عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات طويلة > روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة

روايات كاملة / روايات مكتملة مميزة يمكنك قراءة جميع الروايات الكاملة والمميزة هنا

 
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 02-22-2018, 04:45 PM
 

الفصل السابع عشر
------------



طرقت مُهرة باب شقة فارس وهى تمسك بيدها بطفلين صغيرين لم يتما السنتين بعد ..أبتسمت أم فارس وتفتح لها الباب وتنظر إلى الولدين فى يدها وقالت وهى تنحنى لتأخذ واحدا منهما وتلاعبه:
- تعالى يا أم العيال أدخلى
دخلت مُهرة وهى تضحك لمداعبة أم فارس وجلست ووضعت الطفل على قدمها وأخذت تهزة وتأرجحه وهى تقول:
- اه والله يا طنط أنا حاسه انى انا أمهم فعلا
أعطتهم أم فارس أحد قطع الالعاب الصغيرة وهى تقول:
- من يوم ما شوفتيهم بعد ما أتولدوا وأنتى شايلاهم بصراحه يا مُهرة أنتى شلتى عبء كبير عن عبير
وضعت مُهرة يديها فى خصرها وهى تقول بمشاغبة:
- يا سلام مش ساعتها كنتوا بتقولوا صغيره ومش هتعرف تخلى بالها منهم
وعزة مش مكفيها تاخد منهم واحد لا كمان كانت طمعانه فى اللى حطيت عينى عليه
ضحكت ام فارس وهى تقول باستغراب:
- هما طبق كشرى بتفرقى يابنتى دول أطفال صغيرة
- بس عرفت اخد بالى منهم ولا لاء
قالت أم فارس بإعجاب :
- بصراحه عرفتى وابصملك بالعشرة
دارت مُهرة ببصرها فى المنزل وهى تقول:
- هو فارس لسه مجاش من الشغل
ضربت أم فارس بيدها على جبينها وهى تقول متذكرة:
- الاكل على النار يخرب عقلك يا مُهرة نستينى
نهضت واقفة وتابعت وهى فى طريقها للمطبخ:
- ده زمانه جاى هو ومراته ..عازمها على الغدا عندنا النهارده
مطت شفتيها بأمتعاض وهى تقول بصوت عالى :
- الله يكون فى عونك يا طنط أنا عارفه هتستحمليها ازاى
خرجت ام فارس من المطبخ ونظرت إلى مُهرة بعتاب وقالت:
- لاء يا مُهرة محبش أسمعك بتقولى كده لو فارس سمعك هيزعل أوى دى مراته برضه
لوحت مُهرة بيدها وهى تقول معترضه:
- لاء مش مراته دى خطيبته بس
أبتسمت أم فارس وهى تقول :
- لاء مدام كتب كتابه عليها تبقى مراته
قالت كلمتها الاخيره وعادت للمطبخ ثانية تكمل ما بدأته من طعام الغذاء ..وضعت مهُرة الطفلين على الاريكة وأخذت تلاعبهما وتضاحكهما ببعض الالعاب ثم وضعتهم على الارض يمرحان بألعابهم ووقفت تنظر لغرفة فارس التى اعتادت الدخول إليها يوميا وهو غير موجود فى البيت ... وقفت وسط الغرفة تتأمل المكان حولها وكأنها تدخل لاول مرة وفعلت كما تفعل يوميا ..جلست خلف مكتبه الصغير وفتحت احد أدراجه وأخرجت بعض من صورها الذى أُلتقطت لها وهى صغيرة ومازال فارس محتفظا بها فى درج ذكرياته كما يسميه...تأملت صورها قليلا وهى تبتسم تارة لصورتها بشعرها الاشعث المتناثر وصورة اخرى بملابس العيد الجديدة وصورة جمعت بينهما وهما ينظران لبعضهما البعض ويخرج كل منهما لسانه للآخر بمشاغبة وهى تحمل دميتها المفضلة باربى هدية فارس لها...
أنتزعها من ذكرياتها صوت ثلاث طرقات على باب الشقه تعرفهم جيدا وتحفظ نغمتهم ..أعادت الدرج الى وضعه سريعاً وخرجت مسرعة فوجدت والدته قد سبقتها وفتحت الباب قبلها ورأت دنيا تدلف من الباب ونظرها مصوب بأتجاه مهُرة رغم أنها تقبل أم فارس وتصافحها ...دخل خلفها فارس يلقى السلام فوجد مُهرة واقفة مستندة على حافة باب غرفته المفتوحه
فابتسم لها وقال محذراً:
- عارفه لو لعبتى فى شغلى من ورايا هعمل فيكى ايه
قالت بأندفاع :
- لا والله ما لعبت فى حاجه
أبتسم فارس وهو يشير لدنيا موجهاً حديثه لمُهرة قائلا:
- مش هتسلمى على ابله دنيا
نظرت لها مُهرة فوجدتها تنظر لها ببرود وتبتسم لها ابتسامة صفراء فبادلتها نفس الابتسامه ونفس النظرة وهى تضغط كلمتها قائلة:
- اهلاً
نظرت لها دنيا بحدة وقالت:
- يصح بنت كبيرة كده تدخل اوضة راجل غريب هى مامتك مبتعلمكيش الحاجات دى ولا ايه
نظر لها فارس بضيق ولمعت الدموع فى عينيى مُهرة بينما قالت ام فارس وهى تنظر لها بجديه:
- هى مبتدخلش الاوضه وهو موجود
ثم تابعت بضيق:
- مُهرة غاليه عليا ومحبش حد يكلمها كده ابداً حتى لو كان فارس نفسه
عقدت دنيا ذراعيها امام صدرها وقالت بتهكم:
- يا طنط انا اللى مرات ابنك مش هيه
جذبها فارس من ذراعها برفق وقال بحسم:
- دنيا ..هنتكلم فى الموضوع ده كام مره مش خلصنا منه قبل كده ولا ايه
تحركت مُهرة بانفعال وهى تحبس دموعها وأخذت الطفلين وتوجهت بهما إلى الخارج واغلقت الباب خلفها بقوة وصعدت لشقتها
دخلت ام فارس المطبخ ودخل خلفها قبل راسها وقال معتذرا:
- أنا اسف يا أمى بالنيابه عنها معلش متزعليش علشان خاطرى
نظرت له أمه بعتاب وقالت :
- فهم مراتك ان مُهره زى بنتى واللى مبيحبهاش على الاقل يراعى انى بحبها وانها غاليه عليا
أحاط كتفيها وقال بحنو:
- ما انتى عارفه يا ماما ان مُهره غاليه عندى انا كمان وبعتبرها أختى الصغيرة ونفسى والله دنيا تحبها بس مش عارفه هى واخده موقف عدائى منها كده ليه
لاحت ابتسامة واثقة على شفتيها وقالت:
- انا بقى عارفه
رفع حاجبيه متعجباً وقال:
- عارفه ايه يا أمى
ربطت على كتفيه قائلة:
- مش وقته دلوقتى روح يالا اقعد معاها لتتقمص زى المره اللى فاتت وتاخد بعضها وتمشى
قبل راسها مرة أخرى وخرج من المطبخ متوجهاً إليها لم يجدها فى الصاله الخارجيه بحث بعينيه سريعاً فوجدها بداخل غرفته دلف خلفها فوجدها تنظر يمنةً ويسره وكأنها تبحث عن شىء ما لا تعرفه فقال:
- فى ايه بتدورى على حاجه ؟
كانت تظن أن مُهرة ربما تكون قد تركت لفارس رسالة أو شيئاً من هذا القبيل فى غرفته ولكنها قالت له :
- ابداً مفيش هو انا يعنى اللى اوضتك متحرمه عليا ولا ايه
لفها إليه ورفع راسها ينظر إليها وقال :
- دنيا ..أنتى اللى محرمه نفسك عليها ..هو فى حد يقعد كاتب كتابه 3 سنين
أزاحت يديه وقالت حانقةً:
- يوه بقى يا فارس انت كل ما تشوفنى تكلمنى فى الحكايه دى وبعدين ماهو عندك صاحبك عمرو مش ده برضه كتب كتابه معانا تقريبا ولسه مدخلش لحد دلوقتى
حاول فارس أن يتحكم بأعصابه وكتم غضبه حتى لا تستمع والدته لما يحدث بينهم فأخفض صوته وقال بضيق:
- وأحنا مالنا ومال عمرو وبعدين هو لو عليه كان زمانه دخل من زمان لكن ده من ساعة ما كتب كتابه وزى ما يكونوا بينتقموا منه فى شغلوا ومبهدلينوا فى مشاريع بره القاهره حتى مراته مبيشوفهاش غير مرتين تلاته فى السنه ...
و زفر بقوة ثم تابع قائلاً:
- وبعدين هو عنده مشكله فى الشقه لكن أحنا الشقه اللى هنتجوز فيها موجوده أهى وأنتى وافقتى لما كتبنا الكتاب وقلتى معندكيش مانع نقعد هنا
شعرت دنيا بالتوتر يسود بينهم وشعرت أن فارس غضبه يتصاعد فحاولت من تخفيف حدة النقاش قليلاً فغيرت نبرة صوتها وجعلتها أكثر نعومة وقالت:
- يا فارس ما أنت عارف ظروفى ده بدل ما تتفهم حالتى النفسيه بعد وفاة بابا الله يرحمه وبعدين مش أحنا كنا متفقين لما تخلص الدكتوراه علشان مفيش حاجه تعطلك عن الرساله وتخلصها بسرعه
وقبل أن يجيب سمع والدته تناديه من الخارج ..خرج إليها مسرعاً فقالت:
- الغدا خلص تعالى حط الاطباق معايا على السفرة وبعد كده تكملوا بعيد عن البيت
أنا وحده عندى الضغط ومش ناقصه حرق دم
*********************

أستيقظ بلال من نومه وهو يتململ فى فراشة نظر فى ساعته بعين مفتوحه وأخرى ..مغمضة هب واقفاً فى سرعة ليلحق بصلاة العصر فى المسجد ..توضأ وبدل ملابسه وسريعاً للخارج فوجد عبير تجلس بجوار والدته ويتسامران ..نظر لها بعتاب وقال:
- كده برضوا يا عبير ..أنا مش منبه عليكى تصحينى قبل الاذان بربع ساعه
نهضت وقالت معتذره:
- اسفه والله يا حبيبى كنت هدخل اصحيك من شويه والكلام خدنا انا وماما
نظر إلى والدته وهى تحمل طفله الصغير على قدمها وتلاعبه فقال وهو ينظر حوله:
- الله أومال فين باقى الولاد نايمين ولا ايه
ضحكت والدته وهى تقول:
- لا مش هنا اصلاً واحد مع عزه وأتنين مع مُهرة
نظر لهم متعجباً وأتجه إلى الباب وهو يتمتم:
- واحد مع عزه وأتنين مع مُهرة انا مش عارف هما دول ولادى ولا علبة ألوان
ألقى السلام وخرج وأغلق الباب خلفه متوجهاً للمسجد
جلست عبير وهى تحمل الطفل عن أم بلال وهى تقول:
- والله يا ماما أنا ما كنت عارفه هعمل ايه فى العيال دى لوحدى لولا أن ربنا من عليا بعزه ومُهرة وأنتى كمان يا ماما بتتعبى معانا اوى ربنا يخاليكى لينا
ربطت ام بلال على كتفها برضا وأردفت تقول:
- انا مكنتش مستغربه من عزه لانها كبيرة ماشاء الله وتقدر تخلى بالها من طفل صغير اللى كنت مستغربه منه بجد هى مُهرة ...تعرفى يا عبير لما شفتها فى فرحك حسيت أن البنت دى هتبقى قريبه مننا أوى وحسيت انى اعرفها من زمان ولما ولدتى وجبتى الاربعه ماشاء الله صممت تيجى تقعد معاكى وأمها بصراحه مقالتش لاء ...وفى أسبوع واحد كانت أتعلمت تتعامل مع العيال أزاى وتديهم الرضعه وتنيمهم والعيال كمان أتعلقت بيها أوى ..بس تعرفى يا عبير أمها كمان بتحبك أوى
ابتسمت عبير وهى تقول:
- أم يحيى دى غلبانه اوى يا ماما هى اللى شايله بيتها على كتفها جوزها اصلا بيخرج الفجر مبيرجعش غير بعد نص الليل ولا يعرف حاجه عن ولادوا ومكبر دماغوا ..لما كلمتها عن الصلاة لقيتها ياعينى متعرفش حاجه ومن ساعة ما اتعلمت وهى مواظبه عليها وبتحبنى أوى من ساعتها
أبتسمت لها أم بلال وقالت بحنان:
- انتى يا عبير بترضى ربنا علشان كده ربنا بيحبك وبيخلى الناس الكويسه كلها تحبك وتتعلق بيكى يابنتى
عاد بلال من المسجد فوجدهما فى مكانهما كما تركهما ..دخل وأغلق الباب خلفه ينظر إليهم بابتسامة وهو يردد دعاء دخول المنزل ..
- بسم الله ولجنا وبسم الله خرجنا وعلى ربنا توكلنا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أقبلت عبير عليه بابتسامه فقبلها على جبينها وأتجه إلى أمه وقبل كفها وحمل عنها طفله الصغير فقالت عبير :
- ثوانى هحضر الغدا ..أوقفها نداء زوجها فالتفتت إليه متسائله فاقترب منها قائلاً:
- صليتى العصر
قالت بسرعة وهى تستدير للتوجه للمطبخ مرة أخرى:
- لاء لسه هحضر الغدا وأروح اصليه
جذبها من ساعدها برفق وقال:
- تعالى يا عبير عاوزك فى كلمتين
أخذها ودخل بها غرفتهم وأغلقها خلفه ...أستدار لها ينظر إليها وأبتسم وهو يقترب منها ويتحسس وجنتها بأنامله فى رقة وقال :
- على فكره انا زعلان منك أوى يا حبيبتى
قطبت جبينها وقالت بلهفه :
- ليه يا بلال أنا عملت ايه
قال وهو مازال يداعب وجنتها برفق:
- مش ملاحظه يا عيون بلال انك من ساعة ما ربنا رزقنا بالاولاد وانتى بتأخرى الصلاة
خفضت نظرها فى خجل وقالت :
- معاك حق يا حبيبى بس والله بيبقى غصب عنى ...بعمل حاجات كتيرة والولاد وشغل البيت بيخلونى باخرها غصب عنى
قبلها على وجنتها قائلا:
- روح قلبى ..أنتى عارفه كويس أن مينفعش نقدم اى حاجه على الصلاة مهما كانت الحاجه دى ايه ..عارفه لو أول ما سمعتى الاذان سبتى كل اللى فى ايدك وروحتى أتوضيتى وصليتى ...
هترجعى تلاقى الحاجه بتتعمل بسهوله ويسر أكتر من لو أخرتى الصلاه علشانها ...يعنى لو سبتى الطبيخ وروحتى صليتى هترجعى تكملى وأنتى مرتاحه والاكل هيطلع فيه بركة من ربنا ...
لو بداتى تتهاونى فى مواعيد الصلاه يا عبير هتلاقى نفسك يوم ورا يوم بتصليها قبل الوقت اللى بعدها بخمس دقايق وواحده واحده هتسيبى النوافل والسنن لانك بتصليها يدوب على الوقت
وواحده واحده هتلاقى نفسك بتجمعى الصلوات مع بعض ....ماهو الشيطان مش هيجى يقولك مره واحده كده سيبى الصلاه لاء..ده هيجبهالك واحده واحده الاول تأخريها وبعدين تسيبى السنن وبعدين تجمعى الصلوات وبعد كده الله اعلم ...وأنا عارف أن حبيبتى هتاخد بالها بعد كده ولو الولد بيعيط حتى ...صلى وانتى شايلاه مفيهاش حاجه
أبتسمت عبير وهى تمسك بيده التى سكنت على وجنتها قالت بحب:
- ربنا يخاليك ليا يا حبيبى ...انا مبسوطه بيك اوى يا بلال ..لو كنت اتجوزت راجل مش ملتزم كنت هلاقى مين ينبهنى ويقولى الكلام ده وبالطريقة دى
أبتسم وهو ينظر لعينيها وقال بحب:
- لا اعملى حسابك مش كل مره هتكلم بالطريقة دى ..المره اللى جايه فى ضرب ومش أى ضرب ده هيبقى ضرب بضمير وطبعا أنتى عارفه ضميرى ..فاهمانى
ضحكت عبير وهى تحمل الطفل قائلة:
- الا عارفه أنت هتقولى على ضميرك برضه ..انا هروح بقى اصلى وبعدين أحضر الغدا
لحق بها عند باب الغرفه وقال:
- لا بلاش تدخلى المطبخ
ألتفتت له بدهشة وقالت متعجبة :
- ليه
قال بحب وهو يمسح على شعرها:
- بغير عليكى من عيون البوتاجاز
ضحكت عبير وأحمرت وجنتيها وخرجت مسرعة توضأت وصلت العصر وأعدت الطعام كأحسن ما يكون.. ولم لا فلقد بثها حناناً فأطعمته جمالاً..جعلها ملكةً فوضعته على عرش قلبها وتوجتةُ حاكماً وملكته صكوك غفرانها
*******************************
أخذت عزة الهاتف وسحبت السلك خلفها ودخلت غرفتها وأغلقتها خلفها وهى تضع سامعته على أذنها وتسندها بكتفها وابتسامتها واسعة ثم قالت بصوت خفيض:
- وحشتنى
قال مداعباً:
- أيه الجرأة دى كلها وحشتنى مره واحده ..الله يرحم اللى كانت قاعده جنبى يوم كتب كتابنا ومكنتش عاوزانى ألمسها اصلاً
أحمر وجهها وقالت بعتاب:
- كده يا عمرو طب انا غلطانه مش هقولك حاجه تانى
قال بسرعة :
- لالالالالا بهزر معاكى يا شيخه أنتى ايه ما بتصدقى علشان تمنعى عنى الدعم السنوى
أتجهت إلى فراشها وهى تحمل الهاتف وكأنها تحمل قلبها بين يديها بعنايه وجلست عليه وقالت بشوق:
- بجد يا عمرو هتيجى أمتى وحشتنى جدا جدا جدا
أستلقى على فراشه ووضع يده تحت راسه وقال بهمس:
- وأنتى كمان يا حبيبتى وحشتينى اوى بس غصب عنى والله بس عموماً هانت كلها أسبوعين وتلاقينى عندك وساعتها بقى يا جميل هبقى عاوز عشره يكتفونى زى الراجل ابو عضلات ده اللى بيقعد فى المولد يقول عاوز عشره يكتفونى وبعدين يعيط ويقول وعشرين يفوكونى
- اسبوعين يا عمرو لسه أسبوعين كمان وياترى بقى زى كل مره هتيجى يومين وتمشى تانى
أراد عمرو ان يغير مجرى الحديث فهو يعلم انها ستبكى بعد قليل كعادتها وتطالبه بترك شركته التى أتعبتها شوقاً له منذ عقد قرانه عليها فقال :
- فاكره يا وزه يوم كتب الكتاب عملتى فيا ايه بقى فى عروسه تسيب جوزها زعلان وتقعد تاكل هى
ابتسمت وقد تذكرت ذلك اليوم وقالت :
- هو انا يعنى كنت باكل جوع انا كنت بهرب منك أنت مكنتش شايف شكلك ساعتها
ضحك ضحكات رنانه أختلج لها قلبها وقال:
- بصراحه معاكى حق أنا كنت عامل زى القطر اللى من غير سواق
وضحك مرة اخرى وأختلج قلبها وخفق مرة اخرى وهى تستمع لمغازلاته وأشواقه وأنهت المكالمه كما تنهيها كل مرة هاتفةً:
- عمرو أنت مش مؤدب ..
وتضع سماعة الهاتف بارتباك وقد تلون وجهها وتنهض مقطبةً جبينها وهى تتوعده فى داخلها بنفس العباره..
- ماشى يا عمرو مش هكلمك تانى بالليل ولو أتصلت مش هرد عليك....
************************************************

وفى الليل دخل فارس فراشة وأستلقى فى أرهاق شديد ..أمسك جبينه بيديه يشعربألم شديد فى رأسه ...نهض مرة أخرى وجلس خلف مكتبة الصغير يبحث عن حبات مسكنة للصداع تناول واحدة منها وشرع فى إغلاق درج مكتبة مرة أخرى فوقع بصره على الصور الفوتوغرافية الصغير مبعثرة داخله فأبتسم وقد علم أن مُهرة كانت تشاهدها وأغلقت الدرج سريعاً بحيث بعثرت ما به ...أعادها بعناية كما كانت سابقاً وهو يحاول أن يذكر نفسه بأن يحضر ألبوماً للصور لكى يحافظ عليها من أى اهمال قد يصيبها فهى تمثل حقبة مهمة من حياته منذ أن كان صبياً فى الحادية عشر من عمره ووُلدت مُهرة فى غياب والدها وحملها طوال الليل بعد أن اهملها الجميع فكان الجميع منشغلاً فى والدتها التى أُصيبت بنزيف حاد بعد ولادتها وأعطتها له والدته يحملها ويرعاها ووضعت بجوار كوب به ماءاً مختلطاً بالسكر ليسقيها حتى تعود إليه ونسيها الجميع معه...كان يسقيها تارة ويتأملها تاره ويدور بها فى الغرفه حتى يسكت بكاؤها الذى لم يطل كثيراً وأخذ يفكر فى اسم يليق بملامحها البريئة حتى بزوخ فجر يوم جديد كان قد أستقر على أسمها الجديد والذى استقاه من أسمه وقد كانت مُهرة ..أنتزعه صوت هاتفه النقال من عالمه الخاص وابتسم وهو ينظر لاسم المتصل وأجابه على الفور:
- حظك حلو لسه كنت هعمل الموبايل صامت وهنام
ضحك عمرو وقال مداعباً:
- والله وعرفنا الموبايلات والصامت والحركات ربنا يخاليك لينا يا شارع عبد العزيز
ضحك فارس لدعابته وقال :
- والله عمرك ما هتتغير ده أنت تستحق البهدله اللى أنت فيها
زفر عمرو بقوة وهو يقول:
- وأى بهدله يا فارس أنا مش عارف هو انا مهندس ولا متهم وواخدينه كعب داير
- وأنا مش عارف أنت متمسك بالشركة دى كده ليه طالما مطلعين عينك
- أعمل ايه بس يا فارس منا دخت على شغل كتير مش لاقى حتى نص المرتب اللى باخده من الشركه دى
- خلاص بقى أستحمل ومتشتكيش
- انا متبعبش من الشغل وأنت عارف انا بس مضايق علشان عزة كل ما أكلمها الاقيها مضايقه من كتر سفرى والشحططه اللى أنا فيها وعماله تزن عليا علشان أسيب الشغل وانا بصراحه مش ناوى أسيبه الا لما الاقى حاجه أحسن
- بصراحه معاها حق انا لو منها أصمم مش عارف هى ليه بتسمع كلامك
ضحك عمرو وقال بثقة:
- يابنى أنا محدش يقدر يقف قدام جاذبيتى ...واردف قائلاً:
- وبعدين خلاص هانت بابا كلمنى وقالى أن فى شقة على اول شارعنا هتفضى قريب وإيجارها معقول أوى وهو ظبط مع صاحب البيت خلاص ...المهم أنت عامل ايه وهتدخل أمتى لما تخلل ولا قبلها بشويه ؟!!!
نظر فارس أمامه وقال بحسم:
- خلاص يا عمرو انا مش هستحمل أعذارها أكتر من كده كبيرها معايا شهرين اخلص فيها الرسالة ومش هقبل أى تأجيل تانى خلاص
تحدث قليلاً مع صديقه وعاد إلى فراشة مرة اخرى مستعداً للاستغراق فى نوم عميق ولكن عقله كان شاردأً فى علاقته بدنيا ووضع امامه علامات استفهام كبيرة ..هل حقاً هى التى تؤجل الزفاف بدون اسباب مقنعه ام هو الذى كان يوافقها على أسبابها تلك وكأنه يرحب بالتأجيل ...كيف ستسكن فى شقة واحدة مع أمى وهما مشاعرهما متنافرة تجاه بعضهما البعض لن يستطيع أن يترك امه وحدها مهما كانت الاسباب وخصيصاً أن أمه أمرأة خلُوقة لا تؤذى احداً بلسانها ولا بافعالها ولا تتطفل على احد ولن تسبب لهما أى ضيق فى حياتهما الزوجية هى فقط تريد من يرعاها ويذكرها بدوائها ويتسامر معها قليلا حتى لا تشعر بالوحدة فهل هذا كثيراً عليها فى مثل هذا العمر ....
*************************************
وفى الصباح خرجت مُهرة لتذهب لمدرستها ولكنها توقفت فجأة أمام باب شقة فارس ولمعت عينيها بفكرة مراهقه مثلها ..صعدت مرة اخرى أربع درجات من السلم للخلف ووقفت تنتظره فهو يذهب إلى عمله صباحاً فى هذا التوقيت وقفت أكثر من ربع ساعة حتى سمعت مقبض الباب يدور من الداخل والباب يفتح فتصنعت النزول وكأنها قابلته صدفه ...أبتسم لها قائلاً:
- صباح الخير يا مُهرة رايحه المدرسة ؟
أبتسمت فى خجل وقبل أن تجيبه وجدته قطب جبينه وهو يقول بجدية:
- ايه ده يا مُهرة الحجاب صغير كده ليه
وضعت يدها على أطراف حجابها ونظرت إليه وقالت:
- مش صغير ولا حاجه ده كبير بس بلفوا بطريقة معينه زى صحباتى ما بيعملوا
حك ذقنه قليلاً ثم طرق باب شقته ففتحت والدته ونظرت لهما دهشة وهى تقول:
- ايه يابنى نسيت حاجه ولا أيه
أشار إلى مُهرة وقال بضيق:
- أه نسيت نسيت أخد بالى منها بقالى بفترة طويله ..خديها يا ماما لو سمحتى جوه خاليها تظبط حجابها
وقفت مُهرة أمام المرآه تعدل من حجابها سريعاً وهى تتمتم متبرمة:
- يا طنط كل صحابتى بيلفوا طرحتهم كده
كانت والدته تنظر إليها فى صمت وشرود وهى تتحدث وتمط شفتيها وتتمتم فى ضيق وتحرك يديها فى سرعة لتثبت دبابيس الحجاب جيدا حتى أنتهت وألتفتت إليها قائله:
- ها كده كويس
أومأت لها والدته وقالت :
- أيوا كده كويس يالا بقى علشان متتأخريش على مدرستك اكتر من كده
ألقى فارس نظرة سريعة على حجابها وأستدار ليخرج متوجهاً لعمله وهو يقول:
- هجبلك النهارده وأنا راجع خمارات لف ...شغل الطرح ده مش عاجبنى
حملت مُهرة حقيبتها وخرجت تعدو لتلحق بمعاد المدرسة وأغلقت الباب خلفها ظلت أم فارس تنظر إلى الباب المغلق واجمةُ وبداخلها مشاعر كثيرة ودت لو كانت مخطأةُ فيها ...
-----------
الفصل الثامن عشر
----------




أستيقظت مُهرة فزعةً من نومها تصرخ باسم فارس وتناديه ..جلست على فراشها تلتقط أنفاسها بصعوبة .. كانت تبكى وهى نائمة على اثر حلم مفزع ولكنها فوجأت بالدموع تغرق وجهها وكأنها كانت تبكى فى الحقيقة لا فى الحلم .. مسحت دموعها التى شقت طريقها فى ثبات على وجنتيها وأخذت تمتم بالاستعاذة لتهدىْ من روعها قليلاً وهى تدور بيعينيها فى غرفتها لتتأكد أنها وحيدة فيها ولم يسمعها أحد ..نهضت متثاقلة من فراشها وهى تحيط جسدها بذراعيها لتبث الامان فى نفسها ..فتحت نافذة غرفتها ليتسلل ضوء القمر إليها ويغمر وجهها مداعباً لوجنتيها..
أطلت برأسها للأسفل لعلها ترى خيال ظله فى نافذته أو شرفته التى كانت غارقة فى الظلام أغلقت نافذتها وأتجهت إلى فراشها مرة أخرى ولكنها سمعت صوته يتردد فى عقلها وهو يقول:
- لو شفتى كابوس أتفلى على الناحيه الشمال ثلث مرات واستعيذى بالله من الشيطان الرجيم ويستحسن تقومى تتوضى وتصلى ركعتين علشان تطمنى
توجهت مباشرة إلى الحمام توضات وصلت ركعتين أدخلا الطمأنينة فى نفسها ثم عادت لفراشها وقد داعب النوم جفونها فتثاقلت وأستسلمت لنوم عميق

****************************

جلس فارس بجوار والدته حول مائدة الغذاء وبدأ فى تناول الطعام وهو يقول:
- متعرفيش مُهرة رجعت من المدرسة ولا لسه يا ماما
هزت والدته رأسها نفياً وابتلعت طعامها ثم قالت:
- لاء لسه عندها درس بعد المدرسة على طول ..بتسأل ليه؟
ترك الملعقة من يده ونظر إلى والدته متسائلاً:
- درس أيه ده وفين
نظرت إليه والدته بتفكير ثم قالت:
- مش عارفه درس أيه بالظبط اللى أعرفه أنها عندها دروس بعد المدرسه ..بطلت أكل ليه
تناول ملعقته مرة اخرى وقال بضيق:
- أنا مبحبش قصة الدروس اللى مالهاش مواعيد دى وبعدين ما تاخد الدرس فى بيتها
لازم تروح تتنطط عند الناس بره والله اعلم بيوتهم عامل أزاى وشكلها أيه وعندهم رجاله ولا لاء...صمت قليلاً ثم اردف قائلاً:
- لما ترجع ابقى نادى عليها علشان عايزها.. لما نشوف ايه حكاية الدروس دى
شردت والدته قليلاًً وهى تقلب طعامها فى طبقها عدة مرات حتى لاحظ هو ونظر إليها وتسائل بأهتمام:
- مالك يا ماما مبتكليش ليه
وضعت أمه معلقتها وشبكت اصابعها امامها وهى تستند بمرفقيها على المائدة ونظر إليه بعمق وقالت:
- تسمح ملكش دعوه بالحكايه دى ..مُهرة كبرت يا فارس ومينفعش تفضل تتعامل معاها كده وبعدين أخوها يحيى كبر وبقى راجل وهو اللى يقولها رايحه فين وجايه منين والكلام اللى أنت عاوز تعمله ده
قالت جملتها الاخيرة وهو ينظر إليها بدهشة لا يكاد يصدق ما يسمع فقال باستغراب:
- بتكلمى كده ليه يا ماما من امتى وانا مش مسئول عن مُهرة أنتى قولتيلى الكلام ده قبل كده لما جبتلها الخمارات وأنا مركزتش معاكى لكن لما يتعاد تانى يبقى فى حاجه انا معرفهاش
مدت يدها وربتت على يده وقالت بشفقة:
- انا عارفه انك انت اللى مربيها وبتعتبر نفسك مسئول عنها لكن يابنى دلوقتى الوضع اختلف مُهرة كبرت خلاص
ترك ملعقته ونهض وهو يقول بانفعال شديد:
- معنى أنها كبرت أنى خلاص أشيل أيدى من المسئوليه وكمان وأن عارف أن اخوها مكبر دماغه وبره البيت طول اليوم وأبوها مسافر وسايبهم ...
أعتدلت والدته وهى تقول :
- طب يابنى تعالى كمل أكلك مالك زعلت كده ليه
أتجه إلى غرفته وهو يقول باقتضاب :
- معلش يا ماما شبعت عن اذنك هدخل اريح جوه شويه
هزت والدته رأسها فى عدم رضا وهى تقول بأسف:
- ربنا يهدى الحال
دخل فارس غرفته متبرماً ألقى جسده على الفراش كما لو كان يدفع حملاً ثقيلاً عن كتفيه قد أثقله ...كيف يتركها وهى ...هى التى وُلدت ووُضعت بين ذراعيه مباشرة قبل أن تلامسها يدي والدتها وقبل أن يراها أخيها وقبل أن يعلم أبيها بأنها قد جاءت إلى الحياة..
هى التى كبُرت بين يدي وأحتوتها غرفتي لسنوات طفولتها ومشاغباتها وألعابها وسعادتها ومرحها بل وبكائها وتبرمها وضجرها وزرعتُ فيها القيم والاخلاق التى أُحبها وعاداتى المفضلة فأصبحت تتوقع تتصرفاتى قبل أن افعلها وعلمتُ عنها كل شىء بل وأكتشفتها كما أكتشفتنى فاصبحت كتاباً مفتوحاً أمامى خالى من الالغاز لاتوجد به علامة استفهام واحده ...ترددت كلمات أمه فى عقله مقتحمة ذكرياته مبعثرة افكاره وهى تخبره أن أخيها أولى بها لانها قد كُبرت..فوضع الوسادة على وجهه يريد اسكات هذه الكلمات التى غزة عقله وقال بعناد وبصوت مسموع ..لا لم تكبر مازالت طفلتى الصغيرة !!

*****************************

نقر عمرو بخفه نقرات بسيطه باب مكتب المهندس صلاح ثم فتحه وأطل برأسه داخله وهو يقول:
- صباح الخيرات
ضحك صلاح وهو ينهض ويتجه إليه ..عانقه بحرارة وهو يقول:
- حمدلله على السلامة جيت أمتى ؟
قال عمرو بمرح:
- لسه نازل من الجتر يا بشمهنديز
أهتز صلاح ضاحكاً وهو واضع ذراعه على كتف عمرو وقال:
- لاء شكلك أخدت الجنسيه من كتر قاعدتك هناك
جلس عمرو على المقعد المقابل للمكتب وقال برجاء:
- أبوس أديكوا بقى كفايه أنا لفيت جمهورية مصر العربية كلها هو أنا عملت فيكوا ايه علشان ترحلونى كل شويه كده
أختفت أبتسامة صلاح وجلس على المقعد المقابل لعمرو وقال بجدية:
- يعنى مش عارف عملت ايه حد قالك تتجوز
أستند عمرو بمرفقه على حافة المكتب ولوح بيديه قائلاً:
- هو انا عارف أتجوز ده انا كتب كتابى ومن ساعتها وانا متبهدل هى الشركه كل مشاريعها خارج القاهره ليه نفسى اعرف
مال صلاح للأمام وقطب جبينه قائلاً:
- أسمع يا عمرو أنت عارف أنى بحبك زى ابنى بالظبط وبصراحه كده أنا مش عاجبنى تصرفاتك أنت يابنى زى ماتكون عاجبك اللى بيحصل ومبسوط أن فى حد بيجرى وراك وعايزك
عقد عمرو يديه أمام صدره وقال معترضاً:
- هو انا يعنى عاوز أتمرمط كده فى كل حته شويه ..أنا بس والله عاوز أحوش قرشين علشان أعرف أجيب العفش ..ولو سبت الشغل دلوقتى يبقى قول على جوازى يا رحمان يارحيم ..أعمل ايه مضطر استنى واشتغل واسافر وأستحمل بعدى عن أهلى ومراتى لحد ما الاقى شغل تانى على الاقل بنفس المرتب اللى باخده هنا..
أسند صلاح ظهره الى المقعد وقال متسائلاً:
- يعنى جبت الشقه خلاص
قال عمرو بابتسامة واسعة :
- أه الحمد لله حاجه كده ايجار بس حلوه ومش محتاجه توضيب كتير يعنى تقريباً جاهزة
ابتسم صلاح وهو يقول متهكماً:
- يعنى عاوز ثلاث سنين كمان علشان تعرف تجيب العفش ؟!!
زفر عمرو بحنق وقال بضيق:
- والله منا عارف انا شكلى هطلب سلفه أنت ايه رايك
حك صلاح ذقنه وصمت قليلاً يفكر ثم قال:
- فى حل تانى غير السلفه اللى انا متأكد ان مدام إلهام مش هتوافق عليها
قال عمرو بلهفه:
- إلحقنى بيه قوام
صلاح :
- عندى واحد صاحبى عنده معرض كبير للاثاث هو بيبيع بالقسط أنا هروح معاك اعرفك المكان وأكلموا وهو هيظبطك فى حكاية القسط دى ان شاء الله متشلش هم
هب عمرو واقفاً وأمسك رأس صلاح وقبلها بقوة وقال:
- ربنا يخليك لينا يا كبير
ضحك صلاح ثم قال بجدية:
- عاوز نصيحتى ..أمشى دلوقتى قبل ما حد يشوفك ونتقابل بعد المغرب ونروح المعرض سوا
وبكره وبعده أجازه ممكن تاخد مراتك وتروحوا تنقوا العفش ...ثم أشار له محذراً وقال:
- ولما تنوى على المعاد الفرح أنا اللى هخدلك الاجازة بنفسى علشان محدش يقفلك فيها
عانقه عمرو فى سعادة ثم تركه فجأة وفتح الباب وفر هارباً ..
*********************************
كان فارس عائداً من عمله فى وقت الظهيرة وقبل أن يأخذ طريق المنعطف أذا به يصطدم بعمرو الذى كان يمشى بخطوات واسعه فى الاتجاه المعاكس وهو على عجلة من أمره تفاجأ فارس بعودة عمرو وهتف وهو يعانقه فى سعادة :
- عمور جيت امتى حمد لله على السلامه
عانقه عمرو بقوة وربط على ظهره وهو يقول:
- واحشنى يا ابو الفوارس والله أنا لسه جاى طاظه
فارس :
- ورايح على فين كده
مسح على شعره وقال بابتسامة واسعه:
- اصلى هروح عند عزة كمان شويه وقلت يعنى اجيبلها هديه بقالى كتير معملتهاش
ضحك فارس وهو يقول:
- ايه ده .. بقى عندك دم اخيراً مبروك يا اخى ..
عمرو :
- الله يبارك فيك عقبالك كده لما تتجوز وتريحنا منك
تذكر عمرو مقابلته مع صلاح فقال سريعاً:
- صحيح يا فارس ما تيجى معايا النهارده هروح معرض بيبع عفش بالقسط ايه رايك تيجى تتفرج..البشمهندس صلاح رئيسى فى الشغل يعرف صاحب المعرض وهيظبطلى موضوع التقسيط وان شاء الله هيبقى القسط حنين
لمعت عينيى فارس وقال:
- أنت وقعتلى من السما يابنى ده انا كنت فى مشكله بسبب الموضوع ده محتار هجيب العفش منين وبكام
ربط عمرو على ذراعه وهو يقول بغرور:
- خلاص نتقابل نروح سوا ..بس ابقى عد الجمايل بقى ها..
ثم أردف متسائلاً:
- هتناقش الرسالة أمتى ؟؟
قال عبارته الاخيرة وهو يرى فارس ينظر فى الاتجاه الآخر بتركيز فأعاد عبارته مرة اخرى ولكنه لم يجبه ايضاً بل وتركه وتحرك بسرعة ...تابعه عمرو بنظره فوجده يتحرك فى أتجاه مُهرة التى تسير بسرعه وكأنها تستعد للعدو وأخيه محمود يسير خلفها يحاول أن يتكلم معها ومن الواضح انه يضايقها
فُزعت مُهرة عندما تفاجأت بفارس مقبلاً عليها مسرعاً والشرر يتطاير من عينيه وهو ينظر لمحمود وقد احتقن وجهه ...أصفر وجه محمود عندما رأى فارس فى هذا الوضع وتسمر مكانه ..
أمسك فارس بتلابيب محمود وقال زاجراً:
- أنت راجل انت ؟!.. ده بدل ما تحميها
اقترب عمرو فى سرعه وخلص أخيه من قبضة فارس وهو يقول:
- معلش يا فارس أمسحها فيا
ثم نظر لمحمود مؤنباً وقال:
- كده يصح يا محمود برضه
شرعت مُهرة فى التدخل ولكن فارس نظر إليها بصرامة أخافتها وصاح بها:
- أمشى أطلعى على البيت وحسابى معاكى بعدين
خافت مُهرة وهرولت إلى المنزل سريعاً وهى تتمتم :
- يارب استر يارب استر
أطرق محمود رأسه أرضاً وهو يقول:
- انا مكنش قصدى أعاكسها أنا كنت عاوز أقولها أنى عاوز أخطبها وهى كانت مش عاوزه تسمعنى
أمسكه فارس من ملابسه مرة اخرى وقال بعصبية:
- تخطب مين يلا ..مش لما تبقى راجل الاول وتحافظ على بنات الناس
تدخل عمرو مرة أخرى وخلص أخيه وهو يحاول تهدأت فارس الذى أفلته
وتوعده بعينين تشعان غضباً وقال بلهجة صارمة :
- أنا مرضتش أمد أيدى عليك علشان خاطر عمرو بس ..لكن لو الموقف ده أتكرر تانى محدش يلومنى على اللى هيحصلك ..على الله تقرب منها تانى ولا حتى تيجى على بالك أنت فاهمنى يلا ولا لاء
قال كلمته الاخيره وتركهم وأنصرف فى غضب هادر ..نظر عمرو إلى أخيه محمود وقال بجدية:
- من أمتى وأحنا بنعاكس البنات فى الشوارع يا محمود عيب يا أخى ده انت حتى صاحب أخوها يحيى
قال محمود بضجر وهو يلوح بيديه:
- وهو ماله هو أبصلها ولا افكر فيها ..هو كان ولى أمرها وبعدين أنا غرضى شريف وهخطبها يعنى هخطبها
دفعه عمرو من كتفه بأتجاه البيت وهو يقول:
- طب أمشى بقى فورت دمى
وتركه وأنصرف فى طريقه وهو يتمتم :
- ايه البلاوى دى اروح للموزه بتاعتى أزاى وانا دمى فاير كده
*************************************
دلفت مُهرة باب شقتها وأغلقت الباب خلفها وهى تضع يدها على صدرها الذى كان يعلو ويهبط بسرعة ..تتنفس بصعوبة وقد تلاحقت انفاسها بشدة كأن أسداً كان يلاحقها ..أقبلت عليها والدتها مسرعة وهى تنظر لها بلهفة وقالت :
- مالك يا مُهرة فى حد بيجرى وراكى
حاولت ألتقاط أنفاسها وقالت وهى تجلس على اقرب مقعد:
- فارس شاف محمود وهو ماشى ورايا وكان هيضربه
- محمود مين صاحب يحيى؟! وكان ماشى وراكى ليه ده وعايز منك ايه
- بيقولى عاوز يخطبنى
جلست أم يحيى امامها وقالت بتفكير:
- هو قالك كده ؟!.......طب أزاى ده لسه طالب فى الجامعه
نظرت لها مُهرة وقالت متبرمة:
- طالب ولا مش طالب أنا اصلا مش طايقاه وهقول ليحيى ميدخلوش هنا تانى
قالت والدتها بسرعة :
- اسكتى أنتى ملكيش دعوه انا هبقى اشوف الحكايه دى
نهضت مُهرة وحملت حقيبة المدرسة فى يدها لتدخل غرفتها وهى تقول بحنق:
- حكاية ايه يا ماما ده ولد مش كويس وكمان شوفته مره وهو بيشرب سجاير ولو كلمنى تانى هقول لامه
قالت كلمتها الاخيره بعصبيه ودخلت غرفتها ..نظرت إليها والدتها وضحكت وهى تردد كلمتها الاخيره:
- هتقولى لامه !!!!!!...هتفضلى عيله لحد أمتى يا بنتى
****************************************
خرجت عزة من غرفتها سريعاً عندما أستمعت لصوت عمرو فى الخارج وهو يتحدث مع والدها بصوت مرتفع ويضحك بشدة ..تلك الضحكات التى تأسرها وتزلزل قلبها ..أصطدمت بوالدتها التى كانت متوجهة للمطبخ ..أتسعت عينيى والدتها وقالت بدهشة:
- خضتينى يا عزة بتجرى كده ليه
ارتبكت عزة وهى تقول:
- مفيش يا ماما تقريباً كده حد بينده عليا
نظرت لها والدتها بخبث وقالت:
- ياسلام ..يابت أتقلى شويه يقول عليكى ايه ...
ثم اردفت وهى تتجه للمطبخ :
- تعالى ورايا يالا خدى الشاى علشان تقدميه بدل ما تخرجى زى العبيطه كده
تبعتها عزة وبدأت فى صنع الشاى فدخل والدها المطبخ وقال وهو ينظر إليها:
- بتعملى ايه عندك يالا أطلعى سلمي على جوزك
لم تنتظر عزة كثيراً وأنطلقت فى سرعة إلى غرفة الصالون وبمجرد أن أن أقتربت منها وقفت وهندمت ملابسها وشعرها ثم فتحت الباب بهدوء ودلفت للداخل وقد تعلقت عيناها بزوجها الذى نهض واقفاً وعلى شفتيه أبتسامة عذبة وهو يكاد أن يلتهمها بعينيه ونظراته المشتاقه..
خطت فى أتجاهه ومدت يدها تصافحه فتناول كلتا يديها ورفعها لشفتيه وقبلها بشوق ثم وضعها على وجنتيه وهو يقول:
- وحشتينى جدااا يا حبيبتى
تأملت وجهه وهى تقول بحب:
- وأنت كمان
فرت دمعة من عينيها بدون شعور فمد يده ومسحهما وداعب وجنتيها وهو ينظر إلى عينيها التى تحمل الشوق المختلط بالحزن وقال :
- أنا مش هسألك الدموع دى ليه ..أنا عارف أنى مقصر معاكى بس والله غصب عنى
ابتسمت بأسى وقالت :
- حمد لله على سلامتك وأوعى تقولى انهم كلفوك بشغل فى حته تانيه زى كل مره
أبتسم وألتفت إلى الاريكه وتناول من عليها شنطة وأخرج منها علبة مستطيلة الشكل صغيرة وقدمها لها قائلاً:
- حبيبتى ممكن تقبل منى الهدية البسيطه دى
أخذتها عزة بلهفة وفضتها أمامه وأتسعت عينيها وهى تنظر إلى الهدية ثم تنظر إليه
وقالت بسعادة:
- الله ايه ده برفان
وضعت منها قليلا على يدها وقربتها من أنفها وأستنشقتها بنشوى وهى تقول :
- الله دى جميلة أوى يا عمرو ..متشكرة أوى يا حبيبى
أمسك عمرو كفها واستنشقه وهو يغمض عينيه أستمتاعاً برائحته ثم نظر لها وقال بشوق:
- البرفان ده ميتحطش غير ليا انا بس فاهمه ولا لاء
طرقت والدتها الباب ودخلت تحمل صينية الشاى أخذها عمرو من يدها ووضعها على الطاولة أمامه فقالت:
- الله ايه الريحه الحلوه دى
قالت عزة بسعادة:
- شوفتى يا ماما عمرو جابلى أيه
قالت والدتها وهى تنظر إليهما :
- يعيش ويجبلك يابنتى ..ثم نظرت لعمرو وقالت:
- عمك بيقول أنك هتروح تشوف المحل اللى هتجيب منه العفش النهارده يا عمرو
لمعت عينيى عزة سروراً وهى تنظر إليه فقال:
- النهارده ان شاء الله هروح اشوفه ولو الامور مشيت فى موضوع القسط ده هاخدكوا بكره ان شاء الله ونروح نتفرج وعزة تنقى اللى هى عايزاه فى بيتها
ثم قال موجهاً كلامه لأم عزة:
- انا عارف أنى طولت عليكم فى موضوع الفرح .. محدش بيكتب كتابه كل ده بس خلاص هانت أحنا نخلص موضوع العفش فى أسبوع إن شاء الله وبعدين نحدد معاد للفرح
وقصد أن ينظر لـ عزة ويتأمل عينيها فى أهتمام وهو يتابع قائلاً:
- فارس قالى أنه أحتمال كبير يدخل على أول الشهر بعد ما يناقش الرساله على طول وممكن نعمل فرحنا مع بعض...
لا يعلم عمرو لماذا كان يبحث عن علامه من علامات الحزن أو الاسى فى ملامحها وعينيها وهو يلقى هذا الخبر ولكنه لم يجد إلا السعادة والفرحه التى أجتاحت ملامح عزة وهى تستمع إلى بشرياته واحده تلو الاخرى وهتفت قائلة:
- بجد يا عمرو ... ثم عانقة والدتها وأحتضنتها بسعادة
قطع تصرف عزة هذا وسعادتها الكبيرة بما تسمع الشك باليقين فى قلب عمرو تجاه مشاعر عزه نحو صديقه وقال بمرح :
- مش هتغدونا بقى ولا ايه يا جماعه أنا واقع من الجوع

*******************************

- تعال اقعد يا فارس ..
نطق الدكتور حمدى بهذه العباره وهو يشير إليه بالجلوس وقد بدا عليه الاهتمام الشديد وهو يعتدل فى جلسته ويستند إلى المكتب بمرفقيه ويشبك أصابع كفيه فى بعضهما البعض ..كانت طريقتة توحى بأنه يستعد لالقاء حديثاً هاماً مما جعل فارس يشحذ حواسه كلها وهو ينظر إليه متسائلاً وهو يقول:
- خير يا دكتور قضية مهمه مش كده ؟
أبتسم الدكتور حمدى وهو يهز راسه موافقاً وقال :
- هى فعلاً قضيه مهمه ..يمكن أهم قضية فى حياتك
طلت النظرات المتسائلة من عينيى فارس ولكنه لم يعقب وترك المجال للدكتور حمدى ليشرح بنفسه فقال:
- فاكر يا فارس لما قلتلك انى بحضرك لحاجه مهمه أوى
هز فارس رأسه وهو يقول:
- أيوا فاكر يا دكتور
أردف الدكتور حمدى متابعاً:
- شوف يا فارس أنا عاوز تسمعنى كويس وتفهمنى ... أستدار فارس بجسده كله تجاهه وهو ينصت بأهتمام وتركيز حيث قال الدكتور حمدى:
- أنا نويت أسيب المكتب وأتفرغ شويه لبيتى ومراتى وولادى وبينى وبينك زهقت من الفساد اللى بقى متفشى حوالينا فى المهنه دى زى السرطان .. زمان كنت صغير وكنت بناطح وبحارب دلوقتى صحتى خلاص مبقتش تستحمل
قاطعه فارس وهو يقول بضيق:
- لا يا دكتور أنا مش معاك فى القرار ده لو سبنا الساحه للمفسدين يبقى كأننا بنساعدهم بالظبط
قاطعه الدكتور حمدى باشارة من يده وقال :
- استنانى لما أخلص كلامى يا فارس ...أنت كلامك صح وده اللى انا فكرت فيه ده غير أنى مهما كان مهنش عليا أرمى أسمى وتاريخى الطويل ورا ضهرى بسهوله كده واقفل المكتب ...ولما فكرت كويس ربنا هدانى لفكرة دخلت دماغى أوى وشايفها حل وسط هيريحنى وفى نفس الوقت هتبقى دى بدايتك الحقيقيه
جالت بخاطره افكار كثيرة متشعبه ومتشابكه كأشجار الغابات فبداية الحديث غير مبشرة بالمره ولكن نهايته لغز كبير ..قرأ
حمدى الحيرة فى عينيه فقال بحسم:
- أنت يا فارس اللى هتمسك المكتب كله بدالى ومكتبى ده هيبقى بتاعك والقاضايا اللى هتشتغلها هتتوزع على تلاته تلت ليا وتلت ليك وتلت للمكتب مرتبات ومصاريف
أتسعت عينى فارس من وقع المفاجأة ونهض بغير ارادة منه واقفاً وهو يقول بذهول:
- مش معقول ..انا مش مصدق يا دكتور ..
واشار إلى صدره وقد أزدادت قوة نظراته المتسلطة على الدكتور حمدى وهو يقول بعدم تصديق :
- انا ؟!!
أومأ الدكتور حمدى براسه وقال مؤكداً:
- ايوا يا فارس ..وبعدين مالك مستأل بنفسك كده ليه ..ده انت اقل من شهر وتاخد الدكتوراه
المفاجأة كانت كبيرة جدا على فارس فلم يكن ليصدق ما يسمع هل سيدير المكتب ويجلس خلف مكتب الدكتور حمدى ليأخذ مكانه ويشاركه نسبة الثلث فى أتعاب كل قضية !!
هز راسه يمنة ويسره وهو يحاول استيعاب الموقف جيداً ولكن الدكتور حمدى أعاد كلامه مرة اخرى وهو يؤكد له ما فهمه منه وأخبره أنه سينتظره حتى يعود من أجازة زواجة ليبدء مهام عمله الجديد بداخل مكتب الدكتور حمدى شخصياً

***********************************
أندفعت دنيا معانقةً لـ فارس وهى تهتف بأنفعال:
- بجد يا فارس أنا مش مصدقة يعنى المكتب ده كله هيبقى بتاعنا
عانقها بحب وقال ضاحكاً:
- ده انتى مفرحتيش كده يوم كتب كتابنا ولا حتى يوم الماجيستير
ضحكت وهى تبتعد عنه بنعومه وعينيها تكاد تنطق بالبهجة والسعادة وقالت وكانها لم تسمعه:
- طبعاً التلت ده هيبقى أكتر من مرتبك دلوقتى بمراحل يعنى هنجيب شقه فى حته حلوه..ونفرشها بمزاج ونجيب عربية وصفقت بيديها وهى تقول:
- وبعد شويه نحط أسامينا على اليافطة جنب اسم الدكتور
كان فارس ينظر إليها بتمعن وهى تتحدث عن المستقبل بكل تلك السعادة وتسرح بخيالها الممتد للافاق الشاسع وهى تنظر إليه ولكنها فى خضم تلك السعادة نسيته تماماً ولم تتحدث الا فى الماديات فقط ولم تحلم إلا بها وحدها .. أنتزعها من أحلامها وهو يقول :
- أنا مش هسيب أمى لوحدها فى البيت يا دنيا ومش هاخد شقه فى حته تانيه إلا لما هى توافق وترحب بكده وتوافق أنها تسيب بيتها وتيجى معانا
توقفت دنيا عن الدوران فى سماء أحلامها وطوت جناحى الامانى لتعود الى الارض مرة أخرى فى هبوط اضطرارى وقطبت جبينها وهى تقول بحنق:
- يعنى ايه الكلام ده ..حتى بعد ما اللى حصل عاوز تفضل عايش فى الحاره
أختلطت أبتسامته بقسمات حزن وهو يقول متهكماً:
- أنا مش عارف انتى ليه مصممه أنها حاره ..ما علينا حاره ولا مدق حتى مهما أختلفت المسميات مش هسيب امى لوحدها وأخذ نفساً عميقاً وأخرجه ببطء وهو ينوى حسم الامر قائلاً:
- والامر ده لازم يتحسم دلوقتى علشان ابدا فى تجهيز البيت ونجيب اوضة النوم بتاعتنا
نظرت إليه فى ضجر وضيق شديدين وقالت ساخرة:
- كمان مش هتغير غير اوضة النوم بس
أتجه إلى باب غرفة مكتبها ليخرج منه وهو يشعر ان فرحته قد أنطفات بكلماتها الاذعة وقال ببرود:
- لما اروح معرض الفرش مع عمرو هشوف هقدر أجيب ايه..المهم دلوقتى تعملى حسابك أن الفرح هيبقى بعد مناقشة الرسالة على طول...

************************************
لم تكن عزة لتصدق نفسها وهى تنتقل ببصرها بين أنواع الاثاث الجيدة امامها وقد اعجبت بتصميمها العصرى الانيق ومالت على عمرو وقالت بخفوت:
- بس العفش ده هيبقى غالى علينا ولا ايه يا عمرو
وضع اصبعه على فمه مشيراً لها بالسكوت وبدأ فى مفاوضاته هو وفارس مع صاحب معرض الاثاث حول الاسعار والقسط المناسب .. وجد فارس مبتغاه فى هذا المعرض وقرر ان ياتى بغرفة صالون اضافيه لاستقبال الضيوف وعاد لمداولاته مع صاحب المعرض وهو يتمنى أن يرى السعادة فى عينيى دنيا كما رآها فى تصرفات عزة حينما شاهدت الاثاث لاول مرة وابدت اعجابها الشديد به ...
وبدأت رحله تجهيز البيت وأعداده ونقل الاثاث إليه وقد بذل فارس مجهوداً أضافياً ليستطيع توفير كماليات البيت ليبدوا جديداً فى عينيى زوجته وفى نفس الوقت يضع اللمسات الاخيرة فى رسالة الدكتوراة وقد أطمئن قلبه إليها وخصيصاُ عندما سمع أطراء الدكتور حمدى عليها وعلى المجهود المبذول فيها ...
أنتهت جميع التريبات الازمه فى شقة الزوجية الخاصة بعمرو وكذلك شقة فارس وأصبحت كل شقة منهما جاهزة لاستقبال عروسها الجديد ..
لم تكن تفصل بينهما وبين حياتهما الجديدة إلا ايام قليلة ..ايام قليلة تفصلهما عن مستقبلهما الذى لم يكن أياً منهما يتصوره ولا يخطر بباله ..فإن الانسان مهما فعل لا يستطيع أن يمنع الاخرين من الأساءة إليه ...!
-------------
يُتبع

__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب
  #12  
قديم 02-22-2018, 04:51 PM
 

الفصل التاسع عشر
------------------


أنتشت روحه أبتهاجاً وسعادة ما بعدها سعادة ودوت دقات قلبه بين جنباته فى اصرار لترسم خطوطها على قسمات وجهه البسام وعينيه المشعتان أملاً وأنتصاراً وهو يعانق الزملاء والمحبين والمهنئين له وقد اقترن أسمه بلقب الدكتور .. وأصبح يدعى الدكتور فارس سيف الدين ..
جائزته التى طالما أنتظرها طويلاً بعد جهد وعناء ومشقة وسنوات دراسة وبذل وسهر وتعب وأرهاق مضاعف ...كم هى مذاقها طيب لذة الانتصار وكم هو مرهق مشوار النجاح وتحقيق الاهداف .. بحث بعينيه كثيراً عنها بين المهنئين فلم يجدها كيف ذلك وقد وعدته بالحضور لتشاركه أحلامه وسعادته تلك اللحظة شعر بالقلق حيالها هل ربما قد تكون أصابها مكروه ...أخرج هاتفه الخلوى وهاتفها سمع صوتها فرد بلهفة:
- حبيبتى أنتى كويسه؟
أنتفضت دنيا من فراشها هاتفة:
- أيه ده هى الساعه كام دلوقتى
أطاحت المرارة بابتسامة ثغره ووضعت مرارتها على شفتيه وأحتلتها أحتلالاً وهو يقول:
- أنتى كنتى نايمه ؟! ..معلش صحيتك روحى كملى نوم ..سلام
أمسكت الهاتف بكلتا يديها وقالت بلوعة:
- والله يا حبيبى راحت عليا نومه مش عارفه ازاى ... اصلى نايمه بعد الفجر .. بس أنت غلطان مكلمتنيش ليه قبل ما تنزل الصبح
قال بضيق :
- خلاص خلاص محصلش حاجه يلا سلام

أغلق الهاتف وهو يشعر أن مرارة ابتسامتة قد أستعمرت قلبه ورفعت رايتها معلنةً أحكامها وبعثرت غصتها فى حلقه تباعاً لتجبره على الانصياع لها بلا مقاومه.. ولم يكن ليفعل .. لم يكن ليقاوم ذاك الشعور المرير بأهمالها الدائم له وعدم حرصها عليه وتفكيرها الأبدى فى شخصها وفقط .. كيف يكون ذلك حباً ..
عاد إلى بيته وهو يحاول التخلص من تلك المشاعر التى أحتلته فلا يريد أن يزعج احداً بما يعانيه ..كل ما كان يفكر به هو اسعاد تلك المرأة الطيبة التى بذلت عمرها لأجله ولم تبقى لنفسها عافية إلا وقدمتها بحب وأرتياح وهى تراه يحقق الانجازات يوماُ بعد يوم فكأنها هى التى تنجح وهى التى تتقدم وهى التى تخطو نحو المستقبل بخطاً ثابته..
أحضر لها معه بعض الأشياء التى تحبها ورسم ابتسامة سعيدة على محياه ليدخل البهجة على قلبها ..قابلته .. وجدها تقف فى الشرفة تنتظره على أحر من الجمر فابتسم لها وخطى خطوات واسعة نحو المنزل صعد درجات السلم فى سرعة كبيرة فوجدها قد سبقته ونزلت هى إليه ..عانقته وهى تضحك بين دموعها وتحسست وجهه بيديها الواهنتين وهى تقول ببكاء:
- مبروك يا حبيبى ألف مبروك يا ما انت كريم يارب الحمد لله يابنى
وكأن دموعها قد سمحت لدموعه بالافلات أخيراً من محبسهم وبغزارة..وهو يقول :
- أيه يا ست الكل أنتى تفرحى تعيطى تزعلى تعيطى
قبلت كتفه وأحاطها بذراعه وهى تقول:
- دى دموع الفرح يا دكتور
جائهم صوت مُهرة من خلفهم وهى تقول بصوت يشبه البكاء:
- كده خلتونى أعيط..
ألتفتا فوجداها تقف اعلى الدرج وعيناها تلمع بعبراتها السعيدة التى هطلت بغزارة على جنتيها وهى تنظر إليهم بأبتسامة كبيرة فأعطت مظهراً يُرسم له لوحة فنية بكل تلك المشاعر المتناقضة على وجهها الدموع المنهمرة بلا توقف والابتسامة الكبيرة السعيدة وتلك الملامح البريئة التى لا تخطئها عين...
هبطت درجتين من السلم حتى اقتربت ثم توقفت وأخرجت من جيب تنورتها ميدالية مرصعة بفصوص من الفضة مكتوب وسطها وبخط فضى صغير د/فارس سيف الدين ....وقدمتها له وهى تقول ببراءة :
- مبروك يا دكتور ممكن تقبل منى الهدية البسيطه دى
أخذها فارس وهو ينظر لها ويقلبها بين يديه متأملاً وقد تملكته الدهشة وقال:
- الله يبارك فيكى يا مُهرة..بس جبتيها أمتى دى وعملتيها أزاى
رفعت كتفيها وقالت بتلقائية:
- من سنة كده وأنا عند ابله عبير شفت واحد جنبهم بيعمل حاجات فضه طلعت فى دماغى ووصيته عليها ولسه مستلماها منه من اسبوع بس
رفع حاجبيه وقد أندمج مع عباراتها التلقائية ولم يكن حال والدته باقل من حالته وهما ينصتان لكلماتها العفوية وقال متسائلاً:
- من سنه ولسه مستلماها من أسبوع
أبتسمت فى خجل وهى تطرق برأسها وقالت:
- أصل أنا كنت بحوش تمنها ولما خلصت أدهالى
أتسعت ابتسامته وهو يتبادل النظرات مع والدته التى شعرت كأنها تراها لأول مرة أما هو فقد شعر بمتعة وهو يتسائل مرة اخرى ويقول :
- وانتى بقى عرفتى منين المعاد بتاع مناقشة الرسالة علشان تظبطيها كده وتخلصى تمنها قبلها بأسبوع
أستندت بذراعها إلى سور الدرج ولوحت بيدها الاخرى بعفوية وهى تقول:
- مرة سمعتك وانت بتتكلم مع طنط
رفع حاجبية مندهشاً وقال :
- سمعتى المعاد مره من سنه !!!!
أومأت بخجل ثم عقدت جبينها ونظرت لأم فارس ثم نظرت إليه وقالت:
- هى معجبتكش ولا ايه
أجاب بدون وعى وبدون تفكير:
- بالعكس دى جميله جدا
نظرت له والدته فوجدته شارداً أو حائراً وهو ينظر إلى الميدالية فى يده ويقول فى وجوم:
- شكلك كنتى متأكده أنى هاخد الدكتوراه حتى من قبل ما أكون انا متأكد
صعدت والدته درجتين وربتت على كتف مُهرة ثم مسحت على ذراعها فى حنان وقالت :
- طول عمرك جدعه يا مُهرة وفاكره الناس اللى حواليكى ثم نظرت لملابسها وقالت متسائلة:
- انتى رجعتى من المدرسه بدرى النهارده ولا ايه
نظرت مُهرة لملابسها المدرسية ومطت شفتاها وهى تقول بحزن:
- انا مروحتش أصلاً النهارده الصبح صحيت بدرى علشان أروح أتفرج على فارس وهو بياخد الدكتوراه بس ماما مرضيتش وقعدت تتخانق معايا علشان الامتحانات قربت وصممت ألبس وأروح المدرسه ..طبعا بقى على ما الخناقه خلصت ولبست كان عدى وقت المدرسه لقيت ماما بتقولى خلاص اتأخرتى هتروحى فين..ومن ساعتها بقى وانا مغيرتش هدومى وقاعده اذاكر فى البلكونه علشان لما فارس يرجع اشوفه وأديله الهديه...
شعر فارس بكلمات مُهرة تُطيح بالمرارة التى كانت قد احتلت قلبه من قبل وتنزع رايتها وتحررقلبه من القسوة التى كانت تحاول فرض سيطرتها عليه بالقوة وتُميت عواطفه وتكاد تدفنها فى اعماقه فلا تظهر مرة أخرى على السطح
ولكنها جائت فى الوقت المناسب لتعيد تشغيله واعادته إلى الحياة مرة ثانية ..
قبض على هدية مُهرة فى راحته ولا يعلم لماذا شعر فى هذه اللحظة بالذات انه يجب أن يغض بصره عنها لأنها ...لأنها قد كبرت ...كبرت إلى هذه الدرجة ..كبرت النبتة التى زرعها بيديه وزرع ما بها من معانى جميلة وعواطف نبيلة مخلصة لتصبح وارفة الظلال لتظله هو ايضا ببعض ظلالها حينما تسحقه رمضاء الحياة

********************************************
ومرت الأيام الخمس ووقف فارس يرتدى سترته الانيقة السوداء امام المرآة وهو يستعد لحفل زفافه ..لم يكن متحمساً كما كان يظن فى ذلك اليوم .. مشط شعره فى عناية شديدة ووقف ينظر للمرآة ويتمم على أناقته حينها سمع صوت بلال وعمرو فى الخارج ابتسم وهو يفتح باب غرفته وسمع عمرو يصيح بمرح:
- وأنا هاخد وقت فى اللبس ليه انا حلو من غير حاجه
خرج فارس ورد عليه قائلاً:
- ده ايه التواضع ده كله
ضحك بلال وهو يضرب على كتف فارس قائلاً:
- نحن السابقون و انتم اللاحقون
نظر بلال إلى فارس وقال متسائلاً:
- أنتوا مسافرين بعد الفرح فعلا يا فارس
أومأ فارس براسه وقال:
- أيوا الدكتور حمدى عزمنا نقضى اسبوع فى شقته اللى فى اسكندرية ..هنقضى ساعه كده فى الفرح ونسافر على طول
وضع عمرو يديه فى خصره وهو يتصنع الحقد وقال:
- ماشيه معاك يا عم مين قدك
- بقولك ايه يا عمرو مابدل الحقد اللى مالى قلبك ده.. يومين تلاته كده وتعالوا قضوا معانا يومين فى اسكندرية
حك عمرو راسه وهو يقول:
- ممم هفكر واخد رأى الحكومه
ضحك ثلاثتهم بينما قال عمرو :
- يالا يا سيدنا العرايس فى الكوافير مستنينا على نااااااار
نظر فارس حوله وهو يقول متسائلاً:
- هى ماما راحت فين
قال بلال وهو يضع يديه فى جيب بنطاله:
- طلعت تودى الولاد عند مُهرة ونازله على طول ان شاء الله
عقد فارس بين حاجبيه وقال متسائلاً بقلق:
- ليه هما مش جايين معانا
جذبه عمرو من ذراعه وهو يتجه به صوب باب الشقة ويقول :
- ياعمنا يالا بقى هنستناهم تحت الستات دول يومهم بسنه
خرج ثلاثتهم وأغلق فارس الباب خلفة ونزل الدرج خلفهم فى توتر وقلق وهو ينظر للأعلى ثم ينظر امامه ويكمل طريقة فى الهبوط
وقف الجميع اسفل بنايتهم وتبادلوا العناق والتهنئة مع الجيران والاحبة والمدعوين منهم للحفل ...تأخرت والدته قليلاً فقال عمرو:
- ما تطلع تشوف الحاجه يا فارس عزة عماله تتصل شكلنا بقى وحش أوى
نظر فارس الى هاتفه فوجد مكالمتين من دنيا لم ينتبه إليهم..
كان على وشك أن يهاتفها ليخبرها أنهم فى طريقهم ولكنه وجد يحيى يهبط الدرج بسرعة ويتجه إلى بلال مباشرة وهو يقول:
- لو سمحت يا دكتور ممكن تطلع معانا اصل مُهرة تعبانه اوى
لم يتحدث فارس كثيرا بل لم يسأله من الاصل أنما توجه للأعلى مباشرة وطرق الباب ..فتحت له أم يحيى الباب وفى عينيها اثر البكاء معلنا عن نفسه بوضوح فقال بلوعة:
- فى ايه مُهرة مالها
كان بلال ويحيى قد لحقا به ..غض بلال نظره وهو يقول :
- خير يا جماعه مالها
افسحت لهم أم يحيى الطريق وهى تقول:
- مش عارفه يا دكتور سخنه اوى وبتترعش والكمادات مش جايبه نتيجه خايفه تكون حمى
قال بلال بسرعة دون ان ينظر إليها:
- طب غطيها وحطى حاجه على شعرها
دخلت ام يحيى سريعاً إلى غرفة مُهرة وخرجت بعد ثوانى وهى تقول بلهفه:
- خلاص يا دكتور اتفضل
هم بلال بالدخول ولكنه تفاجأ بفارس يمسك بذراعه يوقفه فنظر بلال إلى يد فارس الممسكة به ثم نظر إليه فى تسائل ....فقال فارس بصوت كأنه خرج من شخص آخر غيره ومن حلق آخر غير حلقه وكأنه آتى من بئر عميق وبعيد :
- هو انت بتكشف على بنات؟
شيئاً ما فى عينى فارس جعل بلال ينظر إليه بعمق وهو حائراً من امره ثم قال:
- انا مش هكشف عليها أنا هشوفها بس حمى ولا لاء وده مش محتاج كشف زى ما أنت فاهم ..علشان لو حمى مش هينفع نستنى اكتر من كده
ثم أشار بلال إلى أم يحيى أن تتبعه ..دخلت معه والدتها لغرفتها فوجد أم فارس تجلس بجوارها وتبكى على حالها وما أصابها ومُهرة نائمة وجبينها متعرق من اثر الحرارة العالية والكمادات التى غطتها....
وقف فارس حائراً فى الخارج يريد الدخول ولكن لا يستطيع بعد دقائق خرج بلال وهو يحادث زوجته على الهاتف ويقول:
- خلاص نازلين اهو ..لا الحمد لله كويسه..اه طبعا هجيب الولاد معايا
لم يستطع الانتظار أكثر ..أمسك بلال من يده التى يحمل بها الهاتف وقال بسرعه :
- طمنى يا بلال
أنهى بلال مكالمته مع عبير ووضع الهاتف فى جيبه وقال ل فارس وهو يتفرس فى ملامحه:
- متقلقش دى حرارة عاديه مش حمى ...كويس أن والدتها بتعرف تدى حقن انا كتبتلها اسم حقنه لما تاخدها هتبقى كويسه بأذن الله
مر يحيى من جوارهم سريعاً فى طريقة للخروج ليحضر الحقنه التى طلبها بلال وخرجت على اثره ام فارس من الغرفه وتوجهت ل فارس وهى تقول:
- انت لسه هنا يابنى يالا أنت اتوكل على الله علشان تلحق عروستك فى الكوافير مش عاوزين مشاكل فى ليله زى دى
جاء صوت رنين هاتف فارس فى هذه اللحظه فنظر فى الهاتف فوجده عمرو الذى تكلم بسرعة قائلا:
- انتوا هتباتوا عندكوا يا فارس
قال فارس بدون تردد:
- أمشى انت يا عمرو روح خدهم من الكوافير ووديهم القاعة وماما وبلال هيحصلوك
هتف عمرو مستنكراً:
- هما مين اللى أخدهم دول اروح اقول لمراتك تعالى معايا وجوزك جاى ورانا فى ايه يا فارس
صاح فارس بغضب:
- اعمل اللى بقولك عليه يا عمرو ..ماما هتنزل دلوقتى وهتاخدها معاك من الكوافير وتروحوا على القاعه وانا هبقى أحصلكوا ..وبعدين كده ولا كده قاعة الرجاله مفصوله عن قاعة الستات يعنى محدش هياخد باله انى هتأخر
أنتزعت أم فارس الهاتف من يده وهى تنظر له بحدة وقالت ل عمرو:
- فارس نازلك يا عمرو دلوقتى سلام
أغلقت الهاتف ونظرت إليه بصرامه وقالت:
- يالا روح خد عروستك من الكوافير وأنا هقعد معاها لحد ما تتحسن
زفر فارس بضيق وهو يشعر ان حفل زفافه تحول إلى جبل على صدره يريد التخلص منه ...لاحظ بلال الحيرة فى عينيه ونفس الشىء الغامض الذى استشعره سابقاً وهو لا يريده أن يدخل للكشف عليها فتدخل لحل المشكلة قائلاً:
- بص يا فارس السخونيه دى حاجه عادية بتيجى وتروح ومتقلقش هى هتاخد الحقنه وهتبقى زى الحصان
عاد يحيى سريعاً بالحقنه ودخل غرفة أخته مسرعاً كانت أم يحيى واقفة تستمع للحوار بجوار باب غرفة ابنتها فحزمت امرها ورسمت ابتسامة على شفتيها وخرجت مبتسمة وهى تقول:
- الحمد لله الحرارة نزلت شويه وابتدت تتحسن
ألتفت بلال إليها دون النظر لها مباشرة وقد أستشعر خدعتها فهو كطبيب يعلم أن الحرارة تحتاج لوقت أكبر من هذا لتعود لطبيعتها..
أنهالت المكالمات على هاتف فارس وبلال وأحتالت أم يحيى كثيرا عليهم حتى لا يتأخروا أكثر من هذا على زفافهم بسبب مرض ابنتها فهم لا ذنب لهم فيما يحدث لها ...
وبعد مداولات كثيرة أستقل فارس السيارة ويكاد يكون فى عالم آخر.. يأكله القلق والتوتر والاضطراب وتكاد أن تفتك به أناتها التى كانت تخرج منها عالية فتصل إلى اذنيه وتنهش صدره عن بعد وهو ينظر خلفه ويكاد أن يراها من خلف الابواب المغلقة والجدران ... والسيارة تبتعد به وتفصله عن عالمه الذى طالما أحبه ....
*******************************************
وقف فارس وعمرو على باب الكوافير ينتظر كل منهما عروسه ولم ينتظرا طويلاً فقد كانتا كل منهما تجهزت منذ وقت وأنتهت من زينتها ...
دلفت عبير إلى الداخل ووضعت الكاب الابيض على عزه لتغطى به زينتها التى زينت بها وجهها بينما رفضت دنيا أن تفعل ذلك واصرت على الخروج وهى تحمل الغيظ والحنق بين جنباتها وعلى قسمات وجهها لاصرار فارس أن ترتدى الحجاب فى هذا اليوم ولتاخره عليها كل هذا الوقت ...
خرجت كل منهما إلى زوجها وتأبطت ذراعه إلى السيارة وأنطلق الجميع وسط الزغاريد وأصوات أبواق السيارات حتى وصلوا إلى قاعة الافراح...
كانت قاعة الرجال فى الدور الارضى بينما قاعة النساء فى الدور الاول ..صعدت النساء للأعلى بينما دلف الرجال إلى القاعة الارضيه ...
كانت هناك فرقة من النساء تقف فى بهو القاعه ينتظرون حضور العروستان فى صفين يحملن المشاعل وصفين آخرين يحملن الدفوف
مرت عزة بين صفى الدفوف بينما مرت دنيا بين صفى المشاعل ..كانت أستقباليه رائعه بين ضرب الدف والانشاد وبين أنوار المشاعل الملونه جلست كل منهما فى مقعدها المخصص لها والمزين بالتول والورود والقلوب الحمراء وبدات الفرقه فى أداء فقراتها المدربة عليها ولكن كل هذا لم يعجب دنيا وكانت تشاهد ما يحدث بملل وكأنهم نساء من كوكب آخر وتنظر إلى عزة بدهشه وتتعجب كيف يبدو عليها السعادة والبهجه بل وتشاركهم الرقص على ضرب الدف هل هذه حفلة زفاف !!
أين الراقصات والمغنيات اين الاختلاط اين الاغانى كل هذا كان ليس له وجود فقد كانت عبير هى متعهدة هذه الحفله وقد رتبتها بما يرضى الله وجهزتها لتخرج بدون معاصى وايضا فى أبهى حلة لها ...
أما فى الاسفل عند الرجال وقف عمرو يتضاحك مع اصدقائه ومحبيه ويتبادلون النكات ووقف فارس بجوراه يصافح المهنئين له ويبتسم لهم ولكن عقله كان فى مكان آخر فيتجه إلى ركن ما فى القاعة ويخرج هاتفت ويتصل على هاتف يحيى الذى يجيبه ببعض الكلمات المطمئنه التى لقنته اياها والدته ...
ترك عمرو اصدقائه وأتجه إلى ركن هادىء بالقاعه وأتصل على والدته وقال وهو يتلفت حوله :
- بقولك ايه يا ست الكل مش كفايه كده بقالنا ساعتين مش هنروح بقى ولا ايه
ضحكت والدته ثم قالت :
- طيب خلاص ربع ساعة كده وننزل
أنهى عمرو الاتصال ووقف يفرك كفيه ما بين توتر و عجلة وحانت منه التفاته إلى فارس الذى يقف شارداً يضغط ازرار هاتفه فى أنفعال ما بين الحين والاخر فاتجه إليه ووضع ذراعه على كتفه وقال مداعباً :
- أنت كمان مستعجل ولا ايه
رسم فارس ابتسامه على شفتيه ولم يجيبه
فقال عمرو :
- مالك يا فارس شكلك مش طبيعى خالص من ساعة ما وصلنا
فارس:
- مفيش يا عمرو مفيش
أنتهى حفل الزفاف واستقل عمرو سيارة بجوار عزة فى طريقهما لعش الزوجية بينما لاحظت أم فارس قلقه وعدم رغبته فى السفر فاقتربت منه وربطت على كتفه وقالت وكانها ترى ما يدور بعقله:
- يابنى اطمن هى خلاص بقت كويسه يلا توكل انت على الله وخد عروستك وسافر
أنحنت دنيا وهى داخل السيارة واطلت براسها من زجاجها وقالت بانفعال:
- انا هفضل ملطوعه كده كتير
أضطر فارس إلى استقلال السيارة تحت الالحاح الشديد من والدته وكلمات دنيا اللاذعة وأنطلق بها إلى الاسكندرية
ظلت طوال الطريق تؤنبه وتوبخه على تأخره عليها فى الكوافير وفى السيارة امام القاعة ولكنه لم يرد كاد ان يستشيط غضباً وهو يحاول ارضائها ويقدم أعذاره ولكنها لم تقبل بل وأزدادت حدة كلماتها القاسية التى تتهمه فيها بالاهمال والتقصير ...والبداية الغير المبشرة بحياة سعيدة

***************************************
فتحت والدة عزة باب الشقة ودلفت وهى تطلق الزغاريد المتواصله وتبعتها عبير وعزة وعمرو...قبلت عبير أختها وعانقتها وهى تتمنى لهما حياة سعيدة وأيام مباركه وأنصرفت بسرعه كما أمرها بلال من قبل بينما ظلت والدة عزة تطلق الزغاريد المتواصله حتى مال عمرو على عزه وقال هامساً:
- هو النهارده الزغاريت وبكره الفرح ولا ايه !!
ابتسمت عزه خجلاً ولم تجيبه وانما تمنت ان تبقى والدتها ولا تنصرف ابدا من كثرة خوفها من عمرو الذى كان يتوعدها بهذه الليله مراراً وتكراراً وهو يداعبها ...
صعدت والدة عمرو وجذبت أم عزة من يدها وقالت بمرح:
- يالا بقى أحنا هنبات هنا ولا ايه
فرت دمعتين من عينيى ام عزة وهى تحتضنها وتقبلها قائلة:
- خللى بالك من نفسك وكلى كويس ها
لمعت عينيى عزة بالدموع وهى تودع والدتها على الباب بينما أسرع عمرو وأغلق الباب خلف الجميع وهو يزفر بارتياح قائلا:
- الحمد لله أخيرا ..ايه رايك نقفل بالمفتاح والترباس لحسن يرجعوا تانى ؟!!
أطرقت عزة برأسها ولم تجيبه وشعرت أن الدنيا تميد بها وتكاد أن يغشى عليها ..لاحظ عمرو العلامات الجلية على وجهها وشحوبه خوفاً فقال بلامبالاة :
- يلا بقى انا هموت من الجوع أدخلى غيرى وأطلعى بسرعه قبل ما أخلص العشا لوحدى
لم تصدق نفسها هرولت للداخل أغلقت الباب عليها وبدلت ملابسها سريعاً بعد أن تعثرت قليلا وهى ترتديها وتتمتم بصوت خفيض:
- بتتلبس ازاى دى !
بعد قليل خرجت إليه وجدته يأكل بنهم شديد فنظرت إليه باستغراب وقد تناست خوفها قليلاً وهى تسمعه يقول لها دون أن ينظر إليها:
- الاكله دى خلتنى عامل زى اللى واخدين بنج وشكلى كده هكسف أهلى وأنام على روحى
أبتسمت وقد تلاشى أى شعور داخلها بالخوف وجلست على مقعدها تتناول بعض الطعام وتصنعت أن الامر لا يعنيها وهى تقول:
- كل وأدخل خد دش علشان تسترخى ونام وأنا هابقى اصحيك الفجر علشان نصلى سوا على فكره شكلك مرهق اوى أوى
نظر إليها بطرف عينيه وهو يلعق اصبعه من بقايا الطعام وقال :
- أسكتى يا بت انتى وكلى عيش فى البيت ده وانتى ساكته أحسنلك
أنهى طعامه ودلف الى الحمام أغتسل وخرج ليجدها قد استغرقت فى نوم عميق على الاريكة أمام التلفاز
حاول ايقاظها ولكنها لم تستجب حاولا مراراً ولكنها تعمدت الاستغراق أكثر فى النوم فإتجه الى الثلاجه وأخرج زجاجة عصير وأتجه إليها ووقف بجوارها وهو يفتح الزجاجه بصوت عالى وقال:
- ياترى نوع العصير ده لما بيتكب على هدوم ولا على شعر ولا على السجاده ولا على الكنبه بيطلع تانى ولا لاء
أنتفضت عزة واقفةً وهى تقول برجاء:
- لالالالالا بلاش أنا صاحيه اهو
اشار لها لتسير أمامه للداخل وهو يعقد جبينه قائلا بجديه مصطنعه:
- قداااامى ...ناس مبتجيش غير بالعين الحمرا صحيح
*********************************
وأما هناك وفى الاسكندرية وقبل الفجر بدقائق كانت هناك دوى صفعة قوية على وجهها هوت على اثرها أرضاً وهى تصرخ قائلة:
- متظلمنيش يا فارس مكنش بايدى ...اسمعنى طيب
قبض على ساعديها بقوة وعينيه تشعان غضباً وكأن الشيطان قد سكنها وأطلق منها قذائف نيرانه فتطايرت فى وجهها ولفحتها وهو يجذبها لتقف مرة أخرى على قدميها وهى تهتز خوفاً وهلعا وهو يقول بصوت يشبه الفحيح:
- مين اللى عمل كده أتكلمى ولا هقتلك وأدفنك هنا دلوقتى حالاً ..
قال كلمته الاخيرة وهو يصفعها مرة اخرى لترتطم بالفراش وتسقط عليه بثقلها ..وضعت يدها وجنتها وهى ترتعش وتقول متوسلة له:
- هتكلم هحكيلك على كل حاجه بس اسمعنى والله مظلمومه مظلمومه يا فارس ...بدأت تتعثر فى كلماتها وتتلعثم وهى تقول:
- فى يوم بعد ما ركبتنى التاكسى ومشيت فضل ماشى بيا فى الطريق عادى وقبل ما يدخل على بيتنا دخل فى الشارع الضلمه اللى قصاده اللى كله عمارات فاضيه ولسه بتتبنى ما أنت عارفه وو..و بعدين طلع مطوه وهددنى ومقدرتش افتح بؤى خفت يا فارس خفت وبعدين أغمى عليا ولما فوقت لقيت نفسى فى الشارع قمت جريت ودخلت بيتنا وماما كانت نايمه ومشفتنيش
قبض على شعرها بقوة وصرخ بها:
- كدااابة ..انا عمرى ما ركتبتك تاكسى لوحدك ابدا
صرخت وهى تحاول الفكاك منه ومن قبضته حتى شعرت أن روحها تفرقت فى جسدها وهربت من كثرة الالم وقالت وهى تنتفض:
- ايوا ايوا أنت عمرك ما ركبتنى تاكسى لوحدى بس فى اليوم ده الميني
باص اللى ركبتهولى اتعطل والناس نزلت كلها واضطريت أخد تاكسى وحصل اللى حصل
صرخ بها وهو مازال قابضاً على شعرها بقوة :
- ومقولتليش ليه ومبلغتيش ليه وأمتى كل ده حصل
بكت بشدة وهى تصرخ من الالم وقالت :
- حصل من سنه تقريبا وخفت يا فارس خفت اقولك وخفت ابلغ
دفعها على الفراش بقوة فارتطم رأسها به وأخذت تبكى وترتعش بقوة .. نظر إليها تسلط عليه الشيطان فى تلك اللحظه فاقدم على قتلها ولكنه تراجع ..
كلماتها تفوح منها رائحة الكذب ولكنه لا دليل لديه على شىء أخر ..ابتعد عنها ودخل الشرفة فلفحه الهواء بقوة وشعر أنه كان تحت سطح البحر لا يكاد يتنفس وخرج فجأة الى الهواء العليل فكادت ان تنفجر رئتيه وشعر بدمائه تغلى بداخل عروقه لتلهبها وتحرقها ورأى الماء يندفع بجنون ويرتطم بأمواج عقله فتطحن رجولته وتبعثرها وتنثرها على الشاطىء ..
شعر أنه سيفقد عقله ورشده ..جلس على الارض واضعاً وجهه بين كفيه وهو يشعر أن قلبة قد طُعن طعنة غدر من اقرب الناس إليه لا يصدقها وليس لديه حل آخر هل يعرضها على طبيبه لتكشف له الامر ولكن الامر قد مضى عليه سنه كاملة ..
هل يفضحها ويقول لوالدتها ويطلقها أم يستر عليها ..صدح صوت اذان الفجر ليتسلل لقلبه المكلوم الممزق ..نهض بتثاقل وتوجه للحمام أغتسل وبدل ملابسه وصلى الفجر وقد انهمرت عبراته الساخنه التى كانت تقطع طريقها على وجنتيه ثم تغير وجهتها وتقفز على الارض لتروى مكان سجوده بماء دموعه ..أنكفأ لونه وارتجفت أوصاله ..
فلقد عاد الفارس من معركته خاسراً ولكنه لم يفقد روحه وأنما فقد حكمته وشرفه...
ولكن الفارس النبيل مازال بداخله يستصرخه أن يظل نبيلاً حتى آخر رمق وان زهقت روحه تحت راية نبلة وتذكر حديث النبى صل الله عليه وسلم :
- (من ستر مؤمنا فى الدنيا ستره الله يوم القيامه )
ولكن هل يستطيع ذلك ؟!!
---------
الفصل العشرون
-----------




أشرقت شمس يوم الجمعة تتسلل بأشعتها الذهبية بين النوافذ والجدران مقتحمةً الابواب المغلقة لترى ما لا نستطيع أن نراه ثم تنسحب بهدوء بعد أن قد حملت بين طياتها الكثير والكثير ولكنها لن تفشى الاسرار فهى ليست من بنى البشر ..
فتح فارس عينيه قليلاً ووضع يديه عليها ليحميها من اشعة الشمس فلقد غفى قليلاً على مقعده فى الشرفة المطلة على البحر ..نظر حوله وهو يدعو الله أن يكون ما حدث ليلة الامس كان حلماً مفزعاً فقط ولكن وضعه وغفوته أنبأته أنه كان حقيقةً بائسةً فلما نظلم الاحلام معنا دائماً ..
أعتدل وهو يشعر بألم فى كل خلجة من خلجاته .. مسح على رقبته التى شعر بها تؤلمه بشدة من اثر غفوته تلك .. نظر للداخل دون أن يتحرك لم يجد لها اثر وباب غرفة النوم مغلق فعلم انها مازالت نائمة أو أنها تهرب من مواجهته مرة أخرى..
نهض متثاقلاً وبصعوبة توجه إلى الحمام وتوضأ خرج من الحمام لتقع عينيه على حقيبته التى مازالت أمام باب الشقة ..
شرد ذهنه وهو يتذكر ليلة أمس عندما طلبت منه أن يحمل حقيبتها للداخل ففعل ثم تذكر جرأتها الشديدة فهى التى تقدمت إليه حتى أنها لم تدعه يتوضا ليصلى بها ركعتين فى بداية حياتهما الزوجيه ولم تنتظره حتى يُدخل حقيبته هو الاخر ليبدل ملابسه...
تملكه شعور الدهشه والاستغراب وهو يتذكر افعالها ..كيف تكون مرت بما مرت به وتفعل هذا دون خوف مما ينتظرها ..كان من الاولى أن تتمنع وتطلب منه أن يمنحها بعض الوقت ..إن كانت كاذبه كانت ستفعل ذلك وإن كانت صادقه فيما قالت أيضا كانت ستفعل ذلك ثم تُخبره بالحقيقة وبما حدث لها دون ارادتها ..
فهى تعلم أخلاقه وأنه لن يظلمها ...أم كانت تتصور لانه عديم الخبره أنه لن يكتشف الامر وستسطيع أن تنهى الموقف لصالحها ودون أن ينتبه ...
دارت كل تلك التساؤلات فى عقله وقلبه فى لحظة واحدة وهو مازال مصوب عينيه لحقيبته القابعه مكانها من ليلة أمس..هز رأسه بقوة ينفض عنه كل تلك الافكار التى مازالت به لا تفارقه لحظة واحدة لتشعل النار بقلبه من جديد ...
عاد إلى الحمام ليتوضا مرة اخرى ليطفأ ما نشب فى صدره من غل وكره وشعور قوى بالانتقام وما تبعه من وسوسة الشيطان بان يثار لشرفه ويقتلها لتهدأ رجولته قليلاً لما فعلته به ..توضا وعاد وقطرات المياه تتساقط من يديه وخصلات شعره التى تناثرت على جبينه ...
أخذ حقيبته ووضعها على الاريكة وأخرج منها جلباب الصلاة ..أرتداه فى سرعة وأخذ هاتفه ومفاتيحه وخرج ليلحق بصلاة الجمعة...
أنتهى من صلاته وتناول مصحف من مصاحف التفسير الميسر المرصوصة جنباً إلى جنب على أحد الأرفف وقبع بالمسجد يقرأ فى كتاب الله لعله يجد المرشد له فيما وقع فيه وهو يشعر أن سنوات عمره مضت هباءاً منثورا مع تلك المرأة التى أحبها وخانته ولكن مع الاسف ليس لديه دليلاً على خيانتها ويخاف أن تكون تعرضت فعلا للأغتصاب فيكون بذلك قد ظلمها وحاكمها بما ليس لها فيه شىء...
و وسط مشاعره المتلاطمة وقعت عيناه على الاية الكريمة فى سورة النور :
- ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (لا يعلم لماذا شعر أنها رسالة من الله عزوجل إليه يلهمه فيها بالصواب ويرشده إلى الطريق ..جرى بعينيه على سطور التفسير فى عجلة حتى وجدها..
لقد نزلت الاية الكريمة فى الصحابى الجليل ابو بكرالصديق !!! نعم نزلت فى هذا الرجل المعطاء الذى كان ينفق على الكثير من الناس ..حدق فارس فى التفسير جيداً يحاول فهم سبب النزول فعلم ان رجلاً كان ممن ينفق عليهم أبى بكر الصديق يدعى مسطح ..تكلم فى عرض أبنته عائشة رضى الله عنها فغضب ابى بكر وقرر قطع ما كان ينفقه على هذا الرجل جزاء بما تكلم به من كذب وبهتان فى عرض أبنته ..فنزلت هذه الاية الكريمة فعفا عنه أبى بكر رضى الله عنه و قال والله أنى أحب أن يغفر الله لى ويعفوا عنى وأعاد ما كان ينفقه عليه مرة أخرى...
أغمض فارس عينيه بقوة يحاول السيطرة على مشاعره المكلومة وقلبه المذبوح حاول أن يرتقى بنفسه وبصبره إلى اقصى درجة ..وتذكر وقتها ايام خطبته بدنيا وتذكر أنه علم الحلال والحرام ورغم ذلك استمرا في الحرام سنه كاملة وظل يغضب ربه من أجلها فجعلها الله عزوجل هى من تشق قلبه وتذبحه فكانت هذه النهاية الحتمية ..
إذن فهو أحد المسؤلين عن ما يحدث له معها اليوم فلماذا يحاسبها وحدها لماذا لا يعاقب نفسه ايضاً وهل سيختار عقاباً رادعاً لنفسه أكثر منها ؟!! ....
خرج من المسجد وقد حسم أمره تماماً وأتضحت الرؤية أمام عينيه وأتخذ قراراً نهائياً بشأنها ..عبر الطريق ووقف ينظر لمياه البحر فى شرود ..شرد ذهنه بعيداً تماماً عن دنيا..فوجد نفسه كالمسحور يخرج هاتفه ويتصل بوالدته التى تعجبت وأصابتها الدهشة عندما سمعت صوته فى الطرف الاخر وهويقول :
- السلام عليكم أزيك يا ماما عامله ايه
ردت باستغراب:
- الحمد لله يابنى أنا كويسه ..أنت أزيك ؟!!
هز رأسه وكأنها تراه وهو يقول بشرود :
- الحمد لله
صمت وصمتت قليلاً ثم قالت على أستحياء:
- خير يابنى فى حاجه ولا ايه
تردد قليلاً ثم قال :
- ابداً يا ماما مفيش أنا بس كنت بطمن عليكى
ابتسمت ابتسامة صغيرة وساورها الشك فى طريقة حديثه فقالت:
- غريبة يعنى المفروض أنى مجيش على بالك النهارده خالص
حاول أن يتصنع المرح وهو يقول:
- ازاى بس يا ست الكل هو أنا اقدر أستغنى عنك ابداً
صمت وصمتت مرة أخرى ولكنه هو الذى قطع الصمت هذه المرة وقال بارتباك:
- متعرفيش يا ماما مُهره عامله ايه النهارده
أتسعت عيناها بعض الشىء وهى تقول بدهشة كبيرة:
- مُهرة ..!!! ..أنت سايب عروستك علشان تسأل على مُهره !!
أرتبك أكثر وقال بتلعثم :
- وفيها أيه يا ماما ..مش أنا أمبارح سايبها وهى تعبانه ايه المشكله أنى أطمن عليها دلوقتى
ضيقت عينيها قليلاً وهى تقول بأرتياب:
- هى مراتك فين يا فارس ؟
شعر بغصة فى حلقة ومرارة على لسانه وهو يقول بصوت مخنوق:
- فى البيت..انا نزلت اصلى الجمعه ولسه مطلعتش
عقدت جابيها وهى تقول:
- كل ده يا فارس بتصلى الجمعه ...ده العصر قرب يابنى
سعى فارس إلى تغيير مجرى الحديث وعاد إلى سؤاله مرة أخرى وقال:
- مقولتليش يا ماما مُهره عامله ايه دلوقتى
تنهدت فى عدم أرتياح ثم قالت:
- كويسه يابنى لسه نازله من عندها من شويه وكانت كويسه
شعر أنه لن يأخذ منها أكثر من هذا وأنها مرتابه من سؤاله عنها من البداية فقرر أن يكتفى بما حصل عليه من معلومات وأنهى المكالمة مع والدته ولكن قلبه لم يكن مطمئناً ابداً هناك شىء يخبره أنها ليست على ما يرام ..
بحث فى هاتفه على رقم بلال ووجده وأتصل به ..لم يكن بلال أقل دهشة من والدته فى أتصال فارس به وسؤاله عن مُهره ولكنه أجاب:
- أنا عندها دلوقتى
ابتلع فارس ريقة من المفاجأة وقال بلهفة:
- بجد يا بلال طب ليه هى تعبت تانى ولا ايه
رفع بلال حاجبيه وهو يقول :
- لا ابداً فى دكتور صاحبى جبته يشوفها ..والدتها أتصلت بينا وقالت مبتكلمش ومبتردش على حد ومبتاكلش وبتعيط على طول ..طبعاً أنت عارف ان ده مش تخصصى
خفق قلب فارس بقوة وهو يجلس على أحد الصخور وقال :
- الدكتور قال أيه
بلال :
- لسه خارج اهو اقفل وانا هبقى أكلمك
هتف فارس بسرعه :
- لالا متقفلش خالينى على الخط وقولى قالك ايه
نظر بلال إلى الهاتف بدهشة ثم أنزله للاسفل وهو يتحدث للطبيب الذى قال :
- متقلقوش يا جماعه دى حالة من حالات الاكتئاب البسيط وان شاء الله هتعدى مع الوقت بسرعه ..
ثم نظر الطبيب إلى الجميع وهو يقول:
- هو فى حد زعلها ؟
قالت أم يحيى سريعاً :
- هى بقالها كام يوم كده مش عارفه مالها أكلها قليل ومبتنامش كويس ومش مركزه فى مذاكرتها
قال الطبيب متفهماً:
- يمكن المذاكره هى السبب وعموماً فى سنها ده الحاله النفسيه بتبقى متقلبه متقلقوش مع الوقت هتتحسن وترجع لطبيعتها أنتوا بس متضغطوش عليها ..وضع بلال الهاتف على اذنه مرة اخرى ليبلغ فارس بما قاله الطبيب وقال :
- ايوا يا فارس ..أرهف فارس سمعه لكلام بلال ولكن أم يحيى قطعت عليه كلامه وهى تقول لبلال:
- بعد اذنك يا دكتور هو ده الاستاذ فارس
قال بلال دون أن ينظر إليها:
- أيوا هو ..
قالت بإحراج:
- طب ممكن بعد أذنك أكلمه أعتذرله أنى محضرتش فرحه أمبارح وأباركله
ناول بلال الهاتف ليحيى الواقف بجواره الذى أخذه منه وأعطاه لوالدته فقالت بخجل:
- أزيك يا استاذ فارس ألف مبروك أنا والله بتاسفلك علشان مقدرتش أحضر فرحك أمبارح بس أنت عارف الظرف اللى حصل بقى
تفاجأ فارس بكلام أم يحيى ولكنه وجدها فرصة مناسبة تماماً فقال:
- ولا يهمك يا ست أم يحيى مانا كنت موجود وشايف بنفسى ...هو الدكتور قال ايه
قالت بحزن:
- بيقول أكتئاب وهيعدى ان شاء الله ..أنا والله ما فاهمه يعنى ايه اكتئاب اصلا يا استاذ فارس أنا اللى يهمنى أن بنتى تقوم زى الاول بس مش عارفه أعمل ايه
قال فارس بإشفاق:
- أكتئاب !! ..ثم قال فى سرعة :
- لو سمحتى خلينى أكلمها
فرت دمعة من عينيها وقالت باسى:
- ياريت يابنى دى لا بتاكل ولا بتتحرك ولا بتتكلم
شعر فارس أن قلبه يعتصر فى صدره وينقبض بقوة على حالها الذى لا يعلم له سبب فقال:
- طب حطى التليفون على ودنها وانا هكلمها يمكن تستجيب لكلامى
نظرت أم يحيى إلى بلال الذى كان يتحدث مع الطبيب الاخر ويحيى يقف معه يستمع لحديثهم فدخلت لغرفة مُهرة ..وجدتها كما هى نائمةً على الفراش تنظر لسقف الغرفة دون حراك ...اقتربت منها ووضعت الهاتف على أذنها وقالت :
- اهى معاك أهى ..ثم نقلت الهاتف على اذن مُهره
أخذ فارس نفساً عميقاً وقال بهدوء:
- مُهره ...أنتفض جسدها الصغير بمجرد أن سمعت صوته وأخذ صدرها يعلو ويهبط فى سرعه وهى لا تزال محدقة فى سقف الغرفة وهو يقول ببطء:
- مالك يا مُهره ايه اللى تاعبك ..كلمينى علشان خاطرى ..أتكلمى يا مُهره
بدأت الدموع تقفز من مقلتيها واحدة تلو الاخرى بغزارة ودون توقف ترسم طريقاً على خديها وما أن ينقطع بها السبل حتى تغير مسارها لتروى وسادتها التى شاركتها لياليها الموحشة من قبل ...كلما تكلم كلما اراد أن لا يتوقف ابداً فظل ينادى عليها مراراً وتكراراً بتصميم:
- انا فارس يا مهره أنا فارس كلمينى قوليلى مالك أشكيلى مين اللى ضايقك ..
قال كلمته الاخيرة ووجد عبراته تقفز هى الاخرى على خديه وبدا صوته يشبه البكاء وهو يرجوها أن تتحدث أن تقول أى شىء خالطت دموعه دموعها ولكن عن بُعد لم يراها ولم يسمع الا صوت شهقاتها التى بدأت فى الظهور أخيراً وهى تبكى.... ولم تراه ولم تسمع الا نداءاته المختلطة بالبكاء وكأنه يعتذر عن شىء لا يعرفه أو لا يفهمه ...فقط يشعر به...
هبت أم يحيى واقفةً وهى تمسك بالهاتف خرجت سريعاً وهى تقول للطبيب بلهفه:
- مًهرة بتعيط بصوت عالى يا دكتور صوتها طلع
هتف يحيى بسعاده:
- بجد يا ماما اتكلمت يعنى
قالت من بين دموعها :
- لاء بس بتعيط بصوت عالى
ابتسم الطبيب وقال لبلال :
- كده خلاص الازمه ابتدت تعدى الحمد لله
أعطت أم يحيى الهاتف ل بلال وهى تشكره قائلة:
- متشكره اوى يا دكتور بلال الاستاذ فارس اول لما كلمها ابتدت تعيط بصوت وصوتها طلع اخيرا الحمد لله
**********************************
باتت ليلتها مترنحة خائفة تخشاه ..تترقب خطواته تضع أذنها على الباب تستمع لصوت انفاسه كلما اقترب من الغرفة أهتز جسدها رعباً تظن أنه سيقتلها بالتأكيد سيقتلها لن يرضى على رجولته أن يعيش مع أمرأة فعلت فعلتها ...أذاً ماذا يفعل ...لماذا تأخر مصيرها إلى هذا الحد ..سمعت صوته يتجه للحمام ويغلقه خلفه ...
فتحت الباب فى بطء وهدوء ويديها ترتعش وأوصالها ترتجف خوفاً ..مشت ببطء وحذر إلى الحمام ووضعت اذنها وتنصت بإضطراب شديد ..سمعت صوت المياه فعلمت أنه يغتسل ...أغمضت عينيها وكادت أن تزفر بقوة ولكنها وضعت يديها على فمها خشية أن يسمعها ...عادت تمشى وكأنها تزحف بحذر إلى غرفتها وأغلقتها مرة أخرى عليها ...
ظلت قابعة خلف بابها تترقب خطواته ذات اليمين وذات الشمال حتى سمعته يكبر تكبيرة الاحرام ثم بدا فى ترتيل الفاتحة فتيقنت أنه يصلى ...
هنا فقط زفرت زفرةً طويلة أخرجت فيها ما كان يجيش بصدرها من خوف وقلق ورعباً ..فلو كان ينوى قتلها لما وقف يصلى هكذا ..
هوت بجسدها على الفراش وهى تلعن اليوم الذى قابلت فيه باسم وتلعن اليوم الذى صدقت فيه كلماته وعباراته المطمئنة لها كم كانت حمقاء ساذجه كيف لمثلها أن تقع فيما وقعت فيه وبهذه السهوله ...
وكيف أكتشف فارس فعلتها بهذه البساطه وهى كانت تعتقده أنه غِـر ليس لديه خبره ..لقد نسجت خيوطها جيداً فكيف رأى الحقيقة بهذا الوضوح ولكن الذى جعلها غاضبة حانقة أكثر هو كيف فشلت العملية رغم تأكيدات الطبيب أنها عادت لعذريتها كما كانت من قبل ولن يكتشفها أحد مهما كانت خبرته فى عالم النساء ...
وضعت يدها على خدها تتلمس صفعات فارس الموجعة فلازالت تشعر بخدر فى وجنتيها نتيجة لصفعاته المتتاليه ...عادت إليها رهبتها منه مرة أخرى عندما سمعت صوت باب الشرفة يفتح عنوة ...نظرت من فتحة الباب مكان المفتاح فوجدته قد دخل الشرفة واسترخى على مقعدها وأغمض عينيه ....
زفرت فى أرتياح وحنق وتأكدت من غلق الباب جيداً وعادت إلى فراشها وهى تتوعد باسم وتسبه باقذع الالفاظ وذهبت فى نوم عميق ...
أستيقظت فزعة من نومها على صوت صفق باب الشقة بقوة ..جلست فى فراشها دقائق وبعد ان تأكدت من مغادرته الشقة فتحت الباب فى هدوء وأتجهت للحمام مباشرة أغتسلت وعادت لغرفتها مرة أخرى لتغلقها عليها لتسكت الشعور بالخوف بداخلها ولكنها لم تستطع أسكات الشعور بالجوع الذى مزق معدتها ...
*******************************************
عاد فارس من الخارج بعد صلاة العصر فتح الباب ودخل بدون سابق أنذار سقطت الملعقة من يدها بمجرد أن سمعت صوت غلق الباب ..دخل عليها ونظر إلى الطعام امامها ثم نظر إليها بعينين خاليتين من أى تعبير وقال ببرود:
- وكمان ليكى نفس تاكلى
أبتلعت ما كان فى جوفها وتجمدت مكانها كالتمثال وهى محدقة به تحاول استكشاف ما بداخله من خلال تعابير وجه وظلت قابعة مكانها تنتظر رد فعله تجاهها ...جلس أمامها حول المائدة وصوب بصره إليها بصرامه وقال :
- مش ناوية تقولى الحقيقة ؟
أبتلعت ريقها بصعوبة وشعرت بجفاف حلقها وشحب وجهها و قالت بصوت خافت مرتعش :
- اللى قولتهولك أمبارح هو ده الحقيقة كلها
أومأ برأسه بقوة ونظر إليها ببغض قائلاً:
- وأنا مش مصدق حرف واحد منه ..لكن مع ذلك ...صمت قليلاً وتعلق بصرها به وخفق قلبها بقوة فقال :
- مع ذلك هستر عليكى ومش هفضحك ..لكن عمرى ما هسامحك وعمرك ما هتبقى مراتى
قفز قلبها من مكانها وهى تستمع له وقد تيقنت أنه لن يثأر منها ولن يفضحها فعادت الدماء تُضخ إلى مجرى وجهها مرة أخرى وهى تنظر له بترقب فنهض من أمامها واشار إليها قائلاً:
- بكره هنرجع القاهرة جهزى نفسك وأعملى حسابك أمى مش هتعرف حاجه عن الموضوع ده ثم نظر إليها بأحتقار وهو يقول:
- مش عاوزها تموت بحسرتها عليا ...
أستدار متوجهاً للخارج مرة أخرى ولكنها وقفت وقالت برجاء:
- استنى يا فارس ارجوك صدقنى
أستدار إليها بنظرة مخيفة جعلتها تجلس مكانها ثانية بلا حراك وقد شعرت أن الهواء تجمد فى رئتيها فلا تستطيع التنفس أو حتى التألم ..فتح الباب وخرج مرة أخرى وهو يشعر بالاشمئزاز من المكان ومنها ومن نفسه ...
خرج يمشى رويدا على الشاطىء ثم وقف واستدار للبحر نظر إلى سطحه محاولاً الوصول لأعماقه ومعرفة اسراره متغلغلاً بداخله بعقله واجماً فى تلك المرأة التى اصبحت زوجته والتى لطخت شرفه ..وشعر أن مياه البحر تسخر منه وتؤنبه وأعماق البحر تتهكم عليه بل وتحاكمه ..كيف لم يكتشف شخصيتها من قبل كيف لم يرى جرأتها معه وتهكمها على حديثه عن المعاصى كيف يسلم اسمه وشرفه لامرأة لا ترى حلالا ولا تحرم حراماً والكل عندها سواء ..كيف خُدع فيها إلى هذه الدرجة ؟!
هل أحبها إلى أن طُمست عيناه عن حقيقتها .. بكل خبرته ودراسته الطويله وأحتكاكه بالبشر لم يعرفها حق المعرفه بل كانت والدته المرأة الغير متعلمة التى لم تخرج من شارعهم مطلقاً إلا للضرورة تعرفها أكثر منه ربما ليس بخبرتها ولكن بقلبها ... وأحساسها تجاه الاخرين ...فكيف كان يستهين بهذا الاحساس الربانى
******************************************

دخل بلال غرفته هو وزوجته فوجدها ترتدى ملابسها مستعدة للخروج فنظر لها متأملاً ثم قال:
- الهانم رايحه فين
ألتفتت له وهى تغلق أزار ملابسها وقالت مبتسمة :
- انت لحقت تنسى ..رايحه مع ماما عند عزة يا سيدى النهارده الصباحيه عقبال ولادك
عقد ذراعيه امام صدره وقال :
- وعقبال ولادى ليه متقوليلى عقبالك
رفعت راسها إليه وعقدت حاجبيها وقالت محذره :
- بلال بقولك ايه متخاليش دماغى تودى وتجيب
أقترب منها ببطء وقال بابتسامه :
- مفيش خروج أنا بقولك اهو
وضعت يديها حول خصرها وهى تقول متبرمة:
- يعنى مروحش لاختى صباحيتها يا بلال
زفر بهدوء وهو يجلس على الفراش وقال :
- يابنتى انا مش عارف ايه حكاية الصباحيه دى ومين اللى اخترعها اصلا .. دى لا هى سنة ولا عادات دى غلط فى غلط ..عريس وعروسه نروحلهم تانى يوم ونضايقهم ليه
لوحت بيدها وقالت بتلقائية :
- وانا مالى أنا رايحه معاهم وخلاص يعنى هى جات عليا وبعدين يعنى هنضايقهم ليه دى هى نص ساعه ونمشى
لف ذراعه حولها واسند جبهته إلى جبتهتها وغمز لها بعينه قائلاً:
- أنتى اللى بتقولى كده ...
ضحكت وهى تنهض من جواره ثم التفتت إليه قائلة:
بصراحه معاك حق بس لو مروحتش ماما هتزعل مني ..
فكرت قليلاً وهو ينظر إليها مبتسماً ثم قالت :
- بص بقى أنت تعالى معانا وأستنانى فى العربيه وانا هطلع خمس دقايق وأنزل بسرعه وأتحجج أنك مستنى تحت
اتكأ على الفراش بمرفقه وهو يقول مداعباً:
- يا سلام على النصاحه هما يعنى هيسيبونى اقعد فى العربيه ..لو روحت معاكم ابوكى وامك هيصمموا انى اطلع وانا يا ستى محبش ابقى عزول ...
ارتدت أسدالها وشرعت فى وضع غطاء وجهها حانت منها ألتفافة إليه فوجدته شارداً تماماً ..جلست بجانبه وقالت متسائلة:
- مالك يا بلال أنت مش زى عوايدك
أنتبه إليها وهز راسه نفياً وهو يقول:
- لالا متشغليش بالك مفيش حاجه
مسحت على راسه وهى تقول بنعومه :
- مالك يا حبيبى فيك ايه
رفع راسه ينظر إليها وقال فى وجوم:
- بصراحه يا عبير ..حصلت حاجه النهارده كده عند أم يحيى ومش هضحك عليكى واقولك مش لاقى تفسير ..لالا ...أنا بس مستغرب شويه
قالت فى اهتمام :
- احكيلى
قص عليها ما حدث بالامس عندما كره فارس أن يدخل بلال ليرى مُهرة وما حدث أمام قاعة الافراح عندما رفض فارس السفر الا بعد أن يطمئن عليها وكذلك المكالمه التى حدثت اليوم امام طبيب الامراض النفسيه ..فقالت عبير بشرود :
- وأنت مستغرب من ايه مش هو اللى مربيها
هز بلال راسه نفياً وقال مؤكدا :
- لا يا عبير أنا راجل واقدر افهم نظرة الراجل اللى زى وتصرفاته ..مفيش عريس فى الدنيا يعمل كده
قالت بقلق :
- يعنى ايه يا بلال تفتكر يعنى ..
أومأ براسه موافقاً وهو يقول :
- انا مش افتكر ..انا متأكد يا حبيبتى ...بس مستنى فارس لما يحكيلى بنفسه .. طب لما هى الحكايه كده أتجوز مراته دى ليه ...حاجه غريبه اوى
شردت عبير بعيدا أكثر وأكثر وهى تقول فى نفسها :
- ياااه يا عزة ده انتى ربنا بيحبك اوى اوى ..أهى خطيبته اللى اتجوزها وانتى افتكرتى أنه فضلها عليكى أهى طلعت فى الاخر برده مخدتش حاجه غير وجوده معاها لكن قلبه فى مكان تانى خالص مكان ابعد ما كنا نتخيل كلنا ... ياااه قد ايه ربنا رحيم بينا أكتر من نفسنا ..
************************************
وقفت عزة أمام الفراش تحاول جاهدةً ايقاظ عمرو بشتى السبل ولكنها تفشل دائماً فما كان منها إلا أن جاءت بزجاجه مياه باردة وسكبت بعضاً منها على راسه ...هب جالساً فى فراشه وهو يصيح :
- ايه يا ماما شغل المكوجيه ده على الصبح
عقدت ذراعيها أما صدرها وقالت ساخره:
- ماما مين يا حبيب ماما أنت وبعدين صبح ايه أحنا العصر يافندى
نظر إليها وهو يفرك عينيه بقوة وقال متذكرا:
- عزة حبيبتى ..أه صحيح ده احنا اتجوزنا امبارح وزغاريد بقى وحركات
ثم نظر إليها بعين مفتوحه والاخرى مغمضة وقال متسائلا:
- اه صحيح هو حصل ايه بعد الزغاريد انا مش فاكر حاجه
ضحكت وهى تشير للخارج قائلة:
- لو مش فاكر اروح أجيب أزازة العصير افكرك بيها ها
اشار إليها يستوقفها وهو ينهض متثاقلاً ويقف امامها قائلا:
- خلاص انا صحيت أهو ..ثم احاط خصرها بذراعيه وهو يقول :
- صباح الخير يا عروستى
ابتعدت عنه وقالت بحزن مصطنع:
- لا انا زعلانه منك ..أنت عارف أنك راحت عليك صلاة الجمعة حتى الظهر مصلتوش وأهو العصر كما اذن عليك ..ينفع كده يا عمرو من اولها هتجمع الصلاة
مطت شفتيه وعقد جبينه وقال معتذراً :
- انا اسف والله يا حبيبتى كنت تعبان اوى معلش أوعدك مش هيتكرر ده تانى
ولف ذراعيه حول كتفيها قائلاً بمرح :
- خلاص صافى يالبن
رفعت كتفيها وأستدارت وهى تشير للخارج قائلة بحسم :
- طب اتفضل بقى على الحمام علشان تلحق اللى فاتك
رفع حاجبيه وقال بصرامة مضحكه:
- ده طلب ولا امر ؟!!
رفعت جابيها مثله وقالت :
- لا أمر
سار امامها مطيعاً وهو يقول :
- اه افتكرت ..ايوة كده اتعدلى معايا
خرج من الحمام وصلى ما فاته من صلوات وبمجرد ان أنتهى سمع صوت قرع جرس االباب ووجد عزة تدخل عليه مسرعة وهى تقول:
- عمرو عمرو يالا تعالى افتح الباب بسرعة
قال بسرعة وهو يتوجه للمطبخ :
- روحى افتحيلهم على ما اضربلى كام سندوشت على السريع كده
قالت بخجل :
- لا يا سيدى افتح انت انا مكسوفه
هز راسه نفياً وقال :
- يعنى اموت من الجوع علشان سيادتك مكسوفه أمشى يا بت افتحى الباب

***************************************

مضى اليومان وعاد الطير إلى عشه القديم تهفو نفسه إلى الاهل والاحباب ..فتحت أم فارس ذراعيها وهى تعانق ولدها الذى ألقى بنفسه بين ذراعيها على الفور وكأنه يحتمى بها كما كان يفعل فى الصغر ممن يخفيه ولسان حاله يعتذر لها عن عدم طاعتها بتمسكه بهذه الدنيا الغادره...رفع راسه وقبل رأسها فى شوق كبير وهو يقول بعينين دامعتين :
- وحشتينى أوى يا امى
قاطعته دنيا من خلفه وهى تقول بترم :
- أنا هفضل واقفه كده كتير
أفسحت لها أم فارس الطريق للدخول وهمت بمعانقتها هى الاخرى مرحبة بها ولكن دنيا اكتفت بمصافحتها ببرود وهى تقول :
- أهلا بيكى
أغلق فارس الباب خلفه واستدار لوالدته يعانقها مرة اخرى ويسئل عن حالها وصحتها فأجابته ثم قالت :
- أنت ايه اللى خلاك تقطع الاجازة بدرى كده مقعدش يومين كمان فى اسكندريه ليه يافارس
أحاط كتفها وهو يجلس بجوارها قائلا :
- عندى شغل كتير أوى يا أمى والدكتور مبيروحش المكتب ولازم حد يتابع الشغل
نهضت دنيا واقفة بحنق وهى تقول :
- طب هدخل أنا اريح شويه من السفر
ألتفتت لها والدته وهى تقول بابتسامه كبيره :
- وماله يا حبيبتى ارتاحى أنتى على اعملكوا غدى هتاكلى صوابعك وراه
نظرت لها دنيا ببرود وقالت :
- لا متتعبيش نفسك أنا مش جعانه
نهضت أم فارس واقتربت منها وربتت على ظهرها وهى تقول بود:
- متعبش نفسى ايه ده انتى زى بنتى قوليلى بس تحبى تاكلى ايه وأنا هعملهولك
ابتعدت عنها وأتجهت لغرفتها وهى تقول بتثاقل :
- مفتكرش بتعرفى تطبخى الحاجات اللى بحبها
وقبل ان تدير مقبض حجرتها سمعت صوته الهادر وهو يستوقفها بغضب قائلاً:
- دنيااا....ألتفتت إليه لتجد الشرر يتطاير من عينيه وقال بقسوة :
- لما ماما تكلمك تردى عليها كويس فاهمانى
أنكمشت مكانها وأستدارت إليه والدته وقالت بلهفه:
- مفيش حاجه يابنى البنت مقالتش حاجه غلط ...خلاص سبها على راحتها وألتفتت إليها قائلة :
- ادخلى ارتاحى يابنتى
اسرعت دنيا بالدخول إلى غرفتها متفادية النظر إليه فأنحنى وقبل يد والدته وقال معتذراً:
- متزعليش يا ماما حقك عليا أنا
ربتت على ظهره وهى تقول مبتسمة :
- أعذرها يابنى هى لسه مش متعوده عليا ..بكره لما تاخد عليا وتعرفنى كويس هتعرف انى أمها التانيه مش حماتها زى ماهى فاكره ..وانا بكره ان شاء الله هعزم الست والدتها تتغدى معانا هنا علشان تعرف اننا عيله واحده وانى زى أمها ...
قبل راسها وهو يقول :
- ربنا يديكى الصحه يا ماما ..تركها وأستدار إلى حقيبته الصغيرة واخرج منها هاتف نقال صغير باللون الوردى وأعطاه لها قائلاً :
- مما ممكن تدى ده ل مُهره ..هو فيه الخط بتاعه
نظرت والدته إلى الهاتف ثم نظرت إليه متسائلة :
- جايبلها تليفون ليه
قال بحرج :
- يعنى حبيت ارفع روحها المعنويه شويه يعنى علشان كانت تعبانه ومضايقه أكيد هتفرح بيه ..ثم تابع بارتباك :
- مش كده برضه واللى انا غلطان
أخذت منه الهاتف وأومأت براسها وقالت ببطء:
- بعد الشر عنك من الغلط يابنى خلاص انا هديهولها أنا كده ولا كده طالعالهم دلوقتى أدخل أنت ارتاح مع عروستك بس ..بس انا هقولها أنه هديه منى أنا أتفقنا
ابتسم وقال بأحراج :
- مش هتفرق يا ماما أنا وأنتى واحد المهم انها تتبسط وتخرج من حالتها دى شويه
********************************
نظرت مُهره إلى الهاتف فى يديها وتأملته قليلاً ثم اعادته أمام ام فارس قائلة :
- أنا آسفه يا طنط بس أنا مش عاوزه حاجه
هتفت والدتها معاتبةً:
- ليه يابنتى ده هدية من خالتك أم فارس حد يرد الهديه
ربتت أم فارس على يدها بإشفاق وكأنها قرأت فى عينيها وهى تتفحصه أنها علمت من الذى أحضره لها وقالت بهدوء:
- أنا كنت فاكراكى هتفرحى بيه كده برضه ترفضتى هديتى
نظرت لها مُهره نظرة طويلة وقالت بشرود :
- عمرى ما رفضت هديه من ...من حضرتك وطول عمرى بفرح بالهدايا بس دلوقتى خلاص مبقتش تفرق معايا كتير
أقتربت منها أم فارس وأحاطت كتفها بذراعها وربتت على يدها الاخرى وقبلتها على وجنتها وقالت بتعاطف:
- تصدقى انك كبرتى فعلا ..بس لو ليا غلاوة عندك خديه
ثم همست فى اذنها:
- يا عبيطه بقولك ده هديتى انا ..ولا أنا بقى خلاص راحت عليا مبقتش ليا غلاوه فى قلبك
قفزت دمعة من عينها فمسحتها سريعاً وهى تقول :
- متقوليش كده يا طنط ده أنتى اللى مربيانى
وضعته أم فارس فى يدها وهى تضغط على يدها برفق قائلة :
- خلاص يبقى تاخديه من سكات
قبضت عليه فى يدها وهى تقول :
- متشكره أوى يا طنط ربنا يخليكى ليا
ابتسمت أمها بينما قبلتها ام فارس ثانية وقالت متسائلة :
- أخبار المذاكره ايه بتذاكرى ولا بتطنشى
نظرت مُهرة امامها وقالت بجدية :
- بذاكر وهفضل اذاكر طول عمرى يا طنط لحد ما ابقى حاجه كبيره اوى انا دلوقتى ميهمنيش غير مستقبلى وبس هو ده اللى هينفعنى مش اى حاجه تانيه ...
عزمت على نسيان ماضيها وحاولت أن تقتلعه من حياتها ولا تفكر سوى فى مستقبلها وفقط ولكن هذه هى طريقة تفكير الحالمون فقط ...فالحلمون فقط هم من يعتقدون أن الانسان من الممكن ان ينفصل عن ماضيه وظروفه و بيئته التى كونت شخصيته واصبحت جزء من تكوينه وبنيانه بل اصبحت جزء لا يتجزء من حاضره ومستقبله ايضاً ...
-------
يُتبع

__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب
  #13  
قديم 02-22-2018, 05:35 PM
 

الفصل الحادي والعشرون
--------------------





عاد الفارس إلى صهوة جواده مرة أخرى وأستأنف حياته العملية ثانية ولكن هذه المره وهو يجلس خلف مكتب الدكتور حمدى مهران كنائباً عنه ومديراً للمكتب وشريك فيه بمجهوده بنسبة الثلث ...لينفذ فكر استاذه فى قبول القضايا ورفضها حسب ما يترائى له من حلها وحرمتها مهما كانت باهظة الثمن ...وعادت دنيا تقبع خلف مكتبها تقلب أوراقها بملل غير راضية عن وضعها القديم فقط كانت تتصور أن شأنها سيرتفع لمجرد أنها زوجته وأنه سيعطيها مكتب مخصص لها ولكنها تركها كما هى حتى عندما غضبت وطلبت منه ذلك رد ببرود:
- لو هارقى حد هيبقى على حسب كفائته مش على حسب هو يقربلى ايه
وقد كانت الضربة الموجعة لها والقاسمة لغرورها وكبريائها أنه أعطى نورا صلاحية مدير المكتب وخصص لها مكتبه سابقاً بل وخفف عنها عبء عمل النهار وأصبحت تعمل مساءا كمديرة للمكتب فقط مما جعل دنيا تستشيط غضباً وحنقاً وتستعر النار بداخلها ...خرجت من المكتب دون أستئذان وتوجهت لوالدتها لتحكى لها مأساتها معه والظلم الذى تلاقيه فى عملها فاجابتها والدتها بهدوء:
- فى حاجه مش طبيعيه بينك وبينه ومحدش فيكوا عاوز يقول عليها
جلست دنيا تقلم اظافرها وهى ترفع كتفيها وتقول بدهاء :
- بصراحه يا ماما فيه بس يعنى ..ضميرى مش سامحلى انى افضح جوزى
نظرت لها والدتها مستفهمة وقد عقدت حاجبيها قائلة:
- يعنى ايه يابنتى مش عاوزه تفضحيه هو فى ايه بالظبط
رفعت رأسها إلى والدتها وتصنعت الخجل وهى تقول :
- اصله بصراحه يعنى مش قد كده معايا ..يمكن بقى علشان كده علطول مضايق وبيعاملنى وحش زى ما اكون أنا المسؤله عن حالته ديه
زاد أنعقاد حاجبى والدتها وهى تنظر إليها قائلة:
- طب ليه ما يروحش لدكتور بدل ما العلاقه بينكوا متوترة كده
زفرت دنيا متبرمة وهى تقول بملل:
- يووه حاولت كتير معاه وكل مره بيزعل ويعمل خناقه ..خلاص بقى قسمتى ونصيبى انا راضيه
جلست والدتها واستندت إلى ظهر مقعدها وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها وتنظر لأبنتها بشك ثم قالت :
- غريبه أوى الحكايه دى
عادت دنيا لتقليم أظافرها ثانية وهى تقول بأسى :
- شايفه يا ماما انا مستحمله أيه وكمان قاعده مع أمه فى مكان واحد ومعاملتها بقت حاجه صعبه اوى
مالت أمها للأمام بأبتسامة متهكمه وقالت :
- اهى دى بقى لو حلفتيلى عليها عمرك كله مش هصدقك ..ده أنا شفت بعينى محدش قالى
نظرت دنيا إليها وقالت بحزن:
- كده يا ماما بقى أنتى برضه تخيل عليكى حركات الست دى ...دى بتعمل كده قدامك بس
ضحكت أمها بسخريه وقالت :
- روحى شوفيلك كدبه تانيه بس تكون محبوكه شويه عن دى
هبت دنيا واقفة وهى تقول بإنفعال :
- كده يا ماما ...ماشى ...أنا هدخل اناملى شويه
- انتى مش هتروحى
- لاء لازم يعرف انه غلط ..دخلت غرفتها وتنفست بقوة وهى تزفر بضيق متسائلة بداخلها.. لماذا دائما يكذبها الجميع حتى والدتها لا تصدقها فى شىء !!
ألهذه الدرجة هى مكروهة منهم ...هوت إلى فراشها بقوة وغضب وهى تلوم نفسها على سذاجتها التى أودت بها ..تذكرت يوم وفاة ابيها واليوم الذى توعدتها أمها أنها ستجعل عمتها تأخذها معها إلى الصعيد لتعيش هناك بقية عمرها وتذكرت يوم أن قررت مصيرها وحددت معاد عقد قرانها على فارس دون الرجوع إليها عادت لتذكر الشعور الذى مر بها والغضب الذى تملكها حينها وهى ترى حياتها تسير فى الاتجاه الخاطىء وسينتهى بها الامر فى حاره مع حماتها فى شقة واحده ...أستعادت ذاكرتها هذا اليوم المشؤم الذى بحثت فيه عن الدواء المنوم خاصتها ووضعت منه لوالدتها فى مشروبها والذى جعلها تنام نوما عميقا مما أتاح الفرصه لها أن تخرج وأول ماتوجهت كان لمكتب باسم الذى رحب بها وأغلق الباب قائلا:
- ولا يهمك محدش يقدر يجوزك غصب عنك
- كل ده بسببك أنت ..ماما عملت كده علشان سمعتك وانت بتكلمنى فى التليفون بالليل فى الليله اللى بابا مات فيها ...أسمع بقى أنا مش هغرق لوحدى لازم تطلعنى من الحكايه دى فورا
- يعنى عاوزانى اعمل أيه
- أنت مش قلت هتجوزى وتخلينى شريكتك فى المكتب ؟...يبقى تيجى بكره وتطلب ايدى رسمى أنت فاهم ولا لاء
- أيه ده يعنى بتفضلينى على حبيب القلب ولا ايه مش فاهم
- حبيب قلب أيه دلوقتى ..يعنى ارمى نفسى بايدى فى الحاره مع أمه علشان بحبه ..لاء طبعا
فكر قليلا ثم قال :
- أومال انتى خرجتى ازاى دلوقتى .. مش بتقولى أمك كانت حابساكى فى البيت ؟
- حطيت منوم لماما هينيمها طول الليل وقلت أجيلك وارجع البيت من غير ما تحس أنى خرجت ..وطبعا أنت هتتقدم بكره رسمى ومش هتسيبنى فى اللى أنا فيه ده لوحدى مش كده يا باسم مش كنت بتقول أنك بتحبنى وأنك مستعد تعمل أى حاجه علشانى ...
أغمضت عينيها وهى تتذكر نظرة عينيه فى تلك اللحظه وكيف عادت لبيتها وهى تجر أذيال الخيبة ... مترنحة لا تصدق ما فعله بها بعد أن وثقت به وعاد صوته يتردد داخلها مرة أخرى وهو يقول بمنتهى الوقاحة :
- أعرف دكتور كويس هيرجعك زى ما كنتى وأحسن كمان ..
شعرت بغصة فى حلقها عندما وصلت لهذه النقطة من ذكرياتها المقززة ... و أخذت تفكر فى طريقة تعيد بها مكانتها مرة أخرى .. فكان لابد أن تبدأ بفارس أولا ...لابد أن تستعيد مكانتها فى قلبه بأى شكل من الاشكال وبشتى الطرق ..
******************************************
ظلت مُهرة تداعب أبناء عبير الاربعة وتجرى وهم يجرون خلفها وصوت ضحكاتهم يتردد بين جدران المنزل فى سعادة بينما قالت أم بلال وهى تضع يدها على صدرها :
- كفايه يا مُهرة قلبى وجعنى من الضحك يابنتى
قالت عبير وهى تجرى خلف أحدهم بطبق الطعام:
- سيبيها يا ماما دول كده بياكلوا وجبتهم كلها
جلست مُهرة على الارض والاطفال تجذبها من يدها لتقوم مرة اخرى وهى تتنفس بصعوبه وتقول بأنفاس متقطعة:
- كفايه مش قادره قطعتوا نفسى يا ولاد الدكتور
ضحكت عبير وهى تقول بمرح:
- أنتى خلاص يا مُهرة بقى عندك خبرة ينفع نجوزك من بكره
نهضت أم بلال وهى تقول أنا هدخل اريح شويه دماغى وجعنى من كتر الضحك
نهضت مُهرة وأخذت طفلين على قدماها تداعبهم وشرعت عبير فى إطعام الاثنين الاخرين وهى تنظر إلى مُهرة نظرات متفحصة ثم قالت :
- مُهرة أنتى فى حاجه مضايقاكى
ألتفتت إليها مُهرة بحيرة وقالت بتردد :
- أبدا يا ابله عبير ليه بتقولى كده
ركزت عبير على عينيها وقالت بثقه:
- علشان عارفاكى كويس لما بتبقى مضايقه ومهمومه بتقعدى تجرى وتلعبى وتضحكى أكتر من الطبيعى بتاعك
حاولت مُهرة تغير مجرى الحديث وهى تقول :
- أحنا مش هنروح لـ عزة ولا ايه يالا بقى قومى ألبسى
نهضت عبير وهى ترمقها بنظراتها وقالت :
- ماشى يا مُهرة بس خليكى فكرة أنى أختك الكبيرة لو أحتاجتى تتكلمى انا موجوده
قالت عبير كلمتها الاخيرة وتوجهت لغرفتها مصطحبة اطفالها لتبدل لهم ملابسهم بينما كانت عينان مُهرة تتابعها فى شرود وقد عاد الاسى يسكن قسمات هذا الوجه الملائكى مرة أخرى .
سمع صلاح طرقات منغمه على باب غرفته فالتفت إلى الباب وقال بمرح :
- ادخل يا عريس
أطل عمرو برأسه من فتحة الباب بابتسامته العذبه المرحه ودخل إليه يعانقه قائلا:
- وحشنى والله يا أستاذ صلاح
نظر إليه صلاح متأملا وهو يقول :
- وأنت والله يا عمرو ..بس ايه الحلاوه دى هو الجواز عامل عمايله معاك ولا ايه
رفع عمرو يديه يستعرض عضلاته وقال بغرور مصطنع :
- لا ولسه مشفتش المجانص كمان
لم يضحك صلاح فنظر إليه عمرو فوجده ينظر خلفه ووجهه قد عاد إليه جموده فألتفت عمرو خلفه فوجد إلهام واقفة خلفه عند الباب وتنظر إليه بنظرات إعجاب جريئة تكاد تلتهمه بعينيها وقالت برقه :
- حمد لله على السلامه يا بشمهندس ..تعال المكتب شويه لو سمحت ضرورى
وخرجت متوجهة لمكتبها فوضع صلاح يديه على كتف عمرو وقال :
- ربنا يخليلك مراتك يابنى
نظر له عمرو نظر مبهمة وأتجه إلى مكتب إلهام ..طرق الباب ودخل فقالت :
- أقفل الباب يا بشمهندس
أغلق عمرو الباب ووقف مكانه قائلا :
- خير يا بشمهندسه
أشارت له بالجلوس أمامها فأقترب قائلا:
- أنا أصلى لسه هستلم الشغل من أستاذ صلاح
قالت ببطء وهى تتفحصه :
- مش هعطلك كتير أتفضل
جلس عمرو على المقعد أمام المكتب متحاشيا النظر إليها ..مالت للأمام وأسندت ذقنها إلى راحتها وهى تنظر إليه مبتسمة وقالت :
- تعرف أنك أحلويت فعلا بعد الجواز
نهض عمرو على الفور وقال بضيق:
- معلش أنا لازم أمشى عندى شغل كتير
نهضت من مقعدها ودارت حول مكتبها ووقفت امامه ..مدت يدها إليه ولمست بأناملها أزرار قميصه وقالت هامسة:
- أنت ليه مش حاسس بيه يا عمرو
نظر ليدها وابتعد خطوة للخلف ونظر فى الاتجاه الاخر وهو يقول بجدية:
- يا بشمهندسه اللى بيحصل ده مينفعش خالص
أقتربت هى الخطوة التى أبتعدها ونظرت إليه برجاء وقالت بضعف:
- مينفعش أيه ..مينفعش أحبك
نظر إليها بدهشة وقال :
- يا مدام إلهام انا راجل متجوز وبحب مراتى وحضرتك كمان متجوزة و..
قاطعته بسرعه وهى تتلمس قميصه مرة أخرى وقالت بعينين ملتهبتين :
- وبحبك أنت ..
أشاح بوجهه وهو يبتعد عن يدها فقالت تستعطفه:
- يا عمرو أنا بحبك ومش عاوزه منك أى حاجه... أنت ليه مش قادر تحس بالى جوايا
شعر بالحرج والاضطراب وحاول أن ينتقى عبارات غير جارحه وهو يسمع نبرتها الواهنه التى ترجوه بها ..ألتفت إليها قائلا بهدوء:
- يا بشمهندسه أحنا كلنا هنا بنحترمك وبنقدرك لكن غير كده مش هينفع صدقينى أنا محبتش ومش هحب حد غير مراتى ...عن أذنك
وتركها وأنصرف وهى ترمقه وتراقب حركته العصبيه وهو يفتح الباب ويخرج ويغلقه خلفه مسرعاً ... فرت دمعة من عينيها فمسحتها بسرعة وهى تقول بأبتسامه :
- غلطان يا عمرو ..
توجه عمرو مباشرة إلى مكتبه وعانق زميله احمد بحرارة والتفت إلى زميله نادر متناسياً المشاحنه التى كانت بينهما وقال:
- أزيك يا بشمهندس نادر
نظر له نادر نظرة متعاليه وقال:
- كويس
ربت أحمد على كتفه وقال بمرح :
- واحشنى والله يا عمرو ووحشانى خفة دمك ..ايه خلاص هترجعلنا تانى ولا ايه
قال عمرو وهو يجلس خلف مكتبه بخفه :
- اه ان شاء الله ..هرجع أرخم عليكوا تانى
ضحك أحمد وهو يضع امامه بعض الرسومات الهندسية وبدأ عمرو فى العمل بينما كان نادر يراقبه عن كثب ويتتبعه وهو يعمل بنظرات محتقنة حاقدة ...

**************************************


أنهى بلال جلسته العلاجية لاحد مرضاه الذى قال مرحاً :
- بجد يا دكتور بلال أنت ايدك مرهم ولا حسيت بحاجه
رفع بلال رأسه إليه وقال مداعباً:
- أنت محسسنى أنك جاى تاخد حقنه فى الصيدليه وبعدين لو محستش بحاجه تبقى الجلسه فشلت يا كابتن
ضحك كابتن علاء وهو يقول :
- لا نجحت ان شاء الله ...بس حلو أوى حكاية التسبيح والتكبير والاستغفار اللى انت بتعملها دى يا دكتور بجد أنت ليك سبق فى الحكايه دى ...ده انا أول ما سمعت عنك وعن اللى بتعمله من زميلى فى الفرقه قلت لازم أجى أجرب بنفسى وسبت دكتور الفريق..
ابتسم بلال وهو ينهض من خلف مكتبه قائلا:
- الكلام كله عاجبنى الا الحته الاخيره ناقصلك شويه وتقولى أعملى خصم
ضحكا الاثنان بينما نهض بلال وهو يأخذ مفاتيحه من فوق المكتب وقال :
- يالا يا كابتن يدوب نلحق العصر
ساعده بلال على النهوض وهو يقول له مشجعاً:
- لا بقولك ايه بلاش دلع أنجز علشان عاوزين الكاس السنه دى
ابتسم علاء بإجهاد وهو يتحرك معتمدا على يديى بلال وقال :
- أنا معتمد على الله وعليك يا دكتور
رد بلال مبتسماً وقال معلماً:
- يا ابو الكباتن قول على الله ثم عليك
نظر له علاء مستفهماً وقال :
- وايه الفرق ؟؟
شرع بلال فى الشرح له وهما يتوجهان خارج المركز وقال :
- يعنى لما اقول خرجت من المركز انا وعلاء يعنى خرجنا احنا الاتنين سوا... زى زيك يعنى
لكن لما اقول أنت ثم أنا يعنى أنت الاول وبعدين أجى انا فى المرتبه التانيه ..كده أحنا مش متساويين مع بعض
هز علاء راسه بدهشة وقال :
- تصدق أول مرة أعرف ده احنا بنقولها كتير اوى
ما كاد ينتهى من كلمته حتى أصطدم بمُهرة التى كانت تهبط الدرج بسرعة مداعبة الطفل على يديها ..نظرت له مُهرة وقالت بإندفاع:
- مش تحاسب يا استاذ أنت ..ايه الناس دى
نظر بلال إلى عبير التى كانت تهبط السلم بهدوء وهى تساعد الأطفال على تعلم هبوط السلم بحذر ويبدو ان مُهرة قد سبقتها كما تفعل دائما وسمع علاء يقول لها وهو يتأملها ملياً:
- المفروض انتى اللى تعتذريلى على فكره أنا اللى تعبان وانتى اللى خبطى فيها
نظرة له مُهرة شذراً قائلة بحنق :
- وأنت مبتشوفش يعنى
بينما قال بلال بسرعه :
- خلاص يا كابتن حصل خير خلاص يا انسه مُهرة
قالت عبير بتلقائيه :
- خلاص بقى يا مُهرة محصلش حاجه
اقترب بلال من عبير وهمس فى اذنها :
- مش قلت محبش راجل غريب يسمع صوتك ..ماشى لما نطلع بيتنا بس
أبتسمت عبير بصمت فهى مازالت وستظل تحب غيرته عليها حتى من ان يستمع رجل غريب لصوتها فقط ...نظر علاء ل مُهرة وقال بإعجاب :
- وكمان اسمك مُهرة لا بصراحه اسم على مسمى
نهره بلال على الفور وهو يأخذ بيديه للاسفل قائلا:
- بقولك ايه يا كابتن أنت هتعاكسها قدامى كمان طب أحترمنى على الاقل يا أخى
همس علاء فى اذنه قائلا:
- هى تقربلك ولا ايه
قال بلال وهو يعبر به باب البناية قائلا:
- حاجه زى كده ..وبعدين وانت مالك
************************************
وفى أحد الليالى أفترش فارس الارض بعيدا عن الفراش ووضع وسادته واستلقى بجسده المنهك وأغمض عينيه فى أنهاك شديد تحت عينيى دنيا المتابعة له وهى جالسة على الفراش ترقبه وقد عزمت على تنفيذ ما قررته وأن تستعيد مكانتها لديه ثانية ..نهضت من فراشها وتعطرت وارتدت ثياباً مكشوفة شفافه وجلست على الارض بجواره وأتكأت على طرف وسادته لينفذ عطرها لأنفه رغماً عنه وقالت بدلال :
- هتفضل تنام على الارض لحد أمتى ...هو احنا مش متجوزين ولا ايه
قال بجدية دون أن يفتح عينيه:
- أنا حذرتك قبل كده يا دنيا ...أرجعى على سريرك وابعدى عنى
غلفت صوتها بنبرة ناعمه وهى تتلمس خصلات شعره :
- ولو مبعدتش هتعمل ايه
فتح عينيه وألتفت إليها بعصبيه وقال بغضب :
- هتشوفى فارس اللى عمرك ما شوفتيه قبل كده ..ثم قال محذرا:
- والكام شهر اللى هتقعدي على ذمتى فيهم تتجنبينى خالص وتبطلى محاولاتك دى علشان أنا بحس بقرف لما بتقربى منى ...ألقى عليها نظرة أحتقار أخيرة وأغمض عينيه ثانية وولاها ظهره غير مباليا بها ...نظرت إليه بغضب وحقد شديد وهبت واقفة فى عصبية كبيرة وبدلت ملابسها ونامت وهى تعض على يديها من كثرة الغيظ والغل ...
******************************
جلس فارس بجوار والدته على مائدة الافطار وقبل يديها قائلا بابتسامه :
- تسلم ايدك يا ست الكل
ربتت على كتفه برضا وهى تقول :
- بالهنا والشفا يابنى ...ثم نظرت إالى دنيا وقالت بود:
- مبتاكليش ليه يابنتى
اشاحت دنيا بوجهها وقالت بغطرسة :
- ماليش نفسى ..هشرب الشاى بس
تناولت ام فارس أحد الاطباق ووضعته امامها وقالت بأهتمام:
- ملكيش نفس أزاى بصى بقى ده انا عملتلك بسطرمه بالبيض أنما هيعجبك اوى
نظرت دنيا إلى الطبق ساخره وقالت :
- بسطرمه ..لا ميرسى مش عاوزه
ثم نظرت للمائدة وقالت بترفع :
- أومال فين الشاى
شرعت أم فارس فى النهوض وهى تقول بطيبة:
- يوه نسيت أحطه على النار
أمسكها فارس من يدها وأجلسها مرة اخرى وقال ل دنيا بعصبيه:
- اللى عاوز حاجه يقوم يعملها لنفسه ...ثم التفتت إلى والدته وقال :
- متتعبيش نفسك يا ماما من فضلك كتر خيرك اصلا انك عملتى الفطار
رفعت حاجبيها وقالت بأستفزاز :
- الله هو انا عملت حاجه دلوقتى انت بتلكك ولا ايه
زفر فارس بضيق ولم يرد عليها فقالت متهكمه:
- هو أنت مش ناوى تحلق دقنك دى ولا ناوى تستشيخ زى صاحبك الدكتور
نظر إليها بحدة وقال :
- أه ناوى أستشيخ زى صاحبى الدكتور عندك مانع
تبادلت معه النظرات الحاده ونهضت الى المطبخ لتعد الشاى وهى تتمتم بخفوت:
- ماهو ده اللى ناقص كمان
ظهرت سحابة حزن فى عينيى أم فارس ...فما يحدث الان هى ما كانت تتوقعه تماما ولكن مع الاسف سبق السيف العزل وانتهى كل شىء ..ولا بد من التعامل مع الواقع كما هو ..
************************************
بدأت مُهرة فى العام الجديد وبداية مرحلة جديده ..مرحلة الثانويه العامه وعكفت على المذاكره من بداية العام وحتى أنتصافه تحاول ان تمحى من أفكارها كل ماهو ليس له علافة بمستقبلها ومذاكرتها وتتعايش مع الواقع بشكل أكثر حسمأ وواقعية ..ولكن الواقع هو الذى لم يتركها لشأنها كثيرا..
تزوج والدها بامرأة اخرى واصبح اكثر أهمالا لهم ماديا ومعنويا ولم يكن هذا هو العبء الوحيد عليها وأنما لحق به عبأً آخر .. بدأ العرسان يتوافدون عليها وبدأت هى الصراع فى الرفض دائما مماجعل والدها يزداد سخطاً عليها وعلى رفضها المستمر بدون اسباب حتى كانت الطامة الكبرى بالنسبة لها وتقدم للزواج منها احد الاشخاص الذين يصعب على والدها الانصياع إليها ولم يقتنع باسبابها ..ولكنها اصرت مما جعله يضربها لاول مرة ..ولكنها اصرت على الرفض بعناد ...وأخيرا أضطر والدها إلى الاستماع إلى راى زوجته أم يحيى واللجوء الى الشخص الوحيد الذى يظن الجميع انه يمكن له أن يقنعها بالموافقة ...
فتح فارس باب منزله ليجد امامه والد مُهرة ثائرا جدا و لكنه قال بحرج:
- معلش يا أستاذ فارس عملنالك أزعاج بس كنت محتاجك عندى ضرورى لو سمحت
قال فارس بدهشة متسائلاً:
- طيب اتفضل شويه مينفعش من على الباب كده
- معلش يا أستاذنا مش هينفع
أومأ فارس براسه وقد بدأ القلق يتسرب لنفسه وقال :
- حاضر ثوانى هغيرهدومى واجى معاك
بدل ملابسه سريعاً وهو يشعر بقلق بالغ وتوجه الى والدته بالمطبخ قائلا:
- ماما انا هطلع مع عم ابو يحيى اشوفه عاوزنى فأيه
ألتفتت إليه متسائلة :
- طب مقالكش عاوزك فايه؟
هز راسه نفيا وقال وهو يربت على ذراعها:
- متقلقيش ان شاء الله خير هروح اشوفه ولما ارجع هقولك
أخذه والد مُهرة وصعد به إلى شقته ..وجلس معه فى غرفة استقبال الضيوف وقال بحنق:
- بص بقى يا استاذ فارس البت دى غلبتنى وطلعت عينى وبصراحه كده امها شارت عليا ان مفيش حد غيرك هيقنعها ويخليها تغير رايها بما انك مربيها ومن صغرها وهى بتسمع كلامك ..
عقد فارس بين حاجبيه وقال بقلق :
- فى ايه طيب فهمنى
لوح الرجل بيديه وقال بعصبيه:
- عماله ترفض عريس ورا التانى وانا ساكت عليها ومش عاوز أغصبها لكن العريس ده بقى هتجوزه حتى ولو غصب عنها .. يا أستاذ فارس ده لاعيب كورة معروف وغنى وهتتبسط اوى معاه وهتخرج من الحاره لمستوى تانى خالص هو حد يطول أنا مش عارف البت دى مالها كده
مال فارس للأمام وواستند بمرفقيه على قدمه وفرك كفيه فى توتر وعصبيه وقال :
- مُهرة لسه صغيره مش لما تخلص الثانويه العامه الاول
قال والدها بحنق:
- وأيه المشكله هى يعنى هتجوز النهارده ..الراجل عاوز يكتب الكتاب بس ولما تدخل الجامعه تبقى تتنيل تروح بيته
حك فارس ذقنه بعصبيه وقال متهكما:
- ياااه كمان عاوز يكتب الكتاب مش يخطب ده شكله مستعجل على كده
- اومال أيه يا استاذ فارس وبعدين ده هيخطب ليه ده جاهز من مجاميعه ومش عاوز مننا حاجه خالص ولا حتى شنطة هدومها
زاد أضطرابه وتوتره وتعرقت يديه بشدة وقال محاولا التحكم بعصبيته:
- اه علشان كده بقى
دخلت ام يحيى وقدمت له الشاى قائلة :
- والله يا أستاذ فارس شاب يفرح ويشرح القلب ومن ساعة ما شفها عند الدكتور بلال وهو يتجنن عليها انا مش عارفه البت دى هتفضل دماغها ناشفه لحد امتى
ثم توجهت للخارج وهى تقول :
- انا هناديهالك وأنت بقى تحاول تاثر عليها انا عارفه انها بتسمع كلامك
دخلت أم مُهرة غرفتها وقالت لها بلهفة:
- قومى بسرعه أستاذ فارس عاوزك بره
نهضت مُهرة من خلف مكتبها الصغير وهى تحدق بوالدتها وقالت بحزن:
- يعنى هو جاى يقنعنى انى اوافق على العريس
أومأت أمها براسها وقالت مؤكده:
- طبعا اومال معطل نفسه كتر خيره وطالع مع ابوكى ليه ... وبعدين يا مُهرة خلى بالك لو فضلتى رافضه ابوكى هيبهدلنا ويمكن يطلقنى يابنتى يرضيكى امك تطلق على كبر كده
زاغت نظراتها وهى تجلس على مقعدها مرة اخرى ترمى بثقل جسدها عليه دفعة واحدة بعد ان خذلتها قدميها وقد شعرت ان الالم يعتصر قلبها أعتصارا محاولا أن يتخلص من هذا الرجل الذى طالما أحبه وعشق كل سكناته وخلجاته وحروف كلماته وضحكاته بل وآلامه وأحزانه ,,خرجت كلماتها بصعوبه بعد أن بللت الدموع شفاهها وقالت :
- قوليلوا مفيش داعى يتعب نفسه يا ماما ..أنا خلاص موافقه
خرجت أم يحيى من غرفة ابنتها وهى تطلق الزغاريد فنهض فاروس ووالدها متسائلين فقالت أم يحيى بسعادة كبيرة:
- بركاتك يا استاذ فارس أول ما خطيت بيتنا عنادها أتفك
ونظرت الى زوجها قائلة:
- كلم العريس وقوله البنت وافقت يا ابو العروسه
خفق قلبه بقوة وهو ينظر إليها مشدوها قائلا:
- هى قالتك انها موافقه يا ام يحيى
ضحكت ام يحيى وهى تقول:
- طبعا يا استاذ فارس موافقة ...
توجه والد مُهرة إلى الهاتف قائلا :
- انا هكلمه أقوله أنها وافقت علشان نحدد معاد كتب الكتاب قوام قوام قبل ما ترجع فى كلامها
شعر ان الدنيا تميد به وأنه يتنفس من ثقب إبرة لا تروى ظمأ رأتيه فاتجه إلى الباب خارجاً وهو يتمتم غاضباً:
- مبروك
**********************************
عاد الفارس مهزوما الى شقته ولكنه غاضباً لاقصى حد ..فتح الباب بعنف واغلقه خلفه بقوة .. خرجت والدته من المطبخ فزعة ورأته غاضباً بشدة لا يرد عليها ودخل الى الحمام وضع رأسه تحت الصنبور لعله يطفأ النار التى نشبت برأسه وهو لا يدرى مصدر النار الحقيقيه .. وقفت والدته بجواره ترجوه ان يتحدث ويخبرها ما به وأخيرا أغلق الصنبور وأعتدل واقفا وهو يتكأ على الحائط أمامه بكلتا يديه ناظرا لوجه بالمرآة والمياه تقطر من كل مكان بوجهه وشعره لتغرق ملابسه
قائلا بصوت يشبه أصوات الفراغ القاتل حول المقابر :
- هتتجوز ..
رفعت والدته حاجبيها دهشة وهى تقول :
- هى مين يابنى
وفجأة أنقلب الصمت الى زوبعة شديدة تتلوها الاعاصيرا تترا ..وأخذ يهدر فى غضب شديد:
- خلاص مبقاش ليا لازمه عندها ..انا بقيت ولا حاجه عند الهانم..رايحه تقرر وتوافق من غير ما ترجعلى ...خرج من الحمام متوجها الى المائدة وراح يركل المقاعد واحداً تلو الاخر فينقلب على عقبيه محدثا جلبة شديدة وهو يصيح :
- كانت بتاخد رأيى فى لون الفيونكه اللى فى شعرها كانت بتاخد رأيى فى القلم اللى بتكتب بيه
دلوقتى بتقرر تتجوز ...كده من نفسها ...خلاص كبرت وعاوزه تجوز خلاص مبقاليش قيمه عندها ...
حاولت والدته ان تهدىء من روعه وتتشبث به لتجلسه ولكنه كان كالعاصفه الهوجاء يطيح بكل ما يقابله امامه يمينا ويسارا ...لم تعد تعرف كيف تعيده الى رشده ...
أخذت تمسح على ذراعيه تاره وعلى راسه تاره وهى تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم حتى هدأ أخيرا وجلس وقد أحتقن وجهه بشدة ودفن راسه بين كفيه محاولا السيطرة على غضبه يلتقط انفاسه بصعوبه كأنه كان يعدو بقوة ...
وقفت والدته بجواره تمسح راسه وتقرا المعوذتين والاخلاص بينما وهم كذلك صدح رنين هاتف المنزل ..تركته والدته يهدأ وأجابت المتصل أمتقع وجهها وهى تنظر ل فارس الذى بدأ يهدأ قليلا وأنفاسه تنتظم ...وقالت:
- أمتى حصل ده يابنتى...
رفع راسه ونظر الى والدته متسائلا حينما سمعها تقول لمحدثتها:


- لاحول ولا قوة الا بالله ..البقاء لله يابنتى ....
-------
الفصل الثاني والعشرون
-----------



أغلق فارس باب شقة والدة دنيا خلف المعزيين وعاد ليجلس بجوارها منهكاً من شدة التعب ..نظر إليها فوجدها تدفن راسها بين كفيها وتنساب عبراتها المنهمرة على وجنتيها لتبلل كفيها ووجهها ...أقتربت والدته منهما ومسحت على ظهر دنيا بحنان قائلة:
- كفايه يا بنتى هتموتى نفسك من العياط أدعيلها بالرحمه
ثم نظرت لـ فارس وأردفت :
- قوم يابنى خد مراتك وأدخلوا أرتاحوا شويه انتوا منمتوش من أمبارح
نهض فارس بتثاقل فكم كان محتاجاً لقسط من الراحه لبعض الوقت بعد نهار طويل من اجراءات الدفن والوقوف لاستقبال المعزين ...أمسك يدها وساعدها على النهوض وهو يقول بإشفاق:
- تعالى ارتاحى شويه جوه يا دنيا قومى يالا
نهضت وهى تجفف دموعها وقد اطرقت راسها إلى الارض وكادت أن تسقط من فرط اجهادها وحالتها النفسية السيئة لولا أن أسندها بيديه ومضى بها إلى غرفتها ..ساعدها فى الجلوس على طرف فراشها قائلاً:
- يالا ناميلك شويه علشان أعصابك تهدى
رفعت رأسها إليه ببطء ونظرت له من بين دموعها وقالت بصوت مبحوح من كثرة البكاء:
- أقعد لو سمحت
جلس بجوارها على الفراش وألتفت إليها مشفقاً لحالها ..فأرتمت على صدره وأخذت تبكى وتشهق بقوة وهى ترجوه قائلةً:
- متسبنيش يا فارس أنا ماليش غيرك دلوقتى ...أرجوك متسبنيش لوحدى ...أنا بعتذرلك عن كل اللى عملته معاك وكل اللى غلطته فى حقك بس أنا عارفه أنك شهم ونبيل ومش هتتخلى عنى ..وشهقت بقوة أكبر وهى تقول بإنهيار:
- اخر حاجه ماما قالتهالى أقولك تفضل جنبى علشان ماليش غيرك علشان خاطرها يا فارس مش علشان خاطرى انا..أرجوك يا فارس أرجوك
رفع رأسه لأعلى وتنفس بقوة ثم ربت على كتفها مطمئناً وقال :
- متخافيش يا دنيا متخافيش ..ولمعت عينيه من التأثر وهو يردف قائلاً:
- أنا جنبك متقلقيش من حاجه ابدا
أعتدلت ونظرت إليه بلهفة قائلة:
- بجد يا فارس يعنى مش هتطلقنى
ربت على يدها وقال بهدوء :
- متفكريش فى الكلام ده دلوقتى انا عاوزك تنامى وترتاحى أنتى مش شايفه نفسك عامله ازاى
أستلقت فى فراشها مطمئنة وأغمضت عينيها ..ظل جالساً بجوارها حتى ذهبت فى سبات عميق .. ألقى عليها نظرة مشفقة ونهض بهدوء وخرج وأغلق الباب خلفه ..خرج فوجد والدته قد غفوت على الاريكة الخارجيه ..حاول ايقاظها ولكنها لم تستجب له من شدة الارهاق ... هوى بجسده على المقعد جانبها واستند الى ظهر المقعد وأغمض عينيه وهو يحاول استيعاب الامر من جديد ...
لقد أصبحت وحيدة الان وليس من الشهامة أن يتخلى عنها هكذا ويتركها بمفردها ..لقد أستنجدت به وتوسلت اليه ان لا يتركها فكيف يفعل تأبى رجولته ودينه أن يفعل ذلك ولكن كيف يحتفظ بها وهى من هى ...لن يستطيع أن يتخذها زوجة حقيقية ولن يستطيع ان يطلقها فى مثل هذه الظروف ..وضع كفيه على وجهه ملتجأً إلى الله عزوجل هاتفاً بقلبه :
- ما العمل ياربى ما العمل ......
*************************************
لم يشعر أحد بغيابهم عن المنزل نظراً لاستعدادات عقد القران التى خيمت أجوائها على بنايتهم بل على شارعهم كله ..جلست مُهرة بجوار علاء بعد ان وقعت عقد زواجها منه وأنهمرت عليها القبلات المهنئة السعيده من الجارات والصديقات ودوت اصوات الزغاريد معلنةً أشهار زواجهما ..حضرت الحفلة جميع الجارات ماعدا والدة عمرو فقلد كانت غاضبة لغضب ولدها محمود فلم تذهب لتبارك الزواج ... بينما كان يحيى سعيدا جدا لان أخته تزوجت من لاعب كره شهير فجلس بجواره وأخذ يلتقط معه بعض الصور ... أما والدتها فقد فرت دموع الفرح من عينيها وهى ترى طفلتها وقد اصبحت عروساً جميله فمالت على زوجها قائلة :
- شايف يا ابو يحيى مُهرة زى القمر أزاى
- لازم تبقى قمر طبعا مش بنتى
نظرت له مستنكرة وتركته وذهبت لتقف بجوار عمرو متسائلة:
- متعرفش يا بشمهندس الاستاذ فارس ووالدته فين اصلى خبطت عليهم كتير اوى النهارده محدش رد
وضع عمرو قطعة من الكعك فى فمه وقال :
- عند مراته فى شقة أمها اصل حماته ماتت من يجى اسبوع كده
عقدت أم يحيى حاجبيها وقالت بأستغراب:
- لا حول ولا قوة الا بالله ومحدش قالنا ليه
قال عمرو بلا مبالاة:
- تلاقيهم مرضيوش يبوظوا فرحتكوا يا ست أم يحيى ..ثم اردف وهو يمد طبقه اليها قائلا:
- اومال فين الجاتوه بتاعى يا ام العروسه
ابتسمت ام يحيى وهى تأخذ منه الطبق قائلة :
- من عنيه يا بشمهندس
مال علاء على مُهرة بشكل ملفت للنظر وهمس فى اذنيها قائلاً :
- مبروك يا حبيبتى
ألتفتت إليه بحرج وابتعدت قليلا وهى تقول :
- الله يبارك فيك بس من فضلك ابعد شويه مينفعش كده
أردف هامساً دون أن يبتعد :
- وابعد ليه هو انتى مش مراتى ولا ايه هو انا صممت اكتب الكتاب علشان تيجى تقوليلى ابعد شويه
همت بالنهوض بإنفعال من جانبه ولكنه امسك يديها قائلا :
- خلاص خلاص هبعد أهو خاليكى
سحبت يدها من يده بضيق وقالت :
- أنا هروح اصلى العشاء عن اذنك
أبتسم ساخرا وقال :
- سلامات يا شيخه مُهرة
ألقت عليه بنظرة غاضبة ونهضت بضيق ودخلت غرفتها أرتدت ثياب الصلاة ووقفت تصلى وهى تبكى غير مصدقة ما فعلته بنفسها ..كيف تلقى جزيرتها فى مياه غريبةً الشطئان كيف لم يشغلها أن تبحث عن زورق للنجاة ..كانت تكفى الخطبه فلماذا وافقت على عقد القران لماذا سبحت فى بحر متلاطم الامواج ليس لديها بوصلة للطريق تنظر خلفها فلا طريق للعودة ولا سبيل للرجوع ولا فناراً تتقدم على ضوءه ...أين السبيل أذن وكيف النجاة

وبعد يومين عادت أم فارس إلى بيتها وتركتهم هناك بعد أن ألحت على فارس أن يبقى مع زوجته فى شقة والدتها ثم يعود بها بعد أن تتحسن حالتها قليلاً ..وتفاجأت بأن زواج مُهرة قد تم بالفعل
فقالت بضيق:
- كده برضوا هو أنا مش من حقى افرح بيها زيك ولا أيه يا أم يحيى
قالت أم يحيى بحرج:
- والله سألت عليكى يا ست أم فارس ملقتكيش وبعدها عرفت من عمرو ان حماة الاستاذ فارس تعيشى أنتى وأتلخمت فى كتب الكتاب ومعرفتش اوصلك
- مُهره فين علشان أباركلها
اشارت لها أم يحيى الى غرفتها قائلة:
- قاعده جوه بتذاكر ثوانى أندهالك
خرجت مُهرة من غرفتها وتلاقت عينيها بعينين ام فارس كل عينين بها ما بها وتنطق بالكثير ولكن مُهرة لم تستطع أن تنتظر أكثر ..جرت بسرعة وأرتمت بين أحضان أم فارس وأخذت تبكى وتبكى وأمه تمسح على رأسها وقد لمعت عينيها بالدموع ولكنها تماسكت فقالت أم يحيى:
- ايه يا بت مالك بتعيطى ليه كده
رفعت أم فارس رأسها لأم يحيى قائلة:
- تلاقيها واخده على خاطرها منى علشان محضرتش فرحها
مطت ام يحيى شفتيها وهى تقول :
- انا عارفه ايه دلع البنات ده ..دى من ساعة كتب الكتاب وهى لويه بوزها كده حتى عريسها مبتديلوش ريق حلو ابدا
أزداد بكاء مُهرة ولكنها لم ترفع راسها من حضن أم فارس حتى بللت حجابها بدموعها فقالت ام فارس وقد رسمت ابتسامة مصطنعة على شفتيها :
- ايه يا ست انتى... انتى بقيتى بخيله ولا ايه فين الشربات بتاعى
ضحكت أم يحيى بسعادة وهى متوجهة الى المطبخ قائلة:
- من عنيا يا ست الكل
تبعتها أم فارس بعينيها حتى أختفت داخل المطبخ فربتت على راس مُهرة وقالت بخفوت:
- متقهريش نفسك يا بنتى كل شىء قسمة ونصيب
توقفت مُهرة عن البكاء ورفعت رأسها تنظر فى عينيها متعجبة بإستغراب :
- فابتسمت لها أم فارس وقالت بخفوت :
- انتى ناسيه انى انا اللى مربياكى واقدر أحس بيكى كويس ولا فاكرانى مش حاسه بيكى كل ده
..ثم امسكت وجهها بين يديها وقالت بحنان:
- ركزى فى مذاكرتك ومتفكريش فى حاجه وأرضى بقضاء ربنا علشان ربنا يرضى عنك ويرضيكى
***********************************
دخلت مُهرة هى وأخيها يحيى النادى الرياضى تتطلع حولها منبهرة بما ترى بينما كان علاء الذى يسير بجوارها بزهو وهو يشاهد الانبهار فى عينيها هى وأخيها وهو يشعر بالسعاده فتلك المرة الاولى التى وافقت على أن تخرج بصحبته منذ أن عقد عليها ..مرت بجوارهما مجموعة من الفتيات أستوقفوه بلهفة وهن يصافحنه ويتضاحكن معه بجرأة وبجوارها يحيى يكاد أن يلتهمهن بعينيه.. ألتفت علاء الى مُهرة فوجدها موصوبة نظرها عليهم بملامح خاليه من أى تعبير ولكن يغلب عليها بعض الدهشة ...أنصرفت الفتيات وأقترب منها قائلا :
- أيه يا حبيبتى غيرانه ولا أيه... لا لازم تتعودى على كده دى ضريبة الشهرة ولا ايه يا يحيى
قال يحيى مؤكداً :
- طبعا يا نجم
نظرت إليهما مُهرة وكأنها لم تسمعهما ولم ترى حديثه مع الفتيات
وقالت :
- هو مين اللى بيصرف على كل الحاجات الفخمه اللى فى النادى دى
نظر لها متعجباً وقال بإستنكار:
- هو ده كل اللى لفت نظرك
أومأت برأسها وقالت بأهتمام:
- غريبة أوى أنا كنت بشوف الحاجات دى فى التيلفزيون بس كنت فاكراهم بيضحكوا علينا طلع بحق وحقيق
عقد ذراعيه أمام صدره بضيق وقال وهو يسير بجوارهما ببطء:
- وأيه الغريب فى كده أذا كانت مكافأتنا لوحدها بتوصل للألفات وساعات الواحد فينا بياخد مليون لوحده مكفأة ..مستغربه ان النادى نفسه يبقى فخم
ثم أشار لهما على أحدى الطاولات لتجلس وجلس قبالتها فانحنت للامام مستندة إلى الطاولة الصغيرة
وقالت :
- ومين اللى بيدفع كل ده
رفع كتفيه قائلا بلا مبالاة :
- تبرعات رجال الاعمال مكافآت من الدولة وحاجات زى كده يعنى
اسندت ذقنها على راحة يدها وقالت بإستغراب:
- سبحان الله مصر ماليانه أحياء شعبيه محتاجه نص اللى بيتحط فى النادى ده والماتشات بتاعته هو وغيره ورجال الاعمال دول لو أتبرعوا للأحياء الشعبيه ولا لأطفال الشوارع ولا للمستشفيات اللى محتاجه أجهزة وأدويه كان هيبقى ثوابهم أكبر عند ربنا مش يجوا يحطوا فلوسهم فى حمام سباحه ولا ماتش ..
عقد حاجبيه وقال بحنق:
- أحنا بندى البلد دى جوايز ومسابقات عالميه ودورى وكاس
ضحكت وهى تقول :
- غريبه أوى أنتوا بيتصرف عليكوا ملايين علشان دورى وكاس لكن العلماء محدش بيسأل فيهم و بيضطروا بيهاجروا بره مصر علشان يلاقوا اللى يصرف على ابحاثهم اللى هتخدم البشريه كلها ...
قال يحيى بحماس معترضاً:
- والماتشات دى برضه حاجه كويسه يا مُهرة مش بتخرج الطاقه صح والناس بتحبها وبتتبسط منها يعنى كلنا بنستفاد والبلد كمان بتستفاد
نظرت إلى يحيى وقالت بتلقائية:
- يابنى ده انا أختك وبشوفك أنت وصحابك وأنتوا بتتخانقوا بعد كل ماتش ده غير الشتيمه اللى بتقعدوا تشتموها للاعيبه وتاخدوا عليها ذنوب والقهوة اللى على اول شارعنا اللى بيضربوا بعض بالكراسى وفى الاخر بعد الماتش ما يخلص هما ياخدوا المكافات وانتوا تتخانقوا وتخسروا بعض
وبلد ايه اللى بتستفاد دى ؟! الفريق بيسافر والبلد تصرف عليهم فى البلد التانيه وفى الاخر لو كسبوا يقولوا مصر فازت ولو خسروا مصر خسرت طب مصر كسب ايه وخسرت ايه واحنا مش مهتمين بالعلم والعلماء وبنقولهم فوت علينا بكره ..كسبت كاس بيتحط على رف النادى مكتوب عليه تاريخ الانتصار وفلوس تتوزع على اللاعيبه زى الرز وفى ناس أحق بالفلوس دى بيباتوا من غير اكل ولا دوا وبيموتوا من كتر الاهمال فى المستشفيات الحكوميه...الكلام ده لو فى عدل لو كل واحد بياخد حقه
نسى علاء أنه فى مكان عام وهتف غاضباً:
- سيبك من كل ده تنكرى أن الرياضه شىء مهم جدا وسيدنا عمر بن الخطاب حث عليها وقال علموا أولادكم السباحه والرمايه وركوب الخيل
رفعت حاجبيها متهكمةً وقالت :
- بيتهيألى سيدنا عمر لو عرف أن الكوره بيتصرف عليها ملايين وفى ناس جعانه مش لاقيه تاكل وناس تعبانه وبتموت ومش لاقيه دوا كان زمانه منع حاجه اسمها كوره ...ضحكت عندما وصلت لاخر كلمة قالتها
بينما هب هو اقفا وقال بضيق :
- وحضرتك بقى وافقتى تتجوزينى ليه طالما شايفه أن شغلى تافه أوى كده
حملت حقيبة يدها وقالت بتلقائية :
- منا قلتلك كنت فاكراهم بيضحكوا علينا فى التلفزيون وبيبالغوا بس كلامك ده واللى أنا شايفاه أكدلى ..وبعدين مالك زعلان أوى كده ليه أختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية وأنا بقول رأيى
نظر لها يحيى مندهشاً وهو يقول :
- سبحان الله كأنى سامع الاستاذ فارس هو اللى بيتكلم
نظرت له مُهرة بتأثر ولمعت عينيها حنيناً بينما قال علاء متسائلاً:
- مين الاستاذ فارس ده
ضحك يحيى وهو يقول :
- ده بقى يا سيدى الاب الروحى لمراتك هو اللى مربيها ومحفظها الكلام ده
ظن علاء أن الشخص الذى يتحدث عنه يحيى رجل طاعن فى السن مثلاً فلم يبالى بالامر وقال بأستهزاء :
- وأنا أقول برضه اتعلمتى منين التخاريف دى
هتفت مُهرة وهى تنظر له بغضب :
- أتكلم باسلوب أحس من كده
تدخل يحيى بسرعة وقال مهدئاً للموقف :
- صلوا على النبى يا جماعه دى مجرد مناقشة
تأملها علاء لبعض الوقت ثم قال حانقاً :
- يالا نمشى
سارت بجواره وهو يمشى بخطوات واسعة وهى تحاول اللحاق به جاهدة ويحيى يلقى النظرات الاخيرة على النادى الذى حلم دائما بدخوله ..حتى وجدته يقف فجأه وتتغير ملامحه الغاضبة إلى الابتهاج عندما صافح أحد الرجال الذى كان يبدو عليه أنه فى أوائل العقد الخامس من عمره يرتدى حلة وقبعة رياضية ثم استدار إليها يعرفها إلى الرجل قائلا :
- دى مُهرة مراتى يا كوتش وده يحيى أخوها
نظر إليها الرجل مبتسماً ومد يده يصافحها قائلا :
- أهلا وسهلا نورتى النادى
عقد ذراعيها وقالت بجمود:
- أهلا بحضرتك بس معلش مش بسلم ...
مد يحيى يده وصافح الرجل بحرارة بينما نظر لها علاء نظرة نارية وضغط اسنانه حتى خُيل إليها أنها استمعت الى صوت صكيكها وقال آمراً :
- سلمي يا مُهرة ده الكوتش بتاعى انتى متعرفيهوش ولا أيه
نظرت إليه وظلت عاقدة ذراعها ولم ترد فقال الرجل بسرعة وهو يربط على كتف علاء :
- خلاص يا كابتن مش مشكله يالا اشوفك فى التدريب سلام
جذبها من ذراعها بقوة وهو يقول :
- انا غلطان أنى جبتك هنا..أمسكه يحيى وهو يحاول تخليص ذراعها منه هاتفاً :
- مش كده يا كابتن التفاهم بالراحه
دفعت يده بعيدا بضيق وأسرعت الخطى وقد لمعت عيناها بالدموع ظلت جالسه فى المقعد الخلفى فى السياره وعلاء يقودها حانقاً فى طريقة الى المنزلها وهى تنظر من النافذة بجوارها وكلما فرت دمعة من عينيها رغماً عنها مسحتها بسرعة حتى لا يراها فى المرآة ..أما هو فكان يصيح طول الطريق بغضب قائلاً:
- بتحرجينى مع الكوتش بتاعى يا مُهرة يعنى لو كنت قابلت حد من الرجال الاعمال اللى بيرعانى كنتى برضه هتحرجينى قدامه كده مش كفايه مش عاجبك شغلى ومستخسرة فيا الفلوس اللى باخدها ..
كانت تستمع الى يحيى وهو يحاول تهدئته أما هى فقد ظلت صامتة ولم ترد عليه وتركته يخرج ما فى صدره من حنق وغضب عليها كانت تشعر أنها وحيدة لا تشعر بالامان معه تريد ان تصل لمنزلها سريعا لتحتمى بجدرانه بعد ان فقدت النصير الذى غاب عنها وتاه فى دنياه !...

**********************************************
وضع فارس حقيبة دنيا فى غرفتها وخرج منها وأغلق الباب خلفه قائلا لوالدته فى عجلة من أمرة :
- لازم أمشى حالا أتأخرت اوى على المكتب
همست له والدته بخفوت:
- مش تستنى مع مراتك شويه يا فارس وبعدين تنزل
ربت على كتفها برقه وقال وهو يضع الهاتف فى جيبه ويأخذ مفاتيحه :
- هستنى أعمل أيه يا ماما هى خلاص بقت كويسه معلش عندى شغل متأخر يالا مع السلامة
ترجل يحيى فى بداية المنعطف المؤدى الى شارعهم عندما ألتقت عيناه بعينيى محمود الذى قاطعه منذ زواج مُهرة وهو يقول :
- معلش يا كابتن واحد صاحبى زعلان منى عاوز ألحقه يالا سلام
تابع علاء طريقة بتثاقل ووضع السيارة بجوار المنزل هبطت مُهرة بسرعه دون أن تنتظره .. لحق بها على الدرج وأمسكها من ذراعها وجذبها اليه بحدة وهو يقول :
- كمان مش معبرانى ده بدل ما تعتذريلى يا هانم
ألتفتت إليه وقد أغرورقت عيناها بالدموع وقالت :
- لو سمحت سيب أيدى مش كفايه الكلام الجارح اللى عمال تقوله طول الطريق جاى تكمل هنا كمان
حاولت أن تتملص منه ولكنه جذبها مرة أخرى وقال بعصبية :
- مُهرة انتى متعرفنيش كويس أنا عصبى متخلنيش أمد ايدى عليكى ..أعتذرى حالاً
بدأت تبكى بصوت مرتفع وهى تحاول التملص منه عندها سمعت وقع اقدام تهبط الدرج بسرعة ..وما أن اقتربت حتى زادت من سرعتها على صوت بكائها واخيرا ظهر فارس وهو ينزل سريعاً نظر إليهما متسائلاً وهو ينقل بصره بينهما ولكنه قال وهو ينظر اليها والى دموعها التى أنسابت على خديها وقال بلوعه :
- مالك بتعيطى ليه ؟
قبض علاء على يدها أكثر حتى تالمت ثم قال :
- وأنت مالك أنت خاليك فى حالك ..لم يكد علاء أن يتم عبارته حتى وجد فارس قد قبض بعنف على يده الممسكة بذراعها وضغط رسغه بقوة تألم لها علاء وأضطر أن يترك ذراع مُهرة التى بمجرد ان تحررت من يد علاء حتى صعدت أربع درجات خلف فارس ..نظر له علاء بغضب وصاح هائجاً:
- وانت مالك أنت دى مراتى
ألتفت فارس أليها فوجدها تنظر إليهما بألم و تمسح دموعها بكلتا يديها وقد أطلت من عينيها نظرت أستغاثة ملهوفة مخلوطة بالعتاب..ألتفت إليه وقال محذرا والشرر يتطاير من عينيه :
- هى الرجوله أنك تفرد عضلاتك على بنت وتقول مراتى أنت كده مفكر نفسك راجل
حاول علاء أن يتخطاه إليها ولكن فارس وضع يده على سور السلم ففصل بينهما بجسده فقال علاء غاضبا:
- بقولك وأنت مالك أنت مين انت علشان تدخل أضربها ولاحتى اكسر دماغها مدام عاوزه تتربى
لم يكد أن يتم كلمته حتى وجد لكمة شديدة توجهت ألى أنفه ارتد على آثارها الى الخلف ولكن لحسن قدره أن يحيى كان فى طريقة الى الصعود فارتطم بجسده مما منعه من السقوط وربما ما هو أكثر من ذلك
بكت مُهرة بشدة وصعدت تعدو الى شقتها بينما وضع علاء يده على أنفه فوجد الدماء تسيل منها نظر الى راحته برعب وهو ينظر الى الدماء التى لوثتها ..دفعهما فارس الاثنان معا وغادر البناية على الفور وهو فى قمة غضبه
أخذه يحيى وصعد به الى شقتهم ..جلس والد مُهرة بجوار علاء يعطيه بعض المناديل الورقيه ليمسح دمائه التى لوثت وجهه ..بينما كان يحيى وأمه يؤنبانها فى الداخل وهى ملقاة على الفراش وتبكى بحرارة ..ولم يكتفوا بذلك وأنما أجبروها هم ووالدها على الخرج والاعتذار منه ..وعادت لغرفتها مكسورة مهزومة ورغم أحساسها بالدونية والضياع والمهانه الا أنها شعرت انها لم تفقد المظلة التى كانت وظلت وستظل تحميها من عوادى الدنيا وزخات السُحب ...
********************************
ألتفت بلال الى فارس ورفع حاجبيه بإستغراب شديد وقال متعجباً :
- ضربته !!!
أشاح فارس بوجهه وضرب بيده على قدمه وقال وهو غاضب :
- تصدق بالله انا لو مكنتش مسكت أعصابى مكنش هيبقى ضرب بس أنا كان ممكن اقتله
أستند بلال بمرفقيه الى مكتبه فى المركز ونظر اليه متفحصاً وقال بهدوء :
- أنت لو بتتخانق مع مراتك تحب حد يدخل بينكوا بالطريقه دى
هتف فارس حانقاً :
- يعنى كنت اسيبه يعمل فيها كده قدامى واقول سلام عليكم وأنزل عادى كده
هز بلال راسه نفيا وقال :
- لا يا سيدى محدش قالك كده بس برضه فى حاجه اسمها بالمعروف بالنصيحه .. تسمع عنهم ولا لاء؟
- دمى غلى فى عروقى يا بلال مفكرتش ومقدرتش استحمل سفالته
شبك بلال بين اصباعه وقال بثقة :
- طبعا مش هقولك أنك غلطان علشان أنت عارف انك غلطان
أومأ فارس براسه بعصبية وهو ينظر أمامه بشرود قائلا :
- معاك حق انا غلطان...غلطان انى ضربته بس .. كان المفروض أكسرله عضمه علشان بعد كده ايده متلمسهاش تانى
صمت بلال لبعض الوقت وهو يفكر هل من الحكمة أن يتكلم معه بصراحه ويكشف له عن ما يراه ويشعربه أم يصمت مادام فارس يفسر افعاله على انها شهامة منه تجاهها ...ولو صارحه فما جدوى ذلك وهو متزوج وهى متزوجة ..الامر يحتاج لتفكير أكثر من هذا قبل المصارحه ...
أخرجه فارس من تفكيرة العميق على صوته الهادر وهو ينهض واقفاً ويقول :
شوف يا بلال أنا جيتلك علشان عرفت أنه عرفها عن طريقك يعنى انت تعرفه كويس ..عاوزك تبلغه أنى لو عرفت أنه مد ايده عليها بحلو ولا بوحش هتبقى اخر مره يستعمل فيها ايده دى.. سلام
نهض بلال وحاول ايقافه ولكنه لم يفلح فى ذلك فلقد كان غاضبا جدا عاد الى مكتبه وجلس خلفه فى وجوم وهو يشعر ان المصارحه بعد ما راه وسمعه الان منه ستكون تبعتها أكبر من الكتمان بكثير فلابد من التمهل ...فهذه النبرة وهذا الزئير وهذه التصرفات ليست لرجل يغار فقط أو يحب فقط وأنما هو يراها كنزه الثمين ومهرته الاصيلة الذى لابد ان يحافظ عليه دائما وابدا من ان تمتد اليه يداً غريبة ويرى نفسه حاميها وحارسها وفارسها النبيل الذى يبذل الغالى والرخيص فداءا لها فهى مازالت وستظل طفلته التى تحتاجه ومن الجائز ان نعشق أطفالنا أحيانا ..

**********************************************
بمجرد أن دخل فارس مكتبه وقد هدأت ملامحه قليلاً حتى لحقت به نورا على الفور قائلة بسعادة:
- دكتور فارس اتأخرت ليه
جلسه خلف مكتبه واسند ظهره للخلف وهو يشعر بإرهاق ذهنى رهيب وأغمض عينيه قائلاً :
- خير يا استاذه نورا فى حاجه ؟
قالت بسرعة وهى مبتسمة ببهجه :
- فى زبون معايا فى المكتب وجاى لحضرتك ومصمم أنك انت اللى تمسكله القضيه بتاعته بنفسك مش حد تانى
فتح عينيه ببطء وقال مستفهماً :
- أشمعنى يعنى
قالت بحماس :
- القضية اللى حضرتك اشتغلتها من شهر وجبت فيها براءة للقاتل سمعت أوى والرجل جاى ملهوف وعنده استعداد يدفع اى مبلغ تطلبه ..ده ملياردير يا دكتور فارس مليادريييييير ..
ابتسم فارس لحماسها المفرط وقد تسلل حماسها إليه وقال :
- خليه يدخل
فرقعت نورا اصابعها بحماس وفرحة وخرجت مسرعة وسمحت للرجل بالدخول إليه ... نهض فارس وصافحه بأدب وتواضع قائلا وهو يشير اليه بالجلوس :
- أتفضل يا فندم
جلس الرجل وهو ينظر الى فارس مندهشا وقال بدون مقدمات :
- الحقيقة انا كنت فاكر حضرتك اكبر من كده يا دكتور فارس
ابتسم فارس وقال بلباقه :
- ده مدح ولا ذم
أستدرك الرجل بسرعة وقال بإحترام :
- مدح طبعا يا دكتور يعنى حضرتك سمعتك مسمعى كده وانت فى السن ده ..يعنى اكيد حضرتك نبغه فى مهنتك ..دى خبرتى كراجل فى السوق من زمان وعلشان كده انا جيتلك مصمم انك أنت اللى تترافع عن ابنى
قال عبارته الاخيره ووضع الملف الذى بيده امامه على المكتب ..فتحه فارس وبدا يقلب اوراقه
بينما قال الرجل بحزن :
- ابنى يا دكتور شاب فى عز شبابه ومتربى واخلاقه عاليه ..يتهموه ظلم فى قضية زى دى ..أنا ابنى مش ممكن يقتل يا دكتور مش ممكن ابدا انا متأكد أن تقرير التحريات اللى اتقدم ده افترى وظلم علشان أعدائى فى السوق عايزين ينتقموا منى بأى شكل ويشوهوا سمعتى بأى طريقة ...
هز فارس رأسه وقال متفهماً :
- طيب حضرتك سبلى القضة ادرسها واقلبها فى دماغى من كل النواحى وهرد عليك بكره أن شاء الله بس حضرتك أعملى توكيل علشان أعرف أطلع أزوره وأتكلم معاه شويه قبل ما اقول رايى فى القضيه
قال الرجل على الفور :
- انا يا دكتور مستعد ادفع اللى حضرتك تطلبه ملايين الدنيا كلها فدى ابنى
قال فارس بإشفاق :
- متقلقش أن شاء الله لو بريء فعلا ربنا مش هيتخلى عنه وانا هبذل كل جهدى علشان اطلعه منها
حياه الرجل وغادر المكتب وقبل أن يبدأ فى فتح الملف لقراءته بتمعن قفزت مُهرة الى ذهنه مرة اخرى وصورتها التى رآها عليها اليوم وهى تنظر له تستنجده أن لا يتخلى عنها ولكن الذى حيره فعلا هى النظرة الاخرى التى رآها فى لمحة لم تتعدى ثانية من الوقت لقد كانت نظرة عتاب ..
وجد نفسه يخرج هاتفه النقال ويكتب رساله من كلمتين :
- بتعاتبينى ليه ؟!
أعلن هاتفها على وصول رسالة نصية فتحتها وهى تجلس على طرف فراشها دون أن تنظر لاسم الراسل ..استعت عيناها دهشة وخفق قلبها بقوة وهى تقرأ حروفه التى ارسلها دون وعى فوجدت دمعتين قد فرتا من مقلتيها وابتلعت ريقها بصعوبه وكتمت انفاسها وهى تكتب بشرود :
- السؤال ده لوحده محتاج عتاب ..

قرا رسالتها ووضع الهاتف على مكتبه ودفن وجهه بين يديه وقد ازدادت حيرته واشعلت التساؤلات فى قلبه من جديد ...زفر بقوة وتناول القهوة التى وضعت امامه بتمهل وبدا فى فتح ملف القضيه ...وهو لا يعلم أنه فتح عليه باب من أبواب جهنم
------
يُتبع



__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب
  #14  
قديم 02-22-2018, 05:41 PM
 

الفصل الثالث والعشرون
------------------



قرأ رسالتها ووضع الهاتف على مكتبه ودفن وجهه بين يديه وقد ازدادت حيرته واشعلت التساؤلات فى قلبه من جديد ...زفر بقوة ثم تناول القهوة التى وضعت امامه بتمهل وبدا فى فتح ملف القضية ... وهو لا يعلم أنه فتح عليه باب من أبواب جهنم ...
قلب أوارقها بهدوء وتركيز وعيناه تجرى بين السطور حتى شعر بألم فى رأسه وصداع شديد من كثرة التفكير وقد شُتت أفكاره تماماً لم يعد قادراً على قراءة المزيد ..طرقت نورا باب مكتبه ودخلت بعد ما سمعت الاذن بالدخول ...دخلت وقد تغيرت ملامحا تماماً وبدا عليها القلق وقالت فى عجلة كبيرة :
- من فضلك يا دكتور ممكن أستئذن دلوقتى ..جوزى كلمنى وشكله تعبان أوى
قال فارس وهو يضغط جبينه بيده من شدة الألم :
- طيب مستنيه أيه يالا روحى بسرعه ولو محتاجه أجازه مفيش مشكله
قالت بإمتنان وهى تغادر :
- متشكره أوى يا دكتور فارس
غادرت نورا على الفور بينما بحث هو عن دواء لألم الرأس ولكنه لم يجد فنهض فى تعب وأخذ الملف معه وقرر أن يكمله فى المنزل ...
كانت دنيا تجلس أمام التلفاز تتنقل بين قنواته فى ملل وقد تركتها أم فارس ودخلت غرفتها لتنام فهى لم تعتاد السهر الطويل .. أغلقت دنيا جهاز التلفاز وأتجهت لغرفتها وتناولت هاتفها من فوق الطاوله ودخلت غرفتها وآوت الى فراشها ..أستلقت على الفراش وهى تفكر فى حالها وكيف سينتهى زواجها وهل سيطلقها فعلا أم ستتغير الامور أنتبهت على صوت رنين هاتفها النقال ..تناولته ونظرت فيه فزفرت بملل وردت بتثاقل قائلة :
- أيوا
رد المتصل بلهفة قائلاً:
- ايوا يا أستاذه دنيا أنا وائل
قالت بضيق :
- منا عارفه يا وائل خير فى حاجه ولا أيه
قال بشغف :
- قضية يا استاذه أنما أيه هتنقلنا نقله كبيرة أوى
قالت بأزدراء:
- أفندم ؟
أستدرك متوتراً:
- قصدى يعنى هتنقل الدكتور فارس والمكتب نقله جامدة أوى
بدأ الاهتمام يتسرب إلى صوتها وهى تقول :
- نظامها أيه القضية دى
قال على الفور:
- أبن راجل مليادير متهم فى قضية قتل والراجل جاى مخصوص للدكتور فارس وعاوزه يشتغلها بنفسه ومستعد يدفع بدل المليون تلاته
سال لعابها عندما سمعت الرقم وقالت بخفوت :
- وأنت عرفت منين
قال وائل متهكماً:
- يا استاذه انا مفيش حاجه تخفى عليا فى المكتب أومال حضرتك أخترتينى أنا ليه علشان ابقى ايدك اليمين فى غيابك
- طيب متشكره أوى يا وائل
أردف وائل قائلاً بلهفة:
- استنى يا استاذه مش ده كل اللى عندى
أرهفت سمعها له وهو يتابع قائلاً:
- القضية دى أتنشرت فى الجرايد من يومين بس وأنا قريت تفاصيلها كلها ولما شمشمت حواليها عرفت أن فى محضر تحريات وشهود بيدينوا الواد المتهم فى القضية علشان كده انا قلقان أن الدكتور فارس يرفضها ..
سكت ثانية من الوقت وأستدرك قائلا:
- لاء ده انا متأكد كمان انه هيرفضها ولو أتعرضت على الدكتور حمدى هو كمان هيرفضها الواد المتهم شكله مش مظلوم وده اللى مخلينى متأكد ان فارس باشا هيرفض يشتغلها وهيضيع علينا المبلغ المهول ده
تسرب القلق اليها فهى تعرف طريقة تفكير فارس جيدا وتعلم أنه لو وجد المتهم غير مفترى عليه وبأنه قاتل فعلا سيرفض الدفاع عنه مهما كانت الاتعاب مغريه ..فقالت فى توتر:
- طب وانت ايه رأيك يا وائل
لاحت أبتسامة نصر على شفتيه وهو يقول :
- بسيطة يا استاذه ..حضرتك ممكن تاخدى وتدى معاه فى القضية لو لقتيه قبلها خلاص بركه يا جامع لو لقتيه رافض يبقى مفيش غير حل واحد..
- ايه هو ؟!!
- حضرتك تشتغلى القضيه بنفسك
ضحكت وهى تقول :
- أنت بتهزر مش كده ؟..أشتغلها ازاى يعنى وأبو المتهم هيرضى يخلينى أخدها أزاى يا فالح

قال بسرعة:
- يا استاذه القضيه مش محتاجه شغل كتير زى ما أنتى فاهمه ..لو أعتمدنا على شغل المحاماه يبقى الواد هياخد أعدام القضيه دى عاوزه شغل من نوع تانى
قالت بترقب :
- مش فاهمه ...
- شوفى يا استاذه القضية كلها مربط الفرس يها التحريات والشهود ولو تقرير التحريات اتسحب من الملف بصنعة لطافه والشهود غيروا اقوالهم يبقى مفيش دليل والواد هيطلع براءه
قال بحنق :
- وأنت فاكر بقى انى أعرف أوصل للورقه دى و حتى لو عملت كده فارس مش هيسكت ده غير أنه لو رفض القضيه الراجل اصلا مش هيرضى حد مش معروف زى يشتغلها مهما قلناله
نظر وائل للجالس بجواره مبتسماً بأنتصار وقال لها :
- المشكلتين دول محدش هيقدر عليهم غير واحد بس...الاستاذ باسم
أعتدلت على الفراش وكأن حية قد لدغتها وهتفت متسائلة:
- باسم مين ؟..اللى كان معانا فى المكتب ؟
قال وائل مؤكدا:
- ايوا هو ...هو الوحيد اللى فى كان فى مكتبنا ليه معارف كتير فى النيابه ويقدر يخلصلنا موضوع الورقة والشهود وهو برضه اللى هيقدر يلاقى حل لمشكلة الدكتور فارس
صمتت دنيا لتفكر بالامر كادت أن ترفض وتنهى المكالمه على الفور رافضة للعرض والاقتراح ولكن المبلغ المعروض أدار رأسها ..ليس بهين على الاطلاق انه كافى أن يذيب الصخور بينها وبين باسم وينسيها ما فعله بها وما تلاقيه الان بسببه وان يلتقيا من أجله مرة أخرى ..قالت فى تردد :
- طب أدينى فرصه افكر
أنهى وائل المكالمة معها ووضع الهاتف فى جيبه وهو ينظر لباسم الذى كان يقف بجواره ويلقنه بعض الكلمات ..ربت باسم على كتف وائل وهو ينظر امامه بتفكير قائلا:
- برافوا عليك
قال وائل لاهثاً :
- متأكد يا استاذ باسم أنها هترضى
ابتسم باسم وهو يجلس خلف مكتبه ويشبك كفيه فى بعضهما وقال بثقة :
- زى ما أنا متأكد أنك واقف قدامى دلوقتى .... ثم همهم بخفوت
وقال :
- دى تبيع ابوها علشان افلوس
****************************************
أنهت دنيا المكالمة وهى شاردة تماماً وقد ومض فى عقلها صور متتابعه وكأنه شريط سينمائى لليوم الذى هربت من بيتها وذهبت إليه فى مكتبه وما حدث بينهما ...شعرت بغصة فى قلبها وهى تتذكر وحشيته معها ..كيف تعاود العلاقات معه من جديد بعد ما كان ..كيف تحدثه وبأى وجه تنظر اليه وينظر اليها ثانية ..دار راسها أكثر وقد أختلط كل شى أمامها بشكل متناقض لم يخرجها منها الا أن سمعت صوت باب الشقة وهو يغلق بهدوء فعلمت انه حضر..أغلق فارس الباب بهدوء وهو ينظر للمنزل الهادىء حوله فى سكون...فهذا ما كان يحتاجه فى تلك اللحظه .السكون ..جلس على اقرب مقعد ووضع الملف بجواره وأرتمى بظهره على ظهر المقعد وفرك جبينه فى قوة فمازال يعانى من الصداع الشديد ...فى تلك اللحظة خرجت دنيا من غرفتها ونظرت إلى وجهه المتعب فأقتربت منه ومسحت على شعره وهى تقول بخفوت:
- مالك ..مصدع
أدار راسه إليها أومأ ه بدون كلام ...توجهت الى غرفتها وأحضرت له حبة مسكنة ..أعطتها له مع كوب المياه وقالت :
- هروح أعملك كوباية شاى تظبطلك دماغك
وضع كوب المياه بجواره وأغمض عينيه بسترخاء يتلمس قليلاً من الراحة والسكينة محاولا ان يبتعد بذهنه عن الافكار التى أدت به الى هذه الحاله ...وضعت أمامه كوب الشاى وظلت تنظر اليه وهو يرتشف منه ببطء وفى صمت حتى أنتهى منه أن يدور بينهم حديث من اى نوع ... وضع الكوب ونهض واقفاً متوجهاً لغرفته ..دخلت خلفه ونظر غليها مندهشاً وهى تأخذ سترته من يده وتعلقها فى الخزانة فهى لم تفعل ذلك منذ زواجهما وها هى تفعله دون أن يطلب منها مساعدته ... ألتفتت له وقالت مبتسمة :
- تحب أحضرلك العشاء
زادت دهشته ولكنه قال :
- لا مليش نفس يدوب هاخد دش وأقعد اشتغل شويه
أنتظرت حتى أخذ ملابسه ودخل الحمام م أنطلقت الى المقعد الذى وضع عليه الملف ...أخذته بين ايديها وفتحت وتجولت فيه بنظرها بسرعة فتأكدت انه الملف المطلوب وتأكدت من المعلومات التى سربها إليها وائل .. ومن الواضح أن فارس لم يدرس القضية كاملة حتى الان ...تركت الملف ووضعته كما هو وأنتظرته حتى خرج من الحمام وتوجه الى الاريكة وأستلقى عليها ...
وقفت بجواره وقالت بخفوت ورقة:
- أنت شكلك مرهق اوى يا فارس تعالى نام على السرير علشان جسمك يرتاح ..وأستدركت فى حزن :
- ولو كان عليا يا سيدى انا مش هنام دلوقتى
هز رأسه نفيا وقال بصوت نائماً :
- لا متشكر روحى نامى أنتى أنا هغفل ساعه واحده بس وهقوم أكمل شغلى
دخلت غرفتها ولكنها لم تستطع أن تنام كانت تريد ان تخلق معه أى حوار بخصوص القضية ولكنه غير مستعد للحديث على الاطلاق وأى حديث الان سوف يؤدى الى عواقب وخيمة .. تقلبت فى فراشها كثيرا وهى تحاول أن تجد مخرجاً ما .. لابد أن تتودد اليه بالحكمة حتى يأمنها ويتحدث معها بما يجول فى خاطره وبدون قيود ... لم تستطع النوم ابدا ظلت هكذا حتى شعرت بحركته فى الخارج فعلمت أنه استيقظ .. أنتظرته حتى توضأ ووقف يصلى ركعتين خفيفتين قبل أن يبدأ فى العمل ... بعد أن أنتهى أخذ الملف ووضعه على الطاوله وجلس امامه وكأنه أمام لغم يوشك ان ينفجر عند أول لمسة له .. خرجت دنيا من غرفتها وتوجهت للمطبخ مباشرة وأعدت له فنجان القهوة التى يحبها ووضعتها أمامه بابتسامة رقيقة وهى تقول :
- أتفضل
نظر إليها وهو يشعر أن هذا اليوم هو يوم المفاجات فلا داعى للتعجب من شىء بعد ذلك ... جلست أمامه واستندت على راحتيها وظلت تتابعه وهو يقرأ ويتأمل فيقف على معلومه طويلا ثم يتجاوزها الى غيرها يتاملها برفق وكأنه يخشى فقدانها ... رفع رأسه إليها فوجدها تتامله مبتسمة فقال :
- منمتيش ولا أيه
قالت بعذوبة :
- لاء نمت بس صحيت على صوتك وأنت بتقرأ القرآن وأنت بتصلى حقيقى صوتك حلو أوى فى القرآن يا فارس
كان قد عاهد نفسه على عدم الدهشة ولكنه لم يستطع ..رفع حاجبية ومط شفتيه بقوة ثم أعاد رأسه الى الملف وأكمل ما كان قد بدء ..كانت هى تبحث عن كلمات مناسبة لا تستفزه بها وهى تسأله عن القضية حتى لا تشعره أنها تعلم شىء عنها ...تنحنحت فى خفوت ثم قالت :
- شكلها قضية مهمه اللى مسهراك كده
أومأ برأسه ببطء دون أن ينظر إليها وقال :
- فعلاً قضية مهمة
قالت بنرة أنثوية ضعيفة:
- طب ما تشرحهالى يا فارس حقيقى انت خبره كبيرة اوى ونفسى اتعلم منك
نظر اليها ولسان حاله يقول ..
- أى نوع من الاعاجيب يحدث فى هذا اليوم .. ما هذا الهدوء والسكينة والتعاون والتواضع هذه ليست دنيا ابدا
قال باقتضاب :
- دى قضية متهم فيها شاب صغير بقتل واحدة بالعربية بتاعته والشهود بيقولوا انه كان قاصد وانها كانت واقفه على الرصيف أصلا وكمان التحريات بتقول انه كان يعرفها يعنى الحادثه مش صدفه
تيقنت دنيا من كلام وائل أكثر عندما وجدت فارس يتكلم عن القضية وكأنه قد عزم رفضها قالت بحنكه:
- طب والمتهم أعترف ولا قال ايه
هز راسه نفيا وهو يقول :
- بالعكس ده مصمم انه برىء وان الشهود متلفقين والتحريات متلفقة ابوه كمان لما قابلنى قال انه ليه اعداء فى السوق وجايز يكونوا ملبسين ابنه القضيه
نظرت فى عينينه تكاد أن تخترقهما وتتسلل الى عقله لتعرف فيما يفكر وماذا سيقرر وقالت وبلا مبالاة:
- مش جايز فعلا كده
مط شفتيه وهو يقول :
- كل هيتحدد لما اروح اقابل المتهم ثم لمعت عينيه وهو ينظر امامه قائلا :
- انا هقدر اعرف منه هو عمل كده فعلا ولا لاء
قالت بشك :
- وهو يعنى هيعترفلك
أعاد راسه الى الاوراق مرة اخرى وهو ينهى الحديث قائلا :
- سيبيها على الله

************************************

كانت عزة تحضر الطعام بسرعة وتضعه فى الاطباق وتنقلها على الطاولة ضاحكةً وهى ترى عمرو يلكم الوسادة بقوة مرات متتالية فتسقط الوسادة على الارض فيأخذها ويلكمها مرات أخرى ثم يخنقها بيديه بعنف وقد تصبب عرقاً فقالت وهى تجلس حول الطاولة بجواره :
- نفسى أعرف بتعمل ايه
ألتفت إليها وهو يمسح العرق عن جبينه وقال وهو يلهث :
- بتمرن عندى ماتش ملاكمة
ضحكت مرة أخرى وقالت :
- أول مرة اعرف انهم بيخنقوا بعض فى الملاكمة
هز رأسه نفياً وهو يتناول الملعقة قائلا :
- لا ده مش علشان الملاكمه ده علشان لو واحد ضايقنى أخنقه وأخلص منه
وضعت كوب المياه أمامه وهى تقول :
- وهتلاعب مين بقى تايسون
نظر لها بطرف عينيه مازحاً وهو يقول :
- بتقولى فيها انا فعلا هلاعب بلال تايسون
نظرت إليه بدهشة وقالت :
- أيه ده بجد والله ..هى دى مسابقه ولا ايه
وضع الطعام فى فمه وقال :
- لا يا بنتى مسابقة ايه اصلا بلال هو اللى بيمرنى انا وفارس فى مركز الشباب اللى جانبينا
اسنتدت ذقنها على يدها وهى تقول :
- أنا نفسى الاقى حاجه واحده الدكتور بلال مبيعرفش يعملها حتى الملاكمه هو اللى بيمرنكوا
ضربها على كتفها بخفة وهو يقول بحنق :
- ايه يا ماما مالك معجبة بيه كده ليه طب بكره هتشوفى هكسرهم هما الاتنين على حلبة المصارعه
نظرت له بدهشة وقالت :
- هى مصارعه ولا ملاكمة
وضع قطعة من اللحم فى فمها وهو يقول :
- كلى وانتى ساكته يا ذكيه هانم
صمتت قليلاً وهى تنظر له باضطراب ثم تشجعت وقالت :
- عمرو أنا لازم اروح لدكتوره علشان موضوع الحمل
وضع الملعقة فى طبقة ونظر لها معاتباً وقال :
- احنا مش أتكلمنا فى الموضوع ده قبل كده وقلنا نسيبه على ربنا
أسندت وجنتها على راحة يدها وقالت :
- أحنا متفقناش أنت اللى قررت وانا اضطريت اوافق انا مش عارفه انت ليه مش مهتم
أخذ كفها من تحت وجنتها ووضعه بين راحتيه وقال بهدوء :
- بصراحه مش عاوز حاجه تشغلك عنى وعن اهتمامك بيا لوحدى ومدام التاخير جاى من عند ربنا لوحده يبقى خلاص ...حاولت ان تعترض ولكنه وضعه أصبعه على شفتاها وقال :
- انتى مش عارفه يا حبيبتى انا محتاج أهتمامك بيا قد ايه
ومش عارفه أن تفرغك ليا بيحمينى من حاجات شكلها ايه
قالت بتسائل :
- تقصد ايه ؟
قبل يدها وقال مبتسماً:
- مش قصدى حاجه كل الحكايه انى عاوزك تفضيلى أنا وبس ..وأنا ممنعتكيش من الخلفه ..
ووقت ما ربنا يأذن هتحملى ..بلاش نستعجل ..

*****************************************
دخل فارس مكتبه مساءاً فوجد الرجل صاحب القضية فى أنتظاره..صافحه معتذراً عن التأخير واشار إليه بالجلوس ..جلس الرجل ثم نهض مرة أخرى ووضع أمام فارس الاوراق التى طلبها ووضع فوقهم شيك بالاتعاب ..نظر فارس الى المبلغ المدون امامه ثم رفع راسه للرجل وقال :
- أنا قلت لحضرتك انى مش هقبل أى حاجه الا لما اقابل المتهم بعد كده هقرر وبعدين المبلغ ده كبير أوى
قال الرجل بسرعة وبصوت يشبه البكاء :
- فلوس الدنيا كلها فدى ابنى وبعدين انا متفائل ان شاء الله ولما تقابله هتتاكد أنه برىء أنا متأكد
نظر إليه فارس بإشفاق ومد يده بالشيك قائلاً بحسم :
- معلش حضرتك خده ولو وافقت نبقى نتكلم فى حكاية الاتعاب دى بعدين ...أنا هروحله بكره على طول ان شاء الله يعنى الموضوع مش هيتاخر كتير
خرج الرجل من حجرة فارس وقبل أن يخرج من المكتب الخارجى تفاجأ بـ دنيا التى أقتربت منه بتمهل وقالت :
- متقلقش يا فندم ان شاء الله خير
رفع الرجل يده الى السماء وهو يقول بضعف :
- ربنا يسمع منك يابنتى
اقترب وائل منهما وقال للرجل مقدماً له دنيا قائلاً:
- دى الاستاذه دنيا مرات الدكتور فارس ومحامية معانا هنا
قالت دنيا بأهتمام :
- أمبارح الدكتور فارس سهر على القضيه للفجر وتقريبا شبه موافق عليها يعنى حكاية المقابله دى مساله شكليه مش أكتر
نظر لها الرجل بتأثر وقال بأمتنان:
- حقيقى يا استاذة ... مش عارف اقولك ايه طمنتينى ربنا يطمن قلبك
قالت مؤكدة :
- أن شاء الله لما يرجع من الزيارة انا اللى هكلم حضرتك وأحدد مع حضرتك الاتعاب والمعاد اللى حضرتك هتجيلوا فيه
غادر الرجل بعد أن تأكد أن قضيته قد قُبلت بالفعل فها هى زوجته تؤكد له أنه بدا العمل بها فعلاً ...دخلت دنيا حجرتها بعصبية وقلق وألتفتت الى وائل الذى تبعها وقالت :
- وبعدين يا وائل أنا قلقانه أوى أنا كل ده ولسه مش عارفه ايه اللى هيحصل نفرض رفضها فعلا
قال وائل بثقة :


- الاستاذ باسم مستنى منك مكالمه بعد ما تعرفى قرار الدكتور فارس وساعتها هيقولك هيعمل ايه بالظبط.......
------
الفصل الرابع والعشرون
----------






أطل بلال برأسة داخل مصلاها الصغير الذى أتخذته منذ زواجهما مصلى خاص بها فى أحد أركان المنزل الصغيرة فوجدها تسبح بعد أنتهاءها لتوها من صلاة الفجر ..أزاح الستار الذى وضعته عليه ليعطى الركن شىء من الخصوصيه فلا يدخله أحداً سواها ولا يعبث أحد بمكتبتها الصغيرة فيه ..
أقترب منها وجلس بجوارها ألتفتت إليه بابتسامة عذبة فأخذ كفها فى يده وقبل راحتها ثم أكمل تسبيحه على أصابعها هى ..
نظرت له بحب جارف وهو يسبح على أصابعها وفى كل تسبيحة يزداد حبه بقلبها وتتعلق به أكثر وأكثر ..رفعت يدها الاخرى ومررت أناملها على لحيته وخللت اصابعها برفق داخلها فنظر لها وابتسم ثم أقترب منها أكثر وأخذها بين ذراعه وهما جالسان على الارض ثم تناول يدها الاخرى وأكمل التسبيح عليها ..ظلت هى تمرر أصابعها على يده التى تتلمس راحتها برقة حتى أنتهى ورفع راحتها لفمه ليقبلها مرة أخرى بإشتياق ولفها إليه برفق لتكون فى مواجهته وقال بخفوت :
- لسه صاحيه لغاية دلوقتى ليه مش قلتى هصلى وأنام
بادلته همساً بهمس وهى تقول بسكينة :
- كل مرة بقول أذكار الصباح فى السرير بتروح عليا نومه قبل ما أخلصها فقلت اقولها هنا علشان كمان أبقى مركزة فيها ...ثم أردفت متسائلة :
- مش قلت هتدى درس بعد الصلاة
ظهر الحزن على وجهه وهو يقول :
- درس الفجر أتمنع هو كمان مع الاسف ثم أردف متهكماً بسخرية حزينة:
- الرقاصه فى الكباريهات محدش بيقدر يمنعها من اللى بتعمله لكن أحنا لما نيجى نتكلم عن الله يمنعونا ويقفلوا المساجد بعد الصلاة على طول
ربتت على وجنته وقالت بهدوء :
- متزعلش نفسك كده يا حبيبى أنت ناسى حديث الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال :
0 بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا ، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا ، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ
نظر لها وأطل الاسى من عينيه قائلا:
- أحنا بقينا غُرب فى بلدنا يا عبير أول ما الواحد يربى لحيته يبتدى الاضطهاد ويبتدوا يحاصروه فى كل مكان فى المسجد وفى الشغل وفى كل حته تبتدى المضايقات ... كأن التأسى بسنة الرسول عليه الصلاة والسلام بقت تهمة المفروض الواحد يتعاقب عليها
حاولت أن تضفى بعض من المرح عليه فغيرت مجرى الحديث وقالت مداعبة :
- قولى بقى ناوى تعمل ايه النهاردة فى فارس وعمرو
أستجاب لمداعبتها وأبتسم بمرح وقال :
- ناوى أدشدشهم طبعاً
تحسست ذراعيه بإعجاب وهى تقول ضاحكة :
- أنا متأكده أنك هدشدهم بضمير
خلل أصابعه بين خصلات شعرها و همس فى أذنها قائلاً:
- فكرتينى بالضمير ..الولاد لسه نايمين مش كده ...!

**************************************

- طيب هسيبكوا أنا شوية يا متر علشان تعرفوا تتكلموا
قال الضابط هذه العبارة وهو ينهض من خلف مكتبة ويأخذ هاتفه وقبعته العسكرية وأتجه خارج مكتبة ..أنتظر فارس حتى خرج الضابط وأغلق الباب خلفه فألتفت إلى الشاب الذى وقف أمامه مُطرقاً برأسه فى حزن وقال وهو يشير له بالجلوس:
- أقعد يا هانى
جلس هانى ببطء وبدون أن يرفع رأسة أو ينطق ببنت شفة ..تفرس فيه فارس ملياً وقرأ بسهولة تعبيرات الحزن والوجوم فى ملامحة الشاحبة المترقبة ..لايبدو عليه الإجرام أبداً على العكس تماماً وجهة فيه البراءة ما فيه ..حاول فارس أن يقرأ لغة جسده فلكل جسد لغة من الممكن ان تكشف عن مكنونات مشاعرة أثناء الحديث ..صمت فارس برهة من الوقت لكى يجعلة يتوتر أكثر ويسهل أستدراجة وقاطعاً عنه أى اسلوب للمراوغة من الممكن أن يلجأ إليه ثم قال فجأة :
- أنا عارف أنك مكنش قدامك حل تانى ..!!!
رفع هانى رأسه بحذر ناظراً إلى فارس الذى مال للأمام مقتحماً عينيه و تكلم وكأنه رآه يوم الحادث رأى العين وأردف قائلاً بثقة :
- كانت بتهددك ...كنت هتعمل ايه يعنى غير كده ..
حدق هانى فيه مندهشاً وقال متعجباً :
- عرفت أزاى أنها كانت بتهددنى !!!!
قال فارس بهدوء وتركيز :
- أحكيلى كل حاجه وأنا هقولك عرفت أزاى
نظر له هانى وهو يفرك كفيه فى أضطراب وتوتر كبيرين وقال متلعثماً :
- زى ما أنت قلت مكنش فى أيدى حل تانى كانت عماله تهددنى أنها تفضحنى فى كل حته وتقول لابويا وأنا خلاص كنت هتعين فى السلك الدبلوماسى وأى قلق كان هيحصل حواليا كان هيطير منى الشغلانه اللى كنت بحلم بيها طول عمرى...ثم بدأ فى البكاء وهو يرتعش قائلاً :
- صدقنى أنا عمرى ما كنت أحلم أنى أعمل فيها كده بس هى اللى اضطرتنى ..دفن وجهه بين كفيه وهو يرتعش بقوة ويقول:
- أنا مكنش قصدى أموتها أنا كنت عاوزها تسقط بس وخلاص مكنتش أعرف أنها هتموت
سايره فارس فى الحديث وهو يربط على ساقه مهدئاً وقال :
- أهدى بس يا هانى أهدى أنا فاهمك طبعاً بس أنت ايه اللى خلاك من الاول تعرف الاشكال دى يا أخى
جفف هانى دموعه ولكنه مازال يتلعثم وهو يتحدث من فرط الاضطراب فهذه اول مرة يعترف بها بما فعل وقال :
- كانت زميلتى فى الكليه وأعجبنا ببعض لحد ما صارحنا بعض بالحب وكنا متفقين أن محدش يعرف بعلاقتنا دلوقتى وكانت علاقتنا علاقة حب بريئة ..وبعد شويه صرحتنى أنها حكت لاختها الكبيرة وأختها كانت متفاهمه معاها حتى ساعات ..ساعات كانت بتخرج معانا وكانت متصوره كده أن علاقتنا بقت شبه رسمية وبقت مطمنه أكتر معايا ...
فى الاول كانت بتحاسب أوى على كل لمسه بينى وبينها وبترفض لكن بعد ما اختها الكبيرة عرفت ورحبت وهى من ساعتها وهى معتبره علاقتنا رسميه .. وابتدت التنازلات بينا لحد ما حصل اللى حصل ..وجات قالتلى أنها حامل ..وفضلت شهر بحاله أحاول أتهرب منها ..
ألتقط أنفاسه بصعوبة وهو يتابع قائلاً :
- لحد ما هددتنى وقالتلى انها هتفضحنى فى كل حته وتبلغ ابويا ..
أجهش فى البكاء عندما وصل لهذه النقطة وهو يقول:
- مفكرتش معرفتش أفكر فى حاجه غير انى اخلص من تهدديها بس مكنتش اقصد صدقنى يا أستاذ فارس
أغمض فارس عينيه بألم وقد تيقن من أدانتة ..ها هو يتجسد أمامه مثالاً لعقد الحرام عندما يُقطع فتنفرط حباتة حبة تلو الاخرى بسرعة كبيرة لا نستطيع اللحاق بها أو جمعها.. لقد بدؤا بشىء يظنونه تافهاً الزمالة و الاعجاب .. ثم الزنا ثم حمل سفاحاً ثم قتل ...وها هو نموذجاً جديداً لتساهل الاهل فى تربية أبنائهم وبناتهم وتركهن بدون مراقبة بل وترحيب بعضهم بأقامة علاقات الصداقه والحب بين الشاب والفتاة ....
تركه فارس يبكى ويعضه الندم على ما فعل حتى بدأ يهدأ ويسكن جسده المنتفض ثم قال :
- علشان كده أنكرت أنك تعرفها مش كده
رفع هانى كتفيه بحركة عصبية وهو يقول بأنفاس لاهثة :
- اومال كنت هعمل ايه كان لازم أنكر وكدبت الشهود اللى شافوا الحادثة وكدبت أختها لما قالت انها تعرفنى ...خفت يا استاذ فارس خفت اقول الحقيقة خفت يعدمونى
أخذ فارس كفه وقبض عليه بقوة وهو ينظر له بصرامة قائلاً:
- ومخفتش من ربنا ؟! .. إنت ممكن تاخد براءة وبعدين تموت عادى فى بيتك وتروح لربنا كده ..ثم وضع أصبعه على صدره وضغطه وهو يقول :
- هتروحله أزاى بقلبك ده ..هتروحله أزاى وأنت هاتك عرض واحده ومش هى عايشه وبس لاء وهى ميته كمان
حدق فيه هانى فزعاً وهو يقول منتفضاً :
- وهى ميته يعنى أيه
- يعنى أهلها وصاحبها وجيرانها وكل اللى يعرفوها عرفه دلوقتى أنها ماتت وهى حامل وهى مش متجوزه .. يعنى عرضها أتلوث والناس بتنهش فيه حتى وهى ميته .. و بسببك أنت
بدأت دموع هانى تنهمر بشدة وهتف صائحاً :
- أنا تبت لربنا تبت وندمت وربنا هيقبل توبتى انا متأكد
وضع فارس يده على كتفه وهزه بقوة وهو يقول :
- ممكن ربنا يقبل توبتك اه لما تغلط فى حق نفسك وبس ..لكن أنت غلط فى حق أنسانه متعلقه فى رقبتك عمرها اللى راح هى واللى كان فى بطنها وشرفها اللى أتنهش .. يعنى لازم تردلها حقها على الاقل خالص أنك تعترف بغلطك وتتقبل العقوبه بشجاعه مش تنكر وتقول تبت
دفع هانى يد فارس حانقاً وقال :
- أنت عايز منى أيه ..أنت جاى تدافع عنى ولا جاى تلف حبل المشنقة حوالين رقبتى
هز فارس رأسه أسفاً وهو يقول :
- يابنى أنا بنصحك لوجه الله علشان لما عمرك اللى متعرفش هيخلص أمتى ينتهى ..تروح لربك نضيف
قال عبارته الاخيرة وتركه وأتجه لباب الحجرة لينصرف ..ولكنه توقف فجأة عندما سمعه يقول بأنهيار
- أنا لسه شباب هخرج وهعيش حياتى ياما ناس عملت اللى عملته وخرجت وعاشت حياتها
وأستدار إليه متمهلاً وقال :


( وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًاعَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ , ُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ )


ثم قال مردفاً :
- ساعتها هتلاقيها واقفة قدامك عند ميزان أعمالك بتطالب بحقها وتسمع بودنك كلام الله عزوجل وهو يقول :




وفتح الباب وخرج وتركه وحيداً يشعر بظلام قلبه وروحه الاثمة الملوثة .. والمُعذبة ..

***********************************************
بينما كانت أم فارس منشغلةً فى المطبخ تعد طعام الغذاء سمعت طرقاً خفيفاً على باب الشقة فتركت ما فى يدها وأتجهت لتفتح الباب ..أبتسمت وهى تنظر الى مُهرة التى وقفت على أستحياء مطرقةً برأسها وقالت :
- أهلا يا مُهرة يا حبيبتى أتفضلى
قالت مُهرة بخفوت وقد بلغ الخجل منها مبلغة :
- معلش يا طنط مش هقدر أدخل ..
ثم ترددت قبل أن تقول :
- انا بس كنت عاوزه أسأل على حاجه وهمشى على طول
جذبتها أم فارس من يدها وهى تقول :
- تعالى مفيش حد هنا غيرى
دخلت مُهرة وهى تحتضن حقيبة المدرسة بين ذراعيها وأغلقت أم فارس الباب خلفها فوقفت خلفه ولم تتحرك خطوة واحده وقالت بخجل :
- معلش يا طنط بجد مش هقدر أقعد ..
قالت أم فارس وهى تمسكها من يدها وتتجه للمطبخ :
- طب تعالى معايا فى المطبخ قوليلى اللى أنتى عايزاه لحسن الاكل هيتحرق
وضعت مُهرة حقيبتها جانباً ودخلت وتبعتها للمطبخ ..وقفت مُهرة بجوارها تنظر اليها وهى تقلب الطعام فى الإنائين أشفقت عليها من المجهود اليومى التى تقوم به وحدها وبحركة تلقائية تناولت ملعقة خشبية كبيرة ووقفت تقلب الارز مساعدة لها ثم قال :
- فى حاجه يا طنط عاوزه أسألك عليها بس خايفه تقلقى
ألتفتت إليها أم فارس بأهتمام وقالت :
- خير يا بنتى فى أيه؟
ظهرعلى وجهها الاضطراب والتوتر وهى تقول :
- بقالى كام يوم بحلم بكوابيس تخص الدكتور فارس وبقوم من النوم مفزوعه
عقد أم فارس بين حاجبيها وهى تضيف صلصة الطماطم الى اللإناء وقد تسرب القلق لقلبها وقالت :
- يتشوفى أيه فى الكوابيس دى
أضافت مُهرة مرقة اللحم الى الارز وقلبته مرة أخرى ثم وضعت غطاءه جيداً وألتفتت إليها قائلة :
- مش هينفع أحكيه يا طنط علشان مره ..مره الدكتور فارس قالى أن اللى يحلم بحلم وحش ميحكيهوش لحد خالص ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وهو مش هيضره
قالت كلمتها وتوجهت للمكان المخصص للأكواب بحثت بعينيها قليلاً وما لبثت أن وجدت ضالتها ..كوبها المخصص منذ زمن طويل لا يشرب منه أحد غيرها لونه مميز وعليه رسومات كرتونية كثيرة مختلفة أبتسمت وهى تتناوله وقالت :
- مكنتش متخيله أنى هلاقيه
أطلت نظرات الاشفاق فى عينيى أم فارس وقالت بحنان :
- حاجاتك اللى هنا فى الحفظ والصون مهما غبتى هترجعى تلاقيها
لمعت عينيى مُهرة بدمعة قاتلت لاخفائها وهى تتجه للثلاجة ووضعت فى الكوب بعض المياه البارده وما أن أنتهت حتى قالت لها أم فارس :
- كنتى عاوزه تسألينى على أيه يا مُهرة
وضعت مُهرة الكوب على رخامة المطبخ أمامها وقالت :
- الكوابيس دى مش مريحانى يا طنط هو الدكتور فارس عنده مشكله ولا حاجه ..توترت وهى تردف :
- انا والله مش بدخل فى خصوصياته بس أنا بخاف من أحلامى دايما وبصدقها علشان كده بسأل
هزت ام فارس رأسها نفياً وهى تقول مطمئنة :
- محكاش ليا حاجه خالص لو فى مشكله كان أكيد حكالى أطمنى
قالت مُهرة وهى تومىء براسها قلقةً :
- يارب يكون كده فعلا .. معلش يا طنط عطلتك أمشى أنا بقى علشان عندى مذاكره كتير الامتحانات قربت
كادت أن تخرج من المطبخ الا أن أم فارس تذكرت أنها لم تسألها عن أحوالها مع زوجها وخصيصا بعد المشادة التى حدثت بينه وبين فارس فوضعت يدها على كتفها من الخلف وهى تقول :
- استنى صحيح عامله أيه مع جوزك يا بنتى ياترى لسه زعلان ولا خلاص
شعرت مُهرة بالحنق لمجرد ذكر أسمه وقالت بضيق :
- تفتكرى يا طنط أنا ممكن أفكر فى زعله بعد ما كان هيمد أيده عليا بعد أسبوع واحد من كتب كتابنا
عندما وصلت لهذه النقطة سمعت المفتاح يدور فى الباب ويُفتح لتفاجأ بفارس يدخل ويغلق الباب خلفه وقد بدا عليه الارهاق والهم الشديد بعد جلسته مع هانى منذ قليل ..ألتفت بتلقائية لينادى والدته فوجدها تهم بالخروج من المطبخ وقد أحمرت وجنتاها خجلا للقائة فى بيته ...نسى همه وأرهاقه وهو مازال واقفاً مكانه خلف الباب المغلق وتسللت النشوة الى قلبه ... تناولت حقيبتها التى وضعتها سابقاً بجوار الباب بارتباك شديد ووقفت تقول بخفوت :
- أزيك يا دكتور
لم يتنحى جانباً لتخرج إنما ظل واقفاً مكانه .. لا يعلم لماذا تسمرت قدماه وأبت أن تتحرك وقد ارتسمت النشوة والبهجة على ملامحة وقال :
- أزيك أنتى يا مُهرة عامله أيه
تحشرج صوتها وهى تتمتم :
- الحمد لله
كانت تتوقع أن يتحرك جانباً ولكنه لم يفعل ..أقتربت منه والدته وربتت على ذراعه وكأنها توقظة من غفوته وقالت :
- عديها يا فارس علشان متتأخرش على مامتها
ألتفت الى والدته محدقاً بها وكأنه لم يراها الا الان فقط أغمض عينيه وفتحهما ثم تنحى جانباً لتمر من امامه وتحت ناظرى قلبه الذى يقاتل ليزيل الغامامة التى تعصب عينيه فتحجب عن الرؤية الصحيحة لحقيقة مشاعره ... خرجت وأغلقت الباب خلفها بسرعة وصعدت الدرج فراراً ولكن من منا يستطيع الفرار من قلبه ...
تركته والدته وعادت للمطبخ ثانية لتُتمم على الطعام فدخل خلفها ووقف مستنداً بذراعيه على باب المطبخ قائلاً :
- مالها يا ماما فى حد ضايقها تانى
هزت راسها نفياً وقالت :
- لا مفيش دى كانت بتسلم عليا بس
وقع بصره على الكوب الموضوع فوق رخامة المطبخ فأرتسمت ابتسامة واسعة على شفتيه .. تقدم نحوه وأخذه ونظر إليها جيدا وهو يقول :
- طول عمرها مبتحبش تشرب غير من الكوبايه دى
نظرت له والدته بدهشة وهو يتوجه الى الثلاجه ويصب فيها بعض الماء البارد ويشرب بشكل تلقائى ولكن بحماس شديد
أنتهى ووضعها مكانها كما هى وخرج ليبدل ملابسه تحت ناظرى والدته التى كانت تدعو الله بقلبها أن يرزقة راحة البال والقلب ...
بمجرد أن جلسا حول مائدة الطعام قالت والدته :
- أومال مراتك مجاتش ليه يابنى لحد دلوقتى
عقد بين حاجبيه بضيق وقال :
- عاوزه تقعد فى بيت امها يومين
وكأنهما استدعاها حينما تحدثا عنها فلم يكد ينتهى من كلمته حتى سمع رنين هاتفه النقال أخذ الهتف واجابها فقالت على الفور:
- أيه يا فارس قافل تليفونك ليه
ظهرت الدهشة على وجهه وقال :
- أنا مقفلتش التليفون النهارده خالص
تصنعت الدهشة وهى تقول :
- معقوله أومال كان بيدينى مغلق ليه
ثم استدركت وهى تقول :
- أومال أنت كنت فين من ساعتين كده لما كان بيدينى مغلق
- كنت مع المتهم بتاع قضية القتل
أدعت المرح وهى تقول :
- شكلك كده وافقت على القضية
هز رأسه نفياً وهو يقول :
- لاء رفضتها
أبتلعت ريقها بصعوبة فهذا ما كانت تتوقعه الا أنها كان لديها بصيص من الامل فى ان يقبلها ويريحها مما هى مقدمةً عليه .. قالت بتماسك :
- بلغت والده بالرفض ولا لسه
- لا لسه لما أروح المكتب بالليل هخلى السكرتاريه تبلغه علشان يجى كمان ياخد الاوراق بتاعة القضيه
شعرت بالوهن يدب فى أوصالها فهاهى ستضطر ان تلجأ الى أكثر شخص تبغضه على وجه الارض وسمعته ينهى المكالمه قائلا:
- طب معلش يا دنيا هقفل دلوقتى علشان ألحق أخلص غدا وأنزل
قالت بلهفه :
- رايح المكتب بدرى كده
- لالا أنا عندى ماتش كده مع الدكتور بلال وعمرو ويمكن اروح المكتب متأخر شويه ..يلا سلام
أنهى مكالمته بينما قالت والدته بأهتمام:
- ليه يا فارس هتسيبها تقعد لوحدها يابنى فى حاجه مزعلاها ولا ايه ..طب شوف ايه اللى مزعلها مينفعش تقعد لوحدها كده دى دلوقتى بقت يتيمه يا فارس
نظر لها فارس وهو يشعر بالاشفاق تجاه والدته لطيبتها الزائدة حتى مع من يُسيئون معاملتها وقال :
- مفيش حاجه يا ماما هى طلعت فى دماغها النهارده الصبح أنها تروح هناك شويه وصممت .. خلاص براحتها
نظرت له والدته بريبة ثم تذوقت الارز وهى تتمتم بإعجاب :
- والله شاطره
رفع فارس رأسه ناظراً اليها بتسائل وقال :
- مين دى اللى شاطره
قالت والدته وهى تتناول طبقها :
- ولا حاجه مُهرة أصلها نفسها حلو فى الرز
رفع حاجبيه وقال :
- هى اللى عملته ؟!
أومأت برأسها وهى تكمل طعامها دون أن تنظر إليه فقال :
- فين طبق الرز بتاعى يا ست الكل
رفعت رأسها بدهشة وقالت :
- أنت مش قلت بتحب السبانخ مع العيش
مط شفتيه قائلا:
- هجربها مع الرز
نظرت له والدته وهو يأكل الارز بإعجاب شديد وكأنه لم يأكله من قبل فلاحت ابتسامة صغيرة على جانبى شفتيها رغماً عنها ...
وبعد أن أنتها من طعامهما ..أعد فارس الشاى كما يفعل دائماً ...وضع واحدة امام والدته التى قالت :
- أنت هتقابل عمرو والدكتور بلال النهارده
ارتشف رشفة منه وأومأ برأسه قائلاً :
- أيوا عندنا ماتش النهارده بعد صلاة العصر على طول يدوبك أخلص وأرجع أغير هدومى وأنزل على المكتب على طول .....
أنهى فارس أغتساله وبدل ملابسه وأرتدى حلته الرياضية استعداداً لماتش الملاكمة ..

*************************************
نظر باسم لرقم الدنيا الذى تتضىء به شاشة هاتفه النقال بإنتصار وخبث فقد كان متأكداً من أتصالها ولجوئها اليه من أجل المال فلقد صدق ظنه به بل ثقته فى طمعها ... أجابها بترحاب شديد فقالت بإقتضاب وهى تشعر بالتقزز منه وقالت :
- خلصنى وقولى هتعمل ايه فارس هيبلغ الراجل رفضة النهارده
أصابه التوتر والقلق وقال بسرعة وهو يعتدل فى جلسته ..:
- لاء لازم تعطليه النهارده بأى شكل .. مش لازم يكلم الراجل النهارده خالص أنتى فاهمه والا كل حاجه هتبوظ
قالت بتأفف :
- أمنعه ازاى يعنى أنا اصلا فى بيت ماما مش معاه وبعدين انت ناوى تعمل ايه انا لسه معرفش لحد دلوقتى ..
هتف بغضب :
- انتى غبية ولا ايه سبتى البيت ليه دلوقتى
صرخت به :
أنت أيه يا اخى مبتحسش ..انا مش عارفه أنت ناويله على ايه مش قادره أحط عينى فى عينه
أطلت من عينيه نظرات بغض شديده وهو يقول :
- هعدى عليكى بالعربيه دلوقتى هنروح مشوار مهم وهناك هقولك أنا ناويله على ايه بالظبط
ضحكت ضحكة عصبية وهى تهتف :
- أنت عاوزنى أقابلك أنت .. فى حد يروح جحر التعبان مرتين
ضغط حروف كلماته بغل واضح وهو يقول :
- أسمعى بقى ..أنتى وافقتى تتعاملى معايا بمزاجك مره تانيه يعنى لازم تكملى للآخر ومتخافيش يا أموره أنا مش عاوز منك حاجه المقابله هتبقى فى الشارع .. ولو خايفه اوى كده من مقابلتى هقولك هنتقابل فين علشان تطمنى
قالت بسرعه :
- فين ؟
نظر أمامه بحقد دفين وهو يقول :
- مباحث أمن الدولة
أتسعت عيناها رعباً وهى تردد خلفه :
- مباحث أمن الدولة !!!؟
غير نبرة صوته وهو يقول :
- متخافيش أوى كده .. أنا ليا واحد صاحبى هناك هيظبطنا فى الحكايه دى كل اللى عليكى أنك تقدمى بلاغ صغير وملكيش دعوه بالباقى
هتفت ساخطه :
- وهقول ايه فى البلاغ ده واشمعنى انا اللى أقدمه
باسم :
- أنتى مراته يعنى بلاغك هيبقى أهم من عشرين بلاغ تانى متنسيش أحنا عاوزينهم يتحركوا بسرعه قبل ما يتصل بالراجل ويبلغه بالرفض ومتخافيش عليه يا ستى محدش هيلمسه هما بس هيضايفوه عندهم لحد ما القضيه تخلص والفلوس تبقى بتاعتنا
قالت وكأنها منومة وقد أنتزعت ارادتها :
- وهقول ايه فى البلاغ ده
أبتسم وهو يقول :
- هتقولى أنك شاكه أنه منضم لخلية أرهابيه وأنه بيجتمع بناس معينه فى البيت عندكوا وبيتكلموا فى السياسه وحطى أسم اى حد من صحابه ويا سلام لو مربى دقنه
تقطعت أنفاسها وأنقبض صدرها وهى تقول :
- بس أنا معرفش حد من صحابه غير أتنين بس وواحد فيهم مربى دقنه
- ممتاز أوى حطى أساميهم الاتنين
صمتت وقد شعرت أن السماء والارض تلعنها وضاقت بها جدران بيتها وأنقبض عليها فلم تسمح لها بالتنفس فشعرت بأضلاعها تتمزق صارخةً ببغضها تود الهروب ببعضها من بعضها ... لم ينتظرها حتى تستيقظ مما هى فيه وقال بسرعة :
- أنا مش عارف أنتى قلقانه من أيه قلتلك محدش هيلمسه بأى أذى صاحبى اللى هناك أكدلى كده ..كل الحكايه أننا هنكسب وقت لصالحنا مش أكتر من كده ومحدش هيعرف أن أنتى اللى بلغتى ولا حتى فارس نفسه ها قلتى أيه
أبتلعت ريقها وقت أمتقع وجهها بشدة وتحجرت مقلتيها وقالت بصوت مسحوق بأقدام الطمع:
- موافقة

***********************************

وقف بلال على الحلبة وحيداً وهو يلوح لهما بذراعيه تاره ويضرب يديه بعضهما فى بعض تارة أخرى فتصدر قفازات الملاكمة التى يرتديها صوتاً عاليا وهو يهتف بهم :
- ايه محدش قادر يواجهنى ولا أيه
دفع عمرو فارس للحلبة وهو يقول لبلال :
- لالا اوعى يغرك جسمك أنت باين عليك متعرفش فارس ده أيده طارشه
دفع فارس يد عمرو بعيدا عنه ثم صعد الى الحلبة وقال ل عمرو :
- طول عمرى بقول عليك ندل ياض
بدا بلال يلاعبه بمرح شديد ويعلمه بعض الفنون التى تجعله يتفادى الضربات بحرفيه شديدة ولقد كان فارس تلميذ بارع ..تعلم سريعاً وبدا يناوش بلال ببعض الضربات الخاطفة ولكنه لم يفلح فى اصابته الا مرة واحدة ..ألتفت بلال الى عمرو وهو يلوح له بالصعود هاتفاً :
- يالا يا عمرو دورك جه
صعد عمرو على مضض وهو يقول :
- انا لله وانا اليه راجعون الله يرحمك يا عمرو كنت أمور ومسمسم الله يرحمك يا غالى
ضحكا كل من فارس وبلال عليه وتنحى فارس جانباً ليصبح عمرو فى مواجهة بلال ..شعر بلال بالنشوة وهو يداعب عمرو بضربات لا تصل اليه ما جرء عمرو على التقدم وصد تلك الضربات ...بعد قليل وقف بلال بينهما يلعب دور الحكم وبدء عمرو وفارس فى مناوشة بعضهما البعض طالت المناوشات ولكن فارس كان متقدم على عمرو كثيرا فاستطاع أن يوجه له ضربات عدة مما جعل عمرو يشعر باليأس فوجه الى فارس ضربة غير مدروسة لم يراعى فيها المسافة بينهما رغماً عنه فاصابته فى فكه مباشرة وأندفعت الدماء من فم فارس بغزارة
أمتقع وجه عمرو واقترب منه بلال بسرعة يحاول أسعافه حتى توقفت الدماء تماماً جلس عمرو يساعده وهو يعتذر لفارس قائلا :
- انا اسف والله ما اقصد يا فارس معلش أنا غشيم
أعتدل فارس فى جلسته بمساعدة بلال وعمرو وضربه فارس على كتفه بقوة وهو يهتف به :
- يخربيت العمى الحيسى اللى أنت فيه يا أخى هروح شغلى أزاى دلوقتى
ساعده بلال على النهوض وهو يقول :
- لا شغل ايه بقى ده أنت بؤك وارم خالص أرتاح النهارده

****************************************
هبطت دنيا على سلم مبنى مباحث أمن الدولة بعد أن قدمت بلاغها وقالت ما حفظته سابقاً بالاتفاق مع باسم ..ألتفت اليه وهو يهبط بجوارها ونظرت اليه بأشمئزاز وهى تقول :
- المفروض ايه الخطوه اللى جايه
قال باسم وهو ينظر أمامه بتفكير:
- هتروحى البيت دلوقتى وتحاولى تعطليه علشان ميروحش المكتب النهارده
والنهارده قبل الفجر هيعملولوا زياره ليلية
وضعت يدها على صدرها بخوف وقالت:
- بسرعه كده
وقف امام سيارته والتفت اليها قائلا:
- الناس دى مش محتاجه تحريات وجوزك سهل علينا الامر وربى دقنه وده دليل اتهام كافى علشان يبقى ارهابى يا مدام ..هو انتى مش عايشه فى البلد دى ولا أيه

***************************************
عاد فارس للمنزل فى آخر اليوم بعد أن ودعه عمرو وبلال عند باب المنزل وتركاه وأنصرفا ... ضربت والدته على صدرها وهى تنظر لفكه المصاب وقالت بلوعة:
- ايه اللى عمل فيك كده يا فارس
لف ذراعه حول كتفها وهو يقول مداعباً:
- متقلقيش كده يا ماما دى أصابة ملاعب
حاولت أن تتحسس مكان الاصابه قائلة :
- أنا بكلم جد مين اللى عمل فيك كده
حاول أن يضحك ولكنه تالم وقال :
- الواد عمرو الله يخرب بيته ده مش بيلعب ده بيطبش صحيح على رأى المثل ألعب مع اللئيم ومتلعبش مع العبيط
دخلت دنيا المنزل خلفه تماماً وأغلقت الباب خلفها وتبادلا نظرات الدهشه بين بعضهما البعض فقال :
- أنتى مش قلتى هتباتى يومين هناك
قالت :
- رجعت فى كلامى بس أنت مين عمل فيك كده
تركها وأستدار ليجلس على المقعد وقال :
- مفيش دى حاجه بسيطه بكره هبقى كويس ان شاء الله
خفق قلبها هى تقول :
- يعنى مش هتروح المكتب النهارده
أومأ براسه دون أن يتكلم فقالت بسرعه :
- طب خلاص أرتاح أنت وأنا هلبس وأروح دلوقتى وهبلغه باللى أنت عايزه ...
بدلت ملابسها فى غرفتها وهى شادرت الذهن يكاد قلبها أن يقفز من حنجرتها من شدة الخوف من المستقبل نظرت لنفسها فى المرآة فوجدت علامات الريبة تحتل ملامحها وصدق من قال ..يكاد المُريب أن يقول خذونى ...حاولت ان تتماسك وجمدت ملامحها وخرجت من الغرفه ووقفت امامه تنظر اليه كأنها تودعه وقالت :
- انا ماشيه عاوز حاجه
أشار اليها قائلا:
- متنسيش تبلغى السكرتاريه يتصلوا بالراجل صاحب القضية ويبلغوه رفضى علشان يجى ياخد ورق القضيه ويلحق يشوف محامى تانى
أومأت براسها وأتجهت للباب فاستوفقها منادياً :
- دنيا
وقع قلبها أخمص قدميها وهى تلتفت اليه بعينين زاهلتين فقال :
- ساعتين بالظبط وارجعى متتأخريش علشان مترجعيش بالليل متاخر لوحدك
أبتلعت ريقها وهى تسمع كلماته وأومأت برأسها وقالت :
- حاضر

**********************************
ذهبت دنيا للمكتب وحضر اليها وائل وأتفقا على تنفيذ الخطوات الاحقة .. ستتصدر هى القضية وسيتولى هو وباسم أمر الشهود وأمر ورقة التحريات التى ستُنزع من ملف القضيه لتصبح منعدمة الادله ....
خافت دنيا أن تعود للبيت وهى تعلم ما سيحدث قبل الفجر بدقائق أتصلت بوالدة فارس وابلغتها أنها ستضطر الى الذهاب لشقة والدتها لانها قد نسيت هاتفها وبعض اشياءها الخاصه هناك وربما ستضطر للمبيت هناك ... لم تُقظه والدته لتُخبره بامرها وعزمت أن تخبره فى الصباح خوفاً من ردة فعله وهو منهك ومصاب هكذا ...

دقت الساعة الثالثة بعد منتصف الليل وقبل الفجر بقليل ولكنها لم تدق وحدها لقد تبعتها دقات عنيفة على باب المنزل ..أستيقظ فارس فزعاً وكذلك والدته ولكن الدقات لم تنتظرهما كُسر الباب عنوة ليدخل زوار الفجر الى المنزل بإندفاع محطمين ما فيه يبحثون عن أى شىء يدينه ظل يصرخ بهم وهو يحمى والدته بذراعيه :
- أنتوا مين وبتفتشوا على أيه وفين أذن النيابه
خرج أحد الرجال من المطبخ وهو يرفع سكينة كبيرة قائلا :
- لقيت سكينة دبح كبيرة يا فندم وورق ألمونيوم
هتفت والدته :
- وفيها ايه دى حاجات المطبخ
خرج رجل آخر من الشرفه وهو يقول لنفس الرجل :
- لقينا تراب فيه حبات ظلت صغيره يا فندم
تناول الرجل الذى كان يلقى الاوامر للجميع الاشياء الثلاث وقال موجهاً كلامه لفارس :
- رمل وظلت وورق المونيوم ..أنت بتصنع قنبله يديويه فى بيتك ولا ايه
أدرك فارس أنه مأخوذ لا محاله وأن دفاعه عن نفسه لن يجدى فقال بهدوء :
- ده مش رمل ده تراب بنزرع بيه فى البلكون قصارى الزرع بس أنا عارف أنه هيتكتب رمل
أومأ الرجل برأسه ساخرا وقال :
- شاطر ثم صرخ فى الموجودين جميعاً ...خدوووه
**************************************
وقف بلال يسد باب غرفة نومه بعد أن هتف بزوجته آمرا بارتداء ملابسها فورا وباقصى سرعة ارتدت عبير ملابسها وهى تصرخ به :
- مش معقوله هيدخلوا عليا الاوضه وانا كده
صرخ بها :
- البسى بقولك بسرعه دول معندهمش دين ولا نخوه
وبسرعة البرق وقبل أن يتكاثر عليه الرجال ويدفعوه بقوة ليدخلوا غرفته كانت قد وضعت نقابها على وجهها ..دفعهم وهو يمر من بينهم ليحميها منهم وهم ينقضون على فراش السرير ليمزقونه بالمطواة ويخرجون ما به ويقلبون الخزانات والملابس التى بداخلها فيمزقونها عنوة واذا وجدوا ذهبا أو مالا وضعوه فى جيوبهم كأنهم لصوص ..لصوص الفجر ..أحاطها بذراعيه هى ووالدته وابناءه ..لقد كان كل همه أن لا تنكشف زوجته ولا أمه على أحد منهم ..
وعبير تردد بجسد مرتجف وهى متشبثة به :
- اللهم أكفيناهم بما شئت وكيف شئت ...
وبعد أن أنتهوا تكاثروا عليه مرة أخرى ليأخذوه معهم ....لم يكن بلال بالشخص الهين ابدا ولكن الكثرة تغلب الشجاعه حاولت والدته أن تتشبث به تمنعهم ولكنهم لم يراعوا حرمة ولا أمرأة عجوز ... دفعوها بمنتهى العنف وهم يقذفونها باقذع الالفاظ لتسقط على راسها مغشيا عليها فى الحال وخرجوا وتركوا البيت فى حالة دمار ..أمرأة مغشياً عليها واخرى ترتعتش وتنتفض وتنتحب زوجها وحبيبها وأطفال يصرخون ابيهم ...

أما عند عمرو فلم يكن الامر بأقل منهما شئنا ,, دمارا فى كل مكان وأثاثاً مبعثر وممزق فى كل مكان ومحطم وأمرأة خلفٌَها زوجها صارخة باكية جزعة تنادى على زوجها فلا تجد من يرد النداء ..
-----------
يُتبع


__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب
  #15  
قديم 02-22-2018, 05:50 PM
 

الفصل الخامس والعشرون
---------------








كيف تنام العيون وقد فقدت كل الاحبة فى ليلة واحدة ...كيف ترتاح القلوب بين الصدور اللآهجة ...
ألتف الجميع حول النساء الثكالى فى بيت أم فارس محاولين أن يخففوا عنهم ولكن كيف السبيل لذلك ...
دفنت مُهرة وجهها فى صدر أم فارس تبكى وهى تستمع لكلام عزة وعبير عن ما حدث معهم هم ايضا فى بيوتهم قبل الفجر
كل منهم تبكى دماً بعد أن جف نبع دموعهن ,, الناظر اليهن لا يعلم من يواسى من ومن يطمئن من ومن يربت على كتف من ..
الجميع مكلومين فى أحبائهم كل منهن تحتاج الى صدر حنون يضمها ويطمئنها على رفيق دربها
ولقد كانت مُهرة هى ملهمتهم فى ذلك عندما ألقت نفسها بين أحضان أم فارس تبكيه وتخفف عنها فى نفس الوقت ..
كذلك فعلت عبير عندما ألقت نفسها فى حضن أم بلال وكذلك فعلت عزة وهى بين ذراعى أم عمرو وكأنهم بهذه الاحضان
يتساندون ويشدوا أزر بعضهم البعض فالمفقود واحد .. ألتف حولهن بعض الجارات يستمعون لماساتهم محاولين التخفيف عنهم ومواساتهم ببعض كلمات الصبر ...بينما ذهب الرجال يبحثون عنهم فى كل الاقسام وبنايات أمن الدولة المبعثرة فى كل مكان فى بلدنا
وفى النهايه عادوا بخُفى حنين ..
لاشىء غير موجودين فى أى مكان بشكل رسمى
وقف والد عمرو على باب شقة أم فارس من الخارج هو وبعض الرجال وقال بغضب وهو يكاد يمنع نفسه من البكاء بصعوبه
هاتفاً :
- لفينا الاقسام كلها وروحنا كل مبنى بيقولوا عليه بتاع أمن الدوله وبرضه مفيش حس ولا خبر عنهم هما التلاته
هيكونوا ودوهم فين يعنى
رد والد عزة بحنق :
- للدرجادى أى حد يتاخد من بيته بسهوله كده ويختفى ومالوش اثر أحنا فى مصر ولا فى شيكاغو
تدخل محمود أخو عمرو قائلا :
- أنا عارف كل ده ليه علشان اصحابه مربين دقنهم

أجابه يحيى :
- طب وأيه المشكله يعنى
قال محمود :
- المشكله ان اى واحد مربى دقنه يبقى أرهابى وش
هتف مينا أبن العم عامر جارهم قائلا:
- يا سلام طب ما أحنا عندنا القس مربى دقنه هو الموضوع بالدقن يعنى
تمتم محمود حانقاً :
- يا عم انتوا مسيحين أحنا بنتكلم على المسلمين دلوقتى
قال عامر بحزن :
- يابنى انتوا جرانا من زمان وعمرنا ما شوفنا منكم حاجه وحشه فارس وعمرو وصاحبه بلال
اللى زى المرهم ده يتعمل فيهم كده ليه أرهاب ايه وبتاع ايه الارهاب ده مبنشفهوش غير فى الافلام والمسلسلات
ربت الحج عبد الله على كتف عامر وهو يقول مؤكدا :
- معاك حق والله يا عامر متزعلش من محمود ميقصدش

نظر له عامر وقال متفهماً :
- بالعكس يا حج عبد الله كلام محمود خلانى أفهم حاجه كانت غايبه عنى ويمكن غايبه عن ناس كتير زينا ..
لما يقبضوا على مسلم مربى دقنه ويقولوا عليه ارهابى وفى نفس الوقت المسيحى اللى عاوز يربى دقنه ويترهبن
يبقى براحته ومحدش يقدر يكلمه يبقى هما قاصدين يكرهونا فى بعض هما اللى بيزرعوا بذرة الفتنه الطائفيه فى البلد
وبيروها بافعالهم دى اللى ميرضهاش اى دين ....
قال والد عمرو مقاطعاً :
- طب دلوقتى هنعمل ايه هندور فين ولا هنلاقيهم ازاى بس يا ناس
أنتبه يحيى فجأة وقال :
- الله هى مش مرات الاستاذ فارس محاميه أكيد هى ممكن تعرف تتصرف هى والمحامين اللى فى مكتبه
تقدم والد عمرو بسرعة وطرق باب الشقة المفتوح وهو يقول :
- يا ست أم فارس أومال مرات الاستاذ فارس فين أكيد هى محاميه وهتعرف تتصرف
رفعت عزة راسها من صدر أم عمرو وقالت بلهفة :
- ايوا يا طنط الله يخليكى هى فين يمكن تعرف تلاقيهم
صوب الجميع نظره اليها حتى مُهرة رفعت راسها تنتظر جوابها فقالت وهى تمسح دموعها بكلتا يديها :
- مردتش أتصل بيها وهى لوحدها وابلغها أتلهيت فى اللى حصل وخفت اقولها وهى لوحدها يحصلها حاجه
كلمتها بس وقولتلها تيجى ضرورى ومش عارفه اتاخرت ليه لحد دلوقتى ؟!
أستندت عبير الى ظهر أريكتها وأغمضت عينيها المتورمتين من البكاء فى حسرة وقد لاحت صورته فى عقلها وومض به قلبها
وهى تستمع اليه وهو يقول لها بمرح :
- أوعى تاخرى الصلاة مره تانيه فاهمه ولا افهمك بطريقتى

وجدت الابتسامة المتألمة طريقها الى شفتيها وهى ترى ملامحه المداعبة لها وهى تتذكره وهو يداعب أطفاله بشغف طفولى
ويجرى بينهم وهم يحاولون أمساكه ولا يستطيعون فيقفز ليعبر واحدا ويلتف حول الاخر بخفه ويجرى من الطفلان الاخران بسرعه
ليدور حول المائدة
وهم يدورون خلفه وهم يتضاحكون ويسقطون من فرط ضحكاتهم المجلجلة قبل أن ينجحوا فى الامساك به اخيرا فيتكاثروا عليه
ويتصنع هو السقوط فيتكالبون فوقه وهو يصرخ بمرح مستنجداً بها أن تنقذه من بين براثنهم ...
فرت دمعة من عينيها وأعتصر قلبها من الألم ...
دخلت دنيا شارعهم وهى ترتدى نظارة سوداء تخفى بها عينيها وجزء كبير من وجهها ومرت بين نظرات الناس حولها المشفقة عليها
ومما حدث لزوجها فجراً .. صعدت الدرج فى أضطراب وهى ترى الرجال مجتمعين أعلى الدرج أمام شقة زوجها ...
تنحوا جانباً عندما رأوها وهو يقولون :
- قلبنا معاكى يا بنتى
عبرت من بينهم ودخلت الشقة لترى هذا الجمع الغفير من النساء وترى مُهرة بين ذراعى أم فارس
وعيناها تكاد تختفى من كثرة البكاء ودموعها التى لا تجف ابدا ..كان الوضع اشبه بمأتم أجتمعت فيه النساء فقاالت فى تلعثم :
- خير فى ايه يا طنط ايه اللى حصل
نظر لها الجميع بإشفاق حتى مُهرة نظرت لها برحمة وشفقة وهى تتوقع رد الفعل بعد علمها بما حدث ...
وقفت ام فارس واقتربت منها وهى تبكى وقالت :
- فارس خدوه يا دنيا دخلوا علينا قبل الفجر وخدوه من وسطينا
قالت باضطراب وهى متوترة :
- هما مين دول

نظر لها الجميع بدهشة كبيرة فرد فعلها لا يتواكب مع ما تسمع من والدته بينما قالت ام فارس :
- بيقولوا مباحث امن الدولة يابنتى ومش هو وبس لا كمان خدوا عمرو وبلال معاه
كان لابد أن تظهر بعض رد الفعل والا شك بها الجميع فتصنعت البكاء ولكنها لم تخلع عنها نظارتها السوداء
حتى لا يعلم الجميع بخداعها ..استندت الى الحائط وأخذت تشهق بقوة وهى تضع يدها على فمها ..
ربتت أم فارس على كتفيها وهى تقول :
- امسكى نفسك يابنتى ده انتى اللى المفروض تقوليلنا نعمل ايه أحنا مش لاقينه فى اى حته
تماسكت دنيا سريعاً وتناولت منديلاً لتجفف دموعها التى لم تنزل أصلاً وهى تقول :
- معاكى حق يا طنط أنا هدور عليه فى كل حته لحد ما الاقيه عن اذنكم وخرجت سريعاً وهى تشعر ان بكائهم قد اصبح لعنة
تطاردها اينما ذهبت .. نظرت النساء الى بعضها البعض متعجبةً من رد فعلها ولكن عادوا الى ما كانوا عليه منذ قليل ..
كلَ يبكى على ليلاه ......


********************************************

عادت دنيا إلى بيت والدتها وأول ما فعلت أجرت أتصالاً هاتفيا بباسم الذى اجابها فى سئم شديد :
- أيوا يا دنيا خير ؟
قالت فى سرعة :
- عاوزه أطمن عليه وأطمن أمه
زفر فى ضيق وقال حانقاً :
- هو طلع رحلة يا دنيا وعاوزة تطمنى عليه ..أنتى عارفه كويس هو فين ولا ناسيه
هتفت بغضب :
- أمه هتموت نفسها عليه حرام عليك
صاح غاضباً :
- هتعمليلى فيها حنينه ياختى ولا أيه ولا تكونى ناسيه أنك أنتى اللى بلغتى عنه ياام قلب حنين
تحشرج صوتها وقالت ببكاء :
- عارفه أنى أنا اللى أتزفت وبلغت بس عاوزه أطمن أمه وأطمن أنا كمان أنت وعدتنى محدش هيأذيه
رفع حاجبيه مندهشاً من كلامها الذى هو عكس تصرفاتها تماماً وقال ساخراً:
- والله أنتى لُغز يا دنيا طب لما أنتى قلبك عليه كده وافقتى ليه من الاول
هتفت باكية :
- علشان هو اللى اضطرنى لكده بغباءه ومثاليته الزايدة فاكر نفسه عايش فى الجنه

صمت باسم قليلاً ثم قال بهدوء حاسم :
- بصى يا دنيا أنا هتكلم فى الموضوع ده لاخر مرة علشان زهقت منه ومش عاوز وجع دماغ تانى ...
فارس هيفضل فى المعتقل لحد ما القضيه تتقفل وتخلص خالص يعنى اربع خمس شهور بالكتير
وصلى الكلام ده لاهله بطريقتك المهم متوجعليش دماغى تانى فاهمه
أبتلعت ريقها بصعوبه وهى تحاول تنظيم أنفاسها وهى تمسح دموعها بتوتر وقالت :
- طب وهنعمل ايه فى القضية
رفع حاجبية متهكماً وقال :
- ايوا هو ده المهم دلوقتى كده أنتى دنيا اللى أنا أعرفها ...ركزى معايا كده وفتحى مخك ...
أستمعت إليه بإهتمام وتركيز وهو يقول :
- أولا مفيش مخلوق فى المكتب عندكوا هيعرف بحكاية الاعتقال دى ولا حتى الدكتور حمدى وكويس أن نورا أجازه
علشان هى اللى هتعمل قلق ومكنتش هتسكت دلوقتى انتى المسؤله عن كل حاجه فى المكتب وده فى صالحنا
علشان كده عاوزك اول حاجه تعمليها أول ما تروحى المكتب النهارده ... تكلمى الراجل صاحب القضيه وتبلغيه ان فارس طالب نص الاتعاب
على الاقل دلوقتى وبعد ما توصلك الفلوس هقولك الخطوه اللى بعدها
قالت معترضة :
- لاء لازم أعرف كل حاجه دلوقتى

زفر بقوة قم قال بملل :
- هقولك ..أنا خلاص وصلت لسكرتير النيابة اللى هيسحبلنا الورقه المطلوبه من ملف القضية قبل ما تروح على المحمكة وهتفاوض معاه النهارده على المبلغ اللى هياخده ... ومش كده وبس ..أنا كمان وصلت لشهود الاثبات وبرضه هتفاوض معاهم على المبلغ ..
والفلوس اللى هتاخديها من الراجل فى اقرب وقت هنكيشهم منها .. وكده لا هيبقى فيه دليل ولا شهود والحادثة هتبقى قضاء وقدر
ومش مقصودة والواد يطلع من عقوبة القتل العمد وبعد كده ممكن نفاوض أهل القتيله لما يبقوا فى موقف الضعيف
وممكن ساعتها يتنازلوا بقرشين وتبقى القضيه بخ.. فهمتى؟
قالت بشك :
- طب ماهو محامى البنت اللى ماتت ممكن يقدم فى المحكمة صورة من الورقه اللى هتتاخد دى وساعتها يتهمونا بالتزوير
قال بثقة مخلوطه بالسخرية :
- وأنتى يعنى فاكره أن حكايه زى دى تعدى عليا ..
المحامى بتاعهم أطلع على القضيه بس ومصورش منها نسخه يعنى مفيش فى ايده ورقة ضد يتكلم بيها ..فهمتى يا فالحه

أعتدل فى جلسته ولمعت عينيه بخبث وهو يقول :
- ومذكرة المرافعة انا اللى هكتبهالك وهتحفظيها زى ما هى كده علشان تجلجلى بيها المحكمة
ولما الحكم يتغير شوفى بقى ساعتها أسمك هيلمع أزاى ..
لمعت الفكرة فى راسها فلقد عرف باسم كيف يقضى على النبضة الاخيرة من نبضات ضميرها ..
تخيلت حكم البراءة وكيف سيلمع اسمها بعد ذلك فى سماء المحاماه لتتهافت عليها القضايا كما حدث مع فارس
ويقصدها الناس ولكنها لن تفعل مثله لن تعيش بمثاليته التى دمرته وستدمره سيكون الحكم الوحيد فى قبول اى قضية هو الاتعاب
فقط ليس إلا ..
وستخطو فى نفس طريق باسم فى حل القضايا الشائكة ... وضعت الهاتف بجانبها وقد نسيت تماماً أمر فارس
ولم تعد تذكر الا مستقبلها فقط ..والذى ستجنيه من خلفه


*******************************************

حل المساء على النساء وحالهن هو البكاء .. لا يزلن مجتمعين فى بيت أم فارس ما بين متضرعة وباكيه ومنهارة .
.مُصابهن واحد بتلمسن أى خبر ولو غير مؤكد أى شىء يطمئنهن على الازواج والاحبة ورفقاء الدرب ولكن لاشىء ..
كأنهم أختفوا وذهبوا جميعاً ..خلف قرص الشمس ..ولم يعثروا على أجابة شافية من أى جهة ..
الاجابة الوحيدة التى وجدوها كانت عن طريق دنيا
بعد أن ابلغتهم بها فى الهاتف وقالت :
- عرفت أنهم فى المعتقل بس لسه مش قادرة أحدد مكانهم بالظبط ولا حتى قدرت أعرف تهمتهم ايه ..
ثم أردفت وكأن أمرهم لا يعنيها :
- انا هفضل بقى فى بيت ماما لحد ما نعرف طريقهم هناك بتحرك اسرع ..سلام

وقبل منتصف الليل بقليل نهضت أم عبير وهى تمسك بيد أم بلال قائلة :
- يالا يا حجه أحنا هنروح تعالى معانا
قالت أم بلال وقد بلغ منها التعب والحزن مبلغهم :
- مينفعش يا أم عبير أنا هروح البيت

قالت أم عبير بتصميم:
- لاء هتروحى لوحدك فى البهدله اللى حصلت دى أزاى طب على الاقل باتى معانا النهارده
تدخلت عبير وقالت لوالدتها :
- معلش يا ماما انا كمان هروح بيتى ..ثم نظرت امامها فى شرود وتصميم وهى تقول :
- بيت بلال ميتقفلش أبدا مهما حصل
ذهب الجميع وتركوا أم فارس وحدها على وعد اللقاء فى اليوم التالى لبداية رحلة بحث جديدة ...
ذهب الجميع وبقيت مُهرة بجوارها بعد أن قالت أم فارس لوالدتها وهى تتشبث بها فى حضنها :
- سيبيها معايا النهارده يا أم يحيى

أغلق باب الشقة عليهما وحدهما ..ظلت مُهرة بحضنها تتلمس فيها رائحتة بينما ظلت أمه متشبثةً بها تتلمس فيها حبيبة قلبة ...
رفعت مُهرة راسها قائلة :
- يالا يا طنط قومى أرتاحى فى أوضتك شويه أنتى شكلك تعبانه أوى
نهضت أم فارس بمساعدتها ولكنها قالت :
- لا انا عاوزه انام فى أوضة أبنى ثم عادت للبكاء مرة أخرى وهى تقول :
- وحشنى أوى يا قلب أمه
أنهمرت الدموع من عينيى مُهرة وهى تحاول تهدئتها وتقول بصوت متقطع:
- كفايه بقى أنتى كده هتتعبى بزيادة وكمان مخدتيش الدوا النهارده ..

.أخذتها مُهرة الى غرفته كانت مبعثرة أشيائها واثاثها نتيجة الاقتحام الغاشم المباغت ..
عدلت مُهرة من وضع الفراش وساعدتها على الاستلقاء فيه
وجلست بجوارها وهى لا تعلم هل تداوى جرح والدته ام تداوى جرحها الغائر ..

تناولت والدته الدواء من يدها وأغمضت عينيها بعد أن شعرت ان سقف الغرفة يدور حول نفسه وراحت فى سبات عميق ..
ظلت مُهرة تنظر حولها تتلمس أشيائه المبعثرة فى تأثر ودموع صامته حتى غابت عن الوعى
وهى تجلس على مقعده خلف مكتبة الصغير ..أبت أن تنام على فراشه التى تقاسمه فيه أمرأة أخرى
خافت أن تشتم رائحتهما معاً ممزوجة فى بعضهما البعض ..
كانت تعلم أنه لايسمح لاحد غيرها بأن يعبث بمكتبة لذلك فضلت أن تنام خلفه وهى متأكدة أنه لم يلمسه بعده سواها...

******************************************

لا يستطيع أن يتكلم أحد عن الظلم الا من ذاق مرارتة ولا يقدر أحداً على وصف الظلام الا من عاش فيه ...
كانت غرفة اقل ما يقال عنها نتنة الرائحة تفوح منها رائحة النجاسة لا يوجد ولا حتى نافذة صغيرة لا يوجد
الا بصيص نور صغير يأتى من اسفل عقب الباب الحديدى لا يصدر عنها سوى صدى صوت الانين الهامس
والتأوهات الخافتة التى تخشى من الظهور رغم عِظم اللآلم...
والصمت هو سيد الموقف ... لا يقطعه سوى تمتمت بلال لبعض آيات القرآن الكريم ... همس عمرو فى أذن فارس
قائلا:
- أحنا هنا من أمبارح ومحدش قالنا تهمتنا ايه ولا حد عبرنا

مال فارس على أذنه وقال همساً :
- شكلنا كده مش جايين هنا رسمى والا كانوا حققوا معانا
شق الصمت صرير المزلاج الحديدى وهو يدور ليفتح من الخارج ويُرمى على الارض شخصاً آخر لا يعرفونه.. شهق الجميع
وأنتفضوا عندما دققوا النظر به ..لقد كان عارياً تماماً كما ولدته أمه ومؤخرته تنزف دماً ...
كان الرجل يأن أنات متواصلة دون أنقطاع وهو مازال مكانه لم يتحرك ..
تردد بلال قليلا ثم اقترب ببطء وهو يتفحص وجهه فوجده متورماً تماماً حتى أنه لا يستطيع لاحد ان يتعرف على ملامحه أو يميزة ...
حاول بلال مساعدته ولكن الرجل أنتفض للمسته لذراعه ثم زحف الى ركن من اركان الزنزانة بعيدا عنهم وظل يبكى
ويأن ويبكى عرضه المنتهك حتى أنقطع صوته تماماً فظنوه قد نام من التعب من شدة التعذيب ...

أنتفض عمرو وقد أدرك أنها النهاية ..حاول بلال أن يسرى عنهم
وقال :
- متخافش كده يا عمرو أحنا مش متهمين فى حاجه
نظر اليه فارس
وقال بحدة :
- يعنى المسكين ده كان متهم فى ايه يعنى يا بلال هى وصلت للدرجادى
شق الصمت الغرفة صوت آخر ولكنه آتى من الخارج ... صوت صياح رهيب وأصوات تصرخ وتستغيث شق سمعهم
وأنتفض له قلوبهم وخصيصاً أنهم استطاعوا تميبز أصوات نساء تصرخ صرخات غير منقطعة وتستغيث ... هب عمرو واقفاً بحركة لا ارادية
وهو يقول :
- ده صوت ستات فى هنا ستات كمان بتتعذب ..أنتفض قلب كل واحداً منهم وقد حل فى عقولهم صور زوجاتهم ..
كان هذا هو العذاب الحقيقى كل رجل منهم يتصور أن زوجته من بين النساء التى تصرخ فى الخارج وهو مكبل
لا يستطيع الفكاك للذب عنها لا يستطيع أن يحمى شرفها
من الانتهاك ..
أنتفضت قلوبهم مرة أخرى عندما دار المزلاج ثانية ودُفع داخل الحجرة رجلين آخرين سقطا على الارض فور دخولهما
من شدة العذاب ... حاولوا مساعدتهما على الجلوس وتفقد جراحاتهما وكل رجل منهم يبكى من شدة التعذيب كالنساء ..
الا رجل واحداً كان صامدا رغم انه كان أشدهم عذاباً ولم يكن لسانه يفتر ابدا عن قول لا اله الا أنت سبحانك انى كنت من الظالمين ...
هدأت الاصوات فى الخارج ولم يعودوا يسمعون شيئاً فهدأت نفوسهم قليلاً..
نظر أحد الرجلين الى الرجل المعرى فى ركن الزنزانه وبكى
وهو يقول :
- لا حول ولا قوة الا بالله أغتصبوا زوجته قدامه وأغتصبوه قدامها وهما بيضحكوا وبيهزروا مع بعض

أنتفض عمرو وفارس وبلال مرة اخرى وأهتزت أجسادهم بعنف وهم يسمعون عن اغتصاب النساء أمام أزواجهن
نكاية بهم وفرطاً فى تعذيبهم ... نظر ثلاثتهم الى الرجلين وقال لهما فارس:
- أنتوا تهمتكوا أيه
قال رجل الاول بخفوت :
- أنا أصلا مش من القاهره أنا من سينا عندى محل تصليح غسالات من يومين لقيتهم هجموا عليا وقلبوا المحل
وغمونى وخدونى فى عربية ولقيت نفسى هنا قدام الظابط وواحد تانى بيقولوا عليه وكيل نيابه هتف فارس فجأة عذبوك قدام وكيل النيابهاومال مين اللى بيطبق القانون
أجابه الرجل :
- قانون مين يا استاذ ,, وكيل النيابه هنا زيه زى الظابط اللى بيعذب بالظبط
ثم اردف قائلا :
- وكل اللى طالع عليهم مين اللى اشترى منك التايمر من يومين ..اقولهم انا بصلح غسالات وطبيعى اى حد يشترى تايمر غساله من عندى ..يقولولى أنت كداب يابن ال ـــــــــــــــــ وفجأة لقيت الظابط ولع سيجارة وقالى لو السيجاره دى خلصت من غير ما تعترف
هتكره اليوم اللى اتولدت فيه .. فضلت احلفله مفيش فايدة لحد ما قام من ور ا مكتبه وقالى أنا هعرفك مين هاروون باشا
وبعدين ندى على المخبر وقالوا حضرلى التونيك
قال عمرو :
- ايه التونيك ده
أجابه الرجل :
- ده الجهاز اللى بيصعقونا بيه بالكهربا
وفضلوا يعذبوا فيا بالكهربا وانا عريان وفى الاخر ... ثم اشار للرجل الاخر وقال لقيت الراجل ده جايبينه
برضه متغمى وبيقولولى هو ده اللى اشترى التايمر منك ؟..بصتله كده وقلت لاء نظر لهم الرجل الاخر وقال :
- انا اصلا من القاهرة اللى هيودينى سينا علشان اشترى تابمر غساله
خدونى من بيتى من وسط ولادى وشدوا النقاب من على وش مراتى وكانوا عاوزين يعتدوا عليها قدامى لولا ستر ربنا وكل اللى طالع عليهم أنت بتصلى الفجر فين وسايب دقنك ليه زى ما تكون صلاة الفجر تهمه ودقنى جريمه ...
فضلوا يعذبوا فيا اربع ساعات كهرباء ولما عرفت أنطق قلتلهم عاوز اصلى وقف الظابط قدامى وقالى انا القبلة صليلى ...
قول سبحان هارون وبحمده سبحان هارون العظيم ....فضلت ابكى واقوله خاف ربنا ..يقولى ربنا مين مسمعتش الاسم ده قبل كده ..
تابع الرجل الاول حديثه قائلا :
- كان حلقى بيتقطع من كتر التعذيب قلتلهم عاوز اشرب رد عليا واحد منهم قالى مينفعش يا حبيبى أحنا خايفين عليك
أنت متوصلك كهربا فشر السد العالى لو شربت هتموت..أول مرة أحس ان روحى بتطلع وترجع تانى مكانها وهما معلقنى على العروسه بتاعتهم

أردف الرجل الاخر :
- أنا لقيوا عندى سيديهات عن الويندوز وتصليحه والبرامج ولقيت وكيل النيابه وهو بيقرا عناوين السيديهات بيقول للى بيكتب جنبه ..
انهم لقيوا سيديهات عن ازاى تركب قنبله وتفجرها عن بعد ومرسومات لكنسية ازاى تتسلق وتدخل تحط قنابل
فى اماكن محدش يكتشفها ..وفضلوا يكهربونى لحد ما أغمى عليا خمس مرات ورا بعض
أنتفضت أجسادهم مرة اخرى عندما سمعوا صوت الباب يفتح من جديد وكانوا يظنون أن هناك المزيد من المعذبين
سيدخلوا عليهم ولكن هذه المره سمعوا صوت ينادى اسمائهم الثلاث ...بلال ..فارس ...عمرو

نظروا الى بعضهم بعضا وكأنهم يودعون بعضهم ويشيعونهم ونظرا اليهم الرجلين نظرات شفقة وخوف زادت من فزعهم ...
نهض ثلاثتهم ولكن بلال أمسكهم من أكتافهم ونظر اليهم قائلا :
- حافظوا على دعاء اللهم أكفنيهم بما شئت وكيف شئت ...

تقدم الثلاث وهم يرددون الدعاء فى خفوت ولقد كان قلب فارس يُعتصر اعتصارا منذ أن علم ان التعذيب يتم بمعرفة وكيل نيابة مباحث امن الدوله وتحت نظرة ..
سار الثلاثة فى رواق ضيق طويل وصدورهم تلهج وتجأر الى الله سبحانه وتعالى
وبلال يتمتم اللهم انهم لا يعجزونك اللهم عليك بهم ..

دخل ثلاثتهم غرفة صغيرة أخرى ولكن هذه المره يتوسطها مكتب يجلس خلفه رجل عرفه فارس من اول وهله ..
حدق فارس به لبرهة فنهض الرجل قائلا :
- تعالوا
وجد فارس نفسه يقول دون وعى ..
- أنت ازاى تشوف التعذيب ده وتسكت عليه
قال وكيل النيابه الذى كان زميلاًً له فى الكلية :
- مفيش وقت للكلام ده يا فارس كويس أنى عرفت أنك هنا بالصدفه ربنا وحده
هو اللى خلانى اشوف اسمك بالصدفه فى اللى جم أمبارح .....
اسمع أنت هتترحل دلوقتى على طره أهو أحسن من هنا على اى حال ...
أعاد فارس سؤاله مرة اخرى هاتفاً به ان يجيبه :
فقال وكيل النيابه صديقة :
- يا فارس انا كنت زيك بحلم ابقى وكيل نيابه وربنا حققلى حلمى مكنتش اعرف أنى هشتغل فى أمن الدوله
ولما شفت المهازل اللى بتحصل هنا عملت فيها شجيع وقلت اروح اقدم بلاغ للنائب العام وقبل ما ادخله
قابلت ولاد الحلال اللى يعرفونى وقالولى هو أنت مكنتش تعرف أنه كان بيتشغل فى مباحث أمن الدوله عشر سنين وكان راضى عن اللى بيحصل هتدخل تقوله ايه ...
حافظ على نفسك وعيالك وحاول تتنقل لاى جهة تانيه من غير ما تقول حاجه ولا تفتح بؤك ...
وانا يا فارس قدمت طلب نقلى وهنفذه قريب والحمد لله انك جيت قبل ما انا أمشى ولا مكنتش هتخرج من هنا على رجلك زى ما دخلت ولا أنت ولا اصحابك أنت متوصى عليك جامد يا فارس
نظر عمرو الى بلال بزهول بينما حدق به فارس قائلا :
- مين اللى موصى علينا وليه

قال صديقة :
- معرفش كل اللى عرفته أنك متوصى عليك أنت بالذات ومكنوش هيخرجوك سليم من هنا ...أنا أدخلت وهرحلك أنت وصحابك على طره لحد ما تشوف هتخرج منها ازاى وأوعدك انى اساعدك على قد ما اقدر
ضغط أحد الازرار امامه فدخل على فور أمين شرطه يرتدى زى ملكى وقال له بلهجة صارمه :
- خد دول يابنى على عربية الترحيلات اللى طالعه طره دلوقتى اوراقهم اهى
أستقل ثلاثتهم سيارة الترحيلات وهم يعتذرون فى داخلهم للوحوش والحيوانات التى يقال عنهم انهم مفترسين وبلا رحمة فربما نجد فى هؤلاء السباع والحيوانات قلب ينبض بالرحمه أما هؤلاء الزبانية لا رحمة فى قلوبهم لانهم ليس لديهم قلوب ..
لقد أنتزعوها ووضعوا اماكنها حجارة قاسية بل هم اشد قسوة من الحجارة...

*******************************************

نهضت مُهرة من نومها فزعة وهى تصيح,, الدكتور حمدى,, ..وأخذت توقظ أم فارس وتهزها بقوة جعلتها تستيقظ فزعة
ونهضت جالسة وهى تهتف بها :
- مالك يا مُهرة فيكى ايه
صاحت مُهرة وكأنها غريق قد وجد قطعة خشب فى قلب المحيط يتعلق بها لعلها تنجيه من الغرق وقالت :
- الدكتور حمدى يا طنط مفيش غيره هو اللى هيعرف طريق فارس ..فارس كان بيقول عليه بيحبه وبيعتبره زى ابنه

تلقت دنيا أتصالا هاتفياً وهى غارقة فى نومها على فراشها الوثير فى بيت والدتها ..
تململت فى الفراش وهى تنظر للرقم أتسعت حدقتاها وخفق قلبها خوفاً واجبت بتردد :
- الو
قالت ام فارس لهفة :
- معلش يا بنتى صحناكى من النوم ...انا عاوزه رقم الدكتور حمدى صاحب المكتب يا دنيا
هو الوحيد اللى هيعرف طريق فارس ليه معارف كتير

ابتلعت دنيا ريقها وقد غارت عيناها وقالت :
- بس الرقم مش معايا هنا دلوقتى بكره اروح المكتب اجيبه
قالت ام فارس برجاء:
- ارجوكى يا بنتى مش هقدر استنى للمغرب مينفعش تروحى المكتب بالنهار

توترت دنيا أكثر وقالت بتلعثم :
- اه اه هحاول اشوف ينفع ولا لاء وهرد عليكى فى اقرب وقت وبعدين مفيش داعى تتعبى نفسك انا لما اروح المكتب هكلمه واطلب مساعدته متخافيش
أغلقت دنيا الهاتف وهى تلعن اليوم الذى جعلها توافق على اقتراح باسم
وقالت بعصبية :
- هعمل ايه دلوقتى لو الدكتور حمدى عرف كل حاجه هتبوظ أعمل ايه بس ياربى
ظلت تفكر منذ طلوع الفجر وحتى قرب وقت الظهر وهى ترتشف القهوة كوباً تلو الاخر حتى هداها شيطانها لفكرة لمعت فى راسها على الفور وبلورها لها عقلها ...أنتظرت حتى بعد الظهر بقليل ثم اعادت الاتصال بام فارس مرة اخرى
وقالت لها باسى :
- انا اسفه يا طنط الدكتور حمدى تعبان اوى وسافر بره يتعالج مش موجود فى مصر ومش عارفه اوصله


********************************

أجرت مُهرة أتصالا هاتفياً تقوم به لاول مرة منذ زواجها وقالت بارتباك :
- علاء من فضلك محتاجه منك حاجه مهمه اوى
قال بتثاقل وهو ينهض من فراشه :
- طب مش تقولى صباح الخير يا حبيبى الاول

قالت بصوت مرتجف :
- ارجوك يا علاء مش وقته انا محتجالك
أنتبه وهو يجلس على فراشة وقال :
- خير يا مُهرة عاوزه ايه محتاجه فلوس ولا حاجه
قالت بصوت باكى :
- فارس جارنا أمن الدولة خدوه ومش عارفين نلاقيه بيقولوا معتقل بس فين مش عارفين
وأنت أكيد ليك اصحاب كتير معروفين ورجال أعمال ممكن يعرفولنا طريقة

هتف بها حانقاً :
- مش فارس ده اللى ضربنى ؟
بكت بشدة وأخذت تشهق وترجوه بمرارة أن يصفح عنه ولكنه قال بتشفى:
- أحسن خاليه يتبهدل ولا يقتلوه ويرحونا منه ربنا خادلى حقى

شهقت بشدة واخذ صدرها يعلو ويهبط وهى تبكى وتقول :
- ارجوك يا علاء علشان خاطر ربنا أعمل كده لوجه الله طيب ..طيب علشان خاطر امه المسكينة
صاح بها وهو ينهى المكالمة :
- بقولك ايه يا مُهرة بلا امه بلا ابوه أنا راجل نجم عاوزه حد يعرف انى اعرف واحد معتقل عاوزه تضيعى مستقبلى ...
واغلق الهاتف وهو يزفر بقوة بينما سقط منها الهاتف وسقطت على الارض من شدة البكاء ثم سجدت وهى تقول بنحيب :
- يارب مالناش غيرك يارب نجيه يارب نجيهم يارب ده غلبان وعمره ما اذى حد يارب


******************************

طرق الاستاذ صلاح باب حجرة مكتب إلهام ودخل وقد بدا القلق على محياه فاعتدلت وقالت بسرعة :
- ها يا صلاح وصلتوا لحاجه عرفتوا عمرو مبيجيش ليه
أومأ براسه وقد ارتسم الحزن على قسمات وجهه وقال :
- أتصلت كتير محدش رد عليا خدت عنوانه وروحتله وعرفت اللى حصل
هتفت بقلق :
- اتكلم بسرعه يا صلاح فى ايه
قال بحزن :
- أتقبض عليه من يومين ... خدوه الفجر من بيته
هبت واقفة وقالت بفزع :
- مين دول اللى خدوه وليه
رفع كتفيه باسى وقال بحيرة :
- مش عارف يا بشمهندسة بس طريقة القبض عليه دى بتقول انهم مش مباحث عاديه شكلهم كده أمن دولة
هوت الى مقعدها وارتجف قلبها بين اضلعها واتسعت عيناها وهى تفكر وفجاة تناولت سماعة الهاتف وضغطت عدة ارقام ثم قالت بسرعة لمديرة المكتب :
- وصلينى بالباشا حالاً ...
---------
الفصل السادس والعشرون
------------



عالم السجون ... إنه فى عالم إختلفت فيه المعايير وتغيرت المقاييس .. لم يعد السجن هو مصير المجرمين والسفاحين فقط
بل أصبح السجن مصير المتدينين وأصحاب الرأى أيضا وكل حر شريف يأبى أن يضع راسه فى التراب ويدفنها بين حبات الرمل
ويصدح بالحق لا يخشى فى الله لومة لائم ..
دُفع ثلاثتهم بقوة داخل العنبر وأُغلق الباب الحديدى خلفهم ليصدر صريراً مزعج أيقظ على أثره النيام داخل العنبر ...
وقف ثلاثتهم ينظرون الى بعضهم البعض وأعينهم تفيض بسؤال واحد فقط ..وماذا بعد ... وقعت أعينهم على رجل ملتحف ببطانية سوداء
فى أحد الاركان على أرض العنبر فقال عمرو :
- وده نايم على الارض ليه ده مش كل واحد هنا ليه سرير
أقترب بلال منه بقلب مقبوض وكأنه يشعر لماذا هذا الجسد قد سُجى هكذا وقبل أن يلمسه
هتف أحد الرجال الاخرين من زملاء العنبر :
- سيبوا ده ميت
أصابتهم غصة فى حلوقهم وهم يتبادلون النظرات ..أنحنى بلال لينظر فى وجهه فوجد ما كان يعتقده ..
أخ صغير فى السن له لحية صغيرة واضح عليه اثار التعذيب بشدة أغمض بلال عينيه بألم وهو يقول :
- إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اجرنا فى مصيبتنا واخلف علينا خيرا منها
غادر أربعة مسجونين سرائرهم واقتربوا منهم متسائلين :
- أنتوا جايين فى ايه مفيش مظاهرات الايام دى شكلكوا كده كنتوا بتحضروا درس فى المساجد وبتكلموا فى السياسه صح
قال الرجل الاخر :
- بس أنتوا حظكوا حلو والله أنكوا جايين فى الوقت ده اصلكوا لو كنتوا جيتوا الصبح كنتوا حضرتوا حفلة الاستقبال
عقد فارس بين حاجبيه وقال :
- حفلة استقبال أيه
قال الرجل :
- حفلة الاستقبال دى يا سيدى بيستقبلوا بيها كل عربية ترحيلات بتوصل السجن ..
الاول بينزلوا المساجين من العربية بالكلاب البوليسيه وأنت وحظك ..
وبعد ما تنزل وانت بتجرى من الكلاب قبل ما تتعض يستقبلوك العساكر بالعصاية الكهربا والكرابيج ساعه ساعتين
لحد ما كله يقع على الارض ويستسلم للضرب بعدها بقى يوزعوهم على العنابر ده غير الشتيمه وقلة الادب وسب الدين .. دى بقى حفلة الاستقبال

أومأ بلال برأسه وهو يربط على كتفهم مطمئناً ونظر لهم نظرات مطمئنة أنهم قد عبروا تلك المرحلة بأمان
فمن الواضح أن وكيل النيابة صديق فارس كان يعلم هذا ايضا لذلك أمر بترحيلهم فى هذا الوقت من الليل ..
شعر فارس بغصة فى قلبة وهو يرى بلاده لاول مرة بصورة حقيقية غير التى كان يراها فى الخارج ..
فى خارج ذلك العالم .. عالم السجون والمعتقلات .. أخذهم زملاء العنبر الى أفرشتهم كل واحد منهم على سرير صغير
عليه بطانية خشنة ..

جلس عمرو على طرف فراشة مشدوهاً لما رأى فى تلك الايام أولا فى أمن الدوله وثانيا هنا فى السجن ..
وقال بغضب وعصبية موجهاً كلامه لفارس :
- وبعدين يا فارس هنفضل كده لحد أمتى حتى منعرفش تهمتنا ايه
جلس أحد الرجال على السرير بجواره قائلا:
- لا لازم تهدى وطى صوتك اللى بيعلى صوته هنا بيتسحب على عنبر التأديب
ألتفت عمرو إليه وحدق به قائلا :
- ايه عنبر التأديب ده كمان

أبتسم الرجل وقال :
- اه معلش كان المفروض أشرحلكم من الاول .. النظام هنا ... السجن متقسم كذا عنبر ..عنبر التأديب وده متقسم زنازين صغيره مترين فى مترين وده بيبقى أنفرادى ..
وعنبر الجنائى ودول بقى تجار المخدرات وقتالين القتله وغيرهم وعنبر التخابر وده بقى مخصص للجواسيس وده بقى أنضف عنبر هو وعنبر القضاة وافراد الشرطه اللى بيجى هنا متهم فى قضية رشوة ولا فساد والمعامله فيهم معامله خمس نجوم ..
وهنا بقى العنبر السياسى وده كل اللى بيقول رايه فى البلد دى ومعظمه مشايخ زى ما أنت شايف ..ابتسم بلال وهو يومىء براسه
وقال :
- ونسيت عنبر الاخوان
ضحك الرجل بصوت خفيض وقال ل بلال :
- اظاهر انك جيت هنا قبل كده يا شيخ
قال بلال بجمود :
- جيت مره واحده بس عرفت كتير
كتم عمرو غضبه وقال :
- برضه محدش جاوبنى هنفضل كتير ومن غير ما نعرف تهمتنا ايه ؟
ربت الرجل على كتفه قائلا :
- طالما محدش حقق معاكوا يبقى مفيش تهمه وبما أنكوا جايين دلوقتى يبقى انتوا مش معتقلين رسميين
قال فارس بإقتضاب :
- يعنى أيه مش رسميين
تكفل بلال بالرد عليه قائلا :
- يعنى زي ما صاحبك قالك .. متوصى علينا
أقترب عمرو من فراش بلال وجلس على طرفه قائلا :
- مين اللى هيوصى علينا يتعمل فينا كده مين
قال بلال وهو ينظر أمامه بشرود :
- مش عارف يا عمرو بس الموضوع ده شكله هيطول ولازم نحاول نهدى علشان نعرف نفكر..
قال كلمته الاخيره ثم نهض قائلا:
- تعالوا نصلى على الأخ اللى مات ده
قال الرجل الذى يحدثهم :
- هيجوا يخدوا جثته الفجر مع انهم عارفين ان فى واحد ميت هنا من بعد العشاء

**************************************

-
ميرسى يا فندم ..
نطقت دنيا بهذه العبارة وهى تتناول الشيك من والد هانى المتهم فى قضية القتل
وبرقت عينيها وهى تنظر للمبلغ المدون فيه وقالت بابتسامة :
- حضرتك أطمن خالص أبنك هيبقى فى حضنك قريب جدا
قال الرجل بلهفة :
- يارب يا استاذه ربنا يسمع منك ... ثم قال بتسائل :
- هو الدكتور فارس مجاش النهارده ولا ايه
قالت بتمساك:
- الدكتور فارس مش بيجى كل يوم ولما بيكون مش موجود انا ببقى مكانه

أومأ الرجل برأسه متفهماً وقال :
- المهم عندى أنه هو اللى يشتغل القضية بنفسه
رفعت حاجبيها بدهشة مصطنعة وهى تقول :
- طبعاً يا فندم القضايا اللى زى دى الدكتور فارس هو اللى بيكتب فيها المذكرات وهو اللى بيترافع
واحنا بس بنعمل الشغل الادارى والمالى بتاعها يعنى حضرتك هتشوفوا فى المحكمه ان شاء الله ..
بعد قليل أنصرف الرجل ودخل خلفه وائل مسرعا ً وقال بعينين لامعتين :
- أداكى الشيك

ابتسمت بثقة وهى ترفع الشيك امام عينيه ثم وضعته فى حقيبتها قائلة بقلق :
- أهى الفلوس بقت معانا أهى والراجل جاب الاتعاب كلها مش نصها زى ما كنا فاكرين عاوز ابنه بأى طريقة
يارب بقى باسم يخلصنا من القضية دى بسرعة بقى انا قلقانه اوى
قال وائل مشجعاً :
- متقلقيش يا استاذه انتى قدها وقدود والاستاذ باسم خلاص ظبط الناس مش ناقص غير الفلوس علشان ينفذوا
ربتت على حقيبتها وهى تقول :
- وأهى الفلوس أهى يلا بقى كلمه وخليه يخلصنا
تحدث وائل هاتفياً مع باسم وأخبره أن المال قد اصبح بحوزت دنيا .. مد وائل يده بالهاتف الى دنيا قائلا:
- الاستاذ عاوز يكلمك
تناولت الهاتف وقالت بتعالى :
- أيوا

ابتسم باسم عندما لاحظ نبرة صوتها المتعاليه وقال بسخرية :
- طب حتى استنى لما تصرفى الشيك وبعدين ابقى اتغرى براحتك
مطت شفتيها بضيق وقالت :
- خير يا أستاذ باسم
- بكرة هنروح نصرف الشيك سوا ونطلع على طول على سكرتير النيابة نكيشه ونخلص معاه
وبعدين نقعد مع بعض ونقسم الاتعاب علينا زى ما أتفقنا ماشى ..
قالت بإقتضاب :
- بس هنقعد فى مكان عام مش عندك فى المكتب
أطلق ضحكة عاليه اشعرتها بالاشمئزاز وقال بخبث :
- ايه موحشتكيش ولا ايه
أتسعت عينيها وشعرت انها ستتقيأ عندما ذكرها بما حدث سابقاً ..
أغلقت الهاتف فى وجهه وهى تتمتم :
- حيوان

**********************************


وقف صلاح ينظر الى إلهام التى كانت تتحدث فى الهاتف بلهفة وهى تقول لمحدثها :
- طبعاً يا باشا من رجالتنا ومينفعش نسيبه كده دى حتى تبقى وحشه فى حقنا وبعدين اللى موصى عليه ده مش أكبر من معاليك
صمتت بعض الوقت تستمع إليه ثم قالت بثقة :
- يافندم ارهاب ايه عمرو ده راجل روش سينيمات ومسارح يافندم دى رنة التليفون بتاعة عشره بلدى
صمتت قليلا مرة ثم قالت وهى تنقر على سطح مكتبها بأطراف أصابعها بعصبية ..
- ماشى يا فندم اللى تشوفه ساعتك المهم بس ميطولش كتير..
أغلقت الهاتف وزادت عصبية نقرها على المكتب فقال صلاح متلهفاً:
- ها يابشمهندسة ايه الاخبار

ضربت المكتب بقبضتها وهى تقول بضيق :
- لو كان لوحده كان طلعه بسهوله المشكله فى الاتنين اللى معاه علشان كده بيقولى الموضوع هياخد وقت
قال صلاح بحزن :
- يعنى الولد المسكين ده هيفضل مرمى كده من غير ذنب
قالت بعصبية :
- مش قادره اعمل اكتر من كده يا صلاح انا وصلت لاعلى المستويات كل اللى وعدونى بيه أن محدش هيقربله
وهيفضل هناك معزز مكرم لحد ما يطلع .. خبطت سطح مكتبها مرة أخرى حتى آلمتها قبضتها ففركتها بغيظ وضيق وهى
تقول :
- لو كان لوحده كنت عرفت اطلعه النهارده المشكله فى الاتنين اللى مربين دقنهم اللى معاه دول ..انا عارفه ايه الاشكال اللى بيعرفها دى ..!!!

********************************

فُتح باب العنبر مرة أخرى فتعلقت ابصار الجميع به .. دخل الشاويش المسئول عن العنبر وتقدم بأتجاه عمرو وفارس وبلال
واشار إليهم بحزم وقسوة قائلا:
- تعالوا معايا أنتوا التلاته
نظر ثلاثتهم الى بعضهم البعض بتسائل فصرخ بهم بصوت كرية مرة اخرى :
- بقول قوم انت وهو
نهض ثلاثتهم وهم ينظرون إليه بحنق وتعلقت به ابصار شركائهم فى العنبر وهم ينظرون إليهم بشفقة ..
سار ثلاثتهم خلفه وبعد أن أغلق العنبر أمرهم ان يسيروا خلفة ..ساروا قليلاً حتى توقف بهم أمام أحد الزنازين
وشرع فى فتح بابها وهو يقول متبرماً :
- حظكوا من السما ...
فتح الزنزانة ثم دفعهم داخلها بقسوة مرة أخرى وأغلقها خلفهم
كانت الزنزانة اقل عددا من العنبر الاخر بكثير فلا يوجد فيها الا خمسون رجلاً فقط ..
أما العنبر فكان به حوالى ثلاثمائة رجل .. ولقلة العدد فيها كانت تبدو أكثر آدمية من التى قبلها ..
والفُرش والاغطية كانت تبدو أكثر راحه من العنبرالاول نوعاً ما ...نظر زملائهم إليهم متسائلين كما يُفعل مع كل مُعتقل جديد
فالقى بلال السلام ..أجابة الجميع بنفس واحد خافت :
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
ألقى ثلاثتهم أجسادهم على فُرُشِهم بإنهاك الشديد ولاول مرة تذوق عيونهم طعم النوم منذ أعتقالهم ...
بعد ساعة استيقظ بلال على هزات خفيفة ..أنتبة من نومه دفعة واحدة بإنفعال فربت الرجل الذى كان يوقظه على صدره يهدئة
وهو يقول :
- أهدى يا اخى أنا بصحيك علشان تلحق الصلاة متخافش
نهض بلال وهو يشعر أن عظامه مختلطه ببعضها البعض فى ألم شديد ..توجه الى فارس وعمرو وأوقظهم بنفس الهزات الخفيفة
فأستيقظوا بنفس الانتباه المفاجىء واتساع حدقاتهم بإنفعال شديد فطمئنهم وهو يقول :
- يلا قوموا علشان نلحق الصلاه

زفر عمرو بقوة وو يقول :
- يا اخى حرام عليك ده انا مصدقت يغمضلى جفن
توجه فارس أليه وهو يمسك بيده لينهضه رغماً عنه قائلا :
- قوم صلى يا عمرو الله اعلم احنا أعمارنا هتخلص أمتى
وقف بلال بعد ان توضأ ليصلى بهم ولكن الرجل الذى ايقظه اقترب منه وقال محذرا :
- كل واحد يصلى لوحده يا دكتور .. صلاة الجماعه ممنوعه هنا

أومأ بلال برأسه وقد تذكر بخبرته السابقة أن صلاة الجماعه ممنوعه داخل السجن ..
فألتف إليه فارس قائلاً :
- ويمنعوا صلاة الجماعه ليه
قال الرجل :
- هى الاوامر كده ممنوع صلاة الجماعه وممنوع صلاة الجمعه واللى بيظبطوا بيصلوا جماعه بيتحولوا للتأديب

ضرب عمرو كفا ً بكف وهو يقول :
- هو أحنا فى غوانتانمو ولا ايه

أنتهى الثلاثه من صلاتهم تباعاً واحداً تلو الاخر.. مر يومان والحال هكذا لم يتغير ..
كانت بوابة الزنزانة تغلق عليهم فى تمام الخامسة والنص مساءا وكذا يكون أنتهى اليوم داخل السجن
فيبدأ بلال فى أعطائهم بعض التمرينات الرياضيه التى تقوى عظامهم لتستطيع تحمل خشن العيش داخل السجن
وليستطيع مقاومة الرطوبة المنتشرة فى كل مكان فيه ... كان الجميع يستجيب له الا واحداً لاحظ بلال أنه يرمقهم بنظرات غاضبة
وكارهة لهم يظهر ذلك فى عينيه جلياً كلما التفت إليهم على مدار يومين كاملين
ولاول مرة يتدخل هذا الرجل بالحديث عندما راى فارس ينهض من فراشه ويجلس على طرف فراش بلال وهو يقول
بقلق :
- مفيش أى وسيلة هنا نطمن الناس اللى برا علينا .. زمانهم دايخين علينا فى كل حته دلوقتى ومش لاقين لنا أثر ..
فقال هذا الرجل هاتفاً :
- والله أهلكوا زمانهم مستريحين منكوا ومن التشدد بتاعكوا
ألتفت إليه فارس بغضب بينما ربت بلال على ذراعه حتى لا يرد عليه بغضب فصمت فارس وترك المجال لـ بلال بالرد

فقال له بابتسامة :
- هو فى اهل فى الدنيا يبقى مستريحين وولادهم فى السجن
ترك زملائهم فى الزنزانة ما كانوا منشغلين به وبدأوا فى متابعة الحوار ظنا منهم أنه سينتهى بمعركة تكون نهايتها زنزانة تأديب منفردة لكل منهما...
نظر له الرجل بحنق قائلاً :
- لا طبعا بس اللى زيكوا أنتوا اهلهم هيستريحوا منهم تلاقى كل واحد فيكم عنده أخت بيجرجرها من شعرها وينزل فيها ضرب لو شافها بتسمع أغانى ولا بتتفرج على فيلم
آخر عبارة نطقها جعلت فارس وبلال ينظران الى بعضهما البعض ويبتسمان رغماً عنهما ..
مال فارس للامام وهو يقول له :
- حضرتك العنوان غلط اللى بيعملوا كده الممثلين اللى بيطلعوا فى التلفزيون مش أحنا
نظر له الرجل بتهكم وقال :
- الممثلين دول بيمثلوا حياتكم واللى بتعملوه فى أهلكوا بسبب تشددكوا فى الدين

تدخل بلال قائلا:
- ممكن اسأل حضرتك سؤال ..مش زمان كنا بنسمع أن الممثل علشان يندمج فى الدور بتاعه لازم يروح يعيش فى وسط الناس اللى هيمثل دورهم فى المسلسل
يعنى مثلا كنا زمان نسمع ان واحد راح دخل السجن علشان يعرف يمثل حال المساجين صح ولا لاء
أومأ الرجل براسه قائلا:
- أه طبعا سمعنا كده كتير
ابتسم بلال ثم قال :
- طيب هل الممثل اللى بيمثل دور الملتزم ده بيروح يعيش مع الملتزمين فى بيوتهم وبيشوفهم بيعاملوا أهاليهم أزاى واخوتهم وزوجاتهم
قال الرجل ساخرا:
- هيروح ازاى يا شيخ يعيش معاهم فى بيوتهم هو طبعا بيتصور حياتكوا مع اهاليكوا
رفع بلال حاجبيه وقال بهدوء :
- طيب مش يبقى ده ظلم أنه يحكم علينا اننا بنضرب اخواتنا وزوجاتنا وهو عمره ما عاش وسطنا ونجرجرهم من شعرهم كمان علشان بيسمعوا أغانى ويطلع يمثل كده فى التلفزيون ويخلى الناس تصدق عننا كده وتخاف مننا وأحنا مش بنعمل كده أصلا
تدخل زميلاً آخر لهم وقال :
- والله أنت معاك حق يا شيخ ده أنا ليا جار زيك كده لما مراته بتقعد مع مراتى يرغوا مع بعض شوية بترجع مراتى تقولى أنت مش رومانسى ليه زى جارنا الشيخ

قال الرجل الاول معترضاً والله بقى أحنا خدنا عنكوا الفكره دى بسبب التشدد اللى أنتوا فيه
وكل حاجه حرام حرام حرام حرمتوا علينا عيشيتنا
أتكأ بلال على أحدى جانبيه وقال :
- طب ممكن اسألك سؤال كمان ومعلش تعالى على نفسك وجاوبنى
قال الرجل بملل :
- أتفضل

قال بلال بجدية :
- حضرتك عندك سخان غاز ولا كهربا؟
نظر له الرجل بدهشة وقال متهكماً :
- سخان غاز يا سيدى ليه
ابتسم بلال قائلاً :
- ممتاز ... فاكر حضرتك أول مرة ركبته فيها
- فاكر
أعتدل بلال فى جلسته وقال باهتمام:
- يا ترى شغلته لوحدك
زاد الرجل مللاً وهو يجيب قائلاً :
- لاء طبعاً صاحب المحل قالى معاه كتالوج ولازم أمشى على الخطوات اللى فيه بالظبط
قصد بلال ان يقول ببرود:
- وسمعت كلامه ليه

هتف الرجل بعصبية :
- يعنى ايه سمعت كلامه ليه مش هما اللى عاملينه وأدرى بيه
عقد بلال بين حاجبيه وقال :
- صاحب المحل اللى اشتريت منه السخان متشدد زينا

صوب الجميع نظرة لبلال الذى كان يتحدث باريحيه وسلاسه فى الحديث والغلاف الذى كان يميز حديثه هو المنطق والهدوء ...
وخصيصاً عندما ظهرت علامات الدهشة على وجه الرجل وقال بحيرة :
- مش فاهم
عقد بلال ذراعيه بهدوء وهو يقول :
- يعنى ربنا سبحانه وتعالى هو اللى خلقنا وهو اللى قالنا عن طريق رسولنا محمد صل الله عليه وسلم أن ده حرام وده حلال سواء فى القرآن أو فى السُنة ..
يعنى القرآن والسُنة دول ومن بعديهم اقوال السلف الصالح هما الكتالوج بتاعنا
علشان كده لما أنا أقرا فى الكتالوج ده وأعرف أن ده حرام واقولك عليه مينفعش حضرتك تقول عليا متشدد لانى كل اللى عليا أنى بنقل لحضرتك كلام ربنا وأوامره ونواهيه مش أكتر من كده يبقى انا متشدد ليه بقى

أطرق الرجل مفكراً وسادت همهمه بسيطه خافته بين شركائهم فى الزنزانة معجبين بحديث بلال
بينما ابتسم فارس وهو ينظر لبلال بإعجاب شديد ..ولكن الرجل تمتم بإعتراض :
- اه بس فى حاجات بتقولوا عليها حرام مش موجوده فى القرآن ولا فى السنه ..
يعنى مفيش آيه ولا حديث بيقولوا المسلسلات حرام والافلام حرام ..
أجابة بلال بهدوء :
- أزاى بقى يا راجل .. يعنى أنت مثلا عمرك ما عديت على الايه اللى بتقول :
(قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِ‌هِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُ‌وجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ‌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِ‌هِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُ‌وجَهُنّ )
ثم تابع قائلا :
قولى بقى حضرتك هتسمع كلام ربنا وتغض بصرك أزاى وأنت قاعد تتفرج على الممثلات المتبرجات وأزاى زوجتك أو أختك هتسمع كلام ربنا وتغض بصرها عن الرجاله وهى قاعده تتفرج على ممثل ومعجبه بشكله شويه وبطريقة كلامه شويه ورومانسيته شويتين ..
يبقى أنا لما اجى اقولك ان الحاجات دى حرام ليه تقولى انت متشدد وانا كل اللى بعمله انى بوضحلك ربنا قايل ايه فيها يعنى من الاخر بشرحلك من الكتالوج ...
وأردف قائلاً:
وزى ما حضرتك متأكد ان المصنع اللى صنع السخان وعمل الكتالوج وحط فيه ضوابط للتشغيل هو أدرى بالسخان وباللى ينفعله واللى مينفعلوش
واللى يبوظه واللى ميبوظوش يبقى برضه لازم حضرتك تبقى متأكد أن الحرام والحلال دول مش علشان يضايقوا حضرتك,, لاء,, ده علشان ربنا سبحانه وتعالى هو اللى خلقنا وهو أدرى بينا وبقلوبنا وايه اللى يخلينا عباد الله المؤمنين وايه اللى يخلى قلوبنا فاسدة والعياذ بالله .


**************************************************

فتحت عبير باب شقتها لعزة التى دخلت مسرعة وقالت بلهفة :
- عبير عرفنا مكانهم يا عبير
أتسعت عيناها وتشبثت بملابسها وهى تقول بلهفة أكبر :
- بالله عليكى يا عزة عرفتوا مكانهم طب هما فين وعاملين ايه وعرفتوا ازاى ؟
جائت أم بلال على صوت عبير الملهوف وتعلق بصرها بعزة وهى تنقل ابصارها بينهما
وتقول :
- الاستاذ صلاح اللى عمرو كان شغال عندهم فى الشركة كان جه سأل على عمرو من يومين كده
ولما عرف اللى حصل قالى أنهم هيحاولوا يعرفوا طريقهم وكتر خيره أتصل بيا النهارده من شويه
وبلغنى أنهم عرفوا أنهم موجودين فى سجن طره وأنهم كويسين اوى وبيتعاملوا كويس أوى ومفيش تهمه معينه متوجهالهم وهيخرجوا قريب ان شاء الله
وضعت أم بلال يدها على صدرها وهى تقول :
- الحمد لله

ولكن عبير هوت الى الارض ساجدة تبكى وتدعوا وهى تشعر أن قلبها لم يعد ينبض
منذ أن غادرها فى ذلك اليوم المشئوم ولكنها بدأت تطمئن شيئا قليلاً بعد هذه الاخبار
وأخذت تدعوا الله أن يرده اليها رداً جميلاً وأن يحفظه لها ولأمه ولأبنائه.......

عانقت أم فارس مُهرة وهما يبكيان من الفرحة لمجرد أن علموا أنه بخير
ولم يصبه مكروه مما كانوا يسمعوا عما يحدث للمعتقلين من قبل ...
أبتعدت مُهرة قليلاً وهى ممسكة بيد أم فارس وقالت بهيستيرية :
- لازم نعمل المستحيل ونروح نشوفه يا ماما

أبتسمت أم فارس وهى تستمع لتلك الكلمة من فمها لاول مرة
وقالت :
- يابنتى الحمد لله اننا عرفنا مكانه وأنه بخير هو وصحابه الحمد لله مش عارفه بقى حكاية الزياره دى هتنفع ولا لاء وهنعملها ازاى ... صمتت قليلاً
ثم قالت :
- انا كده كده هتصل بـ دنيا علشان ابلغها الاخبار الحلوه دى وأكيد هى مش هتسكت وهتحاول تروحله وساعتها تبقى تاخدنا معاها ...
هرولت مُهرة الى الهاتف وهى تقول بلهفة :
- طب يا ماما كلميها دلوقتى مش لازم نضيع وقت

أخذت أم فارس الهاتف وقصت عليها ماحدث مما جعل دنيا تبتلع ريقها بصعوبة
وأستشعرت الخوف من أحتمالية خروج فارس بهذه السرعه فالقضيه ما زال امامها شهرين على الاقل قبل النطق بالحكم
سمعت ام فارس وهى تقطع عليها افكارها فقالت :
- ايوا معاكى معاكى ..
طيب انا هشوف الحكايه دى وابلغك بالتطورات قريب أوى ان شاء الله انا هقفل دلوقتى علشان معايا شغل مهم ..
أغلقت أم فارس الهاتف وهى تنظر له مندهشة وتقول متعجبةً:
- غريبة اوى كنت فكراها هتطير من الفرحه مش عارفه كلمتنى كده ليه أنا قلبى مش مطمن
قالت مُهرة بسرعة :
- خلاص يا ماما متزعليش نفسك انا هحاول مع علاء تانى

نظرت لها أم فارس غير راضية وقالت بإستنكار :
- لاء مش عاوزين منه حاجه مش كفايه اللى عملوا فيكى قبل كده هترجعى تتذليلوا تانى
نظرت امامها بشرود وهى تقول بخفوت :
- زى بعضه تانى وتالت كله فداهم

****************************************


وضعت أم يحيى أكواب الشاى أمام علاء ومُهرة وهى
تقول برجاء:
- معلش يا علاء علشان خاطرى انا حاول
هز علاء رأسه نفياً وهو ينظر الى عينيى مُهرة الراجية ويقول :
- كله الا سمعتى ,, مقدرش ,, أنا نجم ولو سُمعتى حصلها خدش واحد موهبتى مش هتنفعنى
نظر له يحيى بإزدراء لاول مرة يراه على حقيقتة زال الابهار الذى كان يشعر به تجاهه وقال بنفور :
- كل ده ميجيش حاجه قدام حياة تلاته كنا بنعتبرهم مثلنا الاعلى
نظر له علاء متهكماً وقال بسخرية :
- مثلك الاعلى أنت مش أنا
شعرت مُهرة ببغض شديد تجاهه وهى تتبادل النظرات المعاتبة مع والدتها وهى تقول موجهةً الحديث إليه :
- والدكتور بلال ميخصكش هو كمان مش ده كان ليه فضل عليك بعد ربنا
وضع علاء كوب الشاى بعصبية وقال :
- أنا أول مره اعرف أن لما راجل يروح يزور مراته تقعد تكلمه على رجاله تانين أنا لو كنت اعرف كده مكنتش جيت من اساسه ..
هب واقفاً وأنصرف بعصبية ..كان يشعر بوخز الضمير تجاه بلال ولكن كرهه لفارس جعله يتناسى امرهم جميعاً ..
أقترب يحيى من أخته وهو يقول باسى :
- معلش يا مُهرة متزعليش نفسك
نظرت لوالدتها مرة أخرى وهى تقوله :
- انا مش زعلانه منه أنا زعلانه عليه اللى زى ده بيفضل طول عمره عايش لنفسه وبس
علشان كده لما عمره هيخلص محدش حتى هيفتكر يترحم عليه ..

*****************************************

مر شهراً كاملاً ثلاثون يوماً حتى تكونت صداقه بين أبطالنا الثلاث وزملائهم فى الزنزانة
حتى جاء ذلك اليوم الذى فُتحت فيه بوابة زنزانتهم الحديدية معلنةً عن قدوم احد ما ...
دخل الشويش المسؤل عنهم و بصوته الغليظ أشار ل عمرو قائلاً :
- يالا علشان هتخرج يا عمرو
هب عمرو واقفاً غير مصدق لما سمع ونظر الى بلال وفارس وقال :
- طب وهما
صرخ الشاويش فيه بنبرة قاسيه :
- يالا ياخويا هى رحله ,, أنت بس اللى هتخرج

نهض فارس وبلال عانقاه بحرارة وقد دمعت عينيه وهو يقول :
- مش هسيبكوا وأمشى
أبتسم فارس وهو يدفعه فى كتفه قائلا:
- يالا يابنى هتعملى فيها بطل ولا ايه ده أحنا مصدقنا حد يطلع يطمنهم علينا يالا ..
أمسكه بلال من كتفه قائلاً بعينين دامعتين :
- خلى مراتك تروح لمراتى وتطمنها عليا ثم ابتسم وهو يردف قائلا:
- وعلشان تصدق أنى أنا اللى باعتلها الرساله الشفويه دى خاليها تقولها..
بلال بيقولك أنتى وحشتينى أوى وبضمير.. أومأ عمرو وقد حفظ رسالة بلال ونظر لفارس الذى أحتار ماذا يقول
ماهى الرساله التى يرسلها لاهله فقال :
- وانا كمان روح البيت عندنا وطمنهم كلهم عليا وقولهم ان شاء الله أننا هنخرج أحنا كمان
تقدم الشاويش وجذب عمرو من ذراعه بقسوة وهو يصيح به :
- يالا ياخويا بدل ما خاليك تكمل معاهم هنا

خرج عمرو ينظر إلى الطريق غير مصدق أنه مازال على قيد الحياة حتى هذه اللحظة نظر خلفه وكأنه يرى اصدقاء محنته قابعون فى زنزانتهم يودعونه بنظراتهم الدامعة ..
أخذ شهيقاً كبيرا ليملىء صدره بالهواء النقى خارج حدود اسوار السجون المظلمة
بما فيها من رائحة الرطوبة العفنة واصوات المعذبين وأتجه الى أول سيارة أجرة قابلته ..
لم يسال عن وجهتها كل ما كان يريده هو الابتعاد ....
الابتعاد وفقط ...
غادر عمرو سريعاً وهو يتذكر تلك الليلة المظلمة التى دخل عليهم فيها ذلك الاخ الملتحى متقطعة أنفاسه من كثرة التعذيب ..تفوح منه رائحة شواء جلده من كثرة الكهرباء التى تعرض لها وكل هذا ليس لذنب اقترفه ولا ذنب ألم به
سوى أنه قال لظابط أمن دولة كان يقبض على صديقة دون حق قال له اتقى الله ..
لم يلبث الفتى الصغير بينهم سوى دقائق ثم نطق بالشهادة
سالت دموعهم عليه تروى جرحه كما تروى السحب بامطارها حشاش الارض
ثم أخذ ينشد بصوت مدبوح

غرباء و لغير الله لا نحني الجباه
غرباء و ارتضيناها شعارا في الحياة

ان تسال عنا فإنا لا نبالي بالطغاة
نحن جند الله دوما دربنا درب الاباة

غرباء غرباء غرباء غرباء

لا نبالي بالقيود بل سنمضي للخلود
فلنجاهد و نناضل و نقاتل من جديد
غرباء هكذا الاحرار في دنيا العبيد

غرباء غرباء غرباء غرباء

كم تذاكرنا زمانا يوم كنا سعداء
بكتاب الله نتلوه صباحا و مساء

غرباء غرباء غرباء غرباء

غرباء و لغير الله لا نحني الجباه
غرباء و ارتضيناها شعارا للحياة


وفاضت روحه إلى بارئها
-------------
يُتبع


__________________
"لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب
 

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
طلب طقم رواية | تم التنفيذ وردة المـودة الطلبات المكتملة والملغية 5 12-10-2016 11:45 AM
طلب طقم رواية | تم التنفيذ !!Achlys الطلبات المكتملة والملغية 2 12-01-2016 11:15 AM
طلب طقم رواية | تم التنفيذ Stifania الطلبات المكتملة والملغية 2 08-06-2016 01:08 PM
طلب طقم رواية - تم التنفيذ Reuoof__ الطلبات المكتملة والملغية 2 03-09-2016 05:17 PM
طلب طقم رواية#تم التنفيذ ĎĨ₫ϊ.Ǿ الطلبات المكتملة والملغية 2 12-14-2015 11:41 PM


الساعة الآن 08:39 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011