لا ريـاح ، لا صوت أو همس ، لا أحد ، لا شيء ، لا مكان ، سرابٌ قاتــِل !
لم يدم الصمت طويـلاً . . سمعت صوتاً لا طالما كرهته و بغضته يتحدث إليهـا من المجهـول . . يرن و ينتشـر بكل زاوية و صوبٌ تيه . . :
أرسين \ انقلبت الأمور . . هنا أنا مالكة هذا المكان و أنتى المقيدة . . و أنا من تتحكـم بجسـدك الأن . .
مارسيـلا بعصبيـة \ أين أنا يا أرسين . . أين ؟ لا يوجد مكانٌ في العالم كهذا ؟
أرسين بمرح مبالغ \ حمقاء ، إنها أعماقك . . أنتى محبوسة بأعماقك الفارغـة . . هذا هو المكان الذى أظل به حتى موعد الغسق . . لقد استطعت أن أخرج هذه المرة في وجود الشمس . . قليلاً من الوقت لأعود للوعى و أدمر كل شيء . . ههه !
ضغطت مارسيـلا بقوة على أسنانهـا و صرخت بأعلى صوتهـا لأرسين . . :
مارسيـلا \ أرسيــــــــــــــــــــــــــــــــن !!
لم ترفع عينيهـا من على صديقتهـا لوهلة . . إنهـا تجلس بجانب السرير على كرسي حديدي . . تمسك بيدهـا و تربت عليها بحنان . . :
مارجي بهدوء \ ترى ما الذى حدث لك . . ؟ أنا حزينة عليك كثيراً . . بالتأكيد لم تعودي تهتمين بغذائك .... أوه أيتهـا الشابة ليتنـا نتبادل الحيوات ... لدى أخوىّ مختلفا الأعمار و أمي و أبى ... جميع المهمات والمسؤوليات الكبيرة على عاتقي ... وأما أنتى فتحظين بهدوء لا مثيل له .... ليتنى أستطيع دخول قلبك المغلق !! ليتنى . . . .
أغمضت مارجي عينيهـا و أطلقت تنهيدة هادئة . . . أحست بحركة وهمية بيدهـا . . إكتفت بفتح عينيهـا وتوجيه نظرات مسترسلة إلى يدهـا . . . زادت قوة الحركة لتصبح محسوسة . . ارتعاش بسيط بأصابع يديهـا . . .
مارجي \ أوه يا إلهى عليّ أن أحضر الممرضة . . . !!
تركتهـا مارجي و أسرعت لإحضار الممرضة . . من خارج الغرفة . .
زادت قوة الحركة بيدهـا كلمـا مرت اللحظـات . . وفجأة فُتِحَت عيونهـا الحمراء اللون إلى أقصاهمـا !!
مرت إلى الأن ثلاثة دروس و تمر الرابعـة في هذه الأوقات . . أصوات تسبح بين مسامع الحاضرين . . الرياح تمضى . . أوراق الشجر تُقطع من جذورهـا وتطوف إلى العشب . . . صوت قلم يصدم بطاولة المقعد كل ثانية . . صوت خفيف لشخير أحدهم . . وضحكات خبيثة تتناقل بين البعـض . . تنهيدة أطلقهـا شاب . . . صوت حركة عقارب الساعـة . . . أحدهـم يحدق بهـا و عصب عينه اليمنى بدأ بالتشنج . . صوت الطباشير عالياً في هذا الجو الهادئ . . . يمر الوقت بطيء . . ممل . . مستفز . . . اللعنة !!
دوى صوت تحطم عالي خارجاً وضحكات عالية مجنونة تتلاحق بدون صبر !!
براين \ وأخيراً فاصل يقطعنـا عن هذا الشلل . . .
الأستاذ بياتون \ اجلس و أبقى هادئ سيهتمون بالحمقى خارجاً . . . .
تذمر الجميـع عدى أحدهـم . . . ظل يستمع للضحكـات العاليـة التي لا تتوقف
بعيون متسعة تضيق مع كل لحظة . . . الصوت هذا مألوف تسوده شوائب . . خليط بين الانصياع للانحراف عن الطريق المستقيم و الجنون المطلق للمعتقد المستحيل !!
صوت نفس متعطشة لشيء ما . . . نفس خطيرة وصوتٌ مألوف مدفون . . !!
ظلت الضحكـات مستمرة كثيراً لبضعة دقائق كثيراً ما أثار استغراب معظمهـم و ضحك أغلبيتهـم و انزعاج الأستاذ وحده . . :
بياتون \ الن يوقفهـا أحدٌ ؟! . . عليّ إذاً أن أذهب و أحتجزهـا لعشر ساعات لهذا الإزعاج . . . يالكـم من مجانين أيهـا المراهقون . . . .
خرج السيد بياتون وأغلق الباب بعنف . . ليتحول الصف في ثانية إلى ما يشبه النادي الموسيقى الجاز . . توقف الجميـع عن ضجتهـم حينمـا دوى صراخ مفزع تصحبه ضحكـات مجنونة أكثر حرية و إستمتاعاً . . وكأن فأراً يتعذب على يد عالم مختل !
خرجت جميع الصفوف إلى الفناء الأمامي مرعوبة من المنتظر لهـم في الخارج و الفضول يأكل قلوبهـم أجمعين . . . صدرت أصوات الفزع و الشهيق المفاجئ بينمـا أغمى على البعض . . . !!
قيدتهـا أرسين من يديهـا بيد واحدة !
و أمسكت بسكين حاد قليل الاستخدام قربته إلى رقبة مارجي بيدهـا الأخرى . . تشبه أنفاس مارجي أنفاس عداء ركض مائة دورة بدون راحة . . حبات العرق تنزلق من فوق جبينهـا . . . تجاعيد الرهبة تحوم حول عينيهـا التي تحولت إلى أرسين بعدى مشاعر مختلفة . . أمامهمـا جثة أنتون بياتون أستاذ الرياضيات ذو الأثنين و أربعين عام . . . كلتا يديه و قدميه أشلاء مقطعة حول جثته المشوهة بافتراء زائد ؟! :
أرسين بصوتٍ عالٍ \ أحضروا لى شاب أشقر ذو عيون زرقاء وخصلات منكوشة بإهمال يرتدى قميص أبيض مطبوعة عليه كلمـات كثيرة و لطخات حبر و جينز أزرق . . طويل عريض المنكبين و . . . هيهه وسيم . . . أحضروه لى فوراً و إلا سأقطعهـا إرباً أمام أعينكـم بدون رحمة أو فرصة . . . .
عجباً ! لابد أن أرسين قد بدلت ملابسهـا مع مارجي . . . حيث ترتدى أرسين قميص ضيق بدون أكمام و تنورة مزركشة قصيرة و جاكيت فرو قصير جداً بدون أكمام كذلك . . ترتدى جوارب طويلة و حذاء ذو ربطتان مفكوكتان . . . رفعت شعرهـا إلى فوق بمشبكين للشعر و لم تتخلى عن القبعة التي خبأت بيهـا نصف وجههـا عن الجميـع . . و أما مارجي فكانت الملابس ضيقة قليلاً عليهـا و لكنهـا تفي بالغرض . . . لم تناسب أبداً تلك الألوان فتاة شقراء و معروف أن أغلبية الشقراوات يحببن ارتداء الملابس المبهرجة ذات ألوان تغلب الربيع !
دارت مشاورات هامسة بين طاقم الإدارة لهذه المدرسة . . :
المدير سيثرى متريس موس \ من أنتى و من بالضبط تريدين ؟ ولماذا تفعلين هذا ؟!
أرسين بسخرية \ هه ، يا عقل النملة . . أنا غنية عن التعريف ألم تعرفني بعد . . ! أنا أرسين القاتلة . . .
هرب المراهقون جميعهـم إلى الصفوف و معظم طاقم الإدارة . . . بقى ثلاثة من الطاقم مواجهون لأرسين . . . الموقف حرج و يجب عليهـم البحث عن هذا الشاب بمواصفاته هذه . . بلع سيثرى متريس موس ريقه بصعوبة . . . تراجع خطوتين للوراء :
سيثرى متريس موس \ لا تتهوري أرجوك . . سنحضره لك بأسرع وقت ممكن . . .
مضت حولي ساعة و بضع دقائق . . . وجد فيهـا الطاقم شابين بهذه المواصفات . . .
ماتيوس ستيل . . و روبرت فيجاس . . . لم يعطوهـا الشابين بل . . . تحفظوا عليهـم بحذر . . . . ماتيوس جد حائر و روبرت يتعرق ولكنه يحتفظ برباطة جأشه :
سيثرى متريس موس \ أحضرنا لك شابين متقاربين للمواصفات . . لماذا تريدين هذا الشخص ؟
أرسين بغرور \ ههه أاه ، ليس من شأنك أيهـا الخنزير . . . فليقتربا لأحدد من هو الذى أريده . . . وإلا . . . . .
نظر لهمـا المدير و نظراته خائفة عليهمـا . . ليس باليد حيلة . . استغرب الجميع عدا أرسين سرعة ماتيوس ليقترب من أنظار أرسين . . . تردد روبرت و ذهب مجبراً ولكنه وقف وراء ماتيوس بقليل . . . شد ماتيوس على قبضته و عينيه ينطلق منهمـا الشرر أنفاسه عنيفة تصارع الهواء . . . أحس روبرت بشجاعة ماتيوس فأعطاه هذا شجاعة هو الأخر و تقدم للأمام يحدق بأرسين بحنق أقل من رفيقه . . . رفعت مارسيلا عينيهـا إليهمـا . . . بدى الوجه مألوف لـ روبرت أخذ يتفحصـه بتمعن . . . و ماتيوس لم يصدق التشابه الساحق بين أرسين و . . . . مارسيلا كيث فرانسيسيوا فورسايث أيرسون !
أشار لوجههـا بأصبعه بقوة و نطق بحزم و غيظ . . :
ماتيوس \ أتركيهـا . . . ليس لهـا ذنب . . . . أنا من تبحثين عنه أرسين .
رفعت حاجبيهـا مندهشة وابتسامة ساخرة شديدة على شفتيّ محياها الشرير . . :
أرسين \ يال هذه الشجاعة . . يبدوا أنك ضقت ذرعاً بحياتك و تريد الموت . . . اليس كذلك ؟
ماتيوس \ أخبرتك بأن تتركيهـا أولاً !
أرسين \ ههه ، شجاع و تثير ضحكي ألا تعرف من أنا ؟ حسناً أمرك يا مولاي سأتركهـا بسلام . .
دفعتهـا أرسين لصدر ماتيوس فارتمت عليه بفزع . . . تركهـا ماتيوس ليعتني بهـا المدير
و التف مرة أخرى لأرسين ، ماج الشر الشيطاني قسماتهـا . . بينمـا غزت الحيرة و الرفق قسماته . . . لم يرى أحداً غيرهـا رهبة مخبأة بعينيه وحب دفين . . بلع ماتيوس ريقه و تكلم معهـا بحذر . . :
ماتيوس \ من أنتى يا أرسين . . ؟ هل تقربين لمارسيلا !؟
أرسين \ أجل . . . أتعرف لن أقول بإنهاء كل شيء الأن . . سأستمتع بوقتي معك . . . العذاب و القتل أفضل من أن أريحك مرة واحدة !
هكذا انكشفت الأمور . . . صعق الأشخاص هؤلاء ورائه بينمـا بدأت خفايا الرهبة تظهر شيء فشيء . . . تراجع ثلاثة خطوات للوراء . . . وبلع ريقه . . . :
ماتيوس \ لماذا تريدينني بالتحديد ؟ و أين مارسيلا . . ؟
أرسين \ هههه أاه ، يالـ وسامتك يا عزيزي أكاد أقع بحبك . . .
صرخ ماتيوس بوجههـا لاستفزازهـا له . . . :
ماتيوس \ أجـِبي يا أرسين !
أرسين بجدية قليلة \ فلتقترب أولاً منى . . سأقول لك أين هي !
أمسك روبرت بيده ليمنعه من الاقتراب . . . لم تنتظر لتدوى أصوات سيارات الشرطة و هيلوكوبترات رأينا أفراد جنود مسلحون يقفون على أسوار المدرسة . . . وهنا هرب الجميع إلى الداخل !
أُجبر ماتيوس من قبل روبرت على الدخول لمبنى المدرسة . . . هرب الجميع حتى أرسين !!!
فجأة ، إتسعت تلك العيون و تلاشى اللون الأحمر تماماً بل . . . هربت قسمات أرسين . . عادت مارسيلا لوعيهـا فوراً . . . رفعت وجههـا بفزع من تلك الضجة المعروفة و عينيهـا واسعتان . . يرتجف بؤبؤ عينيهـا . . . نظرت حولهـا فوجدت جنود الجيش يحاصرونهـا من كل صوب و يرفعون أسلحتهـم بوجههـا . . .
وهكذا . . أمسكوا بالقاتلة أخيراً . . . :
مارسيلا بهدوء و ابتسامة \ لا أصدق ! وأخيراً أتت نجدتي . . .
ماتيوس بغضب و صراخ \ مارسيـــــــــلا عــــــــــودي !