أهريق في الإسلام، ثم دخل صلى الله عليه وسلم وأصحابه مستخفين في
دار الأرقم: أي بعد هذه الواقعة، فإن جماعة أسلموا قبل دخوله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم، ودار الأرقم هي المعروفة الآن بدار الخيزران عند الصفا، اشتراها الخليفة المنصور وأعطاها ولده المهدي، ثم أعطاها المهدي للخيزران أم ولديه موسى الهادي وهارون الرشيد، ولا يعرف امرأة ولدت خليفتين إلا هذه، وولادة جارية عبد الملك بن مروان، فإنها «أم الوليد وسليمان» .
وقد روت الخيزران عن زوجها المهدي عن أبيه عن جده عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من اتقى الله وقاه كل شيء» .
فكان صلى الله عليه وسلم وأصحابه يقيمون الصلاة بدار الأرقم، ويعبدون الله تعالى فيها إلى أن أمره الله تعالى بإظهار الدين:
أي وهذا السياق يدل على أنه صلى الله عليه وسلم استمر مستخفيا هو وأصحابه في دار الأرقم إلى أن أظهر الدعوة، وأعلن صلى الله عليه وسلم في السنة الرابعة: أي وقيل مدة استخفائه صلى الله عليه وسلم أربع سنين وأعلن في الخامسة. وقيل أقاموا في تلك الدار شهرا وهم تسعة وثلاثون. وقد يقال الإقامة شهرا مخصوصة بالعدد المذكور، فلا منافاة، وإعلانه صلى الله عليه وسلم كان في الرابعة أو الخامسة بقوله تعالى: فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) [الحجر: الآية 94] وبقوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) وَاخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215) [الشعراء: الآية 214] أي أظهر ما تؤمر به من الشرائع، وادع إلى الله تعالى، ولا تبال بالمشركين، وخوّف بالعقوبة عشيرتك الأقربين وهم بنو هاشم وبنو المطلب: أي وبنو عبد شمس وبنو نوفل أولاد عبد المطلب بدليل ما يأتي. قال بعضهم: آية فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر: الآية 94] اشتملت على شرائط الرسالة وشرائعها وأحكامها وحلالها وحرامها.
وقال بعضهم: إنما أمر بالصدع لغلبة الرحمة عليه صلى الله عليه وسلم. قال: ذكر بعضهم أنه لما نزل عليه صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) [الشّعراء: الآية 214] اشتد ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم وضاق به ذرعا: أي عجز عن احتماله فمكث شهرا أو نحوه جالسا في بيته حتى ظن عماته أنه شاك: أي مريض، فدخلن عليه عائدات، فقال صلى الله عليه وسلم: «ما اشتكيت شيئا لكن الله أمرني بقوله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) [الشّعراء: الآية 214] فأريد أن أجمع بني عبد المطلب لأدعوهم إلى الله تعالى، قلن: فادعهم ولا تجعل عبد العزى فيهم، يعنين عمه أبا لهب، فإنه غير مجيبك إلى ما تدعوه إليه، وخرجن من عنده صلى الله عليه وسلم:
أي وكني عبد العزى بأبي لهب لجمال وجهه ونضارة لونه كأن وجهه وجبينه ووجنتيه لهب النار: أي خلافا لما زعمه بعضهم أن ولده عقير الأسد أو ولد آخر غيره كان اسمه لهبا.