باب: استخفائه صلى الله عليه وسلم وأصحابه في
دار الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله تعالى عنهما ودعائه صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام جهرة وكلام قريش لأبي طالب في أن يخلي بينهم وبينه، وما لقي هو وأصحابه من الأذى وإسلام عمه حمزة رضي الله تعالى
عنه
عن ابن اسحاق أن مدة ما أخفى صلى الله عليه وسلم أمره: أي المدة التي صار يدعو الناس فيها خفية بعد نزول يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) [المدّثر: الآية 1] ثلاث سنين: أي فكان من أسلم إذا أراد الصلاة يذهب إلى بعض الشعاب يستخفي بصلاته من المشركين: أي كما تقدم، فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعب من شعاب مكة، إذ ظهر عليه نفر من المشركين وهم يصلون، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم، فضرب سعد بن أبي وقاص رجلا منهم بلحى بعير فشجه، فهو أول دم
أهريق في الإسلام، ثم دخل صلى الله عليه وسلم وأصحابه مستخفين في دار الأرقم: أي بعد هذه الواقعة، فإن جماعة أسلموا قبل دخوله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، ودار الأرقم هي المعروفة الآن بدار الخيزران عند الصفا، اشتراها الخليفة المنصور وأعطاها ولده المهدي، ثم أعطاها المهدي للخيزران أم ولديه موسى الهادي وهارون الرشيد، ولا يعرف امرأة ولدت خليفتين إلا هذه، وولادة جارية عبد الملك بن مروان، فإنها «أم الوليد وسليمان» .
وقد روت الخيزران عن زوجها المهدي عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من اتقى الله وقاه كل شيء» .
فكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقيمون الصلاة بدار الأرقم، ويعبدون الله تعالى فيها إلى أن أمره الله تعالى بإظهار الدين:
أي وهذا السياق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم استمر مستخفيا هو وأصحابه في دار الأرقم إلى أن أظهر الدعوة، وأعلن صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة: أي وقيل مدة استخفائه صلى الله عليه وسلم أربع سنين وأعلن في الخامسة. وقيل أقاموا في تلك الدار شهرا وهم تسعة وثلاثون. وقد يقال الإقامة شهرا مخصوصة بالعدد المذكور، فلا منافاة، وإعلانه صلى الله عليه وسلم كان في الرابعة أو الخامسة بقوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) [الحجر: الآية 94] وبقوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) [الشعراء: الآية 214] أي أظهر ما تؤمر به من الشرائع، وادع إلى الله تعالى، ولا تبال بالمشركين، وخوّف بالعقوبة عشيرتك الأقربين وهم بنو هاشم وبنو المطلب: أي وبنو عبد شمس وبنو نوفل أولاد عبد المطلب بدليل ما يأتي. قال بعضهم: آية فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر: الآية 94] اشتملت على شرائط الرسالة وشرائعها وأحكامها وحلالها وحرامها.