05-10-2014, 01:17 AM
|
|
قصص قصيرة ثناء بلعابد 1- يوم في حياة كافر (قصة)
في إحدى المدُن الأمريكيَّة حيث (لوس أنجلُس)، كان أهلها لا يعْرِفون معنى للإسلام ولا للإيمان قطّ.
أراد رجُل مسلم عربي السَّفر إلى مدينة (لوس أنجلس)، وكان هذا لأجل العمل هناك، وتلقِّي شهادته العليا بالمدينة، وقد اكْترى غرفةً في أحد الفنادق الفاخِرة يَبيت هُناك ويعمل هناك، كما أنَّه أحيانًا يحنُّ إلى تغْيير الجوّ، فيخرُج قاصدًا الحدائقَ العامَّة أو ناديَ تجمُّع المسلمين المثقَّفين المغْتربين، الَّذين يقيمون هناك.
في اليوم الثَّاني:
من حياة هذا المغترِب العربي في بلد مشْرك أجنبيّ، ضاقتْ نفسه وَلَم تتحمَّل الوحدة في غرفة صغيرة: لا كلام، لا مَن يطرق الباب أبدًا، قرَّر السيّد أن يَخرج إلى الشَّارع حتَّى يغيِّر الجوَّ، ويتعرَّف على أناس تَحلو معهم الجلسة والحديث، وبيْنما هو مارٌّ رافع رأسَه إلى الأعلى يفتخِر بعروبته وإسلامه، إذْ به يبصر غلامين كانا - حسب القامة - يبلغان 20 سنة، كانا يتشاجرانِ وأصواتُهما تعْلو وسط الشَّارع، لكن ما من أحدٍ ينهَرُهما عن ذلك، تقدَّم المغترِب منهما بكل شجاعةٍ رغْم أنَّه لَم يكن يُتقن الكلام باللُّغة الإنجليزيَّة كثيرًا، ولكنَّه كلَّمهما، وبيْنما هو ينصحُهما إذ بأحدِهما يضربُه وأكملا الشجار، فقال المغترب: "حسبي الله ونعم الوكيل".
كانت هذه الكلِمات قد جلبت آذانَ الغلامين إلى هذا المغترِب، وقد سألاه عن أصله فقال: أصْلي عربي ومسلم، أحبُّ الله ورسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم.
(وهذا ما كلَّمهما بالإنجليزيَّة).
أحدُهما غادر المكان فارًّا من صديقِه، أمَّا الآخر فكان يُكْثِر من الأسئِلة مع المغترب: ما اسمك؟ بلدك؟ أولادُك؟ سبب مجيئِك للمدينة؟
كان المغترِب يُجيب بغير حرج؛ لأنَّه يَعلم أنَّ هذه الأسئِلة تُخفي وراءَها سرًّا كبيرًا، أخبر المغتربُ الغلام برقم الغرفة التي يقْطن فيها، ومكان الفندق؛ لأنَّه وعده بالمجيء إليه.
في اليوم الثالث:
يوم الجمعة، جهَّز المغترب نفسَه بأنِ ارتدى قميصَه وقلنسوتَه البيضاء، وراح إلى المسجد آملاً أن يذكُر الله كثيرًا، بعد الصَّلاة توجَّه المغترب إلى مكان العمل ليأخُذ التَّوقيت الخاص به، كان يوم عمله هو الثُّلاثاء، عاد إلى الغُرفة وقد نوى قراءة السُّورة المستحبّ قراءتها يوم الجمعة وهي سورة الكهف، جلس على سريرِه وحَمل كتاب الله، وقال: أعوذ بالله من الشَّيطان الرَّجيم، بسم الله الرحمنِ الرحيم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجاً} [الكهف: 1].
إنَّه طرْق على الباب، تساءل السيد بسرعة: من هذا الَّذي جاءني؟ يا الله! لقد تذكَّرت، إنَّه الصَّديق الَّذي قابلتُه أمس.
أغلق كتاب الله وفتح الباب، وقال: أهلاً وسهْلاً بك يا أخي ويا صاحبي.
(وكل هذا الكلام كان بالإنجليزيَّة)
سأل الغلامُ المغترب: ماذا كنت تنشد قبل أن تفتحَ لي الباب؟
تنهَّد المغترب وقال: ذاك كلام الله يا أخي.
ضحِك الغلام وقال: لَم أفهم!
فأجابه المغترب قائلاً: نحن المؤمنون المسلمون، نؤْمِن بأنَّ لنا إلهًا واحدًا خلَقَ الكوْن الَّذي تراه، من بشَر وحيوان ونبات ....... إلخ، أرسل الله رسولاً مبعوثًا؛ محمَّد - صلَّى الله عليْه وسلَّم - من بعد الرُّسل الأولى، وجعل معْجزاتٍ للهادي محمَّد، فأنزل عليه القُرْآن الكريم الَّذي كنتَ أنت تدَّعيه أنشودة، إنَّه كلام عِظة وموعظة لِمَن أراد أن يتَّعظ، سوف أقرأُ عليْك آياتٍ من هذا الكلام الهادي.
وتلا عليه آياتٍ من سورة طه، وسورة البقرة، وسورة الناس، كما تلا عليه سورة الكافرون.
تعجَّب الغلام وراح يسأل المغترب: لماذا حرّم عليْكم أكْل لحْم الخنزير؟ ولماذا لا تتوقَّفون عن الصَّلاة؟ لماذا تصدِّقون أنَّ هناك رسولاً وأنتُم لا تروْنه؟
راح المغترب يُجيب الغلام بأدلَّة مقْنِعة، وفجأة رنَّ الهاتِف! إنَّه ينبِّه المغترب بقرْب موعد صلاة العصر.
كان الغلام شاردَ الذِّهن يفكِّر، بغْتة قال: ما الَّذي تسمُّونه البيت الحرام؟
أجاب المغترب: هُو الَّذي نذهَب إليه مرَّة في العمر إذا استطعْنا مادِّيًّا وجسديًّا.
أجاب الغلام: دينُكم وعر؛ كلّ شيء له دستور!
قال المغترب: لا تقُل هذا أبدًا يا صديقي، نحنُ في دينِنا يسَّر الله لنا كلَّ شيء، وبعدها أدْرك المغترِب أنَّ وقت صلاة العصر قد دخل، فقال للغلام: هل تسْمح لي أن أذهب للتَّوضُّؤ؟
قال الغلام: ماذا تقصِد بكلامك؟
قال المغترب: أغسل أعضاءً مخْصوصة بطريقة مخصوصة مع النيّة في ذلك، لا داعيَ لمُغادرة الغرفة، سوف نكمل الحديث بعد الصَّلاة.
توضَّأ المغترِب وذهب فصلى ثمَّ رجع إلى الغلام، وقال: أرأيتَني كيف صلَّيت؟ أجاب الغلام بسخْرية: لم أُبصر إلاَّ حركات رياضيَّة بسيطة! وضحك.
قال المغترب: تلك حركات تسمَّى الركوع والسجود، وكلماتها تسمَّى التسبيح وغيرها، وفي هذه الفترة كان الغلام يحدق في المصْحف الشَّريف وكأنَّه ينوي فِعْل شيءٍ ما، وبعدها قال للمغْترب: هل يُمكنُني أن ألْمس هذا الكتاب؟ (يقصد المصحف الشريف)، أجاب المغترب: عُذرًا! أنت لا زلتَ كافرًا، عليْك أن تغتسِل الغسل الأكبر، وتقول: "أشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله" بنيَّة الدخول في الإسلام، وبعدها تكون مسلمًا وتلتزِم بكلِّ قول وفعل ينطبق على المسلمين أمَرَ به الله - عزَّ وجلَّ.
ردَّ الغلام: حسنًا، ولكن أنا لا زِلت أكذِّب بِحقيقة أنَّ هنالك إلهًا، وهو خالق الكوْن ومسوِّي البشَر وكلّ شيءٍ يحدث بمقدرته.
جلس المغترِب وحمل المصحف وقال: هذا الكتاب كتابُ الله، وهذا الكون كوْن الله، وتلك الزَّلازل والكوارث الطَّبيعيَّة كلُّها لا يعلم سبب حدوثِها إلاَّ الله، وقارتكم أمريكا تعْرف بأعاصيرها العنيفة، فهل تَمكَّن علماؤكم من إيجاد السَّبب؟ كلُّهم يقول: غضب الطبيعة، ولكنَّه غضب ربِّ الطبيعة وهو الله تعالى المتحكم فى الطبيعة، القادر على أن يفعلَ ما يشاء منتقمًا من عباده الضَّالّين، فهل فهمت يا أخي؟
فأجاب بسرعة: أريد أن أعْلِن إسلامي على يدِك في غرفتِك، فهل يمكنني الاغتِسال عندك؟
أجاب المغترب: نعم، ولم لا؟!
اغتسل الغلام الغسل الأكبر، وعندما أنْهى أمسك بيد المغترِب، وقال: أشهد أن لا إلهَ إلاَّ الله وأشهد أنَّ محمَّدًا رسولُ الله.
كاد المغترِب يطير فرحًا، لكنَّه رفع مقلتَيه إلى السَّماء قائلا: الله أكبر، إنِّي عمِلتُ خيرًا فكافِئْني بخير يا ربَّ العالمين.
جلس المغترِب والغلام للأريكة، وقال: ها قد دخلت في الإسلام، وتعرفت إلى طريق الإيمان، فأوصيك ونفْسي بالتَّقوى، وكما أمرتك بفعل وقول ما يأمر به ربنا، ولا تنقطِع عن مجالس العلم مع المشايخ، والتليفزيون استعْمِلْه فقط في مشاهدة المحاضرات والخطب بالإنجليزيَّة، وبعدها علَّمه كلَّ مبادئ الإسلام، مِن أوقات الصَّلاة وكيفيَّتها وسنن وفرائض وغيرها من مشْروعات مبادئ الإسلام، وبيْنما هما كذلِك سمعا المنادي يؤذّن لصلاة المغرب.
قصدا المسجِد وصلَّيا، ثم عادا إلى الغرفة ووجْبة العشاء، تناولا الوجْبة ثمَّ فتح المغترب حقيبتَه وأخرج كتابين: "السيرة النبوية" و "كتاب التَّوحيد"، كانا مكتوبين باللُّغة العربية والإنجليزيَّة، وأهداهما للغلام.
فرح الغلام كثيرًا وراح يقبِّل صديقه ويقول: " THANK YOU" شكرًا لك.
وكان إسلام الغلام على يدِ المغترب حدثًا رسَمَ مذكرة غالية لديهما.
"كم أتَمنَّى أن يسلم أحدٌ على يدي".
كتبت يوم: 28 /10 /09 (28 أكتوبر 2009).
2- عمل الخير (قصة)
ما أرْوع أن يعمل الإنسان خيرًا، فيكسب وجهَه نورًا، وقلبه بياضًا، ورصيده حسنات، والناس محبين، والوالدين ثقة! وقد يكون العبد عند عملِه الخير خفيفًا لا شرَّ يتبعه، ولا خبث يشغل خاطره ويثقل حياته، كما يكون مقبلاً على كلّ الناس، والأشياء سهلة عليه، فإذا عمل عملا صالحًا توافقتْ أموره وتحقَّق مرادُه، بسْمته دائمة ومساعدته متواصلة كما يتعاقَب اللَّيل والنَّهار، والنيَّة خالصة في أعماله وأقواله، كلّ ما يفعله نافع لصلاحه وصلاح أمَّته، وأقواله تترك أثرًا قد يصلح ما فسد ويقرب ما ابتعد، وليس كما يقال: "اعمل الخير في رمضان كثيرًا"، هذه العبارة تجعل العبد يبتعِد عن عمل الخير إلاَّ في شهر الرَّحمة والإحسان، ولكن الأجدر بالإنسان أن يفعل الخير في كلِّ مكان وزمان، فأن يقول العبد: "سبحان الله"، يقولها العبد عند أيّ خطوة يخطوها وجلسةٍ يَجلسها، وعليه أن يَجعلها كالعصا الَّتي لا تُفارق الهرِم، والمهْنة الَّتي لا تُفارق ممْتهنها، والظّلّ الذي لا يفارقك.
أرأيتَ - أيها العبد - ما أروعَك لو زيَّنت كلامَك بعباراتٍ جميلة تحمل في أطرافِها وثناياها آلافَ الحسنات ورضا ربِّك عنك، حتَّى ولو كانت الكلِمات قصيرة لكن معانيها كبيرة، وصَدَق مَن قال: "خير الكلام ما قلَّ ودلَّ".
وليس كما يظن البعض أنَّ عمل الخير هو أن تُحسن إلى المساكين، وتبعِد الأذى عن الطَّريق وتحترم الكبير، وغيرها من معاملات وأخلاقيَّات إسلاميَّة فقط، بل هناك عمل الخير مع النَّاس وعمل الخير مع النَّفس، وهو أن تحرص على إصلاح نفسِك، وتقيها من مخاطر أعمال الشرور والسوء، ومعاشرة الصديق السيئ.
فعليك أن توفِّق في عمل الخير مع النَّاس ومع النَّفس.
كتبت يوم: 18 /11 /09 (18 نوفمبر 2009).
3- عقبات في حياة أسرة (قصة)
في إحدى المدن الصينيَّة المسلمة، كان هنالك بيتٌ يَجمعه العطْف والحنان؛ صغيرُهم يوقِّر الكبير، كانت هذه العائلة تتكوَّن من أبٍ وأمٍّ وابنٍ لهما، إضافة إلى الجدَّين المسكينَين، فبمجرَّد النَّظر إلى الجدّ تجده هرمًا عظامُه هشَّة والنَّظر ضعيف، وأمَّا عن حالة الجدَّة، فهي صمَّاء، ولكن العائلة تخطت المشكلة بفضل لغة الإشارة الَّتي تستعْمِلها العائلة لتفهم الجدَّة ما يقوله كلّ فرد من الأسرة.
مضت السنون والعائلة على أتمّ السَّعادة.
تشتَّتت أفراد هذه الأسرة إثْر وفاة الجدَّة الَّتي كانت معلِّمة، تدرّس الأسرة رغْم أنَّها صمَّاء ولكنَّها تتحدَّى، كانت تحذِّر الأسرة من كلِّ ما أضرَّ، وترشدها لكل ما نفع، غابت المعلمة الفاضلة ولن تعود، ولن يكون أحد خلفَها في مثل حنانِها وعطْفها وأسلوب نهيِها، بقِي التَّلاميذ فاقدين كيفيَّة التصرُّف مع الحياة الصَّعبة التي تنتظِرُهم، أحد التلاميذ يخرج من القسم؛ فقد غادر الأب المنزل من صدمة وفاة أمِّه الحنون.
بقيت الأمّ والجدّ والولد الصَّغير البالغ من العمر 6 سنوات فقط.
في ليلةٍ من ليالي الشّتاء الباردة، مرِض الجدّ مرضًا شديدًا، واضطرَّت الأمّ المسكينة أن تحمل الجَدَّ وتهرع به إلى المستشْفى، على قدمِها من دون سيَّارة، المنظر الَّذي تحمله الصورة يدعو إلى البكاء، لقد كان الثَّلج يلامس ركبتَي الأم، وابنها يَتبعُها ويصرخ بكاءً، لا يستطيع أحد أن يصِف ذلك المنظر الذي تتفطر له القلوب.
وصلت الأمّ إلى المستشْفى ورجلاها متجمِّدتان، والابن لا زال يبْكي ويصرخ بكلمة "جدي"، والأمّ تضمُّه إلى حضنها وتدْفئُه بحنانها، جاء الأطبَّاء وقد علموا أنَّ حالة الشَّيخ من سيئ إلى أسوأ، فأدخلوه إلى غرفة "إن عاش"، زاد قلَق الأم وتوتُّرها عندما سحبوه نحو هذه الغرفة المفْزعة، لحِقت الأمّ الأطبَّاء متوسِّلة منهم إخبارَها بحال المسكين، فإذا بها ترى الجَدَّ تَحت أجهِزة مُفْزعة وأنابيب كثيرة متعدِّدة الأحجام، وكأنَّه على وشك الصعود إلى الفضاء.
في هذا الوقت كان الأبُ قد عاد إلى البيْت حنينًا إلى ابنه الصَّغير وأبيه المسكين وزوجته هي الأخرى، لكنَّ الأب وجد الباب مفتوحًا وخاليًا من العائلة، توتَّر الأب وجلس يحدِّث نفسه قائلا: ليْتني لم أُغادر البيت، وبقِي يوبخ نفسه على فعلته الرَّديئة.
خرج الأب من البيت لعلَّه يجد الأهل.
في هذا الوقت كان الطَّبيب يسأل الأمَّ قائلا: أين زوجُك؟
قالت: لا أعلم، قال الطَّبيب: وهل تعرفين رقم هاتفه؟ قالت: نعم، تفضَّل.
اتَّصل الطَّبيب بالأب، رنَّ الهاتف: رن، رن، رن، رن.
حمل الأب الهاتف.
الأب: ألو، من معي؟
الطبيب: ألو، معك طبيب المستشْفى الولائي الكبير، أبوك هنا، نستدْعيك للحضور.
الأب: نعم، سوف آتي.
قصد الأب المستشْفى، وما أن دخل حتَّى استقبله ابنُه بكلِمة: "أبتاه"، وردَّ الأب بعبارة: "اشتقت إليك يا فؤادي".
ثمَّ تقدَّم من زوجته: كيف حالك؟ قالت: كيف تسألُني هذا السؤال في مثل هذا المكان؟!
وفجأةً، خرج الطَّبيب مسقطًا رأسه، أصفر اللون، يَمسح الدموع، وقال: أنتم تأخرتم في إيصاله إلى المستشفى، أمَّا حالته فهي خطيرة للغاية، أمَّا الآن فعظَّم الله أجركم، وإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون.
سقطت من الأب دمعتانِ؛ الأولى لأنَّه هو مَن تركَ العائلة وحيدةً، أمَّا الدَّمعة الثَّانية فهي لفقْدان أبيه دون أن يراه.
كانت الأمُّ تبْكي وتصرُخ وتقول: الذَّنب ذنبي أنا مَن تأخَّرتُ في إيصاله.
أمَّا الطفل فقد كان يصرُخ: أين جدِّي، أين جدي؟ أريد جدي.
وطلب من الطَّبيب أن يُريه الجدَّ، فأخذ الطفل يقبِّل جدَّه ويقول: أفقْ يا جدّي، أفق يا جدي، نحنُ في حاجة إليك.
وغادر المستشفى والدموع لا زالت تسيل.
كتبت يوم: 15 /11 /09 (15 نوفمبر 2009).
4- غزة (قصة)
غزَّة هي مدينة من مدن فلسطين، المحتلَّة من طرف بني صهيون، 24 مرَّة على مدى التَّاريخ، هذه غزَّة أرض العزة، شدّد عليْها الحصار وبُنِي لها الجدار، فما أمرَّ الحياة وما أصعبَ الممات!
أمَّا البلدان العربيَّة، فهي تِمثال على الكُرة الأرضيَّة: لا تتكلَّم، لا تتدخَّل، وكأنَّما تُساند العدوَّ الصهْيوني، لا تتأثَّر بما تُبْصِره من مناظر تقطع القلوب وتصنع الدموع، تنطق الأفواه الصَّامتة، تُناجي وتنادي وتستصرخ، تلك الوسائل الإعلامية من النت والتليفزيون والإذاعات والجرائد، دائمًا وأبدًا تُلْفِي فيها كلمة غزَّة وتسمعها وتصغي، فتجد أنَّها من خطر إلى أخطر، أقاموا الحصار ومعه الجدار، استوطنوا المدُن والأحياء، شرَّدوا الآباء والأبناء، قتلوا الرِّجال والنِّساء، عذَّبوا واعتدَوا واعتقلوا وكذبوا، ادَّعوا فلسطين أرضهم، ولكنَّهم غلبوا من الأبطال الفلسطينيِّين من محبِّي البلاد والجهاد، قالوا: "لا تفيدنا المظاهرات ولا المؤتمرات، لا المواقع على الإنترنت ولا غزَّة في الملصقات".
قالوا: نعمل وحْدنا ولو كلفنا ذلك الموت، في كلّ ثانية تقصف غزَّة قصفًا عنيفًا، ويَموت المئات، أمَّا البيوت فتهدم كلّها ولو أعادوا البناء، والعرب صامِتون، يعيشون عيش الثَّراء، يَحتفِلون ويفرحون ولا حياةَ لِمَن تُنادي.
الأجْدر بالعرب والمسلمين، أن يَكونوا في التَّعاطُف والتَّراحُم كمثل الجسم؛ إذا اشتكى منْه عضوٌ تداعى له سائرُ الجسْم بالسَّهر والحمَّى.
فيا ليْتنا كالجسم في المحبَّة والتَّعاطُف!
كتبت يوم: 06 /01 /10 (06 جانفي 2010).
5- تأخرت (قصة قصيرة)
في الصَّباح الباكر، ذهب كلُّ التَّلاميذ إلى مدارسهم، أمَّا أنا فقد تأخَّرت بضع دقائق، وعندما وصلت إلى المؤسَّسة ألفيْتُ أستاذي في السَّاحة، فعرفت أنَّ مصيري توبيخ وعقاب شديد، وعندما دنوتُ من الأستاذ تَملَّكني شعور غريب، فاعتذرتُ حتَّى سامحني.
وجعلني ذلك اليوم لا أتأخَّر أبدًا.
كتبت يوم: 24 /09 /09 (24 ديسمبر 2009).
6- 365 موتى (خبر)
في أمسية يومٍ من الأيَّام كنت جالسة مع الإنترنت، أتصفَّح الأخبار الجديدة، فإذا عنوان بالبنط العريض على صفحة أخبار قوقل google))، مكتوب فيه: 365 موتى!
كان ما يَجول في خاطري غير هذا الخبر، بل إنَّ مقتطفات من تفاصيل هذا الخبر الفظيع، جذبتْني لأن أضغط وأشاهد بقيَّة الخبر، في أثناء البحث كنت أُحاول أن أجد تكملة لهذه التَّفاصيل.
ها قد ظهر الخبر على شاشة الكمبيوتر، لم أكُن أرى إلاَّ كلمات: خسائر، موت، تحطم، إسعافات.
كان من المفروض أنَّ العنوان رمز الهلاك، لكن أين؟ متى وكيف؟
كل هذا كان في الهند، بالتَّحديد في "نيودلهي"، يوم: الثلاثاء 26 ديسمبر 2009.
على الساعة 00 : 8 مساءً هبَّت رياح شديدة تقتلِع الأشجار وتترك الصَّفير الرَّهيب في كلِّ عاصفة تكاد تقتلِع البيوت من أماكنِها.
هذه الأجواء الخطيرة دفعت بسكَّان منازل منفردة بالنُّزول نحو القبو، لكن حظ سكَّان العمارات سيئ للغاية، ثمَّ بعد هذا حلَّ تساقُط الأمطار الغزيرة، وتفتح الخطورة بابها لتخرج إلى شوارع "نيودلهي"، أخبار تجعلك تفكّر لو كنت محلَّ المنكوبين، فجلّ الموتى سكَّان عمارات ويصل عدد الضَّحايا إلى 365 ميت، وحوالي 1000 جريح.
أعداد كبيرة، إضافة إلى الدَّمار والحُطام والتشرُّد والفقْر، نتائج سلبيَّة عن هذه الحادثة الَّتي قرأ عنها كلُّ من يطَّلع على أخْبار العالم، لكن هي مشيئة الله أن يحدث في كلِّ بقعة من العالم حدث بأمره تعالى.
من تأليف: ثناء بلعابد.
كتبت يوم: 03 /12 /09 (03 ديسمبر 2009).
7- سالم والعباقرة (قصة خيالية)
ما أقسى أن يتألَّم أحبابُنا، خاصَّة الآباء أو الأمَّهات!
وها قد ضاقتْ نفْس سالم وهو يسمع أنينَ أبيه الَّذي ظلَّ يتحسس الدَّواء بلا جدوى، كم من طبيبٍ زارَه والأقارب الَّذين جاؤوا ليخفِّفوا عنه باتوا متأثِّرين من هذه المأساة الأسريَّة.
ملَّ سالم، فقصدَ الغابة ليلاً واتَّكأ على شجرة قد انبعثَ إليْها قليلٌ من الضَّوء، وجلس يدْعو الله خاشعًا يَبكي دموعًا متضرِّعة، وبينما سالم كذلك إذْ به يسمع خطواتٍ تقترب منْه، فاستدار بسرعة وإذا به يجد مخلوقين، سبحان الله! كانا أخضرَي الوجه وأصلعَي الرَّأس، يحملان لوحات تحكُّم، تراجع سالم إلى الوراء ولم يستطِع الصراخ ولا الكلام، ولا حتَّى الهرب، إنَّها صدمة!
تقدَّم المخلوقان مِن سالم، كلَّماه بثرثرة لا تُفهم، وعندما ضغط أحدُهما على زرِّ لوحة التَّحكُّم أصبحا يتكلَّمان بطريقة مفهومة، فقال:
المخلوق 01: ما اسمك؟
المخلوق 02: تقدَّم، ما بك تخافُ منَّا؟
سالم: أوَّلاً: مَن أنتُما؟ ثانيًا: ماذا تريدان منّي؟
المخلوق 01: لا نُريد منك حاجة بل وجدناك اتفاقًا، نحن مخلوقات غريبة عن هذا الكوكب تمامًا.
المخلوق 02: أومأ برأسه أن "نعم".
ويكمل المخلوق الأوَّل قائلا:
المخلوق 01: كما قلت لك، نحن غرباء عن كوْكب الأرض، لكن أصل أجدادِنا كانوا يعيشون هنا، وبعدما عانَوا الكثير من الحروب والكوارث الطبيعيَّة قرَّروا أن يكتشِفوا كوكبًا باسم كوْكب العباقرة، وفعلاً اكتشفوا كوكبًا وسمَّوه باسم العباقرة.
سالم: ولماذا سمَّوه بكوكب العباقرة؟
المخلوق 02: لأنَّنا قمَّة في الذكاء.
سالم: حسنًا، أنا سالم، أسكن في هذه المدينة.
المخلوق 02: ولماذا كنتَ تبكي قبل قليل؟ ما لك من مشكلة إلاَّ حللْناها لك.
سالم: أبي مريض مرضًا لو تعلمون كيف الحال هناك: ألم وصراخ، إغماء وحياة بعد موت، بكاء وملل معه فقدان أمل، أبي لا يَستطيع الحراك إلاَّ بمساعدة وجهْد يتعرَّق له الجسم.
فيا ليْتني أجِد الدَّواء عندكما.
المخلوق 01: هل يُمكن أن تذكر لنا أعراض المرض؟
سالم: مرض أبِي كله باختصار شديد: الحمَّى الشديدة، الإغماء، العجز عن الحركة ولا حتَّى الكلام.
فهِم المخلوقان أنَّ المرض يحتاج إلى دواء بسيط جدًّا، وطلبا من سالم أن يُحضر أباه إلى الغابة ليتمَّ معالجته، لكن بشرط واحد.
سالم: ما هو الشَّرط؟ سأوافق أيًّا كان من أجل صحَّة أبي.
المخلوق 01: الشَّرط هو أن تذهب معنا إلى كوْكب العباقرة، وتقيم هناك 3 أشهر.
سالم: أنا أذهب معكُم إلى كوكَبِكم! هذا صعب جدًّا، لن أُوافق إن كان هذا.
المخلوق 02: ألَم تقُل: أنَّك ستوافق على الشَّرط أيًّا كان؟!
سالم: طبعًا، لكن ..... ..... ..... .... نعم وافقت.
انطلق سالم كالبرْق نحو البيت وجلس جانب أبيه، وقال: أبي، هل تَخرج معي إلى الغابة لتغيّر الهواء؟
ردَّ الأب بصوت خافت: لا يا ابني، لا أستطيع المشي.
ألحَّ سالم على أبيه أن يَخرج معه، ومع هذا تظاهَرَ سالم بالبكاء، فقام الأب بحالةٍ يُرثى لها وصعوبة لا تقاس بالألم ولا بالوجع، حمله سالم نحو الغابة ووضعه على الأرض برفق، وراح خلف الشَّجرة ليتسلَّم قارورة الدَّواء من المخلوقين، أشْرَبَها لأبيه فإذا بالأب يشعُر بالطَّاقة تسري في شرايينِه، والوجه استرْجَعَ لونَه من الأصفر إلى العادي.
فرِح سالم وقبَّل أباه، وقال: شفيت والحمد لله يا أبتاه.
وهاهو ذا سالم يَفي بوعدِه، ويَمتطي المركب الفضائي قاصدًا كوْكب العباقرة.
أمَّا الأب فقد كان يقول: سالم، شكرًا، وينظُر حوله فلم يجد "سالمًا".
عاد الأب إلى البيت، وسأل أهل البيت: ألم يأت سالم إلى هنا؟
الأقارب والزَّوجة: ماذا؟ هل شفيت؟! كيف؟! ما الذي يحدث؟!
حكى الأب ما حدث له.
وسالم في هذا الوقت في تلْك الغرفة وحيدٌ، يتخيَّل شعورَ أبيه من فرح الشِّفاء وحزْن فقدان ابنه، كما كان المخلوقانِ يراقِبانه، وقد خفَّفا عنه بعد حين.
وصلوا إلى بلاد العباقرة، حطَّ المركب وسالم حاضرٌ جسدًا، وعقْلُه على كوكب الأرض.
نزلوا واتَّجهوا به نحو دكاكينِهم فإذْ به يرى رجالاً آليَّة تبيع والتجَّار نائِمون، مشَوا قليلاً ثمَّ تركوه واستقلُّوا إلى أعمالهم، جلس سالم على حافة الطَّريق فأحسَّ بالجوع القليل، وكان من المارَّة واحد سأله سالم: أليس لديْكم وجبة الآن؟ المارّ: أيّ وجبة يا فتى؟! هناك وجبتان: الإفطار والغداء، آ آ نسيتَ! أنتُم البشر تتفرَّغون إلى الأكل، فلديْكم: الإفطار، والغداء، والعشاء.
سالم: وأضفْنا العصرونة.
المارّ: هيَّا معي إلى البيت؛ ربَّما أجد لك وجبة.
دخل سالم بيت المارّ، يا إلهي! إنَّه بيت أخضر وجوانبه قد اتَّخذتْ منها العناكب بيوتًا لها.
قال المارّ: تعال يا صديقي، وقد كان ينادي صديقَه الرَّجُل الآلي، جاء الرَّجُل الآلي بسرعة وأظهر علامةَ استِفْهام على شاشته، إنَّه يسألُ سالم: ما تريد؟ قال سالم: "شقفة" خبز وقليل جبن إن وُجِدا.
قال المارّ: هل أنت فأر حتَّى تأكل الجبن؟!
ردَّ سالم: لا بأس.
ودامت حياة سالم 3 أشهُر على هذه الحال.
وفي نفس الوقت كانت العائِلة تبحث ليل نهار عن سالم المسكين.
عاد سالم، طرقَ باب البيت، فإذْ بالأب يفتح الباب، إنَّه لا يصدِّق ما تراهُ عيناه، سالم عاد إلى البيت.
حكى سالم لأهله ما حدث، وفي هذا الوقْت كان الأب يبْكي دموعَ حبٍّ يشكُر بها ابنه الصنديد الشُّجاع. |
__________________ اللهم صل على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
|