المغامرة 2 : خطوات تائهة في البيت المتحوّل (الفصل الأوّل) .. 1.1 .
.
وفي صباح اليوم التالي حينما أشرقت الشمس وامتدّ نورها في الأرجاء, صرخت أمل بغضب: كان عليك أن تظلّ مستيقظاً أيها الأنانيّ الكسول
قفز أيهم ليصبح وجهه أمامها وهو ينظر لعينيها قائلاً بغضب: أخبرتكِ أنني لم أنم ولو أنّ أحداً قد أتى لشعرتُ به
أمل بغضب: هذا مستحيل! لقد كنتَ تغط في نومٍ عميق وكأننا لم نضع ثقتنا بك لحراستنا في نهاية الليل
أيهم بغضب: أنتِ أيضاً قد غششتِ, لقد أيقظتني في وقتٍ مبكّر وأصبح عليّ أن أحرس الفترة الأطول
أمل بغضب: نحن نحاول قدر الإمكان أن ننصف الوقت بيننا بالتساوي للحراسة, أنت تعلم باننا لانملك ساعة حتى لنضبط الوقت يا أيهم
أيهم بغضب: نعم, ولذلك أنا قد حرستُ نصف الليل
أمل بغضب: غير صحيح ولكنك كسول, ولسوف تنام حتى لو حرستَ أقل فترة بيننا
حاول سامي أن يهدئهما وهو يقترب منهما قائلاً بشيء من القلق: حسناً توقفا, لم يحدث شيء سيء لنا نحن جميعاً بخير
أدارت أمل برأسها نحو سامي وقالت بغضب وهي تشير نحوه: انظر إليه! إنه لايُعتمد عليه!
أيهم بغضب: اصمتي! أنتِ حتى لم تجربي كيفَ تكون الفترة الأخيرة
أمل بغضب: سأستلمها الليلة ولن أغط في النوم مثلك
تابعا أمل وأيهم الشجار, في حين راقبهما سامي وأشواق بصمت, تثاءب سامي فقالت أشواق له بنبرة اعتذاريّة: آسفة, يبدو أنني أنا أيضاً ايقظتك في وقتٍ مبكر, لقد خشيتُ أن أغط في النوم فجأة
ابتسم سامي وهو يجيب بلطف: لابأس, لقد كان دوري على كل حال, بما أنّ الساعة لاتعمل فعلى أحدنا أن يوقظ من ينوب عنه حينما يشعر بالنعاس حتى لايسرقه النوم
أشواق بشفقة: ولذلك أصبح على أيهم أن يحرس في النهاية لأن أمل كانت تعتقد بأنه لن يبق مستيقظاً لوقتٍ طويل حتى يشعر بالنعاس مجدداً
سامي بمرح مقطباً حاجبيه: وهذا ماحدث فعلاً, ولو أنني لن ألومه فنحن بالكاد نجد الوقت للنوم
فكّر سامي محدّثاً نفسه: أنا نفسي بقيتُ مستيقظاً حتى أيقظتُ أمل من بعدي, كيف لنا أن ننام جيّداً وسط الغابة على كل حال؟
هزّ الكيس القطنيّ الصغير محاولاَ إخراج شيئاً ما حيث لاشيء, صبّت دموعه شلالاً وهو يفكّر بيأس: ولانملك شيئاً يؤكل
تذكرت أشواق أمراً فارتسمت إبتسامة على وجهها الطفوليّ وأصفقت يديها ببعضهما وهي تقول بحماس: صحيح! لمَ لانذهب إلى المنزل الذي دلّني ذلك الفتى عليه؟ لقد قال أيضاً بأننا سنجد طعاماً فيه
توقفا أمل وأيهم عن الشجار حيث جذب كلامها اهتمامهما, فقال سامي بحيرة: صحيح, ربما من الأفضل أن نذهب إليه
أيهم بحيرة: هيه أنتِ! هل تعرفين مكانه؟
أشواق بهدوء وهو تشير نحو اتجاه ما: لقد قال بأننا إن سرنا بهذا الاتجاه فسنجده
قطّبت حاجبيها مسترسلة: ولكنني لستُ متأكدة إن كان الاتجاه صحيحاً
أمل بحزم: مالذي تقولينه يا أشواق؟ ألم نتفق بأن نجد ذلك الذي يدعى لهب لنقضِ عليه ونعود لعالمنا؟
أشواق بابتسامة لطيفة: لابأس, نحن قد نقضي فيه يوماً واحداً حتى نستردّ قوتنا, فلم ننم جيّداً بالأمس
أيهم بحماس وسعادة: أنتِ محقة, فلنبق فيه ولنجمع الطعام حتى نأكل جيّداً اليوم
سامي بابتسامة سعيدة: فلنبق فيه بضعة أيّام أيضاً
صرخت أمل معترضة: ماذا؟ بهذهِ الطريقة نحن سنتأخر بالعودة لعالمنا, يوماً واحداً قد يشكّل فرقاً, فكّروا بسرعة معرفة تلك الوحوش بقدومنا حتى قبل أن نكمِل الساعة
قال أيهم بحماسة متجاهلاً إيّاها: فلنرَ تصويت المجموعة, من يؤيّد أن نذهب إلى المنزل فليرفع يده
رفع أيهم يده بحماس قبل أن ينهي جملته, ففعل سامي بسعادة, ورفعت أشواق يدها قليلاً بحذر وهي تنظر نحو أمل التي كانت تنظر نحوهم وهي ترفع حاجباً وجفنيها إلى النصف وهي تقف بطريقة مرعبة, فقال أيهم بحماس وسعادة: ماذا؟ ثلاثة من أصل أربعة! إذاً فقد قُضي الأمر فلنذهب إلى المنزل
انهى جملته وهو يمد ذراعه نحو الاتجاه الذي أشارت إليه أشواق سابقاً بطريقة مسرحيّة مضحكة, وأضاف سامي وهو يرفع قبضة يده بحماس: نعم فلنذهب!
أمل بغضب: أنتم! لاتقرروا بهذهِ السرعة!
رمقها أيهم بإشمئزاز وهو يقول: أنتِ من قال بأن القرار سيكون حسب التصويت
أمل بحزم: أنتم لم تفكّروا بالأمر حتى! ماذا لو أنّ ذلك الفتى كان يحاول استدراج أشواق لفخّ ما أو أن يبعدنا عن مهمّتنا؟
قال سامي بهدوء وهو يبعد قطعة القطن عن جبينه: أنتِ حتى لاتعرفين أين تقع تلك القلعة الخاصة بلهب, لذلك نحن لانملك خياراً آخر بدل البقاء والتخبط في الغابة
فكّرت أمل لوهلة وبلحظة أصبحت تمسك قميص سامي من الأعلى وتهزّه جيئة وذهاباً حيث استسلم لها وهي تصرخ بغضب: لاتتحدث وكأنّك الشخص المهم هنا
أشواق بهدوء: ولكن يا أمل.. لقد أنقذني ذلك الفتى من الموت مراراً, لا أعتقد أنه كان ينوي إيذائي بطريقة ما
تركت أمل سامي الذي بدا أنه يشعر بالدوار, وقالت بغيظ: أنا لا أشعر بأنّه علينا الثقة به
أيهم بابتسامة واثقة: أنتِ لاتشعرين! هذا غير مهم, نحن سنذهب وسنتأكد من ذلك بأنفسنا
اقترب من أمل بطريقة مزعجة وقالت ساخراً: أم أنّكِ تخافين من ذلك
أمل بانفعال: من يخاف من ماذا؟
أيهم بحماس وهو يشير نحو الاتجاه: إذاً فلننطلق! ~||+ ================================================ +||~
سار الرفاق نحو الاتجاه الذي أشارت إليه أشواق بأنه المأوى الذي وصفه ذلك الفتى الغامض, حتى بدأت الأشجار تتفرّق ولمحوا من بينها ذلك البناء الضخم على يسارهم يتراءى, انعطفا أمل وأيهم مهرولان ثم تبعهما أشواق وسامي حيث كان الأخير يحمل حقيبة بين يديه, ولم يتوقفوا حتى أصبح واضحاً أمامهم, كان منزلاً فخماً أشبه بالقصر العظيم ذو ثلاثة طوابق ولكنه بدا قديماً, ذو سياج حديديّ حوله وحديقة خارجيّة ذابلة ميتة, قد قضى عليها الزمن لتجفّ أوراقها وحشائش صفراء باهتة كمثل هذا البناء الذي لاينم على الحياة داخله, أيهم بحماس: واو, كان عليه أن يقول قصراً بدلاً من مجرد مأوى
اهتزت أطراف سامي فسامي بقلق: إنه يبدو مرعباً, فلنبحث عن مكان آخر نأوي إليه
أمسكت أمل بالسياج بكلتي يديها وهي تقرّب وجهها وتصغّر عينيها متفقدة إياه, حيث لاحظت بقايا المياه على الأرض, تفقّدت المكان حولها فإذا بشيء من الطين عند أرجلهم, فقالت بحيرة: يبدو وكأنّها أمطرت هنا
تفقّدوا المكان عند أرجلهم, فرفع سامي إحدى قدميه وهو يقول بهدوء: فعلاً, على الرغم من أنها لم تمطر فوق روؤسنا
تنبّه أيهم لآثار حذاء أحدهم على الأرض حيث كوّنها الطين فأشار إليه وقال بدهشة: هيه! انظروا! يبدو أنّ هناك من سبقنا إلى هذا المكان
لاحظ الجميع آثار الأقدام التي تنطلق نحو البوابة الخارجية ومن ثم إلى الداخل, لقد كان الأثار أشبه بنصف قدم وخلفها دائرة, بل إنّ بعضها كان ممسوحاً, فقال سامي بقلق: يبدو شكلها غريباً
فقالت أمل بحماس: هاه! قد نجد ذلك الفتى في الداخل! فهوَ من دلّ أشواق على هذا المكان
أشواق بحيرة وهي ترفع عينيها إلى الأعلى: أنا فعلاً لستُ متأكدة من هذا الاتجاه
أيهم بحماس: إنني أشعر بالجوع منذ الآن, يا إلهي! أكاد أشتمّ رائحة الطعام من هنا
هرول أيهم ومن خلفه سامي الذي كان يناديه أن يتمهّل, وحينما دخل الأخير إلى سور القصر تمهّل وهو يحدّق بالقصر, إنه ضخماً فعلاً مترامي الأطراف ويبدو مرعباً مرعباً, إنه مظلماً كما بدا من نوافذه المغلقة, ومن جهة أخرى راقبتهما أمل وقد هبطا جفنيها إلى النصف وقالت باشمئزاز وهي تنظر إليهما بعد أن وضعت أحد يديها على خصرها: كسول شره أحمق
سارت أمل بهدوء تتبعهما, ثم تنبّهت لأشواق التي ظلّت واقفة مكانها, فقالت بحيرة: مالأمر أشواق؟
كانت ترتجف قليلاً فقالت بتردد وخجل: لا أشعر بأنني بخير, أنا قلقة.. إن انفصلنا مجدداً و..
قاطعتها أمل وهي تقول بجديّة بعد أن استدارت نحوها: لاتخافي يا أشواق طالما كنتُ بقربك, لن أدعكِ وحدك
أشواق بقلق: ولكن.. إنني حتى لا أملك أقراص الدواء, هل سأكون بخير من دونها؟ بهذا الوضع فإنني..
اقتربت منها أمل وقاطعتها وهي تضع يديها على كتفيها قائلة بابتسامة: لاتقلقي أشواق ستكونين بخير, لقد تجاوزتِ أصعب ليلة وحدك, أنتِ قوية ويمكنكِ حتى الصمود بدوني, لاتقلقي فحسب حتى لاتصبح الأمور أسوأ, حسناً!
احتدت ابتسامة أمل مما طمأن أشواق بعض الشيء فبادلتها الإبتسامة وهي تهزّ رأسها إيجاباً, فنادى أيهم من بعيد: هيه! هل تمشيان على قشر البيض الآن؟
صاحت أمل بغضب: أغلق فمك! سنأتِ حالاً, لا داعي للعجلة أيها الشره
صاح أيهم: ليسَ هناك داعي للسير كالسلحفاة أيضاً أيتها الغبية
برز عصب على جبين أمل وهو تهمس: من يدعوه بالسلحفاة هذا التافه؟
وهرولت نحوه بغضب وتبعتها أشواق وهي تسير بهدوء وقلق ثم هرولت خلف أمل مكونين مجموعة من الأثار حول السياج, بدا أن أحداً ما داخل المنزل, حيث نظر إليهم من إحدى نوافذ الطابق الثاني وهم يدخلون بعد أن سمع صوتيّ أيهم وأمل, ثم أغلق الستار بأصابع داكنة بدت وكأنّ صاحبها مرتدياً قفازاً أسود, كانا أيهم وسامي يقفان أمام الباب ذو الظرفتين, فقال سامي بقلق: هل سندخل هذا المكان أيهم؟ إنه لايبدو مطمئناً أبداً
أيهم بجدية: مالذي تقوله؟ على الأقل سنجد أحداً في الداخل
فطرق أيهم الباب بعنف بقبضة يده, فأقبلت أمل ومن خلفها أشواق وصعدا الأربع درجات والأخيرة تقول: مالذي تفعله أيها المتخلف؟ انظر إلى هذا!
أمسكت أمل بالعروة التي كانت بشكل الجمجمة متصلة بحلقة طرقت بها فكان صوت الطرق أقل انخفاضاً, فقال أيهم وهو يرفع حاجباً: كيف لهم أن يسمعوا طرق الباب بهذا الشكل ياغبية؟ انظري لكبر هذا القصر
أمل بغيظ: لو لم يكونوا ليسمعوا لما وضعوها أيها الأحمق
فكّر سامي بإحباط: أنا لا أعتقد أنّ هناك من سيفتح الباب على كل حال
ثم قال بابتسامة مصطنعة: أرأيتم! إنه مهجور, هيا فلنعد
فجأة فُتح الباب وسُمعَ صريره بشكل مزعج, حوّل الجميع بأعينهم نحوه, كان شديد العتمة حيث تسللت أشعة الشمس نحوه من خلال الباب, ظل الجميع يقف بصمت وسكون لوهلة, فالمنزل بدا خالياً ومرعباً حيث لاأحد وكّأن هناك شبح قام بفتح الباب, أدخل أيهم رأسه ونادى: مرحباً
مرحبـاً, مرحبـاً, مرحبـاً, مرحبـاً
تردد صوته داخل المنزل حيث لا أحد البتة, فقفز سامي إلى الخلف نازلاً الدرجات الأربع وهو يقول بهلع: شـ شبح! لابد أنّ هناك شبحاً في الداخل فتح لنا الباب, هيا هيا فلنعد بسرعة قبل أن يخرح إلينا!
هبطا جفنيّ أمل إلى النصف وقالت بتضجّر: أنت فعلاً لاتظن بأنّ هناك شبحاً في الداخل, أليس كذلك؟
سامي بخوف: ببـ بلى! لقد ففـ تح الباب لنا, يمكننا حتى توقّع ماهو أكبر من ذلك في هذا العالم, أرجوكم فلنرحل من هنا قبل أن تصبح الأمور كارثيّة
رفعت أمل حاجباً وهي تقول: ماذا تقول أنت؟ كيف لشبحٍ أن يطبع أقدامه على الطين أيها المغفّل؟
تجاوزت أمل أيهم ودفعت بالباب قليلاً فدخلت وقالت بجديّة: هيه, نعلم أنّك بالداخل فقد رأينا آثار حذائك في الخارج, لا داعٍ للتظاهر بأنّك سترعبنا الآن
توقفت بداخل المدخل الواسع حيث تردد نهاية صوتها كصدى مزعج, لقد كانت هناك أرائك مهترئة على اليمين وعلى اليسار, وأمامها درج فخم يؤدي إلى الطابق الثاني وممرين بجانبيه, فظهر أيهم بجانبها وخطواته تطرق على الأرض وهو يجوّل ببصره حوله حتى توقّف نحو تلك الثريّة الفخمة المعلّقة فوقهما فقال بذهول: واو, إنه فعلاً منزل فخم لولا اهترائه وانقطاع الكهرباء عنه
لمعت عيناه سعادة وهو يقول بحماس: قد يقدّمون لنا طعاماً شهيّاً أيضاً
أمل بإشمئزاز: قد نجد أحداً هنا ولكن بالكاد قد نجد طعام ووضع المنزل بهذا الشكل
قالت أشواق عند الباب دون أن تدخل بنبرة قلقة: ولكن.. لايجب أن ندخل حتى يؤذن لنا وإلاّ فقد تحدث لنا مشاكل معهم
أدارت أمل برأسها نحو أشواق قائلة بنبرة واثقة: ولكن تم الإذن بدخولنا منذ أن فُتحَ الباب
فكّرت أشواق لوهلة وهي تقول: اممم صحيح
طرقت أشواق حذائها عند الباب ليخرج الطين منه ثم دخلت بحذر وهي تضم أحد يديها إلى صدرها, فقال سامي بتردد حيث لايزال في الخارج: إ إذاً.. أنتم تحرّوا الأمر, وأنا سأنتظركم في الخارج
وضعت أمل أحد يديها إلى خصرها وقالت بتضجّر: إنها فعلاً مزحة ثقيلة من أحدهم ولكنّ الأمر ليس مرعباً جداً
خرج أيهم إليه وقال بحماس: هيه! إنّ الأمر ليسَ بتلك الخطورة ياسامي
جرّه أيهم من يده فسايره سامي وهو يقول بقلق: مـ مهلاً أيهم .. .
.
|
التعديل الأخير تم بواسطة Mulo chan ; 01-29-2016 الساعة 12:14 AM |