وخيبة كبيرة !
ذًكر في القِصص الشعبية والتواريخ القديمة قصة ، قد ألهمتني وقرأتها مرة في أحدى المكتبات الأطفال ، وكان مضمون القِصة مفيد جداً ، كم يسرني جداً أن أقصوها عليكم :
في ذلك العصِر الذي يحكمه السلاطين والوزراء ، كان هُنالك رجل ، يُلقبُ بمبعوث السلطان أي الشخص الذي يُنقل كل رسائله لوزرائه ، يوماً ما أمره السلطان أن يبعث ظرفاً لوزير له في أحد المناطق القريبة يحتوي فيها على خطة حربية ورسالة من السُلطان نفسه ، أعد الرجل عدته وهم بالرحيل صباح اليوم باكراً ، فلقد كان الظرف مهماً جداً ، يومها أرادَ الرجلُ أن يرتاح تحتَ ظلِ تلك الشجرة ، يأخذُ قِسطاً من الراحةِ بعد عناء طويل مِن المشي فلقد مشي لمدة يوم كامل دون أن يرتاح ، نزع تِلك القُبعة عن رأسهِ ووضعها أرضاً ووضع ذلك الظرف جانباً ، كان الجو حارٌ جداً تحترقُ الأرضُ من شدة حرارتها ، كان يواسي نفسهُ أنه لا ضير أن أرتاحَ قليلاً حتى يستطيع أن يُكملَ مسيرتهُُ بعد ساعة من الآن ، تثاءبَ الرجل يقول : " سأنامُ قليلاً لا ضير من ذلك أيضاً "
فعلاً نامَ فوق قبعتهِ ، وما هي إلا خمسِ دقائِق حتى غطَ في نوم عميقَ !!
خلالَ نومهِ العميقَ وأحلامِ اليقظة ، أتى أحد الأشخاص الذي يبدو من منظرهِ أنه لِص وسارق ، أخذَ اللص يمشي فوق أطراف أصابعِه كي لا يوقظَ النائم والذي يسبحُ في أحلامه ، أقتربَ منهُ قليلاً حتى وصل إليه ، أخذَ يبحثُ هنا وهناك ولم يجد أي أمرٍ يدلُ على الاهتمام لسرقته ، لكن وقع ناظريه على ذلك الظرف الذي لفتَ نظرهُ ، ألتقطها وأخذ ينظرُ إليها سمع صوتاً يصدر من النائم فشعر بالخوف فركض بعيداً والظرفُ معه .
مرت ساعات طويلة ، والشمسُ أوشكت على الغُروب ولم يكلفُ نفسه عناء الاستيقاظ من نومه ، كان سعيداً جداً وهو يعدُ الخراف والنعاج في أحلامهِ واحدا واحداً وكأنهُ في نعيم ، لكن لا يَعلم أن هُناك مًصيبة وخيمة ستحُل عليه !!
حَلَ الصباح معلناً عن يومٍ جديد على ذاك الرجُل الذي أستمتع في أحلامهِ ،
" كان نوماً هنيئاً ومريحاً جداً " قالها وشفتيه تعلوها ابتسامةً عريضة ~
حمل قبعته تلك ووضعها على رأسه ، نظر يمينا حيث مكان ذلك الظرف ، توسعت عينيه ! وقف عن مكانه يشعرُ بالرهبة والخوف الشديدين ، أخذَ يبحثُ عنها هُنا وهُناك وقضى ساعة ونصف وهو يبحثُ عن ذلك الظرف الذي يبدو في نظره مهم جداً ..!
...
" يا إلهي سيقتلني السُلطان حينما يعرف الأمر ، آه ماذا أفعل أنه ظرفٌ مُهم للوزير !! "
كان يُبدي تذمرهُ وخوفه الشديد وهو يمشي لا يعرف أين هو الآن !
أخذ يسمع أصوات التُجار والنساء وهم يعلون في الصراخ من أجلِ تجارتهم التي يبيعونها ، وأصوات الأطفالِ وهم يركضون والنساءِ والمارة وضحكاتهم ودردشاتهم ..!!
" تفضلوا ، لدينا كُل أنواع الخضروات ، والفواكِه تفضل ............"
" بِكم سعر هَذه البندورةِ يا عم ؟""
" أنها ...."
" كُل أنواعِ القِماش موجود هنا تفضلوا أشتروه بثمن زهيد هيا ........."
" مُجوهرات ، حلي .............."
كل هَذه الأصوات جعلتهُ يلتفتُ هنا وهناك غير مصدٍق نفسه بأنه قد وصلَ فعلاً ، جعلهُ هذا يُدركً أنه غبي فعلاً فاستراحته هناك كانت هي سبب ضياع ذاك الظرف المهم جداً !!
تنهد بعمق ، يشعر بالخزي لأنه لم يقم بواجبهِ على أكملِ وجه !
...
كان وجهه متجهماً ، غاضباً جداً يشعرُ بأن عروقه تغلي من شدة غضبه ، كان يمشي هنا وهناك والقلقُ بادٍ على وجهه ، نظرَ يميناً ينظر لرجل كبير في السِن بقولُ لهُ صارخاً :" لَقد مر يوم ونصف أيًها المستشار ، يًجب أن تكون قد بُعثت منذُ وقت طويل ! "
أجاب المستشار بهدوء يحرق الأعصاب :" على ما يبدو أن المبعوث قد تأخر أو ما شابه أيها السلطان في إرسالها لوزيرك ، "
عقد حاجبيه بضيق منزعجاً جداً ، فبادر بالصمت والانتظار لا غير !!
...
" ماذا تَقول ، ظرف لي من السُلطان ، أين هيَ أيها المبعوث ؟ فانا لا أراها بين يديك !! "
قالها الوزيرُ منفعلاًَ قليلاً ،
أجاب الرجلُ متوتراً :" أعذرني سيدي ، فلقد تكاسلتً عن عملي وتأدية واجبي من أجل الراحة ، متناسياً أن هنالك عملٌ يجب تأديته ، لقد أخذني النوم أيها الوزير "
وقف الوزير عن كرسيه قائلاً بانفعال :" ماذا تقول ، أين هو الظرف إذن ؟"
أنزل الرجلُ رأسهُ خجلاً :" قد ضاعت أو على ما يبدو قد سرقها أحد اللصوصُ أثناء نوميَ "
أغتاظ الوزير من فعلتهِ هذه ، لكن غفر عنه الوزير والسلطان أيضا فهو لم يحتج إلا إلى الراحة ، ~
أخذ عقوبة ربما تغفر عن عمله الشنيع وتكاسله عن العمل ، فأصبح مزارعاً يحصدُ ليلاً ونهاراً ، لعدة أعوام ، ورجع لمنصبهِ كمبعوث لسلطان ، بعد أن أخذ كفايته من العِقاب ، وهنا نستنج أن من يتكاسلُ في عمله قد تحصل لهُ مصائب وخيبة كبيرة ، فلا يجب أن نستدرج أنفسنا للهاوية ، وان نجتهد في عملنا ونكمله على أكمل وجه ونطبق المثل القائل " لا تؤجل عملك ليوم غد " .