السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

أحبتي في الله :

هذا بحث حول حكم لعب الشطرنج لشيخي الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس أستاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر ، والذي أشرف على رسالتي للماجستير .

أترككم مع البحث :




حكم اللعب بالشطرنج


معنى الشطرنج

الشطرنج: فارسيّ معرَّب، وأول واضع له هو >صصه بن زاهر< الهندي، وقدمه له >بهلبث<، ويقال له >بهرم< ملك الهند، وقد افتخرت الفرس به، وقضى حكماء ذلك العصر بترجيحه على النرد >الطاولة<، وعد ككعاب >كليلة ودمنة<، وتسعة الأحرف التي يجمع أنواع الحساب، فيما يميز به أهل الهند على غيرهم، ولم يعرف العرب الشطرنج إلا بعد فتحهم للبلاد التي انتشر فيها اللعب به·(1) آراء الفقهاء في حكم اللعب به

أ اتفق الفقهاء على حرمة اللعب بالشطرنج، إذا اقترن به قمار، بأن أخرج كل من طرفيه عوض السباق، لنهي الشارع عن كل ما اشتمل على قمار·

ب اتفق الفقهاء كذلك على حرمة اللعب به على عوض من أحد الطرفين، لأنه ليس من آلة الحرب، ولايفيد في شيء، وهو من قبيل تعاطي العقود الفاسدة·(2)

ج واختلفوا في حكم اللعب بالشطرنج إذا كان على غير عوض، ولهم فيه مذاهب ثلاثة: المذهب الأول: يرى أصحابه حرمة اللعب بالشطرنج، وقد روى هذا عن علي وابن عمر، وابن عباس وأبي موسى الأشعري، وأبي سعيد الخدري وعائشة، وهو قول القاسم بن محمد وسالم وعروة، ومحمد بن علي بن الحسين، وسعيد بن المسيب والثوري، والنخعي وإسحاق والليث، ووكيع ومجاهد، وهو مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة·(3)

المذهب الثاني: يرى من ذهب إليه كراهة اللعب بالشطرنج، وهو قول يزيد بن أبي حبيب، ومحمد بن سيرين، وإليه ذهب جمهور الشافعية، إلا أن يقترن باللعب به فحش، أو تأخير فريضة عن وقتها، وتكرر هذا من اللاعب به، أو كان اللاعب به ممن يعتقد تحريمه، أو كانت بيادق الشطرنج ونحوها مصورة كلها أو بعضها بصورة حيوان، فيحرم اللعب به·(4)

المذهب الثالث: يرى أصحابه إباحة اللعب بالشطرنج· روى هذا عن أبي هريرة، وهو قول هشام بن عروة وسعيد بن جبير، والشعبي والحسن بن علي، وهو رواية عن أبي يوسف إذا لم يداوم صاحبه عليه، ولم يترتب على اللعب به إخلال بواجب، وإلا كان حراماً، وإلى هذا المذهب ذهب الشافعية، إلا أن يقترن به محرم من المحرمات التي ذكرها عند جمهورهم في المذهب الثاني، فإنه يحرم قطعاً، وعبروا عن قيود إباحة اللعب به >بما إذا سلمت الأموال عن الخسران، واللسان عن الطغيان، والصلاة عن النسيان<، وإلى هذا المذهب ذهب الظاهرية·(5) وقد استدل أصحاب المذهب الأول على حرمة اللعب به بأدلة منها ما يلي:

1 قول الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون) المائدة:90·، حيث فسر عليّ رضي الله عنه >الميسر< في الآية بما يشمل الشطرنج، وقد أمر الشارع باجتناب الميسر، فيكون أمراً باجتناب اللعب بالشطرنج الذي هو من الميسر، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه خالف تفسير علي السابق، فيكون إجماعاً منهم على ذلك· 2 قوله سبحانه: (إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) المائدة:91، إذ دلت الآية على أن كل لهو دعا قليله إلى كثيره، وأوقع العداوة والبغضاء بين العاكفين عليه، وصد عن ذكر الله وعن الصلاة، فهو كشرب الخمر والميسر، فيكون حراماً مثلهما، والشطرنج يؤدي إلى ذلك كله، فإن اللاعب به لا يشعر بجوع ولا عطش ولا غيرهما من أحواله الضرورية، فضلاً عن العادية، والعبادية، ووقوع العداوة والبغضاء بين اللاعبين به واقع ومشاهد·

3 روي عن وائلة بن الأسقع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: >إن لله عز وجل في كل يوم وليلة ثلاثمئة وستين نظرة إلى خلقه، ليس لصاحب الشاه >الشطرنج< فيها نصيب<(6)·

4 روي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: >إذا مررتم بهؤلاء الذين يلعبون بهذه الأزلام: النرد والشطرنج وما كان من اللهو، فلا تسلموا عليهم، فإنهم إذا اجتمعوا وأكبوا عليها جاءهم الشيطان بجنوده فأحدق بهم، كلما ذهب واحد منهم بصره عنها، لكزه الشيطان بجنوده، فما يزالون يلعبون حتى يتفرقوا كالكلاب اجتمعت على جيفة، فأكلت منها حتى ملأت بطونها ثم تفرقت<(7)·

5 روي عن أبي دواد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: >أشد الناس عذاباً يوم القيامة صاحب الشاة >الشطرنج<، ألا تراه يقول: قتلته والله، مات والله، افترى كذباً على الله<(8)·

6 روي عن علي >أنه مر بقوم يلعبون الشطرنج، فلم يسلم عليهم، وقال: أسلم على قوم يعكفون على أصنام لهم!، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك<(9)· فقد بينت هذه الأحاديث أن لاعب الشطرنج لا ينظر الله إليه بنظر رحمته، وأنه من أشد الناس عذاباً يوم القيامة، ولا يستحق أن تلقى عليه تحية الإسلام، وهذه الأحاديث وغيرها دليل على حرمة اللعب به·

7 إن كثيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا بحرمته وصح عنهم ذلك، منهم: علي، وابن عباس، وابن عمر، وأبوموسى الأشعري، وأبوسعيد الخدري، وعائشة(10)، وما صح عن الصحابي يكون بمثابة المرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه لا مجال للاجتهاد فيه·

8 اتفق الفقهاء على حرمة اللعب بالنرد >الطاولة<، والعلة في تحريمه أنه يوقع العداوة والبغضاء، ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، ويشغل القلب، وقد تحقق في اللعب بالشطرنج هذه العلل، بل هو أبلغ في إفساد القلب من النرد، لأنه يحتاج إلى تقدير وتفكر، وحساب النقلات قبل نقل الرقعة، بخلاف النرد فإن صاحبه يلعب ثم يحسب بعد ذلك، ولهذا يقال: إن الشطرنج مبني على مذهب القدر، والنرد مبني على مذهب الجبر، وقد حُكي عن بعض العلماء قوله: اللعب بالنرد مع حرمته أدنى من اللعب بالشطرنج، لأن لاعب النرد يعترف بالقضاء والقدر، ولاعب الشطرنج ينفي ذلك·(11)·

واستدل أصحاب المذهب الثاني على كراهة اللعب بالشطرنج بأدلة منها ما يلي:

1 إن اللهو واللعب محرم بحسب الأصل، إلا ما استثني منه بالأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو تأديب الفرس، والرمي بالقوس، وملاعبة الزوجة، والسباحة، فذلك من الحق، ولا يبعد قياس اللعب بالشطرنج على ما استثنى من كل لعب ولهو، فيكون مباحاً مثلها، وأيضاً فإن حديث: >كل شيء يلهو به الرجل باطل، إلا رميه بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنه من الحق<(12)، لا يستلزم تحريم ما عدا الخصال المستثناة، فقد تكون مكروهة أو مباحة، إذ الحديث عام مخصوص بملاعبة الأطفال، فقد روي عن أنس أنه قال: >إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا، حتى يقول لأخ لي صغير: يا أبا عُمير، ما فعل النغير<(13)، وخص أيضاً بلعب الحبشة بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم بحرابهم، فقد روي عن عائشة قالت: >كان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما قال: تشتهين تنظرين؟، فقلت: نعم، فأقامني وراءه خدي على خده، وهو يقول: دونكم يا بني أرفدة، حتى إذا مللت قال: حسبك؟، قلت: نعم، قال: اذهبي<(14)·

2 إن الشطرنج يلهي عن ذكر الله وعن الصلاة في أوقاتها الفاضلة، بل قد يستمر فيه لاعبه حتى يخرج الصلاة عن وقتها، فهو غافل، وقد نشأت غفلته من إتيانه الفعل الذي يلهيه عن ذلك، فكان بمثابة المتعمد تفويته<(15)·

3 إن اللعب بالشطرنج لا ينتفع به في أمر الدين، ولا حاجة تدعو إليه، فكان تركه أولى، ولا يحرم لثبوت اللعب به عن جماعة من الصحابة والتابعين·(16) واستدل أصحاب المذهب الثالث على إباحة اللعب به بأدلة منها ما يلي:

1 روي عن بعض الصحابة والتابعين أنهم لعبوا بالشطرنج، ومنهم من أقر على اللعب به، وهم لا يفعلون ولا يقرون على فعل محرم أو مكروه·(17)

2 إن الأصل إباحة اللعب به، لأنه لم يرد في تحريمه نص، وليس هو في معنى المنصوص عليه، فيبقى على الإباحة·(18)

3 إن اللعب به يساعد على تدبير الحرب ومكيدة العدو وتشحيذ الخواطر، وتذكية الفهم ووجوه الحزم، وما اجتمعت فيه هذه الوجوه لا يكون محرماً·(19)·

الرأي الراجح

والذي تركن النفس إليه من هذه المذاهب، هو مذهب القائلين بالتحريم، لما استدلوا به في الجملة، ولأن اللعب بالشطرنج وإن لم يكن على مال من الميسر، وفيه ما فيه من الوقوع في العداوة والبغضاء بين اللاعبين به، والتشاغل عن ذكر الله وعن أداء التكاليف الشرعية، وذلك منهي عنه، وقد قال الشوكاني: لا ريب أنه يلزمه إيغار الصدور، وتنشأ عنه العداوات، وتنشأ منه المخاصمات، فطالب النجاة لنفسه لا يشتغل بما هذا شأنه، وأقل أحواله أن يكون من المشتبهات، والمؤمنون وقَّافون عندها·(20)

وما استدل به القائلون بالكراهة أو الإباحة، لا يقوم حجة لهم على ما ذهبوا إليه، فإن استدلالهم بأن بعض الصحابة قد لعب بالشطرنج، لا يفيدهم في تعضيد القول بالكراهة أو الإباحة، وذلك لأنه ثبت عن بعض الصحابة أنه قال بحرمته، وإذا تعارض المروي عن الصحابة، سقط الاستدلال به، ولا مجال للاستدلال بالبراءة الأصلية، وأنه لا دليل على الحرمة فيكون مباحاً، لأنه قام الدليل على حظر اللعب به من الكتاب والسنَّة كما سبق، ولا وجه لقياس اللعب به على اللعب بالحراب والرماية والفروسية ونحوها، لأن هذه الوسائل التي أبيح اللعب بها في الحديث يستعان بها في الحرب والقتال في سبيل الله، ففيها منفعة مشروعة، بخلاف اللعب بالشطرنج، فلا فائدة فيه، بل فيه مضرة وقوع العداوة والبغضاء بين اللاعبين به، والصد عن ذكر الله وأداء التكاليف الشرعية، والقول: إنه يشحذ الخواطر والفهم ووجوه الحزم، لا يفيد في القول بحله، لأن هناك وسائل مباحة يترتب عليها ذلك، تفيد في العاجلة والآجلة، كاستخدام الحاسوب وغيره في الابتكار أو الإبداع أو الاختراع أو نحو ذلك، ولم يعد التخطيط للحروب الحديثة يعتمد على تحريك الجيوش بالطريقة الكلاسيكية، التي يقوم عليها تحريك رقع الشطرنج، حتى يقال: إنه وسيلة تساعد على تدبير الحروب، فإن خطط الحرب تعقدت عن ذي قبل، وأصبحت تعتمد على العقول الإلكترونية، والأجهزة المتطورة، فشحذ الأذهان باستخدام هذه الإلكترونيات يحقق الفائدة للجميع سلماً وحرباً·

المراجع

1 الهيتمي: كف الرعاع: 80·

2 رد المحتار 5/253، حاشية الدسوقي 4/166، نهاية المحتاج 8/280، المغني 12/35·

3 رد المحتار 5/253، الفواكه الدواني 2/452، كف الرعاع 71، نيل الأوطار 8/95·

4 نهاية المحتاج 8/280، سنن البيهقي 10/12، نيل الأوطار 8/95·

5 الدرر المختار 5/253، كف الرعاع 74، المغني 12/36، المحلى 9/712·

6 أخرجه الديلمي في الفردوس والخرائطي في مساوئ الأخلاق، وضعف بمحمد بن الحجاج (الفردوس 1/170، نيل الأوطار 8/95)·

7 أخرجه الديلمي في الفردوس 1/269·

8 أخرجه ابن حزم في المحلى وضعف سنده بعبدالملك بن حبيب (المحلى 9/1170·

9 أخرجه ابن حزم بسنده في المحلى 9/715·

10 سنن البيهقي 10/212، نيل الأوطار 8/95·

11 كف الرعاع 72·

12 أخرجه الحاكم وصحح إسناده >المستدرك 2/95)·

13 أخرجه البخاري في صحيحه 4/69·

14 متفق عليه (صحيح البخاري 1/196، صحيح مسلم 1/353)·

15 كف الرعاع 76·

16 المصدر السابق·

17 المصدر السابق·

18 المصدر السابق 74·

19 المصدر السابق·

20 نيل الأوطار 8/96·

وبارك الله فيكم على الموضوع والفوائد القيّمة ورحم الله أئمّة أهل السنّة والصحابة أجمعين رحمة واسعة
أخوكم في الله
فارس السنّة

__________________