عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي > روايات وقصص الانمي المنقولة والمترجمة

Like Tree26Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 02-17-2018, 02:22 PM
 
وريث الظلام





وريث الظلام



الكاتبة : Đάrkήεss Άήgεlά
الموقع : منتدى ميكسات
.
.
.

هناك ذلك المصدر الغريب من البؤس ... يتدفق في الحياة ليشوبها ... لا ندري من أين يأتي ...
و ما سببه لكننا نضطر بقسوة على التعامل معه ... كل على حده ....
... و بالنسبة لحياتي , فقد ظهر النبع فجأة و أنا التي ظننت أني أعيش في مثالية حياة بسيطة مثالية .....
شوه لي صفحاتي و سبب لي تعثرات كثيرة .... كان من الواضح أنني لم أتعامل معه بشكل جيد ...
لقد تسبب في تغيير صقل شخصيتي و افسد لمعانها !, و ها أنا ذا أحاول تركيب حياتي مجدداً ,
لعله يتسنى لي العيش بسلام.. بعيداً عن نبع البؤس و تيار القسوة ومن .. حولي ..

------

يالا السخرية , الوضع من شدة بؤسه يدعو للضحك !, من شدة الألم تفقد الأحساس و تدور وسط هوة من الظلام ,
بلا بداية ... و لا نهاية ... ألم و تعاسة تستمر إلى الأبد ... تعايشنا معها بشكل مسكر ... نترنح بينهما ... بلا حول ولا قوة...
كان اليأس يدخل و يخرج كيفما يشاء , يصيبني لحد الاستنزاف و يقف عندما أصل إلى مرحلة الانطفاء الكلي...
أي أكون خالية من الحياة ...
و لولا والدي ... لمت منذ زمن بعيد ... و عندما كانت هناك "جيني" الصغيرة ... نقاء و براءة حقيقية ...
,,,
أخذت شهيقاً متقطعاً و أنا اشعر برئتيّ تنشقان وكأن سيكن يمر بهما .. فتوقفت بسرعة بمنتصف الطريق و الألم الحاد ضربني ,
اصابني الدوار حتى و أنا وسط هذه البركة من الظلام ... حاولت مجدداً و أنا لا أعي ما حولي ...
فقط الآلام متعددة في داخل جسدي و خارجة... زفرت أولاً ببطء .... ثم أخذت شهيقاً بطيئا قصيراً لا يكفيني ...
توقفت و أنا أشعر بألم في عيناي و ظهري كأنه منقسم نصفين ... زفرت بتعب و الحرارة تأكل وجهي....
آه لمَ عليّ المحاولة وسط هذه الآلام ! , سأترك الأمر و سأسبح في الفراغ الأسود المريح هذا...
لا أدري كم مر من الزمن دون محاولة مني لفعل شيء بسيط كالتنفس ... كنت فقط لا أفعل شيئا , و لكن الآن
هاجمتني ضربة قوية صعقت قلبي و شيء قويّ اضاء بعيني غير أني لم أرى سوى بقعة مؤلمة من الضوء الغبي
الذي اقتحم علي سباحتي وسط الظلام ... و طنين غريب ... ثم اقترب و اشتد الصوت حتى سمعت شيئا ما لا أفهمه ...
ترددت الصوت ضعيفاً بعيداً....
قلت بداخلي " آوه هذا لا يكفيني أحتاج لخارطة هنا..."
ضربة أخرى على قلبي وهذه المرة كانت قوية اهتز جسدي كله وانتفض فتأوهت رغما عني و انشقت
رئتاي بألم حاد و ظهري شعرت بأنه يتحطم ... آآه ساقاي تقتلانني و كأن عليهما تنهار السيوف !...
الطنين المزعج اشتد و اشتعل الضوء في عيني ... شعرت بالانزعاج و الألم الفظيع .. حاولت التحرك لكنني ضعيفة للغاية فلم أقدر...
. لم أقدر على المحاولة حتى...
الصوت الضعيف الذي كان قبلا ظهرت مجدداً و بوضوح سمعت صوته !!! , أنه أبي !! يناديني ... أبي ؟!...
جاءت صورته باهتة في عقلي المنهك و بصعوبة شهقت نفساً و حاولت مناداته ... لكن لا أمل ...
قطع النفس رئتيّ مجدداً....
صوت آخر ينادي ... ضربة قوية على رأسي جعلتني اصرخ بقوة متألمة , ما كان هذا ؟! تبا إلا يدعونني و شأني ؟؟!!

ببطء بعد صراخي , تلاشت الضربات و انحسرت الآلام ببطء... و كان ألم ساقاي ينحصر ببطء شديد...
و أحاطني الظلام الهادئ مجدداً , و أنا رحبت به بارتياح ...
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر

التعديل الأخير تم بواسطة Crystãl ; 02-18-2018 الساعة 04:49 PM
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 02-17-2018, 02:27 PM
 
الجزء الأول~ بعنوان { ضيــاع و ظـــلآم! }

{ ضيــاع و ظـــلآم! }




مر وقت ما ... ثم بدأت صور غريبة تمر برأسي هذا ! .. ألا يؤثر به الظلام و يتركني ارتاح منه ...؟! ,, رأيت اشياء فضيعة ,,, سمعت أصواتً أولاً ... صراخ امرأة ! , ثم نور قوي وعينان ..! عينان حمراوان يظهر انعكاسهما بالمرآة... !!
بعدها صوت اصطدام فجر رأسي ّ... تأوهت رغما عني و شهقت .. و الغريب أن نفسي لم يؤلم رئتاي هذه المرة ... و شعرت بالصمت و الهدوء و الثقل أيضاً ... بقيت الصور تدور و تدور ...
شعرت وسط الظلمة بأن هناك شيء ما خلفي يسحبني بكل قوة بعيداً , حاولت الصراخ بلا جدوى , قاومت بكل ذرة قوة أمكلها لكن الشيء قوي جداً , وأخذ يغوص بي بعيداً , اختنقت بشدة و ايقنت بأني سأموت ... لكن الذين يجابهون الموت يتحدثون عن ضوء أبيض أمامهم لا شيء يسحبك للظلام !!...
آلمني قلبي و علمت بأني لن أقدر على المقاومة أكثر ... سوف أموت الآن ...

_" لا !! "
أحدهم صرخ وأنا واثقة بأنه ليس عقلي , شعرت فجأة بشيء قوي يقبض على كلا ذارعي من الأمام و يسحبني كما يسحب الغريق إلى الأعلى بقوة سببت لي ألماً شديداً برأسي وكأنني بسيارة مسرعة جداً ثم توقفت فجأة ليصطدم الرأس بالزجاج !!.
تأوهت بألم : آآه !!
_ ألن تستيقظي كلارا ؟!.
ظل الظلام جامداً لثوان .. ثم تنفست و همهمت بشيء ما لا أدري بالضبط الألم انحسر فجأة !!
_ جيد عزيزتي , حاولي فتح عينيك... هيا...
حثني صوت متحمّس... لكني كنت مرهقة للغاية , بالطبع ليس هذا الصوت من أنقذني , لقد جرني شيء ما ليخرجني من لا أدري !!
مرة أخرى سمعت الصوت , لكني لم اقدر على الاستجابة ... و بعد وقت ما .. لا أدري أهو طويل أم قصير ..
فاجئتني صور كثيرة و شيء ما يدور برأسي , كانت حادثة !!!
و تلك المرأة التي صرخت كانت أمي ..!! و قد كنا معاً في السيارة و.... ظهر شيء ما ضخم !! شاحنة ...آه نعم ... و ضوئها قوي .. و قد .. انحرفت السيارة دوى الصوت القوي برأسي فصرخت برعب : لاااااا ...!!
_ فتاة طيبة , افتحي عينيك عزيزتي أنتِ أفضل الآن .. لقد مر شهرين بالفعل...!
فتحت عيناي بقوة ضربتهما الأضواء فتأوهت و سالت الدموع رغما عني ... ظللت دائخة دقيقة كاملة , حتى توضحت الصورة ببطء كان الغرفة شبة معتمة ... لكن الظلام الذي غرقت به كان شديداً... لذا هذا المكان يبدو بضوء قوي...
_ لقد افاقت من الغيبوبة !! , لقد افاقت دكتــور ! .
ركض شخص ما مستبشراً , و توضح المكان حولي ببطء ... آه ه , زفرت بتعب , كمامة أوكسجين حول فمي و أنفي , و أنابيب كثيرة تحيط بي , رأسي , ذراعاي, و آآه ساقاي ... واحدة ملفوفة بجبيرة ضخمة و الآخر بلفافات بيضاء كثيرة .. و لكن مرفوعة قليلا و حولها الكثير من الأنابيب ... الغرفة بيضاء تؤلم البصر حتى لو كانت منخفضة الضوء ..
مسح أحدهم على شعري , ولم انتبه للمرأة التي قرب رأسي سوى الآن...
همست بحنان : كنت شجاعة عزيزتي حمدا لله على سلامتك .
أشعر بعيناي متورمة و ذابلة جداً بالكاد أفتحهما , أتت الممرضة و أخذت تمسح جبيني و وجهي بقطن مبلل بارد...
حدثني الطبيب بلطف ورقة : مرحبا كلارا ! , هل تشعرين بأي ألم ؟.
سألني بينما هو يراقب الأجهزة الغريبة التي تصدر طنينا خافتا منتظماً... همهمت و لم أقدر على تحريك رأسي قدر أنملة !.
_ ماذا ألن تنطقي...؟! , قولي شيئا عزيزتي ...
كل ما همست به بتعب بالغ لم أشعر به سوى الآن : أمي ... أبي ؟!.
_ كـــلآارا !! , ناداني صوت فزع حاد من بعيد... فانسحب الظلام متلاشياً و عيناي تعودان و أنا أرى شخصاً يهرع من باب الغرفة المحكمة هذه و يمسك بيدي و يهمس بأذني بإصرار :
_ كــلآرا صغيرتي !! , والدك هنا حبيبتي لا تخافي ..لا تذهبي أنا هنا...
همست بتعب وأنا أطرف بعيني : أبي... لا تذهب...
بقي معي إلى أن نمت , لم أغرق بالظلام بل نمت بشكل هادئ ناعم و دافئ ..
----- )))
افقت في اليوم التالي مساءاً و كنت أرى جيداً و أحرك يداي بتعب , لكن لم أقدر على تحريك رأسي و جسدي... سألت أخيراً مالذي حدث ... فلم يجبني أحد جيداً . الجميع يتهربون أو يجاوبون بشكل تلاعبيّ ... شعور سيء يراودني و أردت رؤية أمي و والدي , لكنه سيأتي بعد ساعتين كما أخبروني..
فأغمضت عيناي و تذكرت الحادثة السيئة ... الوضع المريع الذي أنا بوسطه بسبب أصابة رهيبة في ظهري و العمود الفقري أصيب أيضا و هذا ما أرعبني , صدمات على رأسي و عظام ضلوعي المحطمة بسبب التصادم .. لكن لم يخبرني أحد عن أمي .!
تذكرت أختي الصغيرة "جيني" لم تبلغ سنة كاملة , هي لا تزال تحبو !... من الذي سيعتني بها إن كانت أمي مصابة ؟!.
و مر الوقت بطيئاً ثقيلاً... و دخل طبيب ما و تبسم لي و حياني بلطف ثم أخذ يراقب الأجهزة وهو يقول بأنني أتحسن بسرعة بعد أفاقتي ...
سألته بصوت مرهق خافت : لا استطيع تحريك رأسي ؟!.
أتى أمامي و نظر إلى بعطف أو شفقة لم تعجبني , قال برفق : لقد كانت آخر عملية , كان هناك نزيف داخلي برأسك ولكن الحمد لله ليس بالدماغ لذا لا يجب أن تتحركي اليوم فقط لأجل جرح العميلة لاحقاً سيمكنك فعل الكثير...
وهو ينظر بأسى نحو ساقي المجبرة .. جرح , نزيـف ~~ . آآه يا ألهي , لكن هذا لا يهم سأشفى كلياً قريباً... مع أنني أشعر بشيء رهيب سيء قادم ... و شعور أسوأ نحو ساقي هذه فأنا لا أشعر بها أبداً من ركبتي فما أسفل !!.
همست مجدداً بتعب : ماذا عن ..أمي ؟!.
لم يرفع رأسه , و بقي مطرقاً لثوان , ثم اجابني بهدوء : كلارا , أنت في المستشفى منذ شهرين تقريباً .. لقد أخرجوك بصعوبة من تحت الحطام !.
حدقت به و أنا أشعر بعيناي تحترقان "حطام ؟!" ... أكمل هو : لقد كانت شاحنة نقل ضخمة و كان بها الكثير من براميل الزيت .. لقد أنفجر كل شيء و كأنها قنبلة كبيرة ! , حتى بعض المسعفين اصيبوا بشكل خطير ..
سمعت نفسي أقول بحده خافتة أحرقت حلقي : سألتك عن أمي !!.
أغمض عينيه وهو يقول بأسف : آسف .. لأن أمك لم تنجو !!.
توسعت عيناي و فقدت نفسي ! , أمي .... أمي ....!! ,, لا ... لا هذا غير صحيح ! ... أمي لم تنجو !! بم يهذي !!!
ارتفع صوت طنين ما , تحرك الطبيب وهو يقول بتوتر : آآه كلارا ليس مجدداَ , لا ... لا تذهبي وتتركي أباك و أختك ...
سقط رأسي على الوسادة الباردة لكني لم أنم , أغمضت عيناي بقوة و بكيت بصمت و أنا أرى صورة أمي ... لقد رحلت ...
_ هشش صغيرتي ..
فتحت عيناي و رأيت وجه أبي بصعوبة , قلت بتعب : أبي !.
_ نعم يا حبيبتي ! أنا هنا لن اتركك ...
فجأة سالت الدموع و أنا أشهق قائلة : أمي... أمي... رحلت !!.
بقي والدي بجانبي يهدأني و يمسح علي و كنت قد حركت رأسي و ذارع أبي حوله , لا شك بأنه تجاوز الوقت الأسوأ على الأقل , لقد مر شهرين .. وفي اليوم التالي هدأت بل أصبحت أكثر برودة ... و تحسنت أكثر كذلك ساقي اليمنى المجبرة لا تزال مخدرة بشكل غريب بينما ساقي اليسرى احركها جيدا..
دخل طبيب آخر و كان جامد الملامح . حياني ثم تحدث مع الممرضة بصوت منخفض لا اسمعه بعدها خرجت الممرضة , رأيته يتفحص الجبيرة ثم سألني: أتشعرين بألم هنا ؟!.
هززت رأسي نفياً مرة واحدة و عيناي عليه , فأخذ جهازاً ما و تفحص أطراف أصابعي الصغيرة الظاهره... و مضى بعض الوقت ...
ثم قال وهو يتعدل : أخبرنا والدك بهذا الخبر قبل أيام , لقد تلفت الأعصاب لعضلات القدم ! , لن تقدري على تحريكها هذه مرة أخرى الأوتار تقطعت تماماً !.
توسعت عيناي بصدمة و فتحت فمي , و هاهي مصيبة أخرى !!!.. بحق الأله !!!
صرخت به بلا وعي أكذب كل شيء حتى نفسي ,
_أنت كاذب !! , فأنا أشعر بها !.
رد ببرود شديد و تمالك قوي : كلا , أنه شعور كاذب , و احمدي الله أن مفصل الورك جيد و العصب في الفخذ حي وقوي , لكن كاحلك لن يتحرك من تلقاء نفسه !.
حاولت التحرك و ودت لو أمسك بوجهه و أقطعه ! , كم هو بارد الحس !!.
قلت بحده أخفي يأسي : هذا لا يمكن !! , ساقي ستتحسن !.
رد ببرودته : كلا , يجب أن تتقبلي الحقيقة أنها أول مرحلة للمضي ! , أنها لن تتحرك أبداً إلا بمساعدة ذراعيك ؛ قويّ ساقك الأخرى و مع العكاز ستستطيعين المشي بعد التدريب و العلاج الطبيعي , أني أخبرك الحقيقة يا كلارا .. حتى لو ظننتِ عكس هذا و تقولين بأني شخص لئيم لكني أخبر الحقيقة لمرضاي و أريهم الحل أيضا !.
حدقت به غير مصدقة , هززت رأسي و استرخيت على وسادتي و أنا أشيح بوجهي عنه ..
قال بهدوء فجأة : تقبلي الأمر و عندها سوف تقدرين على التعامل مع مشكلتك , أنتِ لن تنحصري بزاوية تبكين ماذهب , أليس كذلك ؟!.
التفت نحوه فإذا به قد رقت نظرته , همهمت بتعب و بكل ما أفكر فيه : ...والدي !.
تنهد الطبيب و قال : والدك متماسك تقريباً , لكني يجب أن تريه أنك قوية فسيقوى هو ... تفهمين ما أقول صحيح , أنت فتاة بالغة و ذكية في الخامسة عشرة من العمر.
_ في السابعة عشرة !!. ’, رفعت أحد حاجبي وأنا أصحح له ببرود غريبة اجتاحت صوتي.
أومأ و قال وهو يهم بالخروج : فتاة طيبة , سأراك غداً .
لم يأتي أبي لزيارتي اليوم و بقيت في الفراش بلا حول و لا قوة ~ أحدق بقدمي فقط !. لن تتحرك مجدداً , ترقرقت الدموع لاسعة عيني لكني لم اسمح لها بالنزول , رأيت مستقبلي و كان مظلماً قاتماً لا أدري له طريق ... شعرت بأنه هوة وحفرة عميقة ...
لقد ضاع كل شيء ... آمالي , و مستقبلي و أمي ... والآن ماعساه يكون والدي ..
وجيني الصغيرة لن تتذكر أمها أبداً...
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 02-17-2018, 02:35 PM
 
الجزء الثاني { إشارات من نوع آخر ! }

(( إشارات من نوع آخر ! ))


في اليوم التالي أتى والدي وبين ذراعيه , "جيني" الصغيرة ... احناها أبي فوقي فقبلتني على وجنتي و ضممتها أنا بذراعي...
تلمست وجهي وهي تتمتم بشيء لا افهمه , هل تواسيني هذه الطفلة ؟!.
قبلتها بحب و كدت أبكي لكني تماسكت , أبي هنا و جيني تشبه أمي كثيراً... أنا لا أريده أن يتذكرها ! , لكن ؛ لقد مر شهران طويلان ...
شهران من حياتي لم أكن فيهما حقاً !.

همست بقلق بعد أن أستقر فوق الكرسي وجيني بحجره : أبي من .. يعتني بـ "جيني" ؟!.
تنهد ببطء وهو يمسح على يدي و بذراعه الأخرى ثبت جيني فوق ساقه , رد بهدوء شديد : السيدة لويز تساعدني.
حركت رأسي قليلا باتجاهه , و قد بان على وجهه الشحوب و التعب و قد غارت عيناه الزرقاوان بين دوائر رمادية , لقد مر بوقت عصيب ...
تأوهت بأنفاسي و اعتصر قلبي عندما تذكرت عاهتي ! , و الآن أنا أيضاً سأزيد العبء عليه ...
حاولت كتم دموعي بصعوبة و قتال , و أنا أنطق بارتجاف و صوت خافت : آسـفة !.
رفع عينيه إلي و قال متعجباً متعباً : ماذا قلتِ حبيبتي ؟!.
عضضت شفتاي المتيبسة و قلت بتعب وأنا أزفر الحرارة التي اجتاحتني : آسفـة أبي ! , لقد .. ذكر الطبيب أني ... و لكن... عجزي...!
أمسك بيدي بقوة و قال مقاطعاً : توقفي عن الكلام كلآرآ ! , مالذي تتفوهين به وكأنك كنت تقدرين على تغيير شيء ! , إن ما حدث قد حدث و انتهى !...
علينا... المضي للأفضل فقط... أتسمعينني ؟!".
شهقت و دموعٌ حارة تسيل على وجنتيّ : أنني لن أقدر على المشي مجدداً , آ آه ه...
وضعت يدي على وجهي كي أغطي شيئا لا أعرفه ! , ربما شعوري بالخزيّ لأنني سأكون رغما عني شخصاً آخر بعاهة و يسبب الثقل و القلق لمن حوله ...
لا اقدر على رؤية أي جانب مضيء و لو بشكل باهت ! , كان كل شيء أسود ...مؤلم !!.
ضغط على يدي و مسح على شعري وهو يقف نصف وقفة بسبب جيني التي تضايقت أيضاً بسبب الجو ,و أخذ والدي يهدأني و يمسح علي بحنان
بعدما هدأت و مسحت وجهي بالمناديل التي بجانبي .. عاد للجلوس .
قال بهدوء و تفهم : يا طفلتي ,ما بك قد هولت الأمر , كل شيء سيكون على ما يرام , و من قال بأنك لن تستطيعِ المشي ! , أنتِ ستستخدمين عكازاً فقط ..
و تذكري بأن المعجزات تحدث و أنك فتاة قوية لا تضعف هكذا .. "
ناولني كأس من الماء فجرعته كله و تنهدت و أنا استريح , ربما البكاء و التصريح بما في القلب اراحني . يجب أن أتحمل و أن أكون قوية لأجل والدي وأختى الصغيرة ..
انتهى وقت الزيارة مع الأسف سريعاً و خرج والدي بعدما عانقني و قال بأنه سيتصل كثيراً ... و بالفعل لم أكن أنام إلا على صوته ,
شعرت بالأشفاق والغضب على نفسي .. كنت كالطفلة الصغيرة , كان يجب أن أتماسك و اؤمن بقلبي أني سأكون بخير ...
مر أسبوعين و أنا في العلاج بالأدوية , حتى كانت ساقي اليسرى قد عادت لطبيعتها بعض الشيء وظهري كذلك , لكني أشعر بالغصة دوماً عندما أنظر لساقي اليمنى التي بلا حياة ...
قالوا بأن وضعها كان سيئا و رهيباً ولكن أعادوا شكلها الطبيعي في النهاية ... حمدت الله كثيراً ...

في محاولتي الأولى للوقوف كدت أموت ألماً و لا أدري مالسبب , جسدي كله ينهار لم أقدر على التماسك , شعرت بأنني كإناء زجاجي مكسّر لكنه
محافظ على شكله و عند أي لمسه ستسقط اشلاؤه !... كنت ارتجف كورقة يابسة بمهب الرياح الباردة...
قال والدي مشجعاً و كان بدون جيني , بينما الممرضة و الطبيب معيّ يمسكان بذراعي
_ هيا حبيبتي ستفعلينها...
وضعوا لي العكازين تحت ابطي , و كنت ارتعد و كأنني ممسوسة بالكهرباء... شعرت بألم رهيب في كل عظامي.!
قلت بصعوبة ارتجف : لـ..لا .. , لا أقدر... إن عظامي... تـ..تتفتت !!!
شجعني الطبيب بلطف : كلا عزيزتي هذا شعور يمر سريعاً .. لأنك لم تقفِ مدة طويلة , هيا ثبتي قدميك على الأرض و اقيمي ظهرك ما استطعتِ .
حاولت فعل ما قال صدقاً , لكن ألم رهيب كالنار يسري في عظامي و لم أشعر بقدمي اليمنى قط !! فكيف أثبتها ><؟؟ بينما الأخرى تؤلمني بشكل مستمر...
تماسكت و تنفست مرات عدة بقوة و يدي من شدة أمساكِ بالعكاز أشعر بأنهما تيبستا كخشب قديم .. همست لي الممرضة بأني أقوم بعمل جيد...
لكني لا أرى أي عمل قمت به >< ؟!.
وقفت فقط بثبات عندما... رأيت نظرة القلق الشديد في عيني والدي ففعلت هذا بكل قسوة على نفسي , لكني سمعت طقة في مكان ما بجسدي آوه !!.
تبسموا لي جميعاً و لم يكن يهمني سوى بسمة أبي , لقد فعلتها و وقفتُ وحدي ...
قال لي الطبيب بمرح : الآن يمكنك الجلوس !.
حدقت به بعيون زائغة وعرق يتصبب ! , بعد كل ما فعلته و الألم !... يقول لي ببساطة عودي للجلوس !!! , فليحمد الله أن كلا يدي مشغولتان عنه !...
جلستُ ببطء و زفرت مرتين بقوة و والدي يرتب علي و يقبل رأسي يشكرني ...
ظللت أحاول أياماً طويلة مؤلمة , و مر علي أسبوعين , تعجبت من طول مكوثي بالمشفى , سألت الممرضة عن التكاليف ..
قالت لي ببساطة أن أبي من يدفعها بالطبع ! , فكرت بتعجب من أين لأبي بالمال لدفع كل هذا , لقد أمضيت ثلاثة أشهر تقريباً...
و اخيراً اتقنت المشي قليلا مع عكاز واحد مخصص لقدمي التي لم تنفك عنها الجبيرة بعد بسبب تقطع بالألياف .. ولكنني استطيع الخروج و أن علي العودة في المواعيد المحددة لأجل التمارين فقط و الفحص الدوريّ...
أخيراً نزلت الدرجات البسيطة مع والدي الذي كان يريد حملي لكني رفضت بقوة , و تكفل عامل ما بجلب حقيبتي .. أجلسني بالسيارة و أخذ يحاول مساعدتي في ربط الحزام ,
قلت معترضة : أبي !! , إن يدَيّ بخير !!.
_ آوه آسف صغيرتي !.
جلس بسرعة في مكانه و انطلقنا نسير , كانت السماء ملبدة بالغيوم و على وشك المطر , لقد أقبل علينا الشتاء البارد و شعرت بالضنى و التعب من كل شيء , قالوا بأن علي تغيير نمط الكثير من الأشياء بحياتي !. و أنني يجب أن أتأقلم مع وضعي مهما كان .. و شعرت بالحزن على نفسي , أنني من النوع الذي ييأس لكن ليس كثيراً , أنما أستغرق وقتاً بداخلي كي اجد السلام الحقيقي ..
أما الآن فأنا اتظاهر بأن كل شيء جيد ! , لكن .. هناك مصاعب حقاً و حالتي النفسية عند أي ضربة ستنهار !.
فكرت بأسى من سيساعدني في ارتداء ملابسي , و استحمامي و خروجي ودخولي و صعودي .. آه أنا لا أريد هذا قطعاً , أريد أن أساعِد لا أن أُساعَد !. و والدي من المستحيل أن أطلب منه بعض تلك الأمور الخاصة ~~" .كما أنه قلق جداً عليّ و ينظر إلي بعمق و كأنه يفكر بالمصاعب القادمة مثلي .. فهو شخص أيضا أقرب للشك و للحذر, أنه لا يثق بالحياة ! , و أحينا يتصرف بشكل غريب تجاه الأشخاص الأخرين , بشكل غير وديّ , كم مرة سمعت بأنه يتشاجر مع زملاء بالعمل وهو دوماً من يبدأ باللكم ! ؛ لأن أكثر شيء يثير غضبه الكلام البذيء , أنه لا يتحمله , .. عرفتُ من زمن أنه تزوج أمي عن حب من كان يظن !., هذا أبي "جاك " ...
أما الآن و أنا أرى خطوطاً تحت عينيه الزرقاء الداكنة و هالات رمادية و حول شفتيه قد رسم العبوس و القلق علاماته , تنهدت بخفيه وحزن.
_ إلى أين ....؟!
حدقت بالخارج و لاحظت بأن أبي يقود في طرق أخرى غير طريق منزلنا !.
تردد بشكل واضح .. ثم نطق بتلعثم وهو يلتفت بعيداً : آه , استأجرت غرفً و....
هززت رأسي غير واثقة و قد انتابتني حالة ارتجاف وبرودة , تعثرت أنا أيضا بقولي : ما... ماذا حل بمنزلنا ؟!.
نظر نحوي لثوان وكأنه فزع من السؤال .. ثم ركز على الطريق بسرعة وعينيه تطرفان كثيراً , قال وهو يحاول ترطيب شفتيه الجافة : حسنا لقد بعته ! , أجل .. وفي الواقع كلآرا سوف أخبرك مالذي حدث...
قلت بسرعة وحاولت أن أكون هادئة بالرغم من أن قلبي تضخم ليسد حلقي : بعت المنزل لتسدد تكاليف المستشفى و العمليات صحيح ؟! , و...
قاطعني ببرودة غريبة : أنتِ أهم من كل شيء بالطبع , و يجب أن تنجي و تستردِ صحتك...
قلت بحسرة اكافح الدموع : لكن أبي .. المنزل كله ذكريات ! و أمي كانت...
تأوه بألم و تعب وهو يصر على أسنانه : الذكريات بالقلب و المنزل ذاك لا فائدة منه أنه كبير ... هلا نسيتِ أمره ..لقد استأجرت غرفاً بالطابق الأرضي إلى أن ننتقل ...
تعبت من النظر إليه وهو يقول لي كل هذه الأمور المفاجئة , أغمضت عينيّ وحاولت الاسترخاء لكن جسدي متشنج جداً !.
همست بهدوء بعد ثوانٍ : ننتقل إلى أين أبي ؟!.
_ إلى الشمال بمنزل جدك "براين" أنه ملك لي الآن ولكني بعدما فقدتُ وظيفتي يجب أن أجد شيئا هناك و شخصا يعتني بكما و...
قاطعته بهدوء كاذب وأنا لا أزال مغمضة العينين : أبي أنا يمكنني الاعتناء بنفسي و أكثر . لا أريد أن أكون عبأ عليـ....
أوقف السيارة فجأة جعلني ارتد قليلا للأمام .. التفت إلي قائلا بحده خافتة : مالذي تتفوهين به ؟! , أنتِ ابنتي و لستِ عبأ , لا أريد سماع هذا الهراء ؟!, أنا أعلم بأنني ربيت فتاة قوية و ذكية و أنك تقدرين على تدبير أمورك , نحن فقط نريد تغيير هذه الأجواء .. لقد تعبت من هذه المدينة اللعينة !.
و نزل من السيارة , لاحظت بأنه توقف أمام منزل كبير قديم الطراز تقريباً ,لكنه جميل ,فتح لي الباب و نزلت بحذر و كما نصحني الأطباء أراقب قدمي اليمنى أن تثبت لأنني لا أشعر بها و كنت ألبس حذائاً طبياً رياضياً خاصاً بمقاس كبير لأجل جبيرتي ...
أخرج والدي حقيبتي من الخلف و أنا واقفة انتظره ثم سرنا معاً في الممر العشبي , قال : صاحبة المنزل هي السيدة لويز...
فتحت الباب امرأة عجوز مبتهجة بين ذراعيها "جيني" الصغيرة الهادئة ... ابتهجت الطفلة وهي تراني و التمعت عيناها .. تبسمت بشكل باهت و السيدة تمسك بذراعي و تقبل وجنتي بحنان بالغ , لم أطق فقط نظرة الشفقة التي رمقتني بها في البداية بعدها أخذت تنظر لي بشكل أكثر تقديراً...
_جئتم تماماً على وقت العشاء ! , لاشك بأنك جائعة حبيبتي ! ,سأريك غرفتك حالاً ثم سنجلس بالصالون حتى أضع الطعام .
أومأت لها و أنا أخفض رأسي وأهمس : شكراً ..
_ يا عزيزتي لا تخجلي .. تعالي معي..
كنت اراقب قدمي عند العتبة الأخيرة و لست خجلة ~~" . أخذ والدي جيني بين ذراعيه و أنا اسير بحذر خلف السيدة الحنون التي حملت حقيبتي التي لا تحمل الكثير, كان منزلها رائع جداً واسع و دافئ الأثاث و الأضاءة .. أتسكن لوحدها ؟! , لم يقل أبي شيئا...
فجأة تحدثت و كأنها تعلم أفكاري : ابنتي مخطوبة تسكن معي لكنها في رحلة عمل هذين اليومين , مع الأسف اخبرني والدك بأنكم راحلون غداً ..
حدقت بعينيها الصغيرة العميقة وهي تفتح لي باب الغرفة و تمشي قليلا لتضع حقيبتي فوق أريكة صغيرة , تمتمت بالشكر و أنا أتجول بناظري في الغرفة الجميلة الواسعة ..
السرير كبير جداً و فجأة راودني القلق من ارتفاعه و شعرت بالغصة ..
قالت السيدة برقة وهي تمسك بذراعي : كانت لدي خادمة لكنها بإجازة اليوم مع الأسف , لكني سأساعدك في تبديل ثيابك و سأريك الحمام إن أردت أن...
قاطعها بخجل و أنا أهز رأسي : لا , شكراً .. لقد تعلمت بالمشفى ! , أنا أدير أموري جيداً جداً...
حدقت بي لثوان وكأنها غير واثقة من جوابي , سمعت صوت أبي قادما يهتف : " كلآرا حبيبتي هل انتِ هنا ؟! ".
كدت اقول " و أين عساي أكون ~~ ". لكنها طريقة والدي في استئذان الدخول ..
أطل برأسه و شعره البني الداكن كشعري , قال بشك وهو يرمقني بدقة عل هناك شيء ناقص بي : هل كل شيء بخير ؟!.
قلت بسرعة قبل أن تنطق العجوز شيئا : كل شيء بخير , سوف أبدل ثيابي بنفسي , السيدة لويز كانت ستأتي إليكم الآن..
ضحكت العجوز بخفه و عبس أبي , تفحصني قليلا بنظرته ثم أومأ وغادر ..
_ آه كم أنتِ فتاة طيبة , أسأل الله أن يزيح عنك همومك و مصابك يا صغيرة , هيا سنتناول العشاء خلال نصف ساعة.
و خرجت بهدوء لتغلق الباب خلفها بعدما تبسمت لي ... سرت لحقيبتي و اخرجت ثوباً طويلا داكناً لمنتصف ساقي و بلوفر أسود صوفي لأني كنت اشعر بالبرد , جلست بتعب و بدلت ثيابي و جمعت شعري برباط خلف عنقي بسرعة ثم نهضت و سرت ببطء نحو الباب و طقطقة العكاز على الأرض الخشبية اللامعة تزعجني , شعرت بأنني امرأة عجوز ضعيفة ..
سرت خطوتين بالممر و سمعت أصوات بالردهة التي ممرنا منها , أطلت برأسي فوجدت والدي جالس معه كأس شاي و جيني نائمة مغطاة بجانبه والعجوز جالسة على أريكة مفردة , عندما رأني أبي نهض . كرهت هذه الحركة بشدة...
اقتربت منه وأنا أسير نحو أقرب أريكة , قلت ببرود : سأجلس فقط , هلا رجعت لمكانك !.
كان متجهماً أيضاً , عاد للجلوس ظلوا يراقبونني حتى استقريت فوق الأريكة , ونظرت نحوهم بتحدي وحدة خفيفة ... سكبت لي العجوز بعض الشاي و هي تتبسم بلطف ,
ثم أخذت تحدثنا بعض الوقت , بعدها نظرت للساعة و نهضت لتقول
_ سأضع سفرة العشاء الآن , لقد اقتربت السابعة.
نظرت نحو أبي بعدما ذهبت السيدة لويز .كان شارد الذهن ينظر إلى الفراغ .. وبقيت فترة حتى بادلني النظر رفع حاجبه و قال بهمس
_ هل أنتِ بخير ؟!.
_ أجل .
_ سآخذ جيني لغرفتنا و سأعود الآن.
وقف ثم انحنى فوق الصغيرة و حملها بغطائِها و سار بهدوء خارجاً , بقيت دقيقة بلا تفكير حتى عاد , ابتسم بوهن و جلس قربي ,
قال بلطف : سنغادر غداً فجراً بالطائرة !.
حدقت به و معدتي تتوتر , لم أكن أظن بأن المسافة ستكون بعيدة ... قلت : بالطـائرة ؟!.
_ أجل , ثلاث أو أربع ساعات ربما , أأنت قلقه بشأن اصدقاءك ؟!.
قلت بلا مبالاة كبيرة : أني لم أرهم منذ بداية العطلة !. و حتى بالمستشفى ..
زفر بهدوء ثم قال : جيـد ! , فهم لا يعجبونني على أية حال ..و المدرسة قد بدأت قبل شهر ربما...
و أخذ ينظر بعيداً مفكراً , أما أنا فكأن صاعقة ضربتني ! , المدرسة !! , لقد نسيت أمرها كلياً .
قلت بتوتر : هل سأدرس في... أكمل بـ....!
أومأ وهي يتأملني بحنان و وضع ذراعه حول كتفيّ , قال بلطف : بالطبع صغيرتي , سيكون كل شيء بخير , لمَ تفكيرك سوداوي هكذا و يائس ؟!.
كدت أقول " أني اتحدث عن الوقائع " لكن دخلت السيدة لويز و قالت بمرح : العشاء جاهز .
بعدما تناولنا العشاء الشهي سرت للغرفة و والدي و السيدة لويز خلفي و كأنهم حرس ... شعرت بالغيض المكتوم ><...
قلت ببرود و أنا التفت نحوهم : هل يمكنني النوم فقط وحدي ؟!.
و أنا احدجهم بنظره باردة , هزوا رؤوسهم و قالت السيدة : آه , آه بالطبع !.
قال أبي بتوتر وهو يعبث بشعره : حسـنـا !.. ربما تحتاجين شيئـ....
قاطعته و أنا أحاول أن أكون لطيفة : لا احتاج لشيء بابا , شكراً , تصبح على خير...
واقتربت منه لينحني هو كي اقبله بين عينيه ليطمئن , دخلت الغرفة و ارتميت على السرير لأنام بعمق .
بعد ساعات من النوم المتقطع و المتقلب , شعرت بأحدهم يدخل الغرفة , ليرفع الغطاء فوقي و يقبل شعري , تنهدت بتعب و عيناي مغمضة و ثقيلة ..
_ أبي , جيني ؟!.
_ جيني نائمة حبيبتي , نامي الآن.
صوت أغلاق الباب , ثم صمت ثقيل , وبعدها , رأيت شيئا ربما حلم لكني لست واثقة من أنني نمت بهذه السرعة , لا أدري لكني واقفة في وسط منزل مظلم ,
بل شديد الظلام و الضوء الخفيف يأتي من النوافذ الزجاجية , ربما أنا في ردهة ما ..!
رأيت الأرائك حولي و هناك منضدة عليها صورة ما يلمع زجاجها ... اقتربت و رأيت صورة فتى صغير ربما في العاشرة و الصورة قديمة جدا و ألوانها باهتة ..
كان الصبي يضحك و يلبس بدلة رياضية , بين يديه كرة صغيرة و خلفه أشجار كبيرة ...
فلتفت فجأة و رأيت والدي واقف في طرف الغرفة وقد كان ينظر بعيدا من النافذة كأنه يراقب شيء ما , وبدوت أنا أختفى في الظلام وكأن الحلم ينتهي ,
لكن قبلها رأيت ظلا شخص غريب طويل جدا عن المعقول . يقترب من خلف أبي بتسلل وكأنه خرج من زاوية ما ,ويرفع شيئا حاداً , كان على وشك أذيّة والدي...!!!
صرخت بقوة : أبــــــــــي !!!.
نهضت بسرعة قافزة من السرير دون وعيّ أريد القيام لكن سقطت على وجهي مصدرة ضجة ! , تأوهت و أمسكت بساقي الملفوفة التي تصاعد الألم فيها بشكل غريب
فتكورت على نفسي , سمعت أصواتً ثم فتح الباب و ظهر والدي و السيدة لويز !.
أتى نحوي فزعا بعدما ضرب أزرة الإضاءة و ركع بجانبي وهو ينظر نحوي بقلق رهيب و يلمس ساقي بتردد خفيف قال بخوف
_ مالذي حدث ؟! , سمعت صراخك هل أنت بخير ؟!.
تماسكت بشدة و العجوز واقفة قربنا قالت بتوتر : هل اتصل بالإسعاف ؟!.
إسعاف !! , حدقت برعب إليها ثم إلى والدي و قلت بسرعة : لا لا أبي أنا بخير !! , لقد .. كان كابوساً الذي جعلني أصرخ ثم حاولت الوقوف وقد نسيت نفسي !.
حدق بي والدي مصدوما مرعوباً و نهض وهو يساعدني على الجلوس على السرير قال : ربما علينا أخذك لـ....
_لا , لا أنه حلم , أقسم بأنه لا يوجد ألم !.
_ لقد رأيتك تمسكين بساقك ! لقد سقطت من السرير !.
_ لا . أبي !! >< أنا بخير جداً لقد حلمت عنك ولهذا صرخت باسمك فقط !.
تدخلت العجوز بلطف وهي تقدم لي كأس ماء : لا شك بأنه مجرد حلم , و أن كنت بخير حقاً ستعودين للنوم.
قلت و أنا أخذ كأس الماء متجاهله تحديق أبي : أجل ! , أجل سأعود للنوم , شكراً سيدة لويز !.
كان يحدق بي فزعا وعيناه واسعتان .. ثم هز رأسه .. قلت بسرعة وأنا أرفع الغطاء فوق : أني حقا بخير...
اقترب مني و ضم رأسي وهو يقول : ياصغيرتي .. لا تخفيني هكذا مجدداً ..
ازدرت لعابي و نظر في عينيه الزرقاء بعمق , كان الشعور قريباً جداً من الحقيقة ! , تقلص قلبي بخوف من احتمال أن يكون والدي بخطر , رباه لن أقدر على العيش بدونه...
يا ألهي احفظ أبي...
فجأة ضممته فلف ذراعيه حولي يشد علي كي يشعرني بالأمان... همس ضاحكاً : يا صغيرتيلا يوجد ما يقلقك .
عدت للنوم , بقي قليلا جالسا عندي ثم نهض و غادر ...
...في الصباح فتحت عيناي و أنا أسمع أصوات حديثهم , والدي و السيدة لويز و هم يتكلمون كثيراً و يسحبون أشياءاً ثم سمعت صوت ضحكات جيني و همهمتها ..
رفعت جسدي قليلا و حدقت بالساعة ... السابعة صباحاً .. تنهدت و رغبت بالعودة للنوم لأنني لم أهنأ بنومي بالأمس كان متقطعاً و غريبا و انتهى بكابوس...
فجأة طرق الباب و دخل أبي أعرف خطواته المنتظمة الطويلة , وقف قرب السرير و مسح على رأسي وهو يهمس :
_ كلاري حبيبتي هيا استيقظي ! , موعد الطائرة بعد ساعة تقريباً يجب أن تتناولي شيئا .. كلآرا ؟!.
قلت بنعاس : هل يمكنني النوم قليلا بعد ؟!.
_هيا حبيبتي , يمكنك النوم لاحقاً .. أعرف بأنك مرهقة لكن هيا.. وإلا سوف استخدم جيني لايقاظك !.
فتحت عيناي و قلت بسرعة : لا , آه أنا مستيقظة !.
ضحك برقة ثم قال وهو يتجه نحو الباب : سوف ننتظرك بالردهة عزيزتي لا تتأخري .
نهضت بتكاسل و حككت عيني كثيراً حتى افتحهما جيداً , أمسكت بالعكاز بجانبي و تحركت ببطء نحو الحمام , آوه سرت رجفة بجسدي ,
و شعرت بألم غريب في ساقي هذه ! , لقد قالوا بأن العصب تالف ! كيف إذن اشعر بالألم ؟!.... سأنتاول دواءاً مهدأ فقط إلى حين...
كنت أحس بأن هناك أمر ما مخفي .. لا اقدر على تذكر الحادثة .. أو كيف أصبت , آه أغمضت عيناي فترة لكن لم أرى سوى السواد ...
استحممت بشكل سريع و بصعوبة كنت أرفع ساقي و لا أمس اللفافات ارتديت بنطالا واسعاً من قماش ثقيل وقميص طويل و سترة خرجت
وجدت السيدة لويز تقف بمنتصف الغرفة , حدقت بي و قالت بتوتر : لقد تأخرت .. جئت لأراك !.
_ أني بخير سيدة لويز , هل تأخرت حقاً ؟.
و نظرت للساعة كانت السابعة وعشرون دقيقة , آوه كيف تأخرت هكذا !.
قالت بسرعة ونحن نتجه للردهة : لقد وضعنا كل المتاع بالسيارة بقيت حقيبة ثيابك . و جيني مستعدة جداً .
رأيت جيني في مقعدها الخاص تلعب بألعابها , تقدمت منها و ضممتها , صغيرتي اللطيفة وهي أخذت تنادي بـ"تاتا " كما سمتني من قبل ..
. جلست بسرعة على مقعد قريب و تناولت الإفطار على عجلة , قلت للعجوز التي كانت تدور حولنا :
_ أين أبي ؟!.
_ ذهب لشراء بعض الأمور من محل قريب , آه هاهو قد عاد ..!
دخل والدي و هي يحيينا ثم تقدم مني و طبع قلبه على رأسي بينما اتناول الطعام ثم أخذ جيني من مقعدها وهو يداعبها قليلا قال
_ يجب أن نذهب الآن حتى لا يعيقنا الزحام .
سلم جيني للسيدة لويز وهو يقول : سآخذ حقيبتك للسيارة كلآرا .
أومأت برأسي و أنا أشرب الحليب الساخن , ثم نهضت مستعدة ... لم نتحدث كثيراً ركبنا السيارة بعد وداع السيدة لويز التي طلبت منا زيارتها بأي
وقت نريد فوعدها والدي بابتسامة ..
انطلقنا بهدوء .. في المطار كان هناك من ينظر إلي يشعر بالأسف أو يحمد الله على العافية ~~" لكني لم أبالي لهم وأبقيت نظري بعيداً عن كل شيء .
حمل والدي جيني وأنا أسير قربه وهناك عامل يساعدنا في الحقائب, و صعدنا الطائرة لأجلس قرب أبي و الطفلة بتحفظ شديد .
همس والدي بهدوء : أتحبين أن تجلسي قرب النافذة .
كانت معدتي تفور بتوتر رهيب فهذه المرة الثانية للسفر بالطائرة و كنت أشعر بالدوار و النافذة ستزيد الأمور سوءاً ..
هززت رأسي نفياً وبقيت جامدة , كتمت شهقة عندما ارتجت الطائرة و ارتفعت ... مضت ساعة ثم داهمني النعاس .والدي يداعب جيني بهدوء حتى نامت هي و جلبت المضيفة بعض
الوسائد لنا .. أغمضت عيني و غرقت بنوم متردد و متقطع فتارة افتح عيني و أرى أبي يشرب , و مرة يقرأ .. و مرة جيني تبكي حتى يهدئها أبي ...
تأوهت بضيق وبدأت ساقي توخزني بألم مستقبلي !, ربما حان وقت المسكّن ..
فتحت عيني و همست لأبي بتعب : أنني...
و سكتُ لأنظر إلى الأسفل بخجل , رأيت وجهه المرهق جداً وهو لم ينم جيداً أيضا . قلت مغيرة جملتي : اعطني جيني قليلا...
قال بتردد طفيف وهو يرمقني : حقا ؟! .
_ أجل , و أشرب بعض العصير .. أنا وجيني سنتحدث فقط .
ابتسمت لطفلتي الجميلة و أنا أقول : هاي حبيبتي , هل الطائرة تضايقك ؟ , جيني تحتاج لقبلة فقط .
و أخذتها أداعبها فوق ركبتي , بينما نظر إلينا والدي مطولاً , ثم همس لي : سأغفو قليلاً فقط حبيبتي ايقظيني عند أي شيء.
أومأت له و ابتسمت بوهن لعله يطمئن , ففعل و وضع الكتاب على وجهه لينام قليلا , آوه والدي المسكين ..
أخذت أداعب جيني و قد هدأت قليلاً ؛ أخرجت بعدها علبة الدواء من حقيبة يدي وتناولت المسكن وبعض الماء ..
ثم استرخيت و جيني تلعب بسلسلة الحقيبة متجاهلة شخصي كلياً ... هذا يناسبني ^^" !.
افاق والدي و نهض ليغسل وجهه سريعاً و يعود لكن بشكل مفاجئ جيني أخذت تبكي و تمد يديها له ! فأخذها معه قليلا و رافقتهما المضيفة ..
و أخيراً هبطت الطائرة و أنا أحبس أنفاسي ..

ركبنا في سيارة أجرة إلى فندق صغير , يبدو بأن المسافة لا تزال طويلة .. عند الفجر جلب والدي سيارة مستأجرة صغيرة سوداء ركبنا بها و تابعنا طريقنا مع شروق الشمس ...
_ متى يمكننا أن نصل للمدينة ؟!.
سألت والدي بتعب من كل هذه الرحلات !. أجاب بهدوء و جيني نائمة في مقعدها الخاص بالخلف
_ المدينة ؟! , نحن ذاهبون لبلدة قريبة بها منزل أبي بالتبني الذي تركه لي حبيبتي ! .
_ بلدة ؟!." كررت باستغراب و لم يعجبني هذا .. ثم قلت بضيق طفيف : قريبة من المدينة !.
_ آه , مسافة نصف يوم على ما اعتقد !.
حدقت به و قلت بتوتر واضح : أبي ! .. أنها بعيدة للغاية كيف يمكننا الآن أن .. أن نتابع حياتنا هناك ؟!.
ألقى نحوي نظرة سريعة ثم عاد لتركيزه على الطريق الشبة مظلم فالشمس لم تشرق بعد ..
_ أعلم بأن كل شيء مرهق بالنسبة لك كلاري ! , لكن صدقيني الهدوء و الطبيعة تساعد كثيراً ..
سألت بغصة : متى خططت لكل هذا ؟!.
أطبق شفتيه بقوة ثم تنهد و قال بتعب : قبل .. اسبوع ربما. اهدئي يا عزيزتي سيكون كل شيء بخير وستحبون المكان.
زفرت بتعب و ارحتُ رأسي , همست بهدوء : هل.. تعرف أحداً هناك ؟!.
تردد ثانية ثم قال : اصدقاء لوالدي , لا اتذكرهم جيداً لكننا سنتعارف سريعاً .. سأبحث عن عمل مناسب قبل انتهاء المال و كذلك سأضع ملفك بالمشفى الذي لديهم حتى تتابعي
علاجك عزيزتي , و كذلك ستدرسين اذكر بأن لديهم مدارس ممتازة وهادئة كما أنه سنعتني بـ ببرعمي الصغيرة تماماً و ستحيا بسعادة..!"
حدقت به مطولاً , هل خطط لكل شيء الآن فقط ! , أم أن والدي قد اخذته أحلام اليقظة بعيداً ...!!
قلت بتردد : مدرسة ! , آه لا أدري أعني.. أنا.. لستُ .. واثقة من قبـ...
قاطعني بعنف غير مقصود : قبولك !! , بالطبع سيقبلونك و إلا سأرفع قضية .. ثم ألم أقل لا أريد الحديث عن تلك الأمور المتعلقة بالعجز أو النقص مهما كان !!.
قلت بعبوس : أنا لم أولد بهذا أبي ! , سوف أواجه مشاكل .. ربما أن بقيت اعتني بـ جيني و البيت و....
صرخ مصدوماً _ ماااااذا ؟!.
و فجأة أتت سيارة سوداء أيضاً من الظلام مسرعة جداً أمامنا تماماً , صرخت برعب و أنا أشاهد ضواءاً أبيضاً يضرب عيني !!
انحنيت بشدة و ضممت نفسي و بيدي الأخرى قبضت على ذراع والدي بشدة وخوف ... والدي تمالك السيارة بقوة صدر صرير رهيب
و شرار عالي ثم صدمة ما و توقف كل شيء ..

_ كلآرا !! كـلآرا حبيبتي !! كلارا....؟؟!.
فتحت عيني برعب و أنا ارتجف .. لم نَمُت ؟!.
ضممت والدي بقوة اطمئن عليه أنه بخير .. مسح علي و قال بحنان : كل شيء بخير حبيبتي ما بك ؟! لقد انزلقت قليلا فقط لنصطدم بصخرة صغيرة , آآه كم أنا آسف .. أنا آسف وردتي لقد جعلت ذكرى التجربة تعود إليك... سامحيني !.
كدت أبكي لكني تماسكت بقوة و أنا أقول بارتجاف : بخير .. أنا بخير .. أبي...
استيقظت جيني فزعة و أخذت تبكي بصوت عالي , فلتفت والدي إليها... و رأيت من النافذة صاحب السيارة الغامقة يخرج و ظله الطويل يسرع نحونا ..
لم يصدم بالسيارة أنما افزع أبي الذي فقد السيطرة قليلا و أيضا كان هذا بسبب حديثي الأحمق إليه , يجب ألا أنطق بشيء أبداً في السيارة ...!
. اقترب الرجل من نافذة أبي و قال بأسـف : هل أنتم بخير ؟! , آسف للغاية لقد كنتُ مسرعاً .. هل أنت بخير سيدي ؟!.
قال والدي بضيق وهو يهدأ جيني التي تبكي بحجره : نحن بخير , ربما نحتاج لمد الساقين قليلا...
قلت بتوتر و قلبي لا يزال يضرب بقوة : أبي أيمكننا أن نكمل...؟!
نظر نحوي والدي بتعب و جيني تسبب الصداع له و لنا كلنا حتى الرجل بان عليه الضيق وهو يقول بلطف : يبدو بأنكم مسافرون , ربما لو جلستم قليلا ترتاحون ..
قال والدي ببرود وهو يتفحص الغريب : نعم مهما يكن , شكراً لك .
قال الرجل برفق وهو يخرج بطاقته : أنا أدعى فرانس , الدكتور لوك فـرانس.
حدق والدي بتركيز متعب في بطاقته بينما تأوهت بضيق شديد و اخفيت العكاز الذي بجانبي ليراودني فجأة شعور باختناق رهيب ..
تحدث والدي بصدمة فاجئني : فرانس ! , أنت ابن جورج فرانس صديق والدي براين موند ! .
حدق الرجل غير مصدق و مد يده ليصافح أبي بسعادة وهو يقول : أذكرك و أذكر السيد براين !! آآآه كم هذه مصادفة رائعة !!.
شعرت بأنه سيغشى علي حتماً , صديق والدي القديم ... طبيب !! ... بل هي مصادفة من الجحيم !!
هذا ما ينقصني بالضبط ! , راودني كره شديد تجاه الرجل الذي يضحك .
قال والدي متأسفاً : آه هذين ابنتايّ كلـارآ وصغيرتي جيني ..!
ضحك الرجل بسعادة وهو يقرب وجهه قليلا مبتسما كانت ملامحه جميلة و طيبة جداً وهو يمد يده ليصافحني...
مددت يدي بضيق و قال هو بمرح : اهلاً كلآرآ .. يالك من شابة جميلة !
همست بتوتر وعيناي متسمرتان عليه : شكراً .
_ آه ابنتك من النوع الخجول مثلك , ماذا عن جيني .. مرحباً يا ألطف كائن صغير !.
وضحكت جيني بسعادة وهي تلمس يديه , آه جيني أنها تسحر كل الشبان الوسيمين على عكسي !.
حسدتها لثانية ثم كتمت ضحكة ساخرة على نفسي !... قال والدي بمرح : إذن لنخرج قليلا كي نمشي .. ما رأيك كلآرا ؟.
حمداً لله أنه تذكرني فقد شعرت بالنبوذ فجأة ! , لكن قلت ببرود لم أقصده : لا أريد الخروج...!
حدقوا كلهم بي حتى جيني , همس والدي وعينيه تبحثان عن العكاز وكأنه فهم ما يحدث : آه ! سوف نتمشى أنا و لوك هنا و معي جيني اخرجي قليلا حبيبتي !.
قلت باقتضاب : طيب !." و أنا لا أنوي الخروج إلى الأبد !.
مشوا قليلا مبتعدين ولكن قبلها رمقني الرجل بفضول ممزوج بالعطف .
تنهدت و أنا أرهم يقفون قرب سيارة الرجل الطبيب و شعرت بأن كلا ساقي تؤلماني بشدة ففتحت الباب بصمت و وقفت
بلا عكاز مستندة بشدة على الباب ..ظللت بمكاني صامتة كالفجر الذي بدأ يتسلل .. بدأت أحرك ساقيّ ببطء و أنا بمكاني ثم الأخرى و دلكتها بيدي ..
فجأة اقتربت صوت خطوات , ثم صوت الرجل رقيق وهو ينطق : هاي كلآرا ! , أليس الفجر جميلا ؟!.
ظللت منكسه رأسي ..أدلك ساقي التي لا أمل بها و قد اختفت لفافاتها تحت بنطالي الأسود الواسع...
تابع بمرح خفيف وهو يتكأ بجانبي : الجو دوماً جميل متأكد بأنك ستحبين البلدة !.
قلت بخفوت : بالطبع سأفعل أن أحببها والدي .
و كنت أتساءل برعب أن كان أبي قد ألمح له شيئا ما...! , نظر نحوي بلطف وقال : منزل جدك بالقرب من منزل والديّ , بالطرف الآخر بينما منزلي أنا وزوجتي و ابني بالطرف الآخر للبلدة قرب المستشفى !.
توترت بشدة و غص حلقي لذكر كلمة مستشفى ! , قلت ببرود أغير الموضوع : ماذا عن المدرسة ؟!.
_ المدرسة في منتصف البلدة . هي تجمع الاعدادية و الثانوية بجانبها مدرسة المرحلة الابتدائية.
أومأت برأسي و نظرت نحو والدي وجيني التي وضعها على الأرض المعشوشبة لتمرح الصغيرة تحت الضوء الخافت .
نظرت للرجل جيداً , شعر بني داكن ملامح وسيمة عينان بنيتان فاتحتان يبدو أصغر من والدي بسنتين أو ثلاث ..
ابتسم لي بسحر و قال : لنتمشى قليلا ..
قلت باقتضاب : أبعد سيارتك عن الطريق !. " كنت أنوي قول ابتعد أنت عن طريقي !!.
_ لن يمر أحداً من هنا الآن ؟!, تبدين لي دفاعية جداً , هل كل شيء بخير عزيزتي ؟. أكان هذا بسبب الحادثة قبل قليل ؟!.
هززت رأسي نفياً و صوت طنين يزعج أذنيّ . آه كنت فضة و مريبة !.
ثم نطقت بهدوء وأنا اتمسك بالباب بقوة لفتت انتباهه : سأعود للجلوس !.
قال بسرعة وهو يتحرك بوقفته : لا من الجيد أن تمشي قليلا ! , والدك أ.. أخبرني !.
حدقت به بسرعة و ابعدت عيني , قلت بحده خافته : قلت لا أريد...
_ كلآرا .. أنا أعرف أنه هذا جيد لك .. أنني طبيب عظام وأربطه !.
زفرت بقوة واضحة أمامه أبين تعاسة حظي ! .. قلت و أنا أهز رأسي مما جعل شعري الداكن يتحرك : لا أريد فقط ..
_ أنتِ لم تحبي الأطباء صحيح ؟! , أنظري سأغادر و أنتِ أفعلي ما تودين فعله !.
قلت بضيق : هذا شأني !.
_ ربما سنتقابل كثيراً ..
_ لا أظنني أحب هذا >< "... شعرت برغبة عارمة بركل ساقه , يالا الأطباء الفضوليين يعشقون كل حالة مرضية !.
ضحك بلطف وهو يقول : لست أقصد المستشفى ! , في المنزل ربما...
قلت ببرود وعيناي تشتعلان شراً : أننا نحاول أن نبدأ من جديد !!.
قال برفق وحنان : وأنا أريد مساعدة... صديقي و عائلته .
_ لستَ تقوم بعمل جيد قبل قليل !.
قلت بوقاحة ولم أبالي بوجهه المندهش , لكنه بسرعة غير ملامحه للطف وهو يجيب بأسف : أنا آسف حقاً ! , لقد حذرني جاك قبل قليل من التحدث إليك وأنت بهذه الحالة !.
و اظهر ابتسامه كبيرة , شعرت بالحرج ! , أبي سأقتله >< لولا أني أحبـه !.
_ أجل و أنا آسفـة أيضاً , لكن هل ستحاول معالجتي في مواعيدي بالمستشفى لاحقاً ؟!.
رفع حاجبيه كلاهما و قال بفخر : بل لن أسمح بأي طبيب بأن يقترب من ابنة صديقي ! , أنا من سيعالجك بالطبع ^^.
ليست هذه الأجابة المريحة التي انتظرها , همست بضيق شديد : إذن تحمل نتائج ردود أفعالي !.
ضحك بمرح و قال وهو ينفش مقدمة شعري مداعباً : هيا عزيزتي , اجلبي هذه العكاز لتسيري قليلا...
حدقت به و قلت بعصبية : لن أفعل . سأنادي أبي الآن لنكمل السير...!!
قال بيأس خفيف : آه صحيح , حسنا كما تشائين , سأغادر أنا الآن أيضاً , إلى اللقاء.
ابتسم لي و بدوري حاولت ان ابتسم لكني لست واثقة هل خرجت مني ابتسامه و غادر الرجل إلى سيارته .. بينما والدي يقترب سلما على بعضيهما و كل ركب سيارته ,
قال أبي بتوتر مخفي وهو يضع جيني بالخلف ثم يعود ليفتح باب مقعده : آه كلآرا ! , هل كل شيء بخير حبيبتي ؟.
_ أجل أبي .
قلت كاذبة و أنا أشعر بالضيق من كل شيء... حتى منظر الفجر لم يرق لي بل داهمني النعاس بقية الرحلة .
.
--- بعد ساعتين .
_ صغيرتي !, لقد وصلنا .. كلآرا .. هيا افيقي !.
سمعتُ صوت والدي ففتحت عيناي بثقل و نظرت نحوه أولاً , كانت جيني بحجره وهو يقود بيد واحدة و قد أشرقت الشمس !
قلت بضيق : أبي كيف يمكنك القيادة و...
قاطعني بابتسامه : أنظري من النافذة لقد وصلنا !.
نظرت بتجهم و رأت منزل ريفي جميل كبير , أكبر من منزلنا بالمدينة ! , تحيطه اشجار السرو و الصنوبر الضخمة المعمرة ! و هناك ما بدا لي غابة ربما .. تضايقت بدل أن أفرح ولا أدري لمَ .. لكني تبسمت بصعوبة لأجل أبي الذي يراقبني !.
توقف قرب السياج الخشبي الجميل و المدخل الواسع , و قال مفكراً : استطيع الدخول بالسيارة !.
قلت محتجة : أبي ستقتل الحشائش !!.
_ هي ميتة أصلاً ..! " قال بلا مبالاة .
و دخل بسيارتنا الفورد الصغيرة حتى توقف بنعومة قرب المدخل , و نظر نحوي متحدياً مبتسما... فكشرت بوجهه !
قال بحماس وهو يفتح الباب : سيكون هذا رائعاً , تعالي يا جيني لنترك اختك العابسة خلفنا !.
فغرت فاهي بغضب ! مالذي تقوله ؟, صررت بعصبية و لملمت شعري المنفوش جراء النوم برباط اخذته من
حقيبتي الصغيرة و عندما رفعت رأسي لم أجدهما ؟!. كان هناك فقط اصوات العصافير و خشخشة الأشجار .. رأيت ساعة يدي تشير إلى السادسة صباحاً...!
خرجت بسرعة و أنا اتكأ على عكازي , قلت منادية : أبــي ؟!. جيـني أين ذهبتما...؟!.
مشيت قليلا قرب المدخل و أنا أحدق بالمكان حولي , أنه جميل لكن ..هناك أمر مفقود ؟! , و إحساسي بالضيق غريب...
استنشقت الهواء ثم سمعت أصوات ضحكات من الجهة خلفي .. التفت ومشيت إلى هناك و لحظتها سمعت والدي يناديني
_ كلآرا نحن هنا نلعب تعالي !.
فتقدمت من جانب المنزل و رأيتهما يلعبون بالأراجيح الخشبية القديمة المتدلية من غصن كبير لشجرة سرو ضخمة في منتصف الباحة !..
كانت جيني تضحك ملء شدقيها !.
قلت بتوتر : أحذرا .. ربما هذه الألواح الخشبية مهترئه !.
قال والدي ضاحكاً : هـراء ! , نحن نمرح تعالي إلى هنا !!.
و نزل ومعه جيني ليتقدم نحوي , وضع جيني على الأرض كي تعبث بالحشائش و قادني رغماً عني متجاهلاً احتجاجاتي...
أجلسني على الأرجوحة ثم التفت خلفي ,, كنت ارتجف بقوة ,
قلت بتوتر : أبـي... أبي أرجوك كن حذراَ . تعلم بأني اخشى الارتفاعات أبــــــ .. آآآه...!!
و دفعني بقوة عالياً , صرخت رعباً و أنا أضم الحبال و أغمض عيني بينما ضحكات جيني ترتفع ..
اوقفني بعد عدة ارجحات وهو يكاد يموت ضحكاً ... قلت بتعب : وتعلم بأني لا أحب الأراجيح والأشياء التي تدور !.
كان لا يزال خلفي داعب شعري وهو يقول : آه يالك من طفلة ! , جيني لم تصرخ مثلك !. هيا لنرى المنزل من الداخل...
ساعدني للعودة للعكاز الذي لا أقدر على الاستغناء عنه فأصبح كالسجن المتنقل ..
قال بمرح وهو يشير إلى باب زجاجي قريب : هذا باب المطبخ ! لندخل من هنا .
بالطبع رأيت النافذة الطويلة الزجاجية للمطبخ و كذلك بعض آنية الزهور على إطارها .. تنفست بعمق وحاولت أن استرخي أكثر ...
دخلنا من الباب و والدي يراقبني كيف اصعد العتبات فنظرت نحوه بحده لاحظني ليتصنع أنه كان يهتم بـ جيني ...!!
متى يمكنه الوثوق بي تماماً ؛ أنا لم أعد طفلة صغيرة بلهاء أني أريد أن أعتني بهم لا العكس !.
كان المطبخ جميلا عملياً , و واسع الأرضية من الخشب الداكن اللامع و الجدران بيضاء ,الأرفف والأدراج بنية فاتحة و الطاولة الكبيرة بالمنتصف كذلك حولها خمسة مقاعد خشبية أنيقة !.
قلت متسائلة بينما أبي ينظر حوله بسعادة : من كان يعتني بالمنزل ؟!.
_شركة التأمين عزيزتي , آووه جيني تريد النزول .
وضع جيني أرضا لتحبو حولها بسعادة وهي تتمتم بكلمات مرحة , مشيت خلف أبي لنقف عند الباب الداخلي للمطبخ المطل على ممر الردهة الذي رأيت مدخلها الجميل المقوس ..
وآآو لم أظن بأن منزل جدي بهذا الجمال !.
_ تعالي يا صغيرتي.
قال والدي وهو يحمل جيني مجدداً و يمشي داخلاً الردهة , قال لي :
_ هنا في الطابق الأرضي غرفة واحدة للضيوف لكني سأجهزها لأجلك عزيزتي هي هناك آخر الممر و حمام تابع لها بينما ننام أنا و جيني في غرفة في الأعلى ..
قلت بضيق طفيف : أنا أستطيع صعود الدرج جيداً جداً أبي , يمكنني تولي مثل هذا الأمر البسيط.
_ لكني لا أضمن الحوادث وأنا لا أريد رؤيتك تصابين بمكروه مجدداً , لا أنتِ و لا جين.
عبست من خلفه هذا هو أبي لا يثق بشيء... لكنه قال فجأة بمرح مقاطعاً أفكاري : أنها جميلة أنظروا ...
كان يقصد الردهة الواسعة ذات الأثاث الثقيل الثمين كما يبدو و التحف الخزفية الجميلة و المدفئة الحجرية الضخمة , نظرت حولي ,
النوافذ مقوسة كبيرة و رائعة تطل على منظر الغابة الجميل محاطة بستائر ثقيلة داكنة حمراء كلون الأثاث ... وكان هناك منضدة جميلة عليها بعض الصور الصغيرة....
وضع والدي جيني أرضاً لتستكشف بنفسها وهو يسير خلفها بمرح بينما اقتربت بنفسي ببطء نحو المنضدة .
ضيقت عيناي و طافت ذكرى سريعة بعقلي , أين رأيت هذا الوجه الطفولي الجميل و الملابس الرياضية و الأشجار من خلفه .. طرفت بعيناي , أكان حلماً ؟! , أنه يشبه أبي قليلا .. نفس التقاسيم الأنف اللطيفلم أميز لون العينين بسبب بهوت الألوان وقدم الصورة ... هززت رأسي و رفعته لأنظر نحو مصدر القهقهة الجميلة , رأيت أبي يحمل جيني و ينظران من أحد النوافذ...!
الآن تذكرت !! رباه ذلك الكابوس !!!.
دارت بي الأرض فجأة و تماسكت و أنا أنظر نحو الجانب ! , من الممر الأخر خلف المدفئة حيث ظهر ذلك الشيء المخيف في حلمي .. الشيء الذي كان يحاول أذية والدي ! .
لم يكن هنالك من شيء !! , و الممر كان يؤدي لغرفة البيانو أو مكتبة صغيرة كما هي العادة ..
استعدت قدرتي على الكلام و قلت بصوت هادئ غريب : أبي ؟ , هل جئت أنا إلى هنا من قبل ؟!.
التفت نحوي واختفت الابتسامة الجميلة ليحل محلها عبوس للتفكير العميق .. قال :
_ كنت في الثالثة أو الرابعة صغيرتي , لا أظنك تذكرين ؟!.
سألته بتوتر مخفي : هل كانت هذه الصور هنا ؟!. و صحيح من يكون ؟!.
اقترب مني بهدوء وهو يحدق بالصور المؤطرة , قال بهدوء : آه لست أذكر , أظنها كانت هنا حقا من قبل , آوه هذا جدك "براين" حبيبتي , ألا تذكريه ؟!.
_ أن به شبه بك أبي , و لا ..آه لا اذكره كثيراً.
لقد توفي جدي عندما كنت في الخامسة ربما , وهل جئت إلى هنا قبلاً ! , حقاً لا أذكر أي شيء... ربما كان ذلك الحلم شيء من ذاكرتي الغابرة !.
ربما كان الظل الذي ظهر أو ما شابه فقط من تكوين مخاوفي ... الأنتقال أو تغيير البيئة ..!
أدركتُ بأني فتاة ضعيفة بهذه الأمور ... أنا لا أطيق التغيير ~~" .. لكن غريب , جدي هذا هو والد أبي بالتبني ! ,وليس والده الحقيقي !!.
الريب أن هناك لمحة شبة بينهما... والدي لا يعرف أبويه الحقيقيين .. لقد كان في السادسة عندما تُبني ..!
_ هذه هي غرفة البيانو , هيا لندخلها ..
قال بحماس و اتجه بسرعة إلى هناك , مشيت خلفه بثبات وكدت أقول له بجدية : وماذا عن الحقائب في السيارة ؟!.
لكني لا أريد أفساد متعته و مرحه فهو نادر المرح !.
رأيته يجلس على معقد البيانو الأسود الضخم اللامع و في حجره جيني و أخذا يلعبان كلاهما بمفاتيح الآلة بسعادة ليصدرا صوتاً مزعجاً ...
لا أدري كيف هذا الصوت يفرحهما ><؟؟!! .
اقتربت و قلت بعصبية : اعزفا جيداً ! , أنتما تجلبان الصداع !.
ضحك والدي بمرح و ازاح لي ليقول : أجلسي حبيبتي , تعالي...
فجلست بجانبه وأنا ابتسم ثم عزفت لهما شيء تعلمته و أخذت جيني تفسد علي بسعادة...
_ آآآع جيني >< , ابعدي يديك..
حدقت بي بعيون زرقاء باكية , فوبخني ابي وهي يقبلها مرضياً : كلاري , لا تصرخي على اختك !., هيا قبليها لترضى...
قلت بعطف وأنا أمد يدي نحوها : آآوه حبيبتي أنا آسفة تعالي إلي...
فضممتها نحوي و قبلتها على شعرها الأشقر الناعم جداً ثم أخذنا نلعب معاً على البيانو بينما نهض والدي يتمشى حولنا في الغرفة ,
بعدها ذهب ليجلب الحقائب و أراني غرفتي في نهاية الممر , كانت جميلة و واسعة . أثاثها لطيف ..و تطل على الجزء الأمامي للمنزل حيث أرى سيارة أبي .
جلست مرهقة على السرير مع جيني و والدي يدخل ليقول : يجب أن نستحم الآن جميعاً , ثم نتناول الطعام لكي ننال قسطا من الراحة فكلنا متعبون , حبيبتي تعالي لتري الحمام هنا.
قلت بهدوء وأنا أرى الصغيرة تتثاءب : أبي ! , أني سأهتم بأمري جيداً . لا تقلق.
_ حسنا . أنظري سآخذ جيني أولاً للأعلى أحممها ثم أصنع لها زجاجة لتنام ثم أهبط لأطمئن عليك....
قلت غير مصدقة : أبي !!! , لست بحاجة لتطمئن علي !! أنا بخير. أرجوك.
أظنه فهم قليلا فقد توتر لثانية ثم اقترب ليحمل جيني و يقول بعطف : أجل حبيبتي , حسنا... سوف نصعد الآن...
و خرجا , بقيت أحدق بحقائبي قليلا ثم سحبتها لأفتحها و انتهي من هذا الأمر ... دخلت الحمام و كان مرتباً نظيفاً وليس به الكثير من الأشياء وهذا يناسبني
, فهو حمام الضيوف دولاب واحد قرب المغطس و علّاقة مناسبة ...
تحممت بسرعة و لبست ثوبا خفيفاً بلون أزرق رمادي قصير قليلا لمنتصف ساقي , من فوقه جاكت خفيف ...بدلتُ ضمادة قدمي بعناية ووضعت الجبيرة المثبتة
التي تفك وتركب كما علموني.. وعندما خرجت , وجدت أبي يحوم في الممر قرب غرفتي ...
شعرت بالغثيان لا تقولوا لي أنه هنا لعله يسمع صوت اصطدام رأس ما أو سقوط جسد !!.
حدق بي و توقف وهو يقول بخجل طفيف : أرى بأن كل شيء جيد .. حسنا سأذهب أنا لاستحم سريعاً لقد نامت جيني .. ثم أنزل لنصنع بعض الطعام لنا...
قلت بلطف كي لا أجرحه : أجل أبي , سأجفف شعري ثم أنتظرك بالمطبخ .
ابتسم لي بوهن ثم غادر للأعلى ... فكرت بأن أصعد للأعلى للاستكشاف الغرف بأقرب وقت حتى أكون على دراية تامة .
فأنا لا أحب أن أجهل أشياء حولي كهذه...
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 02-17-2018, 02:40 PM
 
الجزء الثالث _ { رؤية في ضباب}

(( رؤية في ضباب ))

لم أجلس بالمطبخ بل أخذت أبحث في الثلاجة و الأدراج , يبدو كل شيء معداً , ربما طلب والدي من الشركة أن يشتروا الطعام... دخل أبي و صنعنا معاً شطائر كثيرة و حليب دافئ لي و شاياً له , رغم اعتراضي لكنه يحتج بأن الحليب مفيداً جداً لساقي و عقلي . لقد بدأت أشك بأن والدي يعتقد بأن الاصابة بعقلي أو رأسي أشد من ساقي و هذا جعلني أعبس كثيراً !!.
_ هيا إلى النوم !.
قال أبي بسعادة مزيفة , قلت ببرود و أنا أراقبه بدقة : لا أريد النوم الآن فالوقت ظهيرة !.
_ إذن إلى القيلولة !.
_ لمَ لا تذهب أنت ؟!.
قلت ببرود , فعبس ثم فتح فمه ليجادلني لكن جرس الباب رن فجأة ....
حدقنا ببعضنا بدهشة فنحن قطعاً لا ننتظر أحداً , ثم نظر أبي حوله و نهض ببطء , قال لي بهدوء : أبقي هنا...
مشى بصمت , ورفضت طبعا البقاء جالسة فسرت خلفه بأقصى حذر ألا يصدر العكاز صوتاً.
فتح والدي الباب و ظهر رجل عجوز لطيف المظهر و .... صدمت ... الطبيب .. ذلك المزعج طبيب العظام ><...
قال لوك فرانس بمرح : مساء الخير ! , آسف لإزعاجكم لكن والدي ما أن سمع بقدومك حتى أصر على رؤيتك سيد موند ... هذا هو أبي جورج فرانس ..
قال الرجل العجوز بمرح وعيناه الفاتحتان تلمعان بسعادة : جاك !! , جاك براين موند.. لا تزال عصبياً تكره المجهول هاه...
وصافح أبي بحرارة كبيرة وكان والدي سعيداً وهو يرد عليه .. قال الطبيب فجأة بمرح وهو يحدق بي : وهذه ابنته الكبرى الجميلة .. كلآرآ !.
و أشار إلي , ثم غمز بعينه ضاحكاً وقال : كيف حالك عزيزتي ؟!.
ارتبكت وتغير وجهي هذا حالي دائماً عند التعارف الأول لأي شخص .. لأن كلهم يحدقون بي باستغراب أولي ..
كان العجوز يحدق بي بتركيز غريب , ثم قال بهدوء وعينيه ثابتتان علي: أنها جميلة بشكل ما , لكنها تشبهك جاك .. غير أن عينيها تشابهان عيني براين .. خضراء باهتة . عساها لا تملك صفاتك ..
بادلته التحديق باستغراب و توتر بينما هم يضحكون ..
عيناي تشابهان جدي بالتبني ! , أنه يمزح بلا شك ...هذه مجرد مصادفة ..
قال والدي بسعادة : أرجوكما أدخلا . أني على وشك إعداد بعض الشاي ..
قال الطبيب معترضاً بلطف : لا نحن آسفون على الإزعاج , نعلم بأنكم للتو وصلتم لكن والدي أحب رؤيتكم فقط ..
قال العجوز جورج بلطف : نعم سوف نراكم في وقت لاحق , أرجو أن ترتاحوا .. منزلنا شرقاً على بعد ميل واحد فقط تقريباً...
أومأ والدي وهو يقول برقة : آوه حسنا إذن.
ودعانا و غادرا إلى سيارة جميلة زرقاء داكنة , هي سيارة الطبيب بلا شك .. قلت بنفسي بأسى آآآه يا ألهي لا يكفيني فقط أنه طبيب و ينوي علاجي بل صديق قديم أيضاً و ينوي زيارتنا كثيراً >< ... أين يمكنني الهرب ؟!. لاشك بأنه وأبي سوف يجتمعان كثيراً و سوف يخبره بكل شيء عما أعاني وفي النهاية سيرتعب أبي كثيراً ~
اطمئن علي والدي عندما اصبحت في سريري و تغطيت كلياً فارتاح وجه ..
قلت ببرود : هل ستبقى طوال الوقت هنا تراقبني لعلي أسقط على وجهي !!.
حك شعره بتوتر و دقال : لا , لم أنتِ غاضبة دوماً و منزعجة ؟... حسنا سوف أذهب و إلا ستحرقني نظراتك .
غادر إلى الأعلى لينام قليلا . لكني لم أنم أخرجت كتاباً ما و جلست أقرأ بعض الوقت .. حتى غلبني النعاس رغماً عني ... ورحت في دوامة ثم ظلام .
سمعت ضجيجاً , حديثاً و خطوات حولي , المكان مظلم عندما فتحت عيني بكسل ثم أغمضتهما شعرت بأحد يدخل الغرفة و خطوات قرب سريري , ثم صمت بعدها خرجت الخطوات بهدوء .. مؤكد بأنه والدي دخل ليطمئن علي !. أن باله غير مطمئن ..
تحركت أكثر ثم جلست و حككت عيني , بعدما صفت الرؤية كان الوقت ليلاً و الساعة بجانبي تشير إلى السابعة !
ياه نمت كل هذا ... انصتُ بتوتر ... همهمات جيني و صوت أبي يحدثها .. تلفتُ حولي وجدت وعاء من الماء و كأس صغير ... بللت منديلي و مسحت وجهي ثم رتبت شعري و ثوبي ...
خرجت إليهم بهدوء .. كانوا في الردهة و والدي يتحدث بالهاتف بينما جيني تلعب على الأرض بألعابها .. رأتني فسعدت بي و أخذت تناديني " تاتا .. تاتا ... " < فهذا اسمي عندها
اقتربت منها و والدي يلتفت و ينظر إلي بينما يستمع للهاتف .. جلست على الكرسي ثم حملت جيني إلى جانبي .
أغلق ابي الهاتف , فقلت له : لمَ لم توقظني لقد تأخر الوقت ..
هز كتفيه بشكل عادي ثم توجه للطاولة الصغيرة لاحظت أن عليها أبريق صغير من القهوة و فناجين , سكب لي فنجان و اعطاني ... قال وهو يجلس على أريكة مجاورة وبين يديه فنجانه :
_ اردتك أن ترتاحي فقط ..هل تشعرين بالألم ؟!.
هززت رأسي نفياً , فأنا لا أشعر سوى بالثقل وأنا أسحب قدمي هنا و هناك ..
سألت وأنا أرى جيني بشعرها المسرح وثوبها الأصفر الجميل رائحة البودرة العطرية تفوح منها ..
_ هل أطعمتها ؟!.
_ وما رأيك ؟! , أأترك طفلتي الجميلة تموت جوعاً , هل ترينني أحمق كلآرا .
كان يسخر مني وهو ينظر نحوي باستخفاف وابتسامة !, واو والدي يجيد جيداً الاهتمام بـ جيني ربما أفضل مني ~~" !
_ سوف نزور المستشفى غداً صباحاً و كذلك جيني لأن لديها بعض التطعيمات .
آوه تأوهت بداخلي فاجئني قوله وعودته للجدية بسرعة , هل يجب هذا ؟! . رأسي يؤلمني من كل هذه الأجراءات .. لا أحب أن اسمع كلمة مستشفى فما بالي بالذهاب إليه كل فترة ~~.
_ لا تنظري إلي هكذا , يجب هذا عزيزتي , و كذلك المدرسة سنضع أوراقك بها أن أردتِ حالاً .. أو تحبين أن ننتظر بعض الوقت...
قلت سريعاً : لا أبي , لا بأس بالنسبة للمدرسة أحب أن أبدأ قريباً. لقد تأخرنا كثيراً .. " لقد مضت ثلاث اسابيع على بدء الدراسة ! "
حك والدي جبينه يفكر وعيناه الخضراء الفاتحة تضيق علي .. تردد وهو يقول : ربما .. تحتاجين مرافقه أو ...
رفعت حاجبي دهشة أهذا ما يفكر به ! , قلت بسرعة معترضة : لا احتاج لشيء أبي !. سأكون بخير !.
رأيت نظرة التفكير بعينيه مجددا , فقلت بأقصى هدوء أملكه بهذه اللحظة : يجب أن تصدقني أبي , سأكون بحال جيدة .. أني أتدبر أمري تماماً مادمت لن آتي للمنزل مشياً... أن أمر المرافقة شيء اعتبره سخيفاً و مبالغٌ به .!
رفع أحد حاجبيه فابتسمت له ولدهشتي ابتسم هو أيضا و قال بهدوء لكن بتردد خفيف : حـ...سنا عزيزتي , غدا سوف نذهب للبلدة ..
أنا أعلم تماماً بأن حسنا هذه المختصة بوالدي هي لا تقصد "أجل" , بل حسنا سوف أرى لحين !. لكني هززت رأسي ...
وفجر اليوم التالي كنت غافية تقريباً و ظننت بأني سأغرق بالنوم مجدداً لكن سمعت صوت قادم من الخارج ... من الغابة في الليل , عدتُ للنوم وأنا أقاوم شعور مزعج بالضيق والبرودة التي تتسلل .. سمعت الصوت مجدداً وكأنه تنفس لحيوان ما مخيف , لكن رأيت أبي من النافذة يسير في الظلام خارجاً ... يا إلهي ! أين يذهب ؟! , كان هناك شيء ما يتبعه ! رأيت ظل غريب ... ناديته بصوت عالي خائف " أبـ... أبــــــــي ؟!!! "
فجأة فتحت عيني بقوة على صراخ عالي .. "جيني" تبكي بحرقة و تنادي "مـ ...ما ما...ماما " !.
ارتديت ملابسي على عجلة و يداي ترتجفان لا أدري لمَ بينما قلبي يخفق بقوة مرتبكاً , قلبي يرتجف رعباً أيضاً كان ذلك حلماً مزعجاً وكأنه تسلل لعقلي !, لم أشعر بنفسي نائمة !!.. . مالذي يحدث لي , ولمَ أرى أحلاماً مخيفة عن والدي ؟!!.
خرجت للردهة .. رأيت أبي يحاول تهدئة جيني وهو بقميص و بنطال قطني خفيف .. كان واضح عليه الأرهاق و شعره مبعثر ... اقتربت منه بسرعة و قلت وأنا أشير للأريكة :
_ أبي , أبي اعطني جيني و اذهب لتغتسل .سأعتني بها...
لم يكن هناك من خيار , حملت جيني بين ذراعي بحرص شديد وأنا أجلس منهكة وكأنني كنت أركض .. بينما هرع أبي للأعلى وهو يقول : سأعود بسرعة...
هدأت جيني فجأة معي وأنا أضمها بحنان و أقبلها " يا حبيبتي الصغيرة , لا تقلقي بابا و تاتا لديك هنا... ".
عاد أبي بعد دقائق سريعة ببنطال جينز و قميص أبيض وجاكت جينز بذراعه , قال بهدوء : هيا حبيبتي أجلبي معطفك سنذهب...
وبينما أنا بغرفتي أرتدي بلوفر خفيف لأن الجو فجراً بارداً جداً و مظلماً .. سمعت أبي يتحدث بهاتفه .. لكن مع من ؟!.
كان قد وضع جيني الهادئة في كرسيّها الخاص بالخلف , وظل يسير ورائي كي أصعد ...
قلت بتذمر : أنا بخير أبي..
_ أجل صغيرتي..
لكنه بقي يساعدني حتى ربط لي الحزام ثم دار حول السيارة ليصعد خلف المقود و لننطلق قبل شروق الشمس حتى .. كان هناك القليل من الضباب في جوانب الطريق قرب الأشجار .. مررنا بمنزل كبير قابع بالظلام و هادئ و جميل ... فكرت بأنه لا شك منزل السيد " جورج فرانس ".
فجأة قال أبي فزعاً وهو يلتفت نحوي : لقد نسيتِ تناول الإفطار !! يا ألهي ..
حدقت به فزعة من لهجته وليس بسبب كلامه , قلت بضيق : لا بأس أبي , سنتناوله لاحقاً , لكن جيني هل جلبت حقيبتها الخاصة...
_ أجل أنها بالخلف , بها بيجامة احتياطية و زجاجتها وعلبة الحليب و أوراقها المهمة .. لكن ماذا عنك أنتِ حبيبتي. .
كانت حقيبة ذراعي الصغيرة معي .. وبها نسخة من ملفي بالمستشفى وكل أوراقي ...
_ إن الحقيبة ثقيلة من هذه الأوراق...
كان ينظر إلي بقلق بعد كلماتي .. وصلنا للمستشفى وكان كبيراً جداً بثلاث مبان ضخمة وسط البلدة , ظننت بأنها بدائية قليلا لكنها متقدمة جداً و كأنني بالمدينة لكن أصغر قليلا و بأشجار جميلة تحيط الشوارع الخالية بهذه الساعة المبكرة جداً...
فتح لي والدي الباب و ساعدني قليلا , ثم اتجه إلى الخلف وهو يحمل جيني بلطف و يعطيها لعبتها الصغيرة كي تلهو بها ,و تأبط هو حقيبة جيني الكبيرة , بدا شكل والدي غريباً ... أنه أبٌ مكافح .. مشى أمامي بكل نشاط وحذر بالرغم من أنه مرهق ولم ينم جيداً لكنه يقظ جداً ...
أما أنا فشعرت بالدوار ومعدتي تغوص و تؤلمني ما أن شممت رائحة المستشفى ... الغثيان اجتاحني وأنا أحاول اللحاق بسرعة
خلف والدي الذي يتوجه للاستقبال .. كان المستشفى خالياً تقريباً و الجو هادئ و بارد و ساكن...
حدث والدي الموظفة و شرح لها ... لكنها قالت له بأن مبنى الاطفال هو الآخر بينما هنا هو البناء الرئيسي و أنني سأتعالج هنا ... فأخذت البطاقة الخاصة بي وبدأت العمل على الكومبيوتر ... نظر نحوي أبي و قال بهدوء : حبيبتي أجلسي هناك .. هيا.
توجهت للمقاعد و جلست بطاعة وصمت , تحدث والدي قليلا إلى الموظفة وهو يعدل من وضعية حقيبة جيني الثقيلة بينما ذراعه الأخرى تلفها بعناية وقوة ... نظر نحوي مرتين بعبوس ثم تناول الهاتف من الموظفة و تحدث به !.
نظرت للساعة المعلقة .. كانت تشير إلى السادسة و النصف الآن , اقترب والدي مني و قال بهدوء : سنذهب أنا وجيني للبناء الآخر حبيبتي , لكن لا تقلقي أ...
قاطعته بهدوء : سأنتظر هنا ..
_ لا , آه .. كلمت الدكتور لوك هو قادم الآن سيأخذك معه .
صدمة لثانية بالرغم من توقعي لهذا بالمستقبل لكن ليس الآن ! , قلت باعتراض متوتر ومعدة تغوص : أبي !! لا تتركني وحدي !.
رد بتعب وهو يهدأ جيني التي بدأت تنزعج وبوادر البكاء تقترب من الظهور : يا عزيزتي , أني هنا قريب , فقط سآخذ جيني و سنعود حالاً...
رأيت تعب عينيه وشحوب وجهه فخجلت من نفسي جداً ! , لا أزال اتصرف كالأطفال ..!! تبا مالذي يقلقني لهذا الحد ...!
قلت بسرعة شاعرة بالذنب والاستياء : حسنا , أبي آسفة جداً لأزعاجك .. سأذهب مع د.لوك .
بعد ذهاب أبي بدقائق قليلة سمعت خطوات قادمة من خلف الاستقبال و ظهر لوك فرانس كان يبدو غريباً قليلا بمعطفه الأبيض لكن لا بأس به , رسم ابتسامة لطيفة حانية بينما أنهض لتحيته ... حياني بلطف وهو يشد على يدي و يضع يده الأخرى على كتفي ..
قال بمرح : هيا لنذهب لمكتبي كي نتحدث قليلا...
حدقت به و قلت بصوت خافت ضيق : ماذا ؟!.
_ أني سأقرأ ملفك عزيزتي و سوف نرى ما يمكنني فعله بنفس الوقت سوف تحدثينني عما تشعرين و ستساعدك لوسي.
ظللت صامتة في المصعد و سأل هو عن أحوالنا و استقرارنا .. رددت بهدوء " كل شيء هادئ الآن ".
دخلت بمكتبه ودهشت لكبره و جماله , يبدو بأنه ذو مكانة عالية ... كان لوك لطيفاً جداً ومهذباً للغاية ربما تذكر تحذيري له من ردات فعلي .. لكني كنت مرهقة وهادئة ولا أريد الدخول بأي مناقشة .. جلب لي القهوة و بعض البسكويت "كوكيز" ثم جلس يقرأ بالملف قليلاً .. نادى الممرضة التي تدعى لوسي , وذهبنا إلى غرفة الأشعة ...
بعدها انتهى كل شيء بشراب عصير بارد و مكالمة والدي الهاتفية... و موعد غداً ~~" !.
_ لكن.. أنا , غداً .. يجب أن أذهب للمدرسة .
قلت الكلمة الأخيرة بهمس يتلاشى و ضيق غريب بصدري , ظل ينظر نحوي بدقة غريبة تشبه دقة أبي عندما يقر بنفسه أنني شبة واعية !.
_ حسنا , آمم . أخرجي باكراً كي نرى معاً الأشعة و نقرر بعد الأمور... أخبريني إذن أنتِ لا تشعرين بألم في ساقك هذه صحيح ؟
ترددت ثانية , أني أشعر بألم كالنار يأتي و يروح خاصة عندما آوي للنوم .. قلت كاذبة بسرعة : لا ألم .
نظر بشك و قال بهدوء : هل أنتِ واثقة ؟!. يخيل لي الآن أنك تتألمين ...!
حدقت به و شعرت حقاً ببرودة في وجهي لا شك بأنني أشبه الأشباح ~~" , قلت بهدوء : آوه لا أني بخير..
ركبت السيارة بعد دقائق وكانت جيني نائمة بصمت في كرسيها بالخلف ... همس أبي بتعب وهو يصعد : لقد بكت كثيراً... رباه ظننت بأنها لن تسكت . قالت لي الطبيبة بأن لا نحملها مع ساقها التي بها مكان الحقنة ستؤلمها بشدة..
أومأت برأسي بصمت وظل والدي يقود بهدوء وهو ينظر بتركيز حوله ولم يسألني عما حدث بموعدي .. هذا أفضل ربما كلانا فكر بتجنب الكلام اثناء القيادة تحديداً .. فقط نظر نحوي مرتين و تبسم ثم طلب مني أن ألقي نظرة على جيني في كرسيها الخاص بالخلف ... ففعلت عدة مرات وكانت الصغيرة المسكينة نائمة بعمق و شفتيها الصغيرة الناعمة مقفلة بقوة وعبوس ...
اوه يا صغيرتي البريئة كانت تتألم ...
فجأة توقف والدي بهدوء شديد قرب محل ما .. نظرت وقبل أن أنطق قال هو بهدوء : سأنزل لأجلب بعض الخبر و الفطائر حبيبتي انتظري دقيقة فقط ..
_ أجل أبي ..
نزل والدي بسرعة الى محل الخباز المتواضع الذي خرج منه مشتريين بأكياس ذات رائحة طيبة ولذيذة ..
دخلنا المنزل بهدوء و والدي يحمل جيني بحذر شديد و قد بدأت الطفلة تتحرك منزعجة متألمة لكن ما أن وضعها فوق الأريكة حتى عادت للنوم بهدوء ... جلست بالاريكة التي بجانبها بصمت وخرج والدي للسيارة كي يجلب الفطائر ...
مر من مدخل الردهة وهو يناديني بهمس عالي قليلا ويشير بيده : كلارآ ! تعالي للمطبخ عزيزتي كي تتناولي الإفطار.
شعرت بالتعب لا أريد النهوض و المشي مجدداً ~~"... فقمت رغما عني و مشيت بحذر و هدوء لأجلس بارتياح على أول كرسي خشبي لطاولة الطعام , كان أبي يضع أبريق الشاي فوق النار ... التفت لينظر نحوي متفحصا ثم قال :
_ هل كان لقاؤك بالطبيب لوك جيداً , ماذا حدث بالموعد ...؟
هززت كتفي بملل وقلت بهدوء : أجل كما أظن , لقد تحدثنا فقط في مكتبه ثم صورتين للأشعة بعدها موعد غداً ..
حدق بي والدي مستغربا قليلا ثم قال مندهشا لكن بشكل خفيف : حقا ! , هذا ممتاز للبداية اعتقد بأنه طبيب بارع برؤيته لأشعة القدم سوف يعرف ما المشكلة تحديداً ..
عاد ليسكب ماء الأبريق الحار في كوبين بينما ضربات قلبي تتغير بضيق ... كنت أحدق بظهره بتوتر ... هل يظن والدي...هل يعتقد بأن هنالك أمل ما بي ؟!... لكن هذا مستحيل ! أنني قد خرجت من مستشفى ضخم معروف في منتصف مدينة حديثة جداً وقد قالوا بأن لا أمل بعودتها طبيعية ! , فكيف يمكن لمستشفى عادي بوسط تاون بسيطة أن يحدث فرقاً .. !
أن لن أزعج نفسي بالتفكير بهذا الأمر ... ما حدث قد حدث و انتهى ..
قبل أن أقول أي شيء التفت نحوي و قال بمرح غريب وهو يقترب ليجلس ممسكا بالكوبين : من يدري في هذه الحياة كيف تسير الأمور حقاً , أقصد لكل شيء وضعه و سببه . هممم افتحي هذا الكيس عزيزتي..
تناولنا الفطائر المحشوة باللحم و تحدثنا قليلا ببعض الأمور .. نهضت و أخبرت أبي بأنني سأتمشى بالمنزل فأنا لم يتنسى لي سوى رؤية المطبخ و الردهة وغرفتي .. حتى غرفة البيانو لم أتأمل بها جيداً ..
دخلتها بهدوء .. كلاسيكية الطابع و ألوانها هادئة أحمر داكن و زخارف كل شيء الأثاث و ديكور الجدران ذهبي هادئ منطفئ .. ربما لأن الستائر الثقيلة مسدلة على النوافذ جائني شعور بالنعاس و السكون .. فخرجت منها بسرعة , أنا لا أريد النوم الآن ...
لم أرى أبي بالردهة ربما لا يزال بالمطبخ .. سرت بحذر شديد آخر الممر إلى الدرج .. رأيت بابين لغرفتين لكني تجاهلتهما ... أريد فقط الصعود للأعلى ...
وضعت قدمي السليمة فوق أول عتبة للدرج و...
_ كلارآ ؟!. مالذي تفعلينه حبيبتي ؟.
اوه لقد ضبطت بالجرم >< ".. قلت بدون أن التفت إليه : أريد الصعود للأعلى فقط ...
_ كان عليك قول هذا , هيا بنا ..
ماذا ؟! لكني أريد أن أكون وحدي .. أمسك والدي بمرفقي الأيسر وهو يسير معي بحذر أيضا كان ادرج واسع قليلا و مريح مفروش بسجاد أخضر داكن .. حسنا .. يميناً ثلاث غرف للنوم واحدة بها والدي و جيني .. و حمامين صغيرين .. و بالممر الآخر غرفة للرسم كانت مقفلة جيداً قال والدي بأنه أضاع المكان الذي وضع المفتاح به .. و الغرفة الأخرى مكتب صغير للعمل وحمامه المرفق...
حدقت من النافذة في آخر الممر ... كانت تطل على أشجار الغابة ...
_ ما هذه الغابة ؟!.
أتى والدي ليقف خلفي و ينظر من فوق كتفي قال بهدوء : آمم .. هي مجرد غابة معروفة للصيد بها بحيرة كما سمعت.
_ تعني... هي ليس بها نمور أو... دببة و غزلان ؟!.
حدقت بأبي وقلبي يخفق لا أدري لم بدأت أفكر بأن سور هذا المنزل قصير وغير قوي .. لاشك بأن الدب سيحطمه أو يقفز النمر من فوقه ... أو...
_ لا حبيبتي ... لقد عشنا هنا عشرات السنين لا وجود لهذه الحيوانات ! , هل أنتِ خائفة ؟!. هل الغزلان تخيفك أيضاً ؟
كان يحدق بي مدهوشاً وكأنه لا يصدق بأي أسأل هذا السؤال !, لكني محقة ...
قلت باضطراب خفيف : أأنت واثق ؟! , الغزلان تصبح مرعبة أحياناً... يمكن أن يتسلل أي حيوان ببساطة هنا ! آه ربي ماذا عن الأفاعي و الزواحف ؟!.
حدقت به بعيون رمادية قلقة جادة ... تخيلت لو استيقظ من النوم لأجد أفعى تشاركني الفراش....!!! سأموت قطعاً !.
لصدمتي أخذ يضحك , هذا الرجل ! ... ضمني قليلاً وهو يهتز من الضحك ... مالذي جرى له ؟!
_ لا يا حبيبتي الصغيرة الجبانة ! أنت بخير تماماً والمنزل مقفل و مؤمن تماماً .. لا تقلقي أرجوك كلارآ...
هززت رأسي غير مطمئنة .. قلت بتوتر و عبوس : توقف عن الضحك رجاءاً أبي أنا لستُ جبانة ><"... على فكرة هل يمكنني النوم هنا في الأعلى...
حدقت به بعيوني البريئة ... توقف و قال بهدوء وابتسامه رقيقة وهو يلمس أنفي : لا صغيرتي ! , ذلك من مصلحتك و ألا ترهقي نفسك .. هيا لننزل الآن.
قطع كلامه بسرعة و أمسك بمرفقي حتى لا أناقشه يحب أن يكون المنتصر لكني سأرفع راية النقاش مجدداً...
تناولنا العشاء بهدوء و جيني قد أفاقت لمستها أنا فقط قليلا فانتابتها نوبة بكاء طويلة ارهقتنا ولم تنم حتى الساعة العاشرة... خشي والدي أن يحممها فقط اكتفى بتبديل ثيابها بحذر بالغ وبعد اطعامها هدأت ونامت...
بينما أقف أنا كالبلهاء بلا حول ولا قوة وعيناي تتبعانهما بتوتر ... يجب على والدي جلب مربية ما ! , لا يمكنه تحمل هذا أكثر سوف يصاب بانهيار عصبي ! , كما أنه سيعمل بالتأكيد...
بعدما هبط السلم بوجهه المتعب قال لي بهدوء : عليك النوم الآن كلارآ ! , غداً مدرسة و موعد بالمستشفى ...
انقبضت معدتي بشدة وشعرت بالدوار وأنا أقول بتوتر: ماذا عن... أعني...
_ سنذهب معاً لأضع أوراقك هناك , لتلحقين الدروس .. هيا إلى النوم لقد تأخر الوقت.
لم استطع النوم جيداً , كنت أتقلب كثيراً وصوت حفيف الأشجار الضخمة بالخارج توترني ... فبدل أن استرخي وأنام أشعر بأني مشدودة الأعصاب...
تعبت أخيراً من كل هذا القلق و أثقلت جفوني .. لكن صوت غريب بين أصوات الأوراق... كان قادما تقريبا من داخل السور أو هكذا ظننت مباشرة , هببت من فراشي ..
و ببطء سرقت نظرة من بين الستائر ..
ليس هناك شيء سوى الظلام الشديد و حتى الأشجار لم استطع رؤيتها , كان الخارج مرعباً للنظر لكني لم أقدر على أبعاد بصري عن التحديق في الظلمة و الـ لاشيء !...
بينما قلبي يرتجف بقوة و أحساسي يخبرني بأن هناك شي ما مختبئ... !
مرت ثانية أعنف بها نفسي بأني جبانة حقاً كما قال والدي , مرتعبة من التغيير و أكره الغرباء .. و الغرابة .. كانت عيوني متسمرة جداً بلا أي حركة على نقطة في الظلام ..
أعلم بأن خيالي يجمح بشكل أخرق لكني واثقة أني في هذه الثانية أحدق بـ ...
مابدا كـ... زوج من اللؤلؤ الأسود يلمع من بعيد جداً قرب الظلال الكبيرة للأشجار...! كأنها نقطتين من العيون صغيرتين بعيدتين ... يبادلانني التحديق وبهما لمعان غير مطمئن ...
خفق قلبي متضخماً رعباً...
ماهذا ؟! , هل لا أزال أتخيل ؟! , أتراه يكون حيوان ما ...؟! , ربما شيء ما يراقبنا ... أظنه يحدق بي أنا...!
تمسكت بالستار بقوة أخفي كل شي ألا عيناي الجاحضتان ... قلت بهمس يرتجف : الويل لك أن كنت شيئا شريراً يريد الدخول . سـ... سا ..
لكن انطفأ اللمعان و اختفت زوج العيون السوداء ... شعرت بأنني تخيلت كل هذا... آووه ماذا أفعل بنفسي...؟!
عدت للنوم المضطرب مجدداً .. وبدأت معدتي تؤلمني و قلبي لا يزال يخفق بقوة , تبا لن أنام هكذا بينما جسدي كله مشدود...
ظللت فترة طويلة هدأ استرخيت وهدأت لأنام بشكل هادئ وبلا أحلام ...
_ كلآرا , عزيزتي هيا استيقظي الساعة تجاوزت السادسة !.
همهمت بأني لا أريد النهوض ... عيناي مثقلتان للغاية و جسدي دافئ و النوم أصبح رائعاً الآن .
_ كلآرا !! .. هيا لا نريد أن نتأخر أكثر وفي أول يوم لنا أيضاً...
فتحت عيناي رغما عني وأنا أحكهما متأففة وقد رأيت والدي يخرج وبتعب شديد بدلت ثيابي و سرحت شعري بيداي , آخ كم أصبح متكاسلة جداً في الصباح ..
ولكن هذا ليس ذنبي !. أنه بسبب ليلة الهلاوس بالأمس...!!
جلب والدي جيني وثبتها بهدوء في مقعدها الخاص المثبت بالخلف وبين يديها لعبة ما وهي تبدو مرتبة وهادئة , بينما أقف أنا بصمت بجانب السيارة أحدق بالأشجار...
شعرت بوالدي يقف خلفي يحدق بي...!
قال بصوت هادئ متسائل : آممم ... كلارآ . أين حقيبتك ؟!. هل ستذهبين هكذا بلا شيء...؟!
تجمدت لثانية ثم التفتُ ببطء أحدق به بدوري , " هاه , حقيبة ؟! " رددت بداخلي ...شهقت فجأة : يوه نسيت حقيبتي ..!
كانت حقيبتي قديمة من سنتين وهي معي ..على العموم هي من نوع أصلي جداً ولم تتعرض لأي خطب ..
نظر إلي والدي نظرة معاتبة وأنا أهم بالحركة قلت بتوتر وذنب : سأجلبها حالاً..
_ لا آه كلارا أجلسي بالسيارة فقط , سأحضرها أنا , حقيبتك البنية في غرفتك جاهزة هاه ؟.
قلت وأنا أعض شفتي : أجل .. آسفة أبي... أنا...
لكنه لم يسمعني بل ذهب راكضاً للداخل... , تباً مالذي يجري لي ؟!. أتصرف كالبلهاء دوماً .. ولكن .. أنا لن أعود لطبيعتي أبداً . ليتني مت في ذلك الحادث ...
كان والدي ليهتم بـ جيني فقط بدلا أن أزيد حملي عليه...
قطع حبل أفكاري المشؤمة صوت جيني وهي تبكي فجأة !!... تحركت قليلا فقط لأفتح الباب بجانبها و أنحني نحوها قائلة بتوتر
_ صغيرتي مابك ؟... ياحبيبتي أسقطتِ لعبتك...آه هاهي...
وانحنيت أكثر الى الداخل لأمسك باللعبة البلاستيكية في أسفل المقعد لكن ... آآه , فقدت توازني لأنني وضعت كل ثقلي على ذراعي الممسكة بالعكاز بينما أنحني ... فسقطت على المقعد أتشبث به لكن جسدي انزل بقوة إلى اسفل السيارة لم يساعدني العكاز بل عرقلني و اصطدمت كلا ساقي بشي صلب في الأسفل ...
موجة من الألم سرت في قدمي لاشك بأنها ضربت العجلة !.
جاهدت للنهوض وصراخ جيني يرتفع وكأنها عرفت بأن سوءً قد حدث ...!
_ كلآرا ...!! - أتى والدي راكضاً بسرعة وبيده تتأرجح حقيبتي الفارغة ... لفني بذراعه و أوقفني بسرعة... قلت بصوت عالي متوتر : أنا بخير ما بك ...؟!
_ رأيتك تسقطين ! , مالذي جرى ؟!
قال بصوت أقرب للغضب !, خفت قليلا و أنا أشعر بأن قدمي بدأت تخزني بشكل غريب ... قلت بشكل جدي :
_ لقد انزلقت قليلا فقط لأجلب لعبة جيني .. كل شيء بخير لمَ كل هذا القلق ؟, سوف أجلس الآن فقط...
ظل يحدق بي بعيون مرتعبة وجبين ضيق حتى استقريت فوق المقعد .. , تبا بدأت تلك القدم ترسل أنذارات .. مادامت قدمي السليمة تألمت حقاً ربما ستترك كدمة متورمة ...
لكن ماذا عن القدم المصابة .. آه سوف تقتلني لاحقاً.. هل جلبت معي المسكن .. أظنه بالحقيبة...
دخلنا البلدة التي تبدو كمدينة صغيرة هادئة و جميلة ... كانت حية بالحركة والنشاط والسيارات لا تنقطع .. لكن بلا ازدحامات ... بدا الجو بارداً قليلا وهناك غيوم في طرف الأفق البعيد ..
توقف والدي قليلا ليسأل بعض المارة عن الوصف الدقيق للمدرسة . ثم تابعنا الطريق...


ارتجفت و سرت في برودة عندما توقف والدي خارج فناء المدرسة ... أبنية كبيرة , لا أدري كم عددها ربما أربعة .. والكثير من المراهقين يسيرون للداخل وهم يتمازحون و يضحكون ... وهناك الفتيات .. لبسهن ليس بالملفت كانوا يدلفون من هذه البوابة الكبيرة ... توقف والدي أقرب شيء ممكن لها ...
ثم التفت إلي , قال فزعا فجأة : تبدين شاحبة للغاية , هل أنتِ بخير ؟!.
نظرت نحوه و انتبهت لنفسي .. كنت فاغرة فمي وعيناي زائغتان لا تطرفان وكأني وسط فلم رعب ... هززت رأسي بسرعة و حاولت السيطرة على تعابير وجهي ... قلت بضعف مخفي : لا , أنا بخير...
بينما قلبي يضرب بقوة أضلاعي مرعوباً... ظل والدي بنفس نظرته الفزعة جعل لون عينيه الأزرق يفتح بشدة
_ أأنت واثقة ؟! , سأنزل معك قليلا فقط للأسف لا يمكنني ترك الطفلة هنا .. كلآرا ؟!.
قلت مجدداً بآلية : أنا بخير والدي , أنها مدرسة وليست قاعدة عسكرية ...!
عبس والدي ثم ألقى بنظرة على جيني كانت لا تزال تلعب غير أنها متململة قليلا .. نزل فجأة وفتح بابها ثم حملها بين ذراعيه بحرص... فتحت فمي مصدومة , لا يظن بأننا سنسير وسط المدرسة كلنا ...!!
نزلت بضيق ولكن ما أن وطئت قدمي اليمنى ارض حتى أرسلت موجة من الألم الحاد في جسدي كله... " آآه " تأوهت بداخلي وأنا أتمالك
نفسي و أعض على شفتي لأتمسك بالعكاز بكلا يدي
_ كلارا ؟!.
التفتُ لأبي المتوتر ..مددت يدي لأقول بأقصى هدوء أملكه : اعطني حقيبتي أبي , وعد مع جيني أنا أعرف كيف أدبر أموري.
قال بضيق وهو يحدق حوله لكل الطلاب الذي يمرون قربنا ويحدقون بنا : لكن....لـ...
قاطعته بضيق و الألم يحرق قدمي : أسمع أبي... لا تنظر إلي هكذا وكأنني في السادسة ! .. أرجوك...
شعرت بأن أمله خاب قليلا وكأن ليس بيده شيء ليساعدني... قال باستسلام : سأعود إليك قريباً.. دعيني أرى كيف تمشين ..
مد لي بحقيبتي فأخذتها و ثبتها على كتفي اليسرى , ثم ابتسمت له بوهن و بصعوبة حركت قدمي وأنا أنظر لطريقي في الأرض. آوه كم يبدو شكلي مثيراً للشفقة ... كانت الأرض ترابية قليلا لكن مستوية و نظيفة من الأشياء... سرت بعض خطوات ضاغطة على نفسي وأحاول ألا أركز ثقلي على قدمي المصابة سوف تقتلني ..

نظرت لأبي خلفي و ابتسمت مجدداً له , كان عابساً لكن أومأ برأسه و بقي ينظر نحوي. بينما أفكر أنا ألا يوجد مكان خاص كفاية ليصرخ أحد فيه من الألم حتى يهدأ ...
رأيت مجموعة من الفتيات و الفتية يفسحون لي الطريق بينما نظراتهم غريبة علي .
دخلت من البوابة بهدوء و أنا أنظم أنفاسي , آآه لقد انظمت قدمي الأخرى لحملة الألم في جسدي ... هيا لا توجد كراسي هنا في هذه الباحة , سحقاً ؟!
وظللت أحث السير البطيء نحو البناء الكبير الذي يدلف منه الطلاب ... ثم ألقيت بنظرة خلفي , ماذا ألم يغادر بعد ؟!. وقعت عيناي بعينيه فتوتر هو ... ظن بأني لن أراه من هنا ..لوح لي و بتردد واضح عاد ليضع جيني بالسيارة و ليصعد هو...
تنهدت بغيض وحزن متراكم ... هل سيبقى حالي هكذا طوال حياتي ؟! معاناة لي و لمن حولي ..وهم و ثقل... و...
قاطع بؤسي صوت عالي فتى يقول : احذري هذه الحفرة !.
توقفت بسرعة شديدة جعلتني اصاب بالدوار .. وحدقت حولي جيداً كان الصبي يمشي موازياً لي و من عينيه التين تلمعان علي يبدو بأنه كان يتأمل منظري و سيري...
كان هناك بالفعل حفرة صغيرة أمامي لكنه كفيلة بأن تسقطني أنا و عكازي هذا...
اقترب الصبي الأشقر وابتسم بحذر نحوي .. يبدو أصغر مني بسنة أو سنتين ولكنه طويل القامة و جميل المظهر... عيناه بنيتان مألوفتان قليلا...
قال بهمس دون أن يلتفت كليا إلي : أنتِ جديدة . أعرف بأنه يجب أن تذهبي لمكتب الوكيل أولاً .
كان عقلي مرهق و يعمل بكد... قلت بهدوء : شكراً لك , و... أن لم يكن لديك مانع أن تـ...
قاطعني بذكاء غريب وهو ينظر بعيناي : بالطبع ليس لدي مانع لأوصلك للمكتب.
سار أمامي برشاقة وأنا أتعثر كعجوز , كان الجميع يفسح لنا و يحدقون بي مطولا وإلى جينزي الواسع القديم ثم جاكيتي الرمادي وحقيبتي البنية و حذاء رياضي أسود واحد بينما القدم المصابة في وسط جبيرتها المحمية والمخصصة للمشي .. كنت أغرب خليط للألوان , أقسم بأنه لو كان هنا مصمم أزياء لخر صريعاً...!!!

فجأة تردد الفتى و توقف ليلتف إلي , كنت ألهث ألماً و تعباً وأشعر بأني اتصبب عرقاً في هذا الجو البارد ... لكني بسرعة أخفيت كل مظاهر بؤسي الغبية وتظاهرت بالتركيز والثقة !
_ أتظنين بأنك قادرة على صعود الدرج , أم أنادي الوكيل ليهبط إلى هنا ؟!.
كان ينظر نحوي متسائلاً , فقلت بكل برود بينما أعلم بأنني سأتألم كثيراً : استطيع الصعود لا بأس.
نظر نحوي شاكاً قليلا ثم همس : طيـب ..
صعد أمامي وأنا وراءه , في البداية تسمر جسدي رغما عني خوفاً , لكني بصعوبة تحاملت على نفسي و صعدت الدرج ... رباه كم كان هذا مؤلماً و مرهقاً...
يا ألهي أن لم أصل حالاً سأسقط على وجهي ليغشى علي...!
_ أن مكتب الوكيل في آخر الممر...
قال مصرحاً , ثم سار بهدوء و بطء من أجلي , بينما ألتقط أنفاسي تعباً ... و رأيت بعض مقاعد فتمنيت لو اقدر على الجلوس قليلا...! , أشار لي بالمكتب الذي في آخر الممر و توقف ليحدق بي...
قال بتوتر : تبدين مرهقة للغاية و شاحبة , أجلسي قليلا... أتودين بعض الماء ؟!.
آوه كم كان هذا لطيفاً منه ... لكن لا ... كبريائي اهتاج فجأة ... قلت بابتسامه لم تظهر : لا أني بخير , سأدخل فقط ,شكراً لك...
أومأ و غادر ببساطة ... هه أشعرني بأني عجوزة !. على العموم سأسير هذه الخطوات البسيطة فقط ...
طرقت الباب مرتين ثم سمعت صوتاً يقول " أدخل... "
فدخلت ... نظر نحوي رجل في منتصف العمر ببرود ثم عاد لأوراقه ... كنت على وشك ألقاء التحية لكن رفع رأسه مجدداً بسرعة و حدق بي مصدوماً قليلا...
قال وهو ينهض : آوه المعذرة , هل أنتِ طالبة جديدة ؟!, أجلسي هنا من فضلك و أعطيني فقط أوراقك..
أومأت و جلست على الأريكة متنهدة بداخلي وشاكرة ... ثم أخرجت أوراقي لاحظت بأن يداي ترتجفان و أظافري مزرقة ... سلمته الأوراق بسرعة لاتفحص نفسي .. عندما يقولون شاحبة , ماذا يعني هذا تحديداً...
فتشت بحقيبتي التي لا أعلم ما بداخلها ... أصابني الرعب , لم أضع بها شيئا !!! غير تلك الأوراق المهمة وأيضا والدي هو من وضعها وليس أنا !!... يا ألهي لم هذا الأهمال مني ...!! آوووه لا حتى قلم ><"؟!. آهئ أود لو ألقى بنفسي من الشرفة...
_ الآن يا كلآرا , سآخذ أوراقك للمدير و يمكنك البدء اليوم بالدراسة .لقد تأخرتِ كثيراً لكنك ستقدرين على المضي صحيح ؟!.
ابتسم لي بلطف , أومأت بصمت.
_ سأخبر الآنسة ماري لتعطيك جدول صفوفك وخارطة للمدرسة مكتبها بالأسفل من الجيد لك , هلا نزلنا الآن .
فكرت بعبوس " أريد البقاء جالسة قليلا بعد ~~" لكني نهضت و عاد الألم و تبعته وأنا أكتم آلآمي , أكاد لا أرى شيئا أمامي !.
رحبت بي امرأة شابة بلطف بالغ اعطتني الأوراق و اصطحبتني لأول صف لي... كان صف العلوم الكيميائية .
طرقت باب المعمل ثم دخلت برشاقة اتبعها أنا ببطء و اعتراني خجل شديد و توتر و ألم في المعدة .. كان المعلم يقف مشدوهاً قليلا يحدق بي والآنسة ماري تحدثه , ثم ابتسم بلطف من خلف طاولته ... بينما أنا لم أجرؤ على النظر ورائي حيث الطلاب يبدون كثيرون جدا ربما مكتملو العدد ...!
اعطتني الانسة ماري ابتسامه مشجعة و غادرت .. قال المعلم بلطف : اهلا بك ..
ثم وجه كلامه للطلاب الصامتين جداً : أنها كلارا موند وهي معنا في هذا الصف .. أرجوكم رحبوا بها وأفسحوا لها مقعداً.
رفعت عيناي قليلا فقط متوترة بينما قال بعض الطلاب بصوت واضح : اهلاً... والبعض همهم وهم ينظرون بفضول عادي.
وجدت مقعد فارغ أمامي فجلست به بصمت .. لكن لم استطع الاسترخاء على مقعد المعمل الذي بلا ظهر . وضعت حقيبتي أرضا , و بدأ المعلم يشرح الدرس بهدوء .. فجأة سألني :
_ آه صحيح , لأي درس وصلتم به في مدرستك القديمة كلارا ؟!.
غاصت بطني و حدقت به بشكل افزعه قليلا كان الكل سكت فجأة ... قلت و أنا أشعر بصداع يعمني : أنا... أنا للتو أبدأ الدراسة.
حدق بي لثوان مدهوشاً قليلا , ثم حرك رأسه : آه فهمت .. لا بأس .. سيساعدك الطلاب في الدروس الماضية ..
أكمل الدرس بينما أشعر أني وسط المجهول لا أفهم شيئا .. شعرت بالغربة والضيق أريد فقط العودة للمنزل .
انتهى أخيراً بينما ألقي نظرة على جدولي , تذكرت شيئا ما اسعدني .. لدي موعد اليوم وسأخرج باكراً أي تقريباً بعد ساعة , لأول مرة في حياتي أشعر بأن الذهاب في موعد للطبيب أخف وطأة من الدخول في مدرسة لأول مرة .. سأطلب منه أن يعطيني وعداً غداً أيضا...
نهضت عندما لاحظت أن الصف فرغ تقريباً وأن الجميع قد خرجوا .. آوه يجب أن أذهب لصف التاريخ في الطابق الثاني كما هو موضح مع الأسف !. , كانت قدمي ثقيلة مخدرة بشكل أخافني وثقيلة .. بصعوبة أرفعها و أخفضها بحذرة .. وهكذا أسير أبطأ من حلزون !.
توقفت أمام الدرج أخيراً بعدما تجاوزت حشود الطلاب وأنا ألتقط أنفاسي .. حدقت بيأس بالدرج , هل علي أن... ؟!
قاطع تفكيري صوت مألوف خلفي
_ كلآرا ..
التفت ببطء و حدقت بالطبيب لوك فرانس , وبجانبه الآنسة ماري التي تشير إلي بمرح ثم تقدموا بسرعة قبل أن اتحرك بجسدي..
قال الطبيب بلطف وهو يتأمل وجهي : مرحباً كلارا , كيف حالك ؟! , تبدين لي مرهقة جداً .. جئت لاصطحبك للمستشفى بعدما حدثت والدك بالطبع .
قالت الانسة ماري : لقد أخذ الدكتور فرانس العذر لك عزيزتي يمكنك الذهاب الآن .
حدقت به و قلت بتوتر مخفي : يفترض أن الموعد في الساعة..
_ أنا أعرف , هيا اعطني حقيبتك..
أخذ مني الحقيبة و انتظرني لأسير بجانبه .. تباً لا أريده أن يلاحظ ... لكن ودعتنا الآنسة ماري و غادرت .. كانت الممرات فجأة قد خلت لأبتداء الصف الثاني الآن...
مشيت بتعب ضاغطة على نفسي و فكرت بأني سوف أموت أن استمريت على هذه الحالة لساعة أخرى .. أن لتحملي حدود ..
_ اووه أنت تعرجين بشكل سيء , لقد أصبت قدمك ... أليس كذلك ؟!.
قلت باضطراب وأنا ألقي نظرة خاطفة لوجهه المصدوم : لا , أني فقط مرهقة و...
قاطعني بجدية حادة وهو يقف أمامي كي اتوقف : توقفي عن الكذب على طبيبك كلارا أنا أعرف تماما عندما يكذب المريض وقد تجاهلت كذبة الأمس لكن اليوم .. هل تريدين الأصابة بالشلل وأنت تضغطين على أصابك بهذه القسوة ..؟! .... آنسة ماري..
نادي وهو ينظر من خلفي , لتأتي المرأة وهي تقول بتعجب : ماذا ؟!.
_ أرجوك هل تملكون مقعداً متحركاً ... كلارا تشعر بالألم...
_ آه أجل , سأجلبه حالاً...
لم اقدر على النظر بوجهه , قلت بهمس بارد : لا تقل شيئا لأبي ..
_ سيأتي لرؤيتك بعد الموعد .. والدي الذي قابلته يتحدث إليه بشأن عمل ما.
جلست على كرسي متحرك مخصص للحالات الطارئة في المدرسة و دفعني الطبيب إلى سيارته لينطلق بنا للمستشفى ..
_ آوه لا , .. لا ...
و هز رأسه عابساً و مقطباً وهو يحدق بصور الأشعة , بينما سقط قلبي في هوة مظلمة و توتر لا نهاية له.. مالذي يراه ؟!.
رفع عينيه إلي وبدا منزعجاً جداً .. شعرت بأنه سوف يوبخني ... كنا قد انتهينا للتو من تصوير الأشعة واعترفت أنا له بأني ضربت قدمي هذا الصباح لكني لم أظن بأن الوضع حرج لهذه الدرج....!
_ كلارا !.. أنظري مالذي حدث بقدمك اليمنى .. لقد تورمت جداً و المفصل بحالة رهيبة فهو لم يعد قادر على حمل الثقل بينما الأربطة التي بدأت تتكون و تنمو مجدداَ تقطعت تماماً .. العصب الحركي لا يزال تالف بينما الأعصاب الحسية تعرضت لضغط شديد جعلها تتوقف عن عملها وهو نقل الأحساس والألم لهذا تشعرين بالخدر و الثقل الشديد بسبب التورم ... هل تريدين أن أطلع والدك على هذه الأشياء... سوف يفزع جداً...
حدقت به برعب و فمي مفتوح .. لا أدري ما أقول أو أفكر...
_ أنتِ ممنوعة من السير يا آنسة لمدة أسبوع حتى يتحسن الكاحل ! , آوه نسيت أمر القدم الأخرى , أنها في وضع سيء , أنتِ تحملينها كل ثقلك .. أخشى بأنك أن استمريت هكذا سوف تتعب الأربطة و الأعصاب لتتلف بالنهاية .. بالإضافة إلى أن جسدك نحيل ضعيف ووجهك شاحب جدا يجب أن تتناولي الكالسيوم والمعادن ... سأصف لك كل شيء بالورقة .. الآن هيا نضع مرهما مخفف للألم و معالج للانتفاخات ثم نعيد التضميد بشكل جيد ..
قلت بضعف و الممرض تأتي لتساعدني على الجلوس فوق السرير الأبيض العالي :
_أرجوك سيد فرانس . لا تخبر أبي بكل هذا ... سوف... سوف...
_ اهدئي عزيزتي , أنا سأخبره بأن المشي الكثير سيضر قدمك .. لذا استرخي فقط ودعيني أفحص كاحلك .
تمددت على السرير بينما يضعون على كلا قدمي الدهان و يلفانهما , لكن قدمي اليمنى حظيت بلفافات اضافية داعمة ...
اعتدلت بجلوسي بينما هو يقف قربي يكتب تقريراً ما و الممرضة تساعدني في ارتداء فردة حذائي و الداعم لقدمي المصابة ..
_ همم عدم المشي لأسبوع , و آه نسيت القول بأن بعد هذه الفترة أن اردت استخدام العكاز فأنا سأصف لك عكازين وليس واحداً , سيضرك هذا...
حدقت به مصدومة و فزعة ... بضيق واضح قلت مرتجفة : لكن ... لماذا ؟!.
_ لأسباب بسيطة و خطرة بنفس الوقت , العكاز الوحيد يشوه كتفك وذراعك معاً خاصةً أنهما بطور النمو ..بينما تـ...
قاطعته بصوت مرتجف وعيناي تقدحان : هذا يكفيني أني أتقيد أكثر و أكثر كل يوم .. أني أريد العودة إلى ماكنت عليه بأسرع وقت , كيف يمكن لوالدي أن يعود لطبيعته و للعمل ؟! , وأنا لن أحب الدراسة بهذا الشكل .. المصاعب لا تحتمل والنظرات أ...
_ هذا يكفي كلارآ , الصراخ و الغيض مما آل إليه حالك لن ينفع .. عليك بالتعايش .. استرخي أرجوك و خذي عدة أنفاس عميقة...
قلت بحده شديدة : ليس هو الحال الذي أنا به أنما فقدت قدرتي على معرفة مايجب علي فعله !!.
رد بضيق : لا تزالين صغيرة على تفكير كهذا أنتِ...
قاطعته بنفس الصوت الحاد الغاضب : أكرهه هذا النعت !, كن مكاني لنصف يوم مقيده بالعكاز أحدق بأبي بعجز شديد بينما هو يحمل كل الثقل جيني بأحدى ذراعيه وبذراعه الأخرى يهتم بي...!
هز رأسه وهو يقول بضيق شديد : أنتِ لم تمنحي نفسك الفرصة و النظر لكيفية أصلاح الأمر ...
_ وكيف هذا ؟!. أني عاجزة للأبد .. على كل خططي للحاضر و المستقبل أن تتغير كلياً , بت لا أقدر على تخيل ماسيحدث لي لاحقاً... بدأت...
كدت أقول " بدأت أهلوس , " لكن عضضت على لساني بقوة و أحدجه بنظرات حارقة وعيناي محمرة من شدة الاحتقان , ظللنا نتبادل النظرات القوية إلا أن فجأة طرق الباب و دخل والدي ..
طرفت بعيني كثيرا وحاولت أن أبدو هادئة بصعوبة .. تبادل تحية حارة ومصافحة مع الطبيب ثم وقف قربي وهو يمسك بيدي و يهمس بحنان لي :
_ هاي حبيبتي , كيف حالك ؟!.
_ بأفضل حال أبي . ,,, ومنحته ابتسامه رقيقة جعلته يرد علي بمثلها بينما يدق قلبي بعنف ... كان الطبيب يراقبني ..ثم قال بهدوء يحدث والدي
_ أريد التحدث معك قليلا جاك . جينا اجلبي هذه العربة و اصطحبي كلارآ للاستراحة ..
حدقت به بقلق شديد وعيناي زائغتان , بينما هو تجاهل نظراتي وبدت عليه ابتسامه توترني .. الويل له أن أخبر أبي... سأقتله !.
كنت جالسة على المقعد بصمت وظهري مشدود و أوجه عبوساً لاذعاً و نظرات قاتلة حادة لمن ينظر نحوي , يبدو بأن هذه البلدة السخيفة الهادئة لا يوجد بها أشخاص مصابون كفاية لأن يجلسوا على المقاعد المتحركة .. إذن أنا ككائن فضائي بالنسبة لهم .
تبسمت لي الممرضة برقة وهي توقفني قرب المقاعد الخالية , يبدو لي المستشفى شبة خالي في هذا الوقت .. قالت برقة
_ أتحبين أن أجلب لك بعض العصير ؟.
فكرت بقول "لا" بفضاضة , لكن مظهري وأنا جالسة أشرب شيئا ما وأحدق بوالدي بنظراتي اللطيفة سيجعله يسترخي .
_ آوه أجل أرجوك...
وبالفعل جاء والدي يسير كان متجهما قليلا ,لكنه تبسم لي بحنان و شكر الممرضة التي غادرتنا .. حدقت بأبي وابتسمت بارتباك...
_لا بأس عليك حبيبتي , هل تشعرين بالألم ؟!.
_ لا أني بخير ,لقد تناولت مسكناً قوياً قبل دقائق..
تذكرت جيني فجأة فقلت بتوتر بينما هو يدفعني للخارج : و أين جيني ؟!.
تردد لثانية فقط ثم قال بهدوء : أنها ..عند السيدة فرانس .. أقصد والدة لوك جيراننا لقد أحبتها جيني من أول نظرة وهي تبدو بخير معها...
كنت مصدومة جداً لأرد ... لقد قال الطبيب بأن أبي يناقش أمور العمل مع والده "جورج" ولاشك بأن جيني بنفس الوقت تلاعب فوق حجر سيدة عجوز !... هذا أًصابني بالدوار , شئت أم أبيت علاقة والدي تقوى بسرعة مع هؤلاء الناس ..
نظرت إليه , كان عابساً بنظرة غريبة , همست بتوتر : مالذي.. قاله لك الطبيب...؟!
ألقى إلي بنظرة سريعة شبة حادة , قال ببرود : مالذي تتوقعينه بما أنك لن تستطيعي المشي لأسبوع !.
كتمت شهقة ! , ذلك الرجل أخبر والدي .. قلت بحرج وضيق شديد : أبي .. أن الوضع كان ....
قاطعني بحده : كلارآ , هل تظنيني أحمق ؟! , أنا من رأيتك تسقطين صباحاً نصفك تحت عجلات السيارة !. لقد أخبرته بهذا عندما قال بأنك ستتحسنين لكن ببطء ... و أردت حقاً...
شهقت : عساك لم تلكمه !!. أبي !!!
_ اششش لا بالطبع .. هلا هدأتِ !.
حدق بي و أكمل بجدية يائسة : هل تفكرين بأخفاء كل شيء عني ؟!, أين نوع من الآباء أكون ! .بحق الرب ربما تودين الموت دون أخباري حتى ... كيف أمكنك كتم كل هذه الآلام ؟ كنت أشعر بأن هناك خطب ما ..لكنك .. يالك من فتاة .. أتساءل من تشبهين ... إياك التظاهر مرة أخرى.
شعرت ببؤس و حرج لم أشعر به منذ ...!..ضممت شفتي بقوة ولم أنطق بشيء , فقط زفر والدي بعمق و قال بعد دقيقة بصوت رقيق : سيتحسن كل شيء عما قريب صغيرتي , أنتِ تفتقرين للصبر , عليك فقط أن تصبري.. اتفقنا ولا مزيد من الخداع..
أومأت ببرود وقلت بقلبي " أنا لا أعدك " ... لكن والدي نظر نحوي وابتسم وهو يمد يده ليلمس أنفي مداعباً...
_ ... آه صحيح نسيت أخبارك , نحن مدعوين للعشاء لديهم الليلة. أقصد آل فرآنس ..
هززت رأسي دائخة أشعر بالتعب البالغ .. والدي ساعدني في الدخول للسيارة ,لقد حملني كلياً متجاهلاً اعتراضي ..
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 02-17-2018, 02:43 PM
 
الجزء الرابع _ (( بلا سابق إنذار !! ))

(( بلا سابق إنذار !! ))


كان هناك ذلك الشيء مجدداً ..! , الطنين الحاد القوي ثم ضوء يصيب العمى و ضربة قوية هوت بي رأساً على عقب ... في دوامة من الظلام و الألم ~
تأوهت و تقلبت ... ما كان هذا ؟!.
..." ..... " همهمة غير معروفة تجيء من مكان ما .. حككت رأسي بقوة أحاول تصفيته من الطنين المزعج , ثم تلاشى الظلام ببطء ... رأيت ملامح منزل كئيب في الليل القاتم ... آه ... صراخ امرأة , ثم صوت ضربه وتعثر وسقوط مستمر على درجات السلم المظلم ... صوت صراخ المرأة ارعبني ... و استقر جسدها آخر الدرجات وهي شبة صريعة تقاوم الألم بصعوبة ..
صرخت برعب : أمييييي !!! كانت أمي من سقط من الدرج الطويل وهي تتلوى أمام عيني وقد بدأت تنزف بشدة الدماء .
شعرت بأنني سأموت خوفاً عليها , مالذي حدث.. لم أرى شيئا ... هرعت إليها و أنا أتحسس جسدها برعب .. انتفضت وهي تقول : " كلارا ... استدعي اباك ... آه " و خرت صريعة من شدة الألم ..
الشيء الذي لا افهمه هو رؤيتي لمنزل جدي بالتبني من الخارج .. كأنني أقف قرب شجرة ضخمة و الوقت ليلاً... و القمر بعيد و ضعيف خلف الغيوم ...آه يجب أن أجد أبي لأجل المساعدة بسرعة ... صوت بعيد يتنامى لسمعي... ثم علا ... أنها جيني تبكي من الغرفة ... نافذتها المفتوحة لغرفتها المظلمة ...
أطل ظل مريع طويل منها قطعاً ليس والدي ... حدق هذا الشيء بي ثم عاد للداخل و أقفل النافذة .وكأنه يريدني خارجاً !!!.
هززت رأسي مرعوبة مصدومة ... و ركضت نحو البيت أصرخ : أبييييي .... جينييي ... هناك غريب بالمنزل ..!!!
كنت أصارع ما أراه وما يحدث ... وفجأة ظهرت شاحنة لا أدري من أين و ضربتني و مرت فوقي بينما جسدي يتقطع تحت عجلاتها ... صرخت بألم رهيب يجتاحني و حرارة فضيعة ...

_ كلآرا ... كلآرا ... يا ألهي كفي عن الصراخ ...!!

ناداني صوت مألوف بعيد وشيء قابض على ذراعي يهزني !... ثم رشة باردة على وجهي جعلتني انتفض و افتح عيني باتساعهما ... كان وجه والدي قريباً وهو يحدق بي شاحباً جداً خائفاً ... بينما جيني تبكي بقوة خلفه ..
_ كان هذا كابوساً حبيبتي لا تخافي... اهدئي ... اشربي هذا الماء...
ادركت بأنه رشني بالماء , امسكت بالكأس بيد ترتجف بينما هو يلتفت للصغيرة , كانوا بغرفتي و الوقت لا أدري لكن الجو قاتم قليلاً... تنهدت بتعب بينما جسدي يؤلمني كله ورأسي يدور ..و يدور بصداع معذب ... ما كانت سلسلة الكوابيس المريعة قبل قليل ... أقسم بأنها أسوأ ليلة أمر بها حتى الآن ...
_ هل تحسنتِ ؟!... كلآرا ؟!
سألني والدي وهو يرمقني بقلق ... نظرت نحوه وأنا أدعك جبيني المتعرق , قلت بارتجاف :
_ بخير ... لا بأس ...
كان وجهه الشاحب و عيناه المتوترتان تقولان الكثير مما حدث .. لكني لا استطيع التذكر .. هل كنت أصرخ حقيقة ؟!.
قال بتوتر خفيف : الساعة الآن السادسة مساءاً , إن كنتِ غير مستعدة للذهاب فسوف نعتذر و...
قلت بترديد ويدي لا تزال فوق جبيني : ...للذهاب ؟!
_ آ ... للعشاء الليلة ... منزل آل فرآنس !.
_ آها , لقد نسيت , آسفة أبي ... آه بالتأكيد سأستعد الآن .
حدق بي بتركيز بينما هو يهدهد جيني التي تحدق بي هي الأخرى فوق ذراع والدي ... قال بخفوت :
_ هل تشعرين بالألم حبيبتي في ساقيك أو أي مكان ...؟!
قلت بهدوء أخفي تعبي : لا سأتناول الدواء الآن .. لا بأس علي ..
عندما خرج , كنت لا أزال أتصبب عرقاً بارداً و انتفض لا أقدر على السيطرة على يداي .. لكني بصعوبة بدلت ثيابي لتنورة واسعة و طويلة وكنزة عادية , لملمت شعري وغسلت وجهي بمنديل مبلل و كدت أقف لولا وجود الكرسي المتحرك بجانب السرير ولا وجود لعكازي !. كما أن ساقي ارسلت إنذاراً مذكراً و محذراً أيضاً...
تأوهت بضيق وأنا أتخيل نفسي أدخل لمنزل غرباء فتاة بكرسي متحركة و من خلفها والدها المرهق يحمل رضيعة بين يديه ..!!
ولم تعجبي الصورة أبداً ... هل هناك مجال للتراجع ...؟!
وظللت أحدق بالكرسي الجلدي الأسود .. طرق الباب وظهر صوت أبي خافتا : كلآرا ؟!.. هل أنت جاهزة ؟.
قلت و أنا أقفز فوق الكرسي : أجل سأخرج الآن ..
كنت أتولى قيادة نفسي , حتى توقفت برعب أمام الدرجات ,عائق لم يكن في الحسبان .. مر والدي من جانبي وهو يحمل جيني و حقيبتها الخاصة .. همس لي بشيء ما لم اسمعه .. كان الظلام يعم بالخارج و ضوء المصباح الخارجي يغمر سيارة أبي .. وضع جيني بمقعدها الخاص و حقيبتها .. ثم التفت الي و تقدم وهو ينحني ليحملني ..
قلت محتجة : لا أبي .. اسمع .. اسندني فقط أنا...
_كلآرا هيا لا وقت لدينا...
تعلقت به وهو رفعني بكل سهولة ... ربما لأنني فقدت الكثير من الوزن منذ الحادثة ..ولأن والدي رياضي منذ زمن وهو يزور النادي بانتظام لكنه توقف حتما بسبب الحادثة .. غير أنني أشك بأنه يخفي رياضته المفضلة عنا "الملاكمة" , لأنه دائما ما يلكم الناس اذا غضب و يكسر أسنانهم !!. لذلك أحمد الله أنني ابنته لأنه يستخدم اللكم لحمايتي ^^!.
فكرت بصمت وهو يضعني في المقعد ... هل لهذا السبب أرى الشبان لا يقتربون مني >>"؟؟؟! لكن هذا مريح جداً...~
وضع كرسيي الخاص ثم عاد لينطلق .. جلس ثم انحنى للخلف يتفقد جيني التي بدأت تثرثر لنفسها و تعصر لعبتها المرنة
فابتسم وهو يهمس لها برقة حسدتها عليها : من هي أروع كائن على وجه الأرض .. نعم هي أنتِ .. أنتِ تعلمين أليس كذلك ؟! .
كانت جيني تحدق إليه بعينيها الزرقاوان السماويتان الجمال وتضحك له بسعادة .. فضحكت أنا أيضاً .. لقد شعرت بشيء رائع يلف قلبي .. حدق بي أبي مبتسما و داعب مقدمة شعري ثم همس : وأنت أجمل شابة في الكون .. هيا اربطي حزامك حبيبتي...
فأطعته بلا أي اعتراض حتى ولو كانت المسافة مترين ..!
توقفنا أمام منزل كبير جداً و طراز كلاسيكي يشابه منزل جدي ... غير أنه حديقته نظيفة و مخضرة و الأنوار تسطع منه .. تضايقت عندما رأيت العتبات .. لكن جلب والدي المقعد و تبثه لأجلي حتى استقريت فوقه بصمت وقد بدأت التوتر يتسلل .. عاد ليحمل جيني و حقيبتها الصغيرة .. قمت أنا بدفع نفسي قربه و لأجل أن يبدو الجو أكثر طبيعية رسمت ابتسامه لم أعلم بأنها مزيفة إلا عندما ألقي إلي والدي نظرة غريبة متساءلة !.
فتح لنا الباب .. وظهرت لنا سيدة جميلة المظهر رشيقة القوام حتى ولو كان نصف شعرها فضي اللون مرتب و لامع بشكل جميل وثوبها أنيق ... هذا غير معقول أهي السيدة فرانس ؟!.
تخيلتها عجوزاً قبيحة لا تقوى على شيء ...! لكني أنا و خيالاتي الرهيبة ~~"

قالت بسعادة بينما أقف أنا أمام أول العتبات خلف أبي الذي تقم و صافحها :
_ يا ألهي كم أنا سعيدة برؤيتكم مجدداً , شعرت بالفراغ من بعدكم .. آه جيني الفاتنة ..
و اخذت الطفلة من ذراعي والدي بشوق وهي تقبلها بحنان بينما والدي يقول بتهذيب : مساء الخير سيدة فرانس .
_ آآوه دع عنك الرسميات جاك أرجوك .. نادني فقط جورجيا ..
شعرت بأني مختفية بينما والدي يحدثها و ظننت لوهلة بأنهما سوف يدخلون و يغلقون الباب أمام وجهي .. لكن تخيلاتي التعيسة مجددا مرت في اجزاء من الثانية أعلم بأن هذه اللحظات ستغذي تعاستي عندما أكون وحدي ليلاً و ستبدأ الهلاوس , لكني سأقاتلها هذه المرة إن عادت...
التفت إلي والدي ونزل الدرجتين وهو يضع يده على كتفي و يقول بحنان : هذه ابنتي كلآرا ..
حدقت بي المرأة بدهشة أولاً .. ثم قالت بعطف أو شفقة لا أدري : آوووه يا حبيبتي . آسفة لم أرك .. كم أنتِ جميلة .
لكني رأيت الحيرة بعينيها , ربما لأني لا اشبه جيني و والدي كثيراً .. استغربت جداً , فأنا لم أنظر لنفسي من هذه الناحية .. جاء السيد فرانس و قال ضاحكا من خلف زوجته : أتريدين إبقاءهم خارجاً طوال العشاء , آوه يا ألهي . أرجوكم ادخلوا..
أنا أنكست رأسي لا أدري ما العمل , لكن والدي انحنى نحوي و حملني... آآه يا الإحراج ... فحاولت ألا أنظر حولي ..
كانت السيدة فرانس تقول ضاحكة أيضا في ممر الردهة : آوه يا ألهي كم أنسى عندما تكون جيني الملاك بين يدي.
وأخذت تداعب الصغيرة بسعادة و جيني تضحك , وهذا أشعرني بالحنق الشديد .. لقد وثقت جيني بالغرباء سريعاً .. لم يعجبوني عائلة فرانس أبداً ..وتمنيت من كل قلبي لو أنني في المنزل مع الهلاوس .. أشعر بأنها أرحم ><...!!
كانت الردهة مضاءة جدا و فاخرة وجميلة التحف للغاية .. ل
كن هه بالطبع ردهة منزلنا أجمل و أفخم... لا أدري لم أشعر بالغضب و النبذ , لكني لا أحب الزيارات طبعا وأنا محمولة أمام غرباء ...!!
وضعني والدي بخفه فوق أريكة طويلة مريحة و همس لي : سأجلب العربة لأضعها في الممر ...
ابتسم للزوجين مستأذنا و خرج .. وبعده بثوان دخلت سيدة أخرى .. لكنها امرأة شابة وجميلة جداً شقراء وأنيقة للغاية ابتسمت لي بمرح و قالت بصوت ناعم وهي تقترب بسرعة بخطوات رشيقة حسدتها عليها :
_ لقد قابلت السيد موند قبل ثوان .. ياللروعة ظننت أنهم لن يأتون .. أنتِ مؤكد كلارآ ..
صافحتني بحب و ظلت واقفة قربي لثوان .. شعرت بالأمتنان جدا لهذه السيدة الجميلة التي لم تعتبرني خفية من أول نظرة ..
ثم داعبت جيني التي بحجر السيدة فرانس برقة و التفتت لتقول لي و للزوجين : سوف أجلب الشاي حالاً ..
توقفت فجأة و التفتت لتقول بحرج وابتسامه خفيفة : اووه يالا قلة ذوقي ! , أنا جوليان زوجة لوك. ولا أدري أين ذهب أليكس لا شك بأنه يذاكر بالأعلى , سينزل فوراً ..
قلت بهدوء و ابتسامه : تشرفت سيدة فرانس ..
ابتسمت لي برقة و خرجت .. قالت السيدة فرانس العجوز بمرح في لحظة دخول والدي : لقد حدثنا لوك عنك كثيراً عزيزتي , كم أنت فتاة طيبة .. لا شك بأن أليكس بمثل عمرك ..
ابتسمت بوهن و والدي يجلس بجانبي شعرت بالهدوء .. قال السيد فرانس معترضا : لا أليكس أصغر سنا بقليل .. أنه في الخامسة عشرة .. لم لا ينزل لقد أتوا الضيوف ؟!
تساءل بحيرة وهو يلتفت للمدخل , سأل والدي بهدوء : ألن يأتي لوك الليلة ؟!.
اجابته السيدة فرانس وهو تضع جيني على الأرض كي تحبو كيفما تشاء : آه لا مع الأسف لقد أوصل زوجته وابنه ثم غادر لديه عمل كثير...
اومأ والدي و ظل صامتاً .. جلبت زوجة لوك الشاي و الكعك و جلست على الأريكة المفردة التي بجانبي وشعرت بالسعادة لأنها لم تتجاهلني كما يفعل الجميع وكأنني طفلة في الخامسة .. تحدثت إلي بكل رقة و لطف وليس بالشفقة .. بل شعرت من كلامها بأن هنالك أمل كبير بالتغير للأفضل... اعجبتني هذه المرأة جداَ... ثم أخذت تتحدث إلي والدي كذلك بسعادة ..
فجأة أطل ظل شخص من المدخل .. و ظهر فتى أشقر طويل بجينز وتيشرت مرتب .. صدمت لدى رؤيته ... آآوه لا يمكن أن يكون هو ... التفتت إليه جوليان و قالت بسعادة : تعال يا عزيزي .. الضيوف هنا .
اقترب أكثر للضوء و بدا هو أيضا مندهشا لرؤيتي .. نظرت إليه من جانب وجهي و بقيت صامتة .. اقترب هو من والدي و صافحة مبتسما وهو يقول : اهلا سيد موند .. آسف لتأخري ..
ثم نظر إلي و قال بتهذيب : مرحباً ..
قلت بلا ابتسام : اهلا ..
وجلس على أريكة قرب جده بينما أمه تقول مندهشة من برودنا : أليكس هذه كلارآ أنتما بنفس المدرسة , ألم تلتقيا ؟!.
قبل أن أجيب قال هو بهدوء وهو ينظر في عيني : آه لا .. مع الأسف لم أرها.
فشعرت بارتياح لا أريد أن يقول لهم كيف كنت تعسة باليوم الأول وكدت أسقط على وجهي ..
أتبع الفتى كلامه : أننا في صفين مختلفين ..
قلت ببرود وعيناي منخفضة : أنا في الصف الأخير.
تأوهت السيدة فرانس الشابة محبطة و نظرت نحوي وهي تقول : تبدين أصغر سنا حبيبتي ,لكن هذا جيد لك سوف تتخلصين من الدراسة خلال سنة بينما بقيت سنة أخرى لـ أليكس ..
و ظلوا الكبار يتحدثون و يثرثرون بينما أنا و أليكس صامتين و كلانا يشعر بالملل . لقد لمحته مرتين يتثاءب .. وجعلن هذا اتثاءب أنا أيضا .. ثم حككت عيني .. الكعك و الشاي خدراني و تمنيت لو أنني بالمنزل في سريري .. بينما جيني تتمشى أو تحبو بسعادة بين أقدامنا حملها والدي و داعبها كثيراً حتى ملت منه ثم قفزت لحجري وأنا استقبلتها بكل فرح ..
لكن السيدة فرانس العجوز شهقت فجأة قائلة بقلق : آووه لا .. جيني سوف تؤذين أختك .. أليكس خذ الطفلة قليلا...
قلت معترضة بينما حدق بي والدي مثلهم : لا أنا بخير .. أننا بخير..
لكن أليكس نهض وقال مبتسما بقلق : لا بأس سأهتم بها ..
ضحكت أمه لتقول : أنه يحب الأطفال .. أليكس سيكون والداً رائعا بالمستقبل.
أحمر الصبي خجلاً و التفت ليعود للجلوس قرب جده .. و للتو لاحظت شيئا .. كان جده السيد فرانس يرمقني بنظرة غريبة .. نظرة متسائلة مرتقبة .. ليست عدوانية أبداً .. أنما كأنه يحدق إلى كائن غريب ولا يدري أهو مؤذٍ أم لا ... باختصار كان يتفحصني .. استغربت كثيراً و التصقت بوالدي وقلبي يخفق ..
قال الرجل فجأة وهو يرفع فنجانه لفمه : جيني تمتلك عيني والديّها , لكن كلآرا تبدو مختلفة .. لكنك جميلة ياصغيرتي الرمادي لون هادئ كطبعك ..
لا أدري ما خلف كلماته لكن والدي ابتسم برقة ,,, قلت بصوت بارد دون درايتي : أنها خضراء .. عيني ..
قال والدي بسرعة و كأنه يشعر بشعوري : أن كلآرا بلا شك تملك عيني من عائلة والدتها .. رمادية مخضرة جميلة ..
_ حقا ؟! , أنها تبدو لي رمادية فقط الآن .
نظر نحوي والدي باهتمام , بينما فكرت بعبوس وأنا أحدج الرجل ما شأنك بلون عيني >< ..!!
قال والدي بلطف يهدأ توتري : هذا شيء مميز حتماً , يبدو لي عميقاً ..
همهم السيد"جورج" بلا اكتراث و عاد ليتناول بعض كعكه .. بعدها ظلت الأحاديث هادئة حتى حان وقت العشاء ... بعد العشاء بقليل و الجميع يتناول القهوة , سألني أليكس أن كنت سأذهب للمدرسة غداً .. حدقت به وأنا لا أدري حقاً... قلت بتردد " لست واثقة ربما سأذهب ..." .
وفكرت بالأشخاص الذين رأوني بالعكاز ... لآتيهم في اليوم الآخر على كرسي متحرك .. ألن تتحسن هذه الفتاة أبداً ؟!.
بدأت قدمي المصابة تؤلمني بشكل مفاجئ جعلتني ارتجف لثوان .. فقبضت على ذراعي بقوة و صررت أسناني مفكرة هل تناولت المسكن و الدواء .. لكني لم اتذكر شيء .. تباً ... أصابني الصداع ايضا وبدأت أنفاسي تضطرب من الألم المكبوت ...!
انتبهت أن الجميع فجأة يحدقون بي... سألت السيدة العجوز بقلق : هل تشعرين بالبرد عزيزتي ؟!.
بينما يحدق بي والدي بتوتر مشدود .. حككت جبيني و قلت بصعوبة اقاوم الألم : لا . أنا بخير ..
قال "جورج" فجأة وهو يتمعن فيّ : لا شك بأن الصبية متعبة جداً , يجب أن ترتاح كثيراً وتتمدد .
كانوا كلهم يحدقون بي قالت السيدة جوليان برقة : اوه حبيبتي , ربما تشعرين ببعض الصداع لدي بعض المسكنات.
نهض والدي فجأة وقال برسمية وهدوء معتذراً : آسف حقا , الأمسية كانت رائعة , لكن جيني بحاجة للنوم أيضاً , وكلآرا امضت يوماً مرهقاً..
نهض جورج وهو يقول بتعاطف : نعم بالطبع .. لقد أرهقناكم .. لا بأس جاك.
تبعونا كلهم للخارج و حملني والدي و أنا لا أزال أتألم من الساقين كلاهما بدئا يحرقانني وكأن هنالك جمر داخل اللفافات !.
جلست اتنفس بصعوبة في السيارة و يداي ترتجفان محاولة اغلاق الحزام , بينما والدي يعود ليأخذ جيني من يدي السيدة ... سمعت صوت حركة غريبة بعيدة , فلتفتت بتعب أحدق في الأشجار البعيدة المظلمة .. كانت الساعة تقترب من التاسعة .. عدت كي أربط الحزام .. لكن الصوت عاد و كأنه مشي ثم توقف .. رفعت عيني بإرهاق أنظر بتوتر فألمي جعل مشاعر مشوشة ...
لكني صدمت .. وأنا أرى بين شجرتين ظل طويل ... لشخص ما واقف يتطلع نحو السيارة , لكن كل شي مظلم فيه لا ملامح ولا عيون... عيون آآه تذكرت العيون التي بالأمس .. اللعنة لقد عادت الهلاوس أنها تتشكل لي تدريجياً ..
_ حبيبتي ؟!.
حدقت بأبي الذي جلس وراء المقود و هو يعتدل و يساعدني في ربط الحزام .. قال معاتباً و قلقا بنفس الوقت :
_ لقد نسيت تناول دواءك أليس كذلك , آوه كلارا ؟!.
اضطربت و قلت مشوشة : أبي .. هناك شيء ما قرب الأشجار...!
حدق والدي إلى حيث أشير بأصبعي ولم يكن هنالك من شيء.. عاد ينظر نحوي وقال مكملا كلامه : سنعود بسرعة كي تتناولي طعامك و لترتاحي فأنت شاحبة جدا و مرهقة للغاية .. آسف لأرهاقك كان علينا رفض الدعوة الآن .
_ آه لا , أرجوك .. أنا متوترة فقط ولم اعتد على العكاز حتى يجلسوني على مقعد .. لكني أعدك بأن أكون افضل عما قريب...
هز رأسه ولم يجادلني و وصلنا للمنزل .. حدق أبي بـ جيني الصامتة فوجدناها نائمة .. قال بهمس لي : سآخذها أولاً ثم أعود إليك ..
اومأت برأسي بتعب .. فنزل و حملها ليدخل المنزل .. بينما بقيت أنا أسمع صوت الرياح .. و فجأة وخزني كاحلي المصاب بشكل قوي جعلني أتأوه ألماً و أنحني نحوه كي أمسكه بقوة .. لكن ظل يؤلمني .. قلت صارخة والدموع في عيني : هذا يكفي...!
" لا تصرخي !."
جاءني همس عجيب مع صوت الرياح و حركة الأشجار في ظلمة الليل , شهقت و أخذت التفت حولي مرعوبة أقصى درجة أضم نفسي... و هاهو مجدداً , تبا للهلاوس .. أنه نفس ظل الشخص الذي كان قرب منزل آل فرآنس ... لكنه يبدو أقرب قليلا... غير أنه مظلم ... وقد تحرك ليضع يديه حول وسطه ...
هذه ليست هلوسة !... منزلنا مراقب ..!!
كدت أصرخ بـ أبي... لكن الهمس عاد ليقول بشكل أكثر وضوحاً " لا تصرخي و إلا سيعود !! "
أخذت انتفض بمكاني و ظل الشخص مهما كان واقف على مسافة كبيرة ربما أكثر من عشرة أمتار كان ينظر بعيداً بحسب التفافة رأسه .. وكأنه يراقب شيء ما ... أخذ قلبي يقرع بقوة ... سمعت صوت والدي ينادي .
_ كلارا ...؟!
وفتح لي الباب لأرمي بنفسي عليه و أتعلق بعنقه... تفاجئ و قال وهو يحتضنني مهدأ : حبيبتي ما بك ؟!. آه أنتِ متجمدة...
قلت بتوتر مخفي وأنا أرى الشخص يختفي في الظلام : أني مرهقة جدا أبي...
ساعدني في دخول الحمام , لأخذ دشا سريعا حاراً ... ثم دفئت نفسي ببجامة داكنة ثقيلة و طويلة الأكمام ,ثم ساعدني أبي في ربط كاحلي مجدداً بالأربطة الجديدة بعد دهنهما , تناولت الدواء و كأس كبير من الماء .جلس معي قليلا يسألني أن كنت أشعر بالألم ... فطمأنته أنني بخير الآن وسط سريري و قد بدأ الألآم تختفي... قبلني على شعري برقة وهو يقول : سأكون بالأعلى أعمل على شيء ما .. تركت جيني نائمة في غرفتي .. استطيع أن اسمعكما كلاكما أن ناديتماني ..
قلت بخفوت و تعب : آسفة أبي لأرهاقك .
_ لا عليك حبيبتي .. تصبحين على خير..
وغادر الغرفة ليطفئ النور ... ثم وضعت رأسي على الوسادة من التعب نمت سريعاً...

لا أدري كم مضى علي .. كان كل شيء هادئ ثم فجأة دوى بأذنيّ صوت صراخ بعيد للغاية و كأن أحدهم يطلب النجدة !!.
فتحت عيني بصدمة و حدقت حولي وشفتي تنطقان بلا وعي كلمة : أين ؟!.
حدقت بنفسي و تذكرت كل شيء... ثم فجأة تراءت لي صورة أمي و تلاشت بسرعة وكأنني لم أرها منذ سنوات...! رفعت يدي و تحسست وجهي ... كله مبلل بالدموع ... سحبت الغطاء و مسحته بهدوء بينما يداي ترتجفان ...
مالذي يجري لي ؟! .. شيء غريب و مخيف ... هلاوس أحلام مريعة كأنها حقيقية جداً .. ألآلام لا تنتهي ... لقد اكتفيت من كل هذا ...!
حدقت بالساعة .. كانت التاسعة صباحاً .. فكرت ببرود فلتذهب المدرسة إلى الجحيم ...! رأيت الكرسي قربي فقفزت عليه .. و دفعت نفسي خارجاً بعدما اصطدمت بالباب وآذيت أصبعي و شتمت . لكني ظللت مستمرة
حدقت بالردهة متكاسلة أن أدخلها. ناديت بهدوء : أبي ؟!.
لكن لم يرد علي أحد .. توقفت أمام الدرج الطويل الذي لا أمل بصعوده , كان الطابق يبدو مظلما هادئاً. غريب , ذهبت للمطبخ ولم أجد شيء , نظرت من النافذة فرأيت سيارة والدي ساكنة بمكانها ... ربما لا يزال أبي و جيني نائمين ..
عدت للمطبخ وأنا أقول سأصنع لهم الطعام .. أخرجت البيض و الأجبان وبعض الخضار للسلطة و بدأت العمل وأنا جلسة في كرسيي أضع كل شي بحجري و أقطعه .. آآوه أنا لست سيئة .. أبدو جيدة بهذا العمل ..
صنعت عجينه صغيرة لأجل الفطائر بالجبنة و وضعتها بالفرن و قمت بصنع البيض المقلي و تقطيع السلطة و تجهيز التوست و المربى و الكريمة ... صنعت أفطاراً جيداً جداً.... ثم وضعت أبريق القهوة على النار بينما أشرب بعض العصير البارد كي اتنشط...
اقتربت الساعة من العاشرة , وأنا أسكب القهوة في فنجانين كبيرين .. فاجئني صوت مذهول
_ كلارآ ! , ماذا تفعلين ؟!.
التفتُ لوالدي و قلت مبتسمة بأشراق قدر ما استطيع : صباح الخير أبي .. وضعت لك قهوتك سوداء كما تحب.
بالرغم من نظرة الذهول في عينيه وهو يحدق بالطاولة المملوءه بالأصناف - قال معاتباً وهو يرفع يديه باتجاهي :
_ لكن ... عزيزتي , قد تؤذين نفسك .. لا تفعلي هذا ماذا لو حدث لك شيء ما ؟!.
قلت بامتعاض وهو يقترب مني قليلا لينظر إلى الفرن خلفي لعله يحترق : أن كل شيء بخير , يداي كما ترى و عقليتي بخير جداً..
حدق بي قليلا ثم ابتسم اخيراً و انحنى نحوي كي يضمني بحنان و تقدير همس : أنتِ تفعلين دوماً مافي رأسك أليس كذلك ؟!
قلت بمرح : أجل ألستُ اشبهك طباعاً .. لا تتذمر إذن.
ضحك بصوت عالي اسعدني ... ثم فجأة تعالى صوت جيني تبكي... قال بسرعة وهو يهرع للباب : أظن بأن الجميلة النائمة استيقظت...!
مر اليوم بسلام فقد خرجا في نزهة بالبلدة الجميلة بالسيارة و توقفنا عند عدة محلات يشتري منها أبي اطعمة , كتب , أدوات مكتبية لأجل عمله القريب , وجلب جهاز خاص للاستماع للأطفال عندما يكونون بغرفة بعيدة , فكرت بأنه مفيد جداً ..
كنت استمتع بيوم العطلة الجميل هذا و جلسنا كلنا معاً على تلة جميلة قرب الأشجار و تناولنا الغداء ونحن نتحدث قليلا , استلقى والدي ليغفو وبقيت أنا و جيني نلهو قربه حتى فجأة اقتربت غيوم لتغطي الشمس ببطء ...
فتح والدي عينيه و حان وقت العودة للبيت ..
كان أبي يصنع العشاء بينما جيني تنام قليلا في الردهة أنا تسللت إلى غرفة البيانو .. وجدت آلة الموسيقى و مكتبة صغيرة بها تسجيلات وبعض الكتب الموسيقية ... لم آبة لها وأخذت أعبث بالأدراج .. وبينما كنت أمد ذراعي بطولها داخل درج ضيق ... لمست شيئا رقيقاً .. كأوراق مجمعة معاً... مندسة تحت كومة من الاسطوانات ..
سحبتها بحذر ألا تتمزق , و بالفعل ظهرت مجموعة من الأوراق القديمة الصفراء .. قرأت التاريخ , آوه يعود ربما لخمسة عشرة سنة و أكثر .. ضيق عيني .. خط اليد صغير وأنيق لكنه مستعجل جداً ومكتوب بالفرنسية أظن .. تباً .. أنا أبدا لم أكن جيدة بهذه اللغة >>!.

وضعت الأوراق فوق الطاولة , و تابعت عبثي بالدرج الطويل هذا .. تلمست اصابعي سلسلة ما... سلسلة صغيرة ناعمة و...
_ كلارآ ؟؟!.
افزعني ابي فلتفت بسرعة و دفعت بالأوراق في الدرج و أغلقه .. ثم ظهر أبي ينادني بهمس عالي قليلا : ماذا تفعلين ؟!.
_لا شيء...
_ هيا لتناولي العشاء .

بعد العشاء أخذ والدي جيني للأعلى و معه أيضا زجاجة حليبها في حال أن استيقظت جائعة ... جاء إلي وكنت جالسة على الأريكة في الردهة و بين يدي كتاب لا أدري ما عنوانه .. مر بي والدي سريعاً و قال بهدوء وهو واقف قرب مدخل الردهة المقوس
_ سأكون في غرفة المكتبة هنا أرى بعض أوراق العمل , ناديني أن اردتِ النوم .
قلت بهدوء : حسنا " ... وأنا أفكر بأنني سأمر عليه فقط لألقي التحية لا لأجل المساعدة .. بعدما ذهب بدقائق لاحظت جهاز الاستماع الخاص بـ جيني على الطاولة البعيدة ... فكرت لقد نسيه والدي هنا .. لكن مؤكد بأن الآخر قرب جيني النائمة ...
مر وقت طويل وأنا اقرأ و عقلي في خمول غريب ... لم يكن نعاساً أنما خمول حتى عن التفكير , نظرت للساعة فكانت الحادية عشرة .. صدمت لثوان , هل ظللت اقرأ لساعتين !!. يجب أن أنام باكراً حتى ولو لم تكن لدي نية للمدرسة غداً ..
سحبت المقعد المتحرك قربي و جلست عليه بحذر .. ثم ذهبت لغرفتي و لبست منامتي و ربطت شعري الداكن ثم عدت للردهة اخذت جهاز جيني و اطفأت المصابيح ... دفعت نفسي لغرفة المكتب التي بآخر الممر و طرق الباب ثم فتحته .. فوجئت بـ أبي نائم فوق المكتب .. والضوء مسلط عليه وعلى شعره البني الداكن ..

_ آوه , تأوهت بخفه , والدي حبيبي العزيز يبدو في غاية الأرهاق .. فكرت هل اوقظه ؟! , لكنه سينهض و يعود للعمل .. اقتربت منه و اخذت معطفه الملقى على كرسي قريب وغطيته به ثم قبلت جانب وجهه .. يبدو الكرسي المكتبي مريح نوعاً .. لن يتألم من ظهره ان استيقظ ..
غادرت المكتب و صعدت لفراشي غطيت نفسي جيداً و وضعت جهاز جيني على طاولة السرير ...

ظننت بأنني غفوت لثوان , لكن شيء ما لمس جانب وجهي ففتحت عيني مرعوبة و بشهقة غير مقصودة ... نظرت في الظلام حولي ...لا شيء... تنفست بسرعة وأنا انصت .. متأكدة بأني سمعت شيء خفيفاً , صوت كـ .. غطاء يسحب على الأرض...
نظرت للضوء الطفيف القادم من أسفل الباب , مصباح الممر لا يزال مضاءاً ... ظللت احدق بقلق .. فجأة مر ظل سريع يغطي الضوء ويعيده ... شخص ما يركض بالممر !!! .
شهقت برعب لا يوصف !!. هنالك لـص في المنزل !!!. .. يستحيل أن يكون أبي ... نظرت لساعة يدي لتضيء بشكل خفيف .. تشير الساعة الى الثالثة فجراً ...!!
انتفضت بخوف , والدي لا يمكنه أن يركض هكذا في المنزل بهكذا وقت .. ولمَ يفعل , الجزء المرعوب بعقلي يحاول أقناعي بأنه أبي و أن علي فقط أن أندس تحت الأغطية أدعو بمرور الليلة بسلام ...!
لكن صوت ما جعلني اقفز من مكاني ...
" ... هسسس ...!! " وكأنه صوت أفعى ضخمة ... ثم " وآآآآء ....وآآآآآآآآآآآآآآآ "
صراخ جيني !! ... أنه صادر من الجهاز قربي... هناك شيء ما مرعب عندها في الغرفة وهي وحيدة ....ربما والدي لا يزال نائما في المكتب ...

لست أدري كيف فعلت ذلك لكني قفزت على الجدار اتمسك به , وقد أمسكت بيدي بشيء لا أدري ماهو و ركضت أفتح الباب و ثم فجأة صرت أصعد الدرج بسرعة لا أشعر بأي شيء... لا أعرف أين تنام جيني لكن صوتها قادم من الظلام ... ركضت بجنون ودخلت الغرفة ... لأصقع بمنظر رهيب ...!

كان هناك شيئا ما ,, ظل طويل جدا يصل للسقف رأسه و يحيط به هالة من الظلام الأشد اسودادا من أي شيء رأيته في حياتي .. كان هذا الشيء يملك عيناي مشقوقتين حمراوين كالجمر , والذي أرعبني لحد الموت أن له يدان كالسيوف يحمل بهما جيني التي تبكي بخوف شديد ...
حدقت بي بعيونها الخائفة الباكية... اقسم بأنها تستنجد بي ... صرخت بقوة وأنا أركض إليه كالمجنونة : اتركهااااا ....
و أخذت أضربه بكل قوة بالشيء الطويل الذي امسكه ظهر بأنه عكازي.. حاولت أن ادفعه بجسدي لكنه وجه لي ضربه بصدري ..وكأن سكينا من جليد اخترق قلبي فارتجفت كل اوصالي .. ان كان يظنني سأستسلم بسهولة فهو مخطئ مهما كان هذا الشيء....
تعلقت به احاول الوصول لـ جيني ... وضربت أحد عينيه بالعكاز الذي امسكه ...
لكنه اللعين رد لي الضربة وشعرت بالأرض تبتعد وأنا أطير عالياً ... اصطدمت بالجدار خلفي بقوة وسقطت على ذراعي التي التوت بشكل مريع . صرخت ألماً ثم رفعت رأسي بجهد جهيد و رأيت شيء آخر يقفز من زاوية ما ...
كان ظلا بشرياً على الأقل , و لدهشي ذلك الشيء ذو العيون الحمراء تراجع بعيداً .. الظل البشري لم يفعل له شيئا سوى أنه قفز عليه و اختطف "جيني" من بين ذراعيه المرعبة ...
صرخ صوت غريب للغاية من خلفي : اقتله !!. بحق الأله !!. اقتله...!
دخت بشدة و صرخت ألماً عندما أمسك بي بقوة شيء من الخلف.
_ بها خمسة كسور على الأقل ! . توقفي عن الصراخ .
لكمت المتحدث المزعج البارد ...على وجهه كما شعرت من خلف ظهري .. لكن جسدي ارتفع عن الأرض...
_ الجحيم !!!.
زجر صوت بارد مخيف من الواقف قرب النافذة . وهو يعيد جيني الى سريرها , وقد مسح بخفه على وجهها و فجأة هدأت نهائياً و أغمضت عينيها ..
تطلب مني الأمر خمسة ثوان لاستوعب ما يجري حولي .. هناك شخصين هنا .. و الظل ذو العيون الحمراء اختفى وكأن لا وجود له ...!! بينما أنا محمولة بين ذراعي شخص بارد للغاية .. أعني بارد فعلياً وكأنه تمثال جليد ...!!
شفتي نطقتا بلا وعي مني : النجدااااااااة ... أبــــــــي ....!!
_ أنها لا تدرك بأن النجدة هنا بالفعل .. ألم أقل اخرسي...!
اللعنه عليه , سوف أموت ألماً وهو يصرخ بي... ضربته مجددا على وجهه بذراعي السلمية .. وأخذت أرفس وأقاوم ...
_ هل تريدنني أن أسقطك أرضاً ... بحق الأله ! اهدئي الآن...
قال كلامه بشكل أرق قليلاً بالرغم من حدته .. وضعني على كرسي كبير وارتد قليلا , كنت اترنح و أرى الأرض تقترب و تبتعد كما أن النجوم ترقص أمام عيني وفي رأسي حفلة من طنين رهيب مؤلم..
لكن زجر نفس الشخص الذي قربي .. فزعت حسبته سيقتلني ... لكن بسبب الدوار و مقاومة الأغماء اسمع الكلام متأخراً
_ لقد جعلته يفلت عمداً !! , أنت حتى لم تخدشه !!.
_ لن اقتله ! , أنه لم يقصد الأذية ...!!
قال الصوت البارد ببطء و بكسل لا يحتمل , بينما لم استطع رؤية صاحبة جيداً , لكن ضوء القادم من خارج النافذة وضحت لي معالم لشخص طويل بجسد ممشوق وذراعين بعضلات مفتولة معقودتين فوق صدره ... لكن هناك... عيناه .. عينان مستحيلتان !! ...
لا يمكن أن تكون ... ذهبي داكن يسبح حول بركة من الرماد المنطفئ... جمع أغرب لونين في الوجود ينكر كلا منهما الآخر " الذهب " ذو القيمة الرهيبة ..,..... "الرماد" الذي لا شيء ...!.
زجر الصوت الذي قربي مجدداً فانتفضت من شدة حدته و برودته :
_ سحقاً , "دانييـل" ! أنت تراه يكاد يقتلهما معا .. لمَ لم تتدخل منذ البداية ؟.
_ لن تفهمني "ليونارد" . أليس كذلك ؟! , أنظر لفتاتك سوف تموت حالاً ان استمريت بمجادلتي و تجاهلها !.
كنت ارتجف اضطراباً خوفا , بل رعباً و برداً , فالجو فجأة اصبح جليدياً قاتلاً .. بينما صاحب العينان البركانيتان تحدقان بي بحقد لا أفهمه !..
شعرت بلمسه خفيفة على كتفي .. ثم صوت هادئ قريب مني : هيه , كلآرا قاومي قليلا .. سوف اساعدك.
واخيرا صوت لطيف بعض الشيء ~~"
ارتجفت وأنا اهمس بخوف : لا تؤذي جيني .. أرجوك... جيني...
_ ستكون بخير , لا داعي للقلق...
قلت مجدداً وأنا اترنح لا أرى أمامي : والدي... والدي ...
_ أنهما بأمان كلاهما .. حاولي ألا تصرخي اتفقنا , سأحملك. تماسكِ ..
عندما دس بذراعيه حولي شعرت بهما كالجليد والألم هاجمني بقوة من كل مكان حتى رأسي أشعر به سينفجر ...
أخذت اشهق كاتمة صرخاتي ... آآه الوضع لا يصدق ... أنه من أسوأ الأحلام أو الكوابيس أو الهلاوس... أنها أسوأ من الحقيقة أو واقعي الذي اعيش به... وضعت يدي السلمية بفمي أعضها بقوة من شدة الألم و دموعي تسيل كالنهر...
_ آسف جداً لما حدث , سأزيل الألم سريعاً عنك .
قال بصوت هادئ للغاية , لكني لست واثقة بأنه آسف حقاً !! .. وضعني فوق سريري , و بالكاد رأيته , اقصد خياله , كان يشبه قوام ذلك الشخص , طويل ورشيق وقوي وصوت بارد ... لكن عيناه مختلفتان ... بلون بركة جليدية في الظلام... زرقاء باهتة هادئة و... متجمدة ...!

همس بهدوء وهو يضع يده الباردة البيضاء على جبيني : أولاً يجب أن تنامي ..
__________________
مهما زاد عنائي
لا يمكن أن أنساك
حتى إن تنساني
باقية لي ذكراك
لأن الروح داخلي
لا زالتْ تهواك


نبع الأنوار ايناس نسمات عطر
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وريث الضلآم للكاتبة Đάrkήεss Άήgεlά Sia روايات طويلة 20 01-18-2018 05:50 PM
وردة بالشرائط بالصور،طريقة عمل وردة بالشرائط خطوة بخطوة،ورود روعه بالشرائط،اعمال يدوية FATIMA27 إقتصاد منزلي 1 08-25-2012 09:09 PM
لكل شهر وردة ومعنى.....فأي وردة انت/ي ؟ loai72m نكت و ضحك و خنبقة 9 03-15-2011 11:15 PM
وردة لكل شهر فأى وردة تناسب تاريخك المشتاقات إلى الجنة مواضيع عامة 9 03-08-2010 07:49 PM
ناروتو شيبودن الحلقة 148 | naruto shippuden 148 | وريث الظلام | مترجمة من أحمد ش شرنجان أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 2 02-19-2010 11:27 PM


الساعة الآن 12:57 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011