05-15-2018, 05:54 PM
|
|
المسلم الرمضاني 2018
بسم الله الرحمن الرحيم المسلم الرمضاني له شأن في هذا الشهر الفضيل يختلف اختلافا تاما عن عموم الناس .. إنه يدرك أن رمضان محطة غنية بالمعاني والدروس والتوجيهات غنا ربما لا يتأتى لشهر آخر، لذلك فهو يستشعر نوعا من المسئولية الذاتية والمجتمعية تحمله على محمل الجد والتميز رغبة منه في الفوز بأكبر قدر من منح وعطايا هذا الموسم الإيماني السنوي، خاصة والأجواء مهيأة والهمم متطلعة والمساجد عامرة والشياطين مصفدة ورحمات الله لا تحصى ولا تعد .. من هنا كان للمسلم الرمضاني سمت فريد وبصمة متميزة، فهو يعيش أجواء هذا الشهر برؤية خاصة وهمة عجيبة ورغبة ملحة في أن يدرك ركب الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. • المسلم الرمضاني: يتفاعل بشوق مع التغيرات الكونية التي تحدث في شهر الرحمات .. روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ» .. وهذا الشوق ينبثق في دواخله حتى قبل أن يبدأ رمضان، فتجده كثيرا ما يدعو: (اللهم بلغنا رمضان) حتى إذا أهل الشهر الفضيل استقبله بهمة جديدة وعزيمة فريدة، فالصلوات تستغرق الأوقات، وختمات القرآن تتوالى، والأذكار تلهج بها الألسنة، والصدقات تُغدق على ذوي الحاجات .. فأوقاته من طاعة إلى طاعة، ومن قربة إلى قربة. لوم نفسه على التقصير أشد من لومها على جمع الجليل والحقير، ورحم الله الحسن البصري حيث يقول: "إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه، وكانت المحاسبة من همته".
وهذا بعكس من يستثقل قدوم رمضان لأنه سيحرمه من السيجارة أو كوب الشاي أو القهوة الذي لا يغادر مكتبه، أو يحرمه من وجبات اعتاد عليها ومشروبات يرتوي بها ..
فمن أخلد إلى الأرض لا يرى في رمضان سوى صداع الرأس من شدة الجوع والعطش، وحرمان النفس مما لذ وطاب، وتعكير المزاج بتلجيم الملذات. فهو يسير في أيامه بملل يحاول أن يقتله بالنوم تارة وبالمسلسلات تارة وباللعب تارة أخرى!!
قال الحسن البصري: "إن الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا، وتخلف آخرون فخابوا، فالعجب من اللاعب الضاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون". • المسلم الرمضاني: خلوق أكثر من أي وقت مضى، وأكثر من أي شهر انقضى، شعاره «إني صائم، إني صائم» يتجلى في معاملاته ومناقشاته وحتى مجادلاته وخصوماته .. إنه يتصالح مع نفسه عندما يتمثل الصيام واقعا سلوكيا لا شكليا فقط .. فهو صاحب «الصوم النظيف» .. الصائم الكاظم لغيظه والعافي عن الناس والمنضوي في قائمة المحسنين، رغبة في رضا رب العالمين .. يمر باللغو مر الكرام، ويدع قول الزور والعمل به، ويبذل النصح لكل مسلم، صومه عن المحرمات قرين صومه عن المطعومات، يحدوه الأمل في قبول الغفار والعتق من النيران. • المسلم الرمضاني: يدرك جيدا أن رمضان شهر النصر، ويستشعر عبق بدر وفتح مكة وعين جالوت وغيرها من الأمجاد (185 انتصاراً وفتحاً غيرت مجرى التاريخ)، وإنما كان النصر الرمضاني فريدا لأن مدد الله في هذا الشهر فريدا أيضا، مع ما في رمضان من الصبر الذي هو قرين النصر، قال تعالى: {بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125] ورمضان شهر الإرادة التي هي عامل قوي في حسم الحروب والمواقف، والصوم سبيل التقوى التي هي مفتاح محبة الله ومعيته وولايته ونصره وتأييده، قال تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران:126] ولذلك تجد المسلم الرمضاني في هذا الشهر يسعى للنصر سعيا حثيثا، نصرا على النفس والهوى والملذات والشهوات، ونصرا على الكسل والفتور والسلبية، ونصرا على رتابة الأحداث وملل الروتين اليومي، ونصرا يجعله -إن شاء الله- في مصاف عتقاء الله من النار في هذا الشهر الكريم. • المسلم الرمضاني: إيجابي يحمل هم أمته، ويعايش بواقعية وحركية قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكــــــم تتقــــــــون} [البقرة:183] وتحقيق التقوى بالتزام أوامر الدين وواجباته، ومنها «واجب الدعوة» الذي تزداد أهميته ووجوبه في مثل هذا العصر الذي بعدت فيه الأمة عن جادتها وكثرت جراحها وأنات ضعفائها من كثرة هزائمها وإخفاقاتها، ولعبت فيه الآلة الإعلامية الفاسدة بعقول أبنائها، فتوجب على المستشعرين لهذه المسئولية الجسيمة عدم التواني في تعبيد الخلق لرب الخلق، ولم شعث الأمة، وتوجيه طالب الحق إلى معالم الصراط المستقيم، ودحض شبهات الأفاقين وتلبيسات الأفاكين.
والتاريخ يشهد والتجربة تحكي أنه يوم عُمرت قلوبُ السلفِ بالتقوى، جمعهم اللهُ بعد فرقة، وأعزهم بعد ذلة، وفُتحت لهم البلاد، ومُصرت لهم الأمصار .. كل ذلك تحقيقا لـموعودِ الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96] يتبع |
__________________ "لبّيك إن العمر دربٌ موحشٌ إلا إليك "
يا رب |