في مساء ذلك اليوم فتح جين عينيه بهدوء .. أبعد الغطاء عنه ليجد نفسه بين أحضان سريره الدافئ .. القى نظرة سريعة لجناحه الخاص إلا أنه لم يعثر على هدفه .. فرك عينيه بشيء من الكسل ليبعد الغطاء عنه بهدوء وينهض إلى دورة المياة ( أكرمكم الله ) من أجل أخذ حمام دافئ .. وبعد القليل من الوقت خرج ليجد يوجين وقد قام بترتيب السرير وقد أخرج له بذلة رسمية ووضعها على السرير وما إن إنتبه لسيده الصغير حتى إنحنى بإحترام ليتحدث بذات النبرة الهادئة :" سيدي لقد جهزت لك الثياب لأمسية اليوم في القصر .. والآن من فضلك إرتدي ثيابك بسرعة ."
نظر له ومن ثم إلى ساعة الحائط ليرفع أحد حاجبيه بإستنكار :" ولماذا منذ الآن لازال الوقت باكراً ؟"
إبتسم بهدوء وهو يجيب :" سيدي إنت لا يمكنك الذهاب بيد فارغة صحيح ؟ سيكون علينا التوجه إلى السوق لشراء هدية مناسبة بعد ذلك ستتوجه إلى قصر الحاكم "
أومأ برأسه بمعنى أجل ولكن سرعان ما تبادر إلى ذهنه فكرة ما مما جعله يوقف خادمه الذي كان على وشك مغادرة الغرفة : " إنتظر مهلاً , مالذي تعنيه بستتجه إلى قصر الحاكم ؟ أنت تعني سنتجه صحيح ؟"
إلتفت بجسده بأكمله لسيده الصغير وهو ينظر له بنظرة متوسلة وبصوت أقرب إلى الرجاء ايضا :" أرجوك سيدي .. تعلم أن سيدي الحاكم يكرهني ويكره رؤيتي .. لا أرغب حقاً بالذهاب .
تحدث بشيء من البرود :" ولكن لا تقل لي أنك لازلت تخاف منه ومن نظراته يوجين ؟ أعني لم تعد طفلا صحيح ؟"
أخفض يوجين رأسه وهو يتذكر الخمسة أعوام التي قضاها في ذلك القصر بعد الحريق الذي شب في قصره .
أردف عندما علم يقيناً أن يوجين لن يجيبه بنبرة أقل برودة من السابق :" تعلم أنني لا أثق بأي خادم آخر سواك يوجين .. على الأقل أوصلني إلى هناك فقط .. ويمكنك البقاء في السيارة ما رأيك بهذا ؟"
تنهد يوجين بتعب فهو يعلم تماماً أن سيده لن يتراجع عن رأيه لينحني بهدوئه المعتاد ويتحدث بصوت مخنوق :" أمرك سيدي .. أنا تحت تصرفك "
ليغادر الجناح بعدها .. أطلق جين تنهيدة مرهقة ففي كل مرة يذهب بها إلى القصر عليه أن يخوض مثل هذا النقاش مع خادمه وكأنه لا يكفيه النقاش الذي عليه أن يخوضه الآن مع والده وشقيقيه .. تبا لماذا كان آخر مولود لهذا الأسرة ؟ الجميع يتحكم به بالطريقة التي يريدونها .. لا شيء يقوم به من تلقاء نفسه .. كل ما يتلقاه هو الأوامر فقط .
بعد مضي العديد من الدقائق :
سمع جين صوت الطرق على الباب الخارجي للجناح الخاص به .. أخذ نفساً عميقاً قبل أن ينطلق ويفتح الباب إبتسم رغماً عنه وهو يسمح لهم بالدخول إلى غرفته الشخصية !
تحدث ماكس بكل هدوء ووقار :" جين بُني .. تعلم تماماً أنك ابني وأنني أحبك كما أحب شقيقيك تماماً .. ولكنك دائماً ما توقعني وتوقع نفسك في مشاكل نحن في غنى عنها ..عليك أن تعي يا صغيري أن عائلة روبنز هي من أرقى العائلات في هذه البلاد .. وأنت بالذات قد سرقت قلب الأميرة وولية العهد أم أنك نسيت هذا ؟"
تنفس بعمق قبل أن يجبر نفسه على رسم إبتسامة هادئة ومتفهمة على شفتيه بينما بدى في عينيه راحة أكبر وهو أن يوجين قد إنضم لهم ووقف خلفه كالعادة ليتحدث بهدوء :" أعلم ذلك جيداً يا أبي .. أعتذر على المشاكل التي أسببها لك ولأخوتي أيضاً .. أنا لا أقصد ذلك أعدك سأكون عند حسن ظنك في المرات القادمة "
إبتسم السيد ماكس بهدوء ليوجه نظره إلى يوجين .. نظر له بإبتسامة غريبة قبل أن يتحدث بشيء من الإستفزاز :" تعلم جيداً ما هي مكانتك لدى الحاكم .. أتمنى أن تحسن التصرف .. سيكون من الأفضل لو أنك تبقى خارج القصر ."
إنحنى قليلاً ليتحدث :" أعلم ذلك سيدي .. أعلمه جيداً ولهذا السبب لن أزعجه .. سأبقى في حديقة القصر بحال إحتاج سيدي الصغير لأي أمر "
إبتسم الإثنان بسخرية قبل أن يتحدث الشاب الأكبر سناً :" بكل حال لماذا تريد أخذه معك يا أخي ؟ أعني لماذا لا تجد لنفسك شخصاً آخر ؟"
نظر جين له بملل ليتحدث بنبرة هادئة على عكس عادته : " لإنه خادمي الشخصي .. ولا أرغب بأن أذهب مع غيره .. كما أنني لا أثق ببقية الخدم في هذا القصر "
تحدث الشاب الآخر :" لا تقل لي أنك لازلت تخاف بسبب تلك الحادثة يا جين .. لقد مضى الكثير من الوقت "
أشاح بوجهه حتى يمنع نفسه من رؤية نظرة السخرية في عينيه ليتحدث ببرود مطلق :" لا أرى أنه لك أي حق لتدخل في خصوصياتي يا أليكسس .. دعني وشأني من فضلك "
أراد ذلك الشاب أن يجيبه ولكن تدخل كبير الأسرة منعه من ذلك حيث تحدث ماكس بهدوء وحدة :" صحيح جين أنا لم أتحدث معك بشأن ما حدث صباح اليوم .. أعني كيف تجرأ على رفع يدك على شقيقك الأكبر ؟"
إبتلع جين رمقه وهو يحاول بقدر الإمكان تجنب النظر لوالده الغاضب .. فتح فمه لينطف بشيء ما ولكنه آثر الصمت في اللحظة الأخير !
تنهد بملل وهو يشعر بأن محدثه لن يفتح فمه بأي حرف مما دفعه إلى التحدث مجدداً وبغضب أكبر وقد بان الحقد والكره بين طيات كلماته :" أتفعل ذلك لمجرد خادم ؟ جين لقد تماديت أكثر من الازم .. لم أمانع من أن تحتفظ به .. ولم أهتم كثيراً عندما رفضت التعرف على أطفال في مثل عمرك عندما كنت في المرحلة الإبتدائية .. فقد كنت مصمماُ أن يوجين يكفي فقط .. ولكن أن ترفع يدك على أليكسس أو ديريك لأجله فهذا أمر غير مقبول أبداً "
أخفض رأسه ليتحدث بهدوء مزيف يخفي خلفه الكثير من الغضب :" ولكن يا أبي أليكسس كاد أن يقضي عليه إنه يعلم أن يوجين يصاب بأزمة تنفسية بسبب مرض الربو وبالرغم من ذلك لقد ...."
قاطع كلام جين بحدة شديدة ليتحدث بطريقة خلت تماماً من أي مشاعر :" ومن أخبرك أن حياته مهمة ؟ يحق لنا فعل ما نرغب به ... قتله أو تعذيبه أو أي أمر آخر "
كز على أسنانه بقوة ليتحدث بحدة أخيراً :" لا , إنه مُلكي أنا ولن يقوم أي أحد منكم بإيذائه .. لا يحق لأحد أن يقوم بتعذيبه أو قتله حتى !"
نظر ديريك له بحقد ليوجه نظره إلى يوجين الذين كان واقفاً بهدوء وكأن الحديث الدائر بينهم لا يعنيه أبداً !
تحدث أليكسس بغرور في محاولة منه لإستفزاز جين :" ولكن يا أخي العزيز سيقوم الحاكم بقتله بعد مدة من الوقت .. أخبرني لماذا تدافع عن شخص سوف يموت بكل حال ؟ .. حسناً .. حسناً أنت أخي الأصغر وأنا علي أن أسامحك صحيح ؟ لا داعي للغضب الآن "
نظر جين له بشك قبل أن يتحدث بصوت خافت :" شكرا لك .. وآسف على ما بدر مني صباح اليوم .. كان بإمكاني طلب أن تبتعد عنه بلطف دون الحاجة لرفع يدي عليك "
إبتسم ديريك بشيء من الرضا ليتحدث وهو يمسح على شعر جين :" هذا هو أخي الصغير العاقل أحسنت صنعاً جين .. أرأيت يا أبي .. ثق بي فجين سيكون فخراً لهذه الأسرة إنه فقط شاب في مقتبل العمر وكل من في عمره يرتكبون القليل من الأخطاء .. ولكنه سيصلح كل شيء صحيح ؟"
أخفض جين رأسه ليتحدث بهدوء :" أجل يا أخي صحيح "
إبتسم أليكسس أيضاً ليتحدث وهو يرمق يوجين بنظرات خبيثة :" بكل حال لقد أخطأت أيضاً عندما فعلت ذلك بك .. لاسيما عندما علمت أن أبي سيحرمك من تناول أدويتك لمدة شهر كامل يوجين "
أغمض يوجين عينيه بهدوء ليتحدث برسمية مطلقة :" أعتذر عن إستفزازك سيدي صباح اليوم .. وأعتذر لإنني كنت السبب في هذه المشكلة اليوم "
شد جين على قبضة يده ليتحدث بشيء من الغضب المكتوم :" ولكن لماذا حرمانه من الدواء ؟ أعني هذه ليست عقوبة حتى !"
نهض ماكس من مكانه ليتحدث بصيغة آمرة منهياً فيها إجتماعهم الصغير ذاك :" لقد تأخرت على موعدك يا بني أتمنى أن تعمل بالنصائح التي أعطيناها لك .. ثق بي لا أريد سوى الأفضل لك فقط "
ديريك وهو يقف أيضاً :" حظاً موفقاً في مقابلتك للأميرة جين .. تذكر أن تتصرف بلباقة معها يا أخي "
أليكسس وهو يتثائب :" أوصل تحياتنا لهم والآن عمت مساءاً"
ديريك بإستنكار :" أأنت جاد هل ستنام منذ الآن ؟"
آليكسس :" هل لديك أي مخطط آخر تنوي فعله ؟"
ديريك :" أنت تصبح بمرور الأيام شخصاً مزعجاً يا أخي "
تابع كلاهما ذلك الحوار وهما يغادران الجناح الخاص بجين أخيراً .. حول جين نظره الذي كان موجهاً لهما ليراقب تحركات يوجين الذي كان يستعد للإنطلاق .
تنفس بهدوء قبل أن يتحدث بصوت مخنوق :" أنا آسف يوجين لأنني ..."
قاطعه بهدوء وهو ينحني برسمية :" لقد تأخرنا بالفعل سيدي دعنا ننطلق فحسب "
تنهد يوجين ليومأ برأسه بمعنى أجل وينطلقا ... ساد الصمت في السيارة .. كل منهما كان غارقاً في بحر من الذكريات والأفكار والمشاعر المتضاربة .. شيء واحد مؤكد هو أنه كلاهما كان في مزاج سيء .. تماماً كما يعلم كل واحد منهما ذلك من خلال عينا الآخر .
لندخل معاً إلى قليلاً إلى تلك الدوامة التي كان صديقنا يفكر بها وهو يقود السيارة .. هدوئه الذي كان ظاهراً على محياه ليس إلا قناعاً علمته الأيام إرتدائه .. قليل جداً هو ذلك الوقت الذي يخلع به ذلك القناع ويتصرف بأريحية أو بسعادة أو يتصرف كأي شخص آخر !
كان يتذكر تلك المحادثة التي خاضها عمه وأبنائه عنه .. متجاهلين تماماً وجوده بينهم .. متناسين أنه يشعر تماما كما يشعرون .. يحزن ويتألم بسبب كلامهم الجارح .. من الصعب عليه أن يتذكر دائماً أنه لا شيء بالنسبة للآخرين .. وأن رحيله أمر لا يهم أي أحد بل هو واقع يتمنى الجميع حدوثه .. كم يتمنى لو يشعر بوجود شخص ما يقف إلى جانبه في منزل عمه أو في قصر الحاكم .. يتحتم عليه العيش والتواجد في المكانين الذين لا يتلقى فيهما سوى الإهانة والتعذيب المستمر .. أطلق تنهيدة متعبة بعد أن أفاق من تفكيره ذاك .. لن يستفيد أي شيء بالتمني أو حتى بالتفكير به .. قرر أن يخرج من دوامة أفكاره وأمنياته لينتبه إلى الطريق الذي أمامه فهو ليس بحاجة لورطة جديدة يوقع نفسه بها .
أما جين فقط كان يجلس في المقعد الخلفي .. وينظر للنافذة بشرود تام .. تذكر تلك الأيام التي كان فيها مجرد طفل في السادسة والمصف من عمره .. لقد كان يخاف من كل شيء حتى من بقية الأطفال في المدرسة .. لقد كان الجميع يسخر منه لاسيما أنه كان كثير التلعثم في الكلام .. أو سريع البكاء فبمجرد إقتراب أحدهم منه كان يسمح لدموعه بالنزول .. لم يتمكن من أن يغير من نفسه بسهولة .. لطالما كان خائفاً من أن يتكرر الماضي عندما أكمل السادسة من عمره تماماً .. وقعت له حادثه جعلته بهذه الطريقة .. ولكنه وجد الملاذ برفقة يوجين الذي كان يعلمه الطريقة الصحيحة لتحدث .. وكيفية التحدث بطلاقة مجدداً وبلا خوف لقد كان حقاً شخصاً صبوراً في تعامله معه .. حاول كل من ديريك و آليكسس مساعدته ولكنهما فشلا بذلك إذ أنهما كانا دائمي الصراخ بوجهه مما يجعله يخاف ويختبئ في غرفته .. ظهرت إبتسامة على وجهه وهو يتذكر دهشتهم جميعاً في المرة الأولى التي تحدث بها أمام الجميع بطلاقة بعد تلك الحادثة .. لقد كان ذلك عندما أكمل عامه الثامن !! أي بعد مرور عاميين كاملين .. لم يتوقع أحد أن يتجاوز جين تلك الفترة .. وبالرغم من ذلك لم يتمكن من أن يكسب لنفسه أي صديق .. لطالما كان حاد الطباع وكثير الشجار مع الآخرين .. جميعهم مجرد منافقون هذا هو رأيه فيهم جميعاً .
خرج من شروده عندما توقفت السيارة أمام أحد المحلات التجارية .. ترجل منها ليسير بهدوء .. تنهد وهو يرى كل أنواع الأكسسوارات والفساتين المتنوعة .. إنه حقا ليس بالمزاج المناسب لإختيار أي شيء قد يرضي ذوق آنجلي .. نظر حوله ليرى أن يوجين ينظر إلى زاوية التي يوجد بها ملستزمات الأطفال وثيابهم .. تذكر في تلك اللحظة أنه نسي حقا الأمر تماما .. توجه نحو يوجين ليتحدث بهدوء :" يوجين .. لقد أنجبت اينوري صحيح ؟"
بالرغم من نبرته الهادئه إلا أنه شعر بالفزع لوهلة وهو يستوعب ظهور سيده من العدم .. نظر له بهدوء قبل أن يتمكن من أن يفتح فمه ليجيب بإبتسامة هادئة وحزينة ربما :" أجل سيدي .. قبل عدة ساعات فقط "
وضع جين يده على كتف يوجين ليتحدث بجدية :" أعتذر كان عليك أن تكون في منزلك اليوم لا هنا .. ولكن يمكنك أخذ الغد كإجازة ما رأيك ؟ "
نظر يوجين له بدهشة قبل أن يتحدث بشك :" إجازة ليوم كامل سيدي ؟"
جين بإنزعاج شديد :" ماذا تعني بنبرة الشك هذه ؟ إنه طفلك الأول صحيح ؟ أنت لم تكن موجوداً بجانب زوجتك أو بجانبه في أول ليلة له ولهذا يمكنك الذهاب وقضاء يوم غد معه على أن تعود في الصباح من بعد غد ."
إبتسم بسعادة بدت واضحة على محياه لينحني بهدوء وهو يتحدث :" شكرا لك .. حقاً سيدي شكرا لك "
نظر جين له وقد ظهرت إبتسامة صغيرة على وجهه قبل أن يتحدث :" إذن ما رأيك لو ساعدتني بالتسوق الآن .. فأنا حقا لا أرغب بذلك ."
تحولت ملامحه للتوتر فجأة ليتحدث بقلق :" ولكن سيدي .. أنا لا علم لي بذوق الأميرة آنجلي .. ولهذا السبب أنا آسف حقاً"
نظر له بشيء من الإنزعاج وقد بدى ذلك جليا في نبرة صوته وهو يقول :" أأنت جاد يوجين ؟؟ ألم تكن تهدي اينوري أي هدايا ؟"
عادت الإبتسامة إلى وجهه ليتحدث :" بلى ولكنني أعلم تماما مالذي تفضله اينوري .. أعني يستحيل لها أن ترتدي فستان لا يحتوي على بعض النقوش كالورود وتفضل أن يكون لونه زاهياً .. وإن كان باللون الأسود فهي ستغضب وربما تقوم بإلقائه في وجهي .. فهي ترى أن هذا اللون يجلب الحظ السيء .. كما أنها تكره الإكسسوارات الكثيرة وتفضل عدم إرتدائها أساساً "
تنهد جين بيأس ليتحدث بنبرة تدل على إستيائه الشديد :" ولكن ... أنت تعرف الكثير من المعلومات عن اينوري وأنا بالكاد أعلم أي شي عن آنجلي "
تحدث بهدوء :" سيدي أنت والآنسة آنجلي لم ترتبطا بعد .. ولهذا السبب لازلت تجهل بعض الأمور عنها .. ولكن بعد أن تصبح علاقتكما رسمية بالتأكيد ستعلم كل شيء تفضله "
أومأ برأسه موافقا وقد بدأ في مهمة محازلة إيجاد شيء ما مناسب لتقديمه لها وانتهى به الأمر لشراء عقد ألماس في نهايته قلب صغير يمكن فتحه بمفتاح صغير من الألماس ايضاً .. حيث وضع صورتهما معاً .. ونقش عليه حرفهما الأول خلفه .. أما المفتاح فقد قام بجعله كميدالية إحتفظ هو بها كدلالة على أنه الوحيد الذي يحق له الدخول إلى قلب أميرته .
بعد نصف ساعة تقريباً توقفت السيارة أخيراً أمام ذلك القصر الكبير .. نزل جين منها وهو يشعر بالحماس فجأة بينما كان يوجين يشعر بأنه على وشك الإختناق مع كل خطوة يخطوها إلى الداخل .. وما إن وصلا إلى مدخل القصر حتى دخل جين منه بينما بقي يوجين يقف خارجه .
في قاعة كبيرة جداً توسط تلك القاعة كرسيين باللون الأحمر يجلس على أحدهما رجل قد ظهر عليه الكبر في السن .. شعره الأبيض وعينيه الزرقاوتين كاللون البحر الهادئ .. وبجانبه إمرأة تمتلك شعراً أسود اللون يصل لمنتصف ظهرها .. وعينان خضراوان جميلتان ببشرة بيضاء ناصعة .. إبتسم جين بتوتر قبل أن ينحني ويلقي التحية عليهما بإحترام شديد :" سيدي الحاكم .. سيدتي الحاكمة تشرفت بقدومي اليوم إلى هنا .. شكرا لهذه الدعوة الجميلة "
إبتسمت الحاكمة بوجهه بينما بدء زوجها بالضحك ليتحدث بمرح لا يتناسب قطعياً مع ملامح وجهه الحادة :" إنهض يا بني ولا تكن بهذه الرسمية معنا فأنت هو أحد أفراد أسرتنا "
إعتدل في وقفته ليبتسم بهدوء .. جال بنظره في أنحاء هذه القاعة التي كانت مطلية باللون الذهبي وبعض النقوشات البيضاء .. نظر إلى الحرس الواقفين بإنتظام وكأنهم مجرد آلات أو تماثيل تزيين هذه القاعة .. لطالما أحب هذا المكان وعشقه .. ولطالما كان يعجب به مهما كانت عدد المرات التي يأتي بها إلى هنا .. أخرجه من تفكيره ذاك صوت الحاكم الذي تحدث بشيء من الخبث لإحراج ضيفه :" إنها ليست هنا .. أعلم أنك لا تطيق صبرا لرؤيتها ولذلك تفضل يمكنك الإنصراف الآن إليها .. إنها في جناحها الخاص "
علت حُمرة طفيفة على وجنتيه لينحني بخجل قبل أن يهرب من نظرات الحاكم وزوجته الذين بدءا بالضحك على ردة فعله.
كان يوجين يتأمل الزهور التي كان من الواضح مدى إهتمام أصحاب القصر بها .. إبتسم وهو يراقب النسيم العليل يقوم بتحريك تلك الأزهار وكأنه يداعبها .. أخرج هاتفه النقال بعد أن شعر بإهتزازه وما إن فتحه حتى وجد رسالة من اينوري .. فتحها على عجل ليفاجأ بصورة ذلك المولود .. إبتسم بشوق وحب .. لقد أتى إبنه إلى هذا العالم ولكنه لم يتمكن من ان يكون معهما في هذه اللحظة .. لم يستطع منع نفسه من الإتصال بزوجته والإنسانة التي لطالما عشقها .. أجابت بسرعة وكأنها كانت بإنتظار مكالمته تحدث والإبتسامة لا تفارق شفتيه :" عزيزتي اينوري حمدا لله على سلامتك "
أتاه صوتها المرح كالعادة إلا أنه بدى مرهقا أيضاً :" شكرا لك يا عزيزي .. هل رأيته ؟ إنه جميل أليس كذلك يوجين "
إبتسم بهدوء ليتحدث :" بالطبع سيكون كذلك إنه يشبهك كثيراً"
إبتسم على نبرة صوتها الطفولية وهي تقول بشيء من الإنزعاج :" ولكن يوجين لقد كنت أتمنى أن يشبه والده"
أطلق ضحكة قصيرة ليقول :" أما أنا فسعيد حقاً بأنكما بخير .. سأكون في الغد معكما "
أجابت بكل لهفة وسعادة :" أأنت جاد يوجين ؟ ستأتي غداً حقاً .. هذا رائع سأقوم بط...."
قاطعها بعتاب :" لا اينوري .. لن تفعلي أي شيء .. أقسم أنني سأغضب حقاً إن أرهقتي نفسك الآن"
تحدثت بسعادة بالغة وكأن كل إرهاقها وتعبها بسبب الولادة قد إختفى تماما :" لا يهم ذلك الآن .. أخبرني ماذا علينا تسميته ؟"
صمت قليلاً لتردف هي بعتاب :" لا تقل لي أنك لم تفكر بالأمر يوجين "
إبتسم بتوتر وقد بدى ذلك جلياً في صوته المضطرب :" وماذا عنكِ ؟ أعني ألم تفكري بإسم معين ؟"
تحدثت بيأس :" يوجين أنت حقاً لا تصدق .. ( أردفت بمرح ) رولند ما رأيك ؟"
إبتسم بهدوء :" رولند .. إنه جميل حقاً .. بكل حال علي أن أذهب الآن أراكِ غداً إن لم يعدل سيدي عن رأيه "
سمع صوتها المنزعج وهي تقول :" وهل الأمر بيده حتى يعدل عن رأيه ؟ أقسم بأنني سأقضي عليه إن فعلها .. يوجين لقد إشتقت إليك حقاً "
أجاب بهدوء :" وأنا ايضاً إلى اللقاء الآن "
ليغلق الخط مباشرة بعدها .
نظرت له بالمرآة لتبتسم بسعادة شديدة وهي تقول :" جين كم هو رائع .. شكرا لك .. حقاً شكرا لك "
إبتسم بتوتر ليتحدث بخجل :" لا , الواقع لقد كنت مستعجلاً لذلك إشتريته سريعاً وكنت قلقاً من أن لا يعجبك "
نظرت له لتتحدث بعتاب :" إنه منك أنت جين هذا كل ما يهمني .. وهذا كل ما يسعدني أيضاً ."
إبتسم بسعادة وراحة أيضا وهو يرى ملامحها السعيدة .. كانت آنجلي تمتلك عينان عسليتان وشعر يصل لمنتصف ظهرها باللون البُني الداكن .. بشرة بيضاء ناعمة .. تلك الفتاة التي نشأت في بيئة منحتها كل الدلال الذي إحتاجته لتصبح ربما أكثر الفتيات رقة ونعومة .. أو على الأقل كان هذا رأي جين بها .
تحدثت وهي تشعر بخجل من نظرات جين لها :" ما الأمر ؟ أنا لم أفعل أمراً يدفعك للنظر بي بهذه الطريقة "
إبتسم ليتحدث بشقاء :" بلى , لقد فعلتي أنتي سرقتي قلبي "
أشاحت بوجهه عنه لتتحدث بتلعثم :" ح .. حسناً .. دعنا .. ننزل .. للأسفل .. أو .. ربما نتمشى .. بالحديقة .. ما رأيك ؟"
ضحك بخفة ليتحدث من بين ضحكه :" ولماذا لا ؟ على الأقل سيكون يوجين في الخارج "
نظرت له بهدوء قبل أن تتحدث وقد طغى على صوتها الحزن :" إنه يكره حقاً القدوم إلى هنا صحيح ؟"
تحدث بتوتر :" لا تهتمي كثيراً لهذا الأمر .. فيوجين ..."
قاطعته بإبتسامة رقيقة :" لا يهم الآن أريد الذهاب وإلقاء التحية عليه "
نظر لها بتوتر أكبر :" ولكن إن علم والدك بالأمر فهو سيغضب بكل تأكيد "
أومأت برأسها سلباً لتتقدمه وتغادر الغرفة .. بينما لم يجد جين بُداً من اللحاق بها .
في الحديقة كان يوجين يتأمل بصورة طفله الصغير وهو يفكر بالمستقبل الذي ينتظر صغيره .. لاسيما بعد أن يتم إعدامه .. وماذا سيحدث لاينوري ؟ .. خرج من تفكيره ذاك وهو يشعر بوجود شخص ما خلفه نهض بسرعة وانحنى بإحترام شديد عند رؤيته للأميرة آنجلي .
إبتسمت بسعادة وخفة لتتحدث برقة :" لا داعي لذلك .. لقد اتيت لتهنئتك فقد سمعت بأنك أصبحت أباً اليوم !"
رفع جسده قليلاً ليتحدث بهدوء :" شكرا جزيلا لك آنستي على لطفك الشديد "
نظرت إلى شاشة هاتفه لترى طفلا رضيعا ينام بهدوء وسكينة غير آبه بما يحدث حوله في هذا العالم .. كان يمتلك القليل من خصل الشعر البُنية الفاتحة وبشرة بيضاء نقية ..إتسعت إبتسامتها وهي تأخذ الهاتف من يد يوجين لتتحدث بسعادة :" كم هو لطيف وجميل .. إنه حقا طفل رائع أليس كذلك جين ؟"
إبتسم جين الذي كان يقف خلفها ليومأ برأسه بمعنى أجل .. إبتسم يوجين أيضاً وشكرهما على لطفهما مجدداً .. أراد كل من حين و آنجلي العودة إلى الداخل حتى يقابلوا الحاكم ويتحدث معهم بذلك الموضوع الذي إستدعى جين لأجله إلا أن الصمت والقلق بدى جليا في وجوه الجميع عندما غرق القصر في ظلام دامس .. نهض يوجين وأمسك بيد كل من الأميرة وسيده الصغير وهو يحاول جاهداً ملاحظة أي حركة من حوله .
تحدثت آنجلي بالكثير من الخوف والتوتر :" ولكن والداي .. أنا خائفة .. أرجوكما لا تتركاني الآن "
أمسك جين بها وضمها إليه بهدوء وهو يشعر بتوتر كبير والكثير من القلق :" لا تقلقي أنا هنا سأتكفل بحمايتك ( أكمل في نفسه ): ولكن سيدي الحاكم وزوجته .. مالذي سيحل بهما ؟"
شعر جين بذراع يوجين تشتد في الإمساك به ..لم يتمكن من رؤية ملامح وجهه ولكنه مؤكد شعر بشيء ما يقترب نحوهم الثلاثة .. وما هي إلا لحظات حتى دوت صرخة الأميرة في الأرجاء .. إثر تناثر الدماء على وجهها وثيابها وقد تشبثت بجين أكثر .. بينما بدى الخوف جلياً على الأخير وهو يشعر بأنه مقيد غير قادر على يوجين بذلك الشجار غير المتكافئ بسبب تشبث آنجلي به .. إنتهى الأمر بتدخل جنود الحاكم وإعادة الأضواء للعمل .. ولكن يوجين كان قد أصيب بعدة جروح .. تم نقله للمشفى بينما بدء التحقيق مع أولئك الذين حاولوا قتل الأميرة .
بعد ساعة من تلك الحادثة :
إبتسمت بهدوء وهي تمسح دموعها لتتحدث بإمتنان :" أنت أنقذت حياتنا شكرا جزيلاً لك حقاً .. آسفة على ما حدث لك بسببي "
إبتسم بتعب ليتحدث برسمية كالعادة :" لا داعي للقلق يا آنسة أنا بخير إنها مجرد جروح سطحية "
جين ببرود :" يوجين يمكنك العودة إلى منزلك منذ هذه الليلة وستعود في الوقت المتفق عليه إتفقنا ؟ وأمسك إنه دوائك "
نظر له يوجين ليتحدث بهدوء :" شكرا جزيلاً لك سيدي .. ولكن الدواء السيد ماكس لقد ... "
أتاه صوت حاد يتحدث معه بشيء من البرود والقسوة :" لقد أنقذت حياة ابنتي ولهذا وحتى تتمثل لشفاء من هذه الجروح سيكون عقاب ماكس ملغياً:
تحدث بالكثير من التوتر :" شكرا لك سيدي"
نظر جين للحاكم ليتحدث معه بهدوء :" وماذا ستفعل بشأن كريستيان يا سيدي ؟ إنه ابن زوجتك وبالرغم من ذلك .."
قاطعه الحاكم بإنزعاج شديد ليتحدث : " سأجعله يدفع الثمن غاليا جدا .. هو ووالدته أيضا "
نهضت آنجلي من مكانها بإعتراض :" ولكن أبي .. ما شأن زوجتك بالأمر ؟؟ ومن ثم ماذا لو كان الأمر برمته مجرد كذب أعني كريستيان يستحيل له أن يحاول قتلي ."
تحدث جين بسخرية شديدة :" أعذريني عزيزتي ولكنك بلهاء حقاً ... إن متي أنتي سيتمكن هو من الحصول على العرش "
آنجلي بغضب :" أنت حتى لم تقابل كريستيان إلا مريتن فقط فكيف تحكم على نواياه منذ الآن أجبني ؟ "
تنهد بقليل من الإنزعاج ليتحدث :" هذا لا يهم .. يوجين هيا بنا ... ستوصلني للقصر ثم ستعود لمنزل "
نهض يوجين من الفراش ليتبع سيده إلى خارج المشفى .. حيث أوصل جين إلى المنزل الخاص بأسرة روبنز وأنطلق هو إلى منزله في أحد الأحياء البعيدة عن أسرة روبنز .