خلقنا الله تعالى وميزنا عن كافة مخلوقاته, فجعل لنا عقلا نفكر به, وندرك ونتفكر في مخلوقاته, حيث أن التفكر ساعة خير من عبادة الف سنة.
ونعيش في هذه الدنيا في ركود تام سواءا في عملنا أو علاقتنا أو حياتنا الإجتماعية, ثم ما نلبث أن نتغير فجاة فتتغير معنا موازيننا ونشعر بأننا أشخاص مختلفون عما كنا عليه قبل ذلك كما تتغير معنا أفكارنا ومشاعرنا.
إن هذا التغيير الذي يحدث بمثابة العامل الخارجي الذي يحدث تأثيرا قويا داخل الإنسان وما نريد أن نصل إليه في هذا المبحث هو التغيير الذاتي النابع من الوعي والإدراك لأهمية التغيير.
الفصل الأول: تغيير النفس
"وقفة مع الذات"
هل أنت راض عن نفسك؟؟؟
هل تود أن تغير حياتك بالفعل؟؟؟
كثير ما نرى مثل هذه التساؤلات في كل مكان, ولكن القليل فقط هم من يستطيعون الإجابة عنها, هناك إناس متدينون ومتقون يتمنون أن يكون حالهم أفضل مما هم عليه من الصلاح والتقوى والإيمان, وهناك أناس عاديون يتمنون أن يكون حالهم أفضل على الأقل.
طبعا لا أحد منا يتمنى أن يبقى حاله كما عليه حيث أنه من تساوى يوماه فهو مغبون, الكل يتمنى أن يتغير حاله نحو الأفضل, ولكنهم لا يهتدون إلى السبيل المؤدي إلى ذلك, فتراهم يقضون حياتهم في الشكوى والتمنى دون طائل, ولهذا نرى أن الذين يقومون بالتغيير هم 3% فقط أما الفئة الباقية فهم أهل الشكاية فقط.
وعندما يريد الإنسان أن يغير من نفسه فإن أول مرحلة للتغيير هي أن يدرك الإنسان بأن واقعه سيء ولابد من تغييره نحو الأحسن, أما لو كابر واعتقد بأنه كامل وغير قابل للتغيير فمهما فعل لن يتمكن أبدا من تغيير نفسه.
"التغيير نحو الأحسن"
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال "إذا أتى علي يوم لا أزداد فيه علما يقربني من الله تعالى فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم".
وعن أبي عبد الله الحسين عليه السلام أنه قال "من استوى يوماه فهو مغبون, ومن كان أخر يوميه خيرهما فهو مغبوط, ومن كان أخر يوميه شرهما فهو ملعون, ومن لم ير الزيادة في نفسه فهو إلى النقصان, ومن كان إلى النقصان فالموت خير له من الحياة".
ميزنا الله تعالى عن باقي مخلوقاته بأن جعلنا قادرين على تغيير حياتنا, فالنبات والحيوان لا يستطيعان تغير ما خلقا عليه من صفات وغرائز.
فالإنسان الواعي قادر على تغيير نفسه نحو الأحسن وبملئ إرادته في كل يوم, فكما قال الإمام علي عليه السلام "لا خير في العيش إلا لرجلين, رجل يزداد في كل يوم خيرا, ورجل يتدارك سيئته بالتوبة".
والتغيير الداخلي يساعد الإنسان على فهم نفس وغيره ويساعده على كيفية مواجهة المشاكل الإجتماعية والأمراض الجسدية.
"ماذا أغير في نفسي؟؟
إن كان هناك شيء لابد من تغييره في الإنسان فهو الأخلاق السيئة وإبدالها بالأخلاق الحسنة, فمن كان جبانا فعليه تغيير صفة الجبن إلى شجاعة, ومن كان بخيلا عليه تغيير صفة البخل إلى كرم, وهذا ما يسمى بإصلاح السريرة, وفي هذا يقول الإمام علي عليه السلام "من كانت الأخرة همه كفاه الله من الدنيا, ومن أصلح الله سريرته أصلح الله علانيته, ومن أصلح فيما بينه وبين الله أصلح الله فيما بينه وبين الناس".
ولا يعني التغيير أن يكون الإنسان دائم التغيير والتبدل سواء من ناحية الأراء أو المعتقدات أو السلوكيات, بل إن يكون التغيير نابع من نوعي لمعنى هذا التغيير, فإن سرعة التبدل والتغيير دليل على ضعف الشخصية.
وعلينا أن ندرك شيئا ذا أهمية, وهو أنه ليس كل شيء يجب أن يتغير, فالمبادئ والأهداف تعتبر من القيم الثابتة وخطا أحمر لا يتغير, إنما ما قد يتغير فهو الأساليب والوسائل, ومن يتنازل عن قيمه ومبادئه فهو ضعيف في إرادته.
"هل أستطيع أن أغير حياتي"
من خلال قرائتنا للنصوص القرآنية نجد إن الناس قادرين على تغيير أنفسهم وواقعهم, وإلا لما طلب الله منهم أن نغير أنفسهم وأديانهم وأعمالهم السيئة, حيث قال تعالى "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
ولما أرسل الله رسله وأنبيائه وإنزال الكتب السماوية كان من أجل تربية الإنسان وتغييره وهذا دليل أخر على الإنسان قادر على تغيير نفسه حيث قال تعالى "هو الذي بعث في الأميين رسول منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين".
ولا ننسى أن الإنسان يملك من الطاقات استطاع بخلالها أن يغير كل شيء, ومن استطاع أن يسيطر على الكون ويغير من الطبيعة, فإنه ولا شك قادر على تغيير نفسه ويسيطر عليها.
الفصل الثاني: كيف تغير حياتك؟
"كيف أغير حياتي"؟؟
إن المرض إذا أصاب الشخص لا يصيبه دفعة واحدة, وإنما يحدث ذلك على دفعات, كذلك تغيير الذات يحتاج كذلك لدفعات كي يحدث التغيير المنشود, إلا في حالات استثنائية كالصدمة النفسية وانفتاح القلب على الله فإنها تأتي دفعة واحدة, ولحصول التغيير علينا أن نمر بمراحل عدة أبرزها:
1-التغيير الداخلي.
لو تعمقنا في شخصية الإنسان لوجدنا أنها تتكون من عدة عوامل هي الوراثة والتربية والبيئة, فإذا كانت هذه العومل صالحة أنتجت إنسانا صالحا, والعكس بالعكس.
إن ما يزرع في الإنسان في طفولته يؤثر عليه في كبره, فإن كان يلقن من أبويه أنه فاشل وغبي, فإن ذلك ينعكس عليه عند كبره.
ولتغيير النفس وجب على الإنسان أن يتخلى عن الصفات السيئة ويحليها بالصفات الحميدة, فكما أن الزارع يخلي الأرض من الأوساخ ثم يزرع البدر, كذلك على الإنسان أن يفعل ذات الشيء.
وتغيير شخصية الإنسان شبيهة كل اشبه ببرمجة جهاز الحاسوب, فكما أن برمجة الحاسوب ضرورية للاستفادة منه, كذلك الحال مع النفس البشرية, إذ لا بد من إعدة برمجتها وإعادة صياغة الأفكار داخلها من جديد.
"راقب أفكارك لاأنها تصبح أفعالا
وراقب أفعالك لأنها تصبح عاداتا
وراقب عاداتك لأنها تصبح طباعا
وراقب طباعك لأنها تحدد مصيرك".
2- تغيير الماضي
من المعروف أن أكثر الأمور تأثيرا في حياة الإنسان هو الزمن الماضي في حياته وخصوصا أيام طفولته وصباه, فترى بعض الناس يعيشون على ذكريات الماضي حتى لو كانت أليمة ومضى عليها الزمن الغابر, وهذا يعد من أخطر الأمور, إن أن أثار الماضي تترك آثارها على الزمن الحاضر, "بَلْ قَالُواإِنَّاوَجَدْنَا آبَاءَنَاعَلَىأُمَّةٍوَإِنَّاعَلَى آثَارِهِممُّهْتَدُونَ. وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِيقَرْيَةٍمِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَاإِنَّاوَجَدْنَاآبَاءَنَاعَلَىأُمَّةٍوَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ.", وهناك قول مأثور يقول "لا تفكر بالماضي فهو ليس بالحاضر ولا المستقبل".
ونظرا لأن مرحلة الطفولة تشكل اللبنة الأساسية لذات الإنسان, فقد ركزت النصوص الدينية على أن يحسن الوالدان تربية الأبناء في المرحلة الأولى من الطفولة, فقد ورد عن الإمام علي عليه السلام أنه قال لولده الإمام الحسن عليه السلام "إنما قلب الحدث كالأرض الخالية, ما ألقي فيها من شيء قبلته فبادرتك بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك".
3-تغيير صورة الذات
في داخل كل فرد منا صورة عن ذاته موجودة في عقله الباطن, وتتألف هذه الصورة من تجاربنا وردود فعلنا لها, وردود فعل الناس لها أيضا, فهي ملخص الأحداث التي نمر بها منذ الطفولة والتي نبني منها ذات الأنا.
إن أفعالك وتصرفاتك كلها مطابقة لصورة الذات في داخلك, بمعنى أنك لن تقوم بأي عمل أو سلوك لا يتطابق مع صورة الذات التي لديك, فالشخص الذي يرى في نفسه فاشلا سيتصرف على أساس أنه فاشل وسيوجد الظروف التي تحقق له هذا المطلب.
إن صورة الإنسان عن ذاته هي أعمق من الشكل الخارجي, وسيكون الشكل الخارجي ذا مفعول إلى توافق مع تصحيح صورة الذات الداخلية, ولكي تكون راضيا عن نفسك يجب أن توجد صورة لذاتك تكون راضية عنها, ويجب أن يكون لها التقدير الكافي لديك.
4- تغيير مقت الذات
كثير من الناس عندما يمرون بظروف صعبة وقاهرة تراهم يمقتون أنفسهم كأن يقول أحدهم بأني فاشل, وأخر يقول إني أكره نفسي ويا ليتني لم أخلق, وهذا بالضبط له تداعيات كثيرة وينعكس على كره الأخرين ومقتهم بل يتعداه إلى مقت الأيام والليالي كان يقول ما أسوأ هذا اليوم.
إن استحسان النفس وتقبل الذات كما هي مفتاح إلى التبدلات الإيجابية, ويبدأ استحسان الذات من إدراك حقيقة عدم نقد النفس مهما كانت الظروف, ولهذا تذكروا أنكم لطالما انتقدتم أنفسكم سابقا لكن لم تحصلوا على النتائج المرجوة لذلك.
5- تغيير صورة الواقع
أن كل شي يحدث لنا في أرض الواقع ما هو إلا عبارة عن اعتقاد معين كنت تعتقده في قرارة نفسه, ولن يتغير هذا الواقع إلا إذا غيرته من صميم قلبك , وإدراكك لشيء معين لا يعني أن يكون إدراكا لكل الناس, فمن الممكن أن يكون هناك إدراك أخر لأشخاص أخرين.
ففي حالات الزواج والطلاق مثلا تجد أن الزوجين يعيشان حياة سعيدة بادئ الأمر وهذا واقع لما يدركونه أول مرة, ثم عند حدوث أي مشكلة تجعلهما يفكران بطريقة مختلفة عن الأولى وهذا إدراك أخر, وعندما يقررون حل المشاكل والعيش سعداء يتغير الواقع السلبي إلى واقع إيجابي, وهكذا يتغير الواقع في كل مرة يتغير فيها الإدراك.
وهذا يقودنا إلى حقيقة أخرى, وهو أن بعض الناس يتوهم أنه لو غير بلده وانتقل لبلد أخر فإنه سيرتاح من مشاكل, بينما الواقع يقول إن السفر لا يغير الإنسان ما لم يغير نظرته لنفسه وللحياة, وهو بانتقاله لبلد أخر إنما ينقل معه كل ما يحمله, ولهذا يجب عليه الإسراع بتغيير نفسه قبل التنقل لمكان أخر حاملا معه ذنوبه وخطاياه.
6- الاتصال بالمشاعر والدخول إلى الأعماق
من أراد أن يغير نفسه فليبحث عن الكنوز والنفائس التي بداخله وهو ما يعبر عنه بالاتصال بالأعماق والمشاعر, فمن يقف على مشاعر الغضب والرضى, والحب والبغض فإنه قادر على تغيير نفسه نحو الأفضل وهذا يقتضي منا مراقبة التفاعلات الداخلية في كل الأحوال.
"أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِوَمَا نَزَلَمِنَالْحَقِّ وَلَا يَكُونُواكَالَّذِينَ أُوتُواالْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْوَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ".
آن لنا أن نغير أنفسنا قبل أن يأتي يوم لا نستطيع فيه ذلك, قبل أن يأتي الموت فننتقل إلى العالم الآخر ونحن مثقلون بالصفات السيئة وبالذنوب والمعاصي قبل "أَن تَقُولَ نَفْسٌيَاحَسْرَتَىعلَى مَا فَرَّطتُفِيجَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ{56} أَوْ تَقُولَ لَوْأَنَّاللَّهَهَدَانِيلَكُنتُمِنَ الْمُتَّقِينَ{{57".
والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على سيد محمد وآله الطيبين الطاهرين.
هذه مشاركتي في
مسابقة
|~ غيِر نًفسِكك ! لِيُشْرِقً آلعًآلًمْ ~| ► مُسًآبقًةة ◄
و اتمنى الفوز للجميع