|
نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
الباحث عن الحقيقة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سلمان الفارسي الباحث عن الحقيقة من بلاد فارس, عانق الاسلام مؤمنون كثيرون فيمابعد, فجعل منهم أفذادا لا يلحقون في الايمان, وفي العلم.. في الدين, وفيالدنيا.. وانها لاحدى روائع الاسلام وعظمته, ألا يدخل بلدامن بلاد الله إلا ويثير في اعجاز باهر, كل نبوغها ويحرّك كل طاقاتها, ويحرج خبءالعبقرية المستكنّة في أهلها وذويها.. فاذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباءالمسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون.. والمخترعون المسلمون.. وعلماءالرياضة المسلمون.. واذا بهم يبزغون من كل أفق, ويطلعون من كل بلد, حتى تزدحم عصور الاسلام الأولى بعبقريات هائلة في كل مجالات العقل, والارادة, والضمير.. أوطانهم شتى, ودينهم واحد..!! ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المباركلدينه.. لا, بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم.. ولقد زوي له الزمان والمكانذات يوم ورأى رأي العين راية الاسلام تخفق فوق مدائن الأرض, وقصورأربابها.. وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدثعلاقة وثقى. كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. اذخرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة, مؤلبين المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسولالله والمسلمين, متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب حاسمة تستأصل شأفة هذا الدينالجديد. ووضعت خطة الحرب الغادرة, على أن يهجم جيش قريشوغطفان "المدينة" من خارجها, بينما يهاجم بنو قريظة من الداخل, ومن وراء صفوفالمسلمين, الذين سيقعون آنئذ بين شقّى رحى تطحنهم, وتجعلهم ذكرى..! وفوجىء الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب منالمدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم. وسقط في أيدي المسلمين, وكاد صوابهم يطير من هولالمباغتة. وصوّر القرآن الموقف, فقال اللهتعالى: )اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغتالأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا( أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيانوعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا منمحمد ودينه, وأصحابه.. وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كلالقبائل والمصالح التي رأت في الاسلام خطرا عليها. انها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداءالرسول: أفرادا, وجماعات, وقبائل, ومصالح.. ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب.. وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم فيالأمر.. وطبعا, أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيفالدفاع؟؟ هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين, الغزير الشعر, الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما, واحتراما كبيرا. تقدّم سلمان الفارسي وألقى من فوق هضبة عالية, نظرة فاحصة على المدينة, فألفاها محصنة بالجبال والصخور المحيطة بها.. بيد أن هناكفجوة واسعة, ومهيأة, يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر. وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائلالحرب وخدع القتال, فتقدم للرسول صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العربمن قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق يغطي جميع المنطقة المكشوفة حولالمدينة. والله يعلم , ماذا كان المصير الذي كان ينتظرالمسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد قريش تراه حتى دوختهاالمفاجأة, وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة, حتى أرسلالله تعالى عليها ذات ليلة ريحا صرصرا عاتية اقتلعت خيامها, وبدّدتشملها.. ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل الى حيثجاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!! ** خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه معالمسلمين وهم يحفرون ويدأبون.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضربمعهم. وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه, اعترضت معولهم صخورعاتية.. كان سلمان قوي البنية شديد الأسر, وكانت ضربةواحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا, ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!! وذهب سلمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلميستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة العنيدة المتحدية. وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاينبنفسه المكان والصخرة.. وحين رآها دعا بمعول, وطلب من أصحابه أن يبتعدواقليلاعن مرمى الشظايا.. وسمّى بالله, ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتينعلى المعول في عزم وقوة, وهوى به على الصخرة, فاذا بها تنثلم, ويخرج من ثنايا صدعهاالكبير وهجا عاليا مضيئا. ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها, أييضيء جوانب المدينة.. وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا: "الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس, ولقد أضاء ليمنها قصور الحيرة, ومدائن كسرى, وان أمتي ظاهرة عليها".. ثم رفع المعول, وهوت ضربته الثانية, فتكررتلظاهرة, وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع, وهلل الرسول عليه السلاممكبرا: "الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم, ولقد أضاء ليمنها قصورها الحمراء, وان أمتي ظاهرة عليها". ثم ضرب ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامهاواستسلامها, وأضاء برقها الشديد الباهر, وهلل الرسول وهلل المسلمون معه.. وأنبأهمأنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق فوقها راية اللهيوما, وصاح المسلمون في ايمان عظيم: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله..!! كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق.. وكان صاحبالصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير, حين استعان عليها برسول الله صلىالله عيه وسلم, وكان قائما الى جوار الرسول يرى الضوء, ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتىرأى البشرى حقيقة يعيشها, وواقعا يحياه, فرأى مداءن الفرس والروم.. رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق.. رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذيينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار الهدى والخير..!! ** وها هو ذا, جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفةالملتفة أما داره "بالمدائن" يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة, ويقصعليهم كيف غادر دين قومه الفرس الى المسيحية, ثم الى الاسلام.. كيف غادر ثراء أبيه الباذخ, ورمى نفسه في أحضانالفاقة, بحثا عن خلاص عقله وروحه..!!! كيف بيع في سوق الرقيق, وهو في طريق بحثه عنالحقيقة..؟؟ كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيفآمن به..؟؟ تعالوا نقترب من مجلسه الجليل, ونصغ الى النبأالباهر الذي يرويه.. ** [كنت رجلا من أهل أصبهان, من قرية يقال لها "جي".. وكان أبي دهقان أرضه. وكنت من أحب عباد الله اليه.. وقد اجتهدت في المجوسية, حتى كنت قاطن النار التينوقدها, ولا نتركها تخبو.. وكان لأبي ضيعة, أرسلني اليها يوما, فخرجت, فمررتبكنيسة للنصارى, فسمعتهم يصلون, فدخلت عليهم أنظر ما يصنعون, فأعجبني ما رأيت منصلاتهم, وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه, فما برحتهم حتى غابت الشمس, ولا ذهبت الى ضيعة أبي, ولا رجعت اليه حتى بعث في أثري... وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصلدينهم, فقالوا في الشام.. وقلت لأبي حين عدت اليه: اني مررت على قوم يصلونفي كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم, ورأيت أن دينهم خير من ديننا.. فحاورني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديداوحبسني.. وأرسلت الى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهموسألتهم اذا قدم عليهم ركب من الشام, أن يخبروني قبل عودتهم اليها لأرحل الى الشاممعهم, وقد فعلوا, فحطمت الحديد وخرجت, وانطلقت معهم الى الشام.. وهناك سألت عن عالمهم, فقيل لي هو الأسقف, صاحبالكنيسة, فأتيته وأخبرته خبري, فأقمت معه أخدم, وأصلي وأتعلم.. وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه, اذ كان يجمعالصدقات من الانس ليوزعها, ثم يكتنزها لنفسه. ثم مات.. وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه, فما رأيت رجلا علىدينهم خيرا منه, ولا أعظم منه رغبة في الآخرة, وزهدا في الدنيا ودأبا علىالعبادة.. وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له: انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى, فبم تأمرني والى منتوصي بي؟؟ قال: أي بني, ما أعرف أحدا من الناس على مثل ماأنا عليه الا رجلا بالموصل.. فلما توفي, أتيت صاحب الموصل, فأخبرته الخبر, وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم, ثم حضرته الوفاة, سألته فأمرني أن ألحق برجل فيعمورية في بلاد الروم, فرحلت اليه, وأقمت معه, واصطنعت لمعاشي بقراتوغنمات.. ثم حضرته الوفاة, فقلت له: الى من توصي بي؟ فقاللي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه, آمرك أن تأتيه, ولكنه قد أظلك زماننبي يبعث بدين ابراهيم حنيفا.. يهاجر الى أرض ذات نخل بين حرّتين, فان استطعت أنتخلص اليه فافعل. وان له آيات لا تخفى, فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبلالهدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة, اذا رأيته عرفته. ومر بي ركب ذات يوم, فسألتهم عن بلادهم, فعلمتأنهم من جزيرة العرب. فقلت لهم: أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم الىأرضكم؟.. قالوا: نعم. واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى, وهناكظلموني, وباعوني الى رجل من يهود.. وبصرت بنخل كثير, فطمعت أن تكون هذه البلدة التيوصفت لي, والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر.. ولكنها لم تكنها. وأقمت عند الرجل الذي اشتراني, حتى قدم عليه يومارجل من يهود بني قريظة, فابتاعني منه, ثم خرج بي حتى قدمت المدينة!! فوالله ما هوالا ان رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي.. وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعثالله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني عمرو بن عوف. واني لفي رأس نخلة يوما, وصاحبي جالس تحتها اذأقبل رجل من يهود, من بني عمه, فقال يخاطبه: قاتل الله بني قيلة انهم ليتقاصفون علىرجل بقباء, قادم من مكة يزعم أنه نبي.. فوالله ما أن قالها حتى أخذتني العرواء, فرجفتالنخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا, أقول: ماذا تقول.؟ ماالخبر..؟ فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة, ثم قال: مالكولهذا..؟ أقبل على عملك.. فأقبلت على عملي.. ولما أمسيت جمعت ما كان عنديثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء.. فدخلت عليه ومعه نفر منأصحابه, فقلت له: انكم أهل حاجة وغربة, وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة, فلما ذكرلي مكانكم رأيتم أحق الناس به فجئتكم به.. ثم وضعته, فقال الرسول لأصحابه: كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط اليه يدا.. فقلت في نفسي: هذه والله واحدة .. انه لا يأكلالصدقة..!! ثم رجعت وعدت الى الرسول عليه السلام في الغداة, أحمل طعاما, وقلت له عليه السلام: اني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحبأن أكرمك به هدية, ووضعته بين يديه, فقال لأصحابه كلوا باسم الله.. وأكل معهم.. قلت لنفسي: هذه والله الثانية.. انه يأكلالهدية..!! ثم رجعت فمكثت ما شاء الله, ثم أتيته, فوجدته فيالبقيع قد تبع جنازة, وحوله أصحابه وعليه شملتان مؤتزرا بواحدة, مرتديا الأخرى, فسلمت عليه, ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره, فعرف أني أريد ذلك, فألقى بردته عن كاهله, فاذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة, كما وصفه لي صاحبي.. فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاةوالسلام فجلست بين يديه, وحدثته حديثي كما أحدثكم الآن.. ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدروأحد.. وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك", فكاتبته, وأمر الرسول أصحابه كي يعاونوني. وحرر الله رقبتي, وعشت حرا مسلما, وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق, والمشاهد كلها. هذه القصة مذكورةفي الطبقات الكبرى لابن سعد ج4. ** بهذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسيعن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه عن الحقيقة الدينية التي تصلهبالله, وترسم له دوره في الحياة.. فأي انسان شامخ كان هذا الانسان..؟ أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة, وفرضته ارادتهالغلابة على المصاعب فقهرتها, وعلى المستحيل فجعلته ذلولا..؟ أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لها هذا الذي أخرجصاحبه طائعا مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه الى المجهول بكل أعبائه, ومشاقه, ينتقل من أرض الى أرض.. ومن بلد الى بلد.. ناصبا, كادحا عابدا.. تفحص بصيرتهالناقدة الناس, والمذاهب والحياة.. ويظل في اصراره العظيم وراء الحق, وتضحياتهالنبيلة من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى, فيجمعه بالحق, ويلاقيه برسوله, ثم يعطيه من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق فيكل مكان من الأرض, وعباده المسلمون يملؤن أركانها وأنحاءها هدى وعمراناوعدلا..؟!! ** ماذا نتوقع أن يكون اسلام رجل هذه همته, وهذاصدقه؟ لقد كان اسلام الأبرار المتقين.. وقد كان فيزهده, وفطنته, وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب. أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكانأبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل ويصوم النهار.. وكان سلمان يأخذ عليه مبالغتهفي العبادة على هذا النحو. وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم, وكان نافلة.. فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوملربي, وأصلي له..؟ّ فأجابه سلمان قائلا: ان لعينك عليك حقا, وان لأهلك عليك حقا, صموافطر, وصل ونم.. فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلمفقال: " لقد أشبع سلمان علما ". وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا, كما كان يطري خلقه ودينه.. ويوم الخندق, وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا.. وناداهم الرسول قائلا:" سلمان منا آلالبيت". وانه بهذا الشرف لجدير.. وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمانالحكيم سئل عنه بعد موته فقال: [ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت.. من لكم بمثللقمان الحكيم..؟ أوتي العلم الأول, والعلم الآخر, وقرأ الكتابالأول والكتاب الآخر, وكان بحرا لا ينزف]. ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعاالمنزلة الرفيعة والمكان الأسمى. ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا, فصنع عمر ما لانعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا, اذ جمع أصحابه وقال لهم: "هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!! وخرج بهم لاستقباله عند مشارفالمدينة. لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معهمسلما حرّا, ومجاهدا وعابدا. وعاش مع خليفته أبي بكر, ثم أمير المؤمنين عمر, ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته. وفي معظم هذه السنوات, كانت رايات الاسلام تملأالأفق, وكانت الكنوز والأموال تحمل الى المدينة فيئا وجزية, فتوزع في صورة أعطياتمنتظمة, ومرتبات ثابتة. وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها, فكثرتالأعمال والمناصب تبعا لها.. فأين كان سلمان في هذا الخضم..؟ وأين نجده فيأيام الرخاء والثراء والنعمة تلك..؟ ** افتحوا ابصاركم جيدا.. أترون هذا الشيخ المهيب الجالس هناك في الظل يضفرالخوص ويجدله ويصنع منه أوعية ومكاتل..؟ انه سلمان.. انظروه جيدا.. انظروه جيدا في ثوبه القصير الذي انحسر من قصرهالشديد الى ركبته.. انه هو, في جلال مشيبه, وبساطةاهابه. لقد كان عطاؤه وفيرا.. كان بين أربعة وستة آلاففي العام, بيد أنه كان يوزعه جميعا, ويرفض أن يناله منه درهم واحد, ويقول: "أشتري خوصا بدرهم, فأعمله, ثم أبيعه بثلاثةدراهم, فأعيد درهما فيه, وأنفق درهما على عيالي, وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بنالخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت"! ** ثم ماذا يا أتباع محمد..؟ ثم ماذا يا شرف الانسانية في كل عصورهاوواطنها..؟؟ لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابةوورعهم, مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي ذر واخوانهم, أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياةفي الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في البساطة.. فها نحن أمام رجل من فارس.. بلاد البذخ والترفوالمدنية, ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس. ما باله يرفض هذا المال والثروةوالنعيم, ويصر أن يكتفي في يومه بدرهم يكسبه من عمل يده..؟ ما باله يرفض الإمارة ويهرب منهاويقول: "ان استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا علىاثنين؛ فافعل..". ما باله يهرب من الامارة والمنصب, الا أن تكونامارة على سريّة ذاهبة الى الجهاد.. والا أن تكون في ظروف لا يصلح لها سواه, فيكرهعليها اكراها, ويمضي اليها باكيا وجلا..؟ ثم ما باله حين يلي على الامارة المفروضة عليهفرضا يأبى أن يأخذ عطاءها الحلال..؟؟ روى هشام عن حسان عن الحسن: " كان عطاء سلمان خمسة آلاف, وكان على ثلاثينألفا من الناس يخطب في عباءة يفترش نصفها, ويلبس نصفها.." "وكان اذا خرج عطاؤه أمضاه, ويأكل من عمليديه..". ما باله يصنع كل هذا الصنيع, ويزهد كل ذلك الزهد, وهو الفارسي, ابن النعمة, وربيب الحضارة..؟ لنستمع الجواب منه. وهو على فراش الموت. تتهيأروحه العظيمة للقاء ربها العلي الرحيم. دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكىسلمان.. قال له سعد:" ما يبكيك يا أبا عبد الله..؟ لقدتوفي رسول الله وهو عنك راض". فأجابه سلمان: " والله ما أبكي جزعا من الموت, ولاحرصا علىالدنيا, ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الينا عهدا, فقال: ليكن حظ أحدكم منالدنيا مثل زاد الراكب, وهأنذا حولي هذه الأساود"!! يعني بالأساود الأشياء الكثيرة! قال سعد فنظرت, فلم أرى حوله الا جفنة ومطهرة, فقلت له: يا أبا عبدالله اعهد الينا بعهد نأخذه عنك, فقال: " يا سعد: اذكر عند الله همّتك اذا هممت.. وعند حكمتك اذا حكمت.. وعند يدك اذا قسمت.." هذا هو اذن الذي ملأ نفسه غنى, بقدر ما ملأهاعزوفا عن الدنيا بأموالها, ومناصبها وجاهها.. عهد رسول الله صلى الله عليه وسلماليه والى أصحابه جميعا: ألا يدعو الدنيا تتملكهم, وألا يأخذ أحدهم منها الا مثلزاد الركب.. ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعهحين رأى روحه تتهيأ للرحيل, مخافة أن يكون قد جاوز المدى. ليس حوله الا جفنة يأكل فيها, ومطهرة يشرب منهاويتوضأ ومع هذا يحسب نفسه مترفا.. ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر..؟ وفي الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن, لميتغير من حاله شيء. فقد رفض أن يناله من مكافأة الامارة درهم.. وظل يأكل من عملالخوص.. ولباسه ليس الا عباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعها.. وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم منالشام ومعه حمل تين وتمر.. كان الحمل يؤد الشامي ويتعبه, فلم يكد يبصر أمامهرجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم, حتى بدا له أن يضع الحمل على كاهله, حتى اذاأبلغه وجهته أعطاه شيئا نظير حمله.. وأشار للرجل فأقبل عليه, وقال له الشامي: احملعني هذا.. فحمله ومضيا معا. واذ هما على الطريق بلغا جماعة من الانس, فسلمعليهم, فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام.. وعلى الأمير السلام..؟ أي أمير يعنون..؟!! هكذا سأل الشامي نفسه.. ولقد زادت دهشته حين رأى بعض هؤلاء يسارع صوبسلمان ليحمل عنه قائلين: عنك أيها الأمير..!! فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي, فسقط في يده, وهربت كلمات الاعتذار والأسف من بين شفتيه, واقترب ينتزع الحمل. ولكنسلمان هز رأسه رافضا وهو يقول: " لا, حتى أبلغك منزلك"..!! ** سئل يوما: ما الذي يبغض الامارة الىنفسك.؟ فأجاب: " حلاوة رضاعها, ومرارةفطامها".. ويدخل عليه صاحبه يوما بيته, فاذا هو يعجن, فيسأله: أين الخادم..؟ فيجيبه قائلا: " لقد بعثناها في حاجة, فكرهنا أن نجمع عليهاعملين.." وحين نقول بيته فلنذكر تماما, ماذا كان ذاكالبيت..؟ فحين همّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع التجوّز بيتا, سأل البنّاء: كيفستبنيه..؟ وكان البنّاء حصيفا ذكيا, يعرف زهد سلمان وورعه.. فأجابه قائلا: " لا تخف.. انها بناية تستظل بها من الحر, وتسكن فيها من البرد, اذاوقفت فيها أصابت رأسك, واذا اضطجعت فيها أصابت رجلك"..! فقال له سلمان: "نعم هكذا فاصنع". لم يكن هناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركناليه سلمان لحظة, أو تتعلق به نفسه اثارة, الا شيئا كان يحرص عليه أبلغ الحرص, ولقدائتمن عليه زوجته, وطلب اليها أن تخفيه في مكان بعيد وأمين. وفي مرض موته وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه, ناداها: "هلمي خبيّك التي استخبأتك"..!! فجاءت بها, واذا هي صرة مسك, كان قد أصابها يومفتح "جلولاء" فاحتفظ بها لتكون عطره يوم مماته. ثم دعا بقدح ماء نثر المسك فيه, ثم ماثه بيده, وقال لزوجته: "انضجيه حولي.. فانه يحضرني الآن خلق من خلقالله, لا يأكلون الطعام, وانما يحبون الطيب". فلما فعلت قال لها:" اجفئي علي الباب وانزلي".. ففعلت ما أمرها به.. وبعد حين صعدت اليه, فاذا روحه المباركة قد فارقتجسده ودنياه. قد لحقت بالملأ الأعلى, وصعدت على أجنحة الشوقاليه, اذ كانت على موعد هناك مع الرسول محمد, وصاحبيه أبي بكر وعمر.. ومع ثلة مجيدةمن الشهداء والأبرار. ** لطالما برّح الشوق الظامئ بسلمان.. وآن اليوم أن يرتوي, وينهل منقووول للفائده
__________________ من يلوم الشعب لاعاتب زمانه ..... من يلوم الخير لاشح بعطاه مات أبونا وعزنا وإللي حمانا ..... جعل ربي يرحمه ويغفر خطاه الذكرى الأولى لوفاة أمير القلوب " بابا جابر " رحمة الله عليه |
#2
| ||
| ||
مشاركة: الباحث عن الحقيقة الله يعطيك العافيه على النقل
__________________ أجمل ما في الحياة هي الأخوة الصادقة لأنها مدينة مغلقة لا يدخلها إلا الأوفياء |
#3
| ||
| ||
مشاركة: الباحث عن الحقيقة اللهمـ صلي على سيدنا محمد و على اله الأطــــهار وصحبه الأبرار و رضي الله عن سلمان الفارسي شكرا توتا ************************* |
#4
| ||
| ||
رد: الباحث عن الحقيقة عيون , جاد شكرا لكم على مروركم الكريم
__________________ من يلوم الشعب لاعاتب زمانه ..... من يلوم الخير لاشح بعطاه مات أبونا وعزنا وإللي حمانا ..... جعل ربي يرحمه ويغفر خطاه الذكرى الأولى لوفاة أمير القلوب " بابا جابر " رحمة الله عليه |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
هل اقول الحقيقة لزوجي واخبره بكل شيء عن حياتي ؟ | العربية | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 26 | 02-26-2007 06:43 PM |
يا شباب حقيقة اسامة بن لادن ادخلو واعرف الحقيقة | المشتاق لله | نور الإسلام - | 46 | 01-04-2007 01:59 PM |
هذه26 طريقة لاغتنام الدقيقة ... | ولـد غرناطة | نور الإسلام - | 9 | 07-09-2006 10:36 AM |
حلها واحتلها !!! | شقية | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 364 | 05-08-2006 09:24 PM |