وبالطبـع, كأس شـايٍ لا يبـرُد!
بهاء تلـك اللـيلةِ الصيفية, لن، ولم يضاهي ما رقَد بلا مبالاةٍ على
قدميه لساعاتٍ حتى أحس بالخدر.
خصلـاتٌ سوداء طويلـة تبعثـرَت كما لو كـانت تود تغطيته, و وجهٌ قارب في استدارته البدر, لـا يشوبه قلقٌ, تعبٌ, أو مرض.
-
كنـز، -
هو ما يتبادر لذهنه. كنـزٌ يرقدُ أرضاً لا خريطَة لها.
برأيـه, ذاك, وإن عارضَ
تسوبامي, أكثـر وصفٍ يليق بـ
يوكي.
"
هِيـمي, أرجـوكِ لا تفعلي هذا ! "
كِنـتا نوريـكو فتـاةٌ قد طفحَ الكيـل معها. وتذمـر
آيـا لم يكن يساعِدُ البتـة.
لقَـد كـان يومـاً خريفـياً حزينـاً ثائراً وكأنما أقسـمَ على نشـر البغضـاء والأسى.
كثيـرون هم الذين قالوا أن ذلكـ يرجع بلا شَـكٍ لأحدث قصيـدةٍ
كتـبتها
ماري عن فصل الخريف.
وصراحةً، لَـن يستطيعَ قديسٌ كتمَ غيظِـه إن همتّ
ماري بكتابة قصيدَةٍ عنه!
الريـح ما عادت تغنـي السمفونيَّة التـي يتغزل تحـتَ ظلها العشـاقِ كمـا تكون
دائـماً في مثل هذه الأيام، والسمـاء تبدو أكثر كزوبعَةٍ لا نهايَة لها،
من أزرق يتبسّـمُ بعض السُحـب.
ببسـاطَةٍ شديدة، لقَـد كان يوماً عكِرَ المزاج....
مثل
نوريكـو.
"
آيـا, لقَـد أخبـرتِكِ كثيـراً أن قراري هذا لـا تراجُعَ فيـه! "
"
ولكِـن هيمي, أرجوكِ.."
"
آيـا, قلتُ كفـى! أنتِـ تعلميـن أننـي, لا أتردد في ضربِ الخَدم!! "
وكَدمَـةٌ تلونّـت بالأزرق والأرجواني على خد
آيا تدل على أن ذلك
ليس شيئاً سوى الحقيقَة.
"
ولكـِن هيمي, إن اكتشفكِ شخصٌ ما, فلا أحَد يعلَـم ما يمكِنُ أن يحدُثَـ لكِ.. ما يمكن أن يحدُثَ لوالِدك! "
حجـةٌ جيدَة،وسببٌ مقنـعٌ لحثها علـى التـراجع.
إلا أن
نوريكـو-هيمي قد غاصـت لحدٍ ما عادت تسمـع به صـوت المنطق.
"
شعـرٌ أسودُ منسدِل دائماً, عينـان خلابتان, صوتٌ دافئ، وابتسامَةٌ جميـلةَ..أكثـر مما يمكن أن تحلم به الفتاة! "
ما تقولوه دائمـاً. وفي كلِّ مرةٍ تردد هذه العبـارة تتبسَّـم
لآيا بفخـرٍ أكثـر
من السابق، وكـأنما تحاول إقناع نفسـها، وليسـ
آيا!
"
فقَط إحرصي على أن لا يتمَّ اكتشافك. "
أردفت
نوريكو بإصرارٍ حينَ رأت
آيا تراقبهـا بتعابير تملـؤها قلةِ الحيلَة،
الإرهاق، وبعض من الخـوف.
تعـابيرٌ بدت غريبة، هجينَة حتى حين برقت من عيني
آيـا اللوزيتين اللتان دائـماً،
حتى في أصعب الأوقات، حافظتا علـى هدوئهما ورزانتهما.
-
سهلٌ عليها أن تقول هذا !-
شعـرت
آيـا بالحنقِ، وقد طأطأت رأسـها وكورَّت قبضتـيها الصغيرتين بشـدة
أصبحت معها يدها بيضاءً حولـ القماش الليـلكيِ الخشـن والمثيـر
للحكة للـكيمونو الذي ترتديه.
ستغـضب
تشيهـيرو-سان حتمـاً إن رأتـ التجـاعيد التي كسـت جزءاً جيداً من الكيـمونو بسـبب تشبثهـا به هكذا،
"
خـادمة لـنوريكو-هيـمي يجب أن تكـون بأبهى حلة، "
دائمـاً ما تقول. ولكـن فـي هذه اللحـظة،
آيـا لا تكتـرث فعلاً.
فلـم يكـن وكـأن رداء الخـادمات البـالي خاصتـها يقـارن بكيـمونو
نوريكـو-هيـمي
الأزرق المخملي، ذو نقوشٍ لورد الياسـمين الأبيـض التـي بدت ذهبيَّـةً
تحـتَ الضوء الخـافِت للشمـوع المنـزويـة عند طـرف الغرفة.
ولكـن، منذ متـى كانـت تقارن
بنوريـكو أسـاساً!
-
لـن تقتل هي إن أمسـكَ بها! –
آيـا ليست بغبيـةٍ أو حمقـاء، فهي تعلـم بأن هذه "العمليـةٌ" أخطـر من أنـ تنفذ
لسببٍ تافه.
فكرَّت للحظـةٍ بـأن تقول كلـ هذه الخطةِ السخيفَـة لأختِ
نوريـكو-هيمي الكبـرى,
عسـاها تكون أكثر عقلانية, وتوقفها عند حدها.. ربما تضربها أيضاً!
ستسـعد
آيـا كثيراً حينـها، وإن كانـت تعلـم أن المشنقَـة ستنتظـرها لا محالَة
لخيـانتها
نوريكو-هيمي, كونـها خادمتها الشخصية منـذ الصغر.
منـ ناحيـة أخرى، نفـس تلكـ المشنقَـة سترحب بهـا إن قامت بهذا الجنون أيضاً.
ولا أحد سيلوم
نوريكو-هيمي حتـى إن أخبـرتهم
آيـا, عنـد فواتـ الأوان.
سيعـلمون بأنها هي، ولكنـ جميعـهم سيدعـون الجهـل والبـراءة.
"
كـاذبة ! "
"
مخـادعة ! "
"
تودين إيقـاع نوريكو -هيمي بالمشـاكل!؟ "
"
لطـالما كنـت تغارين منها! "
لقـد كان بـإمكانها تخيـلهم فعلاً.
-
قـد تحميـني أخت نوريكو-هيمي الكبرى.. -
إن كان الموتـُ لـا مفرَّ منه، فتفضل الذي سيؤدي لعذاب
نوريكو-هيمي أكثر..
ستخبـر
ريكـو-تشـان بكل شيء.
"
أ..أمركـِ يا هيمي. "
ولكـنها، لـلآن، ستدعـي الجهـل والطـاعة.
رائحـةُ الطعامِ شهيـةٌ عميقَةُ فالغرفة.
كانَت تلـك الأخـرى واسِعَة تسـعُ علـى الأقـل مائة شخص, ولكنها لم تكتنِف
في هذا اليومِ سوى خمسةٍ وعشرين شخصاً.
جلسـ أغلبهـم جلسـة السيـزا حـول طـاولَةٍ منخفضَة مصنـوعة من خشـب
شجـر الأرز الصلب الداكـن اللون، يكسـوها غطـاءً من حـريرٍ
أبيـض ذا حوافـٍ زهـرية اللـون.
بـدا الطعـام لذيذاً شهيـاً، يسيل اللعاب، يتـراوح ما بين أصغـر المقبـلات ا
لشهيـة علـى أطبـاقٍ رخـامية صغيـرة، حتـى المأكـولات الرئيـسية
متنوعة الأصناف.
مـا بدا شاذاً وغريبـاً في هذه الصورة، أن لم يبدُ أحدٌ مِن الحـاضريـنَ وكـأنه
يـود تنـاوله، فلـم يمد أحـدهم يده لأعـواد الطعـام أمـامه, بل كانـوا
يحدقون له إما فـي مللٍ، إشمئزاز، أو حتـى ببسـاطَةٍ لـا مبالاة.
ليـس الثراء بالضـرورة السببـ لهذا التعالـي والكبـر، ولكـن أغلبَ هؤلـاء
الناس حضـروا حفلـاتٍ ومأدوباتٍ أكثـر مما يجب أن يـحضرها الإنسـان
العادي في حيـاته!
"
تاكيهيرو-كـن, أرجـو أن الرحلَـة لقصـري المتواضِع كـانت خفيفَةً غيرَ شـاقَّة؟ "
كِنتـا هوتارو. رجـلٌ في عقدِه الخامس.
قد تظن أنه مع عمره هذا وثروتِه قد نالَـ كفايتَهُ من الحياة, ولكِـن ذلك معاكسٌ
تماماً لما يحدث واقعاً.
فهوتارو قد تـزوج قبلَـ فتـرةٍ وجيـزة فقط حسنـاءً فقيّرَةً هامَ بحبها منذ أولِّ نظرة.
"
إنـي أشفق عليها, "
كان تبريره. بالطـبع، الجميع يعلم أن ذلك محضُ هراء!, فلم تكن هذه أولَ
مرةٍ يتزوجُ فيها فتـاةً تقارب ابنته الكبـرى فالعمر, ولكِـن مع مالهِ تأتي
قوةٌ تخرسُ الجميع.
"
أجـل, كنـتا-دونو. لقَـد كانَت مرحَـةً, وحتى ممتعة إن سمحتَ ليَّ بالقول! فالعربة التي ارسلتها مزودةٌ بأفخم الوسائـد, والمرافق لم يكن شيئاً سوى مهذبٍ ممتع الرفقة! "
محـادثاتٌ بسيـطة لـا أحد يعلمُ لمـا بـاشرها
كنـتا-دونو الآن، بعد
بضـع ساعات من وصولـهم للقصـر وراحتهـم في غرفهم قليـلاً قبـل أن يتـوجهوا إلـى هنا.
هنـأ
تاكيـهيرو نفسـه لثبـات ابتسـامته، واللطف والتهـذيب اللذان تخـللا صوته رغـم الشعـور العميق بالقـلق المتقلـب في قاع معدته.
"
آه, شيءُ طيب..شيء طيب! هلـ أخبرَك عن....؟ "
فهـذا الإهتـمام الـذي أبداه
كنـتا-دونو بتـاكيهيرو شوتـا كـان، علـى أقـل صعيـدٍ، مقلقاً.
الثـرثرة والخـوض في محـادثاتٍ لـا طائل لهـا لم يكن قط مـن طباع
كنـتا-دونو،
بالإضـافة إلـى أن الشعـور الغريـب في معدتـه، والغيـاب المريـب
لابنـة
كنتـا-دونو الصغـرى،
دوريـتشو، أو شيء ما، لم يفعـلا
شيئـاً لتهـدئة قلقه.
قـد يكـون
شوتـا طيبـاً رؤوفـاً، ولكـنه ليس بأحمَـق قط.
لقـد كان مدركـاً أكثـر من أيـة شخص كم كـانت
دوريتشو، أو شيءٌ ما،
متيـمةً بحبـه، بقـدر علمه بالهمـسات والمقـارنات التـي تدور حوله
وخصيـمه الجـالس مواجهاً له فالطـاولة.
مضحكـون، هم النـاس. يظـنون أن عداوةً وثـأراً يقفـان دوماً بينـهما من كل
الجهـات، لأنه تاكيـهيرو وذاك الآخر
ساتومـي، ولكـنهما واقعـاً أعز الأصدقـاء!
-
ليـس وكأن ساتومـي-كن سيعترف بهـذا قريباً -
ولكـنهما فعـلاً، رغـم صداقتهما قد كـانا نقيضيـن قلبـاً وقـالباً. كالشـمس والقمر.
وأبسـط مثالٍ يدل على ذلك، جلستـهما. انطـوت قدمـا
شوتا تحت فخذيـه
بجلسة السيـزا الرسميـة-والمؤلمة- كأغلب الضيوف، وكفـاه يرقدان
فوقَـ ركبتيه.
وحـده
ساتـومي جلَسَ باسترخـاءٍ وقَد سنَـد إحـدى قدميه علـى الطـاولة
في زاوية تسـعين-درجة فوق الأخـرى اللتي امتدتـ بموازاة الأرض.
تمنـى أحياناً لو يمتلـك نرجسيـة
سـاتومي-كن هذه.
آه، صحيح..
دوريتشـو، أو شيءٌ ما...
العيـب الأكبـر في تلـك العلاقة هو أنه علـى مشـارف العشـرين، و
هـي مجـرد طفلَـة فالرابـعة عشـر.
بالـرغم من أن أبـاه سيسعـد جداً بهـذا الزواج، نظـراً لمـكانة والِـدها وثرائه،
إلـا أن هذه تضحيـةٌ ليـس أهـلاً لها.
ليـس الآن علـى الأقل. ف
دوريتشـو، أو شيءٌ ما، كـانت جميلَـةً نوعاً ما..
خصـلاتُ كستـنائيةٌ تداعبُ ملـابسها كأوراق الخـريف، وعينـان زمـرديتان
تبرقان أكثـر من أي جوهـرةٍ رآها حـول بشـرةٍ مـلائكيةٍ بيضـاء.
ستـكبر لتكـون حسنـاءً، بلا شك, دائمـاً ما يفكـر. يتمنـى فقـط أن يكـون
في مقـدورها الانتظـار.
..
-
أيـن هي بالأصـل؟ -
-
لقد حـان الوقـت -
لقد جـزمَت سلفـاً بأن تبعث الخشية من الموت لديها خوفاً ترتجفُ معـه أطـرافها
وتصـطك منـه أسنـانها كما لو كـانت إحـدى ليـالي الشتـاء.
ليـس شتـاءً بل خـريف. وليـس ليلاً بل سـاعتان تقريباً بعـد الظـهر إن لم
تكـن مخطئـةً حول وضعـ الشمس التي توارت خلف السحـب.
ومـا تشعـر به ليـس خوفاً، هلعاً، أو فزع .. بـل فراغ.
فراغٌ يلحق شخصاً أعمى يدرك أن قـدماه ستدوسـان النار, ولا يعلم كيف
يبتعد عنها.
-
لقـد فاتَ الأوان. -
لـا يمكن لها أن تقنع
نوريكو-باكـا,
-
إن كانت سـأموت فلا بأس بالقـليل من عدم الاحتـرام ! -
ولا حتى أن تخبـر
ريكـو-تشـان.
فقد تبين أن تلـك الأخرى عصفـت خارج القـصـر في نوبة غضبٍ بعـد
شـجارٍ آخـر مع والدها، وتوجهـت لبيـت خالتها الذي يبعد بضع ساعاتٍ من هنا
وبرفقـتها أخوها الأصغـر.
لقـد قيل لهـا بأن
ريكـو-تشان لن تعود إلا عنـدما يسـدل الليل عباءته على السماء،
وقـد هدأت ثورتها قليـلاً.
حتـى إن ودت أن تبعث أحدهم ليحـضرها, فهـي تعلـم أن كـل الرمـال سـاكنة,
وقد نـفَذّ منـها الوقـت.
فات الأوان.
-
إما الآن, أو لا -
تنهدَّت بعمقٍ جعل بضعاً من الخادمات اللاتي عيّنَّ لهذه المناسبة تحديداً يدِرنـَ
رؤوسهن ويحدقنَ بها بـأعينٍ تبرق في فضول، ووجـوهٍ شـاحبةٍ، من العمـل
فالبـرد طوال اليـوم ، بلـا مشاعر.
مثـل خـادماتٍ مثـاليات.
إلا أنها لم تأبه بهم, أو حتـى تهدِهـم نظـرةً تصطـرخ الفـراغ الذي داعـب
بمخـالبه وعيـها، وسكـونها الهش.
لقَـد أثنَت علـى نفسـها سراً لبقاءها واقفَةً دون حراك حين همت خادمتان
بفتح الباب الكبيـر المؤدي إلى غرفَة الطعام,
و طأطأت رأسها في أدبٍ, فلا يليقُ لها أن تحدق بالضيوف كما أصرت
ناتسومي-سـاما، زوجة
هوتارو-دونو الجديدة، على جميع الخادمات،
وتوجهت نحو موقـعها.
لم تكـن
نوريكو-هيمي حمقاءً وإن بدا عليها ذلك، فلقَـد أمرت بقيَّة الخادِماتِ
مسبقاً بأن يصطفـوا بـأي رتيـبٍ شـاءوا, لكـن
يجـب أن تكـون
آيا الـرابعة بيـنهم.
لم يسألها أحد عن السبب.
بخطواتٍ خفيفةٍ لا يسمعها أحد, وعينين لم تغـادر الأرضيَـة الملسـاء التي
برقَـت، لتنظيفـها وعدد من الخادمـات إيـاها صبـاحاً، توجهت نحـو "موقعها".
-
الشخـص الثالث يمـين هوتـارو-دونو -
إنـ لم تكن تعـلم أن فعلـتها ستجـذب إنتـباهاً لـا فائدة لـه، لـكانت
ستضـحك كثيـراً.
شعـورٌ غريـبٌ احتـل الفراغ الذي سكـنها.
أن تعـرف أنه إن لم تنجـح، ستمـوت فوراً..شعورٌ غريـبٌ حقاً.
-
هذا ليـس الوقت للأسـى -
حيـنَ جلَسـت هي ذاتـها جلسـة السيـزا خلـفه وفي يدهـا وعـاء نبيـذ,
لم ترَ بسببِ رأسها المطأطأ شيئـاً سوى كتفٍ عريضٍ يكسوه قماشٌ
أسود لهـاوري تحسبه, إن لم تكن مخطئةً، من الحرير,
وقد تسـاقَط شعـرٌ بنـيٌ داكنٌ حوله كمـا لو يود الاندماج مع القمـاش
الناعم لهـاوري
تـاكيهيرو-سـاما.
ذاكـ الشعـور ازداد بشـكلٍ مخيفٍ حيـن وقفت خلفـه، مستعـدةً لتملـأ
كأس النبيـذ خاصته.
هـذا الرجـل, وإن لـم تره, لم يكـن بنـظرها لطيـفاً، أو مبهـجاً كما
ادعـت
نوريـكو-هيمي.
-
بـارد.. قاسٍ.. -
لم تدرك هـل هذا الشعـور هو مجـرد الخـوف يظهـر رأسه البشع،
أما أن هـذا الرجل..
-
شيـطان-
فـزعت للحظـةٍ من تفكيـرها هذا, كمـا لو أنـها استيقـظت مـن
السحـر المنـوم لهـلته السـوداء تلـك..
-
كيـف لـي أن أنـادي تاكيـهيرو-سـاما بهذا !! -
تاكيـهيرو-سـاما الرقيـق، العطـوف الذي لم تقـل
نوريكو-هيـمي عنه إلـا
أطيُب الحديـث.
تاكـيهيرو-سـاما الذي حدثـها, هي إن كانـت خادمَـةً حقيـرةً لـا يليـق
لها حتـى النظـر لوجهه, بألطف صوتٍ ونبـرَة.
الـرجل الذيـ هـي علـى وشـك أن..
-
دعكـ من هذا وركزي.. -
مـرت الدقـائق سـريعاً واندمـجَت ببعـضها حـتى استحـالت كلـها سـاعَةً كـاِملة.
لـاحظت أنه لـم ينبـس ببنـت شفة قط طوالـ الوقـت، بلـ ظـل يقـلب النبـيذ في
كأسـه بخفـةٍ ليـرتشفه بعد لحـظاتٍ.
المرَّة الأولى التي مَدَّ بها الكوب, تفاجأت لحدٍّ جعلها تقفز قليلاً في مكانها
وتـرفع رأسـها صدمَـةً لتنـظر لمؤخـر رأسه.
أدركـت اندمـجت كثيـراً بمراقبـة تحـركاته حتـى أنها لـم تلحَظ يده المـدودة
إلا حيـنما هز كأسـه قليـلاً. فتداركت نفسها بسـرعة وصبَّت
فالكأس مزيداً من الشراب، سعيدةً بأنه لم يقـم بالنظـر إليـها أو توبيـخها.
تكرر هذه الأمر عدة مراتٍ لحـدٍ شعـرت به
آيـا ببعض الراحة.
-
ربمـا إن كان مخمـوراً، لـن يلحظني .. -
صرخـةٌ مدويـة أدتـ لقفـزها فـي مكانهـا مـرةً أخـرى, وسمحـت لشهقـةٍ صغيـرَة بـأن تهـرب من فاهـها.
-
صرخَـة.. -
"
ذلـك صوت نوريكو-هيـمي!! "
"
لقَـد أتـى من الخـارج!! "
-
إنـها إشـارتي. -
تشنـجت في مكـانها قليـلاً حيـن لاحِظـت أنـه لم يتحـرك مـن مكـانه
كمـا توقعَـت، بـل ظلَّ يحـدق يمنَـةً ويسـرةً فـي حذرٍ، وعضـلاته
بدت منقبضَـةً في استعـدادٍ للهـجوم.
لـقد فات الأوان للتـراجع
بيـدين ثابتـتين ثبـاتاً لا يعكـس الزوابع داخلها، مدت بيـدها لذراع الكيمـونو
خفيـةً وشدت قبضَتها حـول تلكَ الزجـاجة الصغيرة الحـاوية لسـائلٍ بلا
لونٍ، طعمٍ، أو رائحة.
فتحتها بسـلاسةٍ ومن دون أن تزيحـ عيـنيها عن الرجـل أمامها ولـو
للحـظة، صبت محتواها داخـل كأسِ النبيـذ.
..
لم ينظـر حتـى لها.
هـدأ النـاس سريعاً مجـدداً،منهم الساخطـون والحـانقون علـى
نوريكـو-هيمي،
لإثـارة كـل هذه الجـلبة بسـبب "
فأرٍ مر أمـامها".
عـاد
تاكـيهيرو-ساما لتقليـب النبيـذ في كأسه بدلاً من تقلـيب نـاظريه
بين الحـاضرين كما كـان يفـعل سـابقاً، يرتشـفه قليـلاً، ويقلبه قليـلاً.
اللـحظة التـي مد فيها كأسـه وهمتـ بصـبه له محبـوسة الأنفـاس..
في تلـك اللحـظة أدركـت أنهـا اقترفَـت خطـأً جسيـماً.
فـي الثواني القـليلة التـي أخذتها قطـرات الشراب الأحمـر القاني
كي تسـتقر قاع كـأسه الخشـبي، تذكرت تفصيـلاً صغيـراً، لـا تدري
كيـف غاب عنها.
:
شعـرٌ أسود منسدِل دائماً, عينـان خلابتان, صوتٌ دافئ، وابتسامَةٌ جميـلةَ.. أكثـر مما يمكن أن تحلم به الفتاة!:
-
شعـرٌ أسـود منسـدل.. شعـرٌ أسـود.. -
الرجـل أمـامها .. بنـي الشعـر.
"
أهـو سم؟ "
صـوتٌ قـاسٍ كالفولـاذ.
"
عَـ.. عفواً؟!! "
-
هـذا الرجل.. -
لقـد ظهـر كل شيءٍ حينـها.
سمحـت لكـل الرعـب أن يغادر شفتـيها اللتان ارتجفـتا كما بقيـة جسـدها,
وربـما أكثـر.
طـوال حيـاتها, لـم تكـن كسيـرة الصـوت مهـزوزة الكيـان.
ولكـن فـي هذه اللـحظة..وأمـام
هـذا الرجـل..
"
ما وضعتيه في الشـراب تواً.. أهـو سماً ؟ "
-
ليـس تاكيـهيرو-سـاما .. ! -