عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > قصص قصيرة

قصص قصيرة قصص قصيرة,قصه واقعيه قصيره,قصص رومانسية قصيرة.

Like Tree1Likes
موضوع مغلق
 
LinkBack أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 06-26-2008, 07:47 PM
 
"بعوض في المدينة " قصة لفيصل الزوايدي (تونس)

بعوضٌ في المدينةِ

مثقلا بالوَهَنِ و الصمتِ وَقَف "العُبَيْدي" بإعياءٍ أمامَ مرآته ، ككل يومٍ يعاينُ آثارَ مرضٍ جَديدٍ و ذُبولٍ يَشتَدُّ ، يسأل واقفًا أمامَه :" متى ينتهي كل هذا ؟" لم يُجِبْهُ بل واصَلَ معاينةَ شحوبٍ يزدادُ زحفًا على وجهٍ هزيلٍ .. اقترب من النافذة الصغيرة الوحيدة في غرفته مطاردًا لشعاعِ شمسٍ بسيط يدخل بمشقة إليها فانتبهَ إلى عبوة مبيدِ الحشراتِ فتذكَّر أنه استوفاها البارحةَ في معركةٍ فاشلةٍ مع البعوض .. انكسرت جَبهاتُه أمامَ زحفٍ لا قِبَلَ له به .. آثرَ بعدها طلبَ الصلح مقابل التنازل عن دَمِهِ ، و اعتبرَ نفسَه منتصِرًا .. ذراعاه و رقبته شهوده ، بعوضٌ حقيرٌ لكنه امتصَّ دِماءَه .. كل ليلةً يتنادى إلى وليمةٍ على جسده ، و كل ليلة تنكسرُ مقاومتُه أمام جحافله ، أحيانا تحدِّثُ "العُبَيْدي" نفسُه أنه قد استأثَرَ بِبَعوضِ البلادِ و أن الباقين لابد قد أرَّقهم غيابُه عنهم و خشِيَ أن يُشتَكَى في المحاكم ، يصبح امتصاصُ البعوضِ لدمِكَ كالإدمان لا تستطيع عنه صبرًا .. تماما مثلما يصبح استنشاقُ الهواءِ النقيِّ هو الذي يرهِقُ رِئاتِنا .. تناهى إلى مَسمَعِهِ طنينٌ يعرِفه جيدًا .. عجبًا ألم يكفِهِ ما نال مِنِّي البارحةَ ؟.. هكذا سأل نفسه متوَجِّعًا .. كانت تُحلِّق بمفردِها لا تكاد تَبينُ ، تساءَلَ جادًّا : أي فائدةٍ في خلقِ البعوضِ؟ و ما فائدةُ جهازِها البَصري و الهضمي و.. التناسُلي ..؟ ثم سرعانَ ما تراجع مستغفِرًا ..
اقتربت البعوضةُ كثيرًا و ارتفعَ طنينُها حتى أصبحَ أشبهَ بهديرِ طائرةٍ ، هشَّ بيدَيْهِ حتى دونَ أن يُحدِّدَ مكانَها لكنه أَحسَّ بوخزةٍ حادةٍ في قَفاه فأسرعَت يدُه إلى هنالكَ في حينِ ارتفعَ صوتُهُ باللعنةِ .. وخزةٌ أخرى في ذراعِِه و هذه ثالثةٌ في رجلِهِ .. تسارعَت كفَّاه تَتبِعان البعوضةَ على كامِلِ جَسدِه .. استبدَّ بِهِ الألمُ و نظرَ إلى نفسِه في المرآة فرأى جثةً ..
لمح وراءَه البعوضةَ و قد انتفخت قليلا فتملكَهُ الخوفُ ..رباه كيفَ صار حجمُها كبيرًا ؟ و لكنَّ مصيبةَ" العُبَيْدي" لم تَكُن إلا في بدايتِها فقد كانت البعوضةُ كلما امتصت قليلا من دمِه ازداد تضخُّمُ حجمِها .. حتى أصبَحَت بِحجمِ قطٍ لم يَعُد قادرًا على مدِّ يَدَيْهِ حتى لحمايةِ وجهِهِ .. تثاقَلَت حركاتُه.. وقعت البعوضةُ المُثقَلَةُ على كَتِفَيه و واصلت إيذاءه، أخذَ يترنَّحُ فلم يعد يستطيعُ تحمُّلَ كل ذلك الألمِ ، حاولَ الانتفاضَ و الاهتزازَ حتَّى يتخلَّصَ من الثِّقَلِ فإذا بها تزدادُ تشبثًا به .. أراد أن يصيحَ مستنجِدًا و لكن لم تصدر عنه سوى همهماتٍ خاويةٍ ، أراد َ التراجُعَ بحدَّةٍ على الجِدارِ ليهرُسَها لكنَّ الخبيثةَ تحولت إلى الأمام و جثمت على صدرِه فأصبحَ يتنفَّسُ بعُسرٍ شديدٍ ، وبدأت همهماتُه تخفُتُ تدريجيًّا و البعوضةُ اللعينةُ لا تزالُ تتضخَّمُ و تزحفُ على جسدِهِ و أحسَّ بقوائِمِها تُطبِقُ ضاغطةً على رقبتِهِ بحقدٍٍ غريبٍ ، ثمَّ أوقعت أجنحتَها على فمِهِ فلم يعُد قادراً حتى على الصُّراخِ و على عينَيهِ فمنعَته من الرؤيةِ و على أذنَيْهِ فلم يَعُد يسمَع .. ثم وَقَعَ على الأرض و لم يَصدُر عنه صوتٌ ..
في تلك الليلةِ غادَرَ البعوضُ مكامِنَه بحثًا عن ولائمَ كعادتِهِ .. طال بحثُه في الأزقةِ و الدورِ و حتى القصورِ و لكن دونَ جدوى .. كان البعوضُ المتضخِّمُ قد استنفذَ ما في الأنحاءِ من بشرٍ ..


فيصل الزوايدي
فرانسواس likes this.
  #2  
قديم 06-26-2008, 07:53 PM
 
رد: "بعوض في المدينة " قصة لفيصل الزوايدي (تونس)

قصة مسلية أخى فيصل
يبدو أنك تحب هذا النوع من القصص
قرأت لك من زمن الجدار الأحمر
  #3  
قديم 06-27-2008, 02:26 AM
 
رد: "بعوض في المدينة " قصة لفيصل الزوايدي (تونس)

جزاك الله خيرا
وبعد إذن حضرتك سأنقلها في القسم الخاص
بمؤلفات الأعضاء
  #4  
قديم 06-27-2008, 11:30 AM
 
رد: "بعوض في المدينة " قصة لفيصل الزوايدي (تونس)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو آدم مشاهدة المشاركة
قصة مسلية أخى فيصل
يبدو أنك تحب هذا النوع من القصص
قرأت لك من زمن الجدار الأحمر
أخي أبو آدم أعتز برأيك في النص و تسعدني قراءاتك دوما لنصوصي و افتخر بها ( لي نوعية أخرى من النصوص سيسعدني اطلاعك عليها )
دمت في الخير
مع الود
  #5  
قديم 06-27-2008, 11:34 AM
 
رد: "بعوض في المدينة " قصة لفيصل الزوايدي (تونس)

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة GHADA ALFIKY مشاهدة المشاركة
جزاك الله خيرا
وبعد إذن حضرتك سأنقلها في القسم الخاص
بمؤلفات الأعضاء
أخت غادة شكرا للتفاعل الراقي و بامكانك وضع النص في المكان الذي ترينه مناسبا
دمت في الخير
موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة


المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فلسطين واشهر المعارك والمجاز ندعو لهم بانصر على اليهود الاحمر أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه 4 05-31-2007 02:28 AM
رجال حول الرسول dada2010 نور الإسلام - 2 04-16-2007 04:28 PM


الساعة الآن 03:20 PM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2025, vBulletin Solutions, Inc.
Content Relevant URLs by vBSEO
شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011