الفصل الثاني :
ما ان انصرفت اوليف بيترتون حتى استدعي الزائر الذي كان في الانتظار إلى مقابلة مستر جيسوب.
قال الزائر وهو يستوي جالسا على احد المقاعد :
-إني الميجور غلايدر ، وهاك خطاب تعريف من السفارة الأمريكيه.
جرى جيسوب بعينيه على سطور الخطاب في نظرة سريعه ، ثم وضعه أمامه على المكتب وسأله:
-أية خدمة استطيع ان اؤديها لك يا ميجور ؟!
-إنني قادم لتوي من الولايات المتحدة وقد اتيت إليك أسألك عما إذا كانت لديك أنباء جديده عن توماس بيترتون الذي اختفى اخيرا بطريقة مثيره ، إن المرء لا يستطيع ان يصدق دائما ماتنشره الصحف ، وقد قيل لي انك الوحيد الذي لديه معلومات موثوق بها .
فقال جيسوب :
-يؤسفني أنه ليست لدي معلومات مؤكدة عن بيترتون.
-لقد خطر لي أنه ربما أوفد إلى الخارج في مهمة خاصه. مهمة سريه.
فقال جيسوب في كلمات متمهله :
-إن بيترتون ياسيدي العزيز مجرد عالم وليس دبلوماسيا او عميلا سريا.
استطرد الميجور غلايدر باللهجة الجديه نفسها :
-إن الألقاب كثيرا ماتكون خداعه يامستر جيسوب ولعلك الآن تتساءل عما يدفعني إلى الاهتمام بهذا الموضوع .. إن توماس بيترتون يمت إلي بصلة القربى عن طريق الزواج .
-إنك فيما اعتقد ابن اخت البروفسور مانهايم؟
-آه إنكم هنا تتحرون عن كل إنسان .
فغمغم جيسوب باسما :
-إن الناس يأتون إلينا هنا ويفضون بما لديهم ، لقد كانت المسز بيترتون هنا وهي التي اخبرتني بهذا وقالت أيضا أنك بعثت إليها برساله.
-نعم .. كتبت إليها اعزيها واسألها عما إذا كانت لديها انباء جديده.
واستطرد الميجور غلايدر يقول:
-إن امي هي الأخت الوحيده للبروفيسور مانهايم، وكانا شديدي التعلق كلاهما بالآخر ، وعندما كنت طفلا كنت اقضي معظم الوقت في بيت خالي ، وكانت إلزا بالنسبة لي بمثابة اخت شقيقه وعندما مات ابي وامي انتقلت للإقامة في بيت خالي وكانت اياما سعيده ثم جاءت الحرب بويلاتها ومآسيها ، وهرب خالي وإلزا إلى امريكا اما انا فبقيت في بولندا وانضممت إلى المقاومة السريه ، وبعد ان وضعت الحرب أوزارها سافرت إلى الولايات المتحده لأزور خالي وابنة خالي ، هذا هو كل شيء.
وتابع الحديث قائلا:
-وبعد ان فرغت من انجاز المهام التي أوكلت إلي في اوروبا قررت ان استقر في الولايات المتحده بصفه دائمه لأكون على كثب من خالي وابنة خالي وزوجها ، ولكن ، وا أسفاه !! ماكدت اصل إلى أمريكا حتى مات خالي في حادث سياره ثم ماتت إلزا ابنة خالي ، اما توماس بيترتون زوج ابنة خالي فرحل إلى انجلترا وتزوج للمرة الثانيه ، وعدت أنا كما كنت من قبل بغير اسرة ارتبط بها ، وعندئذ قرأت في الصحف نبأ اختفاء العالم الشهير توماس بيترتون ، فحضرت إلى انجلترا لأرى مايمكن عمله .
وتراخى الميجور غلايدر في مقعده وقال متسائلا:
-مستر جيسوب ، لماذا اختفى بيترتون؟
فقال جيسوب:
-تمنيت لو اني عرفت .
-ولكنك تشتبه في شيء ما على الأقل ؟!
فقال جيسوب في حذر :
-هذا جائز فاختفاء بيترتون ليس الأول من نوعه .
-هذا صحيح فقد قرأت عن الكثير من حوادث الاختفاء.
واخذ الزائر يشير في كلمات سريعه إلى عدد من حوادث الاختفاء التي وقعت في العهد الأخير
ثم عقب بقوله :
-وكلهم من العلماء ، أليس هذا غريبا؟
لبث جيسوب صامتا .
فاستطرد الميجور جلايدر:
-اتراهم ذهبوا إلى ما وراء الستار الحديدي؟
-هذا احد الاحتمالات ولكنه ليس احتمالا قاطعا ، فمن المستحيل انهم انضموا إلى إحدى الجماعات السريه الفاشستيه او انهم ضاقوا بعملهم .
-ولكنهم طبعا ذهبوا طواعيه واختيارا؟
فقال جيسوب:
-حتى هذا السؤال من الصعب الإجابة عليه.
ثم اردف :
-ولكن ماهو سر اهتمامك ببيترتون، وهو بالنسبة إليك ليس إلا مجرد نسيب عن طريق الزواج؟ بل إنك لم تقابله ابدا في حياتك .
-هذا صحيح ولكن الأسره عندنا معشر البولنديين من الروابط الوثيقة وهي تفرض علينا التزامات لانملك ان نتحلل منها .
ونهض جلايدر واقفا واحنى رأسه تحية في جفاء وقال:
-يؤسفني ان شغلت من وقتك اكثر مما ينبغي ، شكرا على انك قابلتني
نهض جيسوب واقفا وهو يقول :
-يؤسفني انني لم استطع ان اساعدك ولكني احب ان اؤكد لك اننا لا نعرف شيئا على وجه اليقين، ولكن إذا بلغني اي نبأ فأين يمكن ان اتصل بك ؟
-طرف السفارة الأمريكيه ، واكرر لك الشكر.
وللمرة الثانيه انحنى تحية واستدار منصرفا.
ورفع جيسوب سماعة التليفون يدعو الكولونيل هوارتون إلى مكتبه .
وابتدره جيسوب قائلا:
-اخيرا بدأت الأمور تتحرك .
-حقا وكيف حدث هذا ؟!
-مسز بيترتون تريد ان تسافر إلى الخارج.
-أتراها تنوي ان تلحق بزوجها ؟
-هذا ما ارجوه ، لقد جاءتني مزوده بتقرير طبي ينصحها بالسفر طلبا للراحه والاستجمام.
-تدبير محكم منها.
فقال محذرا:
-ومع ذلك فقد تكون حقا مقبله على انهيار عصبي .
تساءل هوارتون:
-هل استطعت ان تنتزع منها شيئا؟
-مجرد بادره ضعيفه، بيترتون كتم عن زوجته انه تناول الغداء في فندق دورسيت مع هذه المرأه المدعوه سبيدر.
فغمغم هوارتون قائلا:
-اتعتقد ان لهذا صلة باختفائه؟
-ربما فقد سبق ان استجوبت كارول سبيدر، امام لجنة فحص النشاط المعماري لأمريكا / وإن كاننت قد استطاعت ان تثبت براءتها.
-وهل اتصلت مسز بيترتون بإحد فأصدر إليها تعليماته بالسفر إلى الخارج ؟!
-لم يزرها احد في بيتها وان كانت قد تلقت بالأمس خطابا من رجل بولندي هو ابن خالة بيترتون الأولى وقد كان هنا في مكتبي منذ قليل يستفسر عما لدي من أنباء.
-أيكون هو الذي حرضها على السفر؟
-هذا محتمل وإن كنت لا ادري الحقيقه
-وهل تنوي ان تضعه تحت المراقبه ؟
فأجاب جيسوب :
-بل وضعته فعلا ، فقد دققت الجرس السري مرتين بمجرد خروحه من مكتبي ..
فضحك هوارتون قائلا :
-يالها من رموز سريه تفيد في حالات الاستعجال .
وعاد هوارتون يتساءل :
-وإلى أية جهة تنوي بيترتون أن تسافر ؟ إلى سويسرا؟
-بل إلى مراكش او اسبانيا
وقلب جيسوب بطرف اصبعه التقارير المكدسة امامه وقال:
-هذان هما البلدان الوحيدان اللذان لم يرد إلينا منهما أي تقرير عن بيترتون.
وتراخى جيسوب في مقعده وأسند رأسه على ظهر المقعد وهو يقول:
-إنني لم اقم بعطلة منذ شهور ولعل مما يفيد صحتي ان أسافر إلى الخارج هذه الأيام ..
فضحك هوارتون وقال :
-طبعا إلى مراكش او اسبانيا، وفي اعقاب مسز بيترتون .
والتقت نظراتهما في تفهم كامل .