|
نور الإسلام - ,, على مذاهب أهل السنة والجماعة خاص بجميع المواضيع الاسلامية |
| LinkBack | أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
#1
| ||
| ||
فتاوى الحج للشيخ بن عثيمين النسك وأنواعه السؤال (206): فضيلة الشيخ، ما هو النسك وعلى ماذا يطلق؟ الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. النسك: يُطلق ثلاثة إطلاقات ؛ فتارة : يراد به العبادة عموماً، وتارة: يراد به التقرب إلى الله تعالى بالذبح، وتارة: يراد به أفعال الحج وأقواله. فالأول: كقولهم: فلان ناسك، أي: عابد لله عز وجل. والثاني: كقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (162)لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162/163)، ويمكن أن يراد بالنسك هنا: التعبد ، فيكون من المعنى الأول. والثالث: كقوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرا)(البقرة: 200). هذا هو معنى النسك، وهذا الأخير هو الذي يخص شعائر الحج، وهو- أي النسك المراد به الحج، نوعان: نسك العمرة، ونسك الحج. أما نسك العمرة: فهو ما اشتمل على هيئتها، من الأركان، والواجبات ، والمستحبات، بأن يحرم من الميقات، ويطوف بالبيت، ويسعى بين الصفا والمروة، ويحلق أو يقصر. وأما الحج: فهو أن يحرم من الميقات ، أو من مكة إن كان بمكة، ويخرج إلى منى، ثم إلي عرفة، ثم إلى مزدلفة، ثم إلى منى مرة ثانية، ويطوف ، ويسعى ، ويكمل أفعال الحج على ما سيذكر إن شاء الله تعالى تفصيلاً. حكم الحج السؤال (207): فضيلة الشيخ، ما هو حكم الحج؟ الجواب: الحج فرض بإجماع المسلمين، أي: بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وهو أحد أركان الإسلام، لقوله تعالى: ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران: 97)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله فرض عليكم الحج فحجوا ))(205) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام )(206). فمن أنكر فرضية الحج ، فهو كافر مرتد عن الإسلام ، إلا أن يكون جاهلا بذلك ، وهو مما يمكن جهلة به ؛ كحديث عهد بإسلام ، وناشئ في بادية بعيدة ، لا يعرف من أحكام الإسلام شيئا ، فهذا يعذر بجهله ، ويعرف ، ويبين له الحكم ، فإن أصر على إنكاره ، حكم بردته . وأما من تركه أي : الحج متهاونا مع اعترافه بشرعيته ، فهذا لا يكفر ، ولكنه على خطر عظيم ، وقد قال بعض أهل العلم بكفره . حكم العمرة السؤال (208 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم العمرة ؟ الجواب : أما العمرة فقد اختلف العلماء في وجوبها : فمنهم من قال : إنها واجبة ومنهم من قال: إنها سنة، ومنهم من فرق بين المكي وغيره فقال: واجبة على غير المكي ، غير واجبة على المكي ، والراجح عندي : أنها واجبة على المكي وغيره ، لكن وجوبها أدنى من وجوب الحج ؛ لأن وجوب الحج فرض مؤكد ؛ لأن الحج أحد أركان الإسلام ، بخلاف العمرة . وجوب الحج على الفور ، أم على التراخي ؟ السؤال (209 ) : فضيلة الشيخ ، وجوب الحج هل هو على الفور ، أم على التراخي؟ الجواب : الصحيح أنه واجب على الفور ، وأنه لا يجوز للإنسان الذي استطاع أن يحج إلى بيت الله الحرام أن يؤخره ، وهكذا جميع الواجبات الشرعية ، إذا لم تقيد بزمن أو سبب ، فإنها واجبة على الفور . شروط وجوب الحج والعمرة السؤال (210 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي شروط وجوب الحج والعمرة ؟ الجواب : شروط وجوب الحج والعمرة خمسة ، مجموعة في قول الناظم : الحج والعمرة واجبان في العمر مرة بلا تواني بشرط إسلام كذا حرية عقل بلوغ قدرة جلية فيشترط لوجوبه أولا : الإسلام ، فغير المسلم لا يجب عليه الحج ، بل ولا يصح منه لو حج ، بل ولا يجوز دخوله مكة ؛ لقوله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا)(التوبة: 28 )، فلا يحل لمن كان كافراً بأي سبب كان كفره ، لا يحل له دخول حرم مكة . ولكن يحاسب الكافر على ترك الحج وغيره من فروع الإسلام على القول الراجح من أقوال أهل العلم ، لقوله تعالى : (إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ) (39) ( فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ) (40) (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) (41) (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) (42) (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (43) (وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) (44) (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ) (45) (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) (46) (حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) (المدثر: 39 ، 47 ). الشرط الثاني : العقل ؛ فالمجنون لا يجب عليه الحج ، فلو كان الإنسان مجنوناً من قبل أن يبلغ حتى مات ، فإنه لا يجب عليه الحج ولو كان غنياً . الثالث : البلوغ ؛ فمن كان دون البلوغ فإن الحج لا يجب عليه ، ولكن لو حج ، فحجه صحيح ، إلا أنه لا يجزئه عن فريضة الإسلام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي رفعت إليه صبياً وقالت : ألهذا حج ؟ قال : (( نعم ولك أجر ))(207) ، لكنه لا يجزئه عن فريضة الإسلام لأنه لم يوجه إليه الأمر بها حتى يجزئه عنها ؛ إذا لا يتوجه الأمر إليه إلا بعد بلوغه . وبهذه المناسبة أحب أن أقول : إنه في المواسم التي يكثر فيها الزحام ، ويشق فيها الإحرام بالصغار ، ومراعاة إتمام مناسكهم ، فالأولى ألا يحرموا لا بحج ولا بعمرة ، أعني هؤلاء الصغار ؛ لأنه يكون فيه مشقة عليهم وعلى أولياء أمورهم ، وربما شغلوهم عن إتمام نسكهم ، أي : ربما شغل الأولاد آباءهم أو أمهاتهم عن إتمام نسكهم ، فبقوا في حرج ، وما دام الحج لا يجب عليهم ، فإنهم في سعة من أمرهم . الرابع : الحرية ؛ فالرقيق المملوك لا يجب عليه الحج ؛ لأنه مملوك مشغول بسيده ، فهو معذور بترك الحج ، لا يستطيع السبيل إليه . الخامس : القدرة على الحج بالمال والبدن ؛ فإن كان الإنسان قادراً بماله دون بدنه ، فإنه ينيب من يحج عنه ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج ، شيخا كبير لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال (( نعم )) (208)، وذلك في حجة الوداع ففي قولها : أدركته فريضة الله على عباده في الحج ، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم إياها على ذلك ، دليل على أن من كان قادراً بماله دون بدنه ، فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه ، أما إن كان قادراً ببدنه دون ماله ، ولا يستطيع الوصول إلى مكة ببدنه ، فإن الحج لا يجب عليه . ومن القدرة : أن تجد المرأة محرما لها ، فإن لم تجد محرما ، فإن الحج لا يجب عليها ، لكن اختلف العلماء : هل يجب عليها في هذه الحال أن تقيم من يحج عنها أو يعتمر ، أو لا يجب ؟ على قولين لأهل العلم ؛ بناء على أن وجود المحرم هل هو شرط لوجوب الأداء ، أو هو شرط للوجوب من أصله ، والمشهور عند الحنابلة رحمهم الله : أن المحرم شرط للوجوب ، وأن المرأة التي لا تجد محرما ليس عليها حج ولا يلزمها أن تقيم من يحج عنها . فهذه شروط خمسة لوجوب الحج ، أعيدها فأقول : هي الإسلام ، والعقل ، والبلوغ ، والحرية ، والاستطاعة ، وهذه الشروط تشمل الحج والعمرة أيضا . شروط الإجزاء في أداء الحج والعمرة السؤال (211 ) : فضيلة الشيخ ، ما دمنا عرفنا شروط الوجوب للحج والعمرة ، فما هي شروط الإجزاء ؟ الجواب : شروط الإجزاء : الإسلام ، والبلوغ ، والعقل ، والحرية عند بعض أهل العلم . والصواب : أن الحرية ليست شرطا للإجزاء ، وأن الرقيق لو حج فإن حجه يجزئه إذا كان سيده قد أذن له ؛ لأن سقوط الوجوب عن العبد ليس لمعنى فيه ، ولكن لوجود مانع ، وهو انشغاله بخدمة سيده فإذا أذن له سيده بذلك ، صار الحج واجبا عليه ومجزئا منه . آداب السفر للحج السؤال (212 ) : فضيلة الشيخ ، حبذا لو أشرتم ولو بإشارات سريعة إلى أبرز آداب السفر إلى الحج ؟ الجواب : آداب الحج تنقسم إلى قسمين : آداب واجبة ، وآداب مستحبة : فأما الآداب الواجبة : فهي أن يقوم الإنسان بواجبات الحج وأركانه ، وأن يتجنب محظورات الإحرام الخاصة ، والمحظورات العامة ، الممنوعة في الإحرام وفي غير الإحرام ؛ لقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) ( البقرة : 197 ) . وأما الآداب المستحبة في سفر الحج : فأن يقوم الإنسان بكل ما ينبغي له أن يقوم به ؛ من الكرم بالنفس والمال والجاه ، وخدمة إخوانه وتحمل أذاهم ، والكف عن مساوئهم ، والإحسان إليهم ، سواء كان ذلك بعد تلبسه بالإحرام ، أو قبل تلبسه بالإحرام ؛ لأن هذه آداب عالية فاضلة تطب من كل مؤمن في كل زمان ومكان وكذلك الآداب المستحبة في نفس فعل العبادة كأن يأتي الإنسان بالحج على الوجه الأكمل ، فيحرص على تكميله بفعل مستحباته القولية والفعلية ، التي ربما يتسنى لنا الكلام عليها إن شاء الله تعالى في أسئلة أخرى . كيف يستعد المسلم للحج والعمرة السؤال ( 213 ) : فضيلة الشيخ ، ماذا ينبغي أن يستعد به المسلم لحجه سواء كان قبل السفر أو في أثناء السفر ؟ الجواب : الذي ينبغي أن يستعد به المسلم في حجه وعمرته ، أن يتزود بكل ما يمكن أن يحتاج إليه في سفره ، من المال ، والثياب ، والعتاد ، وغير ذلك ؛ لأنه ربما يحتاج إليه في نفسه أو يحتاجه أحد من رفقائه ، وأن يتزود كذلك بالتقوى وهي اتخاذ الوقاية من عذاب الله ؛ بفعل أوامر الله تعالى ، واجتناب نواهيه ؛ لقول الله تعالى : ( وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ)(البقرة: 197) . وما أكثر ما نجد من الحاجة في الأسفار ، حيث يحتاج الإنسان إلى أشياء يظنها بسيطة ، أو يظنها هينة ، فلا يستصحبها معه في سفره ، فإذا به يحتاج إليها ، أو يحتاج إليها أحد من رفقائه ، فليكن الإنسان حازماً شهماً مستعداً لما يتوقع أن يكون وإن كان بعيدا . الاستعداد بالتقوى السؤال( 214 ) : فضيلة الشيخ ، لكن أليس هناك استعداد معنوي غير الاستعداد المادي ؟ الجواب : الاستعداد المعنوي هو ما أشرت إليه من التقوى ؛ فإن التقوى استعداد معنوي ، يستعد بها الإنسان في قرارة نفسه للقاء الله تعالى ولليوم الآخر ، فيحرص على أن يقوم بما أوجب الله عليه ، ويدع ما حرم الله عليه . بيان مواقيت الحج الزمانية السؤال( 215 ) : فضيلة الشيخ ، بالنسبة للمواقيت ، ما هي مواقيت الحج الزمانية ؟ الجواب : مواقيت الحج الزمانية تبتدئ بدخول شهر شوال ، وتنتهي إما بعشر ذي الحجة ، أي : بيوم العيد ، أو بآخر يوم من شهر ذي الحجة ، وهو القول الراجح ؛ لقول الله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ)(البقرة: 197) ، وأشهر جمع ، والأصل في الجمع أن يراد به حقيقته ، ومعنى هذا الزمن : أن الحج يقع في خلال هذه الأشهر الثلاثة ، وليس يفعل في أي يوم منها ؛ فإن الحج له أيام معلومة ، إلا أن نسك الطواف والسعي إذا قلنا بأن شهر ذي الحجة كله وقت للحج ، فإنه يجوز للإنسان أن يؤخر طواف الإفاضة وسعي الحج إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة ، ولا يجوز له أن يؤخرهما عن ذلك ، اللهم إلا لعذر ، كما لو نفست المرأة قبل طواف الإفاضة ، وبقي النفاس عليها حتى خرج ذو الحجة ، فهي إذا معذورة في تأخير طواف الإفاضة . هذه هي المواقيت الزمنية للحج . أما العمرة : فليس لها ميقات زمني ، تفعل في أي يوم من أيام السنة ، لكنها في رمضان تعدل حجة ، وفي أشهر الحج اعتمر النبي عليه الصلاة والسلام ، كل عمره في أشهر الحج ، فعمرة الحديبية : كانت في ذي القعدة ، وعمرة القضاء كانت في ذي القعدة ، وعمرة الجعرانة : كانت في ذي القعدة ، وعمرة الحج : كانت أيضا مع الحج في ذي القعدة ، وهذا يدل على أن العمرة في أشهر الحج لها مزية وفضل ؛ لاختيار النبي صلى الله عليه وسلم هذه الأشهر لها . حكم الإحرام بالحج قبل دخول مواقيته الزمانية السؤال( 216 ) : فضيلة الشيخ ، لكن ما حكم الإحرام بالحج قبل دخول هذه المواقيت الزمانية ؟ الجواب : اختلف العلماء رحمهم الله في الإحرام بالحج قبل دخول أشهر الحج : فمن العلماء من قال : إن الإحرام بالحج قبل أشهره ينعقد ويبقى محرما بالحج ؛ إلا أنه يكره أن يحرم بالحج قبل دخول أشهره . ومن العلماء من قال : إن من يحرم بالحج قبل أشهره ، فإنه لا ينعقد ، ويكون عمرة ، أي يتحول إلى عمرة ؛ لأن العمرة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( دخلت في الحج ))(209) ، وسماها النبي صلى الله عليه وسلم : الحج الأصغر ؛ كما في حديث عمرو بن حزم المرسل المشهور(210) ، الذي تلقاه الناس بالقبول . بيان مواقيت الحج المكانية السؤال (217 ) : فضيلة الشيخ ، عرفنا مواقيت الحج الزمانية ، فما هي مواقيت الحج المكانية ؟ الجواب : المواقيت المكانية خمسة : وهي ذو الحليفة ، والجحفة ، ويلملم ، وقرن المنازل ، وذات عرق . أما ذو الحليفة : فهي المكان المسمى الآن بأبيار علي ، وهي قريبة من المدينة ، وتبعد عن مكة بنحو عشر مراحل ، وهي ابعد المواقيت عن مكة ، وهي لأهل المدينة ، ولمن مر به من غير أهل المدينة . وأما الجحفة : فهي قرية قديمة في طريق أهل الشام إلى مكة ، وبينها وبين مكة نحو ثلاث مراحل ، وقد خربت القرية ، وصار الناس يحرمون بدلا منها من رابغ . وأما يلملم : فهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن إلى مكة ، ويسمى اليوم : السعدية ، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين . وأما قرن المنازل : فهو جبل في طريق أهل نجد إلى مكة ، يسمى الآن : السيل الكبير ، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين . وأما ذات عرق : فهي مكان في طريق أهل العراق إلى مكة ، وبينه وبين مكة نحو مرحلتين أيضا . فأما الأربعة الأولى : وهي ذو الحليفة ، والجحفة ، ويلملم ، وقرن المنازل ، فقد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما ذات عرق ، فقد وقَّتها النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها ، وصح عن عمر رضي الله عنه أنه وقتها لأهل الكوفة والبصرة حين جاءوا إليه ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل نجد قرناً ، وإنها جور عن طريقنا ، فقال عمر رضي الله عنه : انظروا إلى حذوها من طريقكم (211). فعلى كل حال : فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالأمر ظاهر ، وإن لم يثبت ، فإن هذا ثبت بسنة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين الذين أمرنا باتباعهم ، والذي جرت موافقاته لحكم الله عز وجل في عدة مواضع ، ومنها هذا إذا صحَّ عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه وقتها ، وهو أيضا مقتضى القياس ؛ فإن الإنسان إذا مر بميقات لزمه الإحرام منه ، فإذا حاذاه صار كالمار به . وفي أثر عمر رضي الله عنه فائدة عظيمة في وقتنا هذا ، وهو أن الإنسان إذا كان قادما إلى مكة بالطائرة يريد الحج أو العمرة ، فإنه يلزمه إذا حاذى الميقات من فوقه أن يحرم منه عند محاذاته ، ولا يحل له تأخير الإحرام إلى أن يصل جدة كما يفعله كثير من الناس ؛ فإن المحاذاة لا فرق بين أن تكون في البر ، أو في الجو ، أو في البحر ؛ ولهذا يحرم أهل البواخر التي تمر من طريق البحر فتحاذي يلملم ، أو رابغا ، إذا حاذوا هذين الميقاتين . حكم الإحرام بالحج قبل المواقيت المكانية السؤال (218 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم الإحرام بالحج قبل هذه المواقيت المكانية ؟ الجواب : حكم الإحرام قبل هذه المواقيت المكانية : أنه مكروه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها ، وكون الإنسان يحرم قبل أن يصل إليها فيه شيء من تقدم حدود الله سبحانه وتعالى ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام : ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه ))(212) ، وهذا يدل على أنه ينبغي لنا أن نتقيد بما وقته الشرع من الحدود الزمانية والمكانية ، ولكنه إذا أحرم قبل أن يصل إليها ، فإن إحرامه ينعقد . وهنا مسألة أيضا أحب أن أنبه عليها ، وهي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما وقت هذه المواقيت قال : (( هن لهن ، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ، ممن أراد الحج أو العمرة )(213). فمن كان من أهل نجد فمر بالمدينة فإنه يحرم من (( ذي الحليفة )) . ومن كان من أهل الشام ، ومر بالمدينة ، فإنه يحرم من (( ذي الحليفة )) ، ولا يحل له أن ينتظر حتى يصل إلى ميقات أهل الشام الأصلي على القول الراجح ، ومن قولي أهل العلم . حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام السؤال (219 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام ؟ الجواب : من تجاوز الميقات بدون إحرام ، فلا يخلو من حالين : إما ان يكون مريدا للحج أو العمرة ، فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه ليحرم منه بما أراد من النسك ، الحج أو العمرة ، فإن لم يفعل فقد ترك واجبا من واجبات النسك ، وعليه عند أهل العلم فدية ، دم يذبحه في مكة ، ويوزعه على الفقراء هناك . وأما إذا تجاوزه وهو لا يريد الحج ولا العمرة ، فإنه لا شيء عليه سواء طالت مدة غيابه عن مكة أم قصرت ؛ وذلك لأننا لو ألزمناه بالإحرام من الميقات في منظوره هذا ، لكان الحج يجب عليه أكثر من مرة أو العمرة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحج لا يجب في العمر إلا مرة ، وأن ما زاد فهو تطوع ، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن تجاوز الميقات بغير إحرام ، أي : أنه إذا كان لا يريد الحج ولا العمرة ، فليس عليه شيء ، ولا يلزمه الإحرام من الميقات . الفرق بين الإحرام كواجب والإحرام كركن السؤال (220 ) : فضيلة الشيخ ، ما الفرق بين الإحرام كواجب ، والإحرام كركن من أركان الحج ؟ الجواب : الإحرام كواجب معناه : أن يقع الإحرام من الميقات ، والإحرام كركن معناه أن ينوي النسك . فمثلا إذا نوى النسك بعد مجاوزة الميقات ، مع وجوب الإحرام منه ، فهذا ترك واجبا ، وأتي بالركن وهو الإحرام ، وإذا أحرم من الميقات ، فقد أتى بالواجب والركن ؛ لأن الركن هو نية الدخول في النسك ، وأما الواجب فهو أن يكون الإحرام من الميقات ، هذا هو الفرق بينهما . حكم التلفظ بالنية عند الإحرام السؤال (221 ) : فضيلة الشيخ ، لكن نية الدخول في النسك هل هي التي يتلفظ بها في التلبية ؟ الجواب : لا ، التلبية أن يقول : لبيك عمرة إذا كان في عمرة ، ولبيك حجا إذا كان في حج ، أما النية : فلا يجوز التلفظ بها ، فلا يقول مثلا : اللهم إني أريد العمرة ، أو أريد الحج ؛ فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم . كيفية إحرام القادم إلى مكة جواً السؤال (222 ) : فضيلة الشيخ ، نود أيضا أن تبينوا لنا كيفية إحرام القادم إلى مكة جوا ؟ الجواب : إحرام القادم إلى مكة جوا هو كما أسلفنا من قبل ، يجب عليه إذا حاذى الميقات أن يحرم ، وعلى هذا فيتأهب أولا بالاغتسال في بيته ، ثم يلبس الإحرام قبل أن يصل إلى الميقات ، ومن حين أن يصل إلى الميقات ينوي الدخول في النسك ، ولا يتأخر ؛ لأن الطائرة مرها سريع ، فالدقيقة يمكن أن تقطع بها مسافات كثيرة ، وهذا أمر يغفل عنه بعض الناس ، تجد بعض الناس لا يتأهب ، فإذا أعلن موظف الطائرة بأنهم وصلوا الميقات ، ذهب يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ، وهذا تقصير جدا ، على أن الموظفين في الطائرة فيما يبدو بدأوا ينبهون الناس قبل أن يصلوا إلى الميقات بربع ساعة أو نحوها ، وهذا عمل يشكرون عليه ؛ لأنهم إذا نبهوهم قبل هذه المدة ، جعلوا لهم فرصة في تغير ثيابهم وتأهبهم ، ولكن في هذه الحال ، ينبغي بل يجب على من أراد الإحرام أن ينتبه للساعة فإذا أعلن الموظف موظف الطائرة أنه قد بقى ربع ساعة ، فلينظر إلى ساعته ، حتى إذا مضى هذا الجزء الذي هو ربع الساعة أو قبلة بدقيقتين أو ثلاثة ، لبى بما يريده من النسك . صفة الحج السؤال (223 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي أركان الحج ؟ الجواب : نحن نذكر هنا صفة الحج على سبيل الإجمال والاختصار فنقول : إذا أراد الإنسان الحج أو العمرة ، فتوجه إلى مكة في أشهر الحج ، فإن الأفضل أن يحرم بالعمرة أولا ليصير متمتعا ، فيحرم من الميقات بالعمرة ، وعند الإحرام يغتسل كما يغتسل من الجنابة ، ويتطيب في رأسه ولحيته ، ويلبس ثياب الإحرام ، ويحرم عقب صلاة فريضة ، إن كان وقتها حاضرا ، أو نافلة ينوي بها سنة الوضوء ؛ لأنه ليس للإحرام نافلة معينة ؛ إذ لم يرد ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يلبي فيقول : (( لبيك اللهم عمرة ، لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك ، إن الحمد والنعمة لك والملك ، لا شريك لك )) ، ولا يزال يلبي حتى يصل إلى مكة. فإذا شرع في الطواف ، قطع التلبية ، فيبدأ بالحجر الأسود يستلمه ويقبله إن تيسر ، وإلا أشار إليه ، ويقول : باسم الله والله أكبر ، اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم يجعل البيت عن يساره ويطوف سبعة أشواط ، يبتدئ بالحجر ويختتم به . وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الأشواط الثلاثة الأولى ؛ بأن يسرع المشي ويقارب الخطا ، وأن يضطبع في جميع الطواف ، بأن يخرج كتفه الأيمن ، ويجعل طرفي الرداء على الكتف الأيسر ، فإذا أتم الطواف صلى ركعتين خلف المقام وفي طوافه ، وكلما حاذى الحجر الأسود ، كبر ويقول بينه وبين الركن اليماني : ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: 201)، ويقول في بقية طوافه ما شاء من ذكر ودعاء . وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط ، وعلى هذا فينبغي أن يحذر الإنسان من هذه الكتيبات التي بأيدي كثير من الحجاج ، والتي فيها لكل شوط دعاء مخصوص ؛ فإن هذه بدعة لم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( كل بدعة ضلالة ))(214) . ويجب أن ينتبه الطائف إلى أمر يخل به بعض الناس في وقت الزحام ، فتجده يدخل من باب الحجر ، ويخرج من الباب الثاني ، فلا يطوف بالحجر مع الكعبة ، وهذا خطأ ؛ لأن الحجر أكثره من الكعبة فمن دخل من باب الحجر وخرج من الباب الثاني ، لم يكن قد طاف بالبيت ، فلا يصح طوافه . وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر له ، وإلا ففي أي مكان من المسجد . ثم يخرج إلى الصفا ، فإذا دنا منه قرأ : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) (البقرة:158) ، ولا يعيد هذه الآية بعد ذلك ، ثم يصعد على الصفا ويستقبل القبلة ، ويرفع يديه ، ويكبر الله ويحمده ، ويقول : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، ثم يدعو بعد ذلك ، ثم يعيد الذكر مرة ثانية ثم يدعو ، ثم يعيد الذكر مرة ثالثة . ثم ينزل متجها إلى المروة ، فيمشي إلى العلم الأخضر ، أي : العمود الأخضر ، ويسعى من العمود الأخضر إلى العمود الثاني سعيا شديدا ، أي : يركض ركضا شديدا ، إن تيسر له ولم يتأذ أو يؤذ أحدا ، ثم يمشي بعد العلم الثاني إلى المروة مشيا عاديا ، فإذا وصل المروة ، صعد عليها ، واستقبل القبلة ، ورفع يديه ، وقال مثل ما قال على الصفا ؛ فهذا شوط . ثم يرجع إلى الصفا من المروة ، وهذا هو الشوط الثاني ويقول فيه ويفعل كما قال في الشوط الأول وفعل . فإذا أتم سبعة أشواط من الصفا للمروة شوط ، ومن المروة إلى الصفا شوط آخر ، إذا أتم سبعة أشواط ، فإنه يقصر شعر رأسه ، ويكون التقصير شاملا لجميع الرأس ، بحيث يبدو التقصير واضحا في الرأس ، والمرأة تقصر من كل طرف رأسها بقدر أنملة . ثم يحل من إحرامه حلا كاملا ، ويتمتع بما أحل الله له من النساء والطيب واللباس وغير ذلك. فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة ، أحرم بالحج ، فاغتسل وتطيب ، ولبس ثياب الإحرام وخرج إلى منى ، فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، خمس صلوات ، يصلى الرباعية ركعتين ، وكل صلاة في وقتها ، فلا جمع في منى ، وإنما هو القصر فقط . فإذا طلعت الشمس يوم عرفة ، سار إلى عرفة ، فنزل بنمرة إن تيسر له ، وإلا استمر إلى عرفة فينزل بها ، فإذا زالت الشمس ، صلى الظهر والعصر قصرا وجمع تقديم ، ثم يشتغل بعد ذلك بذكر الله ودعائه ، وقراءة القرآن ، وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى ، وليحرص على أن يكون آخر ذلك اليوم ملحا في دعاء الله عز وجل ؛ فإنه حري بالإجابة . فإذا غربت الشمس ، انصرف إلى مزدلفة ، فصلى بها المغرب والعشاء جمعا وقصرا ، ثم يبقى هناك حتى يصلى الفجر ، ثم يدعو الله عز وجل إلى أن يسفر جدا ، ثم يدفع بعد ذلك إلى منى ، ويجوز للإنسان الذي يشق عليه مزاحمة الناس ، أن ينصرف من مزدلفة قبل الفجر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لمثله . فإذا وصل إلى منى ، بادر فرمى جمرة العقبة الأولى قبل كل شيء بسبع حصيات ، يكبر مع كل حصاة ، ثم ينحر هديه ، ثم يحلق رأسه ، وهو أفضل من التقصير ، وإن قصره فلا حرج ، والمرأة تقصر من أطرافه بقدر أنملة ؛ وحينئذ يحل التحلل الأول ، فيباح له جميع محظورات الإحرام ما عدا النساء . فينزل بعد أن يتطيب ويلبس ثيابه المعتادة ينزل إلى مكة ، فيطوف طواف الإفاضة سبعة أشواط بالبيت ، ويسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، وهذا الطواف والسعي للحج ، كما أن الطواف والسعي الذي حصل منه أول ما قدم للعمرة وبهذا يحل من كل شيء حتى من النساء . ولنقف هنا ننظر ماذا فعل الحاج يوم العيد ؟ فالحاج يوم العيد : رمى جمرة العقبة ، ثم نحر هديه ، ثم حلق أو قصر ، ثم طاف ، ثم سعى ، فهذه خمسة أنساك يفعلها على هذا الترتيب ، فإن قدم بعضها على بعض فلا حرج ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير ، فما سئل عن شيء قدم أو أخر يومئذ إلا قال : (( افعل ولا حرج ))(215) ،فإذا نزل من مزدلفة إلى مكة، وطاف وسعى، ثم خرج ورمى فلا حرج، ولو رمى ثم حلق قبل أن ينحر فلا حرج، ولو رمى ثم نزل إلى مكة وطاف وسعى فلا حرج، ولو رمى ونحر وحلق ثم نزل إلى مكة وسعى قبل أن يطوف فلا حرج، المهم أن تقديم هذه الانساك الخمسة على بعض لا بأس به، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء ، قدم ولا أخر يومئذ إلا قال: (( افعل ولا حرج)). وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده . ويبقى من أفعال الحج بعد ذلك : المبيت في منى ليلة الحادي عشر وليلة الثاني عشر ، وليلة الثالث عشر لمن تأخر ؛ لقول الله تعالى : (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى )(البقرة: 203 ) ، فيبيت الحاج بمنى ليلة الحادي عشر ، وليلة الثاني عشر ، ويجزئ أن يبيت هاتين الليلتين معظم الليل . فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر ، رمى الجمرات الثلاث ؛ يبدأ بالصغرى وهي الأولى التي تعتبر شرقية بالنسبة للجمرات الثلاث ، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ، ويكبر مع كل حصاة ، ثم يتقدم عن الزحام قليلا ، فيقف مستقبل القبلة ، رافعا يديه ، يدعو الله تعالى دعاء طويلا ، ثم يتجه إلى الوسطى فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ، يكبر مع كل حصاة ، ثم يتقدم قليلا عن الزحام ، ويقف مستقبل القبلة ، رافعا يديه ، يدعو الله تعالى دعاء طويلا ، ثم يتقدم إلى جمرة العقبة ، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ، يكبر مع كل حصاة ، ولا يقف عندها ؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي ليلة الثاني عشر ، يرمي الجمرات الثلاث كذلك ، وفي اليوم الثالث عشر إن تأخر يرمي الجمرات الثلاث كذلك . ولا يجوز للإنسان أن يرمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر والثاني عشر ، والثالث عشر قبل الزوال ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرم إلا بعد الزوال ، وقال : (( خذوا عني مناسككم ))(216) ، وكان الصحابة يتحينون الزوال ، فإذا زالت الشمس رموا ، ولو كان الرمي قبل الزوال جائزاً لبينه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته ، إما بفعله ، أو قوله أو إقراره ، ولما اختار النبي صلى الله عليه وسلم وسط النهار للرمي ، وهو شدة الحر ، دون الرمي في أوله الذي هو أهون على الناس ، علم أن الرمي أول النهار لا يجوز ؛ لأنه لو كان من شرع الله عز وجل ، لكان هو الذي يشرع لعباد الله ؛ لأنه الأيسر ، والله عز وجل إنما يشرع لعباده ما هو الأيسر . ولكن يمكنه إذا كان يشق عليه الزحام ، أو المضي إلى الجمرات في وسط النهار ، أن يؤخر الرمي إلى الليل فإن الليل وقت للرمي، إذ لا دليل على أن الرمي لا يصح ليلاً ؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم وقت أول الرمي ولم يوقت آخره ، والأصل فيما جاء مطلقا ، أن يبقى على إطلاقه ، حتى يقوم دليل على تقييده بسبب أو وقت . ثم ليحذر الحاج من التهاون في رمي الجمرات ؛ فإن من الناس من يتهاون فيها ، حتى يوكل من يرمي عنه وهو قادر على الرمي بنفسه ، وهذا لا يجوز ولا يجزئ ؛ لأن الله تعالى يقول في كتابه : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)(البقرة: 196) ، والرمي من أفعال الحج ، فلا يجوز الإخلال به ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لضعفة أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم ، بل أذن لهم بالذهاب من مزدلفة في آخر الليل ، ليرموا بأنفسهم قبل زحمة الناس ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للرعاة الذين يغادرون منى في إبلهم لم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم ، بل أذن لهم أن يرموا يوما ويدعوا يوما ليرموه في اليوم الثالث ، وكل هذا يدل على أهمية رمي الحاج بنفسه ، وأنه لا يجوز له أن يوكل أحدا ، ولكن عند الضرورة لا بأس بالتوكيل ، كما لو كان الحاج مريضا أو كبير لا يمكنه الوصول إلى الجمرات ، أو امرأة حاملا تخشى على نفسها أو ولدها ، ففي هذه الحال يجوز التوكيل . ولولا أنه ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن الصبيان ، لقلنا : إن العاجز يسقط عنه الرمي ؛ لأنه واجب عجز عنه ، فيسقط عنه لعجزه عنه، ولكن لما ورد جنس التوكيل في الرمي عن الصبيان ، فإنه لا مانع من أن يلحق به من يشابههم في تعذر الرمي من قبل نفسه . المهم : أنه يجب علينا أن نعظم شعائر الله ، وألا نتهاون بها ، وأن نفعل ما يمكننا فعله بأنفسنا ؛ لأنه عبادة ، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام : (( إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله ))(217) . وإذا أتم الحج ، فإنه يخرج من مكة إلى بلده ، حتى يطوف للوداع ؛ لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان الناس ينفرون من كل وجه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ينفرنّ أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ))(218)، إلا إذا كانت المرأة حائضا أو نفساء ، وقد طافت طواف الإفاضة ، فإن طواف الوداع يسقط عنها ؛ لحديث ابن عباس : (( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض ))(219) ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل له : أن صفية قد طافت طواف الإفاضة ، قال : (( فلتنفر إذن ))(220) ، وكانت حائضا . ويجب أن يكون هذا الطواف آخر شيء ، وبه نعرف أن ما يفعله بعض الناس ، حيث ينزلون إلى مكة ، فيطوفون طواف الوداع ، ثم يرجعون إلى منى ، فيرمون الجمرات ، ويسافرون من هناك ، فهذا خطأ ، ولا يجزئهم طواف الوداع ؛ لأن هؤلاء لم يجعلوا آخر عهدهم بالبيت ، وإنما جعلوا آخر عهدهم بالجمرات . أركان العمرة السؤال( 224 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي أركان العمرة ، حيث إنها في التمتع تسبق الحج ؟ الجواب : يقول العلماء : أن أركان العمرة ثلاثة : الإحرام ، والطواف ، والسعي ، وإن واجباتها اثنان : أن يكون الإحرام من الميقات ، والحلق أو التقصير . وما عدا ذلك فهو سنن . أركان الحج السؤال( 225 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي أركان الحج ؟ الجواب : أركان الحج ، يقول العلماء إنها أربعة : الإحرام والوقوف بعرفة ، والطواف ، والسعي . حكم الإخلال بشيء من أركان الحج أو العمرة السؤال( 226 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم الإخلال بشيء من هذه الأركان ؟ الجواب : الإخلال بشيء من هذه الأركان لا يتم النسك إلا به ، فمن لم يطف بالعمرة مثلا ، فإنه يبقى على إحرامه حتى يطوف ، ومن لم يسع ، يبقى على إحرامه حتى يسعى ، وكذلك نقول في الحج : من لم يأت بأركانه ، فإنه لا يصح حجه ، فمن لم يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر ، فقد فاته الحج فلا يصح حجه ، لكنه يتحلل بعمرة ، فيطوف ، ويسعى ، ويقصر أو يحلق ، وينصرف إلى أهله فإذا كان العام القادم أتى بالحج . وأما الطواف والسعي إذا فاته في الحج ، فإنه يقضيه ؛ لأنه لا آخر لوقته ، لكن لا يؤخره عن شهر ذي الحجة إلا من عذر . واجبات الحج السؤال (227 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي واجبات الحج ؟ الجواب : واجبات الحج : هي أن يكون الإحرام من الميقات ، وأن يقف بعرفة إلى الغروب ، وأن يبيت بمزدلفة ، وأن يبيت بمنى ليلتين بعد العيد ، وأن يرمي الجمرات ، وأن يطوف للوداع . حكم الإخلال بشيء من واجبات الحج أو العمرة السؤال (228 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم الإخلال بشيء من واجبات الحج أو العمرة ؟ الجواب : الإخلال بشيء منها إن كان الإنسان متعمدا ، فعليه الإثم والفدية كما قال أهل العلم ؛ شاة يذبحها ويفرقها في مكة ، وإن كان غير متعمد ، فلا إثم عليه ، لكن عليه الفدية ، يذبحها في مكة ، ويوزعها على الفقراء ؛ لأنه ترك واجبا له بدل ، فلما تعذر الأصل ، تعين البدل ، وهذا هو قول أهل العلم فيمن ترك واجبا ، أن عليه فدية ، يذبحها في مكة ، ويوزعها على الفقراء . صفة القرآن السؤال (229 ) فضيلة الشيخ ، تحدثتم عن صفة التمتع في حديثكم عن صفة الحج ، حبذا أيضا لو تحدثتم عن صفة القران ؟ الجواب : التمتع كما ذكرنا : أن يأتي بالعمرة مستقلة ، ويحل منها ، ثم يحرم بالحج في عامه . والقران له صورتان : الصورة الأولى : أن يحرم بالعمرة والحج جميعا من الميقات ، فيقول : لبيك عمرة وحجا . والصورة الثانية : أن يحرم بالعمرة أولا ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها . وهناك صورة ثالثة : موضع خلاف بين العلماء ، وهي أن يحرم بالحج وحده ، ثم يدخل العمرة عليه ، قبل أن يفعل شيئا من أفعال الحج ، كالطواف والسعي مثلا . والقارن يبقى على إحرامه ، فإذا قدم مكة يطوف للقدوم ، ويسعى للحج والعمرة ، ويبقى على إحرامه إلى أن يتحلل منه يوم العيد ، ويلزمه هدي كهدي المتمتع . وأما المفرد : فيحرم بالحج مفردا من الميقات ، ويبقى على ذلك ، فإذا قدم مكة طاف للقدوم ، وسعى للحج ، ولم يحل إلا يوم العيد . فيكون القارن والفرد سواء في الأفعال ، ولكنهما يختلفان في أن القارن يحصل له عمرة وحج ، ، ويلزمه هدي ، وأما المفرد فلا يحصل له إلا الحج ، ولا يلزمه هدي . حكم الاعتمار بعد الحج السؤال (230 ) فضيلة الشيخ ، عرفنا صفة الحج ، وعرفنا التمتع والقران والإفراد ، وقلتم في الإفراد : إن المسلم يأتي بالحج وحده ولا يأتي بعمرة معه ، لكننا نرى كثيرا من الناس إذا انتهى من الإفراد اعتمر ، فما حكم هذا العمل ؟ الجواب : هذا العمل لا أصل له في السنة ، فلم يكن الصحابة رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير يأتون بهذه العمرة بعد الحج ، وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين ، وأصحابه الذين هم خير القرون ، وإنما جاء ذلك في قضية معينة قصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ، حيث كانت محرمة بعمرة ، ثم حاضت قبل الوصول إلى مكة ، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج ؛ ليكون نسكها قرانا ، وقال لها : (( طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك ))(221) ، فلما انتهى الحج ، ألحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تأتي بعمرة ، بدلا من عمرتها التي حولتها إلى قران ، فأذن لها ، وأمر أخاها عبد الرحمن بن عوف أن يخرج بها من الحرم إلى الحل ، فخرج بها إلى التنعيم ، وأتت بعمرة ، فإذا وجدت صورة كالصورة التي حصلت لعائشة ، وأرادت المرأة أن تأتى بعمرة ، فحينئذ نقول : لا حرج أن تأتي المرأة بعمرة ، كما فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله صلى الله عليه وسلم عنها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم . ويدلك على أن هذا أمر ليس مشروع ، أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه وهو مع أخته لم يحرم بالعمرة لا تفقها من عنده ، ولا بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولو كان هذا من الأمور المشروعة ، لكان رضي الله عنه يأتي بالعمرة ؛ لأن ذلك أمر سهل عليه حيث إنه قد خرج مع أخته . والمهم : أن ما يفعله بعض الحجاج كما أشرت إليه ليس له أصل من السنة . نعم : لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد مجيئه هذا ، وهو قد أتى بحج مفرد ، فإنه في هذه الحال في ضرورة إلى أن يأتي بعد الحج بالعمرة ، ليؤدي واجب العمرة ؛ فإن العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم ؛ وحينئذ يخرج إلى التنعيم ، أو إلى غيره من الحل ، فيحرم منه ، ثم يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر . السؤال (231 ) : فضيلة الشيخ ، لكن ما الأولى بالنسبة لهذا الحاج الذي يعرف أن الإتيان إلى مكة يصعب عليه ؟ الجواب : كما قلت لك يأتي بالعمرة بعد الحج ؛ لأن هذا ضرورة . السؤال (232 ) : لكن أليس الأولى أن يأتي مثلا متمتعا أو قارنا ليسلم من المحظور ؟ الجواب : نعم هذا هو الأولى ، لكن نحن فرضنا أنه أتى مفردا فيه . حكم الانتقال من نسك لآخر السؤال (233 ) : فضيلة الشيخ ، ما حكم الانتقال من نسك إلى نسك آخر ؟ الجواب : الانتقال من نسك إلى نسك آخر تقدم في صفة القران ، أنه من الممكن أن يحرم الإنسان أولا بعمرة ، ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها ، فيكون انتقل من العمرة إلى الجمع بينها وبين الحج ، وكذلك يمكن أن ينتقل من الحج المفرد أو من القران ، إلى عمرة ليصير متمتعا ، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، من لم يكن منهم ساق الهدي ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قارنا ، وكان قد ساق الهدي ، وساقه معه أغنياء الصحابة رضي الله عنهم ، فلما طاف وسعى ، أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة ، فانتقلوا من الحج المفرد أو المقرون بالعمرة إلى أن يجعلوا ذلك عمرة ، ولكن هذا مشروط بما إذا تحول من حج أو قران إلى عمرة ليصير متمتعا ، أما من تحول من قران أو إفراد إلى عمرة ، ليتخلص من الإحرام ويرجع إلى أهله ، فإن ذلك لا يجوز . حكم التحول من التمتع إلى الإفراد السؤال (234 ) : فضيلة الشيخ ، هل يجوز أن يتحول من التمتع إلى الإفراد ؟ الجواب : من التمتع إلى الإفراد لا يجوز ولا يمكن ، وإنما يجوز أن يتحول من الإفراد إلى التمتع ، بمعنى أن يكون محرما بالحج مفردا ، ثم بعد ذلك يحول إحرامه بالحج إلى عمرة ؛ ليصير متمتعا ، وكذلك القارن يجوز أن يحول نيته من القران إلى العمرة ، ليصير متمتعا ، إلا من ساق الهدي في الصورتين : فإنه لا يجوز له ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين معه أن يجعلوا إحرامهم بالحج المفرد أو المقرون بالعمرة ، أن يجعلوه عمرة ، ليصيروا متمتعين ، إلا من ساق الهدي . أحكام وضوابط النيابة في الحج السؤال (235 ) : فضيلة الشيخ ، لو تحدثنا أيضا عن النيابة الكلية في الحج من حيث الأحكام والضوابط ؟ الجواب : النيابة في الحج إن كان الإنسان قادرا ، فإنها غير مشروعة ، أما في الفريضة ، فإنه لا يجوز أن يستنيب الإنسان أحدا عنه ، يؤدي الحج أو العمرة فريضة ؛ لأن الفريضة تطلب من الإنسان نفسه أن يؤديها بنفسه . فإن كان عاجزا عن أداء الفريضة : فإما أن يكون عجزه طارئا يرجى زواله ، فهذا ينتظر حتى يزول عجزه ، ثم يؤدي الفريضة بنفسه ؛ مثل أن يكون في أشهر الحج مريضا مرضا طارئا يرجى زواله ، وهو لم يؤد الفريضة ، فإننا نقول له : انتظر حتى يعافيك الله وحج ، إن أمكنك في هذه السنة فذاك ، وإلا ففي السنوات القادمة . أما إذا كان عجزه عن الحج عجزا لا يرجى زواله ؛ كالكبير والمريض مرضا لا يرجى زواله ، فإنه يقيم من يحج ويعتمر عنه ، ودليل ذلك : حديث ابن عباس رضي الله عنهما ؛ أن امرأة من خثعم سألت النبي صلى الله عليه وسلم : فقالت : إن أبي أدركته فريضة الله على عباده في الحج ، شيخا كبيرا لا يثبت على الراحلة ، أفأحج عنه ؟ قال : (( نعم )) (222). فهذا حكم النيابة في الفرض ، أنه إن كان المستنيب قادرا ، فإن ذلك لا يصح ، وإن كان عاجز عجزا لا يرجى زواله ، فإن ذلك يصح ، وإن كان الإنسان عاجزا عجزا طارئا يرجى زواله ، فإنه لا يصح أن يستنيب أحدا ، ولينظر حتى يعافيه الله ، ويؤدي ذلك بنفسه . أما في النافلة : فإن كان عاجز عجزا لا يرجى زواله ، فقد يقول قائل : إنه يصح أن يستنيب من يحج عنه النافلة ، قياسا على استنابة من عليه الفريضة ، وقد يقول قائل : أنه لا يصح القياس هنا ؛ لأن الاستنابة في الفريضة استنابة في أمر واجب لابد منه بخلاف النافلة ؛ فإن النافلة لا تلزم الإنسان ، فيقال : إن قدر عليها ، فعلها بنفسه ، وإن لم يقدر عليها ، فلا يستنيب أحدا فيها . أما إذا كان قادراً على أن يؤدي الحج بنفسه ، فإنه لا يصح أن يستنيب غيره في الحج عنه ، على إحدى الروايتين عن الإمام أحمد ، وهي عندي أقرب ؛ لأن الحج عبادة يتعبد بها الإنسان لربه ، فلا يليق أن يقول لأحد : اذهب فتعبد لله عني ، بل نقول : أدها أنت بنفسك ؛ لأنه ليس لديك مانع حتى تستنيب من يؤدي هذه النافلة عنك ، هذه الاستنابة في الحج على وجه الكمال ، يعني بمعنى : أنه يصير في كل حج . شروط النائب في الحج السؤال (236 ) : فضيلة الشيخ ، ما هي شروط النائب في الحج ؟ الجواب : النائب يشترط أن يكون قد أدى الفريضة عن نفسه إن كان قد لزمه الحج ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة ، فقال : (( من شبرمة ؟ ))(223) يقوله النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال الرجل : أخ لي ، أو قريب لي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( حججت عن نفسك ؟ )) قال لا ، قال : (( حج عن نفسك ، ثم حج عن شبرمة )) 1 ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ابدأ بنفسك )) ، ولأنه ليس من النظر الصحيح أن يؤدي الإنسان الحج عن غيره مع وجوبه عليه ، قال أهل العلم : ولو حج عن غيره مع وجوب الحج عليه ، فإن الحج يقع عن نفسه ، أي : عن نفس النائب ، ويرد للمستنيب ما أخذه منه من الدراهم والنفقة . أما بقية الشروط فمعروفة ، وقد تكلمنا عليها من قبل ؛ مثل : الإسلام ، والعقل ، والتمييز ، وهي شروط واجبة في كل عبادة . يأخذ نقوداً ليحج بها وليس في نيته إلا جمع الدراهم السؤال (237 ) فضيلة الشيخ ، ما حكم من أخذ نقودا ليحج عن غيره ، وليس في نيته إلا جمع الدراهم ؟ الجواب : يقول العلماء : إن الإنسان إذا حج للدنيا لأخذ الدراهم ، فإن هذا حرام عليه ، ولا يحل له أن ينوى بعمل الآخرة شيئا من الدنيا ؛ لقوله تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) (15) (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:15 ، 16 ) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : من حج ليأخذ ، فليس له في الآخرة من خلاق ، وأما إذا أخذ ليحج ، أو ليستعين به على الحج ، فإن ذلك لا بأس به ، ولا حرج عليه ، وهنا يجب على الإنسان أن يحذر من أن يأخذ الدراهم للغرض الأول ، فإنه يخشى ألا يقبل منه وألا يجزئ الحج عمن أخذه عنه ، وحينئذ يلزمه أن يعيد النفقة والدراهم إلى صاحبها ، إذا قلنا بأن الحج لم يصح ولم يقع عن المستنيب ، ولكن يأخذ الإنسان الدراهم والنفقة ليحج بها عن غيره ، ليستعين بها على الحج ، ويجعل نيته في ذلك أن يقضي غرض صاحبه ، وأن يتقرب إلى الله تعالى بما يتعبد به في المشاعر ، وعند بيت الله . هل يقع للنائب ثواب في بعض الأعمال إذا حج عن غيره؟ السؤال (238 ) : فضيلة الشيخ ، إذا أمن هذا ، هل يمكن أن يقع ثواب بعض الأعمال للنائب ؟ الجواب : نعم ؛ لأن النائب لا يلزمه إلا أن يقوم بالأركان ، والواجبات ، وكذلك المستحبات بالنسبة للنسك ، وأما ما يحصل من ذكر ، ودعاء ، فما كان متعلقا بالنسك ، فإنه لصاحب النسك (( للمستنيب )) وما كان خارجا عن ذلك ، فإنه لصاحبه (( النائب )) . معنى النيابة الجزئية في الحج السؤال (239 ) : فضيلة الشيخ ، حبذا لو حدثتمونا فضيلتكم عن النيابة الجزئية في الحج ؟ الجواب : النيابة الجزئية في الحج معناها : أن يوكل الإنسان عنه من يقوم ببعض أفعال الحج ، مثل أن يوكل من يطوف عنه ، أو يسعى عنه ، أو يقف عنه ، أو يبيت عنه ، أو يرمي عنه ، أو ما أشبه ذلك من جزئيات الحج ، والراجح : أنه لا يجوز للإنسان أن يستنيب من يقوم عنه بشيء من أجزاء الحج أو العمرة ، سواء كان ذلك فرضا أو نفلا ؛ وذلك لأن من خصائص الحج والعمرة ، أن الإنسان إذا أحرم بهما صار فرضا ولو كان ذلك نفلا ، أي : لو كان الحج أو العمرة نفلا ؛ لقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ)(البقرة: 197) . وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج ، أي قبل قوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )(آل عمران: 97) ، وهذا يدل على أن تلبس الإنسان بالحج أو العمرة يجعله فرضا عليه . وكذلك يدل على أنه فرض إذا شرع فيه ؛ قوله تعالى : ( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) (الحج:29) ، وهذا يدل على أن الشروع في الحج يجعله كالمنذور ، وبناء على ذلك : فإنه لا يجوز لأحد أن يوكل أحداً في شيء من جزئيات الحج ولا أعلم في السنة أن الاستنابة في شيء من أجزاء الحج قد وقعت إلا فيما يروى من كون الصحابة رضي الله عنهم يرمون عن الصبيان ، ويدل لهذا أن أم سلمة رضي الله عنها لما أرادت الخروج قالت : يا رسول الله ، إني أريد الخروج وأجدني شاكية ، فقال : (( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة ))(224)، وهذا يدل على أنه لا يجوز التوكيل في جزئيات الحج . قياس التوكيل في الرمي على غيره من مناسك الحج السؤال (240 ) : فضيلة الشيخ ، ذكرتم أن التوكيل في الجزئية يكون مثلا في الطواف أو الرمي أو الوقوف أو ما أشبه ذلك ، فهل إذا جاز التوكيل في الرمي مثلا يقاس عليه بقية أجزاء الحج ؟ الجواب : لا ، نحن قلنا هذا تمثيل على التوكيل في الجزئية ، وليس حكما بأن ذلك مباح ؛ ولهذا قلنا : لا نعلم في السنة أنه ورد التوكيل في شيء من الجزئيات ، أو أن أحدا يقوم عن أحد إلا في الرمي ، وقلنا :إن الإنسان إذا تلبس في الحج أو العمرة ، صار فرضا عليه يلزمه هو بنفسه ؛ وعلى هذا فلا يجوز التوكيل في أي شيء من أجزاء الحج أو العمرة فرضا كانت أم نفلا ، إلا في الرمي ؛ لوروده في حق الصغار ، وكذلك من لم يستطيع الرمي بنفسه من الكبار . السؤال (241 ) : فضيلة الشيخ ،لكن إذا جاز التوكيل في الرمي ، هل هناك شروط للنائب والمنيب ؟ الجواب : نعم ، أما المنيب فيشترط ألا يستطيع الرمي بنفسه لا ليلا ولا نهارا ، وأما النائب ، فقال الفقهاء رحمهم الله : أنه لابد أن يكون ممن حج تلك السنة ، وأن يكون قد رمى عن نفسه. عجز عن إكمال النسك ، فماذا يصنع ؟ السؤال (242) : فضيلة الشيخ ، إذا عجز الحاج عن إكمال النسك فماذا يصنع ؟ الجواب : إذا عجز الحاج عن إتمام النسك ، فلا يخلو من حالين : إما أن يكون عجزه بصد عدو صده عن البيت ؛ كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم حين صده المشركون عام الحديبية ، ففي هذه الحال : يحلق بعد أن ينحر هديه ويحل من إحرامه ؛ لقول الله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )(البقرة: 196) ، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عام الحديبية أن يحلقوا ، ولما تأخروا رجاء أن ينسخ الحكم ، أو لسبب آخر غلب عليه الصلاة والسلام في ذلك ، حتى أشارت عليه إحدى أمهات المؤمنين أن يخرج إليهم فيحلق رأسه ، ففعل ، وحينئذ تتابع الناس على حلق رؤوسهم ، والإحلال من إحرامهم ، وفي هذه الحال ، لا يلزمه أن يقضي ما أحصر عنه ، إلا إذا كان لم يؤد الفريضة ، فإنه يلزمه أداء الفريضة بالأمر الأول ، لا قضاء عما أحصر فيه ، هذا إذا كان الحصر بعدو . أما إذا كان الحصر بغير عدو ، كما لو أحصر بذهاب نفقة أو بمرض أشتد به ، فإنه في هذه الحال يحل من إحرامه ، بعد أن ينحر هديا ويحلق ، إما قياسا على حصر العدو ، وإما إدخالا له في العموم ، وهو قوله تعالى : ( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )(البقرة: من 196 ) ، فإن هذا الإحصار شامل ، وكون الإحصار بالعدو هو الذي وقع في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ، لا يمنع أن تتناول الآية غيره . على كل حال : إذا حصر بغير عدو ، من مرض ، أو ذهاب نفقة ، أو ما أشبه ذلك ، فالقول الراجح : أنه يحل بهذا الإحصار ، بعد أن ينحر هديه ويحلق رأسه ، ويلزمه القضاء ، أي : قضاء ما أحصر فيه إلا إذا كان واجبا بأصل الشرع ، مثل أن يكون لم يؤد الفريضة من قبل ، فيلزمه فعل الفريضة بالخطاب الأول ، أي : بالأمر الأول ، لا من حيث إنه قضاء . هذا إذا لم يكن اشترط في ابتداء إحرامه، أنه (( إن حبسني حابس ، فمحلي حيث حبستني))، فإن كان قد اشترط في بداية إحرامه أنه (( إن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني))، فإنه يحل من إحرامه مجاناً ولا شيء عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير، وقد أرادت الحج وهي شاكية: (( حجي واشترطي ، وقولي: اللهم ، محلي حيث حبستني))(225). حكم من توفي أثناء إحرامه بالنسك السؤال (243): فضيلة الشيخ، هذا ما يتعلق بالحاج إذا عجز عن النسك، لكن لو توفي الحاج أثناء تلبسه بالنسك ما الحكم؟ الجواب: إذا توفي الحاج أثناء تلبسه بالنسك، فإن من أهل العلم من يقول: إذا كان حجه فريضة، فإنه يقضى عنه ما بقي، ومنهم من يقول: إنه لا يقضى عنه ما بقي، وهذا القول هو القول الراجح؛ ودليله حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجل الذي وقصته ناقته وهو واقف بعرفة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، ولا تحنطوه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبياً))(226) ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي أحد عنه ما بقي من نسكه، ولأننا لو قضينا ما بقي من نسكه، لكان هذا النائب الذي قام مقامه يحل من إحرامه، وحينئذ لا يبعث الرجل يوم القيامة ملبياً؛ لأن نائبه قد حل من الإحرام الذي تلبس به بدلاً عنه، وعلى كل حال : فالقول الراجح بلا شك: أن الإنسان إذا مات أثناء تلبسه بالنسك، فإنه لا يقضى عنه، سواء كان ذلك فريضة أم نافلة. السؤال( 244): فضيلة الشيخ، لكن هل يقتصر هذا الحكم على الوقت الذي يلبى فيه، يعني: قبل رمي جمرة العقبة أم يشمل جميع الحج؟ الجواب: يشمل جميع الحج، يعني: سواء كان ذلك قبل التحلل الأول، أم بعد التحلل الأول؛ فإنه لا يقضى عنه ما بقي . |
#2
| ||
| ||
رد: فتاوى الحج للشيخ بن عثيمين صفة الاشتراط السؤال (245): فضيلة الشيخ، ذكرتم الاشتراط إذا عجز الحاج عن إكمال النسك، نود أيضاً أن نعرف حكم الاشتراط، وما هي صفته؟ الجواب: نذكر أولاً صفة الاشتراط قبل حكمه؛ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره. صفة الاشتراط: أن الإنسان إذا أراد الإحرام يقول: إن حبسني حابس، فمحلي حيث حبستني، يعني: فإنني أحل ، إذا حبسني حابس، أي : منعني مانع عن إكمال النسك ، وهذا يشمل أي مانع كان؛ لأن كلمة حابس، نكرة في سياق الشرط ، فتعم أي حابس كان، وفائدة هذا الاشتراط: أنه لو حصل له حابس يمنعه من إكمال النسك، فإنه يحل من نسكه ولا شيء عليه، وقد اختلف أهل العلم في الاشتراط. فنهم من قال: إنه سنة مطلقاً، أي: أن المحرم ينبغي له أن يشترط ، سواء كان في حال خوف أو في حال أمن؛ لما يترتب عليه من الفائدة، والإنسان لا يدري ما يعرض له. ومنهم من قال: إنه لا يسن إلا عند الخوف، أما إذا كان الإنسان آمناً، فإنه لا يشترط. ومنهم من أنكر الاشتراط مطلقاً. والصواب: القول الوسط، وهو أنه إذا كان الإنسان خائفاً من عائق يمنعه من إتمام نسكه، سواء كان هذا العائق عاماً أم خاصاً، فإنه يشترط، وإن لم يكن خائفاً فإنه لا يشترط؛ وبهذا تجتمع الأدلة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم ولم يشترط ، وأرشد ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها إلى أن تشترط(227)، حيث كانت شاكية، والشاكي، أي: المريض_ خائف من عدم إتمام نسكه. وعلى هذا فنقول: إذا كان الإنسان خائفاً من طارئ يطرأ، يمنعه من إتمام النسك، فليشترط؛ أخذاً بإرشاد النبي صلى الله عليه وسلم ضباعة بنت الزبير، وإن لم يكن خائفاً، فالأفضل ألا يشترط، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أحرم بدون شرط. صيغة الشرط السؤال (246): فضيلة الشيخ، لكن بالنسبة للمشترط هل يلزمه أن يأتي بالصيغة التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أم يشترط بأي كلام يعبر به عما في نفسه؟ الجواب: لا يلزمه أن يأتي بالصيغة الواردة؛ لأن هذا مما لا يتعبد بلفظه، والشيء الذي لا يتعبد بلفظه يكتفى فيه بالمعنى. محظورات الإحرام السؤال (247): فضيلة الشيخ، ما هي محظورات الإحرام؟ الجواب: محظورات الإحرام هي الممنوعات بسبب الإحرام ، يعني: المحرمات التي سببها الإحرام، وذلك أن المحرمات نوعان: محرمات في حال الإحرام وحال الحل؛ وإليها أشار الله تعالى بقوله : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجّ)(البقرة: 197). كلمة فسوق عامة تشمل ما كان الفسق فيه بسبب الإحرام وغيره. ومحرمات خاصة سببها الإحرام، إذا تلبس الإنسان بالإحرام ، فإنها تحرم عليه، وتحل له في حال الحل. فمن محظورات الإحرام: الجماع، وهو أشد المحظورات إثماً، وأعظمها أثراً، ودليله قوله تعالى: ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )؛ فإن الرفث هو الجماع ومقدماته، وإذا وقع الجماع قبل التحلل الأول في الحج، فإنه يترتب عليه أمور خمسة: الأول: الإثم. الثاني: فساد النسك. والثالث: وجوب الاستمرار فيه. والرابع: وجوب فدية؛ بدنة يذبحها ويفرقها على الفقراء. والخامس: وجوب القضاء من العام القادم. وهذه آثار عظيمة تكفي المؤمن في الانزجار عنه والبعد عنه. ومن المحظورات أيضاً: المباشرة بشهوة، والتقبيل ، والنظر بشهوة ، وكل ما كان من مقدمات الجماع؛ لأن هذه المقدمات تفضي إلى الجماع. ومن محظورات الإحرام: حلق شعر الرأس؛ لقوله تعالى: ( وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ )(البقرة: 196) ، وألحق العلماء بحلق الرأس حلق جميع الجسم، وألحقوا به أيضاً تقليم الأظفار وقصها. ومن محظورات الإحرام : عقد النكاح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب))(228) ومن محظوراته أيضاً : الخطبة ، فلا يحوز للإنسان أن يخطب امرأة وهو محرم بحج أو عمرة. ومن محظورات الإحرام قتل الصيد، لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)(المائدة: 95). ومن محظوراته أيضاً: الطيب بعد عقد الإحرام، سواء في البدن، أو في الثوب، أو في المأكول، أو في المشروب؛ فلا يحل لمحرم استعمال الطيب على أي وجه كان بعد عقد إحرامه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفه فمات: (( لا تحنطوه))(229) ، والحنوط : أطياب تجعل في الميت عند تكفينه. فأما أثر الطيب الذي تطيب به عند الإحرام، فإنه لا بأس به، ولا تجب عليه إزالته ؛ لقول عائشة رضي الله عنها: كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم230)، وقالت : كنت أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم(231) ومن محظورات الإحرام أيضاً: لبس الرجل القميص، والبرانس، والسروايل، والعمائم ، والخفاف؛ هكذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل : ما يلبس المحرم، فقال: (( لا يلبس القميص ، ولا السراويل، ولا البرانس، ولا العمائم ، ولا الخفاف، إلا من لا يجد إزاراً فيلبس السراويل ، ومن لم يجد نعلين فليلبس الخفين))(232) وما كان بمعنى هذه المحظورات فهو مثلها، فالكوت، والفانيلة، والصدرية، والغترة، والطاقية، والمشلح، كل هذه بمعنى المنصوص عليه، فيكون لها حكم المنصوص عليه. وأما لبس الساعة، والخاتم، والكمر، وسماعة الأذن، ونظارة العين ، والكمر الذي تكون فيه الفلوس وما أشبهها فإن ذلك لا يدخل في المنهي عنه، لا بالنص ولا بالمعنى ؛ وعلى هذا فيجوز للمحرم أن يلبس هذه الأشياء. وليعلم أن كثيراً من العامة، فهموا من قول أهل العلم: (( إن المحرم لا يلبس المخيط)) ، أن المراد بالمخيط ما فيه خياطة؛ ولهذا تجدهم يسألون كثيراً عن لبس الكمر المخيط، وعن لبس الأزرار ، أو الرداء المرقع، وعن لبس النعال المخوذة وما أشبه ذلك، ظناً منهم أن العلماء يريدون بلبس المخيط: لبس ما كان فيه خياطة، والأمر ليس كذلك، وإنما مراد العلماء بذلك: ما يلبس من الثياب المفصلة على الجسم، على العادة المعروفة، وتأمل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لا يلبس القميص ولا السراويل ..ألخ)) يتبين لك أن الإنسان لو تلفف بالقميص بدون لبس، فإنه لا حرج عليه، فلو جعل القميص إزاراً لفه على ما بين سرته وركبته، فإنه لا حرج عليه في ذلك؛ لأن ذلك لا يعد لبساً للقميص. ومن المحرمات في الإحرام: تغطية الرجل رأسه بملاصق معتاد، كالطاقية، والعمامة، والغترة، فأما تظليل الرأس بالشمسية ، أو سقف السيارة، أو بثوب يرفعه بيديه عن رأسه، فهذا لا بأس به، لأن المحرم تغطية الرأس لا تظليله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم حصين رضي الله عنها قالت: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم راكباً، وأسامة وبلال أحدهما آخذ بخطام ناقته، والثاني رافع ثوبه، أو قالت: ثوباً يظلله به من الحر، حتى رمى جمرة العقبة(233) ولا يحرم على المحرم أن يحمل عفشه على رأسه؛ لأن ذلك لا يراد للتغطية ، وإنما المراد به الحمل. ومن محظورات الإحرام: أن تنتقب المرأة، أي: تضع النقاب على وجهها، يعني : النقاب لباس الوجه، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم المرأة أن تنتقب وهي محرمة(234)؛ فالمشروع للمرأة في حال الإحرام أن تكشف وجهها، إلا إذا كان حولها رجال غير محارم لها، فإنه يجب عليها أن تستر الوجه، وفي هذه الحال: لا بأس أن يلاصق الساتر بشرتها، ولا حرج عليها في ذلك. ومن محظورات الإحرام: لبس القفازين وهما جوارب اليدين، وهذا يشمل الرجل والمرأة فلا تلبس المرأة القفازين في حال الإحرام، وكذلك الرجل لا يلبس القفازين؛ لأنهما لباس، فهما كالخفين بالنسبة للرجل. حكم وضع شيء ملاصق لرأس المحرم السؤال(248): فصيلة الشيخ، قلتم: إنه لا يستر المحرم رأسه أو لا يضع على رأسه ملاصقاً؛ كالغترة والطاقية، هل يشمل ذلك أيضاً وضع قطعة ورق أو كرتون أو بطانية على رأسه؟ الجواب: نعم يشمل هذا، ولهذا إذا احتاج إلى تظليل رأسه، فليرفع هذا عن رأسه قليلاً لا يباشره. الفرق بين النقاب والبرقع السؤال(249): فضيلة الشيخ، ما الفرق بين النقاب والبرقع وهل يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس البرقع؟ الجواب: البرقع أخص من النقاب؛ لأن النقاب خمار معتاد، يتدلى من خمار رأسها ، ويفتح لعينيها، أما البرقع فإنه قد فصل للوجه خاصة، وغالباً يكون فيه من التجميل والنقوش ما لا يكون في النقاب، ولذلك فلا يجوز أن تلبس المحرمة البرقع؛ لأنها إذا منعت من النقاب فالبرقع من باب أولى. كيف ستر وجه المحرمة أمام الرجال السؤال (250): فضيلة الشيخ : قلتم بوجوب ستر المحرمة وجهها إذا حضر الرجال، فهل تستر وجهها بالنقاب أم بشيء آخر؟ الجواب: تستره بشيء ليس بنقاب، ولا برقع، تغطيه تغطيه كاملة حكم من تلبس ببعض محظورات الإحرام السؤال (251): فضيلة الشيخ، فصلتم في الجماع كمحظور من محظورات الإحرام، وذكرتم أنه يترتب عليه خمسة أمور، لكن بقية المحظورات ما ذكرتم لنا حكم من تلبس بشيء منها؟ الجواب: نذكر ذلك إن شاء الله: أما الصيد : فقد بين الله سبحانه وتعالى ما يترتب عليه؛ فقال: ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً )(المائدة: 95) فإذا كان هذا الصيد مما له مثل من النعم، أي: من الإبل أو الفقر أو الغنم ، فإنه يذبح مثله في مكة، ويتصدق به على الفقراء، أو يجعل بدل المثل طعاماً يشترى ويوزع على الفقراء ، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً، هذا إذا كان له مثل، أما إذا كان لم يكن له مثل، فإن العلماء يقولون: يخير بين الإطعام والصيام ، فيقوم الصيد بدراهم، ويطعم ما يقابل هذه الدراهم الفقراء في مكة، أو يصوم عن إطعام كل مسكين يوماً. هذا في الصيد. أما في حلق الرأس : فقد بين الله عز وجل أن الواجب فدية من صيام أو صدقة أو نسك، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الصيام ثلاثة أيام وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع، وأن النسك شاة يذبحها، وهذه الشاة توزع على الفقراء ، وحلق الرأس حرام إلا لمن تأذى بالشعر؛ كما سنتعرض له إن شاء الله تعالى. محظورات الإحرام ( تتمة) السؤال (252): فضيلة الشيخ، ما الذي يجب على من ارتكب محظوراً من هذه المحظورات؟ الجواب: ذكرنا فيما سبق ما يجب في فعل محظورات الإحرام، فذكرنا جزاء الصيد، وذكرنا ما يجب في الجماع أيضاً، وذكرنا ما يجب بحلق الرأس، وأنه فدية من صيام أو صدقة أو نسك، والصيام بينه النبي عليه الصلاة والسلام بأنه صيام ثلاثة أيام، والصدقة بأنها إطعام ستة مساكين، لكل مسكين نصف صاع، والنسك ذبح شاة، وهذه الشاة توزع على الفقراء، ولا يؤكل منها شيء، لأنها وجبت جبراناً للنسك، حيث انتهك الإنسان ما حرم عليه فيه. وهذه الفدية تسمى عند أهل العلم فدية الأذى؛ لأن الله تعالى ذكرها في ذلك؛ حيث قال: ( فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)(البقرة:196)، قال أهل العلم: وهي واجبة - أعني فدية الأذى - واجبة في كل محظور من محظورات الإحرام، ما عدا الجماع قبل التحلل الأول في الحج، وجزاء الصيد؛ لأن في الأول بدنه، وفي الثاني المثل، أو ما يقوم مقامه، فكل المحظورات عندهم ما عدا ما ذكرنا، كل المحظورات التي فيها فدية، فديتها فدية الأذى ، فدخل في ذلك: لبس القميص، والسراويل، والبرانس، وما أشبهها ، وتغطية الرأس للرجل، وتغطية الوجه للمرأة، والطيب، والمباشرة، وما أشبه ذلك، هكذا قال أهل العلم في هذه المحظورات. حكم من ارتكب محظوراً من المحظورات جاهلاً السؤال( 253): فضيلة الشيخ، ما حكم من ارتكب محظوراً من هذه المحظورات ناسيا أو جاهلاً؟ الجواب: نقول: محظورات الإحرام تنقسم إلى أقسام: منها: مالا فدية فيه أصلاً، ومثل له العلماء بعقد النكاح والخطبة، خطبة النكاح، قالوا: إن هذا ليس فيه فدية. ومنها: ما فديته فدية الأذى. ومنها: ما فديته بدنة. ومنها ما فديته الجزاء. وكل شيء فيه فدية، فإن فاعله لا يخلو من ثلاث حالات: إما أن يفعله عالماً ذاكراً مختاراً ، وفي هذه الحال يترتب عليه الإثم، وما يجب فيه من الفدية. وإما أن يفعله متعمداً عالماً مختاراً، لكن لعذر، فهذا ليس عليه إثم، ولكن عليه الفدية ، مثل أن يحلق رأسه لأذى أو شبهه متعمداً عالماً ذاكراً، فإنه يجب عليه الفدية، ولا إثم عليه؛ لأنه معذور. وأما أن يفعل هذه المحظورات ناسياً، أو جاهلاً، أو مكرهاً، فهذا ليس عليه بشيء، لا إثم ولا فدية أيا كان المحظور؛ لعموم قوله تعالى: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: 286)، وقوله: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(الأحزاب: من الآية5) وقوله تعالى في جزاء الصيد: ( وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَم)(المائدة: 95) ، فإذا اشترطت العمدية في جزاء الصيد، مع أن قتل الصيد إتلاف ، فما عداه من باب أولى. وعلى هذا فنقول: إذا فعل أحد شيئا من هذه المحظورات، ناسياً أو جاهلاً أو مكروها ، فليس عليه شيء ، لا إثم، ولا فدية، ولا يفسد نسكه، ولا يتعلق به شيء أصلاً، ولو كان المحظور جماعاً. حكم استبدال المحرم لباس الإحرام السؤال (254): فضيلة الشيخ، ما حكم استبدال المحرم لباس الإحرام؟ الجواب: تبديل المحرم لباس الإحرام بثوب يجوز لبسه في الإحرام - لا باس بهن سواء فعله لحاجة، أو لضرورة، أو لغير حاجة ولا ضرورة: فأما فعله للضرورة: فمثل أن يتنجس ثوب الإحرام وليس عنده ماء يغسله به، فهنا يضطر إلى تبديله بثوب طاهر؛ لأنه لا يمكن أن تصح منه صلاته إلا بثياب طاهرة. ومثال الحاجة: أن يتسخ ثوب الإحرام ، فيحتاج إلى غسل، فله أن يخلعه ، ويلبس ثوباً آخر مما يجوز لبسه في الإحرام. ومثال ما لا حاجة لخلعه ولا ضرورة: أن يبدو للإنسان أن يغير لباس الإحرام بدون أي سبب، فله ذلك ولا حرج عليه، إذا غيره بما يجوز لبسه. حكم الاغتسال للمحرم السؤال (255): فضيلة الشيخ، الترفه ممنوع منه المحرم؟ كتقليم الظافر وغيره، لكن هل يجوز للمحرم أن يغتسل من أجل النظافة؟ الجواب: المحرم يجوز له أن يغتسل من أجل النظافة؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل وهو محرم *(ويجوز للمحرم أن يغير ثياب الإحرام إلى ثياب أنظف منها أو أجد، ويجوز له أيضاً أن يترفه باستعمال المكيفات ، أو بغيرها من أسباب الراحة. وأما قول بعض أهل العلم: إنه لا يجوز له أن يقلم أظفاره، وقاسوه على حلق شعر الرأس بجامع الترفه، فهذا أمر ينظر فيه، وليس محل إجماع من أهل العلم. حكم إتلاف نبات وشجر مكة السؤال (256): فضيلة الشيخ، بالنسبة للمحرم والنبات الذي ينبت في مكة المكرمة، في الحرم، ما حكم قلع هذا النبات والتعرض له بشيء من الإتلاف؟ الجواب: النبات والشجر، لا علاقة للإحرام بهما؛ لأن تحريمها لا يتعلق بالإحرام، وإنما يتعلق بالمكان، أي: بالحرم، فما كان داخل أميال الحرم، فإنه لا يجوز قطعة ولا حشة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في مكة: (( إنه لا يختلى خلاها، ولا يعضد شوكها))(235) فقطع شجرها وحشيشها ، حرام على المحرم وغيره ، وأما ما كان خارج الحرم فإنه حلال للمحرم وغير المحرم ، وعلى هذا فيجوز للحجاج أن يقطعوا الشجر في عرفة، ولا حرج عليهم في ذلك، ولا يجوز لهم أن يقطعوا الشجر أو الحشيش في مزدلفة وفي منى؛ لأن مزدلفة ومنى داخل الحرم. ويجوز للحجاج أن يضعوا البساط عل الأرض، ولو كان فيها أعشاب، إذا لم يقصدوا بذلك إتلاف الحشيش الذي تحته؛ لأن تلفه حينئذ حصل بغير قصد، فهو كما لو مشى الإنسان في طريقه وأصاب حمامة أو شيئاً من الصيد بغير قصد منه، فإنه ليس عليه فيه شيء. زمان ومكان الإحرام بالحج السؤال (257): فضيلة الشيخ، إذا جاء الحاج إلى البيت، وطاف وتحلل من العمرة، ومكث في مكة، فمتى يحرم بالحج، ومن أين يحرم؟ الجواب: يحرم الإنسان بالحج يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، من مكانه الذي هو نازل فيه، ويحرم ضحى، ويذهب إلى منى، فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كما أسلفنا ذلك في بيان صفة الحج. لا يلزم الطواف أو الإحرام من البيت يوم التروية السؤال(258): فضيلة الشيخ، لكن هل يلزم المحرم في يوم التروية أن يطوف بالبيت، أو يحرم من البيت؟ الجواب: لا يلزمه أن يطوف باليت، ولا أن يحرم من البيت، ولا يسن له ذلك أيضاً؛ لأن الصحابة الذين حلوا من عمرتهم مع النبي صلى الله عليه وسلم احرموا من مكانهم، ولم يأمرهم النبي عليه الصلاة والسلام أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا منه، أو أن يطوفوا قبل إحرامهم. حكم من أدرك الوقوف بعرفة متأخراً السؤال (259): فضيلة الشيخ، عرفنا في صفة الحج أن الحاج يخرج من منى في اليوم التاسع من ذي الحجة ضحى، لكن لو لم يدرك الوقوف بعرفة إلا متأخراً فما الحكم؟ الجواب: عرفنا أن الإنسان في اليوم الثامن يخرج إلى منى ، ويبقي بها إلى صباح اليوم التاسع، ثم يذهب إلى عرفة ، فلو أن الحاج لم ينزل في منى اليوم الثامن، وذهب إلى عرفة رأساً، فهل يصح حجة؟ والجواب على ذلك: نعم يصح حجه، بدليل حديث عروة بن المضرس رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم حين صلى معه صلاة الفجر في مزدلفة، سأله فقال: يا رسول الله، إني أتعبت نفسي، وأكريت راحلتي، فلم أدع جبلاً إلا وقفت عنده، فقال النبي عليه الصلاة والسلام، : (( من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك ليلاً أو نهاراً، فقد تم حجه وقضى تفثه))(236) ، وهذا دليل على أنه لا يجب أن يبقي الحاج في مني في اليوم الثامن وليلة التاسع،وأنه لو ذهب إلى عرفة رأساً، لكان حجه صحيحاً، لكن الأفضل أن يبقى في منى، من ضحى اليوم الثامن إلى أن تطلع الشمس من يوم التاسع. وأما سؤالكم الذي سألتم عنه وهو حكم من ذهب إلى عرفة متأخراً، فنقول: إذا ذهب إلى عرفة متأخراً، ولكنه أدرك الوقوف بها قبل أن يطلع الفجر يوم العيد، فحجّه صحيح ولا شيء عليه، فوقت الوقوف بعرفة ينتهي بطلوع فجر يوم العيد. بداية الوقوف بالمزدلفة ونهايته السؤال (260) : فضيلة الشيخ، متى يبدأ الوقوف بمزدلفة ، ومتى ينتهي ، وما حكمه أيضاً؟ الجواب : الوقوف بمزدلفة الذي يعبر عنه أهل العلم بالمبيت بالمزدلفة، يبتدئ من انتهاء الوقوف بعرفة، ولا يصح قبله، فلو أن حاجاً وصل إلى مزدلفة في أثناء الليل قبل أن يقف بعرفة، فوقف في مزدلفة ثم ذهب إلى عرفة، ووقف بها، ثم نزل من عرفة إلى منى، فإن وقوفه بمزدلفة غير معتبر؛ لقول الله تعالى: ( فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ )(البقرة: 198)، فجعل محل الذكر عند المشعر الحرام، أو وقت الذكر عند المشعر الحرام، بعد الإفاضة من عرفة، فيبتدئ المكث في مزدلفة من انتهاء الوقوف بعرفة، ويستمر إلى أن يصلي الإنسان الفجر، ويقف قليلاً إلى أن يسفر جداً، ثم ينصرف إلى منى. ولكن يجوز لمن كان ضعيفاً لا يستطيع مزاحمة الناس في الرمي، أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل،لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا في آخر الليل وكانت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، ترقب غروب القمر، فإذا غرب دفعت(237). وهذا أحسن من التحديد بنصف الليل؛ لأنه هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الموافق للقواعد ، وذلك أنه لا يجعل حكم الكل للنصف، وإنما يجعل حكم الكل للأكثر والأغلب، وبهذا نعرف أن قول من قال من أهل العلم: إنه يكفي أن يبقى في مزدلفة بمقدار صلاة المغرب والعشاء، ولو قبل منتصف الليل، قول مرجوح، وأن الصواب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما فعله، وفيما أذن فيه. السؤال (261): فضيلة الشيخ، متى ينتهي الوقوف بمزدلفة بحيث إن الحاج لو أتى لا يعتبر واقفاً بها؟ الجواب: ظاهر حديث عروة بن المضرس رضي الله عنه الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: (( من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع))(238) أن الإنسان لو جاء مزدلفة بعد طلوع الفجر، وأدرك صلاة الفجر بغلس في الوقت الذي صلاها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه يجزئه، ومعروف عند الفقهاء رحمهم الله أنه لابد أن يدرك جزءاً من الليل، بحيث يأتي إلى مزدلفة قبل طلوع الفجر. حكم المبيت بمني يوم النحر السؤال (262): فضيلة الشيخ، ذكرتم أن من الأعمال التي يقوم بها الحاج يوم النحر المبيت بمني، لكن ما حكم هذا المبيت؟ الجواب: المبيت بمنى ذكرنا فيما سبق أنه من واجبات الحج ، وأن المعروف عند أهل العلم ، أن من ترك واجباً من واجبات الحج، فعليه فدية ذبح شاة، تذبح في مكة وتوزع على فقرائها. حد المبيت في منى السؤال (263): فضيلة الشيخ، نرى بعضاً من الناس يتهاونون في المبيت بمنى؛ فيقلون من البقاء فيها، ويذهبون خارجها معظم الوقت، ولا يأتون إليها إلا ساعات محدودة، فما هو المقدار الكافي للبقاء في منى أو المبيت في منى؟ الجواب: المشروع للحاج أن يبقى في منى طول الوقت، هكذا سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والإنسان لم يتغرب عن وطنه، ولم يتجشم المشاق إلا لأداء هذه العبادة العظيمة على وفق ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لم يأت من بلده إلى هذا المكان ليترفه، ويسلك ما هو الأيسر، مع مخالفته لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، فالمشروع في حق الحاج أن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، ولكن مقتضى قواعد الفقهاء، ومقتضى كلام الفقهاء: أن الواجب أن يبقى في منى معظم الليل في الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة وأما بقية الليل ، والنهار جميعه: فليس بواجب عندهم أن يمكث في منى ، ولكن ينبغي للإنسان أن يتقيد بما جاءت به السنة، وأن يبقى في منى ليلاً ونهاراً، والمسألة ما هي إلا يومان فقط ، بالإضافة إلى يوم العيد ، بل يوم ونصف، وزيادة يسيره مع يوم العيد. الآداب التي ينبغي مراعاتها في منى السؤال (264) : فضيلة الشيخ، ما هي الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الحاج أثناء بقائه في منى يوم الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر لمن أراد أن يتأخر؟ الجواب: ينبغي للحاج أن ينتهز هذه الفرصة في التعرف على أحوال المسلمين، والالتقاء بهم ، وإسداء النصح إليهم، وإرشادهم ، وبيان الحق المبني على كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه وسلم حتى ينصرف المسلمون من حجهم، وهم قد أدوا هذه العبادة، ونهلوا من العلم الشرعي المبني على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان لا يحسن لغة من يخاطب، فإنه يجعل بينه وبينهم ترجماناً، يكون أميناً عارفاً باللغتين،المترجم منها وإليها، عارفاً بموضوع الكلام الذي يتكلم فيه، حتى يترجم عن بصيرة، وفي ثقة وأمانة. وينبغي كذلك في هذه الأيام، أن يكون حريصاً على التحلي بمحاسن الأخلاق والأعمال؛ من إعانة المستعين، وإغاثة الملهوف، ودلالة الضائع، وغير ذلك مما هو إحسان إلى الخلق؛ فإن الله سبحانه وتعالى يقول: ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(البقرة: 195) ويقول جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى)(النحل: 90)، ولاسيما في هذه الأماكن المفضلة؛ فإن أهل العلم: يقولون: إن الحسنات تتضاعف في الزمان والمكان الفاضل. يستمعون إلى الملاهي ويغتابون الناس في منى السؤال (265): فضيلة الشيخ، بعض الناس يقضي هذه الأيام في مني: إما بالاستماع إلى الملاهي، أو بالتفكه بالحديث في أعراض الناس، فما حكم هذا العمل؟ الجواب: هذا العمل محرم في حال الحج وغير الحج؛ فإن الأغاني المصحوبة بآلات العزف، من الموسيقي ، والعود والرباب وشبهها محرمة في كل زمان وفي كل مكان؛ لما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (0 ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير، والخمر، والمعازف ))(239)، قال العلماء : والمعازف : آلات اللهو، ولا يستثنى منها إلا الدفوف في المناسبات التي أذن الشارع باستعمالها فيها. وكذلك التفكه بأعراض الناس، والسخرية بهم ونحو ذلك مما يحدث في موسم الحج وغيره، وهو حرام سواء كان في موسم الحج أو في غير موسم الحج، وسواء كان في مكة أو في غير مكة؛ لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11) الحكمة من رمي الجمارالسؤال (266): فضيلة الشيخ، في أيام التشريق ترمى الجمار الثلاث في يومين أو ثلاثة أيام، فما الحكمة من رمي هذه الجمار؟ الجواب: الحكمة من رمي هذه الجمار ، بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله : (( إنما جعل الطواف بالبيت ، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله)(240) وفي رمي الجمار أيضاً: تحقيق لعبادة الله عز وجل ؛ فإن الإنسان يرمي هذه الجمار، وهو لا يعرف حكمة بينة في رميها ، وإنما يفعل ذلك تعبداً لله وذكراً له، وكذلك يرمي هذه الجمرات؛ اتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه رماها، وقال: (( لتأخذوا عني مناسككم))(241). صفة رمي الجمار السؤال (267): فضيلة الشيخ، أيضاً بالنسبة للجمار، نود أن تذكروا لنا صفة رمي الجمار؟ الجواب: الذي ينبغي للحاج إذا ذهب إلى رمي جمرة العقبة أن يكون ملبياً، فإذا شرع في الرمي، قطع التلبية، هذا في رمي جمرة العقبة، يوم العيد، أما في رمي الجمرات الثلاث، فينبغي أن يذهب بسكينة وخضوع وخشوع لله عز وجل ، وإن كبر في مسيره فحسن؛ لأن أيام التشريق، أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل، ومن ذكر الله تعالى التكبير، فإذا ذهب مكبراً، فهو حسن؛ لأن التكبير هنا مطلق، ولكنه لا يعتقد أنه مشروع من أجل الذهاب إلى الرمي، إنما يعتقد أنه مشروع مطلقاً، أما ذهابه بخشوع وتعظيم لله، فهذا أمر مطلوب، ولهذا يكبر الإنسان الله عز وجل عند رمي كل حصاة. الدعاء عند رمي الجمار السؤال (268): فضيلة الشيخ، لكن هل هناك أدعية عند رمي الجمرات؟ الجواب: نعم ذكرنا أنه إذا رمى الجمرة الأولى، استقبل القبلة، ورفع يديه ، وقام يدعو دعاء طويلاً، وكذلك بعد رمي الجمرة الوسطي، وأما بعد رمي جمرة العقبة فلا يقف. السؤال (269): فضيلة الشيخ، وهل هناك دعاء مخصوص؟ الجواب: ليس هناك دعاء مخصوص فيما أعلم. لا تلزم الطهارة عند رمي الجمار السؤال (270): فضيلة الشيخ، هل تلزم الطهارة لرمي الجمار؟ الجواب: الطهارة لا تلزم في أي منسك من مناسك الحج، إلا الطواف بالبيت، فإنه لا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: (( افعلي كما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت))(242). حكم غسل حصى الجمار السؤال ( 271): فضيلة الشيخ، ما حكم غسل الجمار؟ الجواب: لا يغسل ، بل إذا غسله الإنسان على سبيل التعبد لله، كان هذا بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله. حكم من نسي شيئاً من أشواط الطواف أو السعي السؤال (272): فضيلة الشيخ، ما حكم من نسي شيئا من أشواط الطواف أو السعي؟ الجواب: إذا نسي الإنسان شيئاً من أشواط الطواف أو السعي، فإن ذكر قريباً أتم ما بقي عليه، فلو طاف ستة أشواط بالبيت، ثم انصرف إلى مقام إبراهيم ليصلي ، وفي أثناء انصرافه، ذكر أنه لم يطف إلا ستة أشواط، فإنه يرجع من الحجر الأسود، ليأتي بالشوط السابع، ولا حرج عليه. أما إذا يذكر إلا بعد مدة طويلة : فإن كان الطواف طواف نسك، وجب عليه إعادة الطواف من جديد؛ لأن طوافه الأول لم يصح؛ لكونه ناقصاً، ولا يمكن بناء ما تركه على ما سبق؛ لطول الفصل بينهما، فيستأنف الطواف من جديد. وهكذا نقول في السعي: إنه إذا نسي شوطاً من السعي، فإذا ذكر قريباً، أتى بالشوط الذي نسيه، وإن طال الفصل، استأنفه من جديد. هذا إذا قلنا: إن الموالاة في السعي شرط، أما إذا قلنا : إنها ليست بشرط- كما هو قول بعض أهل العلم- فإنه يأتي بما نسي ولو طال الفصل. ولكن الأحوط: أن يبدأ بالسعي من جديد إذا أطال الفصل؛ لأن ظهور كون الموالاة شرطاً أبلغ من عدم كونها شرطاً. ماذا يفعل إذا أقيمت الصلاة، وهو في الطواف أو السعي السؤال (273): فضيلة الشيخ، إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو السعي، فماذا يفعل؟ الجواب: إذا أقيمت الصلاة وهو في الطواف أو في السعي، فإنه يدخل مع الجماعة، وإذا انتهت الصلاة، أتم الشوط من حيث وقف، ولا يلزمه أن يأتي به من أول الشوط، فإذا قدر أنه أقيمت الصلاة وهو في منتصف الشوط الثالث من السعي، فليقف مكانه ويصلي، ثم إذا سلم الإمام أتم السعي من مكانه، وإن لم يكن حوله أحد يصلي معه في المسعى، فإنه يتقدم ، ويصلي حيث يجد من يصافه، فإذا سلم من الصلاة، خرج إلى المسعى ، وأتم من المكان الذي قطعه منه، ولا يلزمه أن يعيد الشوط من ابتدائه. وهكذا نقول في الطواف : لو أقيمت الصلاة وأنت بحذاء الحجر من الناحية الشمالية مثلاً، فإنك تصلي في مكانك فإذا انتهت الصلاة فأتم الشوط من المكان الذي وقفت فيه ، ولا حاجة إلى أن تعيد الشوط من الحجر الأسود. السؤال (274): فصيلة الشيخ، لكن هل يلزمه قطع الطواف أو السعي للصلاة أو يجوز له؟ الجواب: إن كانت الصلاة فريضة، يجب عليه أن يقطع الطواف أو السعي ليصلي ؛ لأن صلاة الجماعة واجبة، وقد رخص للإنسان أن يقطع سعيه من أجلها، فيكون خروجه من السعي أو الطواف خروجاً مباحاً، ودخوله مع الجماعة، دخول واجباً، فيجب عليه أن يدخل مع الجماعة. أما إذا كانت الصلاة نافلة ، كما لو كان ذلك في قيام الليل في التراويح في رمضان، فمعروف أنه لا يقطع السعي أو الطواف من أجل ذلك، لكن الأفضل أن يتحرى ، فيجعل الطواف بعد القيام أو قبله، وكذلك السعي ؛ لئلا يفوته فضيلة قيام الليل مع الجماعة. السؤال (275): فضيلة الشيخ، إذا أذن للصلاة، وهو يسعى بين الصفا والمروة، وهو على غير طهارة، وهذا جائز ، فهل يخرج خارج الحرم ليتوضأ، ويرجع ويصلي مع الناس، ويكمل سعيه ، أم يبتدئه من جديد؟ الجواب: نعم لابد أن يخرج إلى الميضأة ويتوضأ ويصلي مع الجماعة ، وفي هذه الحال؛ إن كان الفصل طويلاً استأنف السعي، وإن كان قصيراً لم يستأنف ، فإذا قدر أن الميضأة قريبة من المسعى، ولم يستوعب وقتاً ، وأنه من حين جاء أقيمت الصلاة، فهذا زمن قليل، فليتم السعي، وأما إذا كان الزمن طويلاً، كأن تكون الميضأة بعيدة بحيث يكون الفاصل بين أجزاء السعي فاصلاً طويلاً ، فإنه يبدأ السعي من أوله. حكم التمسح بجدران الكعبة وكسوتها السؤال (276): فضيلة الشيخ، في أثناء الطواف يشاهد بعض الناس يتمسحون بجدار الكعبة، وبكسوتها، وبالمقام، والحجر، فما حكم ذلك العمل؟ الجواب: هذا العمل يفعله الناس، يريدون به التقرب إلى الله عز وجل والتعبد له، وكل عمل تريد به التقرب إلى الله والتعبد له، وليس له أصل في الشرع فإنه بدعة، حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (( إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة))(243) ، ولم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه مسح سوى الركن اليماني، والحجر الأسود؛ وعليه: فإذا مسح الإنسان أي ركن من أركان الكعبة أو جهة من جهاتها، غير الركن اليماني والحجر الأسود، فإنه يعتبر مبتدعاً، ولما رأى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يمسح الركنين الشماليين، نهاه ، فقال له معاوية رضي الله عنه: ليس شيء من البيت مهجوراً، فقال ابن عباس رضي الله عنهما : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)(الأحزاب:21) وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الركنين ، يعني : الركن اليماني والحجر الأسود فرجع معاوية رضي الله عنه إلى قول ابن عباس لقوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )(الأحزاب: 21). ومن باب أولى في البدعة: ما يفعله بعض الناس من التمسح بمقام إبراهيم ، فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم . أنه تمسح في أي جهة من جهات المقام. وكذلك ما يفعله بعض الناس من التمسح بزمزم، والتمسح بأعمدة الرواق، وغير ذلك مما لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فكله بدعة، وكل بدعة ضلالة. السؤال (277): لكن أيضاً ما حكم الذين يتمسكون بأستار الكعبة، ويدعون طويلاً؟ الجواب: هؤلاء أيضاً عملهم لا أصل له في السنة، وهو بدعة، ينبغي بل يجب على طالب العلم أن يبين لهم هذا، وأنه ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم . وأما الالتزام بين الحجر الأسود وبين الكعبة : فهذا قد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم فعله، ولا بأس به، لكن مع المزاحمة والضيق- كما يشاهد اليوم- لا ينبغي للإنسان أن يفعل ما يتأذى به أو يؤذي غيره، في أمر ليس من الواجبات. صفة الالتزام السؤال (278): فضيلة الشيخ، لكن ما صفة هذا الالتزام هل هو تعلق بهذا الجزء من الكعبة الذي بين الحجر الأسود والبيت، أم أنه وقوف ودعاء؟ الجواب: الالتزام: وقوف في هذا المكان وإلصاق، يلصق الإنسان يديه وذراعيه ووجهه وخده على هذا الجدار. خصائص ماء زمزم السؤال (279): فضيلة الشيخ، ذكرتم أيضاً أنه لا يجوز التمسح بزمزم، أو بشيء منها، لكن ما هي خصائص ماء زمزم؟ الجواب: من خصائص ماء زمزم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( ماء زمزم لمن شرب له))(244) وأن الإنسان إذا شربه لعطش روي، وإذا شربه لجوع، شبع؛ فهذا من خصائصه. حكم التبرك بآثار مكة والكعبة السؤال (280) : فضيلة الشيخ، هل من خصائص مكة أو الكعبة التبرك بأحجارها أو آثارها؟ الجواب: لا، ليس من خصائص مكة أن يتبرك الإنسان بأشجارها، أو أحجارها، بل من خصائص مكة: ألا تعضد أشجارها، ولا يحش حشيشها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، إلا الإذخر؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم استثناه(245) ، لأنه يكون للبيوت، وقيون الحدادين، وكذلك اللحد في القبر؛ فإنه تسد به شقوق اللبنات، وعلى هذا فنقول: إن حجارة الحرم أو مكة ليس فيها شيء يتبرك به، بالتمسح به، أو بنقله إلى البلاد، أو ما أشبه ذلك. حكم إطلاق اسم جبل الرحمة على الجبل الذي في عرفة السؤال(281): فضيلة الشيخ، أيضاً يطلق على جبل عرفة: جبل الرحمة ، فما حكم هذه التسمية ، وهل لها أصل؟ الجواب: هذه التسمية لا أعلم لها أصلاً من السنة، أي: أن الجبل الذي في عرفة، الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم يسمى جبل الرحمة، وإذا لم يكن له أصل من السنة، فإنه لا ينبغي أن يطلق عليه ذلك، والذين أطلقوا عليه هذا الاسم لعلهم لاحظوا أن هذا الموقف موقف عظيم، تتبين فيه مغفرة الله تعالى ورحمته للواقفين في عرفة، فسموه بهذا الاسم، والأولى ألا يسمى بهذا الاسم، وليقال: جبل عرفه، أو الجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم ، وما أشبه ذلك. حكم زيارة هذا الجبل والصلاة عليه السؤال (282): فضيلة الشيخ، يلتزم بعض الحجاج زيارة هذا الجبل قبل الحج أو بعده، ويصلون في أعلاه، فما حكم زيارة هذا الجبل، وما حكم الصلاة فيه؟ الجواب: حكمه كما يعلم من القاعدة الشرعية، بأن كل من تعبد لله تعالى بما لم يشرعه الله فهو مبتدع؛ فيعلم من هذا: أن قصد هذا الجبل للصلاة عليه أو عنده والتمسح به، وما أشبه ذلك مما يفعله بعض العامة بدعة، ينكر على فاعلها، ويقال له: إنه لا خصيصة لهذا الجبل، إلا أنه يسن أن يقف الإنسان يوم عرفة عند الصخرات كما وقف النبي صلى الله عليه وسلم ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف هناك عند الصخرات، وقال: (( وقفت هاهنا، وعرفة كلها موقف))(246) وبناء على ذلك فلا ينبغي أيضاً أن يشق الإنسان على نفسه في يوم عرفة، ليذهب إلى الجبل ، فربما يضيع عن قومه ، ويتعب بالحر والعطش، ويكون بهذا آثماً، حيث شق على نفسه في أمر لم يوجبه الله عليه. حكم استقبال الجبل واستدبار الكعبة السؤال (283) : فضيلة الشيخ، أيضاً بخصوص هذا الجبل، كثير من الناس في يوم عرفة، يستقبلون الجبل ويستدبرون الكعبة، فما حكم هذا العمل، وما حكم رفع الأيدي والدعاء له؟ الجواب: المشروع للواقفين بعرفة، حين ينشغلون بالدعاء والذكر، أن يتجهوا إلي القبلة، سواء كان الجبل خلفهم أو بين أيديهم، وليس استقبال الجبل مقصودا لذاته، وإنما استقبله النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه كان بينه وبين القبلة؛ إذ إن موقف الرسول عليه الصلاة والسلام كان شرقي الجبل عند الصخرات ، فكان استقبال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الجبل غير مقصود. وعلى هذا: فإذا كان الجبل خلفك إذا استقبلت القبلة فاستقبل القبلة، ولا يضرك أن يكون الجبل خلفك. وفي هذا المقام- أي : مقام الدعاء في عرفة - ينبغي للإنسان أن يرفع يديه، وأن يبالغ في التضرع إلى الله عز وجل ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو وهو رافع يديه، حتى إن خطام ناقته لما سقط ، أخذه صلى الله عليه وسلم بيده وهو رافع اليد الأخرى ، وهذا يدل على استحباب رفع اليدين في هذا الموضع، وقد ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال : (( إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفراً))(247). *** أخطاء تقع في مناسك الحج يجب الحذر منها أخطاء تقع في الإحرام السؤال (284): فضيلة الشيخ، هناك مواقف يقفها الحجاج، وأمور يفعلونها في الحج، وهذه المواقف والأمور يقع فيها أخطاء، ولعله من الترتيب أن نبدأ بالإحرام وما يقع فيه من أخطاء، إذا كان هناك أخطاء ترونها في ذلك؟ الجواب: قبل أن أجيب على هذا السؤال، أحب أن أبين أن كل عبادة لابد لقبولها من شرطين: الشرط الأول: الإخلاص لله عز وجل، بأن يقصد الإنسان بعبادته التعبد لله تعالى وابتغاء ثوابه ومرضاته: فإن هذه هي الحال التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كما في قوله تعالى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً )(الفتح: 29) ، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) (22) (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ) (23)(سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) ( الرعد 22، 24) ولقوله تعالى : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) (البينة:5) . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كان هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه))(248). ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله تعالى أنه قال: (( أنا أغني الشركاء عن الشرك؛ من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه))(249). ولقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: (( إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها))(250) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثرة جداً، كلها تفيد أن أساس العمل: الإخلاص لله عز وجل. الشرط الثاني: المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهي أيضاً شرط لصحة العمل؛ لقوله تعالى: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (الأنعام:153) ولقوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31) ولقوله تعالى: ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)(الحشر: 7) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا، فهو رد))(251) ، وفي لفظ : (( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد)) (252)، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (( إياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل بدعة ضلالة))(253)، والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جداً أيضاً. وبناء على ذلك: فإن كل من تعبد لله تعالى عبادة غير مخلص فيها، فإنها باطلة، لفقد الإخلاص منها ، وكل من تعبد لله تعالى بشيء يقصد به التعبد ولم يرد به الشرع، فإن ذلك مردود عليه؛ لعدم المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبناء على هذه القاعدة العظيمة،أنه من شرط العبادة أن تكون خالصة لله موافقة لشريعته وهي التي اتبع فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم - فإن هناك أخطاء يفعلها بعض المسلمين في عباداتهم، وما دمنا نتحدث في موضوع الحج، وما دام السؤال الذي ورد منكم يطلب به بيان الأخطاء في الإحرام، فإني أود أن أبين شيئاً منها. فمن ذلك: ترك الإحرام من الميقات: فإن بعض الحجاج ولا سيما القادمون بطريق الجو، يدعون الإحرام من الميقات حتى ينزلوا إلى جدة، مع أنهم يمرون به من فوق، وقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت لأهلها، وقال: (( هن لأهلن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن))(254). وثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه لما شكا إليه أهل العراق أن قرن المنازل التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل نجد جور عن طريقهم، أي: بعيدة ومائلة عن الطريق، قال رضي الله عنه: انظروا إلي حذوها من طريقكم(255). وهذا يدل على أن محاذاة الميقات كالمرور به، والذي يأتي محاذياً للميقات من فوق بالطائرة كالمار به، فعليه أن يحرم إذا حاذى الميقات، ولا يجوز له أن يتعدى الميقات لينزل في جدة ويحرم منها. والطريق لتصحيح هذا الخطأ: أن يغتسل الإنسان في بيته أو في المطار، ويتأهب في الطائرة بلباس ثوب الإحرام، وخلع ثيابه المعتادة ، فإذا حاذى الميقات، أحرم منه، فلبى بما يريد أن يحرم به من عمرة أو حج، ولا يحل له أن يؤخر ذلك إلى جدة، فإن فعل فقد أخطأ ، وعليه - عند جمهور أهل العلم - فدية يذبحها في مكة، ويوزعها على الفقراء، لأنه ترك واجباً من الواجبات. الأمر الثاني مما يخطئ فيه بعض الناس: أن بعض الناس يعتقد أنه لابد أن يحرم بالنعلين، وأنه إذا لم يكن النعلان عليه حين الإحرام، فإنه لا يجوز له لبسهما وهذا خطأ ؛ فإن الإحرام في النعلين ليس بواجب ولا شرط، فالإحرام ينعقد بدون أن يكون عليه النعلان، ولا يمنع إذا أحرم من غير نعلين، لا يمنع أن يلبسهما فيما بعد، فله أن يلبس النعلين فيما بعد، وإن كان لم يحرم بهما. ولا حرج عليه في ذلك. الثالث: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يحرم بثياب الإحرام، وتبقى عليه إلى أن يحل من إحرامه، وأنه لا يحل له تبديل هذه الثياب، وهذا خطأ؛ فإن الإنسان المحرم يجوز له أن يغير ثياب الإحرام لسبب أو لغير سبب، إذا غيرها إلى شيء يجوز لبسه في الإحرام. ولا فرق في ذلك بين الرجال والنساء، فكل من أحرم بشيء من ثياب الإحرام وأراد أن يغيره، فله ذلك، لكن أحياناً يجب عليه تغييره؛ كما لو تنجس بنجاسة لا يمكن غسله إلا بخلعه، وأحياناً يكون تغييره أحسن إذا تلوث تلوثاً كثيراً بغير نجاسة، فينبغي أن يغيره إلى ثوب نظيف أو إلى ثوب إحرام نظيف، وتارة يكون الأمر واسعاً، إن شاء غير، وإن شاء بدل. المهم: أن هذا الاعتقاد غير صحيح، وهو أن يعتقد الحاج أنه إذا أحرم بثوب، لا يجوز له خلعه حتى يحل من إحرامه. الرابع: أن بعض الناس يضطبعون بالإحرام من حين الإحرام، أي: من حين عقد النية، والاضطباع: أن يخرج الإنسان كتفه الأيمن؛ ويجعل طرفي الرداء على كتفه الأيسر، فنرى كثيراً من الحجاج- إن لم يكن أكثر الحجاج- يضطبعون من حين أن يحرموا إلى أن يحلو؛ وهذا خطأ؛ لأن الاضطباع إنما يكون في طواف القدوم فقط، ولا يكون في السعي ولا فيما قبل الطواف. هذه من الأخطاء التي يخطئ فيها بعض الحجاج، وتلافي هذا كله أن يدعوا هذه الأخطاء ، وان يصححوا المسار على حسب ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم . هناك أيضاً خطأ زائد على ما قلت: وهو اعتقاد بعضهم أنه يجب أن يصلي ركعتين في الإحرام، وهذا خطأ أيضاً؛ فإنه لا يجب أن يصلي الإنسان ركعتين عند الإحرام، بل القول الراجح الذي ذهب إليه أبو العباس شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أنه لا يسن للإحرام صلاة خاصة، لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا اغتسل الإنسان ولبس ثياب الإحرام، أحرم بدون صلاة، إلا إذا كان وقت صلاة مثل أن تكون صلاة الفريضة قد حان وقتها أو قرب وقتها، وهو يريد أن يمكث في الميقات حتى يصلي، فهنا الأفضل أن يكون إحرامه بعد الصلاة، أما أن يتعمد صلاة معينة في الإحرام، فإن القول الراجح: أنه ليس للإحرام صلاة تخصه، هذا ما يحضرني الآن مما يخطئ فيه الناس عند الإحرام. |
#3
| ||
| ||
رد: فتاوى الحج للشيخ بن عثيمين أخطاء تقع في الإحرام بالحج يوم التروية السؤال (285): فضيلة الشيخ، بالنسبة للإحرام يوم التروية هل هناك أخطاء يرتكبها الحجاج؟ وما علاجها؟ الجواب: نعم، هناك أخطاء في الإحرام في الحج يوم التروية ، فمنها ما سبق ذكره من الأخطاء عند الإحرام بالعمرة، وهو أن بعض الناس يعتقد وجوب الركعتين للإحرام، وأنه لابد أن تكون ثياب الإحرام جديدة وأنه لابد أن يحرم بالنعلين، وأنه يضطبع بالرداء من حين إحرامه إلى أن يحل. ومن الأخطاء في إحرام الحج: أن بعض الناس يعتقد أنه يجب أن يحرم من المسجد الحرام، فتجده يتكلف ويذهب إلى المسجد الحرام ليحرم منه، وهذا ظن خطأ، فإن الإحرام من المسجد الحرام لا يجب ، بل السنة أن يحرم بالحج من مكانه الذي هو نازل فيه؛ لأن الصحابة الذين حلوا من إحرام العمرة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم أحرموا بالحج يوم التروية، لم يأتوا إلى المسجد الحرام ليحرموا منه، بل أحرم كل إنسان منهم من موضعه، وهذا في عهد النبي عليه الصلاة والسلام؛ فيكون هذا هو السنة، فالسنة للمحرم بالحج أن يكون إحرامه من المكان الذي هو نازل فيه، سواء كان في مكة أو في منى، كما يفعله بعض الناس الآن حيث يتقدمون إلى منى من أجل حماية الأمكنة لهم. ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الحجاج يظن أنه لا يصح أن يحرم بثياب الإحرام التي أحرم بها في عمرته إلا أن يغسلها ، وهذا ظن خطأ أيضاً، لأن ثياب الإحرام لا يشترط أن تكون جديدة أو نظيفة، صحيح أنه كلما كانت أنظف فهو أولى، وأما أنه لا يصح الإحرام بها لأنه أحرم بها في العمرة، فإن هذا ظن ليس بصواب، هذا ما يحضرني الآن بالنسبة للأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإحرام بالحج. أخطاء تقع في التلبية السؤال(286): فضيلة الشيخ، إذا انتقلنا من الإحرام، فهل هناك أخطاء تقع من الحجاج بعد الإحرام وما هي؟ الجواب: هناك أخطاء في الواقع تكون بعد الميقات، أو بعد الإحرام من الميقات إلى الوصول إلى المسجد الحرام، وذلك في التلبية؛ فإن المشروع في التلبية: أن يرفع الإنسان صوته بها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أتاني جبريل ، فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال ))(256) ، يعني بالتلبية ، ونرى أفواج الحجيج تمر بأعداد ضخمة لا نسمع أحداً يلبي، فلا يكون للحج مظهر في ذكر الله عز وجل، بل إنه تمر بك الأفواج وكأنهم لا ينطقون، والمشروع للرجال أن يرفعوا أصواتهم بقدر ما يستطيعون من غير مشقة في التلبية؛ لأن الصحابة كانوا يفعلون هكذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، امتثالاً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ كما أشرنا إليه آنفاً. وخطأ آخر في التلبية : أن بعض الحجاج يلبون بصوت جماعي، فيتقدم واحد منهم أو يكون في الوسط أو في الخلف، ويلبي ثم يتبعونه بصوت واحد، وهذا لم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم، ، بل قال أنس بن مالك: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم _ يعني في حجة الوداع- فمنا المكبر، ومنا المهلل، ومنا الملبي، وهذا هو المشروع للمسلمين؛ أن يلبي كل واحد بنفسه، وألا يكون له تعلق بغيره. أخطاء تقع عند دخول الحرم السؤال (287): فضيلة الشيخ، بقي علينا أن نعرف- أثابكم الله- الأخطاء التي تأتي عند دخول الحرم؟ الجواب: من الأخطاء التي تكون من بعض الحجاج عند دخول المسجد الحرام: أولاً: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يدخل الحاج أو المعتمر من باب معين في المسجد الحرام ، فيرى بعض مثلاً أنه لابد أن يدخل إذا كان معتمراً من الباب الذي يسمى باب العمرة، وأن هذا أمر لابد منه أو أمر مشروع، ويرى آخرون أنه لابد أن يدخل من باب السلام، وأن الدخول من غيره يكون إثماً أو مكروهاً، وهذا لا أصل له، فللحاج والمعتمر أن يدخل من أي باب كان. وإذا دخل المسجد، فليقدم رجله اليمنى، وليقل ما ورد في الدخول لسائر المساجد، فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (( اللهم، اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك))(257). ثانياً: أن بعض الناس يبتدع أدعية معينة عند دخول المسجد ورؤية البيت، يبتدع أدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو الله بها، وهذا من البدع، فإن التعبد لله تعالى بقول أو فعل أو اعتقاد لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدعة وضلالة، حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثالثاً: يخطئ بعض الناس- حتى من غير الحجاج- حيث إنهم يعتقدون أن تحية المسجد الحرام: الطواف، بمعنى أنه يسن لكل من دخل المسجد الحرام أن يطوف اعتماداً على قول بعض الفقهاء في ذلك: إن سنة المسجد الحرام الطواف، والواقع أن الأمر ليس كذلك؛ فالمسجد الحرام كغيره من المساجد التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إذا دخل أحدكم المسجد، فليركع ركعتين قبل أن يجلس ))(258) ، ولكن إذا دخلت المسجد الحرام للطواف سواء كان الطواف طواف نسك كطواف العمرة والحج، أو كان طواف تطوع كالأطوفة في غير النسك ، فإنك يجزئك أن تطوف وإن لم تصل ركعتين. هذا هو معنى قولنا: إن المسجد الحرام تحيته الطواف، وعلى هذا فإذا دخلت بغير نية الطواف ولكن لانتظار الصلاة او لحضور مجلس علم أو ما أشبه ذلك، فإن المسجد الحرام كغيره ، يسن فيه أن تصلي ركعتين قبل أن تجلس ؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. هذا الذي يحضرني الآن فيما يخطئ فيه الناس عند دخول المسجد الحرام. أخطاء تقع في الطواف السؤال (288): فضيلة الشيخ، إذا دخل الحاج أو المعتمر أو غيرهما الحرم وأراد أن يطوف ، لا شك أنه يقع هناك بعض الأخطاء ، حبذا لو بينتم هذه الأخطاء التي تقع في الطواف؟ الجواب: في الطواف أيضاً أخطاء كثيرة، تقع من بعض الحجاج أو غير الحجاج. فمنها: النطق بالنية عند إرادة الطواف، تجد الحاج يقف مستقبل الحجر إذا أراد الطواف فيقول: اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للعمرة، أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج أو: اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقرباً إليك، وما أشبهها. والتلفظ بالنية بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، ولم يأمر أمته به، وكل من تعبد لله تعالى بأمر لم يتعبد به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يأمر أمته به، فقد ابتدع في دين الله ما ليس منه، فالتلفظ بالنية عند الطواف خطأ وبدعة. وكما أنه خطأ من ناحية الشرع فهو خطأ من ناحية العقل، فما الداعي إلى أن تتلفظ بالنية مع أن النية بينك وبين ربك، والله سبحانه وتعالى عالم بما في الصدور، وعالم بأنك سوف تطوف هذا الطواف، وإذا كان الله سبحانه وتعالى عالماً بذلك فلا حاجة أن تظهر هذا لعباد الله، فإن قلت: أنا أقوله بلساني ليطابق ما في قلبي، قلنا: العبادات لا تثبت بالأقيسة، والنبي عليه الصلاة والسلام قد طاف قبلك ولم يتكلم بالنية عند طوافه، والصحابة رضي الله عنهم قد طافوا قبلك ولم يتكلموا بالنية عند طوافهم، ولا عند غيره من العبادات؛ فهذا خطأ. الخطأ الثاني: أن بعض الطائفين يزاحم مزاحمة شديدة عند استلام الحجر والركن اليماني، مزاحمة يتأذى بها ويؤذي غيره، مزاحمة قد تكون مع امرأة ، وربما ينزغه من الشيطان نزغ، فتحصل في قلبه شهوة في هذا المقام الضنك، والإنسان بشر قد تستولي عليه النفس الأمارة بالسوء، فيقع في هذا الأمر المنكر تحت بيت الله عز وجل، وهذا أمر يكبر ويعظم باعتبار مكانه؛ كما أنه فتنة في أي مكان كان. والمزاحمة الشديدة عند استلام الحجر أو الركن اليماني ليست بمشروعة ، بل إن تيسر لك بهدوء فذلك المطلوب، وإن لم يتيسر فإنك تشير إلى الحجر الأسود. أما الركن اليماني: فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه، ولا يمكن قياسه على الحجر الأسود أعظم منه، والحجر الأسود لأن الحجر الأسود ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أشار إليه(259). والمزاحمة كما أنها غير مشروعة في هذه الحال، وكما أنه يخشى من الفتنة فيما إذا كان الزحام مع امرأة - فهي أيضاً تحدث تشويشاً في القلب والفكر؛ لأن الإنسان لابد عند المزاحمة من أن يسمع كلاماً يكرهه، أو يسمع هو كلاماً يكرهه ويتندم عليه؛ فتجده يشعر بامتعاض وغضب على نفسه إذا فارق هذا المحل. والذي ينبغي للطائف أن يكون دائماً في هدوء وطمأنينة ، من أجل أن يستحضر ما هو متلبس به من طاعة الله، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (( إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله))(260). الخطأ الثالث مما يقع في الطواف: أن بعض الناس يظنون أن الطواف لا يصح بدون تقبيل الحجر، وأن تقبيل الحجر شرط لصحة الطواف، ولصحة الحج أيضاً أو العمرة، وهذا ظن خطأ، وتقبيل الحجر سنة، وليست سنة مستقلة أيضاً، بل هي سنة للطائف ، ولا أعلم أن تقبيل الحجر يسن في غير الطواف، وعلى هذا: فإذا كان تقبيل الحجر سنة وليس بواجب ولا بشرط ، فإن من لم يقبل الحجر لا نقول له: إن طوافه غير صحيح، أو إن طوافه ناقص نقصاً يأثم به، بل طوافه صحيح، بل نقول: إنه إذا كان هناك مزاحمة شديدة، فإن الإشارة أفضل من الاستلام؛ لأنه هو العمل الذي فعله الرسول عليه الصلاة والسلام عند الزحام، ولأن الإنسان يتقي به أذى يكون منه لغيره، أو يكون من غيره له. فلو سألنا سائل وقال: إن المطاف مزدحم فما ترون ، هل الأفضل أن أزاحم فاستلم الحجر وأقبله ، أم الأفضل أن أشير إليه؟ قلنا: الأفضل أن تشير إليه؛ لأن السنة هكذا جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم . الرابع من الأخطاء التي يفعلها بعض الطائفين: تقبيل الركن اليماني، وتقبيل الركن اليماني لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي بدعة وليست بقربة ؛ وعلى هذا فلا يشرع للإنسان أن يقبل الركن اليماني؛ لأن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنما ورد فيه حديث ضعيف لا تقوم به الحجة. وكذلك أيضاً: نجد بعض الناس عندما يمسح الحجر الأسود أو الركن اليماني يمسحه بيده اليسرى كالمتهاون به، وهذا خطأ؛ فإن اليد اليمنى أشرف من اليد اليسرى، واليد اليسرى لا تقدم إلا للأذى؛ كالاستنجاء بها، والاستجمار بها، والامتخاط بها، وما أشبه ذلك، وأما مواضع التقبيل والاحترام، فإنه يكون لليد اليمنى. الخامس من الأخطاء التي يرتكبها بعض الطائفين: أنهم يظنون أن استلام الحجر والركن اليماني للتبرك لا للتعبد، فيتمسحون به تبركاً؛ وهذا بلا شك خلاف ما قصد به؛ فإن المقصود بالتمسح بالحجر الأسود أو بمسحه وتقبيله : تعظيم الله عز وجل؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال : (( الله أكبر)) ، إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل، وليس المقصود التبرك بمسح هذا الحجر، قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: والله إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك، ما قبلتك(261)، هذا الظن الخاطئ من بعض الناس، وهو أنهم يظنون أن المقصود بمسح الركن اليماني والحجر الأسود التبرك، أدى ببعضهم إلى أن يأتي بابنه الصغير فيمسح الركن أو الحجر بيده ثم يمسح ابنه الصغير أو طفله بيده التي مسح بها الحجر أو الركن اليماني ، وهذا من الاعتقاد الفاسد الذي يجب أن ينهى عنه ، وأن يبين للناس أن مثل هذه الأحجار لا تضر ولا تنفع ، وأن المقصود بمسحها: تعظيم الله عز وجل ، وإقامة ذكره ، والاقتداء برسوله صلى الله عليه وسلم . وننتقل من هذا إلى خطأ يقع أيضاً في المدينة المنورة عند حجرة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كان بعض العامة يتمسحون بالشباك الذي على الحجرة، ويمسحون به بأيديهم ووجوههم ورؤوسهم وصدورهم ؛ اعتقاداً منهم أن في هذا بركة، وكل هذه الأمور وأمثالها مما لا شرعة فيه، بل هو بدعة ولا ينفع صاحبه بشيء، لكن إن كان صاحبه جاهلاً، ولم يطرأ على باله أنه من البدع، فيرجى أن يعفى عنه، وإن كان عالماً أو متهاوناً لم يسأل عن دينه، فإنه يكون آثما ، فالناس في هذه الأمور التي يفعلونها: إما جاهل جهلاً مطبقاً لا يطرأ بباله أن هذا محرم؛ فهذا يرجى أن لا يكون عليه شيء، وإما عالم متعمد ليَضل ويُضل الناس؛ فهذا آثم بلا شك، وعليه إثم من تبعه واقتدى به، وإما رجل جاهل ومتهاون في سؤال أهل العلم، فيخشى أن يكون آثماً بتفريطه وعدم سؤاله. أخطاء تقع في الطواف ( تتمة) السؤال (289) : فضيلة الشيخ، كنا نتحدث عن الأخطاء التي تقع من الحجاج في الطواف وأخذنا طرفاً منها، فهل لنا أن نسمع البقية؟ الجواب: هناك أخطاء أخرى يفعلها بعض الحجاج في الطواف غير التي سبق أن ذكرنا: منها: الرمل في جميع الأشواط: مع أن المشروع أن يكون الرمل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما رمل هو وأصحابه في الأشواط الثلاثة الأولى فقط، وأما الأربعة الباقية فيمشي على ما هو عليه، على عادته ، وكذلك الرمل لا يكون إلا للرجال، وفي الطواف أول ما يقدم إلى مكة، سواء كان ذلك طواف قدوم أو طواف عمرة. ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس يخصص كل شوط بدعاء معين، وهذا من البدع التي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخص كل شوط بدعاء، ولا أصحابه أيضاً، وغاية ما في ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: 201) ، وقال عليه الصلاة والسلام: (( إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار، لإقامة ذكر الله))(262). وتزداد هذه البدع خطأ، إذا حمل الطائف كتيباً، كتب فيه لكل شوط دعاء وهو يقرأ هذا الكتيب، ولا يدري ماذا يقول؛ إما لكون جاهلاً باللغة العربية،ولا يدري ما المعنى، وإما لكونه عربياً ينطق باللغة العربية ولكنه لا يدرى ما يقول، حتى إننا نسمع بعضهم يدعو بأدعية هي في الواقع محرفة تحريفاً بيناً، من ذلك أننا سمعنا من يقول: اللهم أغنني بحلالك عن حرامك، والصواب: بحلالك عن حرامك. ومن ذلك : أننا نشاهد بعض الناس يقرأ هذا الكتيب، فإذا انتهى دعاء الشوط، وقف ولم يدع في بقية شوطه، وإذا كان المطاف خفيفاً، وانتهى الشوط قبل انتهاء الدعاء، قطع الدعاء. ودواء ذلك: أن نبين للحجاج، بأن الإنسان في الطواف يدعو بماء شاء، وبما أحب، ويذكر الله تعالى بما شاء ، فإذا بين للناس هذا زال الإشكال. ومن الأخطاء أيضاً، وهو خطأ عظيم جداً: أن بعض الناس يدخل في الطواف من باب الحجر، أي: المحجر الذي على شمال الكعبة، يدخل من باب الحجر، ويخرج من الباب الثاني في أيام الزحام ، يرى أن هذا أقرب وأسهل؛ وهذا خطأ عظيم؛ لأن الذي يفعل ذلك لا يعتبر طائفاً بالبيت، والله تعالى يقول: ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(الحج: 29)، والنبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من وراء الحجر، فإذا طاف الإنسان من داخل الحجر ، فإنه يعتبر طائفاً بالبيت، فلا يصح طوافه، وهذه مسألة خطيرة، لا سيما إذا كان الطواف ركناً؛ كطواف العمرة، وطواف الإفاضة. ودواء ذلك: أن نبين للحجاج أنه لا يصح الطواف إلا بجميع البيت، ومنه الحجر. وبهذه المناسبة أود أن أبين أن كثيراً من الناس يطلقون على هذا الحجر اسم ( حجر إسماعيل) والحقيقة : أن إسماعيل لا يعلم به، وأنه ليس حجراً له، وإنما هذا الحجر حصل حين قصرت النفقة على قريش، حين أرادوا بناء الكعبة، فلم تكف النفقة لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم، فحطموا منها هذا الجانب، وحجروه بهذا الجدار، وسمي حطيماً وحجراً، وإلا فليس لإسماعيل فيه أي علم أو أي عمل. ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس لا يلتزم بجعل الكعبة عن يساره ، فتجده يطوف معه نساؤه، ويكون قد وضع يده مع يد زميله لحماية النساء، فتجده يطوف والكعبة خلف ظهره، وزميله الآخر يطوف والكعبة بين يديه ، وهذا خطأ عظيم أيضاً؛ لأن أهل العلم يقولون: من شرط صحة الطواف أن يجعل الكعبة عن يساره، فإذا جعلها خلف ظهره، أو جعلها أمامه، أو جعلها عن يمينه وعكس الطواف ، فكل هذا طواف لا يصح ، والواجب على الإنسان أن يعتني بهذا الأمر، وأن يحرص على أن تكون الكعبة عن يساره في جميع طوافه. .ومن الناس: من يتكيف في طوافه حال الزحام، فيجعل الكعبة خلف ظهره أو أمامه لبضع خطوات من أجل الزحام، وهذا خطأ، فالواجب على المرء أن يحتاط لدينه، وأن يعرف حدود الله تعالى في العبادة قبل أن يتلبس بها، حتى يعبد الله تعالى على بصيره، وإنك لتعجب أن الرجل إذا أراد أن يسافر إلى بلد يجهل طريقها، فإنه لا يسافر إليها حتى يسأل ويبحث عن هذا الطريق، وعن الطريق السهل، ليصل إليها براحة وطمأنينة ، وبدون ضياع أو ضلال، أما في أمور الدين، فإن كثيراً من الناس مع الأسف يتلبس بالعبادة وهو لا يدري حدود الله تعالى فيها، وهذا من القصور ، بل من التقصير ، نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الهداية، وأن يجعلنا ممن يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله. ومن الأخطاء في الطواف أيضاً: أن بعض الطائفين يستلم جميع أركان الكعبة الأربعة: الحجر الأسود، والركن اليماني، والركن الشامي، والركن العراقي ، يزعمون أنهم بذلك يعظمون بيت الله عز وجل، بل من الناس من يتعلق بأستار الكعبة من جميع الجوانب، وهذا أيضاً من الخطأ. وذلك لأن المشروع : استلام الحجر الأسود وتقبيله إن أمكن ، وإلا فالإشارة إليه. أما الركن اليماني : فالمشروع استلامه بدون تقبيل إن تيسر، وإن لم يتيسر ، فلا يشير إليه أيضاً؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم . أما استلام الركن العراقي، وهو أول ركن يمر به بعد الحجر الأسود، والشامي، وهو الركن الذي يليه ، فهذا من البدع ، وقد أنكر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما استلام جميع الأركان ، وقال له: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الركنين اليمانيين ، وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، فقال معاوية رضي الله عنه: صدقت. ورجع إلى قول ابن عباس، بعد أن كان رضي الله عنه يستلم الأركان الأربعة ويقول: ليس شيء من البيت مهجوراً(263) ومن الأخطاء في الطواف : رفع الصوت بالدعاء؛ فإن بعض الطائفين يرفع صوته بالدعاء رفعاً مزعجاً، يذهب الخشوع ، ويسقط هيبة البيت، ويشوش على الطائفين، والتشويش على الناس في عباداتهم أمر منكر؛ فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات ليلة وهم يقرؤون ويجهرون بالقراءة في صلاتهم، فأخبرهم عليه الصلاة والسلام بأن كل مصل يناجي ربه، ونهاهم أن يجهر بعضهم على بعض في القرآن أو في القراءة، قال: (( لا يؤذين بعضكم بعضاً))(264). ولكن بعض الناس- نسأل الله لنا ولهم الهداية - في المطاف يدعون ويرفعون أصواتهم بالدعاء، وهذا كما أن فيه المحذورات التي ذكرناها، وهي إذهاب الخشوع، وسقوط هيبة البيت، والتشويش على الطائفين؛ فهو مخالف لظاهر قوله تعالى: (ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (الأعراف:55) . هذه الأخطاء التي سقناها في الطواف نرجو الله سبحانه وتعالى أن يهدي إخواننا المسلمين لإصلاحها، حتى يكون طوافهم موافقاً لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وليس الدين يؤخذ بالعاطفة والميل، ولكنه يؤخذ بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن الأخطاء العظيمة في الطواف: أن بعض الناس يبتدئ من عند باب الكعبة، لا يبتدئ من الحجر الأسود، والذي يبتدئ من عند باب الكعبة، ويتم طوافه على هذا الأساس ، لا يعتبر متما للطواف؛ لأن الله يقول: ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)(الحج: 29)،وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم من الحجر الأسود، وقال للناس: (( لتأخذوا عني مناسككم))(265). وإذا ابتدأ من عند الباب أو من دون محاذاة الحجر الأسود ولو بقليل ، فإن هذا الشوط الأول الذي ابتدأه يكون لاغياً؛ لأنه لم يتم، وعليه أن يأتي ببدله إن ذكر قريباً، وإلا فليعد الطواف من أوله. والحكومة السعودية- وفقها الله- قد وضعت خطا بنيا ينطلق من حذاء قلب الحجر الأسود إلى آخر المطاف، ليكون علامة على ابتداء الطواف، والناس من بعد وجود هذا الخط صار خطؤهم في هذه الناحية قليلاً، لكنه يوجد من بعض الجهال، وعلى كل حال فعلى المرء أن ينتبه لهذا الخطأ، لئلا يقع في خطر عظيم من عدم تمام طوافه. السؤال (290) بعض الحجاج إذا جاء إلى هذا الخط الذي وضع علامة على ابتداء الطواف، وقف طويلاً، وحجر على إخوانه أن يستمروا في الطواف، فما حكم الوقوف على هذا الخط والدعاء الطويل؟ الجواب: الوقوف عند هذا الخط لا يحتمل وقوفاً طويلاً، بل يستقبل الإنسان الحجر ويشير إليه ويكبر ويمشي، وليس هذا موقفاً يطال فيه الوقوف، لكني أرى بعض الناس يقفون ويقولن: نويت أن أطوف لله تعالى سبعة أشواط، طواف العمرة ، أو تطوعاً، أو ما أشبه ذلك، وهذا يرجع إلى الخطأ في النية، وقد نبهنا عليه، وأن التكلم بالنية في العبادات بدعة، لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه، وأنت تعمل العبادة لله سبحانه وتعالى، وهو عالم بنيتك فلا يحتاج إلى أن تجهر بها. أخطاء تقع في ركعتي الطواف السؤال (291): فضيلة الشيخ، سألنا عن الأخطاء التي تقع من بعض الحجاج في الإحرام، ودخول الحرم، والطواف ، وبقي علينا ركعتا الطواف، هل هناك أخطاء في هاتين الركعتين يقع فيها الحجاج ينبغي التنبيه عليها؟ الجواب: بقي علينا أخطاء يقع فيها الحجاج في ركعتي الطواف وفي غيرها أيضاً،فمن الأخطاء : أن بعض الناس يظنون أن هاتين الركعتين لابد أن تكونا خلف المام وقريباً منه أيضاً ولهذا تجدهم يزاحمون زحاماً شديداً، يؤذون الطائفين ، وهم ليس لهم حق في هذا المكان، لأن الطائفين أحق به منهم، ما دام المطاف مزدحماً؛ لأن الطائفين ليس لهم مكان سوى هذا ، وأما المصلون للركعتين بعد الطواف، فلهم مكان آخر، المهم أننا نجد بعض الناس - نسأل الله لنا ولهم الهداية - يتحلقون خلف المقام، ويشغلون مكاناً كبيراً، واسعاً من أجل رجل واحد أو امرأة واحدة تصلي خلف المقام، ويحصل في ذلك من قطع الطواف للطائفين وازدحامهم؛ لأنهم يأتون من مكان واسع، ثم يضيق بهم المكان هنا من أجل هذه الحلقة التي تحلق بها هؤلاء ، فيحصل بذلك ضنك وضيق، وربما يحصل مضاربة ومشاتمة، وهذا كله إيذاء لعباد الله عز وجل، وتحجر لمكان غيرهم به أولى، وهذا الفعل لا يشك عاقل عرف مصادر الشريعة ومواردها أنه محرم، وأنه لا يجوز؛ لما فيه من إيذاء المسلمين، وتعريض طواف الطائفين للفساد أحياناً، لأن الطائفين أحياناً باشتباكهم مع هؤلاء ، يجعلون البيت إما خلفهم وإما أمامهم ، مما يخل بشرط من شروط الطواف، فالخطأ هنا أن بعض الناس يعتقد أنه لابد أن تكون الركعتان خلف المقام وقريباً منه، والأمر ليس كما ظن هؤلاء ، فالركعتان تجزئان في كل مكان من المسجد، ويمكن للإنسان أن يجعل المقام بينه وبين البيت،أي: بينه وبين الكعبة ولو كان بعيداً منه، ويكون بذلك قد حقق السنة، من غير إيذاء للطائفين ولا لغيرهم. ومن الأخطاء في هاتين الركعتين: أن بعض الناس يطولهما، يطيل القراءة فيهما، ويطيل الركوع والسجود، والقيام والقعود، وهذا مخالف للسنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف هاتين الركعتين، ويقرأ في الأولى : (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (الكافرون:1) وفي الثانية: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الاخلاص:1)، وينصرف من حين أن يسلم ، تشريعاً للأمة، ولئلا يحجز المكان عمن هو أحق به منه، فإن هذا المكان إنما يكون للذين يصلون ركعتين خلفه بعد الطواف، أو للطائفين إن ازدحم المطاف، ولهذا يخطئ بعض الناس الذين يطيلون الركعتين خلف المقام، لمخالفتهم السنة، وللتضييق على إخوانهم من الطائفين إذا كان الطواف مزدحماً، ولاحتجاز المكان الذي غيرهم أولى به، ممن أتموا طوافهم ويريدون أن يصلوا ركعتين خلف المقام. ومن الأخطاء أيضاً في هاتين الركعتين : أن بعض الناس إذا أتمهما ، جعل يدعو؛ يرفع يديه، ويدعو دعاء طويلاً، والدعاء بعد الركعتين هنا ليس بمشروع؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولا أرشد أمته إليه، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فلا ينبغي للإنسان أن يبقى بعد الركعتين ليدعو؛ لأن ذلك خلاف السنة،ولأنه يؤذي الطائفين إذا كان الطواف مزدحماً، ولأنه يحجز مكاناً غيره أولى به ممن أتموا الطواف وأردوا أن يصلوا في هذا المكان. ومن البدع أيضاً هنا : ما يفعله بعض الناس حيث يقوم عند مقام إبراهيم ، ويدعو دعاء طويلاً، يسمى دعاء المقام، وهذا الدعاء لا أصل له أبداً في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فهو من البدع التي ينهى عنها، وفيه مع كونه بدعه- وكل بدعة ضلالة- أن بعض الناس يمسك كتاباً فيه هذا الدعاء ، ويبدأ يدعو به بصوت مرتفع ويؤمن عليه من خلفه، وهذا بدعة إلى بدعة، وفيه أيضاً تشويش على المصلين حول المقام ، والتشويش على المصلين سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه. وكل هذه الأخطاء التي ذكرناها في الركعتين وبعدهما، تصويبها أن الإنسان يتمشى في ذلك على هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، فإذا تمشينا عليه، زالت عنا هذه الأخطاء كلها حكم الدعاء بعد النافلة، ومسح الوجه السؤال (292): فضيلة الشيخ، ذكرتم من الأخطاء في ركعتي الطواف أن يدعو الإنسان بعد الركعتين، وهناك أيضاً من يدعو طويلاً ثم يمسح وجهه، فهل هذا خاص بركعتي الطواف، أو يعم في جميع السنن التي يصليها الإنسان؟ الجواب: في سؤالك هذا مسألتان: المسألة الأولى: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء. والمسألة الثانية: الدعاء بعد النافلة. أما الأولى- وهي: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء -: فإنه وردت فيه أحاديث ضعيفة اختلف فيها أهل العلم. فذهب شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله : إلى أن هذه الأحاديث لا تقوم بها حجة؛ لأنها ضعيفة مخالفة لظاهر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما؛ فإنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء بأحاديث صحيحة، وأنه رفع يديه في ذلك، ولم يذكر أنه مسح بهما وجهه، وهذا يدل على أنه لم يفعله؛ لأنه لو فعله لتوافرت الدواعي على نقله ونقل، وممن رأى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقال: إن مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء بدعة. ومن العلماء: من يرى أن هذه الأحاديث الضعيفة بمجموعها ترتقي إلى درجة الحسن لغيره، أي: درجة الحديث الحسن لغيره، ولأن الطرق الضعيفة إذا كثرت على وجه ينجبر بعضها ببعض، صارت من قسم الحسن لغيره، ومن هؤلاء ابن حجر العسقلاني في (( بلوغ المرام)). والذي يظهر لي: أن الأولى عدم المسح، أي: عدم مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء، لأنه وإن قلنا: إن هذا الحديث بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره، فإنه يبقى متنه شاذاً، لأنه مخالف للظاهر من الأحاديث الصحيحة التي وردت بكثرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء، ولم يرد أنه مسح بهما وجهه. وعلى كل حال: فلا أتجاسر على القول بأن ذلك بدعة، ولكني أرى أن الأفضل أن لا يمسح ، ومن مسح فلا ينكر عليه؛ هذا بالنسبة للفقرة الأولى من سؤالك. أما بالنسبة للثانية - وهي الدعاء بعد النافلة - فإن الدعاء بعد النافلة إن اتخذه الإنسان سنة راتبة، بحيث يعتقد أنه يشرع كلما سلم من نافلة أن يدعو، فهذا أخشى أن يكون بدعة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام، فما أكثر ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم النفل، ولم يرد عنه أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بعده، ولو كان هذا من المشروع ، لسنه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، إما بقوله أو بفعله أو بإقراره. ثم إنه ينبغي أن يعلم: أن الإنسان ما دام في صلاته، فإنه يناجي ربه، فكيف يليق بالإنسان أن يدع الدعاء في الحال التي يناجي فيها ربه، ثم يأخذ في التضرع بعد انصرافه من صلاته وانقطاع مناجاته لله عز وجل في صلاته، فكان الأولى والأجدر بالإنسان أن يجعل الدعاء قبل السلام ما دام في الحال التي يناجي فيها ربه، وهذا المعنى أشار إليه شيخ الإسلام ابن تيمية وهو معنى حسن جيد ، فإذا أردت أيها الأخ المسلم أن تدعو الله عز وجل فاجعل دعاءك قبل السلام ، لأن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في حديث عبد الله بن مسعود حين ذكر التشهد قال: (( ثم يتخير من الدعاء ما شاء ))(266) ، ولأنه أليق بحال الإنسان، لما أسلفنا من كونه في حال صلاته يناجي ربه. أخطاء تقع في الطريق إلى المسعى، وفي المسعى السؤال (293) : فضيلة الشيخ، وصلنا في أسئلتنا عن الأخطاء التي تقع في الحج إلى الأخطاء التي تقع في ركعتي الطواف، وما يكون فيها أيضاً من دعاء وإطالة، وما إلى ذلك، الآن نريد أن نعرف الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج أو يقعون فيها عند الخروج إلى المسعى ، وفي المسعى ، وفي الأدعية التي تقال فيه؟ الجواب: أما بالنسبة للأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في المسعى فيحضرني منها الأخطاء التالية: الأول: النطق بالنية، فإن بعض الحجاج إذا أقبل على الصفا قال: إني نويت أن أسعى سبعة أشواط لله تعالى، ويعين النسك الذي يسعى فيه، يقول ذلك أحياناً إذا أقبل على الصفا ، وأحياناً إذا صعد إلى الصفا، وقد سبق أن النطق بالنية من البدع ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية لا سراً ولا جهراً، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها))(267) وهذا الخطأ يتلافى بأن يقتصر الإنسان على ما في قلبه من النية، وهو إنما ينوي لله عز وجل، والله تعالى عليم بذات الصدور. الخطأ الثاني: أن بعض الناس إذا صعد إلى الصفا واستقبل القبلة ، جعل يرفع يديه ويشير بهما كما يفعل ذلك في تكبيرات الصلاة ، صلاة الجنازة ، أو عند تكبيرات الإحرام والركوع والرفع منه، أو القيام من التشهد الأول، يرفعها هكذا إلى حذو المنكبين ويشير، وهذا خطأ، فإن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أنه رفع يديه وجعل يدعو، وهذا يدل على أن رفع اليدين هنا رفع دعاء، وليس رفعاً كرفع التكبير، وعليه فينبغي للإنسان إذا صعد الصفا أن يتجه إلى القبلة ، ويرفع يديه للدعاء، ويأتي بالذكر الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام، ويدعو كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . الخطأ الثالث: أن بعض الحجاج يمشي بين الصفا والمروة مشياً واحداً، مشيه المعتاد، ولا يلتفت إلى السعي الشديد بين العلمين الأخضرين، وهذا خلاف السنة، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسعى سعياً شديداً في هذا المكان، أعني : في المكان الذي بين العلمين الأخضرين، وهما إلى الصفا أقرب منهما إلى المروة، فالمشروع للإنسان إذا وصل إلي العلم الأخضر الأول الذي يلي الصفا: أن يسعى سعياً شديداً بقدر ما يتحمله ، بشرط ألا يتأذى ولا يؤذي أحداً بذلك، وهذا إنما يكون حينما يكون المسعى خفيفاً، فيسعى بين هذين العلمين ثم يمشي إلى المروة مشيه المعتاد ، هذه في السنة. الخطأ الرابع: على العكس من ذلك؛ فإن بعض الناس إذا كان يسعى تجده يرمل في جميع السعى، من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا ، فيحصل في ذلك مفسدتان أو أكثر: المفسدة الأولى: مخالفة السنة. والمفسدة الثانية: المشقة على نفسه؛ فإن بعض الناس يجد مشقة شديدة في هذا العمل؛ لكنه يتحمل بناء على أن ذلك هو السنة، فتجده يرمل من الصفا إلى المروة، ومن المروة إلى الصفا، وهكذا حتى ينهي سعيه. ومن الناس: من يفعل ذلك لا تحرياً للخير، ولكن حبا للعجلة، وإنهاء للسعي بسرعة، وهذا شر مما قبله ؛ لأن هذا ينبئ عن تبرم الإنسان بالعبادة، وملله منها، وحبة الفرار منها، والذي ينبغي للمسلم أن يكون قلبه مطمئنا، وصدره منشرحاً بالعبادة ، يحب أن يتأنى فيها على الوجه المشروع الذي جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أما أن يفعلها وكأنه يريد الفرار منها، فهذا دليل على نقص إيمانه ، وعدم اطمئنانه بالعبادة. والمفسدة الثالثة من الرمل في جميع أشواط السعي: أنه يؤذي الساعين، فأحياناً يصطدم بهم ويؤذيهم، وأحياناً يكون مضّيقاً عليهم وزاحماً لهم، فيتأذون بذلك ، فنصيحتي لإخواني المسلمين في هذا المقام: أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن هديه خير الهدي، وأن يمشوا في جميع الأشواط إلا فيما بين العلمين، فإنهم يسعون سعياً شديداً؛ كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ما لم يتأذوا بذلك أو يؤذوا غيرهم. الخطأ الخامس: أن بعض الناس يتلو قوله تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(البقرة: من الآية158) في كل شوط، كلما أقبل على الصفا، وكلما أقبل على المروة، وهذا خلاف السنة ؛ فإن السنة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في تلاوة هذه الآية أنه تلاها حين دنا من الصفا بعد أن أتم الطواف وركعتي الطواف وخرج إلى المسعى ، فلما دنا من الصفا قرأ : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(ابدأ بما بدأ الله به))(268) إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أنه إنما جاء ليسعى ؛ لأن هذا من شعائر الله عز وجل، وأنه إنما بدأ من الصفا؛ لأن الله تعالى بدأ به، فتكون تلاوة هذه الآية مشروعة عند ابتداء السعي ، إذا دنا من الصفا وليست مشروعة كلما دنا من الصفا في كل شوط ، ولا كلما دنا من المروة ، وإذا لم تكن مشروعة فلا ينبغي للإنسان أن يأتي بها إلا في الموضع الذي أتى بها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم . الخطأ السادس: أن بعض الذين يسعون يخصصون كل شوط بدعاء معين، وقد سبق أن هذا من البدع، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يخصص كل شوط بدعاء معين لا في الطواف ولا في السعي أيضاً، وإذا كان هذا من البدع ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( كل بدعة ضلالة))(269). وعليه: فاللائق بالمؤمن أن يدع هذه الأدعية، وأن يشتغل بالدعاء الذي يرغبه ويريده، يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة، ويذكر الله، ويقرأ القرآن، وما أشبه ذلك من الأقوال المقربة إلى الله سبحانه وتعالى؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( إنما جعل الطواف بالبيت، وبالصفا والمروة، ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله))(270) الخطأ السابع: الدعاء من كتاب لا يعرف معناه؛ فإن كثيراً من الكتب التي يأيدي الحجاج لا يعرف معناها، بالنسبة لحاملها، وكأنهم يقرؤونها تعبداً لله تعالى بتلاوة ألفاظها؛ لأنهم لا يعرفون المعنى، ولا سيما إذا كانوا غير عالمين باللغة العربية، وهذا من الخطأ أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء لا تعرف معناه. والمشروع لك: أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء تعرف معناه، وترجو حصوله من الله عز وجل؛ وعليه: فالدعاء بما تريده أنت، بالصيغة التي تريدها ولا تخالف الشرع؛ أفضل بكثير من الدعاء بهذه الأدعية التي لا تعرف معناها، وكيف يمكن لشخص أن يسأل الله تعالى شيئاً وهو لا يدري ماذا يسأله؟! وهل هذا إلا من إضاعة الوقت والجهل ولو شئت لقلت : إن هذا من سوء الأدب مع الله عز جل؛ أن تدعو الله سبحانه وتعالى بأمر لا تدري ما تريد منه!! الخطأ الثامن: البداءة بالمروة؛ فإن بعض الناس يبدأ بالمروة جهلاً منه يظن أن الأمر سواء فيما إذا بدأ من الصفا أو بدأ من المروة ، أو يسوقه تيار الخارجين من المسجد، حتى تكون المروة أقرب إليه من الصفا فيبدأ بالمروة جهلاً منه وإذا بدأ الساعي بالمروة ، فإنه يلغي الشوط الأول، فلو فرضنا أنه بدأ بالمروة، فأتم سبعة أشواط، فإنه لا يصح منها إلا ستة، لأن الشوط الأول يكون لاغياً، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب البداءة بالصفا حيث قال: (( أبدأ بما بدأ الله به))(271) الخطأ التاسع: أن بعض الناس يعتبر الشوط الواحد من الصفا إلى الصفا ، يظن أنه لابد من إتمام دورة كاملة كما يكون في الطواف من الحجر إلى الحجر ، فيبدأ من الصفا وينتهي إلى المروة، ويجعل هذا بعض الشوط لا كله، فإذا رجع من المروة إلى الصفا اعتبر هذا شوطاً واحداً، وعلى هذا فيكون سعيه أربعة عشر شوطاً، وهذا أيضاً خطأ عظيم، وضلال بين؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ، لكنه ابتدأ بالصفا واختتم بالمروة، وجعل الذهاب من الصفا إلى المروة شوطاً، والرجوع من المروة إلى الصفا شوطاً آخر، وهذا الذي يقع من بعض الحجاج إنما يكون جهلاً منهم بالسنة، وتفريطاً منهم في عدم التعلم، وقد أشرنا مراراً إلى أنه ينبغي- بل يجب- على المسلم إذا أراد أن يفعل عبادة، أن يتعلم حدود ما أنزل الله فيها قبل أن يفعلها ، وهذا التعلم من فروض الأعيان، لأنه لا يستقيم دين المرء إلا به، أعني تعلم حدود ما أنزل الله في عباده يريد الإنسان أن يفعلها، هو من فرض الأعيان، يجب عليه أن يتعلم حدود ما أنزل الله في هذه العبادة؛ ليعبد الله تعالى على بصيرة. الخطأ العاشر: السعي في غير نسك، يعني أن بعض الناس يتعبد لله تعالى بالسعي بين الصفا والمروة في غير نسك، أي: في غير حج ولا عمرة ، يظن أن التطوع بالسعي مشروع كالتطوع بالطواف، وهذا أيضاً خطأ، والذي يدلنا على هذا أنك تجد بعض الناس في زمن العمرة- أي: في غير زمن الحج يسعى بين الصفا والمروة بدون أن يكون عليه ثياب الإحرام، مما يدل على أنه محل، فإذ سألته لماذا تفعل ذلك؟ قال: لأني أتعبد لله عز وجل بالسعي ، كما أتعبد بالطواف، وهذا جهل مركب؛ جهل مركب؛ لأنه صار جاهلاً بحكم الله، وجاهلاً بحاله، حيث ظن أنه عالم وليس هو بعالم. أما إذا كان السعي في زمن الحج بعد الوقوف بعرفة، فيمكن أن يسعى الإنسان وعليه ثيابه المعتادة؛ لأنه يتحلل برمي جمرة العقبة يوم العيد، وبالحلق أو التقصير ، ثم يلبس ثيابه ويأتي إلى مكة ليطوف ويسعى بثيابه المعتادة. على كل حال أقول: إن بعض الناس يتعبد لله تعالى بالسعي من غير حج ولا عمرة، وهذا لا أصل له، بل هو بدعة ، ولا يقع غالباً إلا من شخص جاهل، لكنه يعتبر من الأخطاء في السعي. الخطأ الحادي عشر: التهاون بالسعي على العربة بدون عذر؛ فإن بعض الناس يتهاون بذلك، ويسعى على العربة بدون عذر، مع أن كثيراً من أهل العلم قالوا: إن السعي راكباً لا يصح إلا لعذر، وهذه المسألة مسألة خلاف بين العلماء، أي: أنه هل يشترط في السعي أن يكون الساعي ماشياً - إلا من عذر- أو لا يشترط ؟ ولكن الإنسان ينبغي له أن يحتاط لدينه، وأن يسعى ماشياً ما دام قادراً، فإن عجز فلا يكلف الله نفساً إلا وسعاً، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة حين قالت: إني أريد أن أطوف وأجدني شاكية. قال: (( طوفي من وراء الناس وأنت راكبة))(272) فأذن لها بالركوب في الطواف؛ لأنها مريضة ، وهكذا نقول في السعي: إن الإنسان إذا كان لا يستطيع أو يشق عليه السعي مشقة تتعبه، فلا حرج عليه أن يسعى على العربة ، هذا ما يحضرني من الأخطاء في السعي. صعود المرأة الصفا ومزاحمتها الرجال السؤال (294): فضيلة الشيخ، من المعروف أن الصفا ضيق والمروة أضيق منه، ومع ذلك نرى النساء يصعدن إلى الصفا والمروة ويزاحمن الرجال، فهل من السنة صعود المرأة على الصفا؟ الجواب: المعروف عند الفقهاء: أنه لا يسن للمرأة أن تصعد الصفا والمروة، وإنما تقف عند أصولهما، ثم تنحرف لتأتي ببقية الأشواط، لكن لعل هؤلاء النساء اللاتي يشاهدن صاعدات على الصفا والمروة يكن مع محارمهن، ولا يتسنى لهن مفارقة المحارم؛ لأنهن يخشين من الضياع ، وإلا فإن الأولى بالمرأة ألا تزاحم الرجال في أمر ليس مطلوباً منها. صفة السعى بين العلمين الأخضرين السؤال (295) : فضيلة الشيخ، أيضاً ذكرتم من الأخطاء ترك السعي الشديد بين العلمين الأخضرين، وذكرتم أنه أقرب إلى الصفا، وذكرتم أن السعي يكون في الذهاب من الصفا إلى المروة، فهل يلزم أيضاً السعي الشديد في العودة بين العلمين الأخضرين من المروة إلى الصفا؟ الجواب: نعم، السعي الشديد ليس بلازم، لكن الأفضل أن يسعى سعياً شديداً بين العلمين ، في ذهابه من الصفا إلى المروة، وفي رجوعه من المروة إلى الصفا ، لأن كل مرة من هذه شوط ، والسعي بين العلمين مشروع في كل الأشواط . هل يقول الساعي: (( أبدأ بما بدأ الله به)) السؤال ((296)) فضيلة الشيخ، أيضاً ذكرتم أن من الأخطاء أن بعض الناس يدعو أو يتلو الآية: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ ..) عند الصعود إلى الصفا أو المروة كل شوط، وقلتم، إن الرسول صلى الله عليه وسلم تلا أول الآية: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ )(أبدأ بما بدأ الله به))(273) ، فهل يقول مثل الرسول: (( أبدأ بما بدأ الله به))، أو يكمل الآية؟ الجواب: الوارد عن النبي عليه الصلاة والسلام في حديث جابر قوله - أي: جابر- فلما دنا من الصفا قرأ : (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) فيحتمل أنه قرأ الآية كلها، ويحتمل أنه قرأ هذا الجزء منها، فإن كمل الآية فلا حرج عليه. وأما قوله : (( أبدأ بما بدأ الله به)) فيقولها الإنسان أيضاً، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإشعاراً لنفسه أنه فعل ذلك طاعة لله عز وجل، حيث ذكر الله أنهما من شعائر الله، وبدأ بالصفا. واجب المطوفين تجاه الحجاج السؤال (297): فضيلة الشيخ، أيضاً ذكرتم من الأخطاء التي تقع في السعي: الدعاء من خلال كتاب، فهل ينطبق هذا أيضاً على الذين يطوفون بالناس ويسعون بهم، ويقولون أدعية ويرددها الناس خلفهم؟ الجواب: نعم، هو ينطبق على هؤلاء؛ لأن هؤلاء أيضاً كانوا قد حفظوا هذه الأدعية من هذا الكتاب، ولعلك لو ناقشت بعضهم- أي بعض هؤلاء المطوفين- لو ناقشته عن معاني ما يقول، لم يكن عنده من ذلك خبر، ولكن مع ذلك قد يكون الذين خلفه لا يعلمون اللغة العربية، ولا يعرفون معنى ما يقول، وإنما يرددونه تقليداً لصوته فقط، وهذا من الخلل الذي يكون في المطوفين. ولو أن المطوفين - أمسكوا الحجاج الذين يطوفونهم، وعلموهم تعليماً عند كل طواف وعند كل سعي ، فيقولون لهم مثلاً : أنتم الآن سوف تطوفون، فقولوا كذا، وافعلوا كذا ، وادعوا بما شئتم ، ونحن معكم نرشدكم إن ضللتم ، فهذا طيب، وهو أحسن من أن يرفعوا أصواتهم بتلقينهم الدعاء الذي لا يعرفون معناه، والذي قد يكون فيه تشويش على الطائفين. وهم إذا قالوا: نحن أمامكم ، وأنتم افعلوا كذا، أشيروا مثلاً إلى الحجر ، أو استلموه إذا تيسر لكم، أو ما أشبه ذلك، وقولوا كذا، وكبروا عند محاذاة الحجر الأسود، وقولوا بينه وبين الركن اليماني: ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)(البقرة: 201)، إلى غير ذلك من التوجهيات ، لكان هذا أنفع للحاج وأخشع، أما أن يؤتى بالحاج وكأنه ببغاء يقلد بالقول والفعل هذا المطوف، ولا يدري عن شيء أبداً، وربما لو قيل له بعد ذلك: طف. ما استطاع أن يطوف، لأنه لا يعرف الطواف؛ لأنه كان يمشي ويردد وراء هذا المطوف، فهذا هو الذي أرى أنه أنفع للمطوفين وأنفع للطائفين أيضاً. أخطاء تقع في الحلق والتقصير السؤال( 298 ) : فضيلة الشيخ ، بالنسبة للتقصير والحلق بعد السعي للعمرة ، أو للإحلال من الحج في منى ، هل هناك أخطاء ؟ الجواب : نعم ، في الحلق أو التقصير في العمرة يحصل أخطاء . منها : أن بعض الناس يحلق بعض رأسه حلقا تاما بالموسى ، ويبقي البقية ، وقد شاهدت ذلك بعيني ، فقد شاهدت رجلا يسعى بين الصفا والمروة ، وقد حلق نصف رأسه تماما ، وأبقى نصفه ، وهو شعر كثيف أيضا بين ، فأمسكت به وقلت له : لماذا صنعت هذا ؟ فقال : صنعت هذا ؛ لأني أريد أن أعتمر مرتين ، فحلقت نصفه للعمرة الأولى ، وأبقيت نصفه لعمرتي هذه ، وهذا جهل وضلال ؛ لم يقل به أحد من أهل العلم . ومن الخطأ أيضا : أن بعض الناس إذا أراد أن يتحلل من العمرة ، قصر شعرات قليلة من رأسه ، ومن جهة واحدة ، وهذا خلاف ظاهر الآية الكريمة ؛ فإن الله تعالى يقول : ( مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ)(الفتح: 27) ، فلابد أن يكون للتقصير أثر بين على الرأس ، ومن المعلوم أن قص شعره أو شعرتين أو ثلاث شعرات لا يؤثر ، ولا يظهر على المعتمر أنه قصر ، فيكون مخالفا لظاهر الآية الكريمة . ودواء هذين الخطأين : أن يحلق جميع الرأس إذا أراد حلقه ، وأن يقصر من جميع الرأس إذا أراد تقصيره ، ولا يقتصر على شعرة أو شعرتين . ومن الناس : من يخطئ في الحلق أو التقصير خطأ ثالثا ، وذلك أنه إذا فرغ من السعي ولم يجد حلاقا يحلق عنده أو يقصر ، ذهب إلى بيته ، فتحلل ولبس ثيابه ثم حلق أو قصر بعد ذلك ، وهذا خطأ عظيم ؛ لأن الإنسان لا يحل من العمرة إلا بالحلق أو التقصير ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر أصحابه في حجة الوداع ، أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة ، قال : (( فليقصر وليحلل ))(274)، وهذا يدل على أنه لا حل إلا بعد التقصير . وعلى هذا : فإذا فرغ الحاج من السعي ولم يجد حلاقا أو أحدا يقصر رأسه ، فليبق على إحرامه حتى يحلق أو يقصر ، ولا يحل له أن يتحلل قبل ذلك ، فلو قدر أن شخصا فعل هذا جاهلا بأن تحلل قبل أن يحلق أو يقصر ، ظنا منه أن ذلك جائز ، فإنه لا حرج عليه لجهله ، ولكن يجب عليه حين يعلم أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب الإحرام ؛ لأنه لا يجوز له التمادي في الحل مع علمه بأنه لم يحل ، ثم إذا حلق أو قصر تحلل . هذا ما يحضرني الآن من الأخطاء في الحلق أو التقصير . أخطاء تقع في منى السؤال (299 ) : فضيلة الشيخ ، نود أيضا أن نعرف الأخطاء التي تكون في منى ، وفي المبيت فيه ؟ الجواب : من الأخطاء التي تكون في الذهاب إلى منى : ما سبق ذكره من الخطأ في التلبية ؛ حيث إن بعض الناس لا يجهر بالتلبية مع مشروعية الجهر بها ، فتمر بك أفواج الحجاج ، ولا تكاد تسمع واحداً يلبي ، وهذا خلاف السنة ، وخلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ، فالسنة للإنسان في التلبية أن يجهر بها ، وأن يرفع صوته بذلك ، ما لم يشق عليه ، وليعلم أنه لا يسمعه شيء من حجر أو مدر ، إلا شهد له يوم القيامة عند الله سبحانه وتعالى . ومن ذلك أيضا : أن بعض الحجاج يذهب رأسا إلى عرفة ولا يبيت في منى ، وهذا وإن كان جائزاً لأن المبيت في منى قبل يوم عرفة ليس بواجب لكن الأفضل للإنسان أن يتبع السنة التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بحيث ينزل في منى من ضحى اليوم الثامن ، إلى أن تطلع الشمس من اليوم التاسع ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ، وقال : (( لتأخذوا عني مناسككم ))(275) . لكنه لو تقدم إلى عرفة ، ولم يبت في منى ليلة التاسع ، فلا حرج عليه ؛ لحديث عروة بن المضرس أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر بعد العيد في مزدلفة ، وقال : يا رسول الله ، أكللت راحلتي ، وأتعبت نفسي ، فلم أر جبلا إلا وقفت عنده يعني : فهل لي من حج ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من شهد صلاتنا هذه ، ووقف معنا حتى ندفع ، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا أو نهارا ، فقد تم حجه ، وقضى تفثه ))(276) . ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم المبيت في منى ليلة التاسع ، وهذا يدل على أنه ليس بواجب . ومن الأخطاء في بقاء الناس في منى في اليوم الثامن : أن بعض الناس يقصر ويجمع في منى ، فيجمع الظهر مع العصر ، والمغرب مع العشاء ، وهذا خلاف السنة ؛ فإن المشروع للناس في منى أن يقصروا الصلاة بدون جمع ، هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن كان الجمع جائزا ؛ لأنه في سفر ، والمسافر يجوز له الجمع حالا وسائرا ، لكن الأفضل لمن كان حالا ونازلا من المسافرين ، الأفضل ألا يجمع إلا لسبب ، ولا سبب يقتضي الجمع في منى ، ولهذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يجمع في منى ولكن يقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين في وقتها ، والمغرب ثلاثا في وقتها ، والعشاء ركعتين في وقتها ، والفجر في وقتها . هذا ما يحضرني الآن فيما يكون من الأخطاء في الذهاب إلى منى والمكث فيها في اليوم الثامن . |
#4
| ||
| ||
رد: فتاوى الحج للشيخ بن عثيمين أخطاء تقع في الذهاب إلى عرفة وفي عرفة السؤال (300 ) : فضيلة الشيخ ، بالنسبة للأخطاء التي يمكن أن يقع فيها بعض الحجاج في الخروج إلى عرفة ، والوقوف بها ؟ الجواب : من الأخطاء في الذهاب إلى عرفة : أن الحجاج يمرون بك ولا تسمعهم يلبون ، فلا يجهرون بالتلبية في مسيرهم من منى إلى عرفة ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد(277) . ومن الأخطاء العظيمة الخطيرة في الوقوف بعرفة : أن بعض الحجاج ينزلون قبل أن يصلوا إلى عرفة ، ويبقون في منزلهم حتى تزول الشمس ، ويمكثون هناك إلى أن تغرب الشمس ، ثم ينطلقون منه إلى مزدلفة ، وهؤلاء الذين وقفوا هذا الموقف ليس لهم حج ؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام : (( الحج عرفة ))(278). فمن لم يقف في عرفة في المكان الذي هو منها ، وفي الزمان الذي عين للوقوف بها ، فإن حجه لا يصح ، للحديث الذي أشرنا إليه . وهذا أمر خطير ، والحكومة السعودية - وفقها الله عز وجل - قد جعلت علامات واضحة لحدود عرفة لا تخفى إلا على رجل مفرّط متهاون ، فالواجب على كل حاج أن يتفقد الحدود حتى يعلم أنه وقف في عرفة لا خارجها . ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة : أن بعض الناس إذا اشتغلوا بالدعاء في آخر النهار ، تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القبلة تكون خلف ظهورهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم ، وهذا أيضا جهل وخطأ ؛ فإن المشروع في الدعاء يوم عرفة أن يكون الإنسان مستقبل القبلة ، سواء كان الجبل أمامه أو خلفه ، أو عن يمينه أو عن شماله ، وإنما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجبل ، لأن موقفه كان خلف الجبل ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم مستقبل القبلة ، وإذا كان الجبل بينه وبين القبلة ، فبالضرورة سيكون مستقبلا له . ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في يوم عرفة : أن بعضهم يظن أنه لابد أن يذهب الإنسان إلى موقف الرسول صلى الله عليه وسلم الذي عند الجبل ليقف هناك ، فتجدهم يتجشمون المصاعب ، ويركبون المشاق ، حتى يصلوا إلى ذلك المكان ، وربما يكونون مشاة جاهلين بالطرق ؛ فيعطشون ويجوعون إذا لم يجدوا ماء وطعاما ، ويضلون ويتيهون في الأرض ، ويحصل عليهم ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( وقفت هاهنا ، وعرفة كلها موقف ))(279) ، وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه ينبغي للإنسان أن لا يتكلف ليقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يفعل ما يتيسر له ؛ فإن عرفة كلها موقف . ومن الأخطاء أيضا حال الوقوف بعرفة : أن بعض الناس يعتقدون أن الأشجار في عرفة كالأشجار في منى ومزدلفة ، أي : أنه لا يجوز للإنسان أن يقطع منها ورقة أو غصنا أو ما أشبه ذلك ؛ لأنهم يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالإحرام كالصيد ، وهذا ظن خطأ ؛ فإن قطع الشجر لا علاقة له بالإحرام ، وإنما علاقته بالمكان ، فما كان داخل حدود الحرم ، أي : داخل الأميال من الأشجار ، فهو محترم ، لا يعضد ولا يقطع منه ورق ولا أغصان ، وما كان خارجا عن حدود الحرم ، فإنه لا بأس بقطعه ، ولو كان الإنسان محرما . وعلى هذا : فقطع الأشجار في عرفة لا بأس به ، ونعنى بالأشجار هنا الأشجار التي حصلت بغير فعل الحكومة ، وأما الأشجار التي حصلت بفعل الحكومة ، فإنه لا يجوز قطعها ، لا لأنها محترمة احترام الشجر في داخل الحرم ، ولكن لأنه اعتداء على حق الحكومة وعلى حق الحجاج أيضا ؛ لأن الحكومة وفقها الله غرست أشجارا في عرفة ؛ لتلطيف الجو ، وليستظل بها الناس من حر الشمس ، فالاعتداء عليها اعتداء على حق الحكومة وعلى حق المسلمين عموما . أخطاء تقع في الوقوف بعرفة (( تتمة )) السؤال (301 ) : فضيلة الشيخ ، هل هناك أخطاء أيضا في عرفة يفعلها الحجاج غير ما ذكرتم ؟ الجواب : نعم هناك أخطاء أخرى في الوقوف بعرفة غير ما ذكرنا . منها : أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة ؛ ولهذا يذهبون إليه ، ويصعدون ، ويتبركون بأحجاره وترابه ، ويعلقون على أشجاره قصاصات الخرق ، وغير ذلك مما هو معروف ، وهذا من البدع ؛ فإنه لا يشرع صعود الجبل ولا الصلاة فيه ، ولا أن تعلق قصاصات الخرق على أشجاره ؛ لأن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بل فيه شيء من رائحة الوثنية ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم مر على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم ، فقالوا يا رسول الله ، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( الله أكبر ، إنها السنن ، لتركبن سنن من كان قبلكم ، قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى : ( اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ )(الأعراف: 138) (280)، وهذا الجبل ليس له قدسية خاصة بل هو كغيره من الروابي التي في عرفة ، والسهول التي فيها ، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام وقف هناك ، فكان المشروع أن يقف الإنسان في موقف الرسول عليه الصلاة والسلام إن تيسر له ، وإلا فليس بواجب ، ولا ينبغي أن يتكلف الإنسان الذهاب إليه لما سبق . ومن الأخطاء في الوقوف بعرفة أيضا : أن بعض الناس يظن أنه لابد أن يصلي الإنسان الظهر والعصر مع الإمام في المسجد ؛ ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع الإمام في المسجد ، فيحصل عليهم من المشقة والأذى والتيه ما يجعل الحج في حقهم حرجا وضيقا ، ويضيّق بعضهم على بعض ، ويؤذي بعضهم بعضا ، والرسول عليه الصلاة والسلام قال في الوقوف : (( وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف ))(281)، وكذلك أيضا قال (( جعلت لي الأرض مسجدا وطهوراً ))(282)، فإذا صلى الإنسان في خيمته صلاة يطمئن فيها بدون أذى عليه ولا منة ، وبدون مشقة تلحق الحج بالأمور المحرجة ، فإن ذلك خير له وأولى . ومن الأخطاء التي يرتكبها الناس في الوقوف بعرفة : أن بعضهم يتسلل من عرفة قبل أن تغرب الشمس ، فيدفع منها إلى مزدلفة ، وهذا خطأ عظيم ، وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون من عرفة قبل غروب الشمس ، ومخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إلا بعد أن غابت الشمس وذهبت الصفرة قليلا ؛ كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه (283)، وعلى هذا : فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل حدودها حتى تغرب الشمس ؛ لأن هذا الوقوف مؤقت بغروب الشمس ، فكما أنه لا يجوز للصائم أن يفطر قبل أن تغرب الشمس ، فلا يجوز للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب الشمس . ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الوقوف بعرفة : إضاعة الوقت في غير فائدة ، فتجد الناس من أول النهار إلى آخر جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح في أعراض الناس وقد تكون غير برئيه لكونهم يخوضون في أعراض الناس ويأكلون لحومهم ، فإن كان الثاني فقد وقعوا في محذورين : أحدهما : أكل لحوم الناس وغيبتهم ، وهذا خلل حتى في الإحرام ؛ لأن الله تعالى يقول : ( فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَج)(البقرة: 197) . والثاني : إضاعة الوقت . أما إذا كان الحديث بريئا لا يشتمل على محرم ، ففيه إضاعة الوقت ، لكن لا حرج على الإنسان أن يشغل وقته بالأحاديث البريئة فيما قبل الزوال ، وأما بعد الزوال وصلاة الظهر والعصر : فإن الأولى أن يشتغل بالدعاء والذكر وقراءة القرآن ، وكذلك الأحاديث النافعة لإخوانه إذا مل من القراءة والذكر ، فيتحدث إليهم أحاديث نافعة ، في بحث من العلوم الشرعية أو نحو ذلك مما يدخل السرور عليهم ، ويفتح لهم باب الأمل والرجاء لرحمة الله سبحانه وتعالى ، ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات النهار ، فيشتغل بالدعاء ويتجه إلى الله عز وجل متضرعا إليه ، مخبتا منيبا ، طامعا في فضله ، راجيا لرحمته ، ويلح في الدعاء ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن هذا خير الأدعية ؛ فإن الدعاء في هذه الساعة حري بالإجابة . أخطاء تقع في الطريق إلى مزدلفة، وفي مزدلفة السؤال (302 ) : فضيلة الشيخ ، بعد أن عرفنا أهم الأخطاء التي تقع من الحجاج في عرفة نود أن نعرف أيضا إذا كان هناك أخطاء يقع فيها بعض الحجاج في الطريق إلى المزدلفة وفي المزدلفة نفسها ؟ الجواب : تقع أخطاء في الانصراف إلى المزدلفة ، منها ما يكون في ابتداء الانصراف ، وهو ما أشرنا إليه سابقا من انصراف بعض الحجاج من عرفة قبل غروب الشمس ، ومنها أنه في دفعهم من عرفة إلى المزدلفة تحدث المضايقات بعضهم لبعض ، والإسراع الشديد حتى يؤدي ذلك أحيانا إلى تصادم السيارات ، وقد دفع النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بسكينة ، وكان عليه الصلاة والسلام دفع وقد شنق لناقته القصواء الزمام ، حتى إن رأسها ليصيب موضع رحله ، وهو يقول بيده الكريمة : (( أيها الناس ، السكينة السكينة )) ، ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك إذا أتى فجوة أسرع ، وإذا أتى حبلا من الحبال(284) أرخى لناقته الزمام حتى تصعد(285) ، فكان عليه الصلاة والسلام يراعي الأحوال في مسيره هذا ، ولكن إذا دار الأمر بين كون الإسراع أفضل أو التأني ، فالتأني أفضل . ومن الأخطاء في مزدلفة والدفع إليها : أن بعض الناس ينزل قبل أن يصلوا إلى مزدلفة ، ولا سيما المشاة منهم ، يعييهم المشي ويتعبهم ، فينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة ، ويبقون هنالك حتى يصلوا الفجر ثم ينصرفوا منه إلى منى ومن فعل هذا فإنه قد فاته المبيت في المزدلفة ، وهذا أمر خطير جدا ، لأن المبيت بمزدلفة ركن من أركان الحج عند بعض أهل العلم ، وواجب من واجباته عند جمهور أهل العلم ، وسنة في قول بعضهم ، ولكن الصواب : أنه واجب من واجبات الحج ، وأنه يجب على الإنسان أن يبيت في مزدلفة ، وألا ينصرف إلا في الوقت الذي أجاز الشارع له فيه الانصراف كما سيأتي إن شاء الله تعالى ، المهم : أن بعض الناس ينزلون قبل أن يصل إلى مزدلفة . ومن الأخطاء أيضا : أن بعض الناس يصلي المغرب والعشاء في الطريق على العادة ، قبل أن يصل إلى مزدلفة ، وهذا خلاف السنة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في أثناء الطريق وبال وتوضأ ، قال له أسامة بن زيد وكان رديفه : الصلاة يا رسول الله قال : (( الصلاة أمامك ))(286)، وبقي عليه الصلاة والسلام ولم يصل إلا حين وصل إلى مزدلفة ، وكان قد وصلها بعد دخول وقت العشاء ؛ فصلى فيها المغرب والعشاء جمع تأخير . أخطاء تقع في مزدلفة (( تتمة )) السؤال (303): فضيلة الشيخ، هل هناك أخطاء أخرى غير ما ذكرتم في الطريق إلى مزدلفة والمبيت بها؟ الجواب:نعم، هناك أخطاء منها عكس ما ذكرناه في الذين يصلون المغرب والعشاء قبل الوصول إلى مزدلفة؛ فإن بعض الناس لا يصلي المغرب والعشاء حتى يصل إلى مزدلفة ولو خرج وقت صلاة العشاء، وهذا لا يجوز وهو حرام من كبائر الذنوب ؛ لأن تأخير الصلاة عن وقتها محرم بمقتضى دلالة الكتاب والسنة؛ قال الله تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(النساء: 103) وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت وحدده، وقال الله تعالى: ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )(الطلاق: 1) ( وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(البقرة: 229). فإذا خشي الإنسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة، فإن الواجب عليه أن يصلي وإن لم يصل إلى مزدلفة، يصلي على حسب حاله، إن كان ماشياً وقف وصلى الصلاة بقيامها وركوعها وسجودها، وإن كان راكباً ولم يتمكن من النزول، فإنه يصلي ولو كان على ظهر سيارته، لقوله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن: من الآية16)، وإن كان عدم تمكنه من النزول في هذه الحال أمراً بعيداً، لأنه بإمكان كل إنسان أن ينزل ويقف على جانب الخط من اليمين أو اليسار ويصلي. وعلى كل حال: فإنه لا يجوز لأحد أن يؤخر صلاة المغرب والعشاء حتى يخرج وقت صلاة العشاء، بحجة أنه يريد أن يطبق السنة، فلا يصلي إلا في مزدلفة؛ فإن تأخيره هذا مخالف للسنة، فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أخر، لكنه صلى الصلاة في وقتها. ومن الأخطاء أيضاً في الوقوف بمزدلفة: أن بعض الحجاج يصلون الفجر قبل وقته، فتسمع بعضهم يؤذن قبل الوقت بساعة أو بأكثر أو بأقل، المهم أنهم يؤذنون قبل الفجر ويصلون وينصرفون، وهذا خطأ عظيم؛ فإن الصلاة قبل وقتها غير مقبولة، بل محرمة؛ لأنها اعتداء على حدود الله عز وجل، فإن الصلاة مؤقتة بوقت حدد الشرع أوله وآخره، فلا يجوز لأحد أن يتقدم بالصلاة قبل دخول وقتها، فيجب على الحاج أن ينتبه لهذه المسألة ، وأن لا يصلي الفجر إلا بعد أن يتيقن أو يغلب على ظنه دخول وقت الفجر ، صحيح أنه ينبغي المبادرة بصلاة الفجر ليلة المزدلفة ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم بادر بها، ولكن لا يعني ذلك- أو لا يقتضي ذلك- أن تصلى قبل الوقت، فليحذر الحاج من هذا العمل. ومن الخطأ في الوقوف بمزدلفة: أن بعض الحجاج يدفعون منها قبل أن يمكثوا فيها أدنى مكث، فتجده يمر بها مروراً ويستمر ولا يقف ، ويقول: إن المرور كاف، وهذا خطأ عظيم؛ فإن المرور غير كاف ، بل السنة تدل على أن الحاج يبقى في مزدلفة حتى يصلي الفجر ثم يقف عند المشعر الحرام يدعو الله تعالى حتى يسفر جداً، ثم ينصرف إلى منى، ورخص النبي عليه الصلاة والسلام للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بليل(287) وكانت أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - ترقب غروب القمر، فإذا غاب القمر دفعت من مزدلفة إلى منى (288). وهذا ينبغي أن يكون هو الحد الفاصل؛ لأنه فعل صحابي، والنبي عليه الصلاة والسلام أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا بليل، ولم يبين في هذا الحديث حد هذا الليل، ولكن فعل الصحابي قد يكون مبيناً له ومفسراً له، وعليه فالذي ينبغي أن يحدد الدفع للضعفة ونحوهم ممن يشق عليهم مزاحمة الناس، ينبغي أن يقيد بذلك، أي: بغروب القمر، وغروب القمر في الليلة العاشرة، يكون قطعاً بعد منتصف الليل، يكون بمضيّ ثلثي الليل تقريباً. وهذا ما يحضرني الآن من الأخطاء التي تقع في المبيت بمزدلفة. أخطاء تقع عند الرمي السؤال (304): فضيلة الشيخ،ما هي الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الرمي ؟ الجواب : من المعلوم أن الحاج يوم العيد يقدم إلى منى من مزدلفة ، وأول ما يبدأ به أن يرمي جمرة العقبة ، والرمي يكون بسبع حصيات متعاقبات ، يكبر مع كل حصاة ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكمة من رمي الجمار في قوله : ( إنما جعل الطواف بالبيت ، وبالصفا والمروة ، ورمي الجمار ؛ لإقامة ذكر الله )) 289) ، هذه هي الحكمة من مشروعية رمي الجمرات، والخطأ الذي يرتكبه بعض الناس في رمي الجمرات يكون من وجوه متعددة: فمن ذلك: أن بعض الناس يظنون أنه لا يصح الرمي إلا إذا كانت الحصاة من مزدلفة ، ولهذا تجدهم يتعبون كثيراً في لقط الحصى من مزدلفة، قبل أن يذهبوا إلى منى وهذا ظن خاطئ، فالحصى يؤخذ من أي مكان من مزدلفة ، من منى ، من أي مكان كان يؤخذ ، المقصود أن يكون حصى. ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التقط الحصى من مزدلفة حتى نقول: إنه من السنة، إذن فليس من السنة، ولا من الواجب أن يلتقط الإنسان الحصى من مزدلفة؛ لأن السنة إما قول الرسول عليه الصلاة والسلام، أو فعله، أو إقراره، وكل هذا لم يكن في لفظ الحصى من مزدلفة. ومن الخطأ أيضاً: أن بعض الناس إذا لقط الحصى غسله، إما احتياطاً لخوف أن يكون أحد قد بال عليه، وإما تنظيفاً لهذا الحصى، لظنه أن كونه نظيفاً أفضل، وعلى كل حال: فغسل حصى الجمرات بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله، والتعبد بشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم بدعة، وإذا فعله الإنسان من غير تعبد كان سفهاً وضياعاً للوقت. ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس يظنون أن هذه الجمرات شياطين، وأنهم يرمون شياطين، فتجد الواحد منهم يأتي بعنف شديد وحنق وغيظ، منفعلاً انفعالاً عظيماً، كأن الشيطان أمامه ، ثم يرمي هذه الجمرات، ويحدث من ذلك مفاسد: أولاً: أن هذا ظن خاطئ، فإنما نرمي هذه الجمرات إقامة لذكر الله تعالى؛ واتباعاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحقيقاً للتعبد، فإن الإنسان إذا عمل طاعة وهو لا يدري فائدتها،إنما يفعلها تعبداً لله، كان هذا أدل على كمال ذله وخضوعه لله عز وجل. ثانياً: مما يترتب على هذا الظن : أن الإنسان يأتي بانفعال شديد وغيظ وحنق وقوة واندفاع، فتجده يؤذي الناس إيذاء عظيماً، حتى كأن الناس أمامه حشرات لا يبالي بهم، ولا يسأل عن ضعيفهم ، وإنما يتقدم كأنه جمل هائج. ثالثاً: مما يترتب على هذه العقيدة الفاسدة: أن الإنسان لا يستحضر أنه يعبد الله عز وجل أو يتعبد لله عز وجل بهذا الرمي، ولذلك يعدل عن الذكر المشروع إلى قول غير مشروع ، فتجده يقول حين يرمي: اللهم غضباً على الشيطان ، ورضا للرحمن، مع أن هذا ليس بمشروع عند رمي الجمرة، بل المشروع أن يكبر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم . رابعاً: أنه بناء على هذه العقيدة الفاسدة تجده يأخذ أحجاراً كبيرة يرمي بها ، بناء على ظنه أنه كلما كان الحجر أكبر كان أشد أثراً وانتقاماً من الشيطان، وتجده أيضاً يرمي بالنعال والخشب وما أشبه ذلك مما لا يشرع الرمي به، ولقد شاهدت رجلاً قبل بناء الجسور على الجمرات جالساً على زبرة الحصى التي رمي بها في وسط الحوض، وامرأة معه يضربان العمود بأحذيتهما ، بحنق وشدة ، وحصى الرامين تصيبهما، ومع ذلك فكأنهما يريان أن هذا في سبيل الله، وأنهما يصبران على الأذى على هذه الإصابة ابتغاء وجه الله عز وجل. إذن : إذا قلنا : إن هذا الاعتقاد اعتقاد فاسد، فما الذي نعتقده في رمي الجمرات؟ نعتقد في رمي الجمرات أننا نرمي الجمرات تعظيماً لله عز وجل، وتعبداً له، واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخطاء تقع عند الرمي (( تتمة)) السؤال (305): فضيلة الشيخ، ذكرتم شيئاً من الأخطاء التي تقع عند الرمي منها: الظن بأن الحصى لابد أن تلتقط من مزدلفة، وأيضاً غسل الحصى، وأنه خلاف السنة والظن بأن الجمرات شياطين، والرمي بالأحجار الكبيرة والرمي بالأحذية والخشب وما شابهها، فهل هناك أخطاء أخرى تقع من بعض الحجاج في الرمي ينبغي التنبيه عليها والاستفادة من تجنبها؟ الجواب: نعم ، هناك أخطاء في الرمي يرتكبها بعض الناس ، منها ما سبق ، ومنها أن بعض الناس لا يتحقق من رمي الجمرة من حيث ترمى ؛ فإن جمرة العقبة كما هو معلوم في الأعوام السابقة كان لها جدار من الخلف ، والناس يأتون إليها من نحو هذا الجدار ، فإذا شاهدوا الجدار رموا ، ومعلوم أن الرمي لابد أن تقع فيه الحصى في الحوض ، فيرمونها من الناحية الشرقية من ناحية الجدار ، ولا يقع الحصى في الحوض ؛ لحيلولة الجدار بينهم وبين الحوض ، ومن رمى هكذا فإن رميه لا يصح ؛ لأن من شرط الرمي أن تقع الحصاة في الحوض ، وإذا وقعت الحصاة في الحوض ، فقد برئت بهذا الذمة سواء بقيت في الحوض أو تدحرجت منه . ومن الأخطاء أيضا في الرمي: أن بعض الناس يظن أنه لابد أن تصيب الحصاة الشاخص ، أي : العمود ، وهذا ظن خطأ ؛ فإنه لا يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود ، فإن هذا العمود إنما جعل علامة على المرمى الذي تقع فيه الحصى ، فإذا وقعت الحصاة في المرمى ، أجزأت سواء أصابت العمود أم لم تصبه . ومن الأخطاء العظيمة الفادحة أيضا : أن بعض الناس يتهاون في الرمي ، فيوكّل من يرمي عنه مع قدرته عليه ، وهذا خطأ عظيم ؛ وذلك لأن رمي الجمرات من شعائر الحج ومناسكه ، وقد قال الله تعالى : (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ)(البقرة: 196) ، وهذا يشمل إتمام الحج بجميع أجزائه ، فجميع أجزاء الحج يجب على الإنسان أن يقوم بها بنفسه ، وألا يوكل فيها أحدا . يقول بعض الناس : إن الزحام شديد ، وإنه يشق عليّ . فنقول له : إذا كان الزحام شديدا أول ما يقدم الناس إلى منى من مزدلفة ، فإنه لا يكون شديداً في آخر النهار ، ولا يكون شديدا في الليل ، وإذا فاتك الرمي في النهار فارم في الليل ؛ لأن الليل وقت للرمي ، وإن كان النهار أفضل ، لكن كون الإنسان يأتي بالرمي في الليل بطمأنينة وهدوء وخشوع أفضل من كونه يأتي به في النهار ، وهو ينازع الموت من الزحام والضيق والشدة ، وربما يرمي ولا تقع الحصاة في المرمى ، المهم أن من احتج بالزحام نقول له : إن الله قد وسع الأمر ، فلك أن ترمي في الليل . يقول بعض الناس : إن المرأة عورة ولا يمكنها أن تزاحم الرجال في الرمي . نقول له : إن المرأة ليست عورة ، إنما العورة أن تكشف المرأة ما لا يحل لها كشفه أمام الرجال الأجانب ، وأما شخصية المرأة فليست بعورة ، وإلا لقلنا : إن المرأة لا يجوز لها أن تخرج من بيتها أبدا ، وهذا خلاف دلالة الكتاب والسنة ، وخلاف ما أجمع عليه المسلمون ، صحيح أن المرأة ضعيفة ، وأن المرأة مرادة للرجل ، وأن المرأة محط الفتنة ، ولكن إذا كانت تخشى من شيء في الرمي مع الناس ، فلتؤخر الرمي إلى الليل ؛ ولهذا لم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله ؛ كسودة بنت زمعة ، وأشباهها ، لم يرخص لهم أن يدعوا الرمي ويوكلوا من يرمي عنهم ، مع دعاء الحاجة إلى ذلك لو كان من الأمور الجائزة بل أذن لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل ليرموا قبل حطمة الناس ، وهذا أكبر دليل على أن المرأة لا توكل لكونها امرأة . نعم ، لو فرض أن الإنسان عاجز ولا يمكنه الرمي بنفسه ، لا في النهار ولا في الليل ، فهنا يتوجه القول بجواز التوكيل ؛ لأنه عاجز وقد ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن صبيانهم ؛ لعجز الصبيان عن الرمي ، ولولا ورود هذا النص وهو رمي الصحابة عن صغارهم لولا هذا لقلنا : إن من عجز عن الرمي بنفسه ، فإنه يسقط عنه : إما إلى بدل وهو الفدية ، وإما إلى غير بدل ؛ وذلك لأن العجز عن الواجبات يسقطها ، ولا يقوم غير المكلف بما يلزم المكلف فيها عند العجز ؛ ولهذا من عجز عن أن يصلي قائما مثلا ، لا نقول له : وكل من يصلي عنك قائما ، على كل حال : التهاون في هذا الأمر أعني : التوكيل في رمي الجمرات إلا من عذر لا يتمكن فيه الحاج من الرمي أمر خطأ كبير ؛ لأنه تهاون في العبادة ، وتخاذل عن القيام بالواجب . ومن الأخطاء أيضا في الرمي : أن بعض الناس يظنون أن الرمي بحصاة من غير مزدلفة لا يجزئ ، حتى إن بعضهم إذا أخذ الحصى من مزدلفة ، ثم ضاع منه أو ضاع منه بعضه ، وبقي ما لا يكفي : ذهب يطلب أحدا معه حصى من مزدلفة ليسلفه إياه ، فتجده يقول : أقرضني حصاة من فضلك . وهذا خطأ وجهل ، فإنه كما أسلفنا : يجوز الرمي بكل حصاة من أي موضع كانت ، حتى لو فرض أن الرجل وقف يرمي الجمرات ، وسقطت الجمرات من يده ، فله أن يأخذ من الأرض من تحت قدمه ، سواء حصاه التي سقطت منه أو غيرها ، ولا حرج عليه في ذلك ؛ فيأخذ من الأرض التي تحته وهو يرمي ويرمي بها حتى وإن كان قريبا من الحوض ؛ لأنه لا دليل على أن الإنسان إذا رمى بحصاة رمي بها لا يجزئه الرمي ، ولأنه لا يتيقن أن الحصاة التي أخذها من مكانه قد رمي بها فقد تكون هذه الحصاة سقطت من شخص آخر وقف في هذا المكان ، وقد تكون حصاة رمى بها شخص من بعيد ولم تقع في الحوض ، المهم أنك لا تتيقن ، ثم على فرض أنك تيقنت أن هذه قد رمي بها ، وتدحرجت من الحوض وخرجت منه ، فإنه ليس هناك دليل على أن الحصى الذي رمي به لا يجزئ الرمي به . ومن الخطأ في رمي الجمرات : أن بعض الناس يعكس الترتيب فيها في اليومين الحادي عشر والثاني عشر ؛ فيبدأ بجمرة العقبة ، ثم بالجمرة الوسطى ، ثم بالجمرة الصغرى الأولى ، وهذا مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم رماها مرتبة ، وقال : (( لتأخذوا عني مناسككم ))(290)؛ فيبدأ بالأولى ، ثم بالوسطى ، ثم بجمرة العقبة . فإن رماها منكسة ، وأمكنه أن يتدارك ذلك ، فليتداركه ، فإذا رمى العقبة ثم الوسطى ثم الأولى ، فإننا نقول : ارجع فارم الوسطى ثم العقبة ؛ وذلك لأن الوسطى والعقبة وقعتا في غير موضعهما ؛ لأن موضعهما تأخرهما عن الأولى ، ففي هذه الحالة نقول : اذهب فارم الوسطى ثم العقبة . ولو أنه رمى الأولى ثم جمرة العقبة ثم الوسطى ، قلنا له ، ارجع فارم جمرة العقبة ؛ لأنك رميتها في غير موضعها ، فعليك أن تعيدها بعد الجمرة الوسطى . هذا إذا أمكن أن يتلافى هذا الأمر ، بأن كان في أيام التشريق ، وسهل عليه تلافيه ، أما لو قدر أنه انقضت أيام الحج ، فإنه لا حرج عليه في هذه الحال ؛ لأنه ترك الترتيب جاهلا ، فسقط عنه بجهله ، والرمي للجمرات الثلاث قد حصل ، غاية ما فيه اختلاف الترتيب ، واختلاف الترتيب عند الجهل لا يضر ، لكن متى أمكن تلافيه بأن علم ذلك في وقته ، فإنه يعيده . ومن الخطأ أيضا في رمي الجمرات في أيام التشريق : أن بعض الناس يرميها قبل الزوال ، وهذا خطأ كبير ؛ لأن رميها قبل الزوال رمي لها قبل دخول وقتها فلا يصح ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا ، فهو رد ))(291)، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمها إلا بعد زوال الشمس ، وإنما رماها بعد الزوال وقبل صلاة الظهر ، مما يدل على أنه عليه الصلاة والسلام كان يرتقب الزوال ارتقابا تاما ، فبادر من حيث أن زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر ، ولقول عبد الله بن عمر : كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا . ولأنه لو كان الرمي جائزا قبل زوال الشمس ، لفعله النبي عليه الصلاة والسلام ؛ لأنه أيسر للأمة ، والله عز وجل إنما يشرع لعباده ما كان أيسر ، فلو كان مما يتعبد به لله أعني الرمي قبل الزوال لشرعه الله سبحانه وتعالى لعباده ؛ لقوله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )(البقرة: 185)، فلما لم يُشرع قبل الزوال ، علم أن ما قبل الزوال ليس وقتا للرمي ، ولا فرق في ذلك بين اليوم الثاني عشر والحادي عشر والثالث عشر ، كلها سواء ، كلها لم يرم فيها النبي صلى الله عليه وسلم إلا بعد زوال الشمس . فليحذر المؤمن من التهاون في أمور دينيه ، وليتق الله تعالى ربه ، فإن من اتقى ربه ، جعل له مخرجا ، ومن اتقى ربه ، جعل له من أمره يسر ؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (الأنفال:29) . وينبغي للإنسان ونحن نتكلم عن وقت الرمي أن يرمي كل يوم في يومه ، فيرمي اليوم الحادي عشر في اليوم الحادي عشر ، والثاني عشر في اليوم الثاني عشر ، وجمرة العقبة يوم العيد في يوم العيد ، ولا يؤخرها إلى آخر يوم ، هذا وإن كان قد رخص فيه بعض أهل العلم ، فإن ظاهر السنة المنع منه إلا لعذر . أخطاء تقع عند الرمي (( تتمة )) السؤال (306 ) : فضيلة الشيخ ، سألنا عن الأخطاء التي تقع عند رمي الجمار أو في الرمي ، وذكرتم من هذه الأخطاء : الظن بأن الحصى لابد أن يكون من مزدلفة ، وغسل الحصى ، والظن بأن الجمرات شياطين ، والرمي بالأحجار الكبيرة ، والرمي بالأحذية والخشب وما إلى ذلك ، وأيضا : الرمي دون تحقق وقوع الحصى في الحوض ، والظن بأنه لابد من إصابة العمود ، والتهاون أيضا في التوكيل في الرمي مع القدرة ، وعكس الترتيب في الرمي ورمي الجمرات قبل الزوال ، فهل هناك أخطاء أيضا غير هذه الأخطاء التي ذكرتم ؟ الجواب : نعم ، هناك أخطاء بقيت من الأخطاء التي تقع من بعض الحجاج في الرمي ، لكن ورد فيما ذكرتم أن من الأخطاء عدم تحقق وصول الحصاة في المرمى ، والواقع : أن المقصود هو أن بعض الناس يرمي جمرة العقبة من الخلف ، من خلف الجدار ، فيقع الحصى في غير المرمى ؛ لأن الجدار يحول بينه وبين الحوض ، وتحقق وقوع الحصاة في المرمى ليس بشرط ؛ لأنه يكفي أن يغلب على الظن أنها وقعت فيه ، فإذا رمى الإنسان من المكان الصحيح وحذف الحصاة ، وهو يغلب على ظنه أنها وقعت في المرمى : كفى ؛ لأن اليقين في هذه الحال قد يتعذر ، وإذا تعذر اليقين ، عمل بغلبة الظن ، ولأن الشارع أحال على غلبة الظن فيما إذا شك الإنسان في صلاته : كم صلى ، ثلاثا أم أربعا ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : (( ليتحر الصواب ، ثم ليتم عليه ))(292)،وهذا يدل على أن غلبة الظن في أمور العبادة كافية وهذا من تيسير الله عز وجل ؛ لأن اليقين أحيانا يتعذر . نرجع الآن إلى تكميل الأخطاء التي تحضرنا في مسألة الرمي ، أعني رمي الجمرات : فمنها: أن بعض الناس يرمي بحصى أقل مما ورد ، فيرمي بثلاث أو أربع أو خمس وهذا خلاف السنة بل يجب عليه أن يرمي بسبع حصيات ؛ كما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنه رمى بسبع حصيات بدون نقص ، لكن رخص بعض العلماء في نقص حصاة أو حصاتين ؛ لأن ذلك وقع من بعض الصحابة رضي الله عنهم ، فإذا جاءنا رجل يقول : إنه لم يرم إلا بست ناسيا أو جاهلا ، فأننا في هذه الحالة نعذره ونقول : لا شيء عليك ، لورود مثل ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ، وإلا فالأصل أن المشروع سبع حصيات ؛ كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن الخطأ الذي يرتكبه بعض الحجاج في الرمي ، وهو سهل لكن ينبغي أن يتفطن له الحاج : أن كثيرا من الحجاج يهملون الوقوف للدعاء بعد الجمرة الأولى والوسطى في أيام التشريق ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رمى الجمرة الأولى ، انحدر قليلا ، ثم استقبل القبلة ، فرفع يديه يدعو الله تعالى دعاء طويلا ، وإذا رمى الجمرة الوسطى فعل ذلك ، وإذا رمى جمرة العقبة ، انصرف ولم يقف ، فينبغي للحاج أن لا يفوت هذه السنة على نفسه ، بل يقف ويدعو الله تعالى دعاء طويلا إن تيسر له ، وإلا فبقدر ما تيسر ، بعد الجمرة الأولى والوسطى . وبهذا نعرف أن في الحج ست وقفات للدعاء : على الصفا وعلى المروة وهذا في السعي وفي عرفة ، ومزدلفة ، وبعد الجمرة الأولى ، وبعد الجمرة الوسطى . فهذه ست وقفات كلها وقفات للدعاء في هذه المواطن ، ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الناس : ما حدثني به من أثق به من أن بعض الناس يرمي رميا زائدا عن المشروع إما في العدد ، وإما في النوبات والمرات ؛ فيرمي أكثر من سبع ، ويرمي الجمرات في اليوم مرتين أو ثلاثا ، وربما يرمي في غير وقت الحج ، وهذا كله من الجهل والخطأ ، والواجب على المرء : أن يتعبد بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لينال بذلك محبة الله ومغفرته ؛ لقول الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31) . هذا ما يحضرني الآن من الأخطاء في رمي الجمرات أخطاء تقع في المبيت بمنى أيام التشريق السؤال (307 ) : فضيلة الشيخ ، كنا قد سألنا عن الإقامة بمنى في اليوم الثامن قبل الخروج إلى عرفة ، وذكرتم الأخطاء التي تقع فيها ، لكن حبذا أيضاً لو عرفنا الأخطاء التي قد تقع من بعض الحجاج في الإقامة بمنى في أيام التشريق ؟ الجواب : الإقامة في منى في أيام التشريق يحصل فيها أيضا أخطاء من بعض الحجاج ، وأنا أعود إلى مزدلفة ، فإن فيها بعض الأخطاء التي لم ننبه عليها سابقا : فمنها : أن بعض الناس في ليلة مزدلفة يحيي الليلة بالقيام والقراءة والذكر ، وهذا خلاف السنة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة لم يتعبد لله عز وجل بمثل هذا ، بل في صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى العشاء ، اضطجع حتى طلوع الفجر ، ثم صلى الصبح ، وهذا يدل على أن تلك الليلة ليس فيها تهجد أو تعبد أو تسبيح أو ذكر أو قرآن . ومنها أي من الأخطاء في مزدلفة أنني سمعت أن بعض الحجاج يبقون في مزدلفة حتى تطلع الشمس ويصلون صلاة الشروق أو الإشراق ، ثم ينصرفون بعد ذلك ، وهذا خطأ ؛ لأن فيه مخالفة لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وموافقة لهدي المشركين ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من مزدلفة قبل أن تطلع الشمس حين أسفر جدا ، والمشركون كانوا ينتظرون حتى تطلع الشمس ويقولون : (( أشرق ثبير ، كيما نغير )) ؛ فمن بقى في مزدلفة تعبدا لله عز وجل حتى تطلع الشمس ، فقد شابه المشركين وخالف سنة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه . أما الأخطاء في منى: فمنها: أن بعض الناس لا يبيتون بها ليلتي الحادي عشر والثاني عشر ، بل يبيتون خارج منى من غير عذر، يريدون أن يترفهوا، وأن يشموا الهواء - كما يقولون- وهذا جهل وضلال، ومخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، والإنسان الذي يريد أن يترفه لا يأتي للحج، فإن بقاءه في بلده اشد ترفها وأسلم من تكلف المشاق والنفقات. ومن الأشياء التي يخل بها بعض الحجاج في الإقامة بمنى، بل التي يخطئ فيها: أن بعضهم لا يهتم بوجود مكان في منى، فتجده إذا دخل في الخطوط ووجد ما حول الخطوط ممتلئاً قال: إنه ليس في مني مكان، ثم ذهب ونزل في خارج منى، والواجب عليه أن يبحث بحثاً تاماً فيما حول الخطوط وما كان داخلها، لعله يجد مكاناً يبقى فيه أو يمكث فيه أيام منى؛ لأن البقاء في منى واجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لتأخذوا عني مناسككم))(294) ، وقد أقام صلى الله عليه وسلم في منى، ورخص للعباس بن عبد المطلب من أجل سقايته أن يبيت في مكة ليسقي الحجاج(295) ومن الأخطاء أيضاً: أن بعض الناس إذا بحث ولم يجد مكاناً في منى، نزل إلى مكة أو إلى العزيزية ، وبقي هنالك، والواجب إذا لم يجد مكاناً في منى أن ينزل عند آخر خيمة من خيام الحجاج ليبقى الحجيج كلهم في مكان واحد متصلاً بعضه ببعض؛ كما نقول فيما لو امتلأ المسجد بالمصلين ، فإنه يصلي مع الجماعة حيث تتصل الصفوف ولو كان خارج المسجد. ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإقامة بمنى، وهو يسير، لكن ينبغي المحافظة عليه: أن بعض الناس يبيت في منى ولكن إذا كان النهار نزل إلى مكة، ليترفه في الظل الظليل، والمكيفات والمبردات ، ويسلم من حر الشمس ولفح الحر، وهذا- وإن كان جائزاً على مقتضى قواعد الفقهاء حيث قالوا: إنه لا يجب إلا المبيت- فإنه خلاف السنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بقي في منى ليالي وأياماً، فكان عليه الصلاة والسلام يمكث في منى ليالي أيام التشريق وأيام التشريق، نعم لو كان الإنسان محتاجاً إلى ذلك- كما لو كان مريضاً، أو كان مرافقاً لمريض- فهذا لا بأس به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للرعاة أن يبيتوا خارج منى، وأن يبقوا في الأيام في مراعيهم مع إبلهم(296) هذا ما يحضرني الآن من الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الإقامة في منى. أخطاء تقع في الهدي السؤال (308): فضيلة الشيخ، تحدثنا عن الأخطاء التي يقع فيها الحجاج في بعض أعمال الحج، وفي بعض المشاعر أيضاً، بقي علينا أن نعرف إذا كانت هناك أخطاء يقع فيها الحجاج بالنسبة للهدي؟ الجواب: نعم يرتكب بعض الحجاج أخطاء في الهدي. منها: أن بعض الحجاج يذبح هدياً لا يجزئ، كأن يذبح هدياً صغيراً لم يبلغ السن المعتبر شرعاً للإجزاء، وهو في الإبل خمس سنوات، وفي البقر سنتان،وفي المعز سنة، وفي الضأن ستة أشهر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن)) (297) ومن العجب أن بعضهم يفعل ذلك مستدلاً بقوله تعالى: ( فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )(البقرة: 196)، ويقول : إن ما تيسر من الهدي فهو كاف، فنقول له: إن الله قال : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ) و ((أل)) هذا لبيان الجنس، فيكون المراد بالهدي: الهدي المشروع ذبحه، وهو الذي بلغ السن المعتبر شرعاً، وسلم من العيوب المانعة من الإجزاء شرعاً، ويكون معنى قوله : (فَمَا اسْتَيْسَرَ) أي: بالنسبة لوجود الإنسان ثمنه مثلاً، ولهذا قال : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ)(البقرة: 196) فتجده يذبح الصغير الذي لم يبلغ السن، ويقول: هذا ما استيسر من الهدي، ثم يرمي به، أو يأكله أو يتصدق به، وهذا لا يجزئ ؛ للحديث الذي أشرنا إليه. ومن الأخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الهدي: أنه يذبح هدياً معيباً بعيب يمنع من الإجزاء، والعيوب المانعة من الإجزاء ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام حين تحدث عن الأضحية وسئل: ماذا ينقّى من الضحايا؟ فقال: (( أربع)) وأشار بيده عليه الصلاة والسلام: (( العوراء البين عورها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والهزيلة - أو العجفاء- التي لا تُنقي))(298) ، أي : التي ليس فيها نِقْي ، أي : مخ ، فهذه العيوب الأربعة مانعة من الإجزاء ، فأي بهيمة يكون فيها شيء من هذه العيوب أو ما كان مثلها أو أولى منها ، فإنها لا تجزئ في الأضحية ولا في الهدي الواجب ؛ كهدي التمتع والقران والجبران . ومن الأخطاء التي يرتكبها الحجاج في الهدي : أن بعضهم يذبح الهدي ثم يرمي به ، ولا يقوم بالواجب الذي أوجب الله عليه في قوله : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(الحج: 28) فقوله تعالى : (وَأَطْعِمُوا ) أمر لابد من تنفيذه ؛ لأنه حق للغير ، أما قوله : ( فَكُلُوا مِنْهَا ) فالصحيح أن الأمر فيه ليس للوجوب ، وأن للإنسان أن يأكل من هديه ، وله أن لا يأكل ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث بالهدي من المدينة إلى مكة ولا يأكل منه ، فيذبح في مكة ويوزع ولا يأكل منه ؛ لكن قوله: (وَأَطْعِمُوا ) هذا أمر يتعلق به حق الغير ، فلابد من إيصال هذا الحق إلى مستحقه . وبعض الناس كما قلت يذبحه ويدعه ؛ فيكون بذلك مخالفا لأمر الله تبارك وتعالى ، بالإضافة إلى أن ذبحه وتركه إضاعة للمال ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال (299) ، وإضاعة المال من السفه ؛ ولهذا قال الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)(النساء: 5) . وهذا الخطأ الذي يقع في هذه المسألة يتعلل بعض الناس بأنه لا يجد فقراء يعطيهم ، وأنه يشق عليه حمله ؛ لكثرة الناس والزحام والدماء واللحوم في المجازر ، وهذا التعليل وإن كان قد يصح في زمن مضى لكنه الآن قد تيسر ؛ لأن المجازر هذبت وأصلحت ، ولأن هناك مشروعا افتتح في السنوات الأخيرة ، وهو أن الحاج يعطي اللجنة المكونة لاستقبال دراهم الحجاج ؛ لتشتري لهم بذلك الهدي وتذبحه وتوزعه على مستحقه ، فبإمكان الحاج أن يتصل بمكاتب هذه اللجنة ، من أجل أن يسلم قيمة الهدي ، ويوكلهم في ذبحه وتفريق لحمه . ومن الأخطاء أيضا : أن بعض الحجاج يذبح الهدي قبل وقت الذبح ، فيذبحه قبل يوم العيد ، وهذا وإن كان قال بعض أهل العلم في هدي التمتع والقران فإنه قول ضعيف ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذبح هديه قبل يوم العيد ، مع أن الحاجة كانت داعية إلى ذبحه ، فإنه حين أمر أصحابه رضي الله عنهم أن يحلوا من إحرامهم بالحج ليجعلوه عمرة ويكونوا متمتعين ، وحصل منهم شيء من التأخر ، قال : (( لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت ، ولولا أن معي الهدي لأحللت ))(300)، فلو كان ذبح الهدي جائزا قبل يوم النحر ، لذبحه النبي عليه الصلاة والسلام ، وحل من إحرامه معهم تطييبا لقلوبهم ، واطمئنانا لهم في ذلك ، فلما لم يكن هذا منه صلى الله عليه وسلم ، علم أن ذبح الهدي قبل يوم العيد لا يصح ولا يجزئ . ومن العجب : أنني سمعت من بعض المرافقين لبعض الحملات التي تأتي من بلاد نائية عن مكة ، أنه قيل لهم أي لهذه الحملات : لكم أن تذبحوا هديكم من حين أن تسافروا من بلدكم إلى يوم العيد ، واقترح عليهم هذا أن يذبحوا من الهدي بقدر ما يكفيهم من اللحم لكل يوم ، وهذا جرأة عظيمة على شرع الله وعلى حق عباد الله ، وكأن هذا الذي أفتاهم بهذه الفتوى يريد أن يوفر على صاحب هذه الحملة الذي تكفل بالقيام بهذه الحملة ، أن يوفر عليه نفقات هذه الحملة ؛ لأنهم إذا ذبحوا لكل يوم ما يكفيهم من هداياهم ، وفروا عليه اللحم ، فعلى المرء أن يتوب إلى الله عز وجل ، وأن لا يتلاعب بأحكام الله ، وأن يعلم أن هذه الأحكام أحكام شرعية ، أراد الله تعالى من عباده أن يتقربوا بها إليه على الوجه الذي سنة لهم وشرعه لهم ؛ فلا يحل لهم أن يتعدوه إلى ما تمليه عليه أهواؤهم . |
#5
| ||
| ||
رد: فتاوى الحج للشيخ بن عثيمين حكم ذبح الهدي في غير مكة السؤال (309 ) : فضيلة الشيخ ، هناك بعض الحجاج إذا أراد أن يحج ، دفع نقوداً لبعض المؤسسات الخيرية التي تتولى ذبح هديه في أماكن المجاعة في شرق الأرض وغربها ، فما حكم هذا العمل ، أثابكم الله ؟ الجواب : أقول : إن هذا عمل خاطئ مخالف لشريعة الله وتغرير بعباد الله عز وجل ؛ وذلك أن الهدي محل ذبحه مكة ؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما ذبح هديه بمكة ، ولم يذبحه في المدينة ، ولا في غيرها من البلاد الإسلامية ، والعلماء نصوا على هذا وقالوا : إنه يجب أن يذبح هدي التمتع والقران والهدي الواجب لترك واجب يجب أن يذبح في مكة ، وقد نص الله على ذلك في جزاء الصيد ، فقال : ( يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ )(المائدة: 95) ، فما قيد في الشرع بأماكن معينة لا يجوز أن ينقل إلى غيرها ، بل يجب أن يكون فيها ، فيجب أن تكون الهدايا في مكة ، وتوزع في مكة ، وإن قدر أنه لا يوجد أحد يقبلها في مكة وهذا فرض قد يكون محالاً فإنه لا حرج أن تذبح في مكة ، وتنقل لحومها إلى من يحتاجها من بلاد المسلمين ، الأقرب فالأقرب ، أو الأشد حاجة فالأشد ، وهذا بالنسبة للهدايا . حكم ذبح الأضحية في غير مكان المضحي السؤال (310 ) فضيلة الشيخ ، هل ينطبق هذا الحكم على الضحايا أيضاَ؟ الجواب : نعم ينطبق على الأضحية ما ينطبق على الهدي ؛ لأن الأضحية المشروع أن تكون في مكان المضحي ؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته في بلده ، وبين أصحابه ، حيث كان يخرج بها إلى المصلى فيذبحها هناك ؛ إظهار لشعائر الله عز وجل ، والدعوة إلى أن تؤخذ الدراهم من الناس ، وتذبح الضحايا في أماكن بعيدة دعوة إلى تحطيم هذه الشعيرة وخفائها على المسلمين ؛ لأن الناس إذا نقلوا ضحاياهم إلى أماكن أخرى لم تظهر الشعائر الأضاحي في البلاد ، وأظلمت البلاد من الأضاحي ، مع أنها من شعائر الله عز وجل . ويفوت بذلك : أولا : مباشرة المضحي لذبح أضحيته بنفسه ؛ فإن هذا هو الأفضل ، والسنة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه كان يذبح أضحيته بيده عليه الصلاة والسلام . ثانيا : يفوت بذلك سنية الأكل منها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأكل من الأضاحي ، كما أمر الله بذلك في قوله : ( فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ)(الحج: 28) ؛ فإن هذا أمر بالأكل من كل ذبيحة يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل ، ولما أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة ذبح منها ثلاثاً وستين بيده الكريمة ، وأعطى عليا رضي الله عنه الباقي فوكله في ذبحه ، ووكله أيضا في تفريق اللحم ، إلا أنه أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة أي : قطعة من لحم فجعلت في قدر ، فطبخت ، فأكل من لحمها وشرب من مرقها(301) ؛ وهذا يدل على تأكد أكل الإنسان مما أهداه من الذبائح ، وكذلك مما ضحى به . نحن نقول : إنه لا يجوز التوكيل ، أن يوكل الإنسان من يذبح أضحيته ، لكن لابد أن تكون الأضحية عنده وفي بيته أو في بلده على الأقل ، يشاهدها ويأكل منها ، وتظهر بها شعائر الدين . وليعلم أنه ليس المقصود من الأضاحي المادة البحته وهي اللحم فإن الله تعالى يقول : (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ )(الحج: 37) ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن ذبح قبل الصلاة : (( فإنما هو لحم قدمه لأهله ))(302)، وقال لأبي بردة : (( شاتك شاة لحم ))(303) ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بين الأضحية وبين اللحم . وأيضا : فإن العلماء يقولون : لو تصدق بلحم مائة بعير ، فإنه لا يجزئه عن شاة واحدة يضحي بها ؛ وهذا يدل على أن الأضحية يتقرب إلى الله تعالى بذبحها ، قبل أن ينظر إلى منفعة لحمها . نصائح تتعلق بالهدي السؤال (311 ) : فضيلة الشيخ ، تحدثنا عن الذين يرسلون نقودا لبعض البلاد الإسلامية ليذبح هديهم هناك أو أضحيتهم هناك ، وذكرتم أن ذلك مخالف لمقاصد الشريعة ، فهل من إضافة أو نصيحة تتعلق بهذا الموضوع ؟ الجواب : الأمر كما ذكرتم ؛ أن بعض الناس أو بعض المؤسسات تطلب من المسلمين أن يسلموا لها قيمة الهدي أو قيمة الأضاحي ليذبح في بلاد متضرر أهلها ومحتاجون إلى الطعام والغذاء ، وذكرنا أن الهدايا لها محل معين وهو مكة المكرمة ، وأنه يجب أن يكون الذبح هناك في جزاء الصيد ، وفي هدي التمتع والقران وفي الفدية الواجبة لترك الواجب ، وأما الواجبة لفعل محظور : فإنها تكون حيث وجد ذلك المحظور ، ويجوز أن تكون في الحرم ، أي : في مكة ، وأما دم الإحصار : فحيث وجد سببه ، هكذا ذكر أهل العلم ، رحمهم الله ، ولا يجوز أن تخرج عن مكة وتذبح في مكان آخر . وأما تفريق لحمها : فيكون في مكة إلا إذا استغنى أهل مكة ، فيجوز أن تفرق في البلاد الإسلامية ، في أقرب البلاد ، هذا بالنسبة للهدي أما الأضاحي : فإنها في بلاد المضحين ؛ فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه ضحى إلا في محل إقامته في المدينة عليه الصلاة والسلام ، والأفضل أن يباشرها بنفسه ، فإن لم يستطع ، فإنه يوكل من يذبحها أمامه ليشهد أضحيته ، وسبق لنا ما يحصل من المحظور في نقل الأضاحي إلى بلاد أخرى . وإنني بهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى إخواني المسلمين ؛ ليعلموا أنه ليس المقصود من ذبح الهدايا والأضاحي مجرد اللحم ؛ فإن هذا يحصل بشراء الإنسان لحما كثيرا يوزعه على الفقراء ، لكن المقصود والأهم هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح ؛ فإن التقرب إلى الله تعالى بالذبح من أفضل الأعمال الصالحة بالذبح ؛ كما قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)(الأنعام : 162،163 ) وقال تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2). وقال تعالى : (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ )(الحج: 37) ، وكون الإنسان يدفع دراهم لتذبح أضحيته في مكان الحاجة من بلاد المسلمين ، يغني عنه أن يدفع دراهم ليشترى بها الطعام من هناك ويوزع على الفقراء ، وربما يكون هذا أنفع لهم حيث يشترى ما يليق بحالهم ويلائمهم ، وربما تكون الأطعمة هناك أرخص . فنصيحتي للمسلمين أن يتولوا ذبح ضحاياهم في بلادهم ، وأن يأكلوا منها ويطعموا منها ويظهروا شعائر الله تعالى بالتقرب إليه بذبحها ، وأن لا ينسوا إخوانهم المسلمين المتضررين في مشارق الأرض ومغاربها المحتاجين لبذل الأموال والمعونات لهم ، فيجمعوا في هذه الحال بين الحسنيين ، بين حسنى ذبح الأضاحي في بلادهم ، وحسنى نفع إخوانهم المسلمين في بلادهم . أخطاء تقع في الوداع السؤال (312 ) : فضيلة الشيخ ، آخر أعمال الحج الوداع ، فهل هناك أخطاء ترون أن بعض الحجاج يقعون فيها ، ما هي هذه الأخطاء جزاكم الله خيرا ؟ الجواب : طواف الوداع يجب أن يكون آخر أعمال الحج ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لا ينصرف أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت ))(304)، وقال ابن عباس - رضي الله عنهما - : أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ، إلا أنه خفف عن الحائض(305) . فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به الإنسان من أعمال الحج ، والناس يخطئون في طواف الوداع في أمور : أولا : أن بعض الناس لا يجعل الطواف آخر أمره ، بل ينزل إلى مكة ، ويطوف طواف الوداع ، وقد بقى عليه رمي الجمرات ، ثم يخرج إلى منى فيرمي الجمرات ثم يغادر ، وهذا خطأ ، ولا يجزئ طواف الوداع في مثل هذه الحال ؛ وذلك لأنه لم يكن آخر عهد الإنسان بالبيت الطواف ، بل كان آخر عهده رمي الجمرات . الثاني : ومن الخطأ أيضا في طواف الوداع : أن بعض الناس يطوف للوداع ، ويبقي في مكة بعده ، هذا يوجب إلغاء طواف الوداع ، وأن يأتي ببدله عند سفره ، نعم لو أقام الإنسان في مكة بعد طواف الوداع لشراء حاجة في طريقه أو لتحميل العفش أو ما أشبه ذلك ، فهذا لا باس به . ومن الخطأ في طواف الوداع : أن بعض الناس إذا طاف للوداع وأراد الخروج من المسجد ، رجع القهقري ، أي : رجع على قفاه ، فيزعم أنه يتحاشى بذلك تولية البيت ظهره ، أي : تولية الكعبة ظهره ، وهذا بدعة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أحد من أصحابه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أشد منا تعظيما لله تعالى ولبيته ، ولو كان هذا من تعظيم الله وبيته ، لفعله صلى الله عليه وسلم وحينئذ فإن السنة إذا طاف الإنسان للوداع أن يخرج على وجهه ولو ولى البيت ظهره في هذه الحالة . ومن الخطأ أيضا : أن بعض الناس إذا طاف للوداع ، ثم انصرف ووصل إلى باب المسجد الحرام ، اتجه إلى الكعبة وكأنه يودعها ، فيدعو أو يسلم أو ما أشبه ذلك ، وهذا من البدع أيضا ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ، ولو كان خيرا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم . هذا ما يحضرني الآن . حكم زيارة المسجد النبوي ، وهل لها تعلق بالحج السؤال (313 ) : فضيلة الشيخ ، إذن بعد أن عرفنا الشيء الكثير عن الحج وأعماله والأخطاء التي تقع فيه ، نود أن ننتقل مع الإخوة الحجاج إلى ما يهمهم في الزيارة ، زيارة المسجد النبوي الشريف ، فما حكم زيارة المسجد النبوي ، وهل لها تعلق بالحج ؟ الجواب : زيارة المسجد النبوي سنة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ؛ المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى ))(306) فيسافر الإنسان لزيارة المسجد النبوي ؛ لأن الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام(307) . ولكنه إذا سافر إلى المدينة فينبغي أن يكون قصده الأول الصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإذا وصل إلى هناك ، زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، على الوجه المشروع في ذلك من غير بدع ولا غلو . وقولك في السؤال : هل له علاقة بالحج ؟ جوابه : أنه لا علاقة له بالحج ، وأن زيارة المسجد النبوي منفصلة ، والحج والعمرة منفصلان عنه ، لكن أهل العلم رحمهم الله يذكرونه في باب الحج ، أو في آخر باب الحج ؛ لأن الناس في عهد سبق يشق عليهم أن يفردوا الحج والعمرة في سفر وزيارة المسجد النبوي في سفر ، فكانوا إذا حجوا واعتمروا ، مروا على المدينة لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وإلا فلا علاقة بين هذا وهذا . الآداب المشروعة في زيارة المسجد النبوي السؤال ( 314) : فضيلة الشيخ، أشرتم إلى زيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام إذا وصل المسلم إلى المدينة المنورة وأيضاً قبر صاحبيه، فما الآداب المشروعة لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ؟ الجواب: الآداب المشروعة: أن يزور الإنسان قبره صلى الله عليه وسلم على وجه الأدب، وأن يقف أمام قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيسلم عليه فيقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، صلى الله عليك وسلم وبارك، وجزاك عن أمتك خير الجزاء، ثم يخطو خطوة ثانية، خطوة عن يمينه؛ ليكون مقابل وجه أبي بكر رضي الله عنه، ويقول: السلام عليك يا خليفة رسول الله ورحمة الله وبركاته،جزاك الله عن أمة محمد خيراً، ثم يخطو خطوة عن يمينه، ليكون مقابل وجه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فيقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، جزاك الله عن أمة محمد خيراً، ثم ينصرف ، هذه هي الزيارة المشروعة. وأما ما يفعله بعض الناس من التمسح بجدران الحجرة، أو التبرك بها، أو ما أشبه ذلك، فكله من البدع، وأشد من ذلك وأنكر وأعظم: أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لتفريج الكربات، وحصول المرغوبات؛ فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرا، ولا يملك لغيره كذلك نفعاً ولا ضرا، ولا يعلم الغيب، وهو صلى الله عليه وسلم قد مات كما يموت غيره من بني آدم، فهو بشر يحيا كما يحيون، ويموت كما يموتون، وليس له من تدبير الكون شيء أبداً، قال الله تعالى، أي: للرسول صلى الله عليه وسلم : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرّاً وَلا رَشَداً) (21) (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) (الجن:21/22) ، وقال الله تعالى له : (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرّاً إلا ما شاء الله) (لأعراف: 188) وقال الله له : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ )(الأنعام: 50). فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر محتاج إلى الله عز وجل، وليس به غنى عنه طرفة عين،ولا يملك أن يجلب نفعاً لأحد أو يدفع ضرراً عن أحد، بل هو عبد مربوب مكلف كما يكلف بنو آدم، وإنما يمتاز بما من الله به عليه من الرسالة التي لم تكن لأحد قبله ولن تكون لأحد بعده، وهي الرسالة العظمى التي بعث بها إلى سائر الناس إلى يوم القيامة. حكم زيارة البقيع وشهداء أحد السؤال (315): فضيلة الشيخ، أيضاً ما حكم زيارة بعض مقابر المدينة؛ كالبقيع ، وشهداء أحد؟ الجواب: زيارة القبور سنة في كل مكان ، ولا سيما زيارة البقيع التي دفن فيه كثير من الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقبره هناك معروف، وكذلك يسن أن يخرج إلى أحد ليزور قبور الشهداء هنالك، ومنهم حمزة بن عبد المطلب، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك ينبغي أن يزور مسجد قباء، يخرج متطهراً فيصلي فيه ركعتين؛ فإن في ذلك فضلاً عظيماً، وليس هناك شي يزار في المدينة سوى هذه، زيارة المسجد النبوي ، زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، زيارة البقيع، زيارة شهداء أحد، زيارة مسجد قباء، وما عدا ذلك من المزارات ، فإنه لا أصل له. يجد في قلبه ميلاً إلى طلب الشفاعة من المقبورين فماذا يفعل؟ السؤال (316): فضيلة الشيخ، سألنا عن حكم زيارة بعض المقابر في المدينة التي تزار، وذكرتم أن المزارات في المدينة خمسة، وقلتم: إنه لا يجوز للإنسان أن يدعو أصحاب هذه المقابر أي دعاء، لكن ما الذي يلزم من وجد في قلبه ميلاً إلى طلب الشفاعة من أصحاب هذه القبور ، أو قضاء الحوائج أو الشفاء، أو ما إلى ذلك؟ الجواب: الذي يجد في قلبه ميلاً إلى طلب الشفاعة من أصحاب القبور، فإن كان أصحاب القبور من أهل الخير، وكان الإنسان يؤمل أن يجعلهم الله شفعاء له يوم القيامة بدون أن يسألهم ذلك ، ولكنه يرجو أن يكونوا شفعاء له، فهذا لا بأس به؛ فإننا كلنا نرجو أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم شفيعاً لنا، ولكننا لا نقول له: يا رسول الله، اشفع لنا ، بل نسأل الله تعالى أن يجعله شفيعاً لنا، وكذلك أهل الخير الذين يرجى منهم الصلاح؛ فإنهم يكونون شفعاء يوم القيامة؛ فإن الشفاعة يوم القيامة تنقسم إلى قسمين: قسم خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يشركه فيه أحد، وهي الشفاعة العظمى التي يشفع فيها صلى الله عليه وسلم للخلق إلى ربهم ليقضي بينهم؛ فإن الناس يوم القيامة ينالهم من الكرب والغم ما لا يطيقون، فيقولون : ألا تذهبون إلى من يشفع لنا عند الله عز وجل ، يعني: يريحهم من هذا الموقف، فيأتون إلى آدم، ثم إلى نوح، ثم إلى إبراهيم ثم إلى موسى ، ثم إلى عيسى عليهم الصلاة والسلام، وكلهم لا يشفع، حتى يأتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتنتهي الشفاعة إليه، فيشفع عند الله عز وجل أن يقضي سبحانه وتعالى بين عباده ، فيجيء الله عز وجل ويقضي بين عباده. والشفاعة الثانية: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة. أما الشفاعة العامة التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم ولغيره من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، فهذه تكون فيمن دخل النار أن يخرج منها؛ فإن عصاة المؤمنين إذا دخلوا النار بقدر ذنوبهم ، فإن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أن يشفعوا في هؤلاء ، بأن يخرجوا من النار. المهم أن الإنسان إذا رجا الله عز وجل أن يشفع فيه نبيه محمد صلى الله عليه وسلم ، أو يشفع فيه أحد من الصالحين بدون أن يسألهم ذلك، فهذا لا بأس به، وأما أن يسألهم فيقول: يا رسول الله، اشفع لي، أو يا فلان، اشفع لي، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يجوز، بل هو من دعاء غير الله عز وجلن ودعاء غير الله شرك. حكم زيارة المساجد السبعة وغيرها من المزارات السؤال (317): فضيلة الشيخ، ذكرتم أن المواضع التي تزار في المدينة خمسة، لكن لم ترد إشارة مثلاً للمساجد السبعة أو مسجد الغمامة، أو بعض هذه المزارات التي يزورها بعض الحجاج، فما حكم زيارتها؟ الجواب: نحن ذكرنا أنه لا يزار سوى هذه الخمسة التي هي: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ،وقبره، وقبر صاحبيه، وهذه القبور الثلاثة في مكان واحد، والبقيع وفيه قبر عثمان رضي الله عنه، وشهداء أحد وفيهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، ومسجد قباء، وما عدا ذلك فإنه لا يزار، وما أشرت إليه من المساجد السبعة، أو غيرها مما لم تذكر، فكل هذا لا أصل لزيارته، وزيارته بقصد التعبد لله تعالى بدعة؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجوز لأحد أن يثبت لزمان أو مكان أو عمل، أن فعله أو قصده قربه إلا بدليل من الشرع. ما ينبغي لمن وفق لأداء الحج؟ السؤال (318): فضيلة الشيخ، ما الذي ينبغي لمن وفقه الله تعالى لإتمام نسكه من الحج والعمرة؟ وما الذي ينبغي له بعد ذلك؟ الجواب: الذي ينبغي له ولغيره ممن منّ الله عليه بعبادة أن يشكر الله سبحانه وتعالى على توفيقه لهذه العبادة، وأن يسأل الله تعالى قبولها، وأن يعلم أن توفيق الله تعالى إياه لهذه العبادة نعمة يستحق سبحانه وتعالى الشكر عليها، فإذا شكر الله، وسأل الله القبول، فإنه حري بأن يقبل ؛ لأن الإنسان إذا وفق للدعاء فهو حري بالإجابة ، وإذا وفق للعبادة فهو حري بالقبول، وليحرص غاية الحرص أن يكون بعيداً عن الأعمال السيئة بعد أن من الله عليه بمحوها؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة))(308)، ويقول صلى الله عليه وسلم : (( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان: كفارة لما بينهن ، ما اجتنبت الكبائر))(310) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : (( العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما))(311) ، وهذه وظيفة كل إنسان يمن الله تعالى عليه بفعل عبادة ، أن يشكر الله على ذلك، وأن يسأله القبول. السؤال (319): فضيلة الشيخ، هل هناك علامات يمكن أن تظهر على المقبولين في أداء الحج والعمرة؟ الجواب: قد تكون هناك علامات لمن تقبل الله منهم من الحجاج والصائمين والمتصدقين والمصلين، وهي انشراح الصدر، وسرور القلب، ونور الوجه؛ فإن للطاعات علامات تظهر على بدن صاحبها، بل على ظاهره وباطنه أيضاً، وذكر بعض السلف أن من علامة قبول الحسنة: أن يوفق الإنسان لحسنة بعدها؛ فإن توفيق الله إياه لحسنة بعدها يدل على أن الله عز وجل قبل عمله الأول، ومن عليه بعمل آخر يرضى به عنه. الواجب على من عاد إلى بلاده تجاه أهله بعد أداء الحج السؤال(320): فضيلة الشيخ، ما الذي يجب على المسلم إذا انتهى من حجة وسافر عن هذه الأماكن المقدسة ما الذي يجب عليه تجاه أهله وجماعته ومن يعيش في وسطهم؟ الجواب: هذا الواجب الذي تشير إليه واجب على من حج ومن لم يحج، واجب على كل من ولاه الله تعالى على رعية؛ أن يقوم بحق هذه الرعية، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن : (( الرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته))(312) ، فعليه أن يقوم بتعليمهم وتأديبهم، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، أو كما كان يأمر بذلك الوفود الذين يفدون إليه أن يرجعوا إلى أهليهم فيعلموهم ويؤدبوهم، والإنسان مسؤول عن أهله يوم القيامة، لأن الله تعالى ولاه عليهم وأعطاه الولاية ، فهو مسؤول عن ذلك يوم القيامة؛ ويدل لهذا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)(التحريم:6)، فقرن الله تعالى الأهل بالنفس، فكما أن الإنسان مسؤول عن نفسه يجب عليه أن يحرص كل الحرص على ما ينفعها؛ فإنه مسؤول عن أهله؛ كذلك يجب عليه أن يحرص كل الحرص على أن يجلب لهم ما ينفعهم ويدفع عنهم بقدر ما يستطيع ما يضرهم. آثار الحج على المسلم السؤال (321): فضيلة الشيخ، ما هي آثار الحج على المسلم؟ الجواب: سبق لنا الإشارة إلى شيء منها؛ حيث سألت: ما هي علامة قبول الحج؟ فمن آثار الحج: أن الإنسان يرى من نفسه راحة وطمأنينة ، وانشراح صدر، ونور قلب. وكذلك قد يكون من آثار الحج: ما يكتسبه الإنسان من العلم النافع الذي يسمعه في المحاضرات وجلسات الدروس في المسجد الحرام، وفي المخيمات في منى وعرفة. وكذلك من آثاره: أن يزداد الإنسان معرفة بأحوال العالم الإسلامي ، إذا وفق لشخص ثقة يحدثه عن أوطان المسلمين. وكذلك من آثاره: غرس المحبة في قلوب المؤمنين بعضهم لبعض؛ فإنك ترى الإنسان في الحج وعليه علامات الهدى والصلاح فتحبه وتسكن إليه وتألفه. ومن آثار الحج أيضاً: أن الإنسان قد يكتسب أمراً مادياً بالتكسب بالتجارة وغيرها؛ لقوله تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ )(الحج: من الآية28) ، ولقوله تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ )(البقرة: من الآية198)، وكم من إنسان اكتسب مالاً بالتجارة في حجه، شراء وبيعاً، وهذا من المنافع التي ذكرها الله سبحانه وتعالى. ومن آثار الحج : أن يعود الإنسان نفسه على الصبر وعلى الخشونة والتعب، لا سيما إذا كان رجلاً عادياً من غير أولئك الذين تكمل لهم الرفاهية في حجهم، فإنه يكتسب بذلك شيئاً كثيراً، أعني: الذي يكون حجه عادياً يكتسب خيراً كثيراً بتعويد نفسه على الصبر والخشونة. نصيحة لمن أدى الحج السؤال(322): فضيلة الشيخ، ما هي نصيحتكم لمن أدى فريضة الحج؟ الجواب: نصيحتي له: أن يتقي الله عز وجل في أداء ما ألزمه الله به من العبادات الأخرى؛ كالصلاة والزكاة، والحج، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام، والإحسان إلى الخلق، وإلى المملوكات من البهائم، وغير هذا مما أمر الله به، وجماع ذلك كله: قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (90) (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ) (النحل:90/91) . وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ----------------------------- (205) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، رقم (1337) (206) تقدم تخريجه(239) (207) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب صحة حج الصبي وأجر من حج به، رقم (1336) (208) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب وجوب الحج وفضله، رقم (1513) ومسلم كتاب الحج، باب الحج عن العاجز، رقم(1334). (209) جزء من حديث جابر الطويل في وصف حجة النبي صلي الله عليه وسلم ، أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلي الله عليه وسلم ، رقم (1218) (210) أخرجه الدارقطني في سننه (2/285) رقم (222)، والبيهقي في (( السنن)) (4/352) (211) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ذات عرق لأهل العراق، رقم (1531) (212) تقدم تخريجه ص (266) (213) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب مهل أهل الشام، رقم (1526)، ومسلم كتاب الحج، باب مواقيت الحج والعمرة، رقم (1181) (214) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم (867) (215) أخرجه البخاري، كتاب الحج ، باب الفتيا على الدابة عند الجمرة، رقم (1736، 1737) ومسلم، كتاب الحج، باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل الرمي، رقم (1306) (216) أخرجه البيهقي في (( السنن الكبرى)) (5/125) وأخرجه أحمد في (0 مسند الشاميين)02/54) لفظ: (( لتأخذوا عني مناسكك)) وأخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، رقم (1297) بلفظ: (( لتأخذوا مناسككم)) فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه)) (217) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في الرمل، رقم (1888) والترمذي بنحوه، كتاب الحج، باب ما جاء كيف ترمى الجمار، رقم (902) وقال : حسن صحيح (218) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع، رقم (1327) (219) تقدم تخريجه (135) (220) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب إذا حاضت المرأة بعد أن أفاضت ، رقم (1757-1759)، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض، رقم (1211م). (221) أخرجه أبو داود ، كتاب المناسك، باب طواف القارن، رقم (1897)، وعند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: (0 يسعك طوافك لحجك وعمرتك)) فأبت ، فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم ، فاعتمرت بعد الحج، كتاب الحج، باب إحرام النفساء..وكذا الحائض، رقم (1211) (222) تقدم تخريجه (308) (223) أخرجه أبو داود، كتاب الحج، باب الرجل يحج عن غيره،رقم (1811)، وابن ماجه، كتاب المناسك ، باب الحج عن الميت، رقم (2903)، والبيهقي (4/336). (224) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب طواف النساء مع الرجال ، رقم (1619) ومسلم، كتاب الحج، باب جواز الطواف على بعير وغيره، رقم (1276). (225) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، رقم (5089) ومسلم، كتاب الحج، باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه، رقم (1207) (226) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز ، باب الكفن في ثوبين، ( 1265) ومسلم ، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، ( رقم( 1206) (227) تقدم تخريجه ( 344) (228) أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته، رقم ( 1409). (229) تقدم تخريجه (344) 230) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، رقم (1539) ، ومسلم كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، رقم (1189) واللفظ له. (231) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب الطيب عند الإحرام، رقم (1538)، ومسلم، كتاب الحج، باب الطيب للمحرم عند الإحرام، رقم (1190) (232) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ما لا يلبس المحرم من الثياب، رقم (1542)، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما لا يباح، رقم (1177). (233) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكباً، رقم (1298) (234) أخرجه البخاري ، كتاب جزاء الصيد، باب ما ينهي من الطيب للمحرم والمحرمة، رقم (1838) أخرجه البخاري ، كتاب جزاء الصيد ، باب الاغتسال للمحرم، رقم (1840) ومسلم ، كتاب الحج، باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه ، رقم (1205) (235) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب الإذخر والحشيش في القبر، رقم ( 1349)، ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها..، رقم (1353). (236) أخرجه أبو داود، كتاب الحج ، باب من لم يدرك عرفة، رقم(1950)، والترمذي كتاب الحج، فيمن أدرك بجمع فقد أدرك الحج، رقم(891)، والنسائي ، كتاب الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، رقم ( 3016) وأحمد في المسند( 4/261،262)، وقال الترمذي : حديث صحيح. (237) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من قدم ضعفه أهله بليل ..، رقم ( 1679)، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن، رقم (1291). (238) سبق تخريجه (360) (239) أخرجه البخاري، كتاب الأشربة ، باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه، رقم (5590) (240) سبق تخريجه (327) (241) تقدم تخريجه (325) (242) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف بالبيت، رقم (1650)، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام، رقم (1211) (243) أخرجه الترمذي ، كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، رقم (2676)، وأبو داودد، كتاب السنة، باب في لزوم السنة، رقم (4607)، وابن ماجه ، في المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين، رقم (42)وأحمد في (( المسند)) (4/127،126) وقال الترمذي : حديث حسن صحيح. (244) أخرجه أحمد في (( المسند)) (3/357،372)، وابن ماجه ، كتاب المناسك، باب الشرب من ماء زمزم رقم (3062)، وصحة الألباني كما في (( إرواء الغليل)) رقم (1123). (245) اخرجه البخاري، كتاب الجنائز ، باب الإذخر والحشيش في القبر، رقم (1349) ومسلم، كتاب الحج، باب تحريم مكة وصيدها وخلاها وشجرها..، رقم (1353). (246) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب ما جاء أن عرفة كلها موقف، رقم (1218) (247) أخرجه أبو داود، كتاب الوتر، باب الدعاء، رقم (1488)، والترمذي ، كتاب الدعوات، رقم (3556)، وابن ماجه، كتاب الدعاء، باب رفع اليدين في الدعاء، رقم (3865)، وقال الترمذي: حسن غريب. (248) تقدم تخريجه 219 (249) أخرجه مسلم، كتاب الزهد، باب من أشرك في عمله غير الله رقم (2985) (250) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب ما جاء أن الأعمال بالنية والحسبة، رقم (56) ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث، رقم (1628) (251) تقدم تخريجه (111) (252) أخرجه البخاري، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور، رقم (2697) ومسلم ، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة، رقم (1718) (253) تقدم تخريجه (372) (254) تقدم تخريجه (316) (255) تقدم تخريجه (315) (256) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب كيف التلبية، رقم (1814)، والترمذي ، كتاب الحج، باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبية، رقم (829) وقال: حسن صحيح. (257) أخرجه الترمذي ، كتاب الصلاة، باب ما جاء ما يقول عند دخول المسجد، رقم ( 314)، وابن ماجه، كتاب المساجد ، باب الدعاء عند دخول المسجد ، (771) (258) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة ، باب إذا دخل المسلم فليركع ركعتين، رقم (444)، ومسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب استحباب تحية المسجد بركعتين، رقم (714) (259) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه، رقم (1612) (260) تقدم تخريجه(327) (261) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب ما ذكر في الحجر الأسود، رقم (1597)، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب تقبيل الحجر الأسود في الطواف، رقم (1270) (262) تقدم تخريجه (327) (263) أخرجه البخاري، ولفظه: ((…وكان معاوية يتسلم الأركان، فقال له ابن عباس رضي الله عنهما: إنه لا يستلم هذان الركنان .فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجوراً)). وأما الرواية التي ذكرت أن معاوية رضي اله عنه رجع إلي قول ابن عبس وقال له: صدقت، فقد أخرجها أحمد في (( المسند))(1/217) وذكرها الحافظ في (( الفتح)) (3/553) وعزاها لأحمد وسكت عليها.. (264) أخرجه أبو داود، كتاب التطوع، باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، رقم (1332)، وأحمد في (( المسند)) (3/94). (265) تقدم تخريجه (325) (266) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب، رقم (835)، ومسلم كتاب الصلاة، باب التشهد في الصلاة، رقم (402) (267) أخرجه مسلم، كتاب الجمعة، باب تخفيف الصلاة والخطبة، رقم (867) (268) تقدم تخريجه (132) (269) تقدم تخريجه(321) (270) تقدم تخريجه (327) (271) تقدم تخريجه (132) (272) تقدم تخريجه (341) (273) تقدم تخريجه (132) (274) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من ساق البدن معه، رقم (1691) ، ومسلم كتاب الحج، باب وجوب الدم على المتمتع..، رقم (1227) (275) تقدم تخريجه(325) (276) تقدم تخريجه (360) (277) أخرجه البخاري ، كتاب الحج، باب الركوب والارتداف في الحج، رقم (1543، 1544)، ومسلم، كتاب الحج، باب استحباب إدامة الحاج التلبية حتى يشرع في رمي جمرة العقبة، رقم (1281). (278) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب من لم يدرك عرفة، رقم (1949)، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء فيمن أدرك الإمام بجمع فقد أدرك الحج، رقم(899)، والنسائي، كتاب الحج، باب فيمن لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة، رقم (3044)، وابن ماجه، كتاب (( المناسك)) باب من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع، رقم ، (3015)، وأحمد في (( المسند)) (4/309 ،310)، والحاكم في (( المستدرك)) (1/464)، والبيهقي في (( سننه))(5/1116،173)، وقال الترمذي: حسن صحيح ، وصححه الألباني في (0 الإرواء)) رقم (1064) (279) تقدم تخريجه(377) (280) أخرجه أحمد، والترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء لتركبن سنن من كان قبلكم، رقم (2180)وقال: حسن صحيح. (281) تقدم تخريجه(377) (282) تقدم تخريجه (162) (283) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم (1218) (284) الحبل: هو التل اللطيف من الرمل. (285) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم (1218) وهو جزء من حديث جابر السابق. (286) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب النزول بين عرفة وجمع، رقم (1669) ومسلم، كتاب الحج، باب الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة، رقم (1280). (287) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب من قدم ضعفة أهله بليل..، رقم (1676)، ومسلم ، كتاب الحج، باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء وغيرهن من مزدلفة إلى مني..، رقم (1295) (290) تقدم تخريجه(325) (291) تقدم تخريجه(111) (292) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب التوجه نحو ذلك القبلة حيث كان، رقم (401)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب السهو في الصلاة والسجود له، رقم (572) (294) تقدم تخريجه (325) (295) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب سقاية الحاج، رقم (1634)، ومسلم، كتاب الحج، باب وجوب المبيت بمني ليالي أيام التشريق، رقم (1315) (296) أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب في رمي الجمار، رقم (1975)، والترمذي، كتاب الحج، باب ما جاء في الرخصة للرعاء أن يرموا يوماً ويدعوا يوماً، رقم (955)، والنسائي، كتاب الحج، باب في رمي الرعاة، رقم (3068، 3069)، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب تأخير رمي الجمار من عذر، رقم (3037)، وقال الترمذي: حسن صحيح. (297) أخرجه مسلم، كتاب الأضاحي، باب سنن الأضحية، رقم (1963) (298) أخرجه أبو داود، كتاب الضحايا، باب ما يكره من الضحايا، رقم 02802)، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما لا يجوز من الأضاحي، رقم (1497)، وابن ماجه، كتاب الأضاحي، باب ما يكره أن يضحي به، رقم (3144)، وقال الترمذي: حسن صحيح. (299) أخرجه البخاري، كتاب الاعتصام ، باب ما يكره من كثرة السؤال، رقم (7292)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجه، رقم (593م). (300) أخرجه البخاري، كتاب الحج، باب عمرة التنعيم، رقم (1785)، ومسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الحج.. رقم (1216) (301) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ، رقم (1218). (302) أخرجه البخاري، كتاب الأضاحي، باب الذبح بعد الصلاة، رقم (5560)، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها رقم (1961). (303) أخرجه البخاري، كتاب الأضاحي، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة: (( ضح بالجذع..)) رقم (5556)، ومسلم، كتاب الأضاحي، باب وقتها، رقم (1961) (304) تقدم تخريجه (328) (305) تقدم تخريجه (135) (306) أخرجه البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة، رقم (1189)، ومسلم، كتاب الحج، باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، رقم (1397). (307) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة في مسجد مكة والمدينة،باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ، رقم (11190)، ومسلم ، كتاب الحج باب فضل الصلاة في بمسجدي مكة والمدينة، رقم (1394) (308) أخرجه البخاري ، كتاب العمرة، باب وجوب العمرة وفضلها، رقم (1773)، ومسلم ، كتاب الحج، باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة، رقم (1349). (310) أخرجه مسلم ، كتاب الطهارة، باب الصلوات الخمس والجمعة إلي الجمعة..، رقم (233) (311) تقدم تخريجه في الحديث قبل السابق. (312) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة في القرى والمدن، رقم (893) ومسلم ، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، رقم (1829) منقول من كتاب فقه العبادات للشيخ بن عثيمين http://saaid.net/book/10/3461.rar |
مواقع النشر (المفضلة) |
| |
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
صور من حياة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين | أبو أسامة | نور الإسلام - | 12 | 09-30-2019 06:57 PM |
حكم كتابة ..( ص ) أو ( صلعم ) ..استمع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله..( دقيقتين فقط )..!! | طاب الخاطر | نور الإسلام - | 1 | 11-28-2008 01:55 PM |
جميع مواعيد البرامج الدينيه في شهر رمضان المبارك | BATTMAN | خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية | 0 | 09-03-2008 11:27 PM |
حكم كتابة ..( ص ) أو ( صلعم ) ..استمع للشيخ ابن عثيمين رحمه الله..( دقيقتين فقط )..!! | طاب الخاطر | أرشيف المواضيع الغير مكتمله او المكرره او المنقوله و المخالفه | 1 | 02-23-2008 06:31 PM |
فلاشات للشيخ الألباني وابن باز وابن عثيمين | عثمان أبو الوليد | خطب و محاضرات و أناشيد اسلاميه صوتية و مرئية | 3 | 05-14-2007 12:49 AM |