فَتَحَتْ كليو فاهها ، كما لو أنها رأت أرضًا مفروشة بالألماس وجداره مطلي بالذهب ، أرسَيْتُ ذراعي الأيمن على كتفها في نوبة ضحك لرد فعلها ، من كان يعلم بأن جاكلين تعمل في لوس أنجلوس بالأصل ؟! هل نحن محظوظون أما ماذا؟َ
ـ أغلقكي فمك ... سيجذب الذباب!
قلتها بين أنفاسٍ متقطعة أحاول أن أعود لطبيعتي ، استطاعت كليو المشي في أرجاء مبنى شركة المحاماة ، ليست بهذه الفاخمة ... بلاط رخامي من السيراميك الأبيض ويملك لمعة تسبب الإنزلاق للمسرع ، جدرانه بألوان كئيبة ... غرف مطلية بالرمادي وأخرى بالطحيني ، صور متفرقة لشهادات تقدير و قضايا عالمية ناجحة ، وفي المدخل مكتب بعرض المبنى يجلس عليه أربع لخمس أشخاص مشغولون لفوق رأسهم بالهواتف والأوراق .
ـ هل تودان المجيء؟
وضع لوي يداه في جيب بنطاله الأزرق ، لم يكن يرتدي شيئًا رسمي لهذه المقابلة ، في الحقيقة أظن بأنه يرتدي قميص النوم إن لم مخطئة ؟
كما أنني تشاجرت معه بشأن دورة المياه ولم يتسنَ له الفرصة لتمشيط شعره المتناثر، تقدمت له ووقفت على أطراف أصابع قدمي ... لم يكن فرق الطول بيننا كبير ، فقد بضع السانتيات ، عندما أرتدي الكعب أكون بذات طوله
ـ لا أظن بأن كليو ستتحمل فخامة مكتب جاكلين ، لذلك آسفة لن نذهب ...و لا ، ليس لأن محادثتكم ستكون مملة ومن هذا القبيل!
مررت أناملي في خصلات شعره الناعمة أسَّرِّحُهم ، كانوا في حالة هائجة في البداية ولكن الآن قد خف جنونهم ، كان الأخرق يبتسم كعادته ... وصف أسنانه المرتبة بارزة كما لو أن تعابير وجهه تقول " أنا فرح لأنك تسرحين شعري " ضحكتُ على تلك النظرة وابتعدت عنه
ـ اتصل بعد الانتهاء!
قرصت وجنته من ثم أخرجت هاتفي العتيق مما جعل لوي يضحك عليّ ، رأيته يلَّوح لي بلطف من ثم استدار متوجهًا لمكتب الاستقبال ، عدت إلى كليو التي تركض في رقاق المبنى من أجل التزحلق ، رائع طفلة !
ضحكت عليها وأشرت لها بالإقتراب من أجل شراء بعض المُرَّطِبَات ... أكاد أموت عطشًا !
ـ عندما تصبحين عارضة أزياء عالمية ... هل تستطيعين التسكع مع فرق موسيقية و الذهاب لحفلات توزيع الجوائز ؟!
طرحت كليو السؤال ترتدي زوج من النظارات الشمسية السوداء ، وواقِ لشمس على وجهها ؛ يحميها من الإسمرار ، في حين جلستُ بكل راحة أنتعم بهذه الشمس الدافئة ، نظرت لها بغباء قبل الإجابة
ـ أرجوك ... سأكون مضيفة حفل الجوائز تلك ! وكذلك سأواعد هذه الفرق!
قلتها بغرور مما جعلها تضحك ، مكثنا على سلالم مبنى المحاماة ساعتين ولم نرى أي أثر لـ لوي ... حاولنا مراسلته ولكن لم يرد لذا اكتفينا بالجلوس والانتظار ، لعبنا قليلًا و تحدثنا مع المارة من حين لآخر
ـ أنــا آسفة ~
نطقت كليو ووجها مُرسًا على ذراعيها تنتعم ببعض الشمس ، مع ذلك القبَّعة القشية الكبيرة وزوج النظارات جعل الأمر مستحيل ، لوهلة ظننت بأنها تلمع مثل مصاصي الدماء !
ـ لمـــا ؟
لم أشغل بالي بسبب اعتذارها ، فانا حقًا مرتاحة أسفل الشمس ، بدأت أبحث في كيس المرطبات عن عصير برتقال ... إلى حين وجدته
ـ أنـا حقًا أعجبت بـ لوي عندما رأيته في الطائرة ، بدى شابًا لطيف!
رفعت حاجباي باستغراب قبل فتح القارورة والاحتساء منها ... يا ترى لما تتأسف لي ؟ أعني أنا حقًا لا أكترث لهذه الامور ، عادت كليو للجلوس بشكل طبيعي والنظر لي من خلال النظارات بهدوء
ـ ولكن يبدو بأنه معجبٌ بك!
سكبت معظم العصير على ملابسي ، مما جعلني أقف بسرعة كبيرة أشمت حظي التعيس
ـ أنا آسفة ، لم أقصد ذلك بتاتًا !
بدأتْ كليو بالجزع تبحث في الكيس عن قارورة ماء لتنظف بها بنطالي الازرق القصير، رائع لقد تلف بنطالي الثاني !
ـ لا بأس ... ولكن ماذا حط على دماعك لتقولي بأنه معجبًا بي؟!
بدأنا بتنظيف بنطالي ، قمنا بمسحه ببعض المناديل التي مع كليو ، قهقهتْ كليو بخفة على ردي قبل العودة للجلوس على السلالم
ـ في الحقيقة استنتجت بأنك خرقاء .... في أمور الحب!
نظرتُ لها بإستحالة ، ماسحةً دمعة وهمية ، أدَّعى الألم لما قالته من كلمات ، ضحكتْ هي من جديد من ثم أرجعت القارورة للكيس
ـ ربما لم يلاحظ هو أيضًا ، ولكنه ينظر لكي بابتسامة وعيونٍ حالمة كل مرة تتحدثين أو تحاولين جعلي أضحك أو حتى ابتسامتك لأتفه الأمور ! وهذا على الأغلب إعجاب أو أنه مجنونٌ نفسي
أطلقتُ صراخ ضحكاتي على آخر كلمتين قالتهم ، من ثم سمعنا خطوات ثقيلة وشتائم من باب المبنى ، التفت كلانا ينظر لشخص ...
لوي من غيره ! وجهه غاضب ، ويتحدث مع نفسه ـ على الأغلب يشتم لأنِّي استطعت سماع بعض الكلمات الراقية والخلّابة تنزلق من فمه ـ رأى أمامه على ما يبدو كوب قهوة فارغ من ثم ركله بأقوى مالديه من الغضب ، تبع كل من كليو وأنا ولوي الكوب الطائر ليحط على رأسي من بين جميع الحضور والمساحة الهائلة أمامه ، شعرت بسائل يجري في خلايا شعري ، من ثم رأيت قطرات سوداء على بنطالي الأزرق ... بحق السماء لما البنطال دومًا ؟!
ـ يا إلهي ، هل رأيت كيف حط على رأسك ههههـ ؟ مثل أفلام الكرتون قفز على شكل قوس وأنت جالسة هكذا هههـ
كانت كليو تمسك معدتها من الضحك ، رمقتُها بتهديد مما جعلها تتوقف وتنظر للأرض بكل هدوء وجدية ، التفتُ لـ لوي الذي بدى خائف أكثر من غاضب هذه المرة ، شتم حظه من جديد ، وقفت على أقدامي بهدوء متوجهةً صوبه
ـ أقسم لك لم أقصد ذلك ، كنت غاضب ليس إلا!
رفع يداه باستسلام يشرح موقفه الغبي ، ابتلعت غضبي ونظرت له بهدوء
ـ مــاذا حدث ؟
كتفتُ يداي ، نظر لوي لي باستغراب تام ، كما لو أنه ينتظر صفعة أو ركلة أو حتى صراخ منّي ، اقترب نحوي يشعر بالأمان قليلًا
ـ هل أنتِ بخير؟ أعني القهوة على رأسك وتبدين بحالة مزرية
ـ لوي أترك شعري ... وأخبرني ماذا حدث!
صررت على أسناني بعد أن أمسك لوي خصلات شعري السوداء يتفحصهم ، أفلتَ لوي يده بسرعة وتنهد يشعر بطفيف من الغضب من جديد
ـ أخبرتني بأنها قضية مناحزة للخسارة ، وإن فزت بالقضية يوجد احتمال أن يصرِّحوا لي مزاولة العمل ولكن في شركات محددة ويمكنني أخذ السيارة لأنها الشيء الوحيد باسمي ، لكن إن خسرت القضية وهذا احتمال وارد سأعود بالسيارة فقط !
تنهدت براحة قليلًا ؛ لأنه لن يسجن ، نظر لوي للأرض ببرودة كما لو أنه في العالم لوحده
ـ من الجيد أنك لن تدخل السجن ، أليس كذلك؟!
قلتها بصوتٍ خافت ولكن مسموع ، التفت لوي يتفحص منظري المقرف على الأغلب
ـ ماذا سأفعل إن لم أملك تصريح مزاولة عمل ؟!
عاد غضبه المفاجئ ، كليو جلست على السلالم تتابع الأمر بشوق كما لو كنا حلقة من مسلسلاتها الدارمية ، تنهدتُ مرسيةً يدي على كتفه ، شعرت بجسده يقفز قليلًا من ملمس يدي على جذعه
ـ على الأقل تملك شهادة ثانوية ، أليس كذلك ؟
حاولت الابتسام بغض النظر عن الامور التي تحدث من حولنا ، أنزل لوي يدي من كتفه و نظر لي بجدية
ـ ماذا ستفعل شهادة ثانوية ... لن تجدي نفعًا !! ليس في هذا الزمان ، لقد أضعت مستقبلي الآن
لوَّح يداه في السماء يتحدث بصوتٍ عالٍ و إنزعاج شديد ، وددت لكمه بشدة لتقلب المزاج الذي هو فيه
ـ لوي اهدء!
ـ لن أهدء ... لقد أضعت كل شيء ، كل شيء! والآن أنــا أدفع الثمن بكوني مشرد على شوارع أعتمد على فتاة من أجل العيش !
حسنًا بدأ الأمر يزعجني ... نظرت له بجدية وهو تابع بالحديث ـ أن حياته ستتدهور وتصبح سيئة ولن يلبي مطالب اولاده لأنه فقير ـ بطريقة مزعجة
ـ لوي يكفِ تذمر ... نستطيع توفير عمل لك !
قطعته من نوبة الجنون التي اجتاحته ، توقف عن الحديث ونظر لي بحقد من ثم ابتسم بسخرية
ـ بالكاد تملكين عمل ... وهذا بسببي ! كيف يمكنك فعل المثل ؟ لست سوى فتاة مشردة!
انتبه لوي على كلماته وعض على شفته السفلية من ثم شتم على ما أقدم ، ازدرئت لعابي قبل أن ألكمه ولكن لم أفعل ذلك لأنه باغت بالتوسل للمسامحة ... مع ذلك نظرت له آخر نظرة بقرف وذهبت راكضًا لأي مكان لا يحتوي فيه على لوي آدمز !
انتظرت الليل ليحّل ! جلستُ على شاطئ لوس أنجلوس أنتعم بهدوئه وجماله ... بقيت فيه قرابة خمس ساعات دون حراك وتذمر ، لا أفعل شيء سوى التفكير!
حياتي ، مستقبلي ، وحتى الأشخاص الذين باتوا أصدقاء لي ، ربما أسحب ما قلته عن لوي في الطائرة عن كونه إنسان ... يبدو بأنه نظر لطبقتي المتدنية في النهاية !
فوتُ مئةٍ وخمسٍ وثلاثين مكالمة من لوي و عشر من كليو ... مع العلم بأن لوي حاول الاتصال من هاتف كليو ، لم أرد مسامحته بعد ! وددت أن أجعل ضميره يلتهمه من التأنيب~
أمسكت شعري النظيف هذه المرة ، فقد غسلتُه عندما كنت على شاطئ البحر ، من أحد أحواض الاستحمام العمومية ، لم يكن صعب التخلص منه ولكن الرائحة التصقت بشعري ... لن أتذمر ؛ فأنا أحب رائحة القهوة!
عيناي التصقت على بوابة مقهى " ليلة في باريس " ، أخذت أنفاسي المعتادة قبل الدخول، ثم سمعت الموسيقى في كل مكان ، رسمت البسمة على وجهي ، جلت في المقهى ، مازال يملك الطابع الفرنسي فاسمه دل على ذلك ، ولكن المضحك أن الفرقة التي تعمل هنا إنجليزين ... جميعهم ! يال السخرية ~
على عكس المقاهي التي زرتها ، هذا المقهى ملك رخام أسود فيه رقائق من اللمع الجميل ، وجدرانه باللون الأحمر الغامق يبعث جوًا من الفخامة والسكينة، الطاولات بسيطة ، منطقة الطلب في زاوية ويتصاعد منها أشهى رائحات الحلوى ، لم يكن المقهى مكتظ حاليًا، خمس لأربع حضور ، ربما لأن المكان مخفي عن الأنظار !
ولكن جئت هنا من أجله ! عدت بأعيناي أبحث عن ذلك الشعر الأسود والوجه الطفولي ...
ها هو! يضحك بحرِّية في حين وقف يحاول ارتداء الجيتار على كتفاه ، قص شعره قليلًا و أصبح وسيم أكثر من ذي قبل ، عيناه الزرقاء كانت بلون السماء الصافية ...
وعليّ الاعتراف بأنهم أجمل من لوي !
طويل القامة وجسده رياضي ، يرتدي قميص أسود بسيط وبنطال جينز أزرق فاتح .
سحر وسامته ... كَمُلَ ببساطته ، التقت عيني بعين صديقه مارتن ، الفتى الغريب بالفرقة ، شعره أصهب وعيناه عسلية ، يتصف بذات الصفات الجسدية لـ أولفير وحتى الذوق ، ليس من الصعب الجزم بأنهم صديقان!
ابتسم مارتن لي من ثم التفت لـ أولفير الذي كان مشغول بتعديل أوتار الجيتار ، همس بعض الكلمات في أذنه مما جعله يرفع ناظره وينظر باتجاهي دون تردد ، ابتسم لي وعيناه تلمع من الفرح من ثم أنهى مارتن الكلمات ، رمى أوليفر الجيتار لأحضان مارتن ، وأقسِمَ بأنه تعثر في حين ركض اتجاهي ، ضحكت على تصرفه الطفولي ، حسنًا ربما أحب لوس أنجلوس لأن أولفير يقيم فيها !
ـ لم أعلم بأنك بهذا الجمال إلّا لليوم !
شعرت بذراعيه حول جسدي ، والأكسجين بدأ ينحصر شيئًا فشيء ، ربَّتُ على ظهره بلطف
ـ أو.. أولفير !
قلتها بصوتٍ متقطع ، أفلت أولفير قبضته عن جسدي ونظر لي بتلك العينان اللامعة ... لا أذكر يومًا كان بها حزين ، ابتسمت بلطف أمشي معه صوب الفرقة
ـ مــاذا تفعلين في لوس انجلوس ؟
أخبرني في حين قفز هو على المسرح آخذًا الجيتار ، بعض أعضاء الفرقة لوّح لي وألقوا السلام ، إلا مارتن ، تلقيت منه صفعة على الظهر كسرَتْ عامودي الفقري ، انا وهو لا نتفق
بتاتًا وفي شجار تام ... ولكن أستمتع بصحبته !
ـ مع أصدقاء ... ولكن لن نتحدث عنّي الآن ، أريد مشروب ، وأريد سماع أصواتكم !
ارتميت على كرسي في المقدمة ، تلقيت نظرات شك من أولفير تتاكد بأنني بخير
ـ هل أنتِ متاكدة ؟
طأطأت رأسي وابتسامة غبية الصقت عليها ، هز اكتافه بلامبالة ونظر صوب أحد النادلين
ـ بيــــير ، أعطي الآنسة الجميلة هنا مشروب ... وكل شيء تطلبه دعه على حسابي!
صاح له بكل قوة مما أزعجني ، أغلقت أذني من الألم ، من بعدها ضربه مارتن ؛ منزعج كذلك من صوته ، مما جعل أولفير يرد الضربة ، ومن اللامكان حدث شجار بينهم و انتهى بنوبة من الضحك
ـ المشروب يا آنسة!
رفعت ناظري للأعلى على تلك اللكنة الفرنسية ، كان شارب هتلر وشعره الأسود مصفف بطريقة رسمية علامتاه التجارية ، بدى كسائق لعائلة غنية ... ابتسمت بلطف نحوه وأخذت المشروب وشكرته ، احتسيت القليل منه من ثم نظرت للفرقة
ـ هيّا لنشعل هذه الحفلة!!
صرخت بقوة أدق الطاولة وقدماي تتحرك مثل طفل صغير ، ضحك أولفير عليّ ، من ثم نظر مارتن لي بعد جلوسه على مقعد خلف الطبول
ـ لم تحتسي سوى عينة يا متحاذقة ، لذا لا داعٍ لتتصرف كثملة!
قالها بالمايكرفون مما جعل جميع الحضور يلتفت له ، ضحكتُ بغباء لما حدث من ثم بدأت الفرقة بالغزف من جديد ... منذ مدة ولم أرتح مثل هكذا !
...
ـ كأسًا آخر يـــا بييــــــــير!
صرختُ بلكنة فرنسية ، أشعر بالثمل ، ضربت كعب الكأس بطريقة طفولية أطلب المزيد من بيير...
ـ ألا تظنين بأن إحدى عشر كأس كثير يا سمر !؟
قالها أولفير قافزًا من المسرح و متوجهًا لي ، نظرت لـ بيير من بعيد لأراه يمسح إحدى الطاولات ، في الحقيقة المقهى أغلق قبل عشر دقائق وأنا مازلت هنا
ـ لا ... أظن ... ذلك !
وقفت على أقدامي وترنحت مثل الأغبياء ، شعرت بيدي أولفير على كتفاي تحاول موازنتي
ـ هيّا دعينا نخرج لتغير الجو!
ـ لا... أريد الغنـــاء!
صرخت في وجه أولفير أحاول اعتلاء المسرح ولكن بت فشلًا ، أعضاء الفرقة انتهزوا الفرصة بتسجيل فيديو لما يحدث ولم ينفكوا عن الضحك
ـ لا أظن بأن صوتك تحسن عن السنة الماضية!
أخبرني أولفير بطريقة مباشرة ، نظرت له بتعالٍ وأنفي بالسمــاء وكلتا يداي على خصري
ـ هـ تقولها كما لو كنت مغنٍ ! هيّا لنُصَّفِّ هذا الأمر ... أنا وأنت الآن هيّا ~
رفعت أكمامي ... علمًا بأن القميص بنصف الأكمام ، انفجر أولفير والفرقة ضحكًا مما سبب ألمًا لرأسي
ـ بيير أعطني كوب قهوة لثملة هناّ
قالها أولفير نحو بيير والضحك لم يزول ، من ثم نظر لي وحوط ذراعيه على كتفي من جديد
ـ لست ثـ ... ثــ ... ثملة!
تعثلمت في الكلام مما أيقن للجميع أني ثملة ! ضحك الحشد من جديد يظننون بأني برنامج مضحك
ـ كما تقولين ~
رفع يداه باستسلام عن كتفي من ثم نظرت للمقهى أتفحصه حتى رأيت رجل يرقص مع مكنسة ... هل هذا جنون ؟!
ـ هــــــــي أنت ..المقهى مغلق عليك الخروج!
صرخت موجهةً أصبعي باتجاه الرجل الذي لم يعرني أيُّ اهتمام ، نظر أولفير لي باستغراب
ـ أي رجل ؟!
نظر أولفير نحو المنطقة التي أشرت عليها بأصبعي
ـ ذلك الرجل الذي يرقص مع المكنسة !
قلتها له بطريقة تدل أنه أحمق ، حاول أولفير كتم ضحكاته ولكن الفرقة لم تفعل ذلك ... ولكنه انضم لهم من ثم أرسى يده على ركبه يحاول التنفس
ـ سمر ... تلك مكنسة ولكن ألا تعتقدين بأن الشخص يشبه الكرسي ؟
قالها يحاول تفسير الموضوع ، نظرت من جديد نحو الرجل لأراه بالفعل كرسي والمكنسة مسندة عليه ، نظرت لـ أولفير من جديد وعلامات التعجب بادية
ـ القهوة أولفير~
جاء بيير وكوب من القهوة بيده ، شكره أولفير من ثم اختفى بييــر كالهواء ... التفت أولفير لي من جديد و أعطاني الكوب من اجل احتسائه
ـ دعينا نجلس في الخارج ... إلى حين تستطيعين الرؤية !
قالها من ثم ضحك قليلًا يوجهني نحو المخرج ؛ من أجل استنشاق الهواء .
جلس كلانا على الشارع بلامبالة ، أولفير التصق بجسدي من أجل عدم تحرش أحد المارة بي
ـ اذًا أخبريني ... ماذا يحدث في حياتك الآن ؟!
زمجرت بإنزعاج على ذلك السؤال ، فكل ما خطر في بالي هو لوي ... وابتسامته الخرقاء وكيف ينظر للأرض يحاول ركل الحصى !
ـ انتشلت رجل أعمال قد أفلس !
قلتها بطرقة مملة ، نظر أولفير لي بفضول مقتربًا أكثر كما لو أن هناك مسافة بيننا
ـ هذا تغيرٌ جذري
أخبرني من ثم أتبع ضاحكًا ، دفعته بخفة وبعدها ساد الصمت بيننا قليلًا
ـ ماذا عنك ؟ هل العمل هنا جيد؟
طرحت السؤال بجدية ، ربما القهوة بدأ مفعلوها بالإجداء ... مرر أولفير أنامله في خصلات شعره وأطلق تنهيدة تدل على التعب مع ذلك ابتسم من جديد
ـ ليس جيد ... سنتفرق في نهاية الشهر!
ـ مــــــاذا؟!!
صرخت في وجهه معارضة الأمر ، بقي هو صامت بهدوء ينتظر صمتي حتى يكمل
ـ مــارتن وقَّع عقد مع فرقة في { نيوجيرزي } للعزف معهم ، و ستيفان سيتخرج من الثانوية في نهاية الشهر وسيذهب لـ واشنطون لإكمال الدراسة الجامعية!
أخبرني بسلاسة يلعب بأصابعه بكلل هدوء ، مع ذلك تستطيع الشعور بحزنه ... تبًا فعلتها من جديد ، لقد حسدت أولفير لعدم حزنه !!
ـ وأنت ؟
اقتربت أحاول الابتسام لأغير أجواء الحوار ، ضحك بخفة من ثم نظر لي ورفع أصبعه السبابة وحركه بطريقة دائرية
ـ سأعمل كمحاسب كما تود أمّي !
ضحكتُ على تلك الكلمات من ثم شعرت بجيب بنطال الجينز يرج ... سحقًأ !
ـ قدمك تهتز !
أطلعني أولفير ... لا تقولها يا رجل ؟! كما لو أني لا أعلم ؟! تجنبت النظر له وشربت من القهوة
ـ ماذا تقول ؟ أنا أهزها !
بدأت بهز ساقي كي أجعل الأمر حقيقي ، أمسك أولفر ساقي وأجبرها على التوقف من ثم سمعنا صوت الارتجاج ، وكان واضحًا ، ابتسم أولفير بغباء وسحب هاتفي العتيق من جيب البنطال، حاولت مصارعته ولكنه أقوى منيّ
ـ وااااه آخر مرة أمسكت هذا الهاتف ... عندما كنت في الإعدادية !
أخبرني يتفقد الهاتف كما لو كان تحفة أثرية لا مثيل لها ، من ثم توقف ونظر لي بقلق
ـ تملكين مئتي مكالمة فائتة من لوي و تسعين وخمسين من كليو !
قالها بكل جدية من ثم بدأ بالنقر على الأزرار على ما يبدو للاتصال ، مددت ذراعي لأخذ الهاتف ولكنه أمسكهم ووضعم أسفل إبطيه يعيق حركتي
ـ لا تتصل مع المتعجرف ... هكذا خطةُ التعذيب ستفشل!
كنت أمزح عندما قلت بأنِّي عدت لطبيعتي ، تذمرت في حين أوليفير وضع الهاتف في أذنه ينتظر رد
ـ مرحبًا ... مهلًا لحظة ... انتظر يا صاح ، لا تصرخ ! ماذا ؟ ... لا لم أخطفها ؟! نعم إنها بخير، لا بأس لا بأس ... لكن لا تصرخ هكذا ! آه فهمت ... حسنًا ، نحن في شارع بولو نجلس على الأرض بقرب مقهى { ليلة في باريس } ، لا لم يحدث شي ... أقسم لك ، من أنــا ؟ صديق ... اسمي أولفير ، لا لم افعل شيء ! لا بأس ... نحن بانتظارك !
هذا ما سمعته ، حاولت الاعتراض ولكنه أقفل فمي كذلك ، من ثم رمى الهاتف صوبي وطفيف الغضب بدأ يعتريه ، حاولت الابتعاد عنه قليلًا قبل أن ينفجر
ـ لقد هربتي ولم تخبري المسكين ... أقسم بأن صوته دل على البكاء !
قال لي بكل جدية وعيناه تجول في وجهي ، تنهدت بتعب وأسندتُ يداي على ركبي وكوب القهوة بين يداي... بكاء قال ! ربما تماديت بالهرب دون إخباره
ـ دعه يتعلم ألا يجرح مشاعري ، وددت أن يموت من التأنيب ولكنك دمّرت مخططي العبقري!
دفنت وجهي في كف يداي أشعر بالألم الحاد في رأسي ، ربَّت أولفير على كتفاي بـمواساة
ـ لا بأس ! هل تودين إخباري ما حدث؟
قالها مقتربًا نحوي ،طأطأت رأسي بنفي من ثم رميت الهاتف صوبه
ـ أدخل رقمك ... لأنه من الممكن المجيء إلى هنا في المستقبل !
ـ لمــا ؟
قالها لي باستغراب ، وقفت على قدماي أحاول أن أجد التوازن قبل أن أنحني ولكن أولفير ساعدني من جديد ، نظرت له بضجر
ـ أنــا سمر هاريــس ... سأكون الوجه الجديد لكارولينا هيريرا!
قلتها أشمت حظي ، ضحك أولفير على الأغلب لا يصدق أي كلمة قد قلتها
ـ بتأكيد ... وأنــا مغنٍ عالمي قد نفذت تذاكر حفلته ~
عاد لضحك يظن بأنّي أمزح ، لم أعره الاهتمام وأشرت لهاتفي لإدخال رقمه ، امتثل هو للأمر ودون أرقام عشوائية من ثم أدخل اسمه ... أخذت الهاتف ووضعته في جيب البنطال
ـ أخبرني ... هل ستفتقد الغنــاء ؟
قلتها أنظر للأفق البعيد أحاول أن أبحث عن أثر لـ لوي ، بقينا صامتين لفترة طويلة قبل أن يجيب
ـ أحيانًا أفكر بالهروب من حياتي والإنضمام إليك في نيويورك من أجل الغنــاء !
نظرت له بشفقة ... من المؤسف أنه مرتبط بالعمل ؛ من أجل تلبية حاجة أسرته .
مازلت الذكرى واضحة ، قابلت أولفير في مطعم وجبات سريعة ـ كان نادل لطاولة التي تناولت الغذاء بها مع أماندا وماثيو ـ قررنا قبل أسبوع الذهاب في رحلة بريَّة لـ لوس انجلوس مع أحد الحافلات ، جمّعنا المال وذهبنا في سبيلنا من ثم توجهنا لهذا المطعم ؛ لأنه رخيص لتناول الطعام ، تبادلنا أطراف الحديث مع أولفير فهو شاب اجتماعي جدًا ، في النهاية طلب منَّا القدوم لمقهى { ليلة في باريس } لرؤية عرضه الغنائي مع الفرقة ...
لم نجد شيء أفضل من ذلك لذا وافقنا على الأمر ، كان يعمل ثلاث مرات في اليوم ، في الأول يوزع البريد لشركة كبيرة ، والثاني في مطعم رخيص، والثالث في مقهى { ليلة في باريس }... عائلته عارضت على احترافه للغناء وقالوا يمكنك الغناء في مقهى من أجل المال ، لأنك لن تصل لتك المرحلة من الاحترافية وأنك لست موهوب لتلك الدرجة ، كسروا أحلامه إن قلتوا لي ... ولكنه أبى الاستماع وأكمل مع الفرقة ، والآن يبدو بأن باب أحلامه أقفل تمامًا
ـ اتصل عليّ إن فعلت ذلك ... سأوفر لك مسكن ليوم ، من ثم أنت لوحدك!
حوطُ ذراعي على كتفاه معلمةً بأني سأكون بجانبه بطريقة مازحة ، حوط هو ايضًا ذراعه على كتفاي نستمتع بلحظة الصداقة هذه ... حسنًا يبدو بأني أملك أصدقاء جيدين ، ولكن هل أنا وحدي من لاحظ بأنهم فتيان وسيمون ؟!
ـ بحق الســـــماء سمر!
سمعت صوته المنهار يصرخ في عتمة الليل ، وقف على بعد متر منّا كما هو ولكن وجهه كئيب وعيناه حمراء ... يبدو بانه بكى ! لا أصدق ذلك ... لقد نجحت الخطة
نظر لي باستسلام مقتربًا مني ومن أولفير ولكن هذه المرة بدى مرتاحًا
ـ من الجيد أنك قدمت ... حظًا موفق معها ! شربت إحدى عشر كأس ~
أمسكني أولفر من خصري وسلمّني لـ لوي بلطف ، لوي أمسك ذراعي ووضعه على كتفاه يحاول انتشالي ...
ـ لا أريد الذهاب معه ... إنه متعجرف مفلس ~
تذمرت مثل طفل أحاول أن أقف على قدماي ، ضحك اولفير وحرك خصلات شعري بمزاح
ـ أراكِ ... اتصلِ بي من أجعل التسكع ، ولكن كوني واعية !
غمز لي من ثم التفت لرحيل ، بدأت بالبكاء مثل الحمقاء ... مما جعل لوي يفزع باحثًا عن سبب بكائي
ـ لا تتركني أرجوك ! ساكون هادءة ... ولكن ليس معه ، فهو اخرق لا يرى سوى نفسه في المرأة !
صرخت ناحية أولفير الذي ضحك من ثم التفت صوبي مُريًا وجهه الجميل قبل الرحيل لآخر مرة
ـ لا أرى مشكلة هنــا ، أعني إن لم يكن يرى انعكاسه فالمرأة ؛ فأظن أنه خفاش!
أخرج انيابه وضحك من ثم عاد لسير صوب المقهى ، شعرت بجسدي يتحرك من ثم رأيت لوي يبتسم بغباء كعادته
ـ لما تبتسم هكذا ؟ ألا تراني منزعجة من ابتسامتك .... وأنا لم أغفر لك بعد !
تعثلمت طوال الطريق بتلك الكلمات ، احاول إزعاجه مع ذلك بقي هو صامت أو ضاحك في بعض الأحيان لما أتفوه به ، مثل "أنظر قطة سوداء ، سوداء بلون قلبك !"
ـ ظننت بأنك قُتلتي أو فررتي من الدولة !
قالت كليو تساعد لوي بحمل جثتي نحو السرير ، لقد أمضى لوي يبكي وجن جنونه أخذت تقول لي ... ولكنها توقفت لأن لوي جحظ بعيناه نحوها ، حاولتُ فك الأسر والقول باني قادرة على القيام بالامر لوحدي ، مع ذلك لم يستمعوا لي
ـ سأخبر الشرطة بأننا وجدناها !
قالت كليو من الفراغ ، نظرت لهم بغضب أحاول تحليل ما قالته كليو من أمر
ـ يا إلهي ... اتصلتم بالشرطة ؟! لمـــــــا
صرخت مناهرةً على السرير لاحتضان الوسادة بكل حب ، سمعت لوي وكليو يتناقشون من ثم ذهبت كليو لغرفتها للحديث مع الشرطة ونيل قسطًا من النوم ، لأن الساعة رابعة والنصف صباحًا على الأغلب
ـ سمر ... أمازلتي مستيقظة؟
أطلقت زمجرة دلت على استيقاظي ، من ثم شعرت بدفئ جسده بجانبي ، يبدو بأنه جلس على السرير كذلك
ـ أنــا .. أنا حقًا آسف
قالها لي ، التفت بسرعة لرؤيته ، كان ينظر لي بعيناه المرهقتان ... تنهدت من جديد وأعدلت في جلستي
ـ أعلــم ذلك ، وأردت تعذيبك ! ويبدو بأنني نجحت
أشرت على وجهه المتعب ، استطاع الابتسام ، أغمضت عيناي أشعر بالنعاس لأول مرة منذ بدء اليوم
ـ أنت تعلمين بانني لم أقصد ما قلت ! أعني إن أفلست من جديد فإني أود سمر هاريس أن تكون المشردة التي أعلق معها !
أخبرني يوضح وجهت نظره ، بقيت صامة أستمع لثرثرته الغريبة تلك ... فكل شيء خرج من فمه بدى مثل " واه الغرفة جميلة ، واااو لوي يملك شعر ناعم ، واااو أنا ثملة ، ووواو أرى نجوم الظهر ، واااااو يداي كبيرتان " بدأت أجن شيء فشيء
ـ أنا حقًا ممتن لك و ما فعلتيه ، ومدين بحياتي من أجلك ، فقط تفهمي أن ما قلته خرج من باب الغضب ، من المستحيل أن أقولها لك من جديد ، فقط سامحيني ... لا أريد ضغينة أخرى بالإضافة لوالدي !
شعرت بيداه تمسك يداي ، دق قلبي بقوة شديدة ... لم أستطع أن افتح عيناي ولكن مازلْتُ أرى عيناه الزرقاء تنتظر إجابتي
ـ بشرط !
رفعت أصبعي السبابة بكل جهد " أي شيء" أطلعني لوي من ثم أخذت نفسًا عميق أحاول ألا أتعثلم على كلماتي
ـ اذا فزتَ أو خسرتْ القضية ستحصل على السيارة ... وأود منك أن تعلِّمني القيادة ولا يمكنك التذمر أو الشتم أو الغضب إن حطمتها لألف قطعة!
قلتها ضاحكةً ، من ثم أمسكت الوسادة ووقفت على أقدامي متوجهة للأريكة
ـ اتفقنا ... ولكن قوليها !
ـ يا إلهي لوي ... لا تلح فأنت تؤلم رأسي ، حسنًا أسامحك لا أملك ضغينة اتجاهك !
قلتها ممسكةً راسي ، فقد قال كلماته بصوت مرتفع آلم راسي بشدة ، بدأت بالمشي ولكن بأعجوبة
ـ كنت سآخذ السرير وأترك تنام على الأريكة ولكن بما أننا أصدقاء من جديد الآن سأنام على الأريكة!
ضحك لوي من بعدها شعرت بجسدي يلقى على السرير ، التفت لـ لوي الذي جلس بجانبي ويده على رسغي يبتسم كالأبله المعتاد
ـ لا بأس نامي هنــا ، سأنام على الأريكة على سبيل التغير ~
قالها ممسكةً بوسادة ومتوجهًا للأريكة ، ابتسمت أشعر بالفرحة قليلًا من ثم نظرت له متذكرةً شيء
ـ لــوي ...
قلتها بطريقة غريبة جعلته يضحك وينظر لي
ـ نعم سمر !
قال كلماته بذات النبرة التي استخدمتها لاضحكه كذلك
ـ أنت تعلم بأني لن أتذكر معظم ما حدث بيننا غدًا ، لذا اود شوكولاتة و باقة من الورود كي أسامحك من جديد ~
* يتبع