10-06-2018, 07:48 PM
|
|
-آماس الفـــصــل الأول
خرج النادل من المطبخ يحمل صينية تحتوي على أغلى أنواع الشراب ، وراح يشق طريقه بين الطاولات المصطفة ,كانت كل العيون موجهة نحوه باهتمام بالغ ، بينما هو ركز نظره وتفكيره على تلك الطاولة المنعزلة عن الحشد في احدى زوايا المطعم....وضع الصينية بحذر شديد عليها، وأخيرا انتهت مهمته دون ان يرتكب أي خطأ يهدد مستقبله المهني كنادل في هذا المطعم، انه يتعامل الان مع اثنان من أنبل رجال العالم و لا مجال للارتباك او الزلل, لقد حذره الطباخ مسبقا قبل خروجه من ان يتحامق امام الزبائن, تركهما وانصرف بعد انهائه لعمله...أطفأ الرجل الذي يجلس على الناحية اليسرى سيجارته و قال لزميله :" حسنا يا كينج ....اليس الوقت المناسب لنتحدث عن الموضوع؟" أنزل الاخر كأسه بعد ان تجرع منها جرعة خاطفة :" أجل...معك حق لقد كبرت ابنتك يوريكا وأصبحت في الثامنة عشر من عمرها أي مناسبة للزواج لهذا ينبغي أن نعمل على اعلان خطبتها من ابني الاصغر ياتوا كما اتفقنا سابقا ....سيصل من لندن قريبا " ابتسم الرجل الاخر علامة على الرضى :" اجل لقد عرفت هذا من يوريكا فهي لم تتوقف عن الصراخ منذ سمعت بنبأ قدومه، فتارة تنبش خزانتها وتارة اخرى تجهز زينتها لم افهم ما الذي حصل لها وجعلها متحمسة هكذا؟ "
تأمل كينج كأسه مطولا قبل ان يجيب قائلا :" انه ربيع الشباب ....أتعرف شيئا يا صديقي؟ قالت زوجتي صونيا انها لن ترضى بغير يوريكا زوجة لياتوا وانا أوافقها الرأي فهما يعرفان بعضهما منذ الصغر أضف الى هذا ان ياتوا اصبح في الخامس والعشرين من عمره وعليه ان ينشأ عائلة ولن يجد احسن من ابنتك لتكون سندا له " ارتاح والد يوريكا عند سماعه لهذا الخبر المفرح، فهو يعلم منذ زمن بعيد بمشاعر ابنته الوحيدة المدللة تجاه ابن صديقه في العمل, ومستعد ان يفعل اي شيء لإسعادها.....
.....في هذه الاثناء حطت الطائرة القادمة من لندن في مطار طوكيوا فنزل الركاب منها ,ما عدا شابا ظل نائما في احدى مقاعدها، فاقتربت منه مضيفة الطائرة الشابة وقالت له بصوت رقيق :"عذرا سيدي ...لقد وصلنا الى وجهتنا " كان يبدو بريئا جدا وهو نائم بينما تمردت بضع شعيرات من شعره الاشقر وشقت طريقها على جبهته فمدت يدها لتبعدها عن وجهه, كان قلبها يدق بسرعة جنونية و عرقها يتصبب بسبب ارتفاع حرارة جسمها ,ما ان لمست جبينه فاذا به يفتح عيناه وراح يتأملها ببرود، كان للون عينيه الرماديتان وقعا على مشاعرها و التهبت وجنتاها بسبب الحرارة التي ارتفعت في المكان فجأة :" ما الامر يا آنسة ؟؟" قالت متلعثمة :" لقد كانت هناك عنكبوت على شعرك فأزلتها ...هذا كل ما في الامر" وقف مستعدا للمغادرة دون ان يشكرها على ذلك , بالرغم من انها كانت كذبة لكن ما أدراه هو؟ فقد كان نائما و بالرغم من فظاظته الا انها ظلت ممسكة وجهها المحمر بيديها الاثنتين بينما هي تراقبه وهو ينزل من الطائرة لقد كانت جاذبيته طاغية، لو انه في تلك اللحظة طلب منها شيئا ما لأعطته العالم كله ....هذا كان تأثير ياتوا على كل فتاة يقابلها لكنه لا يبالي بذلك مطلقا الا اذا احس بالضجر فكما كان يقول لشقيقه الاكبر دائما (( الفتيات للتسلية فقط بالنسبة لي )) ان اخوه متزوج بابنة عمه" ماريان " وهما على علاقة رائعة لكن هذا لم يغير من نظرته نحو الزواج والارتباط او حتى اقامة علاقة جدية لهذا تدعوه والدته دائما بالمستهتر لقلة اهتمامه بمشاعر الاخرين, على كل حال حتى مجيئه الى طوكيو كان بإلحاح من افراد أسرته لرؤية العجوز التي يفترض بها أن تكون جدته لأبيه ....سار في المطار بكل ثقة كما يفعل دائما فالتوت اعناق الفتيات ,يراقبنه بينما هن يتأوهن في اعماقهن يا للإزعاج!!! هذا ما فكر به في تلك اللحظات.... فجأة برز له من بين الحشد شخص مألوف ,لقد كانت يوريكا برفقة السائق تبحث عنه بين الوافدين, هذا الذي كان ينقصه ستبدأ بسؤاله لما لا تقرأ رسائلي ولم لا تكتب لي ؟ حمل حقيبته على ظهره وانطلق مسرعا في الاتجاه الاخر انه لا يرغب بان يلتقي بها ، فهي كلما تحدث معها سببت له وجع الرأس ,و بينما هو يركض بأقصى سرعته في الشارع اذا به يصطدم بشخص قادم في الاتجاه المعاكس فأوقع حقيبته على الارض ما سبب له الغضب ..... ........كانت آشلي تسير في الشارع وهي تحمل مظلتها كي تحميها من الامطار التي راحت تتهاطل بغزارة لقد ذهبت الى المتجر لأنها كانت بحاجة الى بعض الاغراض و لتحظر بعض الطماطم لامها ايضا .... عاشت بمفردها مند كانت صغيرة لان والدتها تزوجت مرة اخرى و تركتها في مدرسة داخلية، لكنها انفصلت عن زوجها الشهر الماضي وجاءت لتعيش معها...لهذا فهي تشعر وكأنها شخص غريب عليها، فقد كان من الصعب التأقلم مع الوضع حتى انها تمنت مرار وتكرار ان تغادر شقتها وتتركها وشأنها، لقد قالت لها عندما جاءت اليها انها نادمة لأنها تركتها وباشرت بالبكاء أيضا لتدعم مسرحيتها الدرامية لهذا سمحت لها بالبقاء بالرغم من كونها على دراية ان امها لم تحبها... لا اليوم ولا في الماضي وانما لا ترغب في تكبد عناء البحث عن شقة ، فهي مفلسة اذ ان زوجها لم يمنحها فلسا واحد لهذا قررت رفع قضية ضده للمطالبة بحقوقها كما تدعي .... .......الوقت يمضي بسرعة والامطار تزداد غزارة، لهذا توجهت آشلي الى احد المقاهي وجلست على طاولة قريبة من الباب تنتظر المطر حتى يتوقف عن الهطول تقدم منها النادل وسألها عن طلبها، فطلبت كأس قهوة ساخن , راحت تقاوم النعاس بشدة وتحاول ابقاء عينيها مفتوحتان لكنه تمكن منها فغفت ولم تنتبه لتأخر الوقت ,عندما استيقظت وجدت معظم الزبائن قد غادرو المقهى فحملت مظلتها ودفعت الحساب وخرجت مسرعة ,لقد تأخرت كثيرا عن موعد العودة الى البيت .....كانت تركض بسرعة تحت المطر ولم تنتبه للشخص القادم نحوها فاصطدمت به و أوقعت كل أغراضها على الارض و كذلك هي وقعت على مؤخرتها :" مؤلم ....!!" رفعت نظرها نحو الشخص الذي كان سببا في سقوطها, كان يرمقها بنظرات غاضبة جدا تتطاير منها شرارات اللهب, لم يحاول مساعدتها على النهوض بل اكتفى برفع حقيبته ووضعها على كتفه بطريقة ساحرة ,جعلتها تائهة في كل حركة يقوم بها لقد كان شابا وسيما جدا طويل القامة رياضي الجسم قال لها ساخرا :" في المرة القادمة عندما تقررين رمي نفسك أمامي لأراك اختاري مكانا أقل بلالا و التربة فيه جافة " لقد كان كلامه فظا جدا, هل ظن أنها رمت نفسها أمامه قصدا لتتعرف عليه؟؟ كم هذا شنيع ,يا له من مغرور كبير من يظن نفسه ؟؟ تابع سيره دون ان يلتفت نحوها حتى, لم يكن يبالغ فيما قاله, فقد تعمدت الكثير من الفتيات رمي أنفسهن أمامه بكل وقاحة ,الفرق بين تلك المرات وهذه المرة هو كونه يسير على قدميه ولا يقوم بقيادة سيارة .....وصل ياتوا الى بيت جدته مبتلا بكل ما لهذه الكلمة من معنى, كان شعره الاشقر مبعثرا على جبينه بطريقة زادته فتنة وجمالا, استقبلته العجوز بفرحة عارمة فاستأذنها بالذهاب ليغير ثيابه و يأخذ حماما ساخنا. ارتدى ثيابا منزلية دافئة ونزل الى الصالون حيث كانت جدته تجلس وحيدة تشاهد التلفاز في غرفة الجلوس انها منذ وفاة جده تعلقت بالوحدة, قال له والده بانه يشبهه الى حد كبير لهذا لاشك انها ترى فيه جده كلما زارتهم في لندن :" مرحبا جدتي ....أتعرفين؟؟ ارغب في شراء سيارة وأخدك في جولة عندما تشرق الشمس من جديد لتعرفيني على معالم طوكيو " ابتسمت جدته بسبب حماسته كان يجلس على الكنبة بالقرب منها، لقد كبر ياتوا ولم يعد صغيرا كما كان لقد أضحى يشبه جده كليا عدا اختلافهما في لون العيون , توجه ياتوا نحو النافذة وراح يتأمل قطرات المطر و هي تتراقص في الهواء كان المنظر جميلا جدا جعله يشرد بعيدا ,اصطفت الاشجار على حافتي الطريق وحنت رأسها خشوعا عند عبور سلطان الرياح .....وكانت البيوت رغم اختلافها في طريقة هندستها الى انها تشترك في أسقفها القرميدية المزركشة على الطريقة اليابانية ,ان هذا الشارع يحتفظ بثراته لكن مع لمسة العصرنة، ما أعطاه سحرا من نوع خاص فجأة رن هاتفه فأعاده الى ارض الواقع حمله ورد على الاتصال كانت فتاة التقى بها في الطائرة فطلبت منه رقمه ومنحها اياه :" مرحبا لانا كيف حالك هل وصلت الى وجهتك ؟؟" ردت عليه بصوت حنون :" نعم لقد وصلت الى وجهتي لكن عقلي لم يصل ....اتعرف لقد بقيت في تفكيري طوال مدة سيري لهذا رغبت ان اسمع صوتك " ابتسم في سره لا ضير في بعض التسلية :" ما رأيك ان نتقابل ....سأدعوك على العشاء الليلة " فرحت كثيرا لهذه الدعوة المفاجئة فعبرت عن حماسها بان صرخت قائلة :" انا لا اصدق؟؟ اعني اين سنلتقي ؟؟" رد عليها بعد صمت :" اعطني عنوانك سآتي اليك بنفسي ..." منحته عنوانها بسرعة فقام بتدوينه ثم انهى المكالمة فسألته جدته :" هل ستخرج ؟؟....موعد اذن " ابتسم لها وقال :" ارغب في التعرف على اليابانيات عن قرب " صرخت جدته في وجهه قائلة :" اياك ان تورط نفسك مع يابانية اصيلة لأنها لن تكون كالبريطانيات لا يكترثن لأمر الشرف والاخلاق ويدعين انهن مساويات للرجل ولهن نفس حريته " انفجر ضاحكا وقال لها :" احتقار واضح للبريطانيات .....لكن معك حق فهن يفعلن ما يشأن بحجة المساواة لا تقلقي سأعمل بنصيحتك ولن اورط نفسي " عندما هم بالخروج اعترضت طريقه سيارة فيراري حمراء ذات سقف متحرك و خرج منها وكيل اعماله راسما على وجهه ابتسامة وقال :" ها هي السيارة التي طلبتها ...(نظر نحو السيارة وتابع كلامه بحماسة زائدة عن اللزوم) ..حمراء جريئة وسريعة كما تحب تماما وقد دفعت ثمنها " تقدم ياتو نحوها ببطئ ثم التفت نحوه وقال:" شكرا لك كما طلبتها تماما ....هذه النقطة التي اقدرها فيك لا يمكن ان تتأخر عن مواعيدك مطلقا " خرجت جدته لترى من القادم وقد تفاجأت برؤية السيارة امام الباب فنظرت الى حفيدها وقالت :" لا تتأخر ابدا تفكر من هنا وتطبق من هناك " ابتسم لها وقال :" ستكون الرحلة التي وعدتك بها هي التالية " حمل المفاتيح ودخل السيارة وما هي الا دقائق حتى انطلق بها يشق طريقه في شوارع طوكيو المظلمة، فنظر موكله نحو جدته وقال لها :" ليس صبور ابدا " ضحكت الجدة وقالت :" كجده تماما ...ان لديه موعد ما رأيك ببعض الشاي يا بني " ثم دخلت البيت فرافقها برحابة صبر لن يرفض مطلقا الشاي الياباني ليس لأنه يحبه وانما لان رفض دعوة عجوز كبيرة في السن لشرب الشاي تعد اهانة حسب التقاليد .....دخلت آشلي الى البيت وهي تحمل الاغراض التي اشترتها ،كانت كلها ملطخة بالطين والطماطم مهروسة ، انه حقا أتعس يوم في حياتها دخلت الى الحمام حيث غسلت وجهها ثم غيرت ثيابها المتسخة بعد ان اخذت حماما ساخنا ازال عنها الطين والغبار ...توجهت نحو المطبخ واتخذت لنفسها كرسيا بالقرب من الطاولة المعدة لتناول الطعام وراحت تراقب المشتريات لم تعد كلها صالحة للاستعمال ،عاد ذلك الشاب من جديد الى مخيلتها لقد كان السبب في كل ما حصل معها وبالرغم من ذلك فان هناك جانب خفي في اعماقها يتمنى مقابلته مرة اخرى لقد كان رائعا وفظا في نفس الوقت كانت تضع يديها على خديها وهي شاردة تتذكر اللحظات التي جمعتها به فلم تلحظ أمها الواقفة في الباب حتى صرخت الاخرى قائلة :" يا آلله ....من فعل بالطماطم هذا وكأن حيوانا داس عليها بقدميه " استعادت وعيها لتراقب فظاعة ما حصل للمشتريات فصرخت قائلة هي الاخرى :" انه شخص احمق لأنه لم ينظر أمامه ثم كيف يجرأ على اتهامي بذلك القول الشنيع ...امره لا يهمني انها فقط مجرد فترة جنون مؤقتة سأنساها مع طلوع الفجر" نظرت امها نحوها مستغربة :"عفوا!!!"ردت عليها آشلي بسرعة :" لا لا لا شيء انا فقط اهدي لا تهتمي لأمري....انا ذاهبة الى عملي " خرجت من المطبخ متجاهلة رغبة امها في معرفة ما حصل للأغراض .......كان الزبائن يشغلون كل المقاعد في المطعم عندما وصلت الى هناك فارتدت ثياب النادلة بسرعة وباشرت بتقديم الطلبات لقد اختارت الفترة المسائية للعمل فيها لأنها بهذه الطريقة لا تتغيب على دروسها الجامعية و تستطيع التوفيق بين العمل والدراسة لن يطول الامر كثيرا فستنهي دراستها قريبا و بهذا ستسخر وقتها للعمل وحسب كانت تنتقل بين الطاولات برشاقة والجميع في المطعم يمدح كفاءتها حتى المدير فهي لا تحب ان تحمل نفسها ما لا طاقة لها به وكل عمل تقدم عليه تحب ان تتقنه و تنجزه على أكمل وجه عندما شعرت بالتعب توجهت الى المطبخ وجلست على كرسي هناك فقال لها الطباخ :" ترهقين نفسك كالعادة يا كوشينا ..." لم ترد عليه فليس من طبعها الحديث مع الاخرين بالرغم من أن السيد ايهاب طباخ محترف في الطهو الاكل من جهة و طبخ عبارات الاحترام و اللباقة أيضا للجميع من جهة أخرى ما جعله محبوب من قبل الجميع وحتى هي تحترمه لكن ليس أكثر من ذلك دخلت جوري وهي زميلة لها هناك في العمل ايضا وقالت :" لا اعتقد ان احدا من المساعدات سيقدم لدعمك يا ايهاب فهن واقفات خلف الباب يراقبن ذلك الزبون الامير الذي دخل الى المطعم و صديقته المتعلقة بذراعه " ابتسم لها ايهاب بينما هو يضيف بعض البهارات الى الصلصة ويخرج الحلويات من الفرن ثم قام بتزيينها وقدمها لآشلي:" هيا يا نشيطة اوصلي طلب الطاولة رقم ستة " حملت الصينية وخرجت الى حيث الزبائن قدمت الاكل للزوجان اللذان يجلسان في الطاولة رقم ستة ثم توجهت نحو الزبونان اللذان قدما حديثا ، وهنا كانت المفاجئة اذ ان الشاب الذي أعجبت به الموظفات هو ذلك الشاب الفظ الذي اتهمها بانها تعمدت الاصطدام لتقابله الان فهمت سبب قوله لذلك الكلام فهو على ما يبدوا يحظى بشعبية كبيرة ولو كانت مكانه لما تمكنت من الاكل بحرية و كل تلك العيون تسترق بعض النظرات المعبرة بين الحين والاخر عليه قالت بعد صمت دام طويلا:" عذرا ما هو طلبكما ؟؟؟" ........تأملني ذلك الشاب مليا وكأنه يحاول البحث في ذاكرته عن المكان الذي سبق و التقاني فيه فأجبته ببرود و في غياب اي تعبير على وجهي فأنا حقا لا احب الاشخاص الذين يطيلون النظر الي خاصة النظرة التقييمية :" لقد اصطدمت بك هذا الصباح وحسب يا سيدي لهذا أبدوا لك مألوفة " راحت الفتاة بقربه تنظر الى ثيابي باحتقار واضح أما الشاب فقد دهش لأنني قرأت ما يدور في رأسه و كأنه لم يعتد على أن يفهمه أحد هذا أعطاني نوعا ما لمحة عنه لاشك أنه شاب مسكين يتعسر على الآخرين فهمه انه نوعا ما يشبهني في هذه النقطة قطع حبل أفكاري بطريقة مزعجة وقال :" أجل لقد عرفتك منذ البداية لهذا ما من داعي لتذكريني بذلك أيتها النادلة ..." و ضغط على كلمة نادلة فكانت بلهجة استهجان و استهزاء من يظن نفسه يا ترى ليحدثني بهذه الطريقة؟ لقد عانيت طويلا لأحصل على هذه الوظيفة لهذا حاربت لأتمكن من تمالك نفسي فلا يجوز ان اصرخ في وجه زبون :" جئت لتسالينا عن طلبنا على ما أعتقد و ليس لتثبتي عينيك في هكذا و كأنك لم تلمحي رجلا في حياتك " شعرت بالدم يغلي في عروقي و تلون وجهي بالأحمر لشعوري بالخجل بسبب كلامه اذ التفت الينا جميع الزبائن يا للإحراج!!! سجلت طلبهما و توجهت الى المطبخ بسرعة لن اعود الى هناك ثانية ذلك الوقح عديم الحياء ...عندما حكيت القصة للطباخ ايهاب انفجر ضاحكا و قال :" انظري الى لون وجهك انه كلون هذه الصلصة التي سأضيفها الى الاكل ....مسكينة آشلي الخجولة لا تقلقي انا سأذهب لأقدم لهما طلبهما و انت تابعي الطهو هنا " نظرت نحو القوائم و الطلبات التي عليه تجهيزها في مدة محددة وتحججت قائلة :" تعرف انني لا اجيد الطبخ ....اعني ليس مثلك لن يكون طبخي لذيذا و سيهرب الزبائن حتما " فقال لي و هو يحضر الطلب :" ذكية اذن ما رأيك ان تتوقفي عن التذمر وتأخذي طلبهما فكل شخص هنا لديه عمل خاص به يا عزيزتي فانا على سبيل المثال لا اقدر على الخروج وتقديم الطعام للزبائن لأنني الطباخ مفهوم ...لا تنسي الزبون دائما على حق " حملت الصينية بانزعاج وتمتمت بين شفتي :" لكن لصبري حدود .." فانفجر ايهاب ضاحكا فليسخر مني كما يشاء هو فقط يطبخ هنا بعيدا عن الناس لهذا لا يعرف معنى ان يتعرض للإهانة خارجا من قبل الزبائن .... ......حمل ياتوا كأس العصير وراح يشربه بملل ظاهر عندما لمحت رفيقته انزعاجه تذمرت قائلة : " لا اصدق متى سيحضرون طلبنا ....هؤلاء الحمقى انهم حتى لا يقدرون معنى التفاني في العمل وانجازه على أكمل وجه " شعرت آشلي بالانزعاج لسماع كلمات تلك المدللة من تظن نفسها لتقيمهم انهم يتعبون ويحاولون دائما ان يقدموا احسن ما لديهم ومنذ اصابة السيد سوجي بآلام مفاصل ومكوثه في المشفى و هم يبدلون قصارى جهدهم ليتمكنوا من دفع اقساط علاجه ...لقد ضحى ذلك الرجل العجوز كثيرا حتى تمكن من تأسيس هذا المطعم ووثق بهم و وظفهم ليعملوا معه بالرغم من كونهم جميعا اما طلاب جامعة او عاطلين عن العمل وحتى مفصولين من اعمالهم السابقة انه رجل طيب وحكيم والجميع يحبه لنشاطه وحيويته مع انه في الستين من عمره لقد ساعدهم جميعا دون تكبر انها لن تنسى جميله مطلقا واهانة عمل الموظفين هنا يعني اهانته ، تركت الصينية بينهما بقوة جعلت الفتاة تشهق من هول الصدمة بينما رفع ياتوا حاجباه استغرابا ، لم تكترث لردة فعلهما بل اكتفت بقول :" هذا طلبكما يا سيدي ....تناولاه بالصحة والعافية وغادرا المطعم " رفعت الفتاة الاخرى صوتها قائلة :"أتطرديننا أم مادا يا خادمة " ابتسمت لها آشلي ببرود و قالت لها :" الخادمة هي تلك المرأة التي تعمل في بيتك و تصرخين في وجهها متى شئت وتتذمرين من تأخرها في تنفيد طلباتك ....اما هنا فالأمر مختلف, انا نادلة أولا ولست خادمتك ثانيا ان لم تعجبك خدماتنا و اهتمامنا بزبائننا فارض الله واسعة والمطاعم فيها كثيرة اذهبي اليها و دعينا وشأننا و شيء آخر , بهذا الاسلوب في التعامل سيكون مصيرك نفسه في كل مكان تذهبين اليه..." التفتت نحو ياتوا فوجدته يبتسم بسخرية و يبدو عليه الاستمتاع بالموقف اذ راح يشرب كأسه بتكاسل و يتفرج عليها بينما هي تلقي محاضرتها على شريكته، فرمقته بنظرة محذرة وغاضبة ثم غادرت المكان بعيدا عن ناظريه و لم تخرج من المطبخ بعد ذلك ...جلس ايهاب بقربها و امسك بيديها بلطف ظاهر بينما استلمت سيرينا الطهو وهي مساعدته في العمل تبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما نحلية الجسم ذات بشرة سمراء و جميلة الوجه :" لا تنزعجي يا آشلي ...انسي ما حدث " رمقته بنظرة غاضبة :" كيف انسى ذلك لقد اهانت سوجي ..." التفتت سيرينا نحوها بينما يدها مشغولة بتحريك القدر الموضوع على النار وردت معلقة على كلام كوشينا:" هي لم تقل سوجي كذا وكذا بل قالت اننا مقصرين في عملنا ومعها كل الحق فقد سحرت الموظفات بشريكها وتركن عملهن ....بالحديث عنهن سيعاقبن ثلاثتهن " كانت آشلي على وشك قول شيء قبل سماع صوت تحطم و صراخ ينبعث من الداخل حيث الزبائن فخرجوا مسرعين ليتفقدوا ما يجري....كانت الكؤوس محطمة على الأرض و الطعام ملقى مثل القمامة بينما هانز وهو طالب في المرحلة الثانوية كان بحاجة الى المال فوظفه سوجي قبل مدة من ذهابه الى المستشفى جالس على الارض يمسح حداء الرجل الواقف الذي راح يصرخ قائلا :" أتسمون هذا طعام؟ أين رئيس المطعم ؟سأقاضيه ...لن أسمح بهكذا ادلال انا عضو في الحكومة أعامل بهكذا طريقة ...ابتعد الان عني ايها القمامة ..." و ضرب هانز بقدمه حاولت سيرنا التقدم نحو الرجل لكن ايهاب منعها لم تستطع آشلي مشاهدة المنظر ...سقط هانز على قطع الزجاج بسبب الدفعة القوية التي تعرض لها فنزف الدم من يده التي كانت الاكثر تضررا ....راح الرجل يواصل حديثه وتهديده :" انا لا اذهب الى مكان الا وتسبقني شهرتي فكيف تجرأ انت ايها النادل السخيف على ان تقدم الطعام لذلك الرجل الذي يرتدي حداء رخيص قبلي وانا ابقى منتظرا ..." الان تمكنت آشلي من استيعاب ما حصل لقد أخذ هانز الطعام باتجاه طاولة الزبون الاخر فغضب عضو البرلمان ,واوقعه على الارض هو وكل الطعام الذي كان يحمله لكن حدائه تلطخ بالطعام الذي تطاير من الاطباق فأمره بالنزول الى الارض و مسحه... كم هذا فضيع!!, هذا ما فكرت فيه عندما شاهدت الصبي وهو يتألم بسبب الزجاج الذي اخترق دراعه ,تقدمت نحوه متجاهلة أوامر ايهاب الذي منعها من التدخل و انحنت على الارض و ساعدته على النهوض وسألته قائلة :" هل تؤلمك يدك يا هانز ؟؟" اجابها الشاب الصغير متظاهرا :" لا عليك يا آنسة آشلي الامر بسيط الزبون دائما على حق و انا سأتحمل الامر " شعرت برغبة في البكاء عندما تذكرت اليوم الذي قص فيه سوجي قصة هذا الصبي على مسامعهم ....لقد كان يوما ماطرا لكن هذا لم يمنع الزبائن من القدوم الى المطعم بأعداد كبيرة ما سبب التوتر لهانز وراح يرتكب الاخطاء فسبب بذلك العديد من المشاكل انتهت بالشجار مع ايهاب فطلب من العجوز طرده من المطعم وقيده بقوله اما يغادر الفتى او اذهب انا انسحب هانز مستسلما لأنه لا يحب العنف او المشاكل وغادر المطعم فجلس سوجي على كرسي كان خلفه بسبب عجزه عن الوقوف مطولا بسبب اعراض مرض المفاصل التي بدأت في تلك الفترة وقال لهم وعلى وجهه ابتسامة حزينة :" انا احترم هذا الفتى جدا ....اشعر بالفخر لأنه موظف عندي ا تعرفون من يكون هذا الفتى؟؟" صرخ ايهاب قائلا :" طفل مسبب للمشاكل لا أقل ولا أكثر لا اعتقد ان احدا من الزبائن سيزورنا مجددا بعد ان بدأ مطعمنا باستقبال الزبائن جاء هو وخرب كل شيء .." انفجر الرجل العجوز ضاحكا وقال :" نعم هكذا هم الاطفال ....يحبون التخريب لكن هانز ليس طفلا لقد التقيته على الطريق يقوم بتنظيف سيارات المارة تحت أشعة الشمس الحارقة ليحصل على المال ....كان يتصبب عرقا ويتعرض للشتم احيانا لكنه لم يستسلم بل تابع عمله بدون كلل او ملل و في المساء يقوم منقل الصناديق والاغراض الثقيلة أردت ان أتقرب منه واعرف من هو سيده الذي أجبره على القيام بكل هذه الاعمال الشاقة لكنه رفض ان يأخذ استراحة قصيرة نشرب فيها عصيرا باردا ونتحدث فيها فجلست بقربه اسأله ويجيبني قال لي في احد اجوبته انه لا يعمل عند أحد بل مستقل و انه حر فيما يفعل ايضا ما زادني اصرارا لمعرفة سبب ارهاق نفسه بهذه الطريقة لكنه رفض ان يجيبني بحجة انني اشغله عن العمل .....غادر وتركني في ذلك المكان لوحدي فقررت مراقبته وتتبعه يوميا شعرت بعاطفة نحوه و كأنه حفيدي كان يذهب الى المدرسة وعندما بنهي دروسه يقدم الى العمل ذات مرة تعرض للضرب من قبل مجموعة من الاطفال الطائشين فتدخلت وساعدته وهنا فتح لي قلبه قال لي وهو يبكي ( انا حقا احاول تجنب المشاكل دائما لكنني اقع فيها بغير ارادتي ...اريد ان اعمل وادرس لأصبح رجل سياسة ناجح وصالح ...) حسنا لكل انسان حلم هذا ما فكرت به فسألته لما اختار هذا الحلم بالذات فأجابني ( لقد سلبت الحكومة بيتنا انا وامي ما سبب لها ازمة قلبية اودت بحياتها ...لهذا انا اريد تحقيق حلمها بان اصبح شيئا مفيدا في المستقبل لقد ضحت امي بالكثير لأجلي كانت تمنع نفسها من الاكل وتدعي الشبع لأتمكن من الاكل والنوم مطمئنا ...باعت مجوهراتها وخاتم زواجها لأتابع دراستي وفي الاخير ماتت لأبقى انا على قيد الحياة لهذا سأبدل قصارى جهدي ولن أستسلم ..) استغربت كثيرا كيف لهكذا كلمات ان تخرج من فم صبي لم يتجاوز السادسة عشر بعد فقلت له السياسة هي من تسبب في قتل أمك أليس بالأحرى ان تكون مجرما لتعاقب السياسيين بدل الانضمام اليهم نظر نحوي مستغربا والدموع تنهمر من عينيه وقال لي ( هذا ما فكرت به في البداية عندما طردنا من بيتنا لكن أمي قالت لي قبل موتها ان الفساد السياسي لا يعالج بفساد اجتماعي قالت لي ان ابي كان سياسيا قديرا ومحبوبا وسخر جل وقته لإصلاح الحكومة فقتل جراء ذلك و قالت لي ايضا ان علي ان أكون انسانا صالحا مثله وان اعيش حياة مستقيمة وانا وعدتها بهذا لن استطيع ان اخلف عهدا قطعته لها ...) ابتسمت وقلت له انها ميتة ولن تعلم اذا ما هو اخلف بعهده لهذا عليه الانتقام ان كان يحبها فعلا ,كنت احاول استفزازه لمعرفة جوهره الحقيقي, فأجابني بعد ان جفف دموع عينيه ووقف على قدميه ( بل هي تراني و تعلم بكل احوالي...لا تنسى انها ماتت لأجلي لهذا انا اعيش بصفتي امي ...بمعنى آخر بصفتي الانسان الذي ربته وجسدته امي طوال تلك السنين كيف أكون عاقا بعد ان علمتني هي البر ...كيف أؤذي الناس وهي علمتني بعد ان أظلم ان اسامح ...كيف أجعل امي بعد ان قالت لي انت ابن والدك ان اخيب أملها بي, انا مدرك تماما انني اذا ما فعلت شيئا سيء سيقولون ابن فلانة هو الفاعل اريد ان يذكر اسم امي بالخير, ان يقول الناس ابن فلانة اصلح ذلك الضرر بارك الله في تربيتها له يا لها من امرأة قديرة ) لم أتمالك نفسي وباشرت دموعي تنهمر فطلبت منه المجيئ والعمل هنا في المطعم ولم يقتنع الا بعد جهد جبار بذلته معه فما رأيكم يا أبنائي هل نترك هكذا انسان يغادرنا بعد ان علمنا معنى الوفاء وحسن التربية ...عندما ترغب في ذلك اذهب يا ايهاب واعده الى المطعم ,القرار بيدك ان اردته ان يعمل معنا " ثم نهض من على الكرسي و توجه نحو الباب كان الجميع يبكون بسبب تأثرهم و حتى ايهاب ندم على فعلته وذهب لإعادته ...... .......ساعدت آشلي هانز على الوقوف بينما راح ذلك السياسي يراقبها بطرف عينه وكذلك بقية الزبائن توقفوا عن الاكل وراحوا يتفرجون على الموقف الذي يجري أمامهم, التفتت نحو عضو البرلمان الوقح وقالت له بغضب مكبوت :" ان كنت عضوا في البرلمان او رئيس الدولة او نبيلا من نبلاء اليابان فهذا لا يمنحك الحق لتتصرف هكذا وترمي الطعام على الارض هدرا لو تعلم كم من شخص تعب ليبلغك هذا الاكل ....اي انسان تطأ قدمه باب مطعمنا مهما كانت مكانته الاجتماعية فقير, غني , رئيس , مغني و حاكم العالم بأجمعه سيتجرد من كل هذا ويصبح اسمه زبون ككل الزبائن درجة التفاضل بينكم تكمن في من دخل أولا وليس اي شيء اخر وبالمناسبة ذلك الزبون الذي يرتدي حداء رخيص كما نعته دخل قبلك لذلك سيحصل على طلبه اولا , شيء آخر انت بصفتك عضو في البرلمان كم ستدفع ها ؟؟ خمسين قطعة نقدية على الحساء واربع قطع نقدية ثمنا للشراب و ستون قطعة ثمنا للتحلية لن تضيف فلسا واحد وهو كذلك سيدفع مثلك اذن بما افادتنا مهنتك يا حضرة السيد المحترم " تجرع الزبون ريقه من شدة الغضب و صرخ قائلا :" كيف تجرئين على مقارنتي بذلك الفقير دو الثياب البالية ؟؟" ابتسمت قائلة :" على الانسان الا يحاول جعل ثيابه اغلى شيء فيه حتى لا يبدوا يوما أرخص منها " حمل يده وحاول ضربها بكف، فأمسكه احد واعترض طريقه ووقف بينه وبين آشلي التي ادار لها ظهره, قال الشاب بصوت بارد وصارم حرك مشاعرها و جعل قلبها يخفق بسرعة جنونية :" حسنا هذا يكفي لقد سمعت ما فيه الكفاية لهذا اليوم ....لقد أذيت الفتى وهذا التصرف لن يسكت عليه رجال الشرطة اضافة الى انك رفعت يدك على فتاة تحاول ضربها يا للعار!! ان قانون الاخلاق يمنع رجل ان يؤذي فتاة ومن هذا نستنتج انك لست رجل لست أكثر من كتلة من الشحم تصرخ عاليا محاولا ابراز نفسك ...يلزمني دقائق فقط لأتصل برجال الشرطة والصحافة ولن تمضي دقيقة واحدة حتى تتحول من رجل سياسة الى مجرم مسجون بين القضبان الحديدية ويعلم الناس جميعا بالأمر عبر شاشات التلفاز, سأمنحك عشر دقائق ان لم تختفي من أمامي فلن اكون طيبا قط " حاول الرجل ان يسحب يده ويضربه لكنه لم يستطع وادرك قوة ياتوا فغادر المكان وهو يجر أذيال الاهانة خلفه ويتوعدهم بحساب عسير كانت آشلي في تلك اللحظة بالذات تشعر بنبض لاطبيعي يرسل نغماته عاليا، فابتعدت عن ياتوا خشية ان يتمكن من سماع دقات قلبها تقدمت نحوه رفيقته وقالت له برعب شديد :" لنذهب من هذا المكان الموحش ياتوا لقد خسرت الشعور بالأمان...." التفت نحو آشلي وقال لها قبل ان يغادر :" لديك لسان طويل يا فتاة ...سيسبب لك المشاكل " كانت ترغب بشكره لكنها غيرت رأيها عندما لمحت ابتسامة السخرية ترتسم على وجهه ثم تختفي بسرعة فردت عليه بتذمر :" أوه ....بصراحة لساني له حجم طبيعي و يمكنه ان يشكر حتى الاشخاص السليطين أمثالك عندما يقدموا لي المساعدة .....تعال يا هانز لنعقم جرحك " غادر ياتوا المطعم برفقة الفتاة التي جاءت بصحبته هذا الامر أزعج آشلي ولم تشأ الاعتراف به حتى.. ........انتهى الفصل الأول.....
|
التعديل الأخير تم بواسطة كواندا ; 12-06-2018 الساعة 12:24 AM |