الفصل الأول : [ باشيماث ]
أسهبُوا بالحديثِ منتفضيَّ الأعصَاب ، رمُقوا بعضًا بأيمَّا حقدٍ هُنَاك
ناضلُوا كيّ يبثُوا الألحان .. ألحان نصرهمُ الذي أستحالَ للمُحَال
إلا أنهمُ همُ الجالِسونَ على كراسي الجلدِ الفاخِر ، يستقُونَ أجودَ أنواعِ النبيذِ مُتعصبين
يُناقِشُون الفارِغَ من الكَلامْ و يتفوهُون بالتُرَهات
أكابِرُ أليكترا المُخضرمُون ، إنهمُ همُ الكارِهُون .. !
ضُرِبتْ الطاوِلَة ، وقفَ الرئيسُ صارِخًا مُرِعبا : لتمحقِ السماءُ ليكانثروب ! ألا تزالُونَ في خضمِ مُحاولةِ قتلهم ؟! مُحاوَلة ؟!
صمتَ الحُضور خُرسًا ، أيُ كلامٍ في حضرتهِ يقولون ؟! الصدقَ فيقتلُون ؟!
أم الكذِبَ فيُرحلُّون ؟!
جلسَ أمهقُ الرأسِ زافرًا كالتنانينِ في حينِ إستطلعَ أحدهمُ وجوهَ الآخرينَ متفحِصًا
فلمَا آن الوقتُ تكلَّم : سيدي ، فوجٌ من عُصبةِ ليكانثروب قد ولجوا مُسبقًا للكُوَّة ،
وعلى ما يبدو .. هم قد أرسلوا بطلب هِيلَر .. !
بعصبيةٍ ضربَ الرئيسُ الطاوِلةَ المُستديرَة مُجددًا ، وصرخَ كـ المجانِينْ !
بصُراخٍ سأل : وما الجديد ؟! كُل عصبةٍ تطلبُ هِّيلَر عند الدخُول !!
إبتسمَ أزرقُ الشعرِ بقهقهةٍ مُريبَة ، تصالبتْ قدماهُ مُعقبًا بوقَار : لا غُبار على كلامِ حضرتِك ، لذا .. ارسلتُ لهم فتاةً
- ماذا ؟! فتاة ؟! هذا مُستحيل !
- بالطبع .. وهكذا ..
لمعتْ فِكرةٌ في رأسِ الرئِيس ، ضحكَ فهزَّ الجُدرانَ بضحكهِ ليقفَ قالِبًا الطاوِلَة
وما علِيهَا على الأرضْ .. !
- إذن .. لن يُعالجُوا أبدًا .. !
بسرورٍ رددهَا ، وبِهَا أغلقَ الإجتماعْ .
...
قُطعتِ المسَافةُ ركضًا ، هرعتْ بعدمَا طُلِبَ مِنهَا تلبيَةُ نداءِ عصبةِ ليكانثرُوب
ليستْ بالتي تحبُ حقًا أن يُكشفَ أمرُهَا ولكنَّ الواجِبَ يُحتمُ عليهَا أن تُنقذَ رهائِنَ الغَابة !
تعلمُ بإنهم سيرفضُونهَا كأي فتاةٍ مُحتالةٍ تدعيّ كونَهَا هِّيلَر ..
إلا أن عليهَا المُحاوَلةَ و تحقيقُ ما ولِدتْ لأجله ، لذا فهيَّ الآنَ تقتَفي آثارهمُ على الأرض
وتبحثُ بكُلِ جُهدهَا عن المكانِ الذي بُعثَت منهُ الإشَارة .. !
توقفتْ . إلتقطتْ أنفاسهَا بقدرِ الإمكانَ تنظرُ غربًا وشرقًا : قالُوا بإنَّ الإشارة آتيةٌ من الشمالِ الشرقي ، لستُ أرى إليهِ من آثارٍ للإقتِفَاء !
بقليلٍ من الشرودِ كلَّمتْ نفسهَا تمسحُ قطراتِ العرقِ بمنديلهَا الأبيض ،
الغابةُ مُتشابِكَة ، عميقَة ويملؤهَا غبارُ الأوهامْ .. إن ضاعتْ فلا أملَ لهَا بالعودةِ إلا بإستخدامِ
أرواحِ الحيواناتِ القاطِنةِ هُنا .. حسنًا هذا أسوءُ من الضياعِ حتى !
إحتل إبهامُهَا ذِقنهَا بتفكيرٍ عمِيقْ ، حتَى تهادى لمسَامِعهَا صخبُ أصواتٍ بعيدَة .. مُترددةٍ بوهنٍ في ذراتٍ الهواء !
خرَّت على الأرضِ بسرعةٍ تضعُ أذنهَا عليهَا مُستمِعَة ، تأكَّدَ الأمر وتابعتِ السَير .
إتخذَ آفالون جذعَ الشجرةٍ مُتكأً لظهرهِ المُتورِم ؛ قد دافعَ بجسدهِ عن أفرادِ عصبتهِ هذا اليوم !
وتلقى أقوى الأضرارِ عن الجَمِيع ، وجهٌ مُهيبٌ وهالةٌ غامِضَة ، أغمضَ عينيهِ الرمادِيتينِ مُستنشقًا عبيرَ الغابَة
الغابةُ التي صُنِعت أوراقُ أشجارِهَا من الآميثيست و تشبَّعتْ أرضُهَا بتربةٍ متكونةٍ من الكهرمانِ الأسود !
بقيَّ الثلاثةُ الآخرونَ جالسِينَ بإنتظارِ قدُومِ الهِّيلَر ، يعرفٌونَ بإنَّ الحكُومَة تكرههمُ لذا قد يغضُونَ الطرف
عن طلبهم كمَا فعلُوا قبلًا !
تقدمتْ آكانثا من قائِدهَا قلِقَة ، سألتهُ بتوتر : هل أنتَ بخير آفالُون ؟! لا تُرهق نفسكَ بإستخدامِ الإستشعار !
فتحَ عينيهِ ببرودٍ وثِقَل ، نظرَ إليهَا نظرةً عميقةً هزّت نفسهَا ، ثمَّ أجاب : دعكِ مني وأنظري في أحوالِ الآخرين
أعطتهُ إشارة الإطاعَةِ ثم ذهبت . تمنَّى هو لو كان أبراكساس الأحمق موجودًا ، لما كانُوا ليكونُوا
في هذا الموقفِ اللعينْ ، إلا أن الأخيرَ في غيبوبةٍ وقع .. وهذا ما كان ينقصهمُ حقًا !
فـ بقلةِ المواردِ من الحُكومَة ، والدعمِ المنخضِ بالإضَافةِ لتناقصِ أعدادِ عصبتهم ؛ أدى ذلك لإنخفاضِ مكانتهم
في آلكيترا بأسرِهَا !
ولم يعُودوا العصبَة الأقوى في المدينَة .. ليس بعد الآن ..
ضوضاءٌ بين الحشائِش ، إحتَّدتْ عيناهُ كمَا الذِئابْ ، وقفَ الجميعُ إلا هو بقيَّ مُستندًا على الجذعِ
ومُرخيًا يدًا على رُكبته ،
إن كانَ من أشباحِ الغابَة فلا ضير ، وإن كان مسخًا من مسخوهِا الآبدينْ .. هُنا الضيرُ كبيرْ !
قفزَ كيانٌ قفزةً أرنبيَة من بينَ خُضرةِ الحشائِش ، واتخذَ وقفةً بطُوليةً طُفُولِيَة بوجهٍ جاد : تيهيهي ألستُ رائعة ؟!
إتسعتْ أعينهمُ جميعًا ، عوضًا عن ذلكَ أغمضَ آفالون عينهُ غير آبهٍ بهَا ،
تقدَّمت آكانثا تسألُ بفضُول : من تكونين ؟!
إبتسامةٌ واسعةٌ مملوءةٌ بالثِقَة ، ووقفةٌ غريبةٌ إتخذتهَا تُجيب : أنا باشيماث ، الهِّيلر الذي ارسلتمُ في طلبه !
فتح آفالون عينهُ كتمثالٍ حجري ، ينظرُ إليهَا .. بقليلٍ من الفضُول !