06-30-2018, 06:24 PM
|
|
هالة [6] ربما القضية مسألة وقت كما زعم عقله، ليُلزِمه اعتقاده مواصلة مشواره مجهول الهدف دون كلل ,فإقتحمت أقدامه قرية بسيطة تُحيطها بعض التلال الصخرية، تطرّقَ شوارعها سائلاً كل من يُمرُ به إن كان له علم بالقلادة أو بأحدِ يحمل مثلها، حتى أنه سئم تكرار الكلمات نفسها، بل سئم الجواب الذي لم يتغيّر معناه في كل مرة جاعلاً من اليأس يطفو على محياه، فترك لقدميه حريه التقدم بلا وعي منه، فعقله غرق في الحيرة لتوهان الحقيقة بين متاهات التساؤلات، تمنّى ولو بصيص أمل صغير يُنجِده من يأسه، فأصفح المجال لعينيه لتعبر عما يدور في خلده بتحديقه الشارد بالقلادة التي في يده.
كان سيدوم شروده لولا تلك الجلّبة التي لفتت انتباه، فحرر نفسه من دوامة أفكاره لتنجذب عيناه للمصدر الذي جبره على ذلك، إمرأة في الثلاثينات من العمر تُعانى الإهانة في محلها الخشبي الصغير المصطف مع بقية المحال من قِبْلِ طرف واحد، رجل ضخم الجثة يعبث بمحلها ويحطم كل ما تصل إليه يداه، تاركا توسلاتها تضيع هباءً منثورا.دُهش أزرق العينين بما يجري ليس لما يحدثُ لمحل السيدة خصيصا، وإنما كان معظم دهشته من تجمهُر الناسِ الناظرينَ للعرضِ المقدم لهم بميت الإحساس، لم يكلف أحد منهم نفسه ليمد يد العون لها، جميعهم اكتفوا بالمراقبة حتى دون رسم تعابير على وجوهم الباردة، هل الأمر لا يعنيهم وليس لهمعلاقة بها!، أم أن القوة هي من لها السلطة وهي من تُجري المجريات كيف تشاء!، تعجبات تراكمت على عقله لسماعه صوت السيدة الذليل الكسير وهي تُناشد المعتدي ليتوقف مصحوباً بأصوات تكسُر الأواني الزجاجية .
فأفلحت في إخماد ثورانه أخيراَ بالتوعد الذي قطعته له بتقديم كل ما تملكه من مال إن توقف عن تحطيم مقتنيات المحل، تبسّم بجشع لما طرب أذنيه وأقبل نحوها ليزيد جشعه بالصرّة متوسطة الحجم التي أخرجتها من مخبأها لتُقدمها له، فتعالت سعادته لينطق بابتسامة ماكرة وهو يمد يده ليستلم الصرّة منها:
" كان عليك إطاعتي منذ البداية ودفع كل ما لديك... أتعبتني بالجهد الذي بذلته للـ ..."
قُطعت كلماته فجأة بل إن يده أُوقِفت بإحكام قبل أن تمسّ كيس النقود بيدِ أُخرى تصغرها حجما لكنها تكفلت بشل حركتها تماما.
علاه الذهل للحظة ثم محاه ليحطّ محله الغضب، فالتفت يمينه ليرى من تدخل في شغله متكلما بسخط:
" كيف تجرؤ ياهذا من تحسب نفسك للتُقدِم على الوقوف في وجهي؟ "
تفاجأ قليلاً باكتشافه للمتدخل مجهول الهوية بالنسبة له, يصغره بسنين عِدّة لكنة يتمتع بملامح فذّة لم تتزعّزع بسخطه عليه, فأزداد الرجل غضبا على غضب , وحاول ما استطاع تحرير يده المأسورة, لكن هباءَ كانت محاولاته الميؤوسة, حتى خِيلّ له أنه أصبح أقل حجما من ممسكه الذي لم ينطق ولو بحرف واحد ِ, مما جعله يبذل جهدا مُضاعفاً ليُنجدّ يده المتألمة, وفجأة تحررت ليس بفضله بل بترك آليكس لها متعمداً حيث سقط أرضا إثر قوة جذبه ليده, فتألمّ بسقوطه لينهض بثورانغاضب راغبا بلكم آليكس بشدة , كان سينجح في نواياه لولا حركة سريعة من آليكس جعلته يتفادى لكمته ويصبح خلفه أيضا, فباغته بضربة على رقبته بكف يده تكفلت بإفقاده الوعي .
دُهِشَ الجميع فثواني قليلة قلبت الموازين، الرجل الذي بدى قوياً ومرعباً الأن صار ممدداً بلا حراك ولا قوة، ربما الجُبنْ هو ما منعهم من إغاثة السيدة، والان كسِيهُم العارُ أيضا لتدخل غريب عنهم وأصغرهم سناَ مبرهناً لهم مدى ضعفهم وجبنهم.
انهالت عليه السيدة بعبارات الشكر والامتنان فما فعله لها يستحق ذلك، لتجعله يرد بتواضع:
" لا داعي للشكر يا خاله لم أقم إلا بواجبي "
ورغم ما قاله إلا أنها أصرّت على تفوه لما كانت تتفوه به، بل دعته لتكرمه جزاءَ لفعله، بأدب شكر حُسنها معه وعبر عن عدم الضرورة لما تفعله، ثم خرج من المحل شاقاً تجمهر الناس، حيث كان منضمنهم ملثم أخفى حقيقته بلثامه، وعيناه غير الواضحتان لم تتركا التحديق بالشاب العابر من قربه، وعندما مرّ بجانبه لمح القلادة الكريستالية المعلّقة بعنقه، فضيق عينيه بخباثة على ما لمح كأنه ذئب يُقبل على افتراس فريسته.
بعد أن ابتعد آليكس قليلا عن ذلك المكان التقى بأحد المارة في الشارع، سأله السؤال الذي اعتاد عليه، وكما اعتاد السؤال اعتاد الإجابة التي تلقها الأن مرة أُخرى، فمضى الرجل في طريقه بعدها خلاف آليكس الذي ظل واقفا يُقلّب الأفكار في عقله الشارد، الى أن طرق سمعه صوت غليظ أنجده من شروده بكلماته:
" أنا أعرف ثلاثة يحملون مثل القلادة التي معك"
تفاجأ آليكس بما سمعه، فالتفت سريعا ليبصر الرجل المُلثم مقبلاً نحوه، فخاطبه بذهول:
" هل أنت وأثق مما تقول!"
أجابه بجدية وقد توقف أمامه:
" كل الثقة"
رغم كلماته المؤكدة له إلا أنه تردد قليلا جاهلا السبب في ذلك، ربما للصعوبة التي لاقاها حتى الأن، أو لمظهر الغريب غير المطمئن له.
يبدو أنّ خيوط الأقدار نُسِجت لتتشابك ببعضها أو أن للصدفة دور كبير في أغلب الأحيان , فالشبّان الثلاثة اللذين خلّفهم آليكس من قبل دون أن يعلم أنهم هم من يبحث عنهم يمشون الأن في القرية نفسها, بل نفس الطريق اللذي سلكه منذ لحظات, فلفت إنتباهم تجمّع للناس إختلطت أحاديثهم ببعضها, جُلّ ما فهموه عن محادثاتهم هو شاب أنقذ محل سيدة من رحمة أحد الطغاة, فأخذ الفضول مانكس ليجعله يتحمس لمعرفة الشجاع اللذي يتكلمون عنه , فحشرّ نفسه بينهم مقتحما حديثهم والحماسة تعلوه .
تنهدّ كين بثقل من تصرفاته المزعجة بالسبة له ولسيمون اللامبالي في شتى الظروف , فأزاح ببصره بعيدا لعله يُهدء نفسه السائمة لتلتقي عيناه بخيال يألفه, كان يقف بعيدا بين المارة أمام رجل أخر, زهل تماما فهو لم يكن واثقا بإستنتاجته السابقة , لكن كما يرى فقد صدق في تحليله والأن يبعد عن مأربه بضع أمتار فقط .
آليكس بقيّ مترددا في دواخله عكس مظهره الهادئ, ولعلّ من يقف أمامه مدرك لما فيه , مما دعاه للإبتسام بمكر ويردف بقوله :
" إن كُنتَ تريدهم حقا فإتبعني "
فمضى بعد قوله ليتبعه آليكس نافضاً تردده اللذي لم يجد له مصوغا ,إختفى بين حركة المارة فما عاد يُرى لأخضر العينين, إختفائه من مرمى نظره جعله يهم بالقلق, فتحرك بسرعة رافعا صوته ليُنبّه رفيقيه :
" تعاليا بسرعة "
فهِم سيمون من طريقته الجادة أمرا فلحقه من فورة دون أن يستفسر عن الأمر, إلا مانكس بدى مغفلا لا يفقه شيئا حيث تبعهما وهو يُطالب بالتوضيح للعجلة التي يُسرع بها كين وهو يسبِقُهما كثيرا ومتلمسا أثر يقوده للشاب الذي أختفى من ناظريه.
توقفت الخطوات خارج القرية بين التلال, حيث لايوجد أنس واحد, فأكد الأمر شكوكه لينطق بجد مخاطبا من يقف أمامه ويعطيه ظهره :
" لا أرى أحد منهم هنا ...هلاّ وضّحت ذلك! "
إستدار نحوه بكلماته كاشفا اللثام عنه, لتظهر معالمة الماكرة, فمطّ شفتيه مجيبا بغرور :
" أُوضح لك! ... هل أنت غبيُ إلى هذه الدرجة ألم تدرك بعد أنني جلبتك لفخي ? "
إنزعج آليكس بشدة, فبدى ذلك جليا عليه, ومع ذلك إستفسر بجدية كاملة :
" ما اللذي يدفعك لخداعي? "
أجابه بمكر تام :
" قتلك هو ما أسعى إليه "
زهل من إجابته كثيرا شخص غريب المظهر بشعر إرجواني متطاير لا يعرفه قبلا يسعى لهلاكه, فنطق بزهل متعجب :
" قتلي!"
فإسترسل الأخر حديثه موضحا له الأمور بإبتسامة خبيثة لم تفارق محياه:
" بحثتُ عنك كثيرا حتى وجدتك ... أنى وقت الخلاص منك أيها الناجي الوحيد من مملكة النور "
صُدم آليكس تماما فحرك شفاه بعجز ناطقا:
" من أين تعرف هذا! "
رد بشر أفاض من عينيه ذواتا الهالة المظلمة:
" هذا لأني كنتُ السبب في هلاكهم جميعاً وقد حان دورك الآن "
تثاقل قلبه بصدمة بالغة بما أُلقيّ عليه، لتهتزّ عيناه اللتان ما عادتا تُبصرانِ شيئا غير منظر الدمار في أرضه، وموت والده على يده، فهمس بثقل مصدوم:
" م مستحيل "
فُتِحت جراح قلبه قبل أن تشفى حتى، لتجعله كمن صار في عالم أخر غافلاً عمن يقف أمامه، وقد شرع بتنفيذ نيته بابتسامة قذرة محركاً أصبعيه في الهواء لتظهر خلفه ثلاثة ظلال سوداء كهيئة البشر، أشار عليهم بقتله فاستجابوا له ليهُموا عليه بسيوف مستله.
الناجي الوحيد سيُمحى الأن لا محالة، فحالته المتملكة له ستفقده معظم انتباه، بالكاد تجنّبَ أول هجمة ثمّ نزع سيفه مشتبكاً مع خصومه الثلاثة، حركاتهم السريعة جدّا تفوقت عليه إذ لم يستطع حتى لمسهم، كل ما تمكنّ منه هو التصدي لضرباتهم، فتعالّ صليل سيوفهم إثر التصادم المميت.
علاه الغضب من سوء وضعه الذي لن يُمكّنه من الانتقام الأن، فبذل جهده ليُحدثَ نتيجة عكسية، حتى نال من أحدهم وتبدّد جسده لدخان أسود تلاشى سريعا، دُهش آليكس من غرابة الأمر غير مدرك للحظة تعجبه هذه أنها مهلت الطريق للآخر، فغدره طاعنا ظهره أسفل كتفه.
أصابه الألم فخرّ على ركبتيه دون أن يعي ما أصابه، لمح بعيون متألمة دمه القاطر أرضا، لتعلو عينيه صدمة كبيرة وتسري موجة إرتجاف في جسده تمنعه من تحريك أي جزء فيه، بالكاد نطق بعجز مصدوم:
" د دم!"
هنا علا صوت سكِنر قائلا بغرور:
" اقضيا عليه الأن "
إنها النهاية كما أبصرها آليكس، ليس بيده شيء جسده المرتجف لن يغيثه من الاثنين المقبلان نحوه بسرعة لقتله، كل ما تمكن منه هو إبصار حتفِه المنعكس بنصل السيفين المتلمعان بالشمس، فاتسعت عيناه بذهل غير مصدقتان لمن قفزّ أمامه فجأة ماسحاً الخصمين بضربة واحد من ظل الوجود، ليصبحا دخاناً تلاشى كما حدث لأولهم .الذهل لم ينل منه وحده فسكنر بات في أقصى درجاته، بل بدى كالمصدوم حيّن أبصر سيف الشاب المتدخل، فاختفى من فوره من مكانه ظاهرا فوق تل صغير قريب من حيث الاثنين مراقبا بصمت واهتمام.
الشاب بدى كمن عرف أمراً باختفاء سكنر من أمامه كلمح البصر، فعلته الجدية ليهمس:
" إنه ..."
قطع كلماته قبل أن يبُثّ بها لتذكره لمن خلفه، فاستدار له لتلتقي عيناه الخضراوان بنظرات اليكس المتعجبة، فسأله بهدوء:
" هل أنت بخير؟ " - زاده سؤاله عجبا، فظل يحدق بصاحب الشعر الفضي الطويل المتمايل مع نسمات الريح التي هبت الآن، شاب يكبره ببضع سنين، تمتّع بملامح هادئة تكسوها الهيبة والشهامة، كما أن تعجبه لم يقف هنا وحسب بل جال بعينيه مستغرباً من السيف الذي يحمله، اختلف في شكله عن المعتاد، ذو نصلكبير حاد وبه بعض التعرجات، مقبضه بلون أخضر تتوسطه جوهرة سوداء، فتملكه شعور غريب برؤيته، وقبل أن يُجيب عما سٌئل عنه خاطبه الواقف أمامه بابتسامة طيبة ماداً إليه يده عارضا المساعدة له بعد أن أعاد السيف المريب لغمده:
" لم تجبني بعد هل أُصِبت بمكروه؟ "هنا أجابه بهدوء:
" لا .. ، شكراً لك "
ثمّ أمسك بيده مُتقبلا مساعدته، فاستقام من على الأرض متناسيا حاله الذي كان به قبل لحظات.
في اللحظة أقبلَ شابان أخران بان عليهما أثار الجري، فتكلم الأشقر منهما متذمرا بأنفاس متقطعة:
" ما هذا يا كين! أتعبتنا باللحاق بك"
التفت آليكس ناظرا بهما بتعجب مستمر به، أدرك كين حاله فباشر بالتعريف عن نفسه قائلا:
" أُعرفك بنفسي أدعى كين شيرو "
ثم أشار لأشقر الشعر:
" هذا مانكس "
وحوّلَ مشيرا للأخر مسوَد الخصلات:
" وهذا سيمون "
تمعنهما آليكس ليلحظَ انزعاجا واضحا في مانكس المحدق به بغيظ يجهل سببه خلاف سيمون الرامق بنظرات جادة ثم نطق.. بهدوء:
" تشرفت بكم "
فكلّمه كين بثقة :
" ألّن تعرفنا بنفسك أيها المالك لقلادة الشجاعة "
ذهل آليكس بهذا، فرد باستغراب:
" كيف علمت بالقلادة!"
أجابه كين بعد أن رفع قلادة خضراء مشابهة للتي معه:
" هذا لأننا نملك مثل ما تملك"
لم يصدق ما سمعه بل مازال مشككاً في عثوره عليهم رغم مشاهدته للقلادة المتدلية من يد كين، تماما نفس التي بحوزته عدا اختلاف اللون، فنطق مستفسرا:
" أأنتم هم حقا! "
أقحم مانكس نفسه في حوارهما مجيبا بلهجة منزعجة:
نعم إننا نحن "
وأقبل إليه يشده بعنف من عنقه سامحا لغضبه بالتمرد، فأكمل بسخط:
" كُنا نبحث عنك في كل مكان وكأنك شيء جميل عليك أن تُقدر مقدار العناء الذي عانيناه بسببك "
انزعج آليكس من تصرفه المتعدي ومن قوله خاصة، فرد من فوره بنبرة منزعجة:
" لست وحدك من تعب فأنا لم أترك مكانا دون البحث فيه ...لو كنتُ أعلم أن من أبحث عنه مثلك لما فعلت مسبقا"
ثار مانكس بشدة فشدّ إليه آليكس ناوياً العراك قائلا بنفاذ صبر:
" كيف تبحث عنا وقد هرِبت منا حينها متجاهلاً نداءاتناياهذا! "
هنا تذكرهم إنهم الثلاثة اللذين هرب منهم قبلاً لاعتقاده الخاطئ بهم، ومع ذلك لم يتراجع عن موقفه المنزعج فقال:
" وكيف كان لي بمعرفة نواياكم حينها وأنفي أنكم قطّاع طرق كاللذين كانوا قبلكم "
جُنّ مانكس بما فهمه من كلماته، فتمتمّ بصعوبة وكأنه يحبس بركاين غضبه من الانفجار:
" قطّاع طرق! ... هل ترانا نشبههم في شيء حتى تظننا منهم!"
وقبل أن يتلقى إجابة منه تدّخلَ كين بينهما بعد أن شاهد ما يكفي فنزعّ يدي مانكس عن آليكس مبعداً كل عن الأخر قائلا بهدوء:
" هذا يكفي كان الأمر كله سوء فهم وانتهى الأن "
إستجاب له الاثنان في الظاهر خلاف دواخلهما التي تدعوهما للشجار، خاصة مانكس صرف نظره المستاء بعيدا عن مصدر إزعاجه كما فعل الأخر مِثله، هنا انتبه كين لإصابته النازفة، فاقترب منه قائلا ببعض القلق:
" أنت مُصاب دعني أرى جرحك لأتولى علاجه "
تنبيه كين له أعاد إليه الهلع خاصة عندما لمح دمائه المبللة لظهره، فاهتزت عيناه بصدمة وأراد التكلم لكن شفتاه المرتجفتان لم تسعفاه لينهار أرضا مغشيّا عليه بسرعة، فتسبب بالقلق لمن حوله لينزل إليه كين على عجل متفقده، ومانكس أخذه العجب من إغمائه الذي لم يحدث إلا حين نبّه كين بإصابته، فقال بذهول:
" ما به! هل هو بخير؟ "
أجابه كين وقد بدأ برفع آليكس من الأرض:
" فقدان للوعي فقط... سيكون بخير"
أما سيمون ظل بهدوء يقطنه وهو يتملّق بعينيه الحادتين الشخص الجديد الجاهل لقصته.
وعينان أخرى ظلت تراقب من بعيد ليُصيب التوتر صاحبها القابع أعلى التل، فهمس بعدم تصديق:
" الأربعة معا في مكان وزمان واحد ...هذا مستحيل "
ثم اختفى من مكانه ليظهر جاثيا على إحدى ركبتيه معلنا انصياعه أمام هالة الظلام حيث سيده، فتلقت أذنيه سؤال زيرايا الجاد:
" هل عثرت عليه أم أنك لم تجده بعد؟"
تزعزعّ بسؤاله فراح يجمع كلماته التائهة، ليُجيبه بارتباك دون أن يرفع نظره من الأرض:
" بلى سيدي عثرت عليه لكني لم أقضي عليه بعد"غضب من خلف الهالة، فالتمعت حمرة عينيه بوضوح من بين الظالم قائلا بسخط شديد:
" وما الذي منعك من قتله حتى الأن! "
أجابه بتوتر علاه:
" هذا لأنه التقى بالبقية سيدي "
هذا الخبر أفقد زيزايا عقله وجعل غضبه يتصاعد دون توقف، حتى الظلام القابع فيه تموّجَ بضراوة،فقال بنبرة جلّها الرعب:
" أنهي أمرهم جميعا وإلا إنك تعرف ما سيحل بك إنلم تفعل "
أسفلّ عن رأسه بخشية مجيبا له بهدوء متوتر:
" بالتأكيد سأفعل عُدّهم من الأموات "
بالكاد فتح عينيه المتألمتين لتبصرا ثوب السماء المسوّد والملتمع بالنجيّمات ممتداً من فوقه, تعجب من حلول الليل فجأة حسب ظنه غير مدرك للمدة التي بقيّ فيها فاقداً للحس , تشوش أصاب تفكيره فشريط الأحداث الملمة به أعاد عرض نفسه عليه ليشعره بالثقل في قلبه ,فجوّل نظره يساره ليجدَ نفسه تحت تل صخري, ثمّ نظر لجسده الممد أرضاً متفحصاً الغطاء الأبيض المُغطى به, فنهض مزيحه عنه لتُكشف له الضمادات المحيطة بصدره, قلق لفقدانه ثيابه فتفقدّ حوله ليرى قربه قميصه السكري بسيط الشكل والمخفي لطبقته النبيلة التي كان بها ,كان نظيفا خالي من الدم الذي كان به, فرفعه باحثا فيه عن سبب قلقه ليهدأ مطمئناً حين تلمسها بيده في إحدى جيوبه , تلك القلادة الذهبية التي هي أعز عليه من نفسه و ذكرى حميمة من والده , فاعتراه الحزن بتحديقه بها .
وعلى غفلته الشاردة استقبلت أذناه صوتا ليس بالغريب عليه لكن بدى له هادئا:
" غريب أمرك تهلعُ دون سبب وتهدأ دون سبب أيضافما بك! "
انتبه على يمناه ليُبصر مانكس جالسا تحت التل نفسه، وقربه نار متقدة تضئ ما حولها، كان يرمقه بنظرات هادئة تخللها حزن ما، جعلته يحدقُ به دون إرادته كأنّه يبحث عن سبب لما أستشعره فيه من حزن، ولم يُطل استغرابه حتى سأله مانكس بهدوء:
" كيف صرت الأن؟ "
أجابه رغم تعجبه منه:
" بخير "
لم يكتفي مانكس بسؤاله بل أتبع بكلماته النادمة:
" أنا أسف لم أكن أعلم بإصابتك حينما شاجرتك "
تفاجأ للحظة من اعتذاره الصريح والمبرهن لحسن جوهره عكس ما ظهر منه قبلاً، فابتسم بهدوء دون شعور منه حينما تلمّس منه ذلك فقال:
" لا عليك ..أنا أيضا لم أكن أفضل منك حينها "
أتم كلماته ونهض يرتدي قميصه متجاهلاً شعور الألم المعتريه، فأبقى عيني مانكس معلقتين به بحيرة تسكنهما ربما لقبوله اعتذاره ببساطة.
في اللحظة قدم كين تجاههما ومعه سيمون من بين الظلمة الممتدة في الأفق يحملان عيدان للنار،فتكلم بابتسامة فرحة عندما شاهد آليكس الواقف:
" كيف تشعر الأن؟ ..أقلقتنا عليك ظللت فاقدا للوعي مدة ليست بالقليلة"
أجابه بهدوء عندما سمعه وقد التفت نحوه:
" انا بخير... شكرا لك وأعتذر لما سببته لكم "
تبسّم مخاطبه لينطق بطيبة:
" لا تقل ذلك أنت الأن واحد منا والمهم هو أنك بخير"
كلماته فاضت طيبة بل كان صاحبها أشد طيبة منها،ليُصيب آليكس بالتبكم في مواجهته فظل بصمت يسكنه.
الأربعة معا كُتب لهم اللقاء بين تلك التلال المحيطة بهم، فجلس جميعهم حول النار المشتعلة الحاوية على عشاءهم بين ألسنتها.جميعهم بدى مهموما ومشفقا من حاله، فسبقهم بطرح الأسئلة التي وجب أن يلّم بأجوبتها:
" ما قصة القلادات؟ .. وما الذي ينبغي علينا فعله بها؟ "
أجابه سيمون بطريقة جادة وهادئة:
" لا علم لنا بها "
ذهل آليكس كثيرا، فنطق بشبه صدمة:
" لا تعلمون عنها شيئا! ...كيف ذلك قيل لي أنيسأعرف كل شيء عندما ألتقي بالبقية "
تملقه كين بنظرات مهمومة ليجبه:
" يؤسفني أني لا أعرف إلا القليل عنها وهو أن اجتماع القلادات وأصحابها هم السبيل للخلاص من شر أكبر الطغاة "
يئس بالرد فهو مازال يجهل الحقيقة لما يملكه ولما هو بالتحديد من ضمن شعب كامل، فهمس بيأس:
" وماذا سنفعل إذاً! "
ضحك مانكس منه فتكلم ببشاشة:
" لما أنت يائس هكذا! ..لم تنضم إلينا سوى اليوم أمامنا الكثير لنفعله مثلا كإيجاد شخص يحيط بالحقيقة"
كان محقا في قوله فلم ينزعج آليكس منه، إلا أنه صرف نظره المهموم بعيدا يستدرج أفكاره، فاستلم قلبه سؤال حرك جراحه الدفينة:
" أنت من مملكة النور أليس كذلك ؟"
التفت ليرى سائله وما كان غير كين، لبث لثواني بسكون ثم أجاب بهدوء:
" بلى لكن كيف علمت ذلك! "
أجابه بثقة:
" تحليل فقط...كنا قد ذهبنا الى هناك ولأسباب استنتجت ذلك "
التزم الصمت بعد تلقيه الإجابة، وسمح لقلبه المتألم بالغياب بعيدا متناسياً وجوده بينهم الى أن سمع نبرة جُلها أسى وحسرةً تخص كين:
" كنتُ دائما أتوق لرؤية تلك المملكة... إشتهرت دون غيرها بفضل حاكمها تمنيت لو أني التقيته "
اختنق قلبه كثيرا وآذاه ما سمعه، فلزم الصمت الحزين لعله يحفظ نفسه المتألمة والمنهارة، لكن لم يعد يحتمل بعد أن تفوه مانكس بسؤاله لكين:
" ما كان أسم الحاكم لقد نسيته رغم ذكرك له كثيرا "
في اللحظة انقبض قلبه بشدة، فنهض يقف من فوره مجيبا بأسى بدل عن المقصود بعد أن استدارفأصبح يقابلهم بظهره مخفياً دمعه الذي بدء بالانهمار رغما عنه:
" إرياس ...كان أفضل حاكم على الإطلاق "
ثم خطى مبتعدا بين الظلمة جاعلا الحيرة تملأ من خلفه، فناداه كين قائلا:
" آليكس الى أين أنت ذاهب! "
أجابه دون التوقف ولا الإلتفات له:
" سأعود بعد قليل "
وأختفى بعدها بين جدران الظلام وما عاد يُرى لنظراتهم المرتابة، فهمس سيمون بجدية لكين:
" إنه يخفي أمراً ما "
صمت يتفكّر بما هُمس له، لتُحدق عيناه الخصراوتان حيث اختفى صاحبهم، ثم همس بهدوء:
" ربما ...لكن أياً ما كان يخفيه أرجو ألا يكون سيئا"
يُتبـْع ...
تدقيق : ديورين |
-
__________________ سُبحان الله العظيم
سُبحان الله وبحمدِه
التعديل الأخير تم بواسطة Mārionēttē ; 11-15-2019 الساعة 03:31 PM |