببصري على ملامحـه التي لم أفهمها ثُم أومأت بالإيجاب قائلة بخفوت
( نعــم .. )
رفعَ حاجبهُ الأيســر بثقة ثٌم قال بإبتسامة جذابة ( حسنًـا ، هذه الكلمة لا تُجدي نفعًــا معي .. )
إعتدل بوقفته كمن لم يصب بضربة قوية أبدًا ثُم جلس على ذلك الدَرج الذي إصطدم به وقام بثني ساقه التي رفعها لتُغطي جزءًا من صدره وبطنه
أمسك ذقنه بإبهامه وسبابته في تفكيــر وقال بـِمَرح
( أظنُ أنكِ من النوع الجبان أليس كذلك ؟ مارأيُــكِ إذًا بإن نلعب لعبة بيت الأشباح غدًا حال وصولنـا إلى مدينة الملاهي .. سيكون ذلك عظيمًــا )
سكتَ قليلًا ثم أردف ضاحكــًا ( أتطلعُ لرؤية وجهكِ الخائف من جَديد )
صُحت بإعتراض ( ماذا ؟ يالك من وقح .. كـ )
قاطعنــي إحدى الطلبة الذي أثار غيظــي بقولهِ ( يافتاة ! لقد أنقذ حيـاتكِ فلتقبلـي بعروضه المُغرية )
نظرتُ إلى ذاك الفتى بحدة وصرخت ( سُحقًــا لك فلتصمُت .. لم أكُن سأموت على أي حال فكيف يُنقذ حياتي ؟ )
وجّه الجميعُ إليّ نظرات لومٍ وغضب .. هل يروننــي وقحة الآن ؟ وماذا عن ريو وتصرفاتـهِ هذه !
آه يا إلهــي كم أود أن أقسم شعري لنصفين وأسحبُــه الآن
[ إحدى العادات التـي أفعلُها عند غضبي الشديد !! ]
تنهدت بعُمق ثم قُلت بإستسلام مُنصــاعة لأمره ( حسنًــا .. لكن ، إن حَدث شيء لي فستكون المسؤول عن هذا )
ضحـِك بخفة وهَز رأسه إيجابًــا دون أن يتلفظ بكلمة ..
أدرتُ نصف جسمي لأًصعق بالشبح تقف بمحاذاتي ولم تتحرك أبدًا .. لقد خـِلتُها رجعت لمقعدها منذ فترة !
ليس ذلك فقط .. بل كانت تُمسك بطرف قميصي كطفلة صغيـرة مُلتصقة بأُمهــا ..
وقفنــا على هذه الحال دقائق لم أعلم طولها حقًــا .. لكن لحُسن الحَــظ أن صوت السائق نبهنـا على أننا إقتربنا لنستعد
إستدَرت بكامل جسمـي ومَشيت عدة خطواتٍ بطيئة وتلك الشبح خلفي وكان ريو خلفها
آوه لحظــة ! .. صوت السائق !
إنني أعرِفُــه ...
إلتفتُ إليه لأتأكد من شكوكــي ... إنهُ ذو شعرٍ بُني حريري مُبعثر ومُهمَل ويرتدي قُبعة سوداء هذه المرة ..
عامل النظافة المُنحــَرف !
ظللت قُرابة العشر ثوانٍ أقف هكذا بمُنتصف الحافلة ثُم سـِرت إلى حيثُ مقعدي وجلست .. وكانت رين بجانبـي
رين و ريو ، رُبما هذان الأخوان العجيبــان يجتمعان في نقطة واحدة وحيدة على الأقل ..
ألا وهيَ الألتصاق بالناس بشكلٍ يُثير الغيظ ويؤدي إلى حالة نفسية صعبــة
آوه .. عاودتُ النظر إلى ساقي من جديد .. لقد إختفى ذاك العَنكبوت ! لابد أنهُ طار وإلتصق بشيءٍ آخر عندما تحركت الحافلة
هذا جيّــد .. فليلتصق بما يشاء إلا أنا ..
توقفت الحآفلة من جــديد ،
نظرتُ إلى ماوراء النافذة بجانبي إذ بي أرى أننا قد وقفنا أمام مبنى متوسط الحَجم
هو المكان الذي سنمكث فيه على مايبدو !
أدرت رأسي عند سماعي لضجة الطُلاب وصوت فتح باب الحافلة ..
وقفتُ بعدما وقفت رين لتعود للوراء لأخذ حقيبتهــا كما فعل أخوها ريو
حَملتُ حقيبتـي على كتفــي و نهضت من على كُرسيي بتكاسُل وأدخلتُ أصابعي الطويلة للتخلل شعري الأسود
متوسط الطول لأُرجعه للوراء فتعود خُصلاته مُتمردةً للأمام
ها أنا ذا أخرجُ من جو الحافلة البآرد ليصطدم الهواء المُعتدل اللطيف من الخارج بوجهــي ويُداعب خصلات شعري بنعومـة
تنفستُ بعُمق ثم أطلقتُ زفيرًا ينُم عن الرآحة وإبتسامة واسعة لطيفة رُسمت على فمــي
كُنــا أول حافلة تصل إلى هُنــا ثُم أقبلت أخرى بجانبنــا بعد عدة دقائق ..
دخلتُ إلى ذاك الفندُق أمشي وراء الطُلاب اللذين أخذوا يلحقون بـريو وأختـه الشَبح
سمـِعتُ ريو يصيح بصوتٍ عالي يُحدثنــا جميعًـا
( حسنًــا شباب ، سأقوم الآن بمُناداة كل ثلاثة أفراد سيكونون مع بعضهــم في غرفة واحدة وسأعطيهُم مفتاح غُرفتهم ! )
أخذ يفعل كما قال إلى أن جاء دوري وإبتسَم
( مينــوري ، هيكارو ، آكي .. ستكونون معًــا في غرفة واحدة )
( أليس من الأفضل أن تكونوا معًــا بغرفة واحدة يا ريو ومينــوري ؟ )
قال تلك الجملـة الفظيعة أحد الشُبان الوقحين مما جعَــل وجهي أنا وريو يُصبغان بالأحمر خجلاً فقال ريو مُتصنعًا الغَضب
( أحمق لا تقُل هذا وإلا لكمتُك لتطير إلى المدرسة وتدرس مع بقية الحمقى هُناك ! .. )
ضحـِك الجميع من شكل وجوهنــا المُشتعلة غضبًا وخجلاً في آن معًــا .. فأخذت إبتسامةُ لطيفة تشق طريقها شيئًا فشيئًا إلى وجهي ... ثُم ضحـِكت !
آه لقد حَــل الليلُ أخيرًا ! ...
أخبرنا ريوُ عندمـا هَم بإعطائنا المفاتيح أننا سنذهَبُ إلى مدينة الملاهي غدًا
صباحًـا في وقتٍ مُبكر
أتمنى أن يمُر كل شيءٍ على خيــر .. لا أعلمُ لـِمَ لا أحُس بالأمان هُنــا ،
نظرتُ إلى الساعة السوداء متوسطة الحجم المعلقة على الحائط .. إنها تُشير إلى التاسعة مساءً ،
نظرتُ من حولي نظرةً خاطفة .. الغرفة مُرتبـة ونظيفة ورائحة العـِطر الجميل مُنتشرة في أرجائها
آكي وهيكارو قَد خرجتا منذ فترة للقاء بعض الصديقات
حسنًــا إذًا لـِمَ لا أخرج لأستنشقُ الهواء بالخارج قُرب البحَر ؟ أظن أنه لا بأس بذلك !
إرتديتُ معطفي الوردي ذو القبعــة بسُرعة مُتجهة إلى باب الخروج ..
نظرتُ إلى الغرفة من جَديد ثُم أغلقت الباب خلفــي ،
~
في أحد الأحيــاء الهادئة جداً والتي تُنير الاضواء البيضاء ظُـُلمتها
حيثُ لآ يُسمع إلا مواء القطط البآحــثة عن الطعــام في كُل قمامةٍ تلقاها !ّ
كانت الساعةٌ تُشير إلى الحادية عشرة ليلاً ..
تحديداً في بيت مُتوســط بتصميم حديث – بالنسبــة لذلك الوقت – في الحديقة الخارجيةِ له بالتفصيل !
( ريوتـــآ ... توقف أُريد اللعب معـــك ! ) كان ذلك صوت صُراخ طفلةٍ صغيــرة لم تتجاوز الخامسةَ منْ عُمرها
تُنــادي من بعيــد طفلاً آخر كان يختبئ خلف أكبر شجــرة في تلك الحديقـة ..
كان ذاك الطفل مُسنداً ظهره على الشجــرة .. فأمال رأسـه لينظُر إليها ثم أخرج لسانه الصغيــر بحركةٍ
مُشاكسـة وقآل بعنآد يُخاطب تلك الطفلة
( أمسكي بي .. ثُم يُمكنكِ آللعب معي ! )
ضربت تلك الفتاة الصغيــرة الارضيــة بقوةٍ دلآلة الغضب الشديد ..
وإستعَدت لإطلآق ألحانٍ صاخبة عبآرةً عن صرخات بُكاء حاد ..
فأقبل ذاك الفتــى الصغيــر " ريُوتـــا " الذي يبدو يكبرهـا بعدة سنوات مُسرعاً بإتجاهها حاملاً الكُـرة بيديه وقال
بعدمــا وضع يده على كتفهــا
( لآ أرجوكِ .. كُنت أمزح ، لنلعـــب معاً لكن أرجوكِ لا تبكي ... إتفقنا ؟ )
إبتسمت تلك الفتـــاة الصغيــرة بطفوليـــة وقالت بطريقة مَضحكــة لعدم مقدرتها على النُطق جيداً ( حثنــاً ) " حسناً "
أخذا يلعبــان سويةً مُصدرآن ضجةً كبيــرة مما حَث بقيّــة الأطفآل اللذين كانوا بدآخل المنزل على الخروج
ليــنضموا إليهم وليــزدآد الصخَب والإزعآج بشكل جنونيّ !
بالنسبــة إلى الجيرآن ، فلقد أخذوا يصرخون بعصبيةٍ شديدة من خلآل نوافذ منآزلهم ليكُف الأطفآل عن الصُرآخ
لكنهُــم مُجرد أطفآل ... فمنَ سيُبآلي ؟
أما بدآخل المنـــزل .. فكانت الأجواء مُختلفــةً لكن ليس إلى ذلك الحَد البعيــد !
فكان الجوّ إحتفالياً جميـــلاً مليئاً بالضحكــات والإبتسآمآت المُوزعة على وجوه الجميــع .
يجلسون حول طاولــة مُستطيلة طويلــة تقع بوسط غُرفة المعيشــة الكبيــرة نوعاً ما ..
رجلُ عجــوز مع زوجتـه التي لا تختلف عنه حالاً .. يتحدثون ويُلقــون النكآت لإبنائهم الكبــار
اللذين أصبحوا الآن رجالاً مُتزوجيـــن ولديهم عدة أطفآل !
كان منهم من يتحدث عن أعماله ومشــاريعه في علمــه ..
والبعضُ الآخر عن معاناته مع أطفآله وزوجته العنيدة ... وما إلى ذلك من الاحاديث
فجأةً دخلت تلك الطفلةُ الصغيرة ذآت الشعر الأسود القصير جداً والعينين العسليتيين الواسعتين ..
ترتدي ثوباً أبيض طويل بالنسبة إليهــآ ..
أقبلت بإبتسامةٍ لعوبةٍ مرحة تتخللها البراءة من خلآل البــاب الذي يُطل على الحديقةِ الأمامية التي كانت تلعب فيهــا مع أخيها " ريوتـــا "
وإتجهَــت إلى عمهـــا الشـــاب البالغ من العُــمر السابعة والعشـــرون عامًا ، مع ذلك لم يكُن متزوجاً .
إرتمت في حُضنــه بمَرح والسرور لم يُفــارق نبرة صوتهــا الطفولية العذبة .
( شيـــــن ! ) .. إلتفت عم تلــك الطفلة إلى إمرأة جميلــة تبلغ الثانية والثلاثيــن من العُـمر فأجابها مُبتسماً ( ماذا ؟ )
قالت وهي تجلس بجانب زوجهــا حول الطآولة
( أيُمكنك إحضــار أطباق الحلوى من الثلآجة ؟ لقد تعبت جداً ولا أستطيع الوقوف على قدميّ )
غَمز شيــن بمرح وقال مُبتسماً ( من دواعِي سروري ! ) ..
سمـِع الجدْ كلآمهآ فقال مُعترضاً وهو ينهض بنشـآط ( كلآ .. دعنــي أنا أذهبُ مع طفلتــي الحُلوة )
قالت تلك المرأة بإبتسامةٍ صغيــرة عذبة وبمرح مُتصنعةً الغضب
( حسناً .. لكن أرجوك لا تلمس قطعةً واحدة ! )
( آه علِمت أنكِ ستقولين ذلك ، هذا عِقابٌ قاسٍ لي ) .. قآل الجَد ذلك مُدعياً الإحباط وهو يُمسك بيدِ تلك الطفلة الصغيرة مُتجهين سويةً إلى المطبــخ
مرت فتــرة قصيرة وهُو ينتشل كل طبقٍ ليضعه فوق طاولة المطبَــخ .. والطفلة واقفةٌ بجانبه مُمسكةً بطرف سرواله الزيتي الطويــل
( جـــدي أُريد اللعــب بالخارذ مع ريُوتــآ ! ) .. " بالخآرج "
حَرك شفتيه ليُطلق بضع كلمات من بينهمــا لكنهُ سكت عندمـآ أحس بشيء غريب يُحثه على الصمت ..
أمسك يدهــا الصغيرة بقوة عـِندما سمـِع صوت إطلاق النيرآن وصراخ أفراد العائله ..
حَمل تلك الطفـــلة لتكون على ظهرهِ بسُرعــة وقلبه يكاد يخرُج من مكآنهِ من شدة خوفــه ..
صحيح أنه عجوز .. لكنه مازال يحمــل بعض الطــاقة التي كان يتحلى بها في شبآبه !
طوقت تلك الفتاة يديهــا حول رقبتهِ بشكل تلقائي وقالت مُتسائلة ( جدي .. ماذا بك ؟ )
إتجه ناحية البـــاب الذي يؤدي إلى خارج المطبخ ليُطل على غُرفة المعيشــة
لكنهُ لم يستطِع رؤية شيء بسبب الدُخـــان الكثيف الذي أعمى بصيرته حينهـــآ
أصبح يلتفت الجد بعينيه بشكــل سريع ومُريب والعَرق يتصبب من جبينــه ..
مما دبّ الرعب في قلب الطفلة التي بدأت في التساؤل وصوتهــا يرتجف ( جـ ... جـددي .. مآبك !!! )
كان ذلك بسبب سماعه لصُراخ الأطفال وزوجتـه والآباء والامهات بغرفة المعيشــة ..
وصوت إطلاق رصاصاتٍ أيضاً !
وما كان مُرعبـــاً اكثر هو أصوات الرجـــال الغريبين اللذين إقتحموا المنزل بشكلٍ مفاجئ مما أثار الخوف بداخلـِه
( آشششش ! ) قال الجد ذلك وهو يُحاول تهدئة الطفلة بهَزه لها وهي على ظهــرِه
أدار وجهه إلى الخلفَ ليلحَظ وجود البــاب الذي بالمطبخ المؤدي إلى الحديقةِ الخلفيــةِ للمنزل
أسرع لإمساك مقبض البــاب .. ما إن أمسكهُ حتى فتحه على مصرعيه وإنطلق بخطواتٍ متسآرعة وآسعة للهروب
إتجه لبــاب الحديقةِ الخآرجي الخلفي ونبضات قلبه تتســارع بشكلٍ رهيب .. والطفلة مازالت تصرُخ باكية ..
نظر خلفه نظرةً خاطفـــة ليرىَ أن المنزل يحتــرق والدُخان يتصاعد للأعلى بكثآفه
ولهَب النيــران ينعكس في عينيــه ووجهــه ..
أما الطفلةُ فكانت تسعــل بقوّة من بين بُكائهـا .. فقال الجَد بقليلٍ من الصرامة ( أُصمدِي مينــوري )
سمـِع الجَد صوت أحد الرجــال العميق يُنــاديه مُهدداً ( توقف عندك وإلا أطلقتُ النـــار ! )
إلتفتَ إليه الجد بخــوف وصمت .. لكن الشجاعة - التي لا يدري اتته من أين – تسللت إلى قلبه ليقول بقوة
( فلتذهب للجحيــم ياهذا ! )
ركض الجد بخطواتٍ واسعــة إلى حيثُ الباب الخلفي المؤدي للخارج مُتفاديًــا الرصاصات التي يُطلقهـا ذاك الرجُل بصعوبة .
وبعد ركضٍ طويــل دام فترة لم يعلم طولهــا .. ولا يعلم حَتى قدماه قادته إلى أين !
وصل إلى إحدىَ الأحياء الفقيـرة المظلمة الشبه مهجــورة يقف سارحًــا حائرًا لا يعرف ماذا يفعَــل
قُتلت جميع العائلة تقريبًــا ولم يبقى سواه هو والطفلة مينــوري .
أحس بقطراتٍ تسقُط على رأسه بشكلٍ مُتقطع فرفع رأسهُ للسماء ...
قال بهدوء من بين دموعـهِ الحارة ( سُحقًــا ستُمطر ! )
إلتفت بنصف وجههِ إلى حفيدته الصغيـرة ليراها تُحاول كبت شهقاتها ومنع نفسها من البكاء وآثآر الدموع على وجنتيهـا الحمرآوتين
إبتسَم بحُزن وأسى على الحال الذي وصل إليه .. بشكل مُفاجئٍ جدًا !
أخذ يمشي بخطواتٍ ثقيلةٍ والحُزن يكسر قلبه المدفون بين أحشائه إلى قطع متعددة صغيرة ..
لآ يعلم إلى أين يتجـِه .. وبمَن يطلب العَــون ، كان تائهًــا مُشتت الأفكار .
توقف بمُنتصف الشارع عندمــا رأى سيارة سوداء كبيرة اللون تقف أمامه فجأة
رفع رأسهُ بتفاجؤ وإستغراب قائلاً في تعجُب ( ما به هذا الأخرق ؟ )
نظرَ الرجُل صاحبُ السيارة السوداء الذي – على مايبدو – لم يتجاوز الخمسة والثلاثين من عُمره
وقال ببرود ( تفضل يآ سيدي ! )
رفع الجد حاجبه الأيمن دلالة الإستغراب ثُم هَم بالمشي مُبتعداً ، إلا أن صاحب السيارة تقدم بسيارته ليسُد الطريق مُصرًا على تلبية طلبـِه
فجأةً أخذَ المطر يهطل بغزارة على رأس الجَد وحفيدته الصغيــرة ، لم يعلم ماذا يفعل ..
هل يوافق على طلب المجهول ؟ أم يرفُض !
................
( مينــوري ؟ )
قَآطع ذكريآتي ذاك الصوت البآرد الذي أفزعني فإلتفتُ برأسي لأنظُر في عيني ذاك الشخص التي لمعت عاكسةً ضوء القمَر
( ريــو ... ؟ )
كُنت جالسة على شاطئ البَحــر والظلام يلفُني من كل جانب ، أضم ساقاي بذراعـي وأغوص في ذكريآتي
العميقة الموحشة والدموع تنساب على وجنتيّ بهدوء
رأيتُ التفاجؤ ظاهرًا على وجهه فما لبثت أن مسحتُ دموعـي ورسمت إبتسامة بسيطة على فمي
( لا شيء ... فقط راودتنــي ذكرى سيئة )
هَز رأسه إيجابًا بهدوء دون أن ينبس بكلمة وظل يتأمل معي واقفًا مكانه ورائي إلى السماء المليئة بالنجـوم اللامعة
قال بعد فترة صمتٍ بسيطة بمَرح ( هيه يامُهرجتــي .. مارأيُــكِ أن نشتري شيئًا باردًا نشربُه ؟ )
قُلت بغضب ( لستُ مُهرجتَك ، كًف عن إغاظتي ! )
وسُرعان ماتبدِل الغضب إلى سعادة فقلت بمرح وتلقائية ( لكن موافقة .. على حسابــك ! )
~~
هَز رأسه مُوافقًا ثُم أمسك بيدي وأخذ يركَض بي مُنطلقاً بحماس بينما عاد " ذاك الأبله " يدُق بقوة داخل صدِري
لو كان بيدي لأخرجتُـه من صدِري ورميتُـه بعيدًا .. ياله من قلبٍ مُزعج !!
وصلنا إلى متجرٍ كبير الحَــجم نوعًا ما .. يوجد به عدد قليل من النــاس فدخلنا إليه بهدوء ننظر حولنا بحيرة
أخذ ريو يجُر سلةً كبيرة أمامهُ ويضع فيها أشياء كثيرة .. حقيقة كانت جميع الأشياء لا نفع لها ، يبدو أنه
يُخطط لإقامة حفلة في غرفته وجمع الشباب .. إنهُ تخمين فقط !
فجأةً ودون سابقِ إنذار .. سمِـعنا ضجّةً آتية من الباب الأمامي للمتجر .. وإنطفأت جميع الأنوار وأصبحَ المكانُ مظلمًا بعض الشيء
أُصبت بالذُعر فإلتصقتُ بذراع ريو الذي نظَر إلي بإستغراب
راح يمشي بهدوء مُتجهًـا إلى مكان المُحاسب القريب من باب الخروج .. إلا أنهُ تراجع بتردُد قائلاً
( مينوري .. لا تُصدري أي صوت حسنًا ؟ إتبعيني فقط ! )
قلت بخوف وتساؤل وأنا أنظر في عينيه الحادتين ( لماذا ؟ مالذي يحدُث ؟ )
ترَك السلة جانبًا وأمسك بمعصمــي وأخذ يدُور بالمتجر كاملاً دون أن يتخذ وِجهةً مُحددة ..
قلتُ لأقطع جو الصمت المُرعب الذي أكرهُه ( هل ... هل هُم لصوص ؟ )
كان مُعقدًا حاجبيه ويبدو عليه الغضب ..
أجابني بهدوء دون النظر إليّ ( أظُن ذلك )
وجدنا أمامنا بابًا كبيرًا فُتح نـِصفُه فدخلنا إلى ماوراءه .. نظرت حولي لأتفحص تلك الغُرفة ...
لا يوجد فيها سوى مصباح واحد أبيض مُعلقًا في السقف يُنير أجزاء صغيرةً منها .. ومساحتهُا واسعة
إلا أن ماجعلها ضيقة هو وجود الصناديق الكثيرة الموضوعة بعضها فوق بعض
سمـِعتُ صراخ أطفالٍ ونـِسوة مما جعلني أشعُر وكأن قلبي فعلاً سيخرُج من مكانه
قلت بخفوت أحضن رأسي بين كفيّ ( اه كُنت متأكدة .. مُتأكدة تمامًا بإن هذه الرحلة ستكون كارثة .. مُصيبة !! )
لم يُعلق ريو الواقف بجانبي على كلامـي بل ظل صامتًـا وكأنه ينتظر شيئًا ما ، رُبما ينتظر رحيلهُم فقط .
سمـِعتُ صراخ رجال يبدو أنهم لا يتجاوزون الثلاثة يُحدثون الموجودين بصرامة
قال أحدهم بوضوحٍ يُكلم إمرأة بأمر( أعطيني كُل مالديكِ من مجوهرات يا أنتِ .. أو ودعي طفلكِ للأبد ! )
كانت تصرُخ وتبكي في آن معًـا .. ومن صوتِ إرتطام شيءٍ ما بالأرض الأقربُ أنهُ قام بصفعها أو إلقاء شيءٍ عليها ،
وهذا ماجعل أوصالي ترتجف ...
( هل أنتِ فـِعلاً جبانة لهذه الدرجة ؟ لم أتصور أنكِ ستكونين هكذا ! )
نظرتُ إلى ريو بعينين دامعتين .. كان يُسند ظهره على الصناديق ويمُد رجلة اليُسرى بينما يُثني اليمنى ليُريح ذراعه عليها وينظر إليّ ببرود
كُنت واقفة أراقب من فتحة الباب الصغيـرة أولائك اللصوص
تركتُ الباب وإتجهتُ إلى ريو لأجلس بجانبه بهدوء .. وأصبحتُ أقترب أكثر منه حتى أكاد ألتصق به
لم أشعُر بنفسي إلا وأنا أُسند رأسي على صدره وذراعه اليسرى تلُفني
رفعتُ رأسي لأرى وجهه قد صُبغ كاملاً باللون الأحمر وينظر إلى الجدران
طأطأت رأسي في خجل ثُم مالبثت أن إتسعت عينــي بذهول
دفعتُه عني بقوة وأنا أصرُخ ( من تحسبُ نفسك هاه ! .. أيها الأخرق لا تلمسني .. لا تفعل هذا ! )
دقائق مَرت ونحن ننظر إلى بعضنا في ذهول وفي عينينا بريق غريب ..
حَتى قطع تلك اللحظة صوتُ الباب يُدفع بقوة ليرتطم بالجدار ..
وجّهنا بصرنا إلى ذاك الرجُل المُقنع الذي لا يظهر من وجهه سوى عينيه الضيقتين !
وها هوَ ذا قلبي يرقُص خوفًــا ما إن إقترَب مني أنا بالذآت وفي عيونه لمعة شر واضحة !!
[ وجه القـِـطة ! ]
كُنت واقفة أراقب من فتحة الباب الصغيـرة أولائك اللصوص
تركتُ الباب وإتجهتُ إلى ريو لأجلس بجانبه بهدوء .. وأصبحتُ أقترب أكثر منه حتى أكاد ألتصق به
لم أشعُر بنفسي إلا وأنا أُسند رأسي على صدره وذراعه اليسرى تلُفني
رفعتُ رأسي لأرى وجهه قد صُبغ كاملاً باللون الأحمر وينظر إلى الجدران
طأطأت رأسي في خجل ثُم مالبثت أن إتسعت عينــي بذهول
دفعتُه عني بقوة وأنا أصرُخ
- من تحسبُ نفسك هاه ! .. أيها الأخرق لا تلمسني .. لا تفعل هذا !
دقائق مَرت ونحن ننظر إلى بعضنا في ذهول وفي عينينا بريق غريب ..
حَتى قطع تلك اللحظة صوتُ الباب يُدفع بقوة ليرتطم بالجدار ..
وجّهنا بصرنا إلى ذاك الرجُل المُقنع الذي لا يظهر من وجهه سوى عينيه الضيقتين !
وها هوَ ذا قلبي يرقُص خوفًــا ما إن إقترَب مني أنا بالذآت وفي عيونه لمعة شر واضحة !!
شددتُ قبضة يدي على قميص ريـو الابيض المُخـطط بخطوطٍ سماوية بالطول وانا ادعو الله بداخلي ان يحفظنـي ويُبقيني على قيد الحياة
بصراحةٍ لا أود الموت .. خصوصًا بموقفٍ كهـذا !
وقف ريـو بسُرعة مُمسكًـا يدي بقبضتـه الكبيرة وملامـحُه الجديّة التي أُحبها ظهَرت من جديد على وجهه لتُوضـِح عن غضبـِه
هَمس لي بهدوء قائلاً بأمر دون أن يُبعد نظره عن ذاك اللص
- سأحاول أن أُلهيه .. عـِندما أترُك يدكِ أُهربي بسُرعة .. من ذاك الباب
حَدقتُ في عينيه اللتان تنظُران لباب موجود بإحدى زوايا تلك الغُرفة .. أتمنىَ ألا يكون مُقفلاً
ثُم قُلت على عجل دون شعورٍ مني
- لن أذهب من دونك
ما إن إنتهيتُ من جُملتي تلك حتى توردت وجنتآي علامة للخجل الذي جعل شُحنة كهربائية غريبة تسري بجوف رأسي كُله !
قال هامسًـا لي راسمًا تـِلك الإبتسامة المُشاكسة على ثغـِره ليُطمئنني
- مُهرجة ! .. إن أردتي ان اتوقف عن إغاظتك إفعلي ما أقول
- كفاكُمــا ثرثرة ... أنتِ !!
نظرتُ إلى المتحدث – الذي كان اللص بالطبع - بنظرةً خاطفة خائفة ما إن قصدني بندائه وقلبي تزداد نبضاته سُرعة كُلمـا إقتَرب خُطوة
اخذ يُشهر مُسدسهُ الأسود اللامع من بين يديه علينـا .. ويهز رأسه مُشيرًا إلى سوار معصمـي الذهبي
أردتُ التحَدث والإعتراض إلا أن ريو سبقنـي بقولـِه
- ياللجُبن ! تُشهر مُسدسك الصغيـر أمامنــا هكذا ، ولو أنكَ لم تحمـِله لإستطعتُ تقطيعك إربًا أيها الأرنب !
صُدمت .. اهوَ بهذه الشجاعة ؟ لم أتوقع قولًا قويًا كهذا سيصدُر منه ..
ضحـِك بخفة ثُم عاد ليقول بإستخفاف رافعًا حاجبه الأيسر في سُخرية
- لستُ خائفًا من مُسدسك بالطبع ، إلا أنني أعرف أفعال اللصوص المُلتوية لذلك سأبقى هادئًـا حتى لا يكون هنالك خسائر !
يبدو أنه قد إستفز اللص التي أخذت عيناه تضيقان أكثر والشَرر يتطاير من عينيه
تَرك يدي إلا أنني لم أتحرك ساكنة مُترددة .. موقفٌ صعب بالفعل ، فماذا لو هَربت وأطلق النار عليّ .. سأكون ميتة وهذا ما لا اريده !
زفَرت بضيق وعيناي تلمعان من دموعي المحبوسة فيهما والرؤية قد أصبحت مشوشة ضبآبية !
أحسستُ بقرصة على خاصرتي فقفزت مذعورة ونظرتُ إلى ريو بحنق ، فإذ به يُشير بصعوبة بإن عليّ الهرب حالاً
بعد تردُدٍ ومحاربة لنفسـي الخائفة تشجعتُ أخيرًا للهَرب .. فأطلقتُ لساقاي العنان وأخذت أركض واصرخ خائفة إلى الباب
فتحتُــه بخفة وسهولة ، حمدًا لله أنهُ لم يكُن مقفلاً .. كاد قلبي يسقُط أرضًا من شدة رُعبي !!
خرجتُ للشآرع .. إنهُ يطل على حَي مُخيف أشبَه بالمهجور .. إلا من بعض القطط ذات العيون المُخيفة التي تعكس ضوء القمر !
أخذتُ أنظر حولي يُمنة ويُسرة في توتر وريبة ، ويُمكنُني سماع دقات قلبي المُتتالية القويّة
مشيت عدة خطواتٍ للوراء وأنا أشعُر بإن أشياءً حادة كالإبر تُغرز بصدري ، أظُنني أشعُر بالذنب لتركي ريو خلفـي !
زفرتُ بضيق وأنا أمشي مُتجهة إلى .. لا أعلم ! لنُقل إلى المجهــول ،
رآحت الدموع تتجمعُ بعينـي من جديد لتُنذرني على قُرب بُــكائي .. أنا خائفة ، لا أُريده أن يُصــاب بإذى
سلكت دموعـي مجرى واحد على كُل من خديّ لتُحدث نهران جاريان يأبيان التوقف والسكون
إحتضنتُ أعلى رأسي بيديّ وقُلت بإنكار وإعتراض
- سأعود ، لن أترُكه وحده ... كيف فعلتُ ذلك وهربت ؟ كيف !!
- حقًــا .. كيف لكِ ان تترُكيه وحيدًا هُنــاك ..
إتسعت عينآني ذهولاً عندما سمِعتُ صوته الآتي من الخلف ، فإلتفتُ بسُرعة للوراء ليصطدم شعري بوجهي إثر قوة الهواء الذي هَب فجأة
- ريو !
- بشحمه ولحمـِه ..
رفعتُ بصري للأعلى قليلاً لأرى شخصًا طويلاً ذو جسم عريض نوعًا ما وشعر بُني مبعثر بإهمال تُخفي نصفه قُبعة سوداء يقف بجانب ريو .. وسيجارةُ إعتدت رؤيتها مآبين شفتيه .
- المُنحرف !
- مازلتِ تُناديني بهذا الأسم ؟ مُزعجة !
نظر ريو بتعجُب وحيرة وغباء موجهًا نظره إليّ تارة ثُم لكين تارة أخرى مُتسائلاً ماسبب هذه الألقاب !
قُلت بتساؤل وأنا أقوم بمسح دموعـي المُتمردة التي تأبى الوقوف
- كيف ؟
- أوه تعنين مالذي حَدث ؟ لقد أرسلتُ رسالة بهاتفي لكين ليُحضر المساعدة ..
- متى ؟ أنا لم أرَك تفعلُ بذلك
إبتسم بإستهزاء وقال واضعًا يديه في جيبيّ بنطاله
- كُنتِ مُنشغلة في النظر إلى اللصوص عَبر فتحة الباب أيتها الذكية !
- هكذا إذًا ، لكن بعدها مالذي حَدث ؟
قال ريو بلا مُبالاة
- لا شيء ، لقد فروا هاربيـن فَور سماعهم صوت سيارة الشُرطة تقترب .. جُبناء !!
مشيتُ بهدوء خلفهما عندما همّـا بالتقدم وأنا أشعُر بالراحة والإطمئنان ..
عاد ريو يقول بعد فترة صمت وهو ينظر إلي بطرف عينـِه موجّهًا كلامه لكين الهادئ
- كين ! آه لو ترى وجه مينــوري الخآئف ، أُقسم أنك ستضحك بشدة
- توقف أيها الغبي !
- ماذا ؟ أنا غبي أيتها الحمقاء المُدللة ؟!
- لستُ كذلك .. إنَك أحمق
- مُهرجــة !!
نفختُ خديّ بالهواء من شدة غضبي ثُم زفرت وأنا أسرع بخطواتي الواسعة الى وسط الشارع مع النظر إلى حذائي الورديّ البسيط لأتجاوزهُما بعدة خطوات
لكنني وقفتُ فجأةً ساكنة مُتجمدة عند سماعي لبوق سيارة مُسرعة بإتجاهي ..
أصبح صدري يعلو ويهبط بسُرعة من التنفس السريع دلالة الخوف ..
لا أعلم كيف إلا أن قدميّ قد شُلتا تمامًا ولا أستطيع تحريكهما ! وكأنما قَد وَضعت صخرتان كبيرتان عليهمـا لتمنعهما من الحراك !
.
.
.
فتحتُ عينــي بـِبُطء بعد فترة لم أعلم طولهـا .. لكنني أحسستُ أنها طويلةُ جدًا !!
أخذت بؤبؤتا عيني تتحركان في سُرعة لتستكشفا ماحولهمـا
كان يتجمع حولي عدد قليل من الأشخاص الغُرباء منهم من ينظُر إليّ بقلق والآخر بترقُب ..
فقُلت هامسة بتساؤل
- مالذي حَدث ؟
نظرتٌ إلى نفسي ... مُلقاةً على الأرض وقد مُزقت أجزاءٌ صغيرة من بنطالي الأبيض والخدوش قد شوهّت يدي .
أخذت أصوات مُختلطة تندفعُ كُتلة واحدة على مسامعي تسألُني ما إن كُنت على مايُرام !
تجاهلتُها و رُحت أتتبعُ بفضول شديد مصدر الأصوات البعيدة التي تصرُخ بصوتٍ عالٍ .. فعرفتُ حالاً أنها آتيةُ من الخلف
نظرتُ بسُرعة خلفي إذ بي أرى أُناسًا قد تجمعوا ليُشكلوا دائرة إلتفت حَول عمود الإنارة الطويل الذي على الرصيف الذي يفصل بين شارعين
حآولت الوقوف .. إلا أنه قد إستوقفني ألم فظيييع برُكبتي اليُمنى
أمسكتُ بنطالي من طرفه لأرفعهُ للأعلى .. لقد تلطّخ بالدماء .. لكن بشكلٍ بسيط لا يدعو للخوف !
أنزلتُه مرة أخرى وحاولت جاهدة أن أتحمل الألم الذي أشعُر به كُلما مشيت خطوة
إن هذا الألم لآ يُساوي ما شعرتُ به بصدري حينها أبدًا ..
عندما رأيتُ عدة رجال يحملون شابًا ذو شعرٍ أشقَر يرتدي قميصًا أبيض اللون خُطط بخطوط سماوية بسيطة
ومعهم ذاك الآخر ذو الشعر البُني المُبعثر بإهمال ، الذي كان وبكُل بساطة " كين " الذي – ولأول مرة – أرى ملامح الخوف قد ظهرت جليّة على وجهه !
إذًا هذا ماكانوا مُتجمعين حوله ؟!!!
لا أعلم كيف .. أو متى فعلتُ ذلك ! إلا أنني فجأة أصبحتُ مع أولائك الرجال أصرُخ بإسم ريو بهستيرية
بالكاد أستطيع رؤية وجهه المُلطخ بالدماء وهذا ما أثار فزعي !!
أمسكني كين من ذرآعي بقوة مُحاولاً تهدِأتي إلا أن ذلك مُستحيـــل ..
كُنت ألحق بهم لأُمسك بيد ريو المليئة بالخدوش والجروح النازفة المُتدلية دون حراك ..
جميع الأفكار السوداء قد تجمعت بذهني .. أسوَؤها الموت ، خـِفت أن يرحَل ويترُكنــي .. لا أريد ذلك !
أبعدني كين عن الرجآل ليستطيعوا إدخاله بسُرعة إلى سيّــارة الإسعاف التي أتت مُسرعة قبل عدة دقائق فقط
كان كين مُمسكًا بي بقوة حَتى أنه قد لف ذراعيهِ حولي .. حاولت الإفلات بعدة طُرق إلا أن ذلك لم يُجدي نفعًا
كآن يُحاول تهدأتي بكلماتٍ بسيطة إلا أنني لم أُعره أدنى إهتمام ... لم أكُن حتى أسمع مايقول بوضوح ، كُل ما أفكر به الآن هوَ ريو !
هَمت سيارة الإسعاف بالذهاب وأنا أتبعُها بعيني ، لتترُكني مابين ذراعي كين مُصابة بالدوآر !!
أصبح كُل شيء يدور فجأة .. حتى صارَ السواد هو كُل مايُمكنني رؤيته فقط .
رؤيةُ ضبآبية .. عقلٌ مشوش .. و ألم فظيع !
هذه الكلمآت البسيطة هي تعبيرٌ بسيط عن حالتــي تلك اللحظة عندما أفقت على هَمس أحدِهم
أغمضتُ عينيّ بقوة ثُم فتحتهمــا لتٌصدمان برؤية وجه ريو أمامهُمــا
فتحتُ فمي لأصرُخ فزعة متفاجئة إلا أن يدهُ البآردة الملفوفة بالضمادات البيضاء قد منعتنـي من ذلك
أبعدتُها بعُنف عن فمي ونهضت بسُرعة بينما هوَ إبتعد قليلًا دون إبعاد نظره عني
تأملتُ ماحولــي .. كانت الغُرفة مُظلمة نوعًا ما إلا من نور شاشة التلفاز المُعلق بالأعلى الذي يُوزع ضوءه في أرجائها
الغُرفة هادئةٌ جدًا .. يوجد بها عدة أسرة يملؤها بعض المرضىَ الذين يغطون – على مايبدو – بنوم عميق !
أُحب هذه الأجواء .. خاصة مابعد مُنتصف الليــل !
عُدت للتحديق في وجه ريـو وقد لفت نظري شيءٌ ما على جانب وجهه فأزحتُ غطاء السرير عني قليلًا وإقتربت منه لأمسك ذقنه بهدوء
كان واقفًــا بسكون دون حرآك ويبدو انه مُتعجب مني من نظراته المُندهشة
حَركت وجهه لليسآر قليلًا لألحظَ خدشًا طويلًا نوعًا ما على خدِه ويصل إلى نهاية وجهه
سمـِعت ضحكة خافتة تصدُر منه فنظرت إليه .. كان مُغمـِضًا عينيه ويبتسم
- مابك !
- هيا إضحكي ، أعلمُ أنكِ تُريدين الضحـك لرؤية وجهي الجميل قَد تشوّه بهذا الخدش البشع
نظرتُ إليه بإستغراب وتعجب في آن معًا .. وقلت مُستنكرة
- إطلاقًــا .. تبدو جميلًا به !!
- كاذبة .. يُمكنك الضحك إن شئتي لكن لا يُمكنك الكذب عليّ بقولكِ هذا !
- أحمق ، أٌقسم أنك تبدو ... جميلاً
ضحـِكت بشدة عـِندما رأيت وجنتيه قد إحمرتا خجلاً .. ولا تنطلق من بين شفتيه سـِوى كلمتيّ " لا و كآذبة " بطفولية من شدة خجله !
نظرتُ إليه من رأسه لقدميه .. كانت غرته الشقراء ثابتة للخلف بواسطة مـِشبك بنوتي صغير لطيف
لتظهر مُلصقات الجروح على جانب جبهتـِه الأيسر ..
أما رجلهُ اليُمنى فكانت تلفها جبيرة بيضاء ، لابُد أنها قد كُــسـِرت !
سألتُــه بفضول شديد والإستغراب واضح على مُحياي
- مالذي حَدث ؟ لا أذكُر شيئًــا سوى أنني كُنت أقف بمنتصف الشآرع !
- حمقــاء .. آه ، بسببكِ كــِدتُ أفقد حياتي الثمينة !
- كفاك ثرثرة .. أخبرني فقط
- حسنًــا
نظر إليّ قليلًا ثُم أشار بيده على أن أُفسح المجال له للجلوس على طرف سريري الأبيض
إمتثلتُ لأوامره فجلس بالقُرب مني .. وأغمض عينيه فبدأ بالكلام بلهجة مغرورة تنُم عن البطولية التي يحسبها إحدى صفاته !
~
~
نظر إليّ قليلًا ثُم أشار بيده على أن أُفسح المجال له للجلوس على طرف سريري الأبيض
إمتثلتُ لأوامره فجلس بالقُرب مني .. وأغمض عينيه فبدأ بالكلام بلهجة مغرورة تنُم عن البطولية التي يحسبها إحدى صفاته !
- عندمـا رأيتكِ كالبلهاء واقفة أمام تلك السيارة المُسرعة دون حراك .. كُنت أعلم أنكِ بإنتظار البطل – الذي هو أنا – ليَهُب للمُساعدة
- سُحقًــا لك فلتتكلم بجدية !
- أووه حسنًاً ، لا أعلم كيف فعلتُ ذلك ولـِمَ عرضت حياتي للخَــطر .. إلا أن رؤيتكِ بتلك اللحظة واقفة بخوف لا تعلمين مالذي يجب فـِعله .. شَجعتني أن أدفع بنفسي إليكِ لإنقاذكِ .. إنني أقولها بجدية الآن !
- حسنًا .. أكمل
- دفعتٌــك بقوة للأمام لتصطدمي بالناصية أما أنا فقد إصطدمت بالسيارة لأطير بعيدًا وأصطدم مرة أُخرى بعمود الإنارة ..
لذلك قد كُسرت ساقي .. أما يدي فلقد أصبحت كخريطة الكُرة الأرضية من الكدمات التي تلونت بها ..
حَل الصمت فترة قصيرة جدًا .. بالأحرى ماتُقارب الدقيقتين ثُم عاد للقول بغضب
- وكُل هذا بسببـِك !
- آسفة ..
- لا بأس ..
- يا شباب .. كفاكُمــا ثرثرة ، أزعجتُماني بقصصكم البطولية الرومانسية .. المُستشفيات لا تصلُح للمواعدة خصيصًا بغُرف مُلئت بالمرضى !
كان ذلك صوت تذمر إحدى العجائز التي يبدو عليها أنها ليست من النوع اللطيف إطلاقًـا
نهض ريو بهدوء وحَذر من على سريري وهو يضحَك ..
لا أعلم لـِمَ فعلتُ ذلك ورميتُ بكومة الخجل والغضب على رأس ريو حيثُ قُلت
- لا تضحك ياوجه القطــة !
إلتفت إليّ بسُرعة والغضب العآرم قد إكتسحه
- ماذا ؟ أظنُ أنني لم أسمعكِ جيدًا
- وجه القطـــة !!
- أبسبب هذا الخدش أصبحتُ ... قطة ؟
هَززتُ رأسي بالإيجاب دون أن أنبس بكلمة
- إذًا فالقـِطط تُعجبكِ ، نعم .. هي جميلةُ أيضًا .. مثلي !
- مالذي تعنيه ؟!
رفع أنفه بغرور وهو يتجهُ إلى سريره الذي يكون بجانبي ولا تفصل بيننا سوى ستارة خضراء طويلة !
- ألستِ من قال أن هذا الخدش هُنا ، يجعلنــي جميلاً !
- أنا .. أنا فعلت ؟
- آه يا إلهي .. أستدّعين أنك لم تقولي هذا ؟
لم أستطـِع قول شيء .. ففضلتُ السكوت وتجاهُل الأمر برمتــه .. في النهاية أعلم أنهُ المُنتصـِر .
هَز رأسهُ أسفًــا وحَرك سبابتهُ بالقُرب من أعلى أذنه بحركة دائرية في الهواء تدُل على أنه يصفني بالمجنونة !
- سُحقًا لك .. أتظن بإنك عاقل ؟ حتى الأطفال بعُمر السادسة أعقل منك وأذكى
- أتقصدين بمن هُم بعُمركِ عزيزتــي ؟
آآآآآآآآه مُستفز .. لو أنني لم أكُن هُنــا أقسم على أنني سأفعل شيئًا غير جيد له .. أبدًا !!!!
نُمت على جانبي الأيمن بحيث يكون ظهــري أمامه .. فلقد كان ينام هو أيضًا على نفس الجآنب
أغمضتُ عيني بهدوء لأنام .. إلا أن ذلك مُستحيل .. كُنت أعلم بإن نومي هو شيء مُستحيل الآن .. لقد إستيقظت قبل دقائق فكيف أنام مرة أُخرى ؟ لا أستطيع !
أخذتُ أتقلب على السرير مُحاولة بجُهدٍ أن أنام .. إلى أن نهضتُ مُتذمرة حتى تطاير شعري بشكلٍ مُرعب على وجهي
- بسسس .. أيها الوحش من عالم الظلام !
إلتفتُ إلى من كان يهمس إلي والذي كان – بالطبع ريو – الذي عرفتـُه من بحة صوته المُميزة
- ألم تنم أيها البطل .. صآحب وجه كالقطط !
- صاحب وجه جميل كالقـِطط .. أليس سيئًــا بالنسبة لكِ أن أًصحح أخطاءك ؟ خرقاء ! يجيب ألا تنسي إضافة أهم الكلمات حتى تُصبح الجُملة كاملة وصحيحة !
- لم أخطئ .. إضافة كلمة " جميل " مايجعلُها خاطئة .. إنك تظلم الكلمة بنسبها إليك إيها البشع !
- ماذا ؟ حسنًا ، إن كُنت بشعًــا – كما تدعين - .. فما أنتِ اذًا ؟ وحشٌ مُظلم أتى من العالم الآخر لينشُر الظلام في كوكب الأرض !
- لديك خيال خـصب .. هل تكتُب رواية ما ؟
- مُنذ أن رأيتكِ قررتُ ذلك .. فأنتِ تُذكرينــي بأفلام الرُعب .. إذا تمحوَرت حول " الأحياء الأموات " بالذات
أخذتُ أقرب شيءٍ مني يُمكنني رميُه على ريو ألا وهو كأسٌ ورقي خفيف الوزن !
ما إن رفعتُ يدي لأرميه حتى أوقفني إرتطام عُلبة مناديل ورقية بالأرض مُحدثة صوتًا قويًا نوعًا ما بما أن الغُرفة كانت هادئة .
- الرحمـــة .. إِن قُلت أنَّ المُستشفيات ليست مكانًا مُناسبًا للمواعدة ، هل ستًصبح مُناسبة لأن تكون حَلبة مُصارعة ؟
يا إلهــي .. كدتُ أجزُم أنها هيَ – فعلاً – من يكون قد أتى من عالمٍ آخر ..
عينيها الضيقتين الزرقاوتين تلمعان تحت جُنح الظلآم ، أظُن أننا قد أثرنا غضبهــا فعلاً !
- ناما !! ..
- لكــ ..
- أُصمت أيها القط الأشقر ... ونَم ، حـــــــــــــالاً !!!!
- كيف لكِ أن تنعتيني بالقط الأشقر هاه !
- ماذا ؟ كيف لك أن ترفعُ صوتك على امرأة يا هذا !
- امرأة ؟ أأنتِ من " فصيلة " مينوري ؟ لا تنسي إضافة " عجــوز " إلى جُملتك يا جدة !!
- عجوز و جدة ؟ من تصف بالعجوز هُنــا ؟ لَم أزل إمرأة بالخمسين من عُمرها
قاطعتُ ريو الذي فتح فمَهُ ليرُد على تلك العجوز بقولي بغضب
- فصيلة ؟ هل أصبحتُ إحدى الحيوانات الآن !!!
قاطعنــا صوت فتح الباب الذي كان يقف خلفه مُمرضة بدا الإستغراب جليًا على وجهها ذو الملامح الهادئة
- مالذي يحدُث ؟
سمِعنــا صوتًا أنثويًا رقيقًا هادئًــا يتحَدث بلُطف إليها من خلف إحدى الستائر
- أيتها المُمرضة .. أيُمكنكِ إسكات هؤلاء المُزعجين .. ساعتين حاولت فيهما تذوق طعم النوم إلا أنني بت أشعُر أن هذا مُستحيل بوجودهـِم !
- حسنًــا .. يُمكنني تدبُر الأمر
- أشكُركِ ..
نظرت تلك المُمرضة إلى وجوهـِنا المُتعجبــة بتعجُب هيَ الأخرى .. ثُم قالت برجاء
- رجاءً .. فاليحترم كل منكم وجود مرضى آخرين هُنــا .. ليعُد كل منكُم للنوم !
خَرجت بعدما رأتنا جميعًــا قد أصبحنا في حالة سكون وهدوء وكُل منا يُحاول إرجاع النعاس لعينيه
أخذتُ أنظُر للسقف وأعُد حتى المئة .. لرُبما أنام حقًا ..
- إثنان وخمسون .. ثلاثة وخمسون
- سبعة وعشرون .. ثمانية وعشرون
نظرتُ إلى ريو بغضب الذي كان يُقلدني في هذا الأمر .. المُصيبة أن صوته قد شتت تفكيري ولا أعلم إلى أي رقمٍ قد وصلت الآن !!
- ريـــو !!
نظَر إلي ببراءة وتعجُب رافعًا حاجبيه وقال مُتسائلاً
- ماذا ؟
- أتعلم بأنني أكرهُك ؟!
- كاذبة ..
- بل إن هذه الكلمة قد خرجَت من داخل أعماق جوف قلبي !
- أليست كل تلك الكلمات ذات معنىً واحد ؟
- تقريبًا ، لكني أردت أن تفهمَ مقصدي بدقة ووضوح !!
- هل تقصديـــن ..
أخذ يُميل جسدهُ إليّ من فوق سريرِه وعلى وجهه إبتسامةُ مكر وخُبث
- أنكِ تُحبيننـــي ؟
~
كِدت أصرخ لولا أنني تداركتُ الوضع ووضعتُ يداي على فمــي بسُرعة لأحجُب صرختي عن الجميع
سمعتُ قهقهاته القوية التي لم يستطــِع كبتها على الإطلاق سامحًا لها بالخروج بحُرية .. حتى رأيت دموعه تنهمر من شدة الضحــِك !!
أصبح وجهي أشبه بشُعلة من نار مـِن شدة الحرارة التي أحسستُ بها ، لو أني لم أكُن بشرًا لكُنت واثقة أنه قد تبخّر !
نهضتُ من سريري مُسرعة إلى ريو الذي بدا خائفًا مما قد أفعلُــه به .. إلا أنني لم أقصد سوى الستارة لأسحبهـا لليسار حتى تمنعهُ من رؤيتي ..
وقفتُ خلفها مُعطية إياها ظهري وكفي تُغطي فمــي المفتوح بشرود
أُحس أن قلبي قد ثآر كالبُركان .. أو هاج كأمواج البحــر .. أو .... أو كقُنبلة قد إنفجَرت للتو !
- لكنْ لـِمَ ؟ هل أنا مريضة بمرضٍ ما ؟!
- مينـــوري ....
صُعقتْ عندما سمعتُ صوتًا واثقًا قريبًا جدًا من أُذني .. لذلك لم أتحَرك أبدًا ولم أنبُس ببنت شفة
قآل وهو مايزال واقفًــا خلفي
- أنا ...
هل يسمعُه ؟ أُحس بإن صوت قرع طبول قلبــي تصـِل إليه من قوتــِها !!!
- ألم تسمعا ؟ ألم تفهما ؟ سأقوم بركلكُما كالكُرة إن لم تصمُتــا .. آه رأسي ، سينفجر !!
تـِلك المُزعجة المُتذمرة .. قاطعت ريو عن الكلام .. آهٍ كم أود قتلها هذه اللحظة ، لن أندم على ذلك
فلرُبما أخلص شعبًا كاملًا من وحشٍ مُزعج يُثير الغيظ ؟!
تقدمتُ عدة خطواتٍ للأمام ومازال وجهي مُشتعلاً وقد أصبح كحبة طماطم حمرآء اللون ثُم قلت بعدما إستدرتُ لأصبح مواجهةً له
- مالذي أردت قوله ؟ لا تُبالي بها !
- كلا .. لا بأس ، عودي للنوم فقط ..
إستدار ليذهب إلا أنني أمسكتُ بذراعـِه لأمنعُه من ذلك وقلتُ بعناد
- أخبرني ... الآن
- أيتها العنيدة المُدللة ، إنه ليس بالشيء المُهــِم ..
- بلى .. أريد مَعرِفته .. رُبما ، رُبما هوَ مُهم لي !
- حسنــًا ..
حَك رأسهُ بتوتر واضح ثُم قال
- أردتُ كأس ماء ، لقد شربت قارورة الماء خاصتي كلها ، أشعُر بالعَطش
أصبتُ بإحباط .. لقد كُنت مُتشوقة إلى سماع تلك الكلمة ... لحظة أيُ كلمة ؟
أحبكِ ... كلآ !!!
أظُنني أصبتُ بإنفصام الشخصية .. أو .. رُبما بالخَرف المُبكر ؟!
- يا إلهــــي .. يا إلهــــي
- مابكِ مينـــوري ؟
كُنت أمسُك رأسي بيديّ وأهزُه نافية غير قابلة بالذي أمُر به الآن .. ولا حتى بالتفكير الأخرق الذي أٌفكر بـِه !!
رفعتُ بصري إليه وبقيت على وضعيتي الخرقاء تلك ولم أنطق سوى بـ " هاه " التعجُبية خاصتي
إبتسم بلُــطف ومسح بيده شعري بعشوائية ثٌم قال بهمس
- رُبما المرة القادمــة !
- ماذا ؟
وقف خلف الستارة الطويلة وأغلقها بهــدوء
- لا شيء ..
تتبعتُ رجليه بعينـــي وهُما ترتفعان للأعلى عندما هَم بالصعود على السرير لينام ..
يالحظه .. ومالذي سيجعلُنـــي أنام أنا ؟!
أطلقتُ زفرة تعبٍ وإستياء .. فهي كُل ما أستطيع التعبير به عن حالتي الآن .... ~ |
__________________ قدمي تسللت بين دجي الليالي
سائلتاً القمر متي سيتحقق حلمي
وهل سوف يحصل ما في بالي
بلون القمر توهجت عيناي
فأصبحت ملكتاً في اليوم التالي
[hide]احبك ياتاشي_كن
[/hide]
لي عودةdevil1]
|