مشكورة أختي الكريمة على مرورك وتشجيعك الطيب

وأسأل الله أن تعجبكي قصتي حتى نهايتها

تحياتي
أخوكي فهد

الحلقة الرابعة


بسم الله الرحمن الرحيم

في ذلك اليوم اكتشفت أن سكن الطلاب في نفس مبنى المدرسة فالمدرسة مكونة من ثلاثة طوابق، في الطابق الأرضي توجد قاعات التدريس والطابق الأول غرف الشباب والطابق الثاني غرف البنات، نعم الذي تفكرون فيه الآن صحيح فالسكن مختلط وأنت وضميرك. لكن بصراحة وبعد نهاية اليوم الأول الدراسي جلست في انتظار الفاتنة الستينية كي تقلني الى منزلي وفي أثناء انتظاري لها لاحظت ان الطلاب يجتمعون في فناء المدرسة الذي يتوسط مبناها على شكل جماعات ويتواعدون بين مجموعة تود الذهاب الى غرفة الحاسب الآلي ومجموعة سيخرجون سوية وأخرى يستعدون للذهاب لغرفة الألعاب الرياضية بمعنى أخر هنالك حياة مستمرة ، وأنا أنتظر للذهاب الى الأم الصامتة في المنزل المهجور، فيا له من حظ سيئ.

وهذه صورة للمدرسة والفناء او الساحة التي كنا نجتمع بها:




جاءت الفاتنة لتقلني وصديقاي البرازيلي والياباني وكانت تتحدث مع شخص بالخارج وعندما قربت منهما لاحظت أنه عربي، نعم إنه مصري فسلمت عليه بحرارة شديدة فكأني أعرفه جيدا، وطلبت منه أن يترجم لها برغبتي بالانتقال الى السكن في مساكن الطلاب في المدرسة فالأمر ممل في ذاك المنزل المشئوم ، فوافقت وطلبت مني أن أذهب لتجهيز حقائبي لتنقلني في اليوم التالي ولكنها فوجئت بأن حقائبي كانت جاهزة بالفعل فقد كان هذا القرار يدور في رأسي من ساعة دخولي الى المنزل المرعب.

قامت مشكورة بحجز غرفة مشتركة لي مع طالب كوري وذهبنا وجلبنا الحقائب وعدنا للمدرسة ( ملاحظة في تلك الأثناء لم أكن أعلم أن السكن مختلط صدقوني فقط كنت أعلم أن السكن في نفس المدرسة فقط ).

بدأت مراحل اكتشافي للعالم الغريب الذي نجهله عن الآخرين ، نعم بكل صراحة دائما ننظر للآخرين بأنهم غريبي الأطوار (الله يشفينا، الحمد لله الذي عافانا، مقززون، أغبياء ...الخ) هذا ما نقوله نحن العرب عند احتكاكنا بالغرب والشرق (فلبيني، أندنوسي، سيرلانكي، صيني، تيواني، كوري، ...) ,حتى من نعجَبَ بهم لتقدُمهم العلمي ( أمريكي، بريطاني، فرنسي، اسبانيي ...) مقززين فنحن أنظف، منهم كفار ونحن أفضل منهم، وغيرها من الإحساسات التي نشعر بها بداخلنا وإن لم نعبر عنها.

طبعا نحن عرب مسلمون ولكن ماذا إذا كان الطرف الآخر عربي ومسلم مثلنا؟ نبدأ بالبحث عن التصنيفات، ( سعودي، مصري، عراقي، لبناني، سوري، ...) وإن كان من نفس بلادنا نصنف تصنيف أخر ( حجازي، نجدي جيزاني، حمصي، حلبي، غزاوي، خليلي، منوفي، اسكندراني، ...) وحتى ان كان من نفس المدينة والحي والحارة، نصنف تصنيفا أغرب( هذا من عائلة فلان وأنا من عائلة فلان، لا حول ولا قوة إلا بالله، لقد أعزنا الله بالإسلام ولا عزة لنا إلا به فوالذي نفسي بيده لا عزة ولا شرف لنا إلا بديننا الحنيف ولكن كيف لنا أن نعلم فهل نحن من اخترنا هذا الدين الحنيف وفهمناه وفهمنا معانيه وشعرنا بها من داخل أعماقنا أم ورثناه كميراث من أهلنا، فكون أن أبواي مسلمين ولدت مسلما.

هنا يجب أن نتوقف قليلاً كي نطرح على أنفسنا سؤال هام. هل نعلم لماذا نحن مسلمون أم أننا فقط ولدنا فوجدنا نفسنا هكذا؟ ( هذا ما عهدنا عليه آباءنا وأجدادنا ) هذا ما سنناقشه كثيرا خلال القصة.

اكرر بدأت مراحل اكتشافي للعالم الغريب الذي نجهله عن الآخرين . فلقد فوجئت بالشاب الكوري الذي سأسكن معه في الغرفة يأتيني ركضا من داخل المدرسة للسيارة مندفعا اندفاعا غريب خفت منه فهل تتوقعوا لماذا جاء يركض؟
إنه يريد أن يحمل حقائبي للغرفة. يا للهول لماذا يريد حمل حقائبي؟ هل يعرفني حاولت ان امنعه و أنا في شدة الخجل، ولكنه أصر قائلا لا لا أرجوك ؟؟؟

من هذا الشاب الطيب ولماذا يفعل هذا الشيء معي ؟

صعدت الى الغرفة معه ورحب بي كثيرا بركعاته التي أحرجتني وضايقتني فلا نركع إلا لله، فحاولت ان أمنعه وأقول له لا تركع حرام لا تركع أرجوك ولكن لم أستطع الشرح.

نزلت الى الساحة التي يتجمع بها الجميع ففوجئت بملاحظة غريب ان كل جنسية أو ناطقو لغة يجلسون سوية. اليابانيون في مكان، الكوريون في مكان، الأسبان، العرب.

فجلست مع العرب وكانوا ثلاثة شباب سعوديون ومن عوائل مرموقة ومعروفة جدا في السعودية وائل وسليمان وتركي وهم العرب الوحيدون في سكن المدرسة وكانت أعمارهم صغيرة لا تتجاوز العشرون ماعدا سليمان حوالي أربع وعشرون والغريب أنهم لا يحتكون بأحد تعرفت عليهم ورحبوا بي ترحيبا كبيرا وعزموني على العشاء ثم عدنا وسهرنا الى الثانية صباحا كعاداتنا العرب طبعا ثم نمنا.

بدأت أتأقلم على جو المدرسة فهو أفضل ألف مرة من بيت ديراكولا ، ولكني لاحظت أمر ملفت للانتباه أثناء الدراسة اليومية وهي ما أن تأتي سيرة العرب والمسلمون في أي درس إلا وكان زواج الأربعة وعدم أكل الخنزير وغطاء المرأة وحجابها هي نقاط التعليق الأساسية من الجميع، ويقولنها وهم يضحكون وكأنها أمور غريبة ومخجلة ، لكني لا أعرف ماذا أقول فلا أستطيع الكلام والشرح فأسكت . وبعد كثرة التعليقات المتكررة من درس الى درس وأنا ساكت أصبحت أمازحهم، نعم نحن نتزوج أربعة نحن محظوظون انتم فقط واحدة انتم مساكين فأضحك ويضحكون . صدقوني لم تكن ملاحظاتهم علينا بنية الاستهزاء إنما هي ملاحظات لا يفهمونها ولا نحن نفهمها بالتفصيل فهي حاصلة ولكن كثيرا منا متقبلها وينفذها لأنها مشرعة في الدين ونحن جميعا مسلمون ونثق بأن الدين يشرع لنا كل صحيح ولكن هم ليسوا مسلمون ولا يفهمون الإسلام ولا يعرفون لماذا نحن مسلمون. وصدقوني كثيرا منا لا يعرف الإجابة على أسئلتهم وكي تقنعهم بأن يتقبلوا وجهة نظر الإسلام إذا فعليك أن تقنعهم بالإسلام في حد ذاته أنه هو الدين الحق.

استمرت حياتي في المدرسة ولكن ممارسة اللغة تنتهي بانتهاء الدروس ثم نبدأ نحن العرب بالانفصال والتحدث بالعربية طوال اليوم فكيف لي أن أكسر حاجز التعارف خارج القاعة.

كان في القاعة فتاة جميلة جدا من كولومبيا اسمها ازمريلدا كانت دائما ما تتحدث لي ولصديقي البرازيلي فاندرليه الذي كان معي في السيارة ومعه الياباني يوشي في أول يوم لي في المدرسة.

بكل صراحة كنت اعتقد أننا نحن العرب فقط المشغوفين على البنات فعندما نرى فتاة جميلة تنبض قلوبنا الضعيفة. ولكني اكتشفت أن الدنيا كلها هكذا فكان فاندرلية الشاب الحبوب جدا والجاد جدا والذي كان يكبرني بخمس سنوات يغمز لي على الفتاه ويأشر بأنها جميلة جدا وجذابة ، ليس هو فحسب حتى الآخرون من الشباب بدأوا بمزاحي لاعتقادهم بأن ازمريلدا صديقتي أو فتاتي على حد اعتقادهم مع العلم بأنها متزوجة ولم يكن بيني وبينها إلا الكلام العادي جدا ( لا أنكر بأني لم أعجب بها كفتاة جميلة ولكنها كانت طبيعية وتحب زوجها الذي اكتشفت لاحقا أنه يهودي الديانة والغريبة أن الآخرون من طلاب المدرسة بمختلف جنسياتهم لا يصدقون أننا مجرد زميلين).

أمر غريب حقا هل نحن في السعودية او في مصر او سوريا نحن في أمريكا وهؤلاء من اسبانيا وكولومبيا ونيكاراجوا والبرازيل و و و. اذا أين حقوق المرأة وتميز المرأة، وعندما تمنع أختك او ابنتك في دولة عربية وأخص الخليج والسعودية تحديداً من العمل المختلط خوفا على سمعتها ترى الدنيا تقوم ولا تقعد، أنت جاهل ومتخلف وبدائي و و و انظر الى الغرب. هههههههه هاهو الغرب وهذه عينه منه . ما علينا المهم بدأت وبسبب الجميلة ازمريلدا التي يشهد الله ان علاقتي بها كانت عادية جدا أكوّن علاقات أخرى مع الآخرين الى ان انتهى الشهر الأول. فكل شهر جديد مرحلة دراسية جديدة يأتي طلاب جدد ويكتفي بعض الطلاب بما درسوه ويغادروا.

ما زلت أنا وازمريلدا وفاندرليه ويوشي ومكيكو وماسايا و سوكيم ومجموعة أخرى في نفس القاعة ولكن في المرحلة الجديدة بعد نجاحنا في المرحلة الأولى. وانظم الينا بعض الطلاب الجدد وانظم إجمالاً طلابٌ آخرون على المدرسة وكان من ضمنهم طالبة كوريه تدعى (ها يونج لي ) نعم هذه أسماء الكوريون غالبا مكونه من ثلاثة كلمات فقط. كانت ها يونج لي فتاة جميلة تحمل رسمات الشرق الأسيوي الناعمة الرقيقة وتشبه الممثلات الكوريات واليابانيات فكانت مميزه وملفتة كما أنها كانت ضحوكة ومزوحة جدا ولكنها كانت في مستوى أعلى مني فلغتها أفضل من لغتي.

غادر زميلي في الغرفة الشاب الكوري بنهاية الشهر الأول وترك لي ذكرى مفاجأتين لا أنساهما ، الاولى التي رويتها عليكم سابقا بحمله لحقيبتي، والثانية عندما دخلت كي أصلي في الغرفة فوجدت دمية على شكل خنزير- قد ربحها في رحلة مدينة الملاهي التي ذهبنا لها في إحدى عطلات نهاية الأسبوع - أمامي وباتجاه القبلة بين السريرين فطلبت منه ان يبعدها عن وجهي كي أصلي وكانت أول مرة تصادف أن أصلي وهو في الغرفة فقام على الفور بإبعادها وبدأت صلاتي وفوجئت بعد انتهاء الصلاة بأن هذا الشاب الكوري الرياضي حامل الحزام الأسود ومدرب للتايكواندو في بلاده منكمش فوق سريرة يرتعد ويرتجف خوفا فسألته ماذا بك فحاول ان يشرح لي بعد ما سألني ماذا كنت تفعل فقلت له أُصلي فقال شعرت وأنت تفعل ما تفعله بأنه أمر عظيم وكبير جدا جدا وهتزت مشاعري حقا انه أمر كبير فتعجبت منه كثيرا ولكنه الآن في بلاده وأسأل الله العلي القدير ان كان كتب لهذا الشاب الهداية أن لا يحرمني أجره ( ملاحظة كان الشاب بوذي ).

سكن معي في الغرفة فاندرليه الصديق الحبوب الذي كان يعاملني كابنه فكنت دائما أفاجئ بأني أستيقظ من نومي في الليل وأجدني وقد غرقت عرقا من كثرة الأغطية التي كان يغطيني بها أثناء نومي بعد إغلاقه للتكييف فأسأله لماذا يافندرليه فيقول رأيتك بردانا ولم أستطع أن أنام قبل أن أغطيك جيدا ، يا لهذه الشعوب الطيبة الحنونة التي بداخلها براءة ورحمة كبيرة نحن فعلا نجهلها عنهم . وفي أثناء إحدى الدروس وأمام الطلاب ومعلمتي المفضلة شنتال هيرمان - التي فعلا كنت أعزها معزة كبيره رغم كرهها الكبير للعرب والمسلمون – بأن لي أباً في المدرسة انه فاندرليه ( بابي ) وشرحت لهم السبب ثم انتشرت في المدرسة فلا أقول له سوى بابي، وفي أحدى مرات كان فاندرليه يجلس في الساحة الخارجية وخرجت له من الشرفة في الطابق الثاني وناديت عليه بابي دادي على سبيل المزاح كالعادة وبرغم انزعاجه من تكبير سنه بقولي له بابي الا انه لا يملك نفسه من الضحك ويتجاوب معي بقوله نعم يابني ولكن سمعتني الجميلة نتاشا البنامية حبيبة الشاب اخليجي من الامارات عتيق فقالت اذا انا سأصبح أبنتك وفاندرليه سيصبح جدي فقبلت على الفور. ومن هنا بدأت عائلتي تتكون وتكبر ومن مختلف الجنسيات الى أن أصبح لي عائلة كبيرة جدا اختين من اليابان وأخ من السعودية ( وائل) وأب برازيلي وجد برازيلي اسمه ماريو وسبعة بنات من بنما ( نتاشا و بيلار) ومن نيكاراجوا ( كلاوديا ) ومن السلفادور ( ماريا) والكورية ( ها يونج لي و سو كيم ) ومن ألمانيا ( بتريسيا ) وابنان من كوري ( جين ) وسنغالي مسلم لاعب كرة السلة في كلية الملكات التي كان معهدنا في حرمها الجامعي واسمه (سوسي) ( سوسي كان عملاقا جدا وكان في البداية يناديني ملك فهد لاني من السعودية وبعد ما انظم الى عائلتي اصبح يقول لي بابي وما اجملها ان يكون لك طفل عندما تقف بجانبه تصل الى حوضه ) وأخيرا( ماكيكو) من اليابان التي أبت إلا ان تتحمل المسئولية معي وتكون أم لهؤلاء الأطفال. ظَهرت الآن وعُرفت وبشكل كبير عائلة فهد التي توجد صورها في كل مكان في الحرم الجامعي وعلى احدى اصدارات الجامعة الشهرية)

اعلم أنكم تفكرون في شانتال هيرمان مدرستي التي تكره العرب لماذا كنت أفضلها؟ والسبب بكل بساطة أنها أصبحت تحبهم وتفضلهم على كافة الطلاب والجنسيات فسبب كرهها كان بسبب طالب مسكين ملتزم ولكنه اخطأ في التصرف ولم يكن لينا معها يوم تخرجه وأثناء تسليمها الشهادة له حيث عانقته من حبها له كأي معلمة تعانق طلابها في الغرب فانفعل ودفعها بقوة الى الأرض وقال لها حرام لا تفعلي هذا ( بارك الله فيه وجزاه كل خير على ما فعله ولكن كان يحتاج الى أسلوب أفضل من هذا الأسلوب القاصي الذي لا ولن يفهموه، فرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رأى الأعرابي يتبول في المسجد منع الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين من أذيته الى ان انتهى فعلمه بهدوء ولم يدفعه أو يضربه. وأعتقد ان عناق فتاة رغم حرمته ليس بأكبر من التبول في بيت من بيوت الله لكن صدق الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حين قال ( الدين المعاملة ).


التكملة في الحلقة القادمة بإذن الله

مع تحيات أخوكم فهد

__________________

بارك الله فيك أخ فهد , متابعين معك بإذن الله ونشجعك
أعجبني سردك الواقعي والتسمية والألفة في هذه الواقعية
موفق وننتظر البقية

__________________
من ضمن قائمة مشترياتنا اليومية , يجب أن نوفر ما يلي :
1- قلب محض شفاف خالي من الأنانية.
2-دواء للقلوب التي شغفها النسيان فباتت أملا ً بنتظر على الأبواب.
3- كتاب صادق لا يدعي اجتراح المستحيل.
3- عجينة من المرمر لرأب صدوع التجربة.

بارك الله بكي أختي الكريمة

أسأل الله العلي العظيم أن تستمر القصة في نيل رضاكي وإعجابك حتى نهايتها بإذن الله

تحياتي
أخوكي فهد