09-17-2008, 11:08 PM
|
|
القسوة أشعر بوحدة وأنا بين ال ناس ، فلا أشعر بأنس ولا إيناس ، ولا أرى منهم إلا فقر المشاعر والاحساس ، فهذا ولد صغير ، لا يكاد يفرق بين الخيل والبعير ، تضربه أمه حتى ينقطع صوته من طول صراخه الكسير، وهذه طفلة ضعيفة ، لا ترى من أبيها إلا كل قسوة وخيفة ، تشتاق إلى حنان أمها المنشغلة عنها بالوظيفة ، وهذا شاب مسكين ، يريد أن يعف نفسه فلا يجد من معين ، متردد بين الشهوات والشبهات وأصدقاء السوء والشياطين ، وهذه فتاة حمقاء ، تبحث عن السعادة في مكان الشقاء ، كمن يتفقد جداول الماء في وسط الصحراء ، وهذا زوج مشتت حيران ، انشغل بنشوز زوجه عن طاعة الرحمن ، فهرب من بيته الى مجالسة الاخوان والاخدان ، وهذه زوجة بائسة ، أسيرة في بيت زوجها يائسة ، فلا هو أمسكها بمعروف ولا سرحها بطلقة ثالثة ، وهذا أب يأمر ولده بالإحسان ، فإذا به يُعق ويُهان أمام النبلاء والأعيان ، بدلا من تقبيل قدمه والشكر والعرفان ، وهذه أم عاجزة فانية ، تشتكي جفاء أبنائها وبناتها إلى جدران بيتها الحانية ، حتى بكى الجدار لبكائها وأشفق عليها من هذه الدنيا العاتية ، حقيقة لا أدري ما أقول ، فقد عجز لساني عن وصف هذا السفول ، أين العفاف والحياء ، والصفاء والبهاء ، والطهارة والنقاء ، وأين الرفق واللين ، والتراحم والمودة بين المؤمنين ، فلقد ذهبت هنا وهناك باحثا عن الرحماء ، مواسيا بدموعي أعين المظلومين والضعفاء ، التي قد تغير حالها وجفت دموعها من طول البكاء ، فما وجدتهم إلا في خواص العلماء ، وبعض المقبلين على الله من المتزهدين والنبلاء ، فإلى الله المشتكى من أناس قست قلوبهم ، وساءت أخلاقهم ، وساد فسادهم وبلاؤهم ، كم من مستريح غاب عنهم بالموت والفناء ، وكم من مستراح منه هلك منهم فما بكت عليه الأرض ولا السماء ، فاللهم إنا نسألك ألا تجعلنا في جملة هؤلاء ، وأن تعصمنا من هذا الداء والبلاء ، فإنه لا حول ولا قوة لنا إلا بك يا رب الأرض والسماء |