12-20-2017, 12:27 AM
|
|
6- أم سلمة نسبها : هند بنت أبي أمية ، و اسمه : سهيل زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم، كان أبوها أبو أمية بن المغيرة و اسمه حذيفة، كان يعرف بزاد الراكب، و هو أحد أجواد قريش المشهورين بالكرم
أمها : عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة جذل الطعان بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة زواجها : رغبها و أحبها عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، الشاب القرشي الشريف، و أراد أن يتخذها زوجة له ، فطلبها من أبيها و خطبها إلى نفسه (1)
و كان من أعز فتيان مكة، فأثنوا عليه، وامتدحوا خلقه و خليقته، و شهامته… و رحبوا به .
و أقيمت حفلة العرس، و كانت من ليالي مكة المشهودة، ثم بنى بها و تزوجها وهنئ معها ،
فكانت هند الزوجة الصالحة الوفية المطيعة، تقوم بشؤون زوجها و بيتها خير قيام، تحترمه و تقدره، و توفر له الجو المنزلي الذي يستريح إليه. و كانت رضي الله عنهامنذ بداية حياتها الزوجية و أيامها الأوىل نعم الزوجة، بكل ما في كلمة الزوجية من حقيقة و مسؤولية، رغم حداثة سنها و صغر عمرها، لأنها كانت تتمتع بنضج عقلي و وجداني يحسدها عليه كبار السن، ممن عركتهم الأيام، و جربتهم الشهور والأعوام، و وقائع الزمن
(1) ذكره ابن عبد البر في ” الاستيعاب” (3/1607) إسلامها : أسلمت و آمنت مع زوجها عبد الله فكانا من الرعيل الأول، و الطليعة الأولى، الذين قامت على أكتافهم وجهادهم و تضحياتهم دعوة الإسلام، و أضاءت بنورها العالم قاطبة . الهجرة الحبشة :
على غرار المسلمين الأوائل الذين عانوا أذى قريش هاجرت هند مع زوجها الهجرة الأولى إلى الحبشة فرارا بدينهم، و حرصا على عقيدتهم، و هناك أقاما في جوار النجاشي ما شاء الله تعالى أن يقيما ، حيث أنجبت رضي الله عنها أبنها ” سلمة ” ، و حبن علم المهاجرون إسلام حمزة بن عبد المطلب و عمر بن الخطاب رضي الله عنهم قرروا العودة إلى مكة، فعادا بعد أن استبد بهما الشوق إلى الوطن، و أرقهما طول البعاد عن الأهل و الأحباب و الأصحاب، و الحنين إلى طلعة النبي صلى الله عليه و سلم و عذوبة حديثه و رقة كلامه، و عطفه الكريم السابغ . المدينة : فرجعا إلى مكة حتى ضاقت بالمسلمين و ألحت في اضطهادهم و هاهي تلحق بزوجها بعد أن حيل بينه و بينها حين عزما على الخروج للمدينة قال له أصهاره : هذه نفسك غلبتنا عليها، أرأيت صاحبتنا هذه ؟ علام نتركك تسير بها في البلاد ؟
و أخذوا منه زوجته، فغضب آل أبي سلمة لرجلهم ، و قالوا : لا نترك ابننا معها ، إذا نزعتموها من صاحبنا، فتجاذبوا الغلام بينهم فخلعوا يده، و ذهبوا به، و انطلق أبو سلمة وحيدا إلى المدينة
فعانت أم سلمة بعد ذهاب زوجها و ضياع ابنها نحو سنة تقريبا فرقة و شتاتا باكية كل غداة بالأبطح، حتى تمسي ، فرق لها أحد ذويها و قال : ألا تخرجون هذه المسكينة ؟ لقد فرقتم بينها و بين زجها و ولدها ، فقالوا لها : الحقي بزوجك إن شئت ، فاسترجعت ابنها من عصبته و هاجرت إلى المدينة ؟
فهاهي تضع ابنها في حجرها ، و تركب بعيرها إلى المدينة تريد زوجها ، و ما معها أحد من خلق الله حتى إذا كانت بالتنعيم – على فرسخين من مكة – لقيت عثمان بن طلحة فقال : أين يا بنت أبي أمية ؟ ، قلت : أريد زوجي بالمدينة ، فقال : هل معك أحد ؟ ، فقلت : لا و الله ، إلا الله ، و ابني هذا
فقال : و الله ما لك مترك . و أخذ بخطام البعير فانطلق معي يقودني، فوالله ما صحبت رجلا من العرب أراه أكرم منه
تقول ام سلمة : إذا نزل المنزل أناخ بي، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه و رحله، ثم استأخر عني و قال اركبي
فإذا ركبت و استويت على بعيره أتى فأخذ بخطامه، فقاد حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع بي ذلك حتى قدم بي المدين. فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء و كان أبو سلمة بها نازلا في مهاجره، قال : إن زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف إلى مكة (1) .
أول ظعينة دخلت المدينة ، كما كانت أول مسلمة هاجرت إلى الحبشة (2)
(1) السيرة (2/112، والاصابة (8/240)، و الاستيعاب (4/1939)
(2) الإصابة (8/240)، والاستيعاب (4/1939) الأرملة : فعكفت أم سلمة رضي الله عنها على تربية صغارها بعد ما اجتمع شمل الأسرة المجاهدة من جديد في المدينة و تفرغ زوجها للجهاد في سبيل الله يخوض غمار المعارك، و يبلي فيها أحسن البلاء ، ففي غزوة ذي العشيرة جمادى الأولى السنة الثانية للهجرة اختاره الرسول صلى الله عليه و سلم فاستعمله على المدينة، و كما عقد له لواء سرية لإخضاع بني أسد و كان تحت لوائه أبو عبيدة بن الجراح و سعد بن أبي وقاص ، و شهد غزوة بدر الكبرى، و توفي رضي الله عنه إثر جرح أصابه في غزوة أحد فحضره النبي صلى الله عليه و سلم و هو على فراش الموت
فبقي صلى الله عليه و سلم بجانبه يدعو له بخير حتى مات، فأسبل بيده الكريمة عينيه، وكبر عليه تسع تكبيرات قيل له : يا رسول الله ، أسهوت أم نسيت ؟ ، فأجاب : ” لم اسه و لم أنس ، و لو كبرت على أبي سلمة ألفا ، كان أهلا لذاك “(1)
(1) تاريخ الطبري (2/177) و الإصابة (8/240)
نعم الزوجة التي توفر المناخ لزوجها ليتفرغ للأمور الهامة و ذو الأهمية القصوى فهاهي أم سلمة تثبت لنا أن الأم دورها في تربية النشأ و تهيئة الجو الملائم و المناسب للزوج للتفرغ للمهام الصعبة و نعم الزوجة المؤمنة الصابرة المحتسبة المستسلمة لأمر الله تعالى شاكرة فضله عليى منح الشهادة لزوجها المؤمن المهاجر المجاهد .
فترملت بعده أم سلمة رضي الله عنها الذي هو خير : استأذن عليها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ يواسيها و يخفف عنها مصابها وقال لها : ” سلي الله أن يؤجرك في مصيبتك و يخلفك خيرا …
فبكت الأرملة الحزينة التي قاسمت زوجها السراء و الضراء، التي هاجرت معه إلى الحبشة هربا من إيذاء قريش و استمساكا بدين الله الذي أحبته و أحبها، و وفت بعهده بعد موته و لم تجد في الرجال جميعا من يعدله، و رفضت الأيدي التي تقدمت لخطبتها، و من بينها يدا صاحبي رسول الله صلى الله عليه و سلم الصديق و ابن الخطاب
فقالت لرسول الله صلى الله عليه و سلم : و من يكون خيرا من أبي سلمة يا رسول الله ؟
و فكر النبي في أمر أم سلمة كثيرا، و تضاعف تفكيره في أثرها عندما ردت الصاحبين، فأكبر في نسفه تلك السيدة (1)
لقد فكر في أمر هذه السيدة الهالعة، فرأى أنه ليس من الخكمة أن تترك وحيدة هكذا
ثم جاء أمر الله تعالى لنبيه أن يضم أم سلمة إلى أزواجه أمهات المؤمنين تكريما لها، و رفعا لمكانتها، و تعظيما لشأنها و مواساة لها .
فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم أحد أصحابه حاطب بن أبي بلتعة خاطبا له، فقالت أم سلمة : مرحبا برسول الله .. و لكن .. ؟ أبلغه عني أني امرأة مسنة، و أم أيتام، و أني فوق ذلك شديدة الغيرة
فأرسل إليها رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : أما قولك أنك امرأة مسنة فأنا أسن منك، ولا يعاب على المرء أن يقال : تزوج أسن منه . و أما قولك : أني أم أيتام فإن كَلَّهم أي مؤونتهم على الله و رسوله . و أما قولك : أنني شديدة الغيرة، فإني أدعو الله أن يذهب عنك ذلك . (2)
(1) رواه مسلم في صحيحه (918/3)
(2) رواه ابن سعد في” الطبقات الكبرى” (8/90)، و ابن كثير في ” البداية و النهاية”(4/92) أم سلمة و دور القدوة العلمية في التربية : حينما نزل المسلمون على مشارف مكة عند الحديبية و قلوبهم تهفو للطواف بالبيت العتيق و لزيارة مكة بعد أن أخرجوا منها و لكنهم عندما رأوا ناقة رسول الله صلى الله عليه و سلم تبرك و سمعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ” لقد حبسها حابس الفيل ” فقال لهم : ” قوموا فانحروا ثم احلقوا ”
و لكن كيف يعودون بلا طواف و بلا سعي و لا عمرة ؟ فلم يتحر لهم ساكن من دهشة و حيرة لعدم قدرتهم على الدخول لمكة
هنا يدخل الرسول على زوجه أم سلمة و يذكر لها ما لقي من الناس : ” قوموا فانحروا و احلقوا فوالله ما قام منهم أحد ”
قالت : ” يا نبي الله أتحب ذلك ؟ اخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك ، و تدعو حالقك فيحلقك ”
فخرج عليه الصلاة و السلام ففعل ذلك .. نحر بذنه ، و دعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا، و جعل بعضهم يحلق بعضا
” حديث صحيح و هو من تمام قصة الحديبية عند البخاري و أحمد ” بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم : روى بعض المؤرخين أن أم سلمة دخلت على عثمان بن عفان رضي الله عنه زمن خلافته، و حدثته ناصحة و قالت :
يا بني مالي أرى رعيتك عنك نافرين، و عن جناحك ناقرين، لا تَعْفُ طريقا كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحبها، و لا تقتدح بزَنْدٍ كان صلى الله عليه و سلم أكباه ، و توخّ حيث توخّى صاحباك أبو بكر و عمر فإنهما ثكما(1) الأمر ثكما و لم يظلما
هذا حق أمومتي عليك، قضيته إليك، و إن عليك حق الطاعة
فأجابها رضي الله عنه :
أما بعد فقد قلت فوعيتُ، و أوصيتِ فقبلتُ
و حين قتل عثمان رضي الله عنه حزنت لفقده و استشهاده على الصورة المؤلمة التي حدثت، فدخل عليها رجل من بني تميم يسألها عن عثمان فقالت :
شكا الناس منه ظلامة فاستتابوه، فتاب و أناب، حتى إذا صيروه كالثوب الأبيض من الدنس عمدوا إليه فقتلوه .
(1) ثكم بالمكان : أقام فيه أم المؤمنين و المؤمنات : حين عزمت عائشة رضي الله عنها على الخروج إلى البصرة يوم وقعة الجمل، كتبت إليها أم سلمة تقول :
” من أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه و سلم إلى عائشة أم المؤمنين
فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أما بعد، فقد هتكتِ سدَّة بين رسول الله صلى الله عليه و سلم ، , أمته حجاب مضروب على حرمته، قد جمع القرآن، ذيلك فلا تندحيه، و سكن الله من عُقَيْراك فلا تصحريها، صرْحُ الله من وراء هذه الأمة، لو علم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن النساء يحتملن الجهاد عهد إليك، أما علمتي أنه قد نهاك عن الفراطة في الدين، فإن عمود الدين لا يثبت بالنساء إن مال، و لا يُرِأبُ بهن إن انصدع، جهاد النساء غض الأطراف، و ضم الذيول، و قصر المودة.
ما كنت قائلة لرسول الله صلى الله عليه و سلم لو عارضك ببعض هذه الفلوات
و قالت : و أقسم لو قيل لي : يا أم سلمة أدخلي الجنة لاستحييت أن ألقى رسول الله صلى الله عليه و سلم هاتكة حجابا ضربه علي. فاجعليه سترك، و قاعة البيت حصنك، فإنك أنصحُ ما تكونين لهذه الأمة ما قعدتِ عن نصرتهم، و لو أني حدثتك بحديث سمعته من رسول الله لنهشت نهش الرَّفشاء المطرفة .و السلام
و حين تولى معاوية بن أبي سفيان الخلافة، أرسل بًسر بن أبي أرطاة إلى المدينة ليأخذ له البيعة من الناس فقال بسر : لا أبايع رجلا من بين سلمة حتى يأتي جابر
فأتت أم سلمة – و كانت قد بلغت من الكبر عتيا- فقالت : بايع ، لقد أمرت عبد الله بن زمعة، ابن أخي، أن يبايع على دمه و ماله، و أنا أعلم أنها لبيعة ضلالة .
كما أرسلت إلى معاوية حين أمر بلعن الإمام علي كرم الله وجهه على المنابر قائلة :
” إنكم تلعنون الله و رسوله على منابركم !! ذلكم أنكم تلعنون علي بن ابي طالب و من أحبه، و أنا أشهد أن الله أحبه و رسوله ”. الوفاة : و لما كان شهر ذي القعدة من العام التاسع و الخمسين للهجرة دب الفناء إلى أوصالها، و أسلمت الروح راضية مرضية، فصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه و دفنت بالبقيع، و قد تجاوزت الرابعة و الثمانين من عمرها (1)
(1) ذكره ابن سعد في”الطبقات الكبرى”(8/87) ، و الإمام ابن عبد البر في ” الاستيعاب”(4/3545) بنحوه .
رضي الله عنها و أرضاها
قال الإمام الذهبي : في ترجمتها :
” أم سلمة، أم المؤمنين، السيدة المحجبة، الطاهرة، هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة ، المخزومية. بنت عم خالد بن الوليد، سيف الله . و بنت عم أبي جهل بن هشام
من المهاجرات الأول. كانت قبل النبي صلى الله عليه و سلم عند أخيه من الرضاعة، أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي، الرجل الصالح .
دخل بها النبي صلى الله عليه و سلم : في سنة أربع من الهجرة. و كانت من أجمل النساء و أشرفهن نسبا . ” ** المصادر : ” الطبقات ” لابن سعد ( 8/86)، الاستيعاب (3545/4)، سير أعلام النبلاء (2/201-202) يتبع |
__________________
شكرا لكِ يُونا . على الطقم الأكثر من رائع |