عيون العرب - ملتقى العالم العربي

العودة   عيون العرب - ملتقى العالم العربي > عيـون القصص والروايات > روايات و قصص الانمي > روايات الأنيمي المكتملة

Like Tree460Likes
إضافة رد
 
LinkBack أدوات الموضوع التقييم: تقييم الموضوع: 9 تصويتات, المعدل 5.00. انواع عرض الموضوع
  #86  
قديم 11-05-2017, 06:39 PM
 

[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_01_17148491402152649.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

.
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]

[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[/ALIGN]
[/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_01_17148491402152649.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]
[ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_01_17148491402152649.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][LEFT]



[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:100%;background-image:url('http://up.arabseyes.com/uploads2013/20_01_17148491402152649.png');"][CELL="filter:;"][ALIGN=center][ALIGN=CENTER][TABLETEXT="width:90%;"][CELL="filter:;"][ALIGN=center]






تدثر قلمك بعباءة الجمال والرقي
كريستال









الفصل العاشر : زيف الحقيقة






انقلاب للظروف وانعكاس للأدوار.

جلبة أُحدثت هاهنا في وقت مجهول سببها غير مُعلن، والجو المشحون بالسكون ليس بمُبَرَّر!

محال مدمرة زجاجها محطم ومحتوياتها مترامية في جميع الأماكن عدا مكانها الأصلي وما عادت تصلح للاستخدام البشري كشاشة البلازما المهشمة أمامه! مركبات ركنت كحشرات مزعجة في الشارع بعضها لم يعد يصلح لأن يقال عنها مركبة والقسم الآخر فقد أحد أجزائه الرئيسية.

وقف هايريت هنا وسط الأجواء الفوضوية التي قلبت المدينة بما عليها، ولكنه لم يهتم لكل هذا ولم يفكر حتى في تفسير منطقي لما جرى في هذه البقعة، فهذه الفوضى لم تكن الوحيدة هاهنا بل لم تكن بقدر تلك التي كان عليها شخصياً!

حصر بصره على نفسه وبقي يمرر نظراته من كتفيه حتى أخمص قدميه غاضباً، حانقاً أو ربما كان مشتعلاً على حافة الانفجار فشعوره في هذه اللحظات ما كان شعوراً طبيعياً فهو يعلم مقدار نفسه..

طبيعته المناقضة ما أظهرها يوماً لغيره عدا اثنين، من كان من لحمه ودمه ذلك الذي تحولت مصالحه وأهدافه لأجله، وتلك التي اخترقت بمهارة الحاجز الذي أحاط به نفسه على غير علم منها منذ أول لقاء، لم يكن لقاءً بالمعنى الحرفي بل كان أشبه بحرب نظرات غير مرئية، لاحظت زيارته الدائمة لمدينة الألعاب الإلكترونية حيث اتخذت لها عملاً ينسيها بعض تلك الأسباب التي قلبت لها بعض المفاهيم، تجرأت وحدثته يوماً فقبل عن وعي صادق وذهن متفتح، قرأ تساؤلاتها الداخلية فيما يخص هويته ولم يستطع ألا يكون صادقاً محسناً استغلال الظروف مع طيبتها وبراءة نظراتها المنكسرة تلك!

علم أنه كان لديها خطبٌ ما وعمل جاهداً على سبر أغوارها ونجح...

لكن أيحق له اسداء نصائح غريبة وهو الذي اتخذ لنفسه ذلك الاعوجاج استقامةً مبنية على أساسات هشة يبرر بواسطتها ما فعله وما زال يفعله بتعطش ذئب ينتظر اكتمال ضوء القمر القرمزي؟!

رفع حاجباً متعجباً هذا الانقلاب العكسي لنطاق تفكيره، من بين تلك الأحداث التي مر بها والتي يمر بها الآن أخذ عقله يستذكرها؟!

وبخ نفسه سرياً على هذا وعاد لوضعه الأساسي، إلى هذه الكومة من الأقمشة الزرقاء التي أحاطت جسده، شعر بسرعة تدفق الدماء في شرايينه وبرزت عروق رقبته ولم يمهل صوته دقيقة لصمت آخر..

" ما هذه السخافة التي أرتديها بحق؟"

انفجر صارخاً وهو يمرر يده على السترة الزرقاء الداكنة التي احتضنت أسفلها قميصاً أزرق سماوياً ثم لمس المسدس الأسود المعلق على حزام حول خاصرته مصوباً نظراته إلى الآخر المثبت بفخذه الأيمن فوق سروال كحلي اللون،

كانا من نوع ( (FN-571 أي أنه يمتلك (40) رصاصة في مستودعهما متحدياً بها الستر المضادة للرصاص... ورغم كل هذا إلا أنه لم ينبهر بما حمل لأن ما هو واقع به أعظم.

ازدرد لعابه وتلك الفكرة التي قفزت إلى ذهنه أرعبته، رفع يده متردداً إلى رأسه وتمنى أن تقع يده على خصلته الشيباء لكنه عوضاً عنها شعر بملمس قبعة - خمن لونها – على أطراف أنامله الطويلة، سمحت هذه اللمسة للكهرباء بالسريان عبر جسده بشكل أجفله.

بحث عقله جاهداً عن تفسيراتٍ مقنعة ليفهم سبب ارتدائه ملابس الشرطة هذه، عدا عن هذا فهو ليس غاضباً البتة لوجوده في هكذا مكان بل شعر بجرعات من الإثارة تتفجر داخل خلاياه فلطالما تمنى رؤية سيارات الشرطة محطمة بسببه.

وهل الخراب هنا من افتعاله؟! أوليست حالته الآن مريبة؟!

يلبس كما أولئك أوغاد الحكومة!

" لكن بحق لماذا أرتدي زيهم الآن؟"

تمسك هذه المرة بالقبعة بقوة وسحبها إلى الأعلى ليلقي بها بعيداً عن رأسه...

وكما لو أن هناك سحراً قد ألقي عليه جعل القبعة تلتصق بفروة رأسه فباتت جزءاً لا يتجزأ من مكوناته....

كانت ثانية فقط تلك المدة التي شتم بعدها عندما شعر بأن جذور شعره كادت تقتلع من مكانها.

اتسعت مقلتاه بتأثير الصدمة لتخيله شكل رأسه يلمع تحت الأضواء بلا خصلته الشيباء الثمينة وبدون شعره الأدجن الذي ورثه عن جده الأقدم وصولاً إليه تتابعاً..

" ما الذي يحدث؟"

سأل نفسه مع علمه أنه لن يستطيع الإجابة، على الأقل تكلم ليكسر صمت المكان...

تنهد بهدوء وبعد أن يأس من محاولة نزع القبعة حاول فعل شيء آخر، لكنه لا يختلف عن نيته السابقة فهو قطعاً لن يحتمل البقاء لأكثر من هذا الوقت بهذه الملابس المقرفة.

أمسك أطراف القميص وحاول نزعه لكنه لم ينتزع.

" تريث هايريت واصبر قليلاً وفكر بروية."

حث نفسه على الهدوء وهو يبعد يديه عن القميص بعد أن يئس من المحاولة.

مرر نظره حوله متفقداً المكان مرة أخرى، رأى على يمينه سيارتان للشرطة الأولى محطمة من الأمام والأخرى فقدت أحد أبوابها، يمكنه إدراك حقيقة واحدة بعد رؤيته لكل هذا، لقد حدث اشتباك بين رجال الشرطة وأحد العصابات أو ربما مع شخصِ يحب اللهو وجلب الإزعاج لسادة القانون مثله تماماً...

ليس هو الفاعل وهذه ليست موسكو وليست أي مدينة أخرى في روسيا فأين هو إذاً؟!

" ما شأني بهذا كله أريد العودة إلى موسكو."

صمت قليلاً ووجه نظرات غاضبة إلى ملابسه وأكمل بعصبية: " والأهم التخلص من هذه القمامة."

زفر كتنين هائج وبدا أن هايريت الهادئ قرر الخروج عن طوره المعتاد، ولأنه كان بحاجة إلى وجود عقله الواعي أغمض عينيه وأدخل الهواء إلى رئتيه وأخرجه بانتظام وكرر العملية حتى هدأت أعصابه....

وفي هذه اللحظات انتابه شعور بأنه لم يعد وحده، واستدار ليقابل الزقاق الذي كان خلفه وسأل مرتاباً: " من هناك؟"

- أيها الرجال لقد وجدت الضابط هايريت تعالوا بسرعة.

سمع هايريت الصوت قادماً من الزقاق واتخذ سريعاً وضعية استعداد والتقط المسدس من الحزام وصوبه بذلك الاتجاه في انتظار القادم، لكن مهلاً!

هل سمع اسمه ملحقاً بكلمة ضابط؟!

عقد حاجبيه لكنه لم يجد وقتاً ليتفاجأ بسبب هذه الأمور الغريبة فقد ظهر أمامه مجموعة من الرجال ما بين الخمسة إلى السبعة يلبسون القميص الأزرق وبأيديهم مسدساتهم، رجال شرطة؟

" صدقاً هذا ما كان ينقصني."

تلك الدوامة سحبته من ميتة وشيكة ليرسله هذا الباب إلى ذات الورطة!

أعليه الهروب الآن؟

" قفوا مكانكم."

صرخ وهو يشهر المسدس في وجههم فجمدت خطواتهم بعد خروجهم إلى الطريق العام ولم تغب عن قزحيتيه البنية ملامحهم المتعجبة، استغربوا وقوفه في وجههم بهذا الشكل لكن سبب دهشته هو كان خفض أسلحتهم ووقوفهم بانضباط أمامه...

" ما الذي يجري هنا، لماذا لم تطلقوا النار علي؟"

سأل بصوت حاد محافظاً على وضعيته السابقة ولم ينتظر الرد طويلاً فقد أجابه الواقف في الوسط برسمية وبصوت جاد:

" سيدي نعتذر عن تأخرنا في الوصول إليك وأيضاً سيدي كيف تريدنا أن نطلق عليك النار وأنت الضابط هايريت؟!"

" الضابط؟ أتمزح معي يا هذا، لتوي قابلتكم وتقول لي أنني ضابط وفوق هذا أعمل في خدمة الحكومة!"

صرخ فيهم وزفر الهواء بغضب وعندما لم يجد أي تهديد لحياته بسبب هؤلاء اعتدل بوقفته وأعاد مسدسه إلى الحزام...

" أنت.. أجبني أين نحن؟"

أشار على الأوسط الذي كلمه قبل لحظات وتقدم منه حتى وقف مقابلاً له.

وهذا الشرطي صاحب الشعر الأشقر تكلم برسمية استفزت هايريت:

" سيدي نحن في المدينة ونطارد العصابة التي سرقت التحفة الأثرية هذا الصباح وحاولت اغتيال السيد ستارك، حضرة الضابط أنت سألت سؤالاً غريباً هل أنت بخير؟"

" لا، لست بخير هذا أكيد."

انتفض الرجال بعد صراخه في وجه الأشقر وحالة هايريت العصبية عادت إليه، أو من الأنسب القول أن عصبيته ازدادت مما هي عليه بسبب تلك الفكرة التي اتضحت أمامه وشعر أنه سيصاب بالجنون في أي لحظة.

" أنت لم تجبني بعد أين نحن الآن؟"

وزفر للمرة الثالثة واستدار عنهم ليحدق بالدمار حوله لكنه لاحظ شيئاً جديداً حيث كان يقف قبل دقائق، رأى دراجة نارية غلب على هيكلها اللون الأبيض والأسود بنسب متفاوتة، ليس صاحبها سوى رجل شرطة يسعى لتطبيق القانون تحت أي ظرف..

" سيقولون أنني قدمت بها إن سألتهم من أين أتت... ما هذا الجنون؟!"

التفت إليهم مرة أخرى وحدق بهم، وترك تلك الحقيقة تثبت داخل عقله...

في مكان لا يعرفه ورجال لم يقابلهم في حياته والأهم في هذا كله أنه ضابط شرطة في هذا المكان المجهول، أي عالم هذا الذي أدخله إليه ذلك الباب؟!

" كن فوق القانون تفعل ما تريد! حقاً؟ كيف هذا وأنا هنا من رجال الشرطة أطبق القانون وأمنع أي محاولة للخروج عنه؟"

تمتم بحنق وفكر في أي خطة تبعد هؤلاء القوم عنه، ولا يعلم لماذا امتدت يده إلى جيبه، ربما لتثبت له أنه رجل منهم وأن هذا ليس أحد الكوابيس المزعجة لاستحواذهم على تفكيره....

احتدت ملامحه الآن وهو يحدق في البطاقة التي تثبت له ما سمعه...

- أنا ضابط.

انفلتت ضحكات هستيرية من شفتيه صداها يرن في عينيه ودماغه قبل أذنيه،

وردد بلا وعي وهو في هذه الحالة التي ألجمت الرجال:

" بتُّ واحداً من هؤلاء الأوغاد في لحظات أقل من معدودة، أنا ضابط بعد أن كان رأسي مطلوباً ليعلق أسفل قانونهم التافه."

ابتلع الأشقر لعابه وفي نيته الاقتراب من هايريت لكنه ليس بتلك الحماقة، وتبادل النظرات مع البقية بلا حيلة وقرروا انتظاره حتى يستعيد نفسه...

توقف أخيراً وسكن لحظياً وأولى البطاقة اهتمامه، ولم يجد لها أفضل من هذا المصير حتى لو كانت صورته مطبوعة عليها لكنها وبكل الأحوال تجلب له العار التام.

ألقاها على الأرض وداس عليها يصب جام غضبه بها والرجال مصدومون، وعندما رفع رأسه وجدهم يحدقون به بأعين متسعة مدركين أن خطباً قد أصاب ضابطهم فقطب حاجبيه وصرخ فيهم:

" هذا مصير تلك الحماقة ومصيركم أبشع."

كشف عن أسنانه العلوية بتلك الابتسامة الجانبية، انتابته أفكار لا يعلم منبعها، وجدياً شعر بالبهجة لزيارتها...

وبات لديه انفصام هذا أكيد!

لقد وجده، طريق الخلاص من هذا المكان، والخطة سينفذها أجل، متى؟ بالتأكيد حالاً.

- أين تلك العصابة؟ وما الذي تفعلونه هنا، هل أنتم في نزهة أم ماذا؟

وتبع كلماته صوت جلبة منهم وهم يحدثون بعضهم وتقدم الأشقر كما لو كان الناطق الوحيد بينهم وصرح قائلاً:

" سيدي تتبعناهم وعلمنا مقرهم بقي أن نذهب إليهم ونلقي القبض عليهم، هم عبارة عن ثلاث رجال أحدهم أسمر البشرة قوي البنية، إنه أخطرهم."

هتف بهم: " ثلاثة رجال وأنتم سبعة، أتمزحون معي؟ وتلومونني على بغضي لبني فصيلتكم؟ انطلقوا خلفهم واقتلوهم هذا إذا لم يكونوا قد غيروا مكانهم وأنتم تقفون كالتماثيل هنا."

- حمقى.

تمتم محدثاً نفسه ثم وجه كلماته لهم مجبراً يده على الابتعاد قدر الإمكان عن المسدس ريثما يجد العصابة على الأقل.

- انطلقوا.

أشار الأشقر إلى الزقاق وركض الرجال ليعبروه.

بينما هايريت تنهد بهدوء وقال ساخراً: "سر مع التيار وإن كان لا يعجبك... ما الذي أستطيع فعله غير هذا؟"

ركب الدراجة النارية وانطلق خلفهم عبر الزقاق ليصل للشارع الآخر وما زالت الغرابة تتملكه، ما قصة هذه المدينة التي لا يوجد بها مواطنون، أو السؤال هو أين ذهب الجميع؟

إما أن يفهم ما يجري أو يصاب بالجنون ويجلس في زاوية متمنياً لو أن تلك الرصاصة أصابته في مقتل عوضاً عن ارساله إلى هذا المكان....

الحل في تلك العبارة على الباب، وهو قيد التنفيذ...

سيشفي غليله منهم هنا على الأقل، ما دامت نفسه لم تطاوعه لقتل شرطي واحد في موسكو فليفعل هذا هنا، لينتقم لوالده المسكين...

- صحيح والدك مسكين لكنه لم يكون الأول والأخير هايريت.

رفع هايريت حاجبيه عندما سمع هذا الصوت ونظر إلى يمينه ليجد شاباً يافعاً يركب دراجة هوائية يجاريه في السرعة..

- مواطن؟

أجاب الشاب مبتسماً: " أجل ولم الدهشة؟ أكنت تتوقع رؤية فضائيين هنا؟"

- لأصدقك القول أجل، شيء من هذا القبيل.. لكن هل هذه المدينة لك وحدك؟

- بالتأكيد لا، أنا بقيت هنا لمقابلتك، والآخرون خرجوا في رحلة، ألم تسمع ما قاله لك الشرطي عن قصة اغتيال السيد ستارك؟

- ستارك هذا الاسم مألوف لدي، أين سمعته ومتى؟

تمتم هايريت محدثاً نفسه وقطع الشاب تفكيره عندما قال: " لديك الحق في كره رجال الشرطة هايريت لكن ليس لديك الحق في تخطي حدودك."

وجه هايريت إليه نظرة سريعة قبل أن يعود بأنظاره إلى الأمام وسأل بجدية: " وما الذي تعرفه عني؟"

- ما تعرفه عن نفسك.

نظر إليه بأعين متفحصة، إلى تعابير وجهه البلهاء كما بدت له في الوهلة الأولى.

أراد أن يخترق حدود تفكير هذا الكائن المجاور له لكنه لم يعطه هذه اللحظة نظرة من عينيه الخضراوين، كان يحدق بالطريق ينتظر رد هايريت عليه.

ولم يمهله هايريت الوقت الكثير فقد علق على كلامه بنبرة جادة: " دعني أسألك في البداية، هل أنت قارئ للأفكار أو ما شابه؟

- قلت لك أنني أعرف كل ما يخصك.

هكذا أجاب الشاب ببساطة وهو يرفع كتفيه لكن هايريت لم يعجبه ما سمع وعلق منزعجاً:

" ليس تماماً عزيزي لو كنت تعرف كل ما يخصني لما قلت لي أنه ليس لدي الحق في تخطي حدودي، أنا بالذات إنسان لا توقفه أي حدود أنشأها رجال الحكومة الأوغاد."

- إذا كان هذا رأيك حتى الآن فأنا آسف لحالك، لا أظن أنك ستتخطى كل هذا إن بقيت بهذه العقلية.

قطب هايريت حاجبيه وسأل بشك: " ما الذي تقصده؟ أتعرف طريقاً يخرجني من هذا المكان؟"

- ما أقصده يا صديقي بعيد عنك كثيراً، تماماً حيث المكان الذي نترك فيه أمورنا العالقة، لن تفهمه ما لم تستمع لصوته أصلاً.

حملت كلمات الفتى معانٍ أكبر من تلك التي التصقت برأس هايريت، تجاهل المضمون ولم يفكر به أصلاً، وتمركز اهتمامه على تلك الجزئية الأولى، وكأنه لم يستمع إلى ما بعدها رغم أهميتها والحقيقة أنه استمع لكل كلمة.

- وقطعاً أنا بعمر عمك، فبأي لقبٍ ناديتني لتوك يا فتى؟!

قهقه الغريب مستمتعاً بتعكير مزاج هايريت المتدهور أساساً، أراد الحفاظ على هذا الجو بينهما بعيداً قليلاً عن هدف وجوده حيث هو الآن، بعيداً عن مهمته الأساسية التي جاء لأجلها.

- لكن عمي بلغ الخمسين من العمر قبل أربعة أشهر فهل بلغتها أنت أيضاً؟ هل أجريت عمليات جراحية كما تفعل النساء لتبدو أصغر من عمرك؟

- هل تعتقد أنك خفيف ظل يا فتى؟

ضحك من أعماق قلبه رافعاً رأسه إلى السماء الملبدة بالغيوم وكانت تنذر بالكثير هذا المساء، نظر الغريب كستنائي الشعر إلى ساعته وتمتم بما لم يفهمه هايريت الذي كان يحدق فيه مغتاظاً.

رفع الغريب حاجبه ساخراً من قوة تركيز ضيفه وقلة تركيزه، كان هايريت حاذقاً شديد التنبه لكنه رأى منه النقيض، غرابة ما وقع فيه أفقدته قدرته على التفكير السوي وهو لا يلومه أبداً، لكن ليس لهذه الدرجة، أيقن أنه حفظ تفاصيل وجهه لكنه لم يتنبه لما هو مهم، لما يجب عليه أن يلحظه من كلامه الذي يحمل الكثير ولو خفي عن آذان السامعين.

جاء ليرشده لمكان المفتاح وقد فعل عدا أنه لم يفعل بالشكل الذي يُفهم، وما الفائدة إن قال له مباشرة ما عليه فعله؟! لن يخبره بأمرها ولو استغرق هايريت من الوقت ما يعادل سنة قبل أن يتذكر ما ضاع من مخصصاته، خروجه من هذا المكان يعتمد عليه ليس على أي مخلوق آخر.

- يطلقون علي اسم جيرمي، أنت أيضاً خاطبني بهذا الاسم فمن الواضح أن هذا اللقاء لن يكون الأخير، وأترك كلمة فتى جانباً لأني لم أعد أستلطفها، وللعلم فقط أنا أنهيت ثانويتي قريباً، أنا شاب جامعي أي أنني شخص بالغ أعي طبيعة الأمور التي تجري من حولي أكثر منك حتى.

- لهذا تماماً أود القضاء عليك... أخبرني أين أنا وكيف لي أن أخرج من كل هذا.

- صدقني مفتاح الباب في جيبك.

نظر هايريت ببلاهة إلى جيبه حيث أشار المدعو جيرمي وسرعان ما تدارك تفاهة الموقف والتفت إلى الطريق عوضاً عن التحديق في وجه الآخر.

أخذ ما يعادل خمس دقائق صامتة اختلى فيها بأفكاره ثم تمتم بشرود وهو يرفع حاجبيه:

" سوف أفعل ما أريد، كنت وسأظل فوق القانون. "

- تماماً؟! ألم أخبرك المفتاح بحوزتك!

- ألا تدرك أن كلامك يحمل تناقضات مزعجة! أخبرتني أن ليس لدي الحق في تخطي حدودي والآن...

قاطعه متعجلاً الاجابة: "أجل قلت لكَ ذلك.. وقلت تماماً! هل فهمت منها أنك على حق؟!

- بدأت تستفز أعصابي جيرمي.

- كانت هذه غايتي منذ البداية حضرة الضابط.

ثم اختفى دون أن تلحق به تلك الصرخة الحانقة التي انطلقت من حنجرة هايريت، كأنه شبح مزعج ظهر على هيئة فتى، أنهى ثانويته؟!

تنهد هايريت وضغط على المكابح الأمامية لتزداد سرعته مجارياً السيارة الوحيدة التي كانت أمامه وخمن بلا جهد أن البقية تفرقوا ليحاصروا المكان.

ما زال يفكر بالــ جيرمي ذاك.. أبهذه المدينة لا يوجد سواه وهؤلاء القوم؟ خرجوا في رحلة؟! ابتسم ساخراً من هذا التبرير الأحمق، وعقد حاجبيه هذه المرة وهو يستذكر اسم الرجل الذي حاولت العصابة التي يبحث عنها قتله...

يبحث عنها هذا صحيح، فهو لم يفكر في ملاحقتهم وقتلهم أو إلقاء القبض عليهم، غايته اختلفت تماماً عن المطلوب، فهي ما كانت ولن تكون يوماً ملبية لمطالبهم.

*~

إلى هذا الحد وعند هذا المكان توقفت السيارة التي جاراها هايريت، قفز برشاقة عن دراجته ودفعها بخفة ليصطدم أعلاها برصيف الشارع، كان مكاناً عاماً خُيل فيه لـ هايريت مقدار الازدحام والضوضاء الصادرة عن المركبات المتعجلة، هذا الوضع الذي ما كان ليروقه لو وجده في هذا الوقت..

- من الجيد أنهم في رحلة!

قهقه ساخراً وراقب الأشقر وهو ينزل من السيارة...

ابتسم ببلاهة وهو يمرر نظره على ناطحات السحاب حوله، اختلف هذا الجزء من المدينة عن ذلك الذي وجد نفسه عالقاً فيه.

تحمس لفكرة قلب المكان هنا كما سابقه.

كانوا ثلاثة رجال رابعهم هذا المنفعل داخلياً، يقفون في صف واحد يحدقون في البناية أمامهم، كانت قديمة بعض الشيء لكن تصميمها جعل منها محط اهتمام هايريت، رفع حاجبه وصفر مستمتعاً فتسليته اليومية لن يفتقدها هاهنا، ما زال هايريت نفسه ذلك الشاب العشريني المحب لفعل الخير لمن يطلبه من المجرمين! ومحباً للعب مع القوم الذين هم على شاكلة ما أصبح عليه وهمياً في هذا المكان الافتراضي.

آخر ما توصل إليه في تفكيره أنه في داخل لعبة ما عليه تخطي مراحلها للوصول إلى نهايتها

وعليه الابتداء وحسب.

أدار رأسه لينظر إلى الأشقر وسأله متعجلاً: " هل سنجد عصابتكم هنا؟ وما هو اسمك؟"

نظر إليه الأشقر وأجاب منضبطاً: " أدعى ليون سيدي، وبالنسبة للعصابة... أخبرني دالتون أنهم اكتشفوا أمر ملاحقتنا لهم فبدلوا وجهتهم، سيكونون هنا قريباً... والدورية التي كانت معنا ذهبت إلى الوجهة الأولى لأجل التمويه فقط، وهناك دورية أخرى ستأتي إلى هنا."

وقف هايريت أمامهم ووضع قبضته أسفل خاصرته اليمنى وسأل باستغراب: " وكيف علمتم بهذا الشأن؟"

- لدينا من يراقبهم سيد هايريت عن طريق جهاز تتبع غرزناه بداخل التحفة المسروقة.

التفت هايريت إلى السيارة عندما أشار ليون إليها، راقب الزجاج الذي أزيح ليكشف له عن وجه شاب أسمر البشرة يضع في أذنيه سماعات كبيرة، رفع ذلك الأسمر يده بإشارة ترحيبية وجهها لــ هايريت رافع الحاجبين بغرابة، وسرعان ما عاد الأسمر إلى عمله.

تماماً كما هي الأفلام التي كان يشاهدها! كان عليه أن يعلم أن هناك شخصاً ببشرة سمراء سيدخل معهم في هذه اللعبة....

أعاد نظره إلى ليون واستأنف الحديث: " وهل تمكنوا من سرقتها؟"

- أجل... لكنهم لم يقتلوا السيد ستارك فقد استطاع الهروب إلى مكان نحن نجهله.

- فليذهب ستارك هذا إلى قبره، لقد مللت اسمه..... إذاً لم يكن بحاجة إلى أدنى مساعدة منكم، هذا ما أعجبني فيه، لا يهتم قيد أنملة في مساعدة حمقى مثلكم.

همس بآخر كلامه فلم يسمعه أحدهم، والتوى فمه بابتسامة جانبية وهو يمسك مقدمة قبعته..

- إذاً دعونا ننصب فخاً لأصدقائنا.

- كيف ونحن بهذا العدد؟ علينا انتظار الدورية.

وجه إليهم نظرة جمدت الدماء في عروقهم أعقبها صوته الحاد مشدداً على حروفه..

- لسنا بحاجة إليهم.

نظروا إلى بعضهم وعلامات الاستفهام على وجوههم جعلت ضحكة مستهزئة تنطلق من حنجرته، وسبقهم إلى داخل البناية وهو يعتزم مغادرة هذه اللعبة في غضون خمس عشرة دقيقة لا أكثر، وإن كان أقل فلن يكون مستاءً قطعاً.

تنهد ليون ولحق به مع الآخريْن دون جدال جاهلين ما ينتظرهم من مفاجئات ستدفعه للجنون قبل أن تصدمهم.

**************

امتناع الرؤية في الداخل دفع هايريت إلى رفع يده غريزياً إلى ظهره، لكن عيناه اتسعتا على أشدهما عندما تدارك أمرها أخيراً، حقيبته العزيزة صانعة المعجزات.

رأى خلال الظلال المعتمة فشله الذريع، وتهدم الخطط والمشاريع، هدفه ضُرب عرض الحائط والسقف، ولحماقته هذه شتم نفسه وهو يضرب الجدار بقبضته.

لقد رآها! لذلك فكر بما فكر به، أين عساها تكون؟!

عاد بذاكرته إلى لحظة قدومه، وأعاد عقله سيناريو ظهور صديقه الذي لم يعلم كيف أمكن لعقله تسميته بصديق وهو الذي دفع به إلى الجنون، لكن لحظة؟!

- أكانت تلك حقيبتي التي معه؟! أهناك رأيتها؟ كانت تعتلي ظهر ذلك الجرو السارق!

صرخ بحدة وهو يدفع بما صادفته يده في طريقه، علم أنه كان كرسياً ذو عجلات لأنه لم يسمع صوت وقوعه أرضاً...

لكن ما قصة هذا الظلام؟ كان هناك بقعة ضوء في ذلك البعد الذي التقى فيه بالمجموعة أتاحت لهم الرؤية، فلماذا لا يوجد ما يشابهها هنا رغم الصلة العميقة بين المكانين؟

مر من نافذة كبيرة على غير هدى وبلا أفكار، وبعقل مشوش، لم يبان القمر هذه الليلة كتلك التي تركها في موسكو، أنذرته تلك الغيوم المتكتلة بأن الليلة ستكون صاخبة، دقق النظر فرأى قطرات متباطئة تصطدم بالأرض....

كانت كذلك حتى دقيقتين ثم اشتدت وأصبحت تضرب زجاج النافذة بقسوة، بدأ الصخب بالخارج عندما برق ضوء في السماء أنار الغرفة لكن الوقت لم يسعفه لتفحصها وضرب صوت الرعد مزلزلاً أسماعهم....

التفت لينظر إلى الداخل وانتظر بريقاً أخر لكن العجب أنه أصبح يرى جيداً خلال الظلام كتلك الغرفة تماماً نظر إلى السقف فلم يجد بقعة ضوء مشابهة...

- من أين أتى هذا الضوء؟ أكان بفعل ذلك البرق؟

بدأت الأجواء توتر أعصابه، هدوء غلفه صمت قاتل كاد يصيبه بالجنون هنا في الداخل والنقيض يعصف خارجاً دون أن يخترق بصوته هذا الزجاج العجيب...

كان بداخل مكتبٍ حفظ تفاصيله جيداً!

شهق فزعاً وتزايدت دقات قلبه عندما لمح ظلاً متحركاً يجوب الغرفة، هل دخل أحد أفلام الرعب المعهودة...

- ستفتدي بي الأرواح الشريرة إلى ملك الظلام، أهذه نهايتك هايريت وبهذه الملابس!

تكلم بشكل درامي وظهرت تعابير ينفجر بسببها من يراه ضاحكاً، أهذا هو هايريت، صاحب حس دعابي أم أنها علامات الجنون المنطقية؟

شهر أكتوبر ، هو كذلك هنا، لا الزمن تغير ولا حتى تلك الذاكرة، ضاقت به نفسه وأظلم تفكيره ليصل أشده وتلك الذكريات قطعت طريقاً من العمق لتصل إلى السطح مرغمة إياه على خوض ذات التجربة مرة أخرى، دار حول نفسه ضائعاً.... واشتعلت الأنوار فجأة، وتبينت هيئة المكان،

كان يقف حيث كان وقت ذاك، نظر إلى ساعته وتمتم بشرود : " إنها التاسعة والنصف مساءً، في شهر أكتوبر سنة -1990- في مكتب والدي العزيز، ويا له من وقت ومكان!"

صمت سامحاً لكل شيء حوله التحكم به، تشبث بمكانه ونظر ملياً إلى الكرسي الذي دفعه من قبل، وتماماً إلى تلك الأرجل التي تقف قربه.

وقبل أن يرفع بصره إلى وجهه عرف من هذا الشخص، السيد براون والده الموقر الذي كان يُحسب له ألف حساب قبل أن يعلم الجميع شأن انتحاره!

شعر أنه علق في هذا الزمن، كأن ألة ما أعادته إلى تلك السنة عمداً لكي يختنق من قهره، ربما كانت آلة وربما كان إدراكه اللاواعي الذي رسم له هذه الأحداث بصياغة دقيقة.

رفع نظره بتردد إلى والده ورآه كما هو مفترض، ينظر إلى الجسد الصغير الذي وقف على بعد خطوتين منه مقابلاً إياه وعلى بعد خطوة من صاحب الخصلة الشيباء الأكبر حجماً.

كان الفتى الذي امتلك خصلاته وقسمات وجه هايريت يقف في المنتصف يحول دون وصول الضابط المزيف إلى والده...

رفع هايريت يده ودفع بها باتجاه كتف الفتى الذي أولاه ظهره، وأدرك في هذا الوقت أنه أصبح شبح شرطي متشنج ضائع.

لم يجد له تصرفاً غير التحديق بهما مرغماً يعيد الأحداث تباعاً........

ابتسم الثلاثيني بحنان بعد موجة غضب دامت ساعات قبل دخول ابنه مكتبه...


- صغيري هايريت تعال إلى حضن أبيك.

قفز الصغير ذو العشرة أعوام بسعادة وتعلق برقبة والده وهو في أوج سعادته مزيحاً الكرسي برجله ليبتعد عنهما...

- أبي، لقد أصبحت أذكى طالب في قسم الحاسوب، سأصبح مبرمجاً ذو قدرات خيالية عندما أكبر.

ضحك السيد براون لسعادة ابنه متناسياً تلك المصائب التي انهمرت عليه، فصغيره يستحق فائق التقدير...

- أحسنت هايريت، أنا متأكد أنك ستصبح رجلاً ذا شأن في المستقبل.

- ستكون فخوراً بي أبي.

- أجل سأفعل، لكن هل ستبقى معلقاً كالقرود هكذا أم ستتصرف كرجل ناضج.

ضحكا معاً وابتعد هايريت عن والده على عجل لكنه بقي قريباً منه، رفع رأسه للأعلى مكملاً حديثه مع والده..

- لقد رأيت السيد ستارك عندما غادر المنزل، كان يبتسم بحماقة..

تنهد براون بتعب ومقدار الهم بان على محياه ولم تغب عن ناظري الفتى.....

تردد هايريت قبل أن يعلق: " هناك أمر سيء قام به ذلك الخرف؟"

- بني ما هذه الألفاظ؟ لا يجوز قول هذا عن من هم أكبر سناً منك، عليك احترامهم.

وبخه براون وهو يبعثر خصلاته السوداء، ولمس تلك الخصلة المميزة التي ظهرت بشكل غريب وجذاب، وغيَّر الموضوع عندما خاطب ابنه وهو يبتسم بسعادة...

- أظن أن لدي أجداداً امتلكوا هذه الطفرة مثلك هايريت، أتعلم أنها تميزك بين الجموع.

- لكنها تسبب لي المشاكل في المدرسة.

نفخ خديه بغضب طفولي وضحك عليه والده وهو يطبطب على كتفه...

كانت أجواء فرح وسعادة تلك التي احتضنت أباً وابنه قبل أن ينغص عليهم يومهم أولئك الذين اقتحموا مكتبهم بزيهم الأزرق...

- السيد براون عليك أن تأتي معنا دون مقاومة إلى القسم للتحقيق.

قهقه براون ونظر إليهم بغضب مكتوم، لقد فعلها ذلك الوغد ستارك...

نظر هايريت الصغير إلى والده نظرة ملؤها التساؤل..

- أبي ما الذي يجري هنا؟ لماذا رجال الشرطة هنا في مكتبك ولماذا يريدونك معهم؟

- لا تقلق بني سأعود بسرعة... علي أن أذهب معهم لمعالجة بعض الأمور العالقة.

- لكن....

انخفض براون إلى مستواه وقبل خصلته البيضاء التي أحب ثم طبع قبلة علي جبينه وضمه في عناق بدا لــ هايريت أنه وداع أخير لن يلقى والده بعده.....

ابتعد براون واتجه بخطوات واثقة إلى الباب، انقبض قلب ضابطنا وحاول الوصول إلى والده وهو يمد يده إليه ، وصرخ بأن " لا تذهب"

لكن كيف عساه سيسمع صوت شبح غير مرئي..

بكى كطفل صغير، كشخصه قبل عقد ونصف... كذلك الفتى الذي أحرقت الدموع عينيه، تأثر والده لأجله وكاد يعود ليحتضنه لكنه عجل خطواته للمغادرة، لا يريد أن يضعف أمام ابنه، سيعلمه القوة ولو كانت هذه طريقة من بين ألف....

تقدم هايريت من جسده الصغير وأراد احتضانه وهو يشعر بذات الضعف، كان وداعاً مؤلماً لم يرَ والده بعده سوى وقت الجنازة، مات هناك بسببهم...

ركع على الأرض وأظلمت الدنيا حوله لتعود ذكرى أخرى أمامه، كان يجلس بلباسه الأسود المعشوق أمام قبر والده.... يبكي ويعتصر التراب بقبضته، والدته خلفه تبكي بصمت...

كلمة واحدة رددها وما زال يرددها حتى الآن..

- سأنتقم لكل خلية في جسدك منهم، سيدفعون ثمن قتلهم لك أقسم... سيبقى هذا قانوني سأفعل دوماً ما أريد.

اظلمت عيناه وأظلم المكان مرة أخرى اختفت تلك الأوهام وعاد إلى ذلك المكتب الذي دخل إليه.....

عادت تلك الرؤيا لتذكره بما عليه فعله الآن، حقيقةٌ كان هذا المكان أم خيال...

سيساعد المجرمين في الحالتين، سيقف في وجه الأوغاد الظالمين، في وجه من يحبون القانون...

- سأكون فوق القانون وسأفعل ما أريد... سأفعل دوماً ما أريد.

ردد وهو يقف على رجليه بشحنات حقد إضافية.... سيبحث عن جيرمي ليأخذ حقيبته وسيقتله بعدها...

- صديقي هايريت.

رفع بصره لينظر إلى النافذة الكبيرة، كانت القطرات تضربها دون رحمة والجو في الخارج اشتد قساوة.... حدق بجيرمي الواقف هناك وصمت ينتظر منه احضار حقيبته له....

ظهرت على شفتي جيرمي ابتسامة ذات مغزى واقترب من هايريت ووقف أمامه، نزع الحقيبة عن ظهره ومدها إليه...

أخذها هايريت وعيناه لم تبرحا وجه جيرمي...

وقال الأخير بهدوء وثقة: " سوف تفعلها هايريت، صحيح؟ سوف تستمع إلى الحقيقة... سوف تركز ولن تجعل الحقد يغلف قلبك الأبيض."

- أبيض! صدقني لو قطعته لأشلاء فلن تجد فيه بقعة رمادية حتى... الأسود هو ما يغلفه عزيزي..

همس بحقد دفين وملامحه انقلبت لبرود سيعصف قريباً فيهم...

نظر جيرمي ملياً إلى هايريت واشتعلت الأضواء مرة أخرى لكن هايريت وجد نفسه ورفيقه في مكان آخر لا يشبه سابقه البتة.....

كان سيسأل عما جرى، لكنه بتر سؤاله قبل أن يخرج واستمع إلى كلام الشاب وهو يفتح حقيبته ويخرج هاتفه منها...

- قلبك أشد ضياءً مما تعتقد هايريت، أم أنك نسيت تلك الآنسة في مدينة الألعاب؟ أردت مساعدتها وفعلت على طريقتك.... تحب والدك ولهذا تسعى لانتزاع حقه منهم...

صمت قليلاً ثم أكمل بصراخ:

- أتريد إثباتاً على شدة بياض قلبك... سأعطيك واحداً... هل سبق وقتلت شرطياً في حياتك الصاخبة؟!

كان سؤالاً أشبه بقذيفة أطلقت على صدره..... حدق به بلا حول ولا قوة وهو يفكر كلامه...

لافينيا، والده.. لم يسبق له أن قتل أياً منهم... وستارك ذاك.

- أصمت سأفعل هذا الليلة.

صرخ هايريت باهتياج وهو يضغط على هاتفه حتى كاد يكسره..

- أبقي على تنفس هاتفك لأنك بحاجته.

ضيق عينيه وشمل جيرمي بنظرة متفحصة ولم تمضِ دقيقة أخرى حتى أضيئت شاشة هاتفه وانطلقت موسيقاه الهادئة تعلن عن متصل مجهول....

- أهذا ما قصدته جيرمي؟

سأل هايريت وهو يتفقد محتويات حقيبته واكتفى الشاب بهمهمة كإجابة....

نظر إلى الرقم الظاهر ثم مرر اصبعه السبابة على الشاشة رغبة في السماع للطرف الآخر بغض النظر عن هويته، فلم يسبق له معرفة أصحاب هذه الاتصالات على هاتفه من قبل، فهذا الرقم مخصص للمجرمين، للحاقدين، للمطالبين بالتصفية... وعدا عنهم فهو يمارس الحياة الواقعية برقم آخر...

- kjm؟

ضحك هايريت بشر وهو يسمع أحرف شعاره تتردد بذلك الصوت الأجش عبر هاتفه...

أجاب بثقة: " العصابة الغالية إن لم يخب ظني."

أخذ جيرمي وقتاً لا بأس به ينتظر انتهاء المكالمة التي زادت من كمية الطاقة السلبية التي اندمجت مع ذرات الهواء والتفت كضباب أسود حول هايريت....

تأفف واتكأ على الحائط مكتفاً ذراعيه موجهاً لــ هايريت نظرت حادة، متى سيستخدم عقله بالشكل الصحيح هذا الشاب؟!

- ستذهب إلى العصابة؟!

سأل جيرمي وأجاب هايريت ببساطة وهو يضع الهاتف في جيب مخصص داخل حقيبته:

" ولما لا ما دام هذا عملي؟ طلبوا مني المساعدة وسأقدمها بصدر رحب."

جلس على الأرض وأخرج حاسوبه المحمول الأسود ووضعه على رجليه وقام بتشغيله....

راقبه جيرمي بأعين ضيقة ثم انقلب عبوس فمه لابتسامة واسعة وهو يراه متشتتاً....

لم يستطع التركيز في عمله.. لذا أغلق الحاسوب بعنف ونظر بحنق إلى جيرمي....

ضحك الأخير هازئاً وسأل يغيظه:

- ما بالك؟ أتود سؤالي عن شيء؟

بقي جالساً على الأرض وأعاد حاسوبه إلى الحقيبة وانشغل بإخراج مصباحه اليدوي وسكينٍ وسأله دون أن ينظر إليه: "ما علاقة السيد ستارك في كل هذا؟"

- أحقاً لا تعلم ما علاقته بكل هذا؟

- أجب وحسب.

- عليك أن تجيب بنفسك.

اختفى جيرمي مرة أخرى تاركاً هايريت متعثراً بأحجية أخرى...

تذكر صاحب الاسم، عدو والده اللدود...

لحق به إلى هنا.. لكن حقاً ما علاقته بكل ما يمر به، أين الإجابة عن هذه الأسئلة؟

كان يعلم الإجابة في زاوية صغيرة في دماغه لكنه يمنعها من الخروج من سجنها، لأنها وإن خرجت سوف تقلب له غالبية المفاهيم وهو بالتأكيد لن يعجبه هذا.

نفض الأفكار عن رأسه ووقفاً على عقبيه وارتدى حقيبته على ظهره، وأدخل السكين في مكان شاغر في الحزام حول خاصرته.

أخذ نفساً عميقاً وخرج من الباب ليصادف الظلام المعهود... ضغط على زر بمصباحه وانطلق ضوء دائري ليس بالهين كشف له عن قاعة كبيرة، مرر المصباح إلى الزوايا فما وجد فيها قطعة أثاث واحدة، سقفها يخلوا من أي ثرية للإنارة أو أي مصباح من نوع آخر!

كانت كساحة لتصوير الأفلام، لكنها ليست كذلك، بحث عن أي باب لكنه لم يجد غير هذا الذي خرج منه... وعوضاً عنها وجد درجاً يقود للأسفل لا الأعلى.

تذكر أنه دخل وبقي في الطابق الأرضي فكيف لا يوجد درج يقود إلى أعلى البناية، لم يكن الوقت مناسباً للتفكير في هذه التفاصيل البتة...

وقرر المغامرة والنزول على هذه السلالم، سار بحذر وهو يضيء الطريق أمامه ويده الحرة يتحسس به الجدار...

وتوقف في النهاية في ممر ضيق....

سار عبره يبحث عن مخرج، وصف له الرجل المكان لكنه لم يرَ أي دليل يقود إليه، كما لو كان قد أعطاه خريطة لبناية أخرى!

توقف هنا يقابل نافذة متوسطة بغرابة، فتحها وأطل برأسه ليطالع الأرض بذهول، كان على ارتفاع أمتار كثيرة، في الطابق العاشر؟!

- صدقاً كيف وصلت إلى هذا الارتفاع؟

تمتم ووقف مشدوهاً لثواني قبل أن يقهقه متهكماً ...

وتكلم وهو يعيد رأسه إلى الداخل: " بالله عليك هايريت ألا زال المكان يجلب الحيرة إلى خلجات عقلك!"

استدار مرة أخرى ليكمل السير في هذا الممر، اكتفى إلى هذا الحد وهو يرى باباً شبه مغلق، اقترب منه وهي يستعد لإخراج مسدسه من الحزام، سحب حافته السفلية برجله حتى فتح على آخره...

وصادف الشارع وسط الأمطار الغزيرة التي ما سلم منها ركنٌ من البلل، هنا في هذا المكان الذي توقف به مع أولئك الثلاثة.. في الطابق الأرضي لا العاشر!

لم يكن الأسمر بداخل السيارة، تفقد الطريق على عجل لكنه لم يجد لهم أي أثر!

بحث بناظريه عن أي حركة مفيدة، ولم يلتقط بهما أي شيء، بل أذناه من ساعدتاه على الاستدلال على مكانهم...

رأى ممراً ضيقاً وترك رجليه يركضان بحرية....

لم يبالِ بالأمطار الغزيرة ولا بتلك الرياح الباردة فقد كان في أجوائها قبل أن يأتي إلى هنا..

سمع صوت الرصاص من الجهة الأخرى فامتنع عن الخروج إلى الشارع....

بقي مختبئاً في الظلام ينتظر حلول اللحظة الأنسب....

أغمض عينيه واستنشق الهواء بروية ثم أعاد فتح جفنيه ليكشفا عن قزحيتيه البنيتان اللتين ما عادتا كما حقيقتهما، اندماجهما مع ظلمة أفكاره وظلمة المكان جعلاهما قرصين أدجنين تحفهما الخطورة.....

نظر إلى يمينه ليرى ليون يركض وبيده مسدس رمادي يصوبه إلى الأمام ويصرخ على أحدهم مطلقاً رصاصات متتالية...

- إنه اشتباك.. هذا ممتع، سأكون ضيفاً ثقيلاً ومحباً...

رفع هايريت مسدس ( (FN-571 وصوبه على ظهر ليون وأطلق الرصاصة دون تردد... ولكن العجب العجاب حدث!

وقف مشدوهاً غير قادر على التحدث من هول الصدمة.. وللمرة الثانية صوب فوهته إلى ذاك وأطلق رصاصة أخرى تلاشت في الهواء وسط المسافة بينهما كما سابقتها...

- ما الذي يحدث بالله عليكم؟!

فغر فاهه مصدوماً، فما حدث غير منطقي يخالف قوانين الفيزياء والطبيعة... أيعقل هذا؟!

ركض خلف ليون وهو يطلق المزيد من الرصاصات التي سرعان ما تتلاشى في الهواء على بعد مترٍ من المستهدف.

لكن أي مسدس هذا الذي لم تنتهِ رصاصاته حتى الآن؟!

كانت عشرون رصاصة لكنه أطلق ما يقارب الثلاثين بلا أدنى تأثير، مصيرها لم يكن الأرض ولا حتى جسد أي من الرجال، بل كان ألا تبقى على وجه الأرض، أن تكون ذرات بلا هدف ووجهة!

الأمر يزداد تعقيداً وريبة، نظر حوله ليجد الرجال مشغولين بالظفر ببعضهم في مختلف الاتجاهات، كانت العصابة مكونة من أكثر من عشر رجال هذا أكيد، لكن أحدهم لم يسقط قتيلاً حتى الآن...

اختبئ خلف سيارة مركونة قريبة من جدار أحد المباني قبل أن تصيبه رصاصاتهم العشوائية، تفحص الرجال وحركاتهم، رأى ليون يختبئ في زقاق بين ناطحتي سحاب وآخر خلف حاوية نفايات كبيرة...

نظر إلى نوافذ المباني بحثاً عن أي قناصٍ بغض النظر إلى أيهم يتبع...

فتح حقيبته على عجل والتقط منها منظاراً حديثاً ودقق في ذلك السطح الذي يقابله فوجد أحدهم، قناص تابع لرجال الشرطة، ونظر بزاوية ستين درجة فوجد آخر لكنه مع رجال العصابة، يضع على رأسه قبعة صوفية سوداء اللون دلته على هويته إلا إذا فاجأه رجال الشرطة بكونه مُضَلٍّل!

وقف على رجليه وركض وهو يطلق الرصاص العجيب بلا هدف حتى وصل إلى زاوية بين بنايتين أصيب قربها مصباح عمود الإنارة فانطفأ...

رأى شرطياً مكشوفاً أمامه فجرب حظه وأطلق رصاصته إلى رأسه...

وبدل أن تفجر الرصاصة رأسه تفجر صوته الغاضب فأي عقل سيسكت عن هذا الجنون....

ما زال ذلك الشخص بخير لكن الرصاصة لم تعد كذلك... قذف المسدس بعيداً عنه والتقط الآخر وأطلق منه رصاصة تجريبية غاضبة علها تهديه القليل من النفع...

وأي واقع سيحدث في اللاواقع وأي منطق سيجده صوب عينه في هذه المهزلة، لا يستطيع قتلهم برصاصاته فلم يجد له سلاحاً غير هذا السكين..

تناغمت ضربات المطر بمعزوفة مزعجة لآذان عجوزٍ يشارف على الموت مع موسيقى إطلاق النار من حوله، استنشق الهواء بقوة وشعر بالطاقة تتفجر داخل شرايينه فما زاده هذا الصوت إلا قوة وإصراراً واندفع كالنمر على شرطي ظهر أمامه على حين غرة وانقض عليه يسدد له طعنات في صدره...

وها قد طفح الكيل، أهم رجالٌ آليون أم أن السكين لعبة أطفال وهو الأمر المستبعد..

- من أي فصيلة أنتم أيها الأوغاد؟

سحبه هايريت من ياقته ليقف به على رجليه، سدد له لكمة غير مجدية على وجهه وهو يسأل بجنون: " أجبني هل أنتم رجال من معادن أم أنني إنسان ملعون محرم عليه قتلكم."

- سيدي أنا شرطي.. هدفنا هناك ليس أنا.

تحدث الشرطي بصوت مرتجف فدفعه هايريت دفعة أوقعته أرضاً وابتعد قدر استطاعته وهو يمسح براحة كفه وجهه بغضب...

نظر إلى القناص ثم إلى الشارع الذي اصطفت به المركبات بطيش، كانت ساحة اشتباك مثالية، لا أحد يرى الآخر بسببها....

- إلى متى سيبقى الوضع هكذا وأنا لا أستطيع خدشهم حتى؟ وهم لا يستطيعون قتل رجل واحد من رجال العصابة؟

استدار سريعاً لينظر بذلك الاتجاه وما توقع حدوثه قد حدث...

خرجت شاحنة مسرعة من الطريق المقابل بان من نافذتها الأمامية رجل يمتلك عضلات كالمصارعين والوشوم صنعت غطاءً على ذراعه المكشوفة، يمسك المقود بيده اليمنى والأخرى تمسك مسدساً من نوع (Glock 17) لكنه لا يستعمله حلياً.

وكان برفقته ثلاثة رجال واحد إلى جواره يطلق الرصاص على نظرائهم واثنين في الخلف يحتمون بالصفيحة متوسطة الطول في السيارة بلا سقف يحميهم لكنهم أجادوا حماية أنفسهم، وقفا محاذيين لجوانب الشاحنة يطلقون الرصاصات على سيارة الشرطة التي قفزت من خلفهم تلاحقهم مطلقة أصواتاً لوثت مسمعي هايريت.....

كادت تخترق صدره رصاصة طائشة لم يعلم مصدرها لولا اختباؤه خلف سيارة حمراء قديمة الطراز، ولن يسره البتة تفويت تلك المطاردة والسماح لأولئك الزرقاوين باسترجاع التحفة أو اعتقال العصابة، ففي النهاية من واجبه مساعدتهم ضد الظلم.

بحث عن دراجة يستقلها فوجد واحدة، بل وجد تلك التي ظهرت له قبلاً من العدم....

ركبها وانطلق مسابقاً الريح يطاردهم...

نظر إلى الخلف ليجد سيارة شرطة أخرى تلاحقهم... لا يهم من أين خرجوا المهم هو اغتنام الفرص....

أعاد نظره إلى الأمام وأسرع محاولاً تعطيل سيارة الشرطة الأولى....

رفع مسدسه وأطلق ثلاث رصاصات متعجلة على إطار السيارة فانفجر وسبب ذلك احتكاكاً حاداً بين معدن الإطار والأرضية المبللة، وابتعد هايريت عن طريقها سانحاً لها بمساحة لتقوم بعرض بهلواني مزعج...

التفَّت على نفسها عدة دورات وفقد السائق سيطرته على عجلة القيادة واصطدمت بقوة في السيارة الأخرى التي تبعتهم...

لم يخطط للقضاء عليهم دفعة واحدة لكنه وللأسف قد حدث...

ألقى هايريت إليهم نظرة شامتة وأكمل ملاحقة الشاحنة... مر على ايقافهم اطلاق النار عدة دقائق ما سهل عملية الوصول إليهم...

ظن أنه كان الوحيد برفقتهم لكنه أخطأ الظن فسرعان ما انضمت سيارتان أخريان إلى المطاردة...

نظر إلى الخلف ليجد ناراً مشتعلة صادرة عن ذلك الاصطدام وضحك بصخب ظناً منه أنهم لقوا حتفهم....

صب اهتمامه بالكامل على الزائرتين الجديدتين..

ضغط قبضته على الدواسة بشكل مفاجئ جعلها تزأر كأسد مسعور وأطلقت دخاناُ أبيض كثيفاً اختلط مع القطرات المائية التي تطايرت في الهواء نتيجة اشتداد الضغط بين العجلات والأرضية المبتلة إثر تلك السرعة القصوى....

هتف هايريت بحماس منقطع النظير متمتعاً وأمسك المقبضين وحلق في الهواء كأبطال الأفلام المخبولين وفي ثوانٍ أصبح يحلق فوق سيارتهم البيضاء ذات الخطوط السوداء والزرقاء ثم في أقل من عشرين ثانية استهدف الأرض على بعد أمتار لا بأس بها واحتكت العجلات بالأرضية الرطبة ودار بدراجته نصف دورة حتى أوقفها مستعيناً بمزيد من القوة برجله اليسرى معركلاً عملية القيادة السليمة لأي مركبة كانت...

يسد الطريق بشكل أفقي ينتظر اقتراب السيارة وعندما بانت من خط الأفق ترقب التالي بسعادة...

حاول الشرطي بداخلها السيطرة على المقود عندما رأى هايريت ساكناً في منتصف الطريق إلا أنه لم يستطع ايقافها بشكل فجائي ففضل الانحراف عن الطريق لكنه فقد سيطرته بالكامل وما أراد حدوثه قد حدث لكن على شكل يتناسب مع تخطيط هايريت...

تشوهت مقدمتها بسبب عمود الإنارة ذاك الذي التحمت به ولرغبته في معانقة السيارة بأكملها سقط العمود فوق سقفها...

التقط هايريت شيئاً صغيراً من جيب في جانب حقيبته الأيمن وألقاه على عجل قرب السيارة النصف محطمة وانطلق مبتعداً غير راغبٍ في اكمال الحدث المنتظر....

كانت ثوانٍ فقط وسمع بعدها صوت انفجار قوي ملأ نفسه شعوراً لا يوصف من السعادة الوهمية....

تبقت سيارة أمامه...

كانت تطارد الشاحنة بشجاعة ومهارة، تارة تسبقها وتارة تصبح في الخلف....

اقتربت السيارة الصغيرة من جانب الشاحنة ودفع السائق هيكلها إلى الشاحنة وضربها بقوة علها تنقلب لكن أيهما سيقلب الآخر حقيقةً؟!

استمر الرجال من كلا الطرفين بتبادل إطلاق النار وإهدار الرصاص بلا جدوى وهايريت بعيداً عن مرماهم رغم قربه منهم...

التفت عجلات الشاحنة إلى اليسار وتمايلت بثقلها حتى كادت تنقلب إلا أنها لم تفعل واحتكت بالسيارة البيضاء واستمرت بدفعها إلى الجانب لتخرجها عن الطريق....

أعجب هايريت بسائق السيارة وانتابه الفضول لمعرفة صاحب تلك القدرات في التحكم دوناً عن غيره من رجال الشرطة عديمي الفائدة.....

وأي من العدوين لم يوقع الضرر بالآخر رغم التصادم الجانبي...

ضغط الرجل صاحب العضلات على الدواسة وانحرف بشكل مباغت إلى يمينه وعبر شارعاً عريضاً يكفي لمرور أربع سيارات باتجاه واحد وأربع سيارات أخرى في الاتجاه المعاكس وسيارة الشرطة تبعتها كظلها غير آبهين إلى أي مكان يذهبون....

جاراهم فأصبح مجاوراً لسيارة الشرطة وألقى نظرة على السائق ليجد من أراد قتله عبثاً، هذا الأشقر الذي استفز روح هايريت..

- سيدي ما الذي تفعله؟ إنهم هناك وأنت تخطئ الهدف.

- لا يا أحمق أنا أستهدفكم أنتم.

تمتم بحدة مجيباً ليون ذاك صاحب الأعصاب الهادئة رغم تأزم الموقف، ثم مد يده اليمنى التي أمسك بها السكين وضرب به عنق ليون لكنه لم يتأثر.

انحرفت السيارة يميناً تجنباً لرصاصات العصابة وأبقى هايريت على المسافة القريبة بينهما...

- لكن لماذا؟

سأل صارخاً بجنون وهو يسحب المسدس العجيب وأطلق النار من مسافة صفر على ليون دون أن يوقع خدشاً به.

ضحك جيرمي ذلك الفتى عندما ظهر من العدم وهو يرى هايريت يكاد يفقد صوابه..

- هايريت أيها المغفل ألن تفتح عينيك؟

نظر إليه بصدمة ولم يعلم ما عليه فعله...

تمتم مرة أخرى بتلك العبارة على الباب: " كن فوق القانون تفعل ما تريد... ما الجزء لم أفهمه فيها."

- لم تفهم منها أي جزء يا صاح.

علم هايريت من هو صاحب الصوت فنظر إلى سقف السيارة ليجد جيرمي متربعاً هناك...

- أرجوك فسر لي جيرمي.

أشفق المعني عليه وقرر المساعدة الغير مباشرة فقال: " ستارك.. كل الأمور العالقة تكمن عنده هو... هدفك واحد لا أكثر وأنت تعلم ذلك."

تحررت تلك الفكرة من القيود المزعجة داخل عقله وانطلقت شعلة البداية لإبادة ذلك الزيف...

- لم يمت أي شرطي؟

أجاب جيرمي ببساطة : " لم يمت أي أحد منهم لا تقلق."

- ولن يموتوا إن كنت أنا الفاعل.

- أجل.

- أبي لم يقتل نفسه داخل السجن بل قام أحدهم بقتله بأمر من ستارك عدوه الوغد.

- أجل!

- والشرطة لم يكن لهم علاقة بكل هذا فهم كانوا متأكدين من براءته وجن جنونهم عندما ظنوا أنه أجرم في حق نفسه داخل السجن.

- أجل.. أجل!.. هذا صحيح هايريت.

ضغط هايريت بقوة على المكابح فأطلقت الدراجة النارية صريراً مزعجاً وتلطخ وجهه بقطرات الماء التي نبعت من الأرض فقطب منزعجاً ومسح وجهه بكم سترته الزرقاء،

ثم ترجل عنها ووقف يقابل الشاب الذي ساعده لإبصار الحقيقة...

- جرب يا صديقي.

فهم جيرمي تساؤلات هايريت الداخلية، وابتسم هايريت وهو يشعر بشعور غريب لم يتملكه يوماً...

أمسك القبعة ونزعها عن رأسه بأريحية وألقى بها في الهواء...

خلل أنامله الطويلة في خصلات شعره ودلك فروة رأسه بسعادة ثم حرك رأسه بالاتجاهين المتعاكسين لتتطاير خصلاته متوسطة الطول تحت قطرات المطر شاعراً بالانتعاش..

خصلته الشيباء العزيزة عادت تتنفس...

ضحك كما لم يضحك من قبل وتملكه شعور بأنه أنجز شيئا خلال حياته...

- أجِّل فرحتك هذه حتى تعود لتصحح أفعالك وإلا فإنني سأستقبلك دائماً.

هتف جيرمي سعيداً لأجله وانتظر تعليقاً واحداً قبل أن يودعه....

أردف هايريت بابتسامة صافية: " كن فوق القانون تفعل ما تريد... كان المقصود هو قانوني لا القانون الحقيقي الذي وضعته الحكومات."

- تماماً.

صفق جيرمي متحمساً وسرعان ما انفتحت دوامة خلف هايريت....

نظر إلى جيرمي وهو يعقد حاجبيه وسأله عباساً: " كان بإمكانك فتح البوابة وقتما تشاء."

صحح له: " بل وقتما ترغب أنت بالخروج."

- أظنني سررت بمعرفتك يا فتى.

رفع يده بنية المصافحة ولم يتردد جيرمي وصافحه بحرارة وهو يقول: " سنلتقي يوماً ما يا صديق."

أومأ هايريت وابتسم بعذوبة وهو ينظر إلى الوجه الباسم البشوش أمامه...

- سنلتقي أيها الفتى.

ودعه وأضاء نور أبيض سحبه معه إلى الواقع حيث كان عليه تنفيذ الكثير.

~*

عاد الصخب الواقعي في المكان والزمان الدقيقين الأكثر من مناسبين! كانت آلية أشبه بتوقف الزمن ثم إعادته بضع دقائق إلى الوراء إن لم يكن هذا التعبير هو الأصح في هذا الوضع المنطقي...

أعمت عيناه تلك الأضواء المنبعثة من السيارات المطاردة، وصفاراتها أحدثت تلوثاً ضوضائياً لكل خلية من خلايا دماغه....

وقع خطواته على تلك البقع المائية أحدثت إيقاعاً منتظماً حتى منتصف السيمفونية، عندما اخترقت تلك الذبذبات الهوجاء والإيقاعات العشوائية ذلك النظام العذب، لم ينظر هايريت للوراء واستمر بالركض بأرجله المرهقة، وبملابسه التي أثقلتها القطرات فأبطأت رشاقة حركاته....

لا يتبع المرء خطأه مرتين متتاليتين في ذات الدقائق خاصة وإن منح فرصة لتصحيحها، لم يفكر ولو لثانية بالانعطاف إلى ذلك المرآب المكشوف كما حدث قبل نجاته من تلك الرصاصة، وبدلاً من أن ينحرف إلى هناك ركض إلى أول زقاق مظلم صادفه في طريقه وصعد سلم الطوارئ الحديدي الذي بدا لــ هايريت أنه زلق من الأمطار الشديدة...

صعده وعيناه تبحثان عن أقرب نافذة مفتوحة فلم يجد وكان الأمر بديهياً في مثل هذا الصخب الشتوي...

أبداً لم يستسلم واستمر بالصعود حتى لاحت له نافذة شبه مغلقة، كان من السهل فتحها والدخول عبرها دون أي مشاكل...

كانت له كطوق نجاة فأسرع الخطى وازداد ثقل خطواته حتى شعر بالصفائح الحديدية التي يسمونها سلم الطوارئ تهتز كأرجل عجوز هزيل...

- توقف عندك.

لم يبالِ هايريت بوصولهم ورفع زجاج النافذة للأعلى وقفز برشاقة إلى داخل الغرفة المظلمة... استقر واقفاً على الأرض يشعر بملمس السجاد الناعم أسفله.. نظر حوله وبانت له هيئة غرفة النوم رغم الظلام ولحسن الحظ أنها كانت خالية سوى من قطة وقفت قرب الباب المفتوح تحدق به في صمت كما لو كانت قد رأت شبحاً أسود....

أغلق النافذة خلفه ولم ينتظر قفزها عليه أو وصول الرجال إليه وأكمل لعبة الفر وعبر الباب ليدلف إلى داخل الشقة الخالية الشبه مضاءة...

كانت هذه أفضل مصادفة تلقاه اليوم بوجه بشوش.......

بحث عن باب الخروج فوجده بعد أن جرب فتح ثلاثة أبواب...

خرج إلى ممر شبه مضاء، كان يلتقط أنفاسه بصعوبة وتردد قليلاً قبل أن يقرر الصعود إلى سطح البناية بدل الخروج إلى الشارع...

جرب ذلك مرة واحدة كادت ترسله إلى حتفه فما الضير في تجربتها مرة أخرى؟!

- إنها فرصتك هايريت.

حث نفسه وأخذ طريقه للوصول إلى الأعلى عبر السلالم، صعد إلى ثلاثة طوابق إضافية واستقبله باب حديدي أخضر اللون... ضربه برجله ففتح على مصرعيه وكشف له سطح البناية....

عبره لتستقبله تلك الرياح الباردة وتلك القطرات اللاسعة، اقشعر جلده لحظتها ونظر إلى الخلف عندما شعر بحركاتهم داخل البناية ....

نزع حقيبته السوداء عن كتفيه وفتحها على عجل وأخرج منها حبلاً متيناً بخطافين معدنيين وقفازين أسودين ثم أعاد إغلاقها وعلقها على ظهره وانطلق إلى حافة السطح...

نظر إلى الأسفل ثم ابتلع لعابه ونطق يخفف من حدة التوتر: " أنظر إلى الجانب المشرق هايريت إذا سقطت فسوف تستقبلك حاوية النفايات الممتلئة في الأسفل وستصاب ببعض الكسور والقليل من الرضوض.... أو ربما تدخل في حالة موت سريري!"

حمحم ثم أخذ نفساً عميقاً وأرجح الحبل ذو الخطاف في الهواء وعد حتى الرقم ثلاثة ثم قذف به إلى سطح البناية المقابلة وشده بقوة وبعد أن تأكد من تثبيت الخطاف في حافة السور الحديدية، أمسك طرف الحبل مع الخطاف الذي عنده وبحث عن أي أداة يستطيع تثبيته بها على هذا السطح...

جال بعينيه المكان وتوترت أعصبه وهو يسمع خطوات الرجال تكاد تبلغ مكانه.... نظر إلى كل زاوية حتى وجد على يمينه على بعد مترين أسطوانة حديدية مثبتة في الأرضية مجهولة الغرض وإن كان لا يوجد لها غرض فإنه سيستغلها هو من أجل تثبيت الحبل........

لف حولها خمس لفات وثبت الخطاف جيداً، وشعر بالامتنان لتلك الصفيحة المربعة التي تعلو الأسطوانة لكونها منعت وستمنع انزلاق الحبل....

شده بقوة وبعد أن تأكد من متانته ركض إلى الحافة.

تسلق السور ووقف عليه وتكلم موبخاً نفسه قبل أن يبدأ جنونه: " سأحاسبك هايريت على كلامك في التقليل من هول الصدمة لاحقاً."

- هــيا...

ارتفعت نسبة الأدرينالين في عروقه وصرخ بحماس عندما تشبث بالحبل بيديه التي ارتدى بهما القفازين السوداوين وقفز في الهواء حتى أصبح خلال ثوانٍ معدودة معلقاً بين البنايتين تداعب جسده الرياح القوية مؤرجحة إياه يمنة ويسرة...

ضغط على أسنانه وابتلع رمقه بتوتر فور نظره للأسفل من هذا العلو المهدِّد ثم رفع رأسه للأعلى وسحب هواءً عميقاً أدخله دفعة واحدة إلى رئتيه وأخذت يداه تمشيان بحذر على الحبل المتين....

شارف على الوصول أخيراً دون إصابات أو مشاكل لكن لحظات السعادة لا تدوم..

- إنها نهايتك هايريت!

ثم أتبعها بصرخة مدوية وهو يهوي عن علو عشرة طوابق بسبب تلك الحافة الحادة التي تمركز الحبل وشُدَّ عليها في البناية المقابلة....

لحظة؟! تلك لم تكن حافة حادة أو أي شيء يشابه ذلك الخطأ الأحمق...

إنما كان سكيناً حاداً صاحبه لم يرد الخير الكثير لــ هايريت....

طارت القبعة عن رأسه لتكشف عن خصلته الفضية التي ستكون أخيراً سبباً في فضح أمره، وقابلت وجهه القطرات الصاخبة والتقطت عيناه ذلك المتطفل بهيئته السوداء لا شيء سواها....

حاوية النفايات ليست أسفله أي أن ظهره سيعانق الأرض قريباً، وقبله ستكون حقيبته الغالية وحاسوبه المحمول الأعز... وهو سيستقبل الآن تلك التصورات الكارثية لنهايته المحتمة!

وكان أن ظهر له آخر خيط تعلقت به الآمل، هي حبال أشبه بشبكة عنكبوت خطفته للنجاة...

تشبثت يداه بتلك الحبال التي ظهرت من العدم مقابل تلك النافذة لإحدى الشقق في البناية القريبة...

لم يعلم الغرض من وجودها لكنه كان ممتناً لمن وضعها....

تمسك بها جيداً وراح ينظر للأسفل يبتلع ما تبقى في فمه من لعاب، كان يبعد هذه المرة أمتاراً قليلة عن الأرض، أي أن نهايته كادت تكون وشيكة...

تطلع إلى أعلى البناية فلم يجد ذلك الخيال الأسود ولم يجد للشرطة أي أثر على البناية الأخرى وشعر بالريبة لما يحدث.....

تأرجح في الهواء وهو يبعد يده اليمنى عن الحبل يمدها للأمام كي يمنح نفسه فرصة الامساك بحافة النافذة المفتوحة...

وبعد محاولتين فاشلتين استطاع ادخال يده وتمسك بحافتها الداخلية، ثم هم بلا تردد بإفلات الحبل من اليد الأخرى والتعلق بشكل تام بتلك النافذة....

وتمت العملية بسلاسة شديدة، دخل بمهارة لص محترف إلى داخل الغرفة الشبه مضاءة وتطلع حوله فلم يجد أحدهم وسعد لهذه الصدفة التي ماثلت سابقتها.....

كانت الشقة صغيرة خالية تماماً من أي مخلوق واستغل الوضع مخرجاً قميصاً أبيضاً وسترة جلدية تعلوها قلنسوة كبيرة سوداء اللون من حقيبته التي تعج باللوازم ، كانت المفضلة لــ هايريت وكم سيؤسفه خسارتها هذا اليوم...

ارتداها سريعاً ملقياً تلك التي أشبعتها الأمطار من النافذة المفتوحة، وسارع في تغطية خصلاته وبالأخص خصلته الفضية بالقلنسوة ثم انطلق على عجل يخرج من البناية مهرولاً على السلالم.....

وصل إلى الباب الرئيسي وراقب المنطقة بحذر مدة خمس دقائق وبعد أن تأكد خلوها من رجال الشرطة أخرج مظلته الصغيرة السوداء وفتحها ثم خرج إلى الطريق العام كأي شاب مسالم طبيعي التصرف يخفي ملامح وجهه بخصلاته التي انسدلت على عينيه لتواري قزحيتيه البنيتين، وسار واضعاً يديه بجيبي بنطاله الأسود الجلدي لحسن حظه، فهو لم يحتفظ بتلك المياه لتثلج عظام صاحب المزاج الشبه هادئ نصف متوتر....

كان بطريق عام إلا أنه كان خالياً سوى من بضعة مارة والقليل من السيارات المسرعة، أراد أن يستقل سيارة أجرة لكنه لم يصادف إحداها في الطريق، وقرر بعد دقائق من السير أن يتصل بسائقه الخاص ليقله إلى حيث طريده... إلى السيد ستارك ذو الستين عاماً.

لم يكد يخرج هاتفه من جيب سترته الداخلي حتى سمع صفارات مل ازعاجها قادمة من الخلف....

وكان هذا لا يعني سوى أمرٍ واحد، ألا وهو عدم بلوغه الهدف المنشود...

ألقى مظلته أرضاً وقد لاحظ أن الأمطار توقفت منذ دقائق وركض مرة أخرى يدفع من يصادفه في طريقه غير معتذر لمن يسقطهم وشدت أعصابه مرة أخرى بعد أن سكنت للحظات...

ركض ولم يستغل ركضه ليصل لــ ستارك، بل لم يفكر في ذلك من الأساس، بالتأكيد اكتشفوا أمره بسبب حقيبته التي نسي التخلص منها، وكيف عساه يتخلص منها وهو يحمل بداخلها مقتنياته المهمة.....

لطالما اعترف بداخله أن المعجزات لا تحدث إلا أنه في هذا اليوم بل وفي هذه الساعات بالضبط أدرك النقيض وصدقه!

مدينة الألعاب هي الأمل، يبعد عنها مسافة مناسبة، ركض بأقصى ما تمتلكه رجلاه من قدرة على التحمل...

انعطف يميناً دون أن يستدير إليهم، لم يعلم أهم يلاحقونه بأربع عجلات أم يستخدمون أرجلهم لكن الأرجح هو الاثنين.....

تبقى لديه منعطفين، شعر بأن هناك أمراً غير طبيعي في هؤلاء الذين يطاردونه....

التفت في هذه اللحظة ليجد اللاشيء؟!

أين رحلوا كالأشباح؟ وهل الأمر يزعجه؟!

ابتسم ببلاهة وهو يكمل ركضه إلى مدينة الألعاب الكهربائية....

وصل إلى هناك في وقت قياسي ونظراً للأجواء والطقس من حوله لم تكن مدينة الألعاب كما عهدها أن تكون، دخل ووجد مجموعة من الشباب يجلسون قريباً من الأفعوانية، وآخرين متفرقين هنا وهناك..

لم يطل تأمل الأناس ولا تلك الألعاب التي أشبع عينيه من رؤيتها بشكل شبه يومي....

لم يقصد مدينة الألعاب الكهربائية بشكل حرفي إنما أراد الوصول إلى تلك البناية في الداخل، هناك سيجد الجموع الساهرة وسيختفي بينهم كالظل.

ضرب حذاؤه الأرضية وسط تلك البرك المائية التي افترشت الأرض بصورة منعشة، رغم برودة الجو إلا أنه يبقى هذا الفصل هو الفصل المحبب لـ هايريت...

استنشق الهواء البارد المشبع بالرطوبة وهو يخطو ليصبح داخل تلك البناية، وكما تكهن وجدها تعج بالشباب والأطفال المفعمين بالطاقة....

توزعوا على مختلف أنواع الألعاب الإلكترونية بأشكالها في كل ركن.

كان الطابق الأرضي مزدحماً أكثر من بقية الطوابق في المبنى، ولم يختر هايريت في أي طابق سيجلس، لأنه وكعادته سيذهب إلى الهدوء....

لم ينزل قلنسوته عن رأسه وحاول قدر الإمكان عدم جذب الانتباه إليه....

سار بين الأطفال حتى وصل إلى السلالم التي تقوده للأعلى والأسفل، واختار طريقه للأعلى.

صعد متخطياً درجتين معاً حتى وصل إلى أعلى البناية في الطابق الخامس، أمسك مقبض الباب الحديدي وضغطه للأسفل وكل خلية في جسده تدعو بأن يكون الباب مفتوحاً....

- هذا رائع!

هتف بسعادة وازدادت ابتسامته اتساعاً وهو يرى أمامه مقره السري سالماً من أي متطفل!

أغلق الباب خلفه بروية وسار فوق الأرضية المبتلة حتى وصل إلى السور، أسقط القلنسوة على ظهره وشعور بالأمان غلف محيطه ممداً إياه بالطاقة الإيجابية التي فقدها منذ اللحظة التي أوشك فيها على الموت في ذلك المرأب المشؤوم..

نزع الحقيبة عن ظهره وأسندها على الجدار أرضاً.

زفر أنفاسه الباردة متأملاً مدينة الألعاب من هذه الزاوية، كانت الأفعوانية والشباب على مرأى بصره ولاحت له الغيوم توراي ضوء القمر فانعكست أضواء المدينة في عينيه...

كان يتأمل تفكيره في هذه اللحظة، عليه إصلاح سوابقه الخاطئة، وستارك ذاك سيحاول تحضير المفاجآت له فقط، بعيداً عن رجال الحكومة الشرفاء!


- ها أنت ذا يا رجل.


انتفض هايريت مرتعباً من ذلك الصوت الذي جاء قريباً من أذنه، وحدق بالضيف الغريب الذي اقتحم خلوته بنظرات ملؤها الدهشة!

- جيرمي؟!


تمتم بشرود يتأمل تفاصيل وجه هذا الرجل أمامه، تلك الابتسامة التي استفزت دماغه من قبل وجدها تتربع وجه الأشقر أمامه..

أهذه علامات الخرف المبكر أم أنه أصبح بحاجة لزيارة طبيب نفسي؟!


- يا مرحباً بــ هايريت.... جيرمي بكامل شخصه أمامك.

خرج صوته المرح وهو يربت على كتف هايريت الذي ماثله بالطول، اختلف عن ذاك الذي رآه في ذلك المكان لكنه بالتأكيد هو!

- لا تفكر كثيراً يا صديق... دعنا نتكلم في أمورٍ أخرى.

أومأ هايريت صامتاً يحدق بملابس جيرمي الزرقاء، ولأول مرة لم يشعر بالنفور منها، واكتشف بفضلها من الخبايا الكثير...

- أنت من قطع الحبل أيها....

قطع هايريت كلامه فصمت، تحولت عيناها إلى تلك الشارة التي اختفت أسفل سترته سوداء اللون... رفع يده ليمسك بشارة الأشقر محدقاً بها تحت نظرات جيرمي الباسمة، وفمه الذي كشف عن صف أسنان بيضاء لامعة....

واستأنف بعد أن ابتسم ابتسامة جانبية مستمتعاً: " الضابط جيرمي."

قهقه جيرمي وهو يلتقط بأنامل يده اليسرى خصلة هايريت الشيباء، صامتان يحدقان ببعضهما بعمق، كان يحيط بهما السكون قبل أن يتنحنح هايريت ويبتعد ليلتفت ينظر إلى الأفق، وخطا جيرمي ليصبح إلى جواره واضعاً يديه في جيبي بنطاله...

- لديك الكثير لتفسره لي جيرمي.

نظر جيرمي إلى وجه هايريت الهادئ وابتسم: " بأيها تريد أن أبدأ؟ بخبر اعتقال السيد ستارك أم بخبر أنني اكتشفت حقيقة (kjm ) مخترق الأنظمة المتخفي؟"


- بالثاني من فضلك.


أُلقي القبض على هدفه الأساسي، شعر بالراحة البسيطة لما حدث على يد رجال الشرطة وليس على طريقته، هكذا شعر بأن واجبات الشرطة خط لا يجب المساس به إلا أنه يريد المساعدة بطريقة أو أخرى، سيكون فوق قانونه القديم، سيكون فوق القانون وسيفعل ما يريد، فالحقيقة بانت وزيف الحقيقة الأولى قد زال.












[/COLOR] النهاية

[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]

.
[/ALIGN][/CELL][/TABLETEXT][/ALIGN]


__________________



"وَالعقلُ استَلهَمَ مِنّا عِصْيانَ الأفُقِ فَزال مُخلفّاً بُرودَة بلوتُو"
سبحان الله-الحمدلله-لا اله الا الله-الله اكبر


التعديل الأخير تم بواسطة Crystãl ; 12-07-2017 الساعة 04:30 PM
رد مع اقتباس
  #87  
قديم 11-05-2017, 06:42 PM
 
[cc=the first]My kingdom[/cc]

هلا و الله كروس ..كيفك غلا؟

بارتك كنت انتظره بطبيعة الحال..هههههههه

كان جميل انصافا..
كعادتك ، حسيته متعوب عليه كثير

اه ..و لا انسى هايريت ذا ملكي و لاحد يفكر فيه ابدا


صح بجنن..
تسلمي على رسم صورة فارس احلامي ..هع5

لا ..فارس احلامي مش هيك صراحة
معليش..نعلمه

لنبدأ
ثلاث امور ميزتها و جعلت البارت ممتع الي ..

سر عداوة هايريت للشرطة
و كمان ادخالك تلميحات لطيفة
بشكل ثانوي..

في ذا المقطع..

"
حصر بصره على نفسه وبقي يمرر نظراته من كتفيه حتى أخمص قدميه غاضباً، حانقاً أو ربما كان مشتعلاً على حافة الانفجار فشعوره في هذه اللحظات ما كان شعوراً طبيعياً فهو يعلم مقدار نفسه..

طبيعته المناقضة ما أظهرها يوماً لغيره عدا اثنين، من كان من لحمه ودمه ذلك الذي تحولت مصالحه وأهدافه لأجله، وتلك التي اخترقت بمهارة الحاجز الذي أحاط به نفسه على غير علم منها منذ أول لقاء، لم يكن لقاءً بالمعنى الحرفي بل كان أشبه بحرب نظرات غير مرئية، لاحظت زيارته الدائمة لمدينة الألعاب الإلكترونية حيث اتخذت لها عملاً ينسيها بعض تلك الأسباب التي قلبت لها بعض المفاهيم، تجرأت وحدثته يوماً فقبل عن وعي صادق وذهن متفتح، قرأ تساؤلاتها الداخلية فيما يخص هويته ولم يستطع ألا يكون صادقاً محسناً استغلال الظروف مع طيبتها وبراءة نظراتها المنكسرة تلك!

علم أنه كان لديها خطبٌ ما وعمل جاهداً على سبر أغوارها ونجح...

لكن أيحق له اسداء نصائح غريبة وهو الذي اتخذ لنفسه ذلك الاعوجاج استقامةً مبنية على أساسات هشة يبرر بواسطتها ما فعله وما زال يفعله بتعطش ذئب ينتظر اكتمال ضوء القمر القرمزي؟!

رفع حاجباً متعجباً هذا الانقلاب العكسي لنطاق تفكيره، من بين تلك الأحداث التي مر بها والتي يمر بها الآن أخذ عقله يستذكرها؟!"

هههههههه
يستذكرها لكان ..خ

انا ما فوت فرصة لاشمت بذي المواقف

و الشي الثالث و الغالب الممتع..ظهور جيرمي س2

قتلني بروحه المرحة و الاستفزازية و صداقته مع البدر هايريت

لكن هذي اعمق و افضل الصداقات ..شوف النهاية كيف كانت

اوه...و لا انسى افضل مقطع ..لمن بطلنا شاف نفسه شرطي و ضابط و مسموع الكلمةس2

ذيك الساعة يحمد ربه اني ماشفته و الا لقعدت اضحك على المنظر الكوميدي...

البارت قمة في الروعة و حوى كل الجوانب ..حسيته خليط من اصناف عدة ..

و اهمها الصداقة و عاطفة الابن للاب

و لا انسى...

اللي يستذكرها وسط ضروفه..

اروح اهرب احسن لي...
:zz:

شوفك في روايتك انتي غلا..زمن ما قريت جديد فيها


قواكي الله على مجهودك
جانا
Krustavia likes this.
__________________
















إخوتي
إني أغضب لأجلكم و منكم
و أحزن لأجلكم و بسببكم
و أبتهج لأفراحكم و تفائلكم

فتحملوا أخوتي هذه
هي كل ما لدي لكم


رد مع اقتباس
  #88  
قديم 11-05-2017, 06:55 PM
 
اخيرا شهر نوفمبر^^
+
سأقرأ لكروس
__________________


اريقاتو وسام سنباي



وَإِذَا سَئِمْتَ مِنَ (الوُجُودِ) لِبُرْهَةٍ ** فَـاجْـعَـلْ مِنَ (الْــوَاوِ) الْكَئِـيبَةِ (سِيـنَـا)


وَإِذَا تَــعِبْتَ مِنَ (الصُّـــعُودِ) لِقِــمَّةٍ ** فَـاجْـعَـلْ مِنَ (الْعَيـنِ) الْبَئِيسَةِ (مِــيـمَا)





صلوا على النبي
رد مع اقتباس
  #89  
قديم 11-05-2017, 08:23 PM
 
ذا شهر أكتوبر مو نوفمبر
__________________




رد مع اقتباس
  #90  
قديم 11-06-2017, 12:13 AM
 
السلام عليكم ورحمة الله
كيف الحال زمان عنك مشتاقين <<قبل نص ساعه كلمتها
اول شي الحمدلله نزلتيه وخلصتي بالسليم
العنوان بسيط بس مميز انتي عطول هيك تعطي رونق خاص للبساطة
المشهد يلي بلشتي فيه بالبداية ممتاز بنص العقدة والفوضى
هايريت بالشكل حبيته قبل م اقرأ واتعرف ع شخصيته ايون همها الشكل بس
وشخصيته تجنن مثل شكله احب المنفصين المجانين الاشرار نفهم ع بعض

صدقني مفتاح الباب في جيبك
نظر هايريت ببلاهة إلى جيبه حيث أشار المدعو جيرمي وسرعان ما تدارك تفاهة الموقف والتفت إلى الطريق عوضاً عن التحديق في وجه الآخر
فرطت بذا المشهد هبله ذكرني بحدا <<تقصد حالها
ومو عاجبك يلي كتبتيه اصلا محدا سأل عن رأيك

المحب لفعل الخير لمن يطلبه من المجرمين!
اوصافك خارقة يا فتاة تعجبيني

يلي يميز كتابتك الطابع يلي تحبي تتركيه بكل سطر وهو الغموض
تخلي الواحد عطول يشغل عقله ليفهم عليك المشكلة ما عندي واحد ز5 << وتفتخر الاخت
جو حماسي ومو مفهوم -فرحانه انها مو فاهمة اشي
لا فهمت شويتين ونص
فكرة خنفشارية كلها حمااس ومطاردات نقطة التحول رهيبة توضح المعنى الحقيقي ل زيف الحقيقة
مبدعة كعادتك سينبايتي تيسو حب0 مو متوقع منك اقل من هيك اصلا رغم انك لتحقتي بالاخير بس اجدتي " class="inlineimg" />

تأكدي عطول اني اول مشجعة الك وحضل صقيقتي الباكا
بانتظار جديدك واضمن لسلامتك ما تطولي ايون تهديد بهدد خافي ونفذي
دمتي بود
في امان الله
__________________
سبحان الله -الحمدلله- لا إله إلا الله- الله أكبر
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة
Trackbacks are متاحة
Pingbacks are متاحة
Refbacks are متاحة



الساعة الآن 05:46 AM.


Powered by vBulletin®
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.

شات الشلة
Powered by: vBulletin Copyright ©2000 - 2006, Jelsoft Enterprises Ltd.
جميع الحقوق محفوظة لعيون العرب
2003 - 2011