11-01-2008, 12:50 AM
|
|
أدركوا الدكتور عمر قبل فوات الأوان الدعاء الدعاء الدعاء
في أسى وحزن وألم قال الدكتور عمر لزوجته منذ أيام في آخر اتصال تلفوني مع أسرته من سجنه بالولايات المتحدة الأمريكية قال: أنا في كرب شديد في صحتي.. لقد تدهورت صحتي للغاية.. أحتاج إلى دعاء كل الإخوة والصالحين.. ولا أشعر بوصول دعائهم إلي.. وأشعر أنهم لا يذكرونني حتى بالدعاء. * وهذه أول مرة يتحدث فيها الدكتور عمر عبد الرحمن بهذا الأسى والحزن منذ أن سجن في أمريكا منذ قرابة ستة عشر عاما.. وهذه أول مرة يستخدم تعبير أنا في كرب شديد. * فبالرغم من أنه أصيب منذ قرابة عام بأورام في البنكرياس.. وتم نقله من سجنه إلى سجن آخر فيه مستشفى ضخمة لعلاجه من هذا الورم.. ورغم أنه قعيد منذ فترة ولا يستطيع الحركة إلا على كرسي متحرك.. ورغم إصابته السابقة بالضغط والسكر.. ورغم أن الصداع كان يدق في رأسه دقا أشبه بالمطرقة وكان يشكو منه باستمرار.. ورغم سوء معاملته في السجون الأمريكية وعزله حتى عن المساجين العاديين وعدم وجود أنيس ولا جليس.. ورغم وجوده في سجن كف البصر فضلا عن السجن الأمريكي مع سجن الغربة المطلقة حيث لا يزوره أحد البتة منذ سنوات طويلة .. رغم ذلك كله لم ينطق الدكتور عمر من قبل بهذه الكلمات وبهذا الأسى. * فالمعروف أن الدكتور عمر رغم كف بصره وضعف صحته إلا أنه كان دوما يتمتع بعزيمة مثل الحديد وبهمة تفوق همة مئات الرجال.. فقد قضى معظم عمره في ابتلاء وامتحان.. ولكنه صبر صبرا جميلا ..واجتاز المحنة تلو الأخرى.. والبلاء تلو البلاء.. وكل محنة من المحن التي مر بها لا يستطيع أقوى الرجال أن يصمد أمامها. * إن أقل واجب يؤديه كل مسلم نحو هذا الرجل هو الدعاء له.. وهذا من باب إنكار هذا المنكر بالقلب وهو أضعف الإيمان.. وعلى كل مسلم أن يسعى في نصرته بقلمه أو بجاهه أو بسلطانه أو بقلبه ودعائه إن لم يستطع سبيلا إلى غيره. * وعلى الذين نعموا بالحرية من تلاميذه وأبنائه ألا تنسيهم هذه الحرية شيخهم فيقصروا حتى في الدعاء له وفي شرح قضيته والتعريف بها.. فقد شعر هو بذلك ..وقال لزوجته بصراحة إنني لا أشعر بدعاء الإخوة لي.. إنني أحتاج إلى دعائهم.. وافتقر إليه اليوم عن ذي قبل.. إنني في كرب عظيم..كما قال لهم إن السلطات الأمريكية المشرفة على السجن لا تستجيب لأي طلب لي مهما كان بسيطا وقانونيا وتافها ولا يكلفها شيئا ولا حتى ترد علي حتى من باب ذر الرماد في العيون. * إننا نناشد من هذا المنبر المتواضع كل المسؤولين المصريين على كل مستوياتهم أن يبذلوا كل ما في وسعهم للإفراج عن الدكتور عمر.. فلم يبق من عمره سوى القليل.. ولا أقل لأي مواطن مصري من أن يموت بين أهله وأسرته ..وفي وطنه إن لم يستطع أن يعيش فيه.. وهو ليس بالمواطن العادي.. ولكنه عالم كبير من علماء الأزهر. * فإذا رفضت أمريكا الإفراج عنه فليعش في سجون مصر فهي أكرم له وأشرف من سجون أمريكا التي لا يزوره فيها أحد.. ولا يسأل عنه أحد.. ولا يكلمه فيها أحد.. حتى المحامية الأمريكية التي كانت تزوره حكم عليها بالسجن رغم أنها يسارية التوجه.. وكانت تدافع عنه انطلاقا من ضميرها الإنساني الذي يأبى الظلم والضيم..وقد حزنت عليها كثيرا فهي الوحيدة التي كانت تسأل عن الدكتور عمر في سجنه وتزوره..وقد كان الحكم عليها منطلقا من أمور سياسية وليس منطلقا من قواعد قانونية أمريكية عادلة..وهذا يبين للكافة مدى تشدق الكاذب لأمريكا بحقوق الإنسان وحرية الوقوف أمام القاضي الطبيعي والعدالة للجميع واحترام حق الآخر في الحياة الكريمة وما إلى ذلك مما تتشدق به الحضارة الأمريكية كذبا وزورا . * ولو جاء الدكتور عمر إلى مصر حتى في السجن فسيكون ابنه محمد معه وحوله كل الإخوة يخدمونه ويرعونه ويقرأون له.. ويرى أولاده وأحفاده وأسرته.. وقد قال الدكتور عمر مرارا وتكرارا "إن أسوء أيامي في سجون مصر كانت أفضل من أحسن أيامي في سجون أمريكا" * ففي قضية السادات سنة 1981 ..ورغم الأحوال التي كانت في السجون المصرية وقتها إلا أن الدكتور كان يعيش في غرفة صغيرة جدا ً مع أربعة من الإخوة.. وكان يشرح لهم في التفسير ويجيب على فتاواهم وأسئلتهم ويصلي بهم قيام الليل.. كل ذلك بعد انتهاء الأذى والضرب وانصراف الشاويشية وغلق العنبر والزنازين. * فلما تحسنت الأحوال وهدأت الأمور في السجون تم نقله إلي مستشفي ليمان طره حيث مكث فيها كل فترته حتى انتهاء القضية والحكم ببراءته.. وكان الإخوة يتناوبون على خدمته والقراءة له والكتابة له.. وكان له درس يومي للإخوة في المستشفى.. وكان يصلي بهم قيام الليل كل يوم بجزء. * وقد علمت بعد ذلك أن اللواء/ أبو باشا وزير الداخلية وقتها هو الذي أمر بتسكينه في المستشفى حينما علم بأنه مريض بالسكر مرضا ً شديدا ً ..حيث تعاطف معه لأنه كان مريضا ً بنفس المرض. * وقد كان الدكتور عمر يلقى احتراما ً كبيرا ً في السجن.. وكنا نذهب معه إلي المحكمة ونرجع.. وقد رأيت مدير منطقة سجون طرة وهو اللواء/صفوت جمال الدين كان يستقبل الدكتور عمر بنفسه عند باب ليمان طرة ويعامله معاملة خاصة في كل الظروف . * وكان الدكتور عمر يذهب إلى المحكمة ويرجع بزيه الأزهري وهو في أبهى حلة وأجمل صورة.. وكان مسموحا ً له بالزيارة باستمرار.. وبكل الكتب.. كان ذلك كله من سنة 1982 وحتى نهاية القضية أواخر سنة 1984. * وأذكر أن الدكتور عمر كان في سجن الفيوم في أواخر الثمانينات من القرن الماضي وكان يعيش حياة كريمة وكان يعطي درسا للإخوة والمساجين كل يوم ويصلي بهم الصلوات وكان جميع الضباط والجنود يحبونه ويحترمونه ويقدرون علمه وسنه وكانوا يستفتونه في قضاياهم الدينية ومكث هناك قرابة شهريين كانت من أجمل الفترات في حياته وحياة من حوله * واليوم السجون المصرية أفضل من الثمانينات بكثير جدا ً.. والمعاملة فيها أرقى من ذلك بكثير.. وفيها من الإخوة من يتمنى خدمة الدكتور عمر بعينه ومنهم ابنه محمد وكذلك جميع الإخوة. * فإن لم نستطيع أن نفرج عن الدكتور عمر كربه ونفك أسره.. فلا أقل من تذكره والدعاء له وعدم نسيان قضيته.. والاهتمام بأسرته والسؤال عنهم والحفاوة بهم وإكرامهم ما استطعنا إلي ذلك سبيلا ً.. * لقد قضى الدكتور عمر عبد الرحمن حياته كلها لله وفي سبيل الله.. فلم يهنأ بدنيا ولم يركن إليها ولم يغتر بها.. وقد كانت الدنيا مفتوحة الذراعين في استقباله.. وكان يمكن أن يعيش أستاذا ً في بلاد الخليج ليكون ثروة كبيرة من الحلال الطيب ويصرف نظره عن الدفاع عن الدين والإسلام والاهتمام بقضايا أمته ولكنه رفض كل ذلك.. وجاء ليعيش في مصر..ويتحمل من المصاعب ما لا يتحمله الشباب القوي سليم الحواس. * لقد كان الدكتور عمر يركب الدرجة الثالثة في القطار في السبعينيات بعد عودته من الخليج ليسافر من بلد إلى بلد داعية ً إلى الله.. فإذا وجد القطار مزدحما ً قال لمرافقيه: أرموني من الشباك كما كان يدخل الجنود والشباب في السبعينات إلى قطار الدرجة الثالثة.. فكانوا يدخلونه من الشباك ًووالله ما يفعل ذلك إلا أهل الإخلاص لهذا الدين العظيم ودعوته الكريمة . * لقد كان أسطورة في التحمل.. كما كان متميزا ً في العبادة والطاعة.. وقد عاش معه الكثير من الشباب في السجن فلم يستطيعوا أن يجاروه في عبادته وصلاته وكنت أرى بعضهم ينام في السجود وبعضهم لا يكمل معه الصلاة ..ولكن الدكتور عمر لم يترك القيام بجزء كامل ليلة واحدة رغم مرضه. * وفي إحدى المرات كان مريضا ً جدا ً فرفض الأخ الذي يخدمه في السجن إيقاظه لصلاة القيام.. فغضب بعد ذلك غضبا ً شديدا ً..وأمر بنزوله من المستشفى وإحضار آخر ليخدمه ويوقظه. * وما أحب أن أقوله في الختام أن الدكتور عمر لم يكن موافقا ً على أحداث كثيرة من التي حدثت في سنة 1981م.. وظل رافضا لها رفضا ً شديدا ً.. وذكر ذلك عدة مرات..ولم يتاجر بهذا الرفض أو يستخدمه لمصلحة دنيوية لأن كل حياته كانت لله. * بل إنه أمر بصوم شهرين متتابعين لبعض من قاموا بأحداث أسيوط سنة 1981.. ولكن النيابة نسبت كل الأحداث إلي فتواه كذبا ً وزورا ..ً وأرادت أن تعلق رقبته في المشنقة مرتين.. الأولى في قضية السادات والثانية في القضية المدنية الأخرى والتي عرفت إعلاميا وقتها بقضية الجهاد الكبرى .. ولكنه الله نجاه وبرأه ونصره في المرتين..وخرج من السجن بعدها عزيزا كريما.. وهو من القلائل الذين خرجوا وقتها من باب السجن إلى البيت.. وكان هذا ممنوعا ومحظورا في ذلك الوقت.. إذ كان المعتاد وقتها أن يخرج الإنسان إلى القسم أولا ثم بعد ذلك يخرج إلى منزله ..ولم تكسر هذه القاعدة إلا في حالته وقتها.. ولكنها الحمد لله كسرت بعد المبادرة إذ خرج الإخوة من السجن إلى البيت مباشرة ..ولا يعرف قيمة هذه الأشياء البسيطة إلا أمثال أبناء الجماعة الإسلامية الذين رأوا الأهوال من قبل في السجون * فالدكتور عمر عبد الرحمن رغم صدعه المستمر بالحق .. ورغم أنه من القلائل الذين لا يخافون في الله لومة لائم ومن العلماء العاملين الذين يحبون الجهاد في سبيل الله.. إلا أنه كان يكره باستمرار التقاتل الداخلي في بلاد المسلمين.. وكان يذكر ذلك لتلاميذه باستمرار.. ولكنه لم يعلنه حتى يتم توافق الجميع عليه. * بالأمس كان الدكتور عمر يدافع عن الجميع حينما كان حرا ً وكان أولاده وتلاميذه في السجون.. واليوم يحتاج الدكتور عمر إلي من يدافع عنه كل حسب طاقته وقدرته.. هذا بقلمه.. وهذا بخطبته.. وهذا بحديثه.. وهذا بوساطته.. وهذا بجاهه.. وهذا بدعائه وتضرعه إلي الله.. وهكذا.... ولن يعدم المسلمون أناسا ً صالحين من الجماعة الإسلامية وغيرها ممن يدافعون عن هذا الرجل الضرير الذي أصبح رهين ألف سجن في سجن واحد..فهل ندرك هذا الرجل قبل فوات الأوان وقبل أن يلقى منيته في هذه الغربة.. أسأل الله أن يقيض لهذا الرجل من يسعى لتفريج كربه سواء من المسلمين أو من غير المسلمين وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله ينصر هذا الدين بالرجل الفاجر " .."ولله جنود السموات والأرض "
|