المغامرة 2 : خطوات تائهة في البيت المتحوّل (الفصل الثاني) .. 2.3
.
.
كانت لاتزال تسير بالظلام وهي تضع يدها اليسرى على الحائط بينما كانت تمسك بسلاحها بيدها اليمنى احتراساً من أي ماقد يهاجمها فجأة, كانت تشعر ببعض القلق, إذ أنّ الخوف لم يغب عنها تماماً اللحظة وهي تفكّر: الأشباح ليست موجودة ولكن.. لابد أن هناك فعلاً شخص في هذا المنزل لايحتاج للأضواء, يجب أن أقضِ عليه قبل أن ينقضّ عليّ
توقّفت مكانها وهي تفكّر: أرجو أن يكونا أشواق وسامي قد خرجا من هذا المنزل المريب
فجأة سمعت صوت أحدهم ينادي باسمها, فاتسعت عينيها في دهشة وتلفتت حولها محاولة تمييز المصدر, نادى مجدداً فعرفت بأنه سامي الذي توقّد قلبه فرحاً وهو ينهض على قدميه منادياً, تتبعت أمل الصوت حتى وصلت إليه حيث كان صادراً من باب مغلق حاولت فتحه ولكن دونما فائدة, فنادته وهي تقول: سامي! هل أنتَ بالداخل؟
اقترب سامي من الباب وهو يقول بنبرة مرتجفة: نعم, هذا الباب مغلق ولا أعلم كيف افتحه, ولكن.. هناك باب آخر أغلقته من الداخل في الجهة الأخرى
أمل بحزم: هل أنتما بخير؟ هل أشواق معك؟
سامي بقلق: كلا! لقد اختفت فجأة أيضاً
عضت أمل على شفتيها: تباًّ!
أردف سامي بقلق: لا أعرف مالذي يحدث يا أمل, يبدو أن هذا المنزل.. فعلاً تسكنه الأشباح أمل بجدية: ماهذا الهراء الذي تتحدث عنه؟ حسناً أنتَ ابق مكانك وسأتي لإخراجك الآن
سامي بقلق: حـ حسناً
انطلقت أمل وهي تفكّر: يقول بأنّ الباب في الجهة الأخرى, إذاً عليّ أن انعطف من هنا
انعطفت أمل مبتعدة فيما بقي سامي وحده في الحجرة, استدار وهو لايزال يرتجف خوفاً وابتلع ريقه محدّثاً نفسه بقلق: يجب أن تسرعي, قبل أن تأتي الأشباح
أثناء ذلك كان هناك من يراه في الظلام برؤية ليليّة في نفس الحجرة بحيث لم يره سامي, أما أمل فقد انعطفت يساراً وسارت مطوّلاً حتى وجدت باباً إلى اليسار حيث كانت تسير ويدها على الحائط يسارها, فكّرت بحيرة: لقد قال سامي بأنّ الباب يقع في الجانب المقابل ولكن يبدو أنه مخطئ
فتحت الباب ونادت باسم سامي ولكنه لم يجب, فكّرت بحيرة: مستحيل! لابد أن تكون هذهِ هي الحجرة التي فيها سامي, أو مهلاً.. لربّما هناك ممر آخر من الجهة الأخرى والذي سيوصلني إليه رفعت حاجباً وهي تفكّر: هذا المنزل معقّد التصميم فعلاً
خرجت من الحجرة بعد أن بحثت عن باب آخر ولكنها لم تجد وأكملت طريقها حتى فاجأها ذلك الصوت القبيح وقد اتسعت عينيها متوقفة مكانها, صوت فحيح مزعج تسلل إلى أذنيها, ففكّرت أمل: ماهذا الصوت؟
رافق هذا الصوت شيء ما يُجرّ على الأرض, فحددت أمل مصدره وأشهرت بسلاحها آملة أن تلمح شيئاً وسط هذا الظلام, ازداد النحيب شدة ورعباً حينما سقطت قطرة عرق من جبينها وهو تشهر السلاح, ضوء خافت قادم من هناك وأمل تقف بترقّب لما قد يظهر, فكّرت بأنه قد يكون الشخص المسئول عن هذهِ الفوضى, ازداد الصوت ارتفاعاً وقرباً واحتدت نظرة أمل وهي تفكّر: حسناً, سأقضِ عليه الآن
أحدهم يقترب من خلفها يسير بصمت حيث لاأثر صوتيّ لخطواته, اقترب منها أكثر وأمل لاتزال تنتظر من سيظهر من خلف المنعطف حيث الإضاءة الخافتة, لقد كان صوته يزداد رعباً ولكن أمل لم تجد خياراً آخر ولم ترغب بالهروب, رأت ظله وسيخرج الآن, لكن مجيء أحدهم من خلفها فاجأها واتسعت عينيها حيث لم تُسمع شهقتها فقد وضع يده على فمها وأنفها بسرعة وهو يمسك بجسدها بذراعه الأخرى ويجرّها نحو زواية ما, قاومت أمل ولكنه همس في أذنها بصوتٍ ذكوريّ وبنبرة جافة: شششه! إن قاومتي سيلتهمك!
اتسعت عينيها لأقصاها وهي تتوقف عن المقاومة, فاقترب الصوت الآخر وخرج ذلك الشيء من خلف المنعطف, لم تره أمل اللحظة فقد وجدت نفسها مختبئة خلف إحدى التماثيل الضخمة التي رُصّت في الرواق يمنة ويسرة, وهذا الشخص يمنعها من الحركة, ازداد صوت الفحيح وهو يقترب وتلك الإضاءة الخافتة تزداد وضوحاً, هذا الوحش بالتأكيد يمرّ من هذا الرواق, هكذا استنتجت أمل حيث تتابعت أفكارها: مالذي يريده هذا الشخص؟ ولماذا لايزال يمسك بي بهذا الشكل؟
مع اقتراب الإضاءة لاحظت قفازه الجلديّ على فمها وهي بالكاد تتنفّس من خلاله, بدت قبضته قويّة وهو يمسك بجسدها, أثارها الفضول لرؤية هذا الشخص أكثر من رؤية هذا الشيء الذي يتمشّى ببطء في الرواق, حوّلت بعينيها لترَ وجهه وهي ترفع برأسها قليلاً, ملامحه جافة وعيناه حادتان حيث حدقة عيناه البنفسجيّة تلمع إثر هذهِ الإضاءة وهو ينظر نحو ذلك القادم من خلف التمثال بشكل حذر, فاتسعت عينيها وهي تفكّر: هذا الشخص, أيمكن أن يكون.. الشخص الذي قابلته أشواق؟
ازداد الصوت فحيحاً واقترب منهما, حوّلت بعينيها نحو هذا الشيء الذي يتجوّل وهو يجرّ شيئاً معه, لقد بدأت ترى ظلّه, وماهي إلاّ لحظات حتى رأت شكله واتسعت عينيها, ذلك الجسد الذي تقشّر جلده وهو يزحف على الأرض فقوائمه الأربعة تبدو ثقيلة ومنتفخة, بدا شكله مرعباً كتنين عجوز مشوّه بتلك الجثّة التي بالكاد مرّت دون أن تصطدم بالتماثيل الموضوعة بمحاذاة الجدران, بل إنه قد لامسها وذيله المسنن يتبعه, ومصدر ضوء معلّق على شيء أشبه بصنارة محفورة في رأسه الأقرع, وعيناه تكادان تقفزان من وجهه مصدراً فحيحاً كصوت اللأفعى, إنه يتنفّس بصوتٍ مزعج, مرّ أمامهما وهما يراقبان بصمت وسكون, لقد بدا شكله مرعباً في عينيّ أمل وهي تراقب مهتزّة العينين, لقد كتمت أنفاسها آملة ألا يسمع صوت نفسها فمن الحظ أنه لم يرهما مختبئان بالقرب منه فهم أضخم منهما سويّاً بعشرات المرات, سار ببطء حتى ذهب بعيداً وانعطف مبتعداً, وبعد أن تأكد هذا الفتى بأنه قد ابتعد واختفى الضوء عنهما, لم يلبث أن يبعد ذراعيه عن أمل التي حرت نفسها منه بالقوة, وهمست بانفعال: من أنت؟ مالذي تحاول فعله الآن؟
ردّ ببرود: كوني ممتنة لأنني أنقذتُ حياتك
أمل بانفعال: لم أكن بحاجة لمساعدتك, لكنتُ متمكنة من القضاء عليه حتماً
لم يضف هذا الفتى كلمة, فقالت بحزم: وأنتَ مالذي تفعله هنا؟ أهذا المكان منزلك؟
فكّر الفتى في نفسه بتضجّر: يسألون نفس الأسئلة
فوجئت أمل حينما أضاء المكان بكشّاف صغير خافت الإضاءة ولكنه كافي لرؤيته يقف أمامها بثقة وبنظرة حادة وكافٍ أيضاً لتحديد المكان, فقال ببرود وهو يتفحّص المكان حوله: ليس عليكِ التجول هنا وهناك, هذهِ الوحوش تبتلع ضحاياها دفعة واحدة بعد أن تحاصرهم, يجب أن تخرجي من هذا المنزل
استقرّ الضوء على بقعة ما بعيدة في الجدار مع نهاية كلامه, فقالت أمل بانفعال: وأنت أيضاً قل هذا الكلام لنفسك, مالذي تفعله أنتَ أيضاً؟ أنا لستُ بحا...
قاطعها وهو يمسك بيدها ويجرّها في الرواق, ففوجئت بحركته وحاولت مقاومته وهي تقول: هيه! أنتَ! مالذي تفعله؟ دعني!
لم يردّ عليها بل واصل جرّها وهي تناديه بشكل فظ: هيه! اترك يدي.. دعني حالاً
توقّف أمام الحائط وهي لاتزال تقاومه, بدت قبضته أقوى من أن تستطيع أمل الإفلات منها بسهولة, وضع الكشّاف في فمه ثم وضع يده على الحائط فسمعت صوت احتكاك بالقرب منهما, فوجئت وهي ترى ذلك الحائط ينزاح من مكانه وكأنه باب خفيّ قد فُتح, فتوقّفت عن المقاومة وقالت بحيرة: ماهذا؟ مالذي تفعله؟
فبدأت تظهر حجرة أخرى أمامهما وأمل تنظر بذهول, ثانيتين حتى توقّفت حركة الباب وهدأ إزعاج الصوت, فمّرت تلك اللحظة الصامتة التي حرّكتها نبرته الحادة: اخرجوا من هنا
ثم دفع بها بقوة وسقطت على الأرض وهي تشهق متألمة, أدارت برأسها إلى الخلف نحوه بسرعة فإذا بالباب يُغلق مجدداً وهو يحتكّ بالأرض, وذلك الفتى يقف وهو ينظر نحوها وعينيه البنفسجيّتان تلمعان بحدّة ورعب بفعل الإضاءة التي معه وسط الظلام, فقالت بحزم: أنت! مالذي تفعله؟
نهضت مسرعة متجهة تحوه لكنها لم تتمكن من عبور الباب حيث توقّفت أمامه وأُغلق تماماً واختفت الإضاءة حيث الظلام الدامس, تفحّصت الباب بيديها باحثة عن مقبض له لكنها لم تجده فقط كان حائطاً فعلاً, استدارت وهي تفكّر: تباً! ذلك الفتى يريد أن يخرجني ولاعلم له بشأن البقيّة, مالذي يفعله هنا؟ على كل حال.. يجب أن أخرج سامي وأجد أشواق بسرعة قبل أن يؤذيهما ذلك الشيء
فتّشت أمل عن طريقة للعودة مجدداً وهي تحاول أن تتلمس شيء في الظلام لتتبعه.
~|| ==================| خطوات تائهة |================== ||~
ومن جهة أخرى كان سامي لايزال واقفاً أمام الباب ينتظر وصول أمل بعد أن فتح الأقفال التي وضعها مسبقاً على الباب, فكّر بقلق: هيا ياأمل, أين أنتِ؟
أحدهم موجوداً بنفس الحجرة بنظر إليه برؤية ليليّة, استدار سامي وهو يتنهد حيث اهتزّ زفيره مفكّراً: يُفترض بها أن تلتف من حول هذهِ الحجرة فحسب
اتسعت عينيه فجأة وهو يرمش بعينيه مرتين, لقد تمكّن من رؤية تلك العينين الحمراوين في الظلام, بالرغم من أنها بدت كنقطتين تطفو في الهواء ولكنه أدرك بأنها زوج من العيون, ظلّ مكانه لوهلة متجمّداً مكانه وقد انطبقت شفيه ببعضها, حتى لاحظه يقترب منه وصرت جرجرة على الأرض تنبيء بأنه يسير نحوه, فهمس له بخوف: لا! لاتقترب! ابتعد عني!
فتح فمه وزأر نحوه فصرخ سامي بصوتٍ مدوٍ جعل كلا من أيهم وأشواق أن يسمعانه, حيث توقفا مكانيهما فجأة وقد شهقا بدهشة, فهمس أيهم: سامي!
حرّكت أشواق سلاحها المضيء يمنة ويسرة وهو تقول بقلق: من أين؟
كز أيهم بأسنانه وهو يقوّس حاجبيه وركض إلى الأمام ممسكاً بسلاحه بيده, فصاحت أشواق وهي تقول: مهلاً!
تبعته وهي تضيء المكان حولها, انعطفا يميناً حيث الاتجاه الوحيد ونادى أيهم وهو يركض: سامي! أين أنت؟
لم يجب سامي حيث كان قد وقع على الأرض ولم تحمله ساقاه وهو ينظر نحو تلك العينين الحمراوين, حيث قال صاحبها بصوتٍ خشن: لن يكون مؤلماً, سألتهمك دفعة واحدة
اهتزّت شفتا سامي وهو لايزال على الأرض مرتجفاً, توقّف أيهم وسط الرواق وكذلك أشواق التي كانت تركض خلفه, فإذا بحائط جداريّ يخرج من أحد الحيطان ويتحرّك ليسد الرواق وهو يحتّك على الأرض حيث وصل إلى النصف, فقالت أشواق بقلق بعد أن شهقت: حائط يتكوّن!
احتدت نظرة عينيه, وأمسك بيد أشواق التي شهقت وركض بها نحو الجهة المفتوحة من الرواق حيث أصبحت المساحة ضيّقة, وبسرعة قفز حيث جارته أشواق حتى عبرا بالكاد وتكوّن الحائط كاملاً حتى اصطكّ بالحائط المقابل, وازنا أيهم وأشواق نفسيهما دون أن يقعا على الأرض, ونادى أيهم بحزم: سامي! سامي أين أنت؟ ردّ علينا!
سمعه سامي الذي اتسعت عينه مفكّراً: أيهم!
تذكّر تلك الحادثة حينما كان صغيراً وأخرجه سامي من المستودع بعد أن تمّ حبسه, تذكّر شعوره بالأمان حينما مما أعطاه شيئاً منه الآن, نادى أيهم بحزم: اسمع ياهذا أيّا كنت!, إن آذيتَ شعرة واحدة منه فسأقضي عليكَ, أتفهم؟
نادت أشواق بقلق: سامي!
نادياه مجدداً لكنّ لسان سامي كان أثقل من أن يتمكّن من الإجابة, ولكنه أسرع بإخراج سلاحه وأشهره نحو ذلك الوحش وهو يقول بهلع: ابتعد! ابتعد!
اتسعت عينيّ هذا الوحش حينما رآه يشهر سلاحه, أطلق سامي سلاحه ولكنّ هذا الوحش أسرع بالابتعاد بسرعة هارباً حتى قبل أن يعود المسنن إليه, وخرج من فتحة صغيرة أسفل إحدى الحيطان كان قد دخل منها مسبقاً كما بدا من جرجرته التي اختفت شيئاً فشيئاً, عاد المسنن لحامله بعد أن طار في أرجاء الحجرة, لكن سامي ظلّ يشهر سلاحه في الظلام بين هنا وهناك وصوت أنفاسه تهتزّ رجفة, لقد كانت يداه أيضاً تهتزّان خوفاً, حتى سمع صوت أيهم ينادي بالقرب: سامي! أين أنت؟
ونادت أشواق بقلق: أرجوكَ ردّ علينا
أدار سامي برأسه نحو الباب وقال مجيباً: أنا هنا .
.
|
التعديل الأخير تم بواسطة Mulo chan ; 02-04-2016 الساعة 04:12 PM |