إرساء مبدأ الشورى
كان من عادته صلى الله عليه وسلم قبل اتخاذ أي قرار هام يتعلق بالدولة وبمصير الجيش، أن يجمع كبار الصحابة وقادة الجيوش وكذلك الشباب للمشاورة في الأمر، بل هذا ما أمره به ربه في كتابه فقال تعالى: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين) [آل عمران:159].
كما حدث في غزوة أُحد إذ عقد صلى الله عليه وسلم مجلسًا استشاريًا عسكريًا جمع فيه كبار الصحابة من المهاجرين وزعماء الأوس والخزرج، تبادل معهم فيه الرأي لاختيار الموقف.
وكان رأيه صلى الله عليه وسلم أن يتحصنوا بالمدينة ولا يخرجوا منها، لكن بعض فضلاء الصحابة ممن فاتهم الخروج يوم بدر أشاروا على الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج، وألَحُّوا عليه في ذلك، وكان حمزة رضي الله عنه على رأس ذلك الفريق
فتنازل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه -مع أنه كان الأصوب- أمام رأي الأغلبية، واستقر الرأي على الخروج من المدينة ولقاء العدو في ساحة المعركة.
كيف ترى مشورته صلى الله عليه وسلم لأصحابه واستجابته لهم؟ دلل على ذلك من سيرته صلى الله عليه وسلم.
إرساء دولة العدل والمساواة
وفي ساحة القضاء رسّخ رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعدة عادلة للفصل بين الخصوم وهي: (البَيِّنَةُ على من ادعى، واليمينُ على من أنكر)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَالَ قَوْمٍ وَدِمَاءَهُمْ، وَلَكِنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» (رواه البيهقي).
ومن شدة حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على العدل وإيصال كل حق إلى مستحقه حذر النبيُّ صلى الله عليه وسلم من استخدام فصاحة اللسان والحجج الباطلة وسيلة للاستيلاء على حقوق الآخرين، وأنه لو حكم بشيء خلاف العدل فلا يحل للمحكوم له، فقال: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ. وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ. فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّار» (رواه البخاري).