10-06-2013, 04:25 PM
|
|
( 2 )
من
ماجدولين الى سوزان
الجو رائق ، و السماء مصحية ، و قرص الشمس يلتهب التهاباً ،
و الأرض تهتز فتنبت نباتاً حسناً ، و الأارض تنتفض عن أوراقها
اللامعة الخضراء ، و الهواء الفاتر يترقرق فينبعث إلى الأجسام
فيترك فيها أثراً هادئاً لذيذاً ، و كل ذلك لا قيمة له عندي ، و لا
أثراً له في نفسي ، فإني أشعر أن االحياة مظلمة قاتمة ، و أن هذا
الفضاء على سعته و انفراج ما بين أطرافه ضيق في أعيني من كفة
الحابل ، و أن منظر العالم قد استحال إلى شيء غريب لا أعرفه
و لا عهد لي بمثله ، فأظل أنتقل من مكان إلى مكان ، و أفر من
الحديقة إلى المنزل و من المنزل إلى الحديقة ، و كأنني أفتش عن شيء ،
و ما أتش عن نفسي التي فقدتها و لا أزال أنشدها ، فإذا نال مني
التعب أويت إلى أشجار الزيزفون في الحديقة لأستريح في ظلالها
قليلاً ، فلا يكاد يعلق نظري بأول زهرة يروقني منظرها من بين
أزهارها حتى أشعر كأني أنتقل من هذا العالم شيئاً فشيئاً إلى عالم
جميل من عوالم الخيال ، فأتغلغل فيه كما يتغلغل الطائر المحلق
في غمار السحب ، و تمر بي على ذلك ساعات طوال لا أعود بعدها
إلى نفسي إلا إذا شعرت بسقوط الكتاب من يدي ، فإذا استفقت
وجدتني لا أزال في مكاني ، و لا يزال نظري عالقاً بتلك الزهرة
الجميلة التي وقفت عليها .
يقولون إن فصل الربيع فصل الحب ، و إن العواطف تضطرم
فيه اضطراماً فتأنس النفوس بالنفوس ، و تقترب القلوب من
القلوب و تمتليء الحدائق و البساتين بجماعات الطير صادحة فوق
زواهر الأعضان ، و جماعات الناس سائحة بين صفو الأشجار ،
أما أنا فلا أصدق من كل هذا شيئاً ، فإن أجمل الساعات عندي
تلك الساعة التي أخلو فيها بنفسي فأنااجيها بهمومي و أحزاني و أذرف
من العبرات ما أبرد به تلك الغلة التي تعتلج في صدري .
و أعجب ما أعجب له من أمر نفسي أنني أبكي على غير شيء ،
و أحزن لغير سبب ، و أجد بين جنبي من الهموم و الأشجان ما لا
أعرف سبيله و لا مأتاه ، حتى يخيل إلي أحياناً أن عارضاً من عوراض
الجنون قد خالط عقلي فيشتد خوفي و اضطرابي .
إن الذين يعرفون أسباب آلامهم و أحزانهم غير أشقياء لأنهم
يعيشون بالأمل و يحيون بالرجاء ، أما أنا فشقية لأني لا أعرف لي
داء فأعالجه ، و لا يوم شفاء فأرجوه .
كل أسباب العيش حاضرة لدي ، و أبي لا يعرف له سعادة في
الحياة ير سعادتي ، و لا هناء غير هنائي ، و لا يعجبه منظر من
مناظر الجمال سوى أن يرأني باسمة ، و يرى أزهار حديقته
ضاحكة ، بل ربما أغفل أمر حديقته أحياناً حتى تذبل أوراقها
و تموت زاهراتها في سبيل قضاء مرافقي و حاجاتي ، فأنا إن شكوت
فإنما أشكو بطراً و أشراً و كفراناً بأنعم الله التي يسبغها علي و يسديها
إلي ، فغفرانك اللهم و رحمتك ، فإني ما اعترفت بجميلك ، و لا
أحسنت القيام بشكر أياديك .
إني لأذكر يا سوزان تلك الأيام التي قضيناها معاً ، و تلك
السعادة التي كنا نهصر أغصانها ، و نحني ثمارها ، و نطير في سمائها
بأجنحة من الأمال و الأحلام ، فأندبها و أبكي عليها ، و أحن إليها
حنين الليل إلى مطلع الفجر و الجدب إلى ديمة القطر .
|
__________________ سبحان الله و بحمده
سبحان الله العظيم
كم أنت جميل يا قمر
و كم أنتي جميلة يا زهرة الياسمين |