|
حوارات و نقاشات جاده القسم يهتم بالمواضيع الحوارية والنقاشات الجادة والمتنوعة |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى الدكتور: احمد عدنان الجبوري متخصص في جراحة الجملة العصبية الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد ... حزنٌ وفرح ، قلق وسكينة ، هلع واطمئنان ، كلها مشاعر تنتاب الإنسان وهو يتقلب بينها كلما سار في دروب الحياة أو أتت عليه أيامها بما تحمله من عناء ومشقة ، أو فرح ويسر ، فهكذا هو الإنسان إذا أردت أن تُعَرِّفَه فتقول : إنه كائن فرح متفائل أو جزع متشائم أو مؤمن صابر ، فإنك ما جانبت الصواب في ذلك ، غير أن هناك نفراً من الناس يعيشون في الحياة بأجسامهم ولكن بين الأموات بمشاعرهم ؛ فهم لا يحزنون إذا حزن الناس ولا يفرحون إذا فرحوا ، وإذا فرّ الناس مما يخيفهم تراهم واقفين لا يحركون ساكناً وكأن هذه المشاعر من خوفٍ أو فرحٍ أو حزنٍ كانت كثوب بالٍ قديم وضعوه عن أجسادهم ...وتأمل العلماء هذا النفر من الناس فحسبوا أن فيهم مرضاً نفسياً ، ثم ما لبث أن جاء أحدهم إلى أحد هؤلاء المرضى فتفحص دماغه بعد موته فوجد أن الأمر ليس له علاقة بالنفس ، إنما هو أمرٌ راجعٌ إلى الدماغ . فإن في بعض تلافيفه أجزاء تولد فيها هذه المشاعر ثم تنساب إلى الوعي أو الشعور فيتأثر الإنسان بما يحيطه أو يؤثر عليه ، وهذه المراكز أو التلافيف قد أصابها مرض عند هؤلاء النفر من الناس . ثم عكف العلماء على دراسة هذه التلافيف حتى علموا شيئاً من السنن الربانية التي تتحكم فيها وتديرها فتدير من ورائها الإنسان ، فكان أول ما علموه أن هناك منطقتين من الدماغ ، الأولى تقع في الفص الجبهي وتتولد فيها النبضات العصبية الحاملة لمشاعر الغضب أو الفرح أو القلق فتذهب هذه النبضات إلى منطقة ما تحت المهاد ومنها إلى جوزة الدماغ ثم إلى منطقة فرس البحر في الفص الصدغي ثم منها تعود إلى الفص الجبهي وبهذا تكمل النبضات دورة كاملة في رحلتها من الفص الجبهي عائدة إليه ثم تستمر بدورانها لمدة ليست بالقصيرة ، وما دامت هي في هذه الحركة ؛ ينتابك أنت شعور بالفرح أو الحزن أو القلق حسب ما تواجهه من مواقف الحياة . وقد صح عند العلماء أنه ما كانت المشاعر لتكون طويلة الأمد لولا أن هذه الدورة من النبضات طوية الأمد ، فإنك لا تسطيع أن تغير ما يجول في نفسك من المشاعر ذاك لأنك لا تملك شيئاً لإيقاف دورة النبضات هذه حتى تقف هي من تلقاء نفسها فتبرد أنت بعد أن تبرد مشاعرك والدائرة الكهربائية في دماغك . ثم صح عند العلماء بعد ذلك أن مركز المشاعر هذا بدائرته مرتبط بمركز الشخصية والنطق الذي يجعلك إنساناً في المجتمع تؤثر به ولولا هذا الإرتباط لما كانت هناك مسحة شعورية وأنت تكلم الناس أو تصغي إليهم ولكنت كالإنسان الآلي الذي يكلم الناس ويستجيب لهم بطريقة آلية باردة وكأنه دمية يحركها من ورائها إنسان (وهو لا يعدو أن يكون كذلك) وسمي هذا النظام بالمراكز الشعورية الأولية . ثم أن هناك مراكز للعواطف أخرى لا تمت بصلة بالأولى وهي كذلك لا تعمل في أغلب الأحيان إلا عندما يستشيط الإنسان غضباً أو يهرع مذعوراً فاراً ، عند ذلك يتعقل هذا النظام الثاني وهو موجود في منطقة جوزة الدماغ فيغلق كل فعاليات الدماغ الأخرى من تفكير منطقي أو نظرة في العواقب أو إحساس بألم أو جوع أو عطش تغلق كلها بفعل هذا النظام ولا يبقى إلا الغضب الطائش الذي لا يبقي ولا يذر أو الذعر والفرار من خطر قد أوشك نزوله . وهذا النظام الثاني يسميه العلماء بالدماغ البربري لما يقوم به من أعمال سبق ذكرها عندما يدير الدماغ برمته ... لكنه لا يفعل في معظم الأحيان ذلك لسيطرة النظام الأول على شخصية ومشاعر الإنسان في حياته اليومية ، لكنه –أي الدماغ البربري- يدير دفة الأمور عندما يواجه الإنسان خطراً جسيماً فعليه القتال أو الهزيمة ولا شيء إلا هذا أو ذاك .. هذه هي مراكز الشعور في الدماغ .. تنسيق دقيق وعمل محكم وكل الذي نعلمه أن هناك مراكز في الدماغ تولد فيها هذه المشاعر أو تلك ثم تنساب إلى نفسك فتحرك أو تؤثر على قرارك لكن كيف تولد هذه المشاعر ؟ وكيف تتحول إلى شيء تجده في صدرك في حين أنها تولد في دماغك ؟ هذا أمر مبهم تماماً ولا سبيل إلى الوصول إليه الآن أو في المستقبل ذلك لأنه شيء متعلق بالروح وبكيفية تعاملها مع الدماغ ولا سبيل إلى فهمها أو فهم إدارتها للدماغ ذلك لأنها من أمر ربي (وما لأوتيتم من العلم إلا قليلاً) ... نعم قليل لكن في هذا القليل تتجلى الكثير من آيات الإبداع والإحكام والعظمة ومن هذا القليل نعلم أن فتات أو قطرات من بحور علمٍ واسعٍ غير متناه للربّ جلَّ جلاله فنزداد تعظيماً له وإجلالاً لأوامره ، وذلك أسمى ما نناله من ذلك الفتات القليل من العلم الذي أجهدتنا الأيام حتى فرحنا به عندما وقفنا على القليل من أسراره ، لكنا وقفنا في نفس الوقت على الكثير من جهلنا حتى قال أحدهم "وهو نيوتن" وهو على فراش الموت : تدقق (لا أعلم أنا فيما أبدو في نظر الناس ، فإنهم قد يقولون هذا عالم فحل أما أنا فإنني أنظر إلى نفسي كطفل صغير على ساحله فأعجبته صدفة كانت ملقاة على ساحل البحر فأخذ يقلبها بيده متعجباً من شكلها لكنه أدرك فيما بعد أن الحقيقة "أي حقيقة العلم" هناك في أعماق البحر ولا سبيل إلى الوصول إليها) . |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |