المغامرة 2 : خطوات تائهة في البيت المتحوّل (الفصل الثالث) .. 3.3
.
.
في تلك الأثناء قال أيهم بحزم وهو يدير برأسه نحو أمل: نحن لانعرف عددهم, إن كان واحداً او اثنين نقضي عليهم, وإن كانوا أكثر فلنأخذ بعض الطعام ونهرب فحسب
قالها وهو يقف أمام الباب وهو يضع يده على المزلاج, في حين كان يمسك بالشعلة التي تنير المكان بيده الأخرى, فقالت أمل بإشمئزاز: ماذا؟ أخائف أنت وتريد الهرب؟
أيهم بحزم: كلا, لكنّ أولويتنا الآن هي إنقاذ أشواق من دون علمهم
زفرت أمل وقالت بهدوء: للتصحيح, أولويتنا هي الحصول على الطعام سواء بعلمهم أو من دون علمهم
أيهم بإشمئزاز: أنتِ لاتحدثي الفوضى فحسب
أطفأ أيهم الشعلة, فردّت أمل بحزم: أنت لاتلتهي بالطعام إذاً
برز عصب على جبينه وقال بحزم: أنا لستُ جائعاً ياغبية
رمقته أمل بإحباط ففتح الباب بهدوء ولم يُحدث صريراً, لقد كان هناك حوار يدور في الداخل, والإضاءة خافتة جداً التي صدرت من الأسفل, ومن الواضح أنّ هناك سلالم أمامهم في هذا الظلام, كان أيهم في المقدمة وهو يهمس: احذري هناك سلالم
همست أمل بحزم: أعلم ذلك
تلمّس أيهم ما أمامه بقدمه حتى خطى خطوته الأولى إلى الأسفل, وكذلك فعلت أمل, سارا ببطء وحذر خطوة تلو خطوة محاولين ألاّ تُسمع خطواتهما, فمن الواضح بأنّ هناك مجموعة من الأشخاص يتحدّثون فيما بينهم في نهاية السلالم خلف المنعطف, قال أحدهم بصوتٍ مبحوح: لا وقت أكثر نضيّعه الآن, يجب أن نلتهمهم قبل أن يجدوا وسيلة للخروج
ضحك آخر بصوتٍ انثويّ ذو نبرة عالية مزعجة ثم قالت: إنهم محاصرون, قل إنّك لم تعد تحتمل وليمة كهذهِ
قال آخر بقلق بصوتٍ خشن: ولكنني فعلاً رأيت أحدهم يملك سلاحاً أسطوريّ, ولولا أنني هربت لما تمكّنتُ من النجاة
وصلا أيهم وأمل إلى نهاية السلالم, وأطلاّ من خلف الحائط نحو تلك الحجرة بعد أن أخذا لمحة نحو ذلك التمثال الموضوع بجانبهما, لقد كانت الحجرة واسعة ذات شاشة معلّقة على الحائط إلى اليمين ومائدة كبيرة في المنتصف تضم مقدار ستة كراسي حولها, بل من الواضح أنها أكبر من ذلك وقد كانت كؤوس الخمر عليها و بعض البيسكويت والتسالي المشكلة وطبق كبير في المنتصف وكأنها حشرات مقرمشة كانت رائحة شيّها مثيرة للغثيان, وثلاثة من الوحوش تجلس على الكراسي وأعينهم تلمع في الظلام, فعلى رأس الطاولة في اليسار كانت الدرع الحديدية التي لفتت انتباههم وقال بصوتٍ بارد هادئ: إذاً لعلّك ستتخلى يامطمور بضحيّتك لـ جمجوم طالما أنّك خائف
قال ذو الصوتِ الخشن بعصبيّة الذي كان يجلس جواره: كلا! انظر إليّ جيّداً يامدرّع! فأنا بالكاد لايمكنني الصمود حتى قدوم الضحايا الجدد الذين لانعلم متى سيأتون
كان يملك جسداً طينيّاً يتساقط الطين منه إلى الأرض ثم يعود مجدداً إلى جسده وعيناه غائرتان في وجهه, فقال أحدهم ذو صوت مبحوح: إذا كان لابد لأحدنا أن يتخلى عن ضحيته فلتكن كشّة فهي سمحت لضحيتنا الأخيرة بالهروب الليلة الماضية
هذا الصوت المبحوح القادم من الجسد الضخم كان متكئاً على الأريكة الخلفيّة, لابد أنه يقصد ذلك الجسد الضئيل أمامه يجلس على كرسيّ بجانب الوحش الطينيّ, ذو الوجه الكرويّ المغطّى بالشعر الشائك المنتفش قبيح الوجه, فقالت بنبرة عالية مزعجة بانفعال: لقد كانت تملك سلاح أسطوريّ كذلك, ولذلك لم أستطع مهاجمتها
أدارت برأسها نحوه مسترسلة: أنتَ أيضاً قابلت ذلك الفتى ولم تلتهمه يامسدوح!
ردّ بتوتّر وارتباك: ذلك الفتى! إنه ليس مجرد أنه يملك سلاح أسطوريّ فحسب, جميعكم تعلمون من يكون, لذلك كان من المستحيل بالنسبة لي مهاجمته كأي واحد منكم إن كان في مثل موقفي, كشّة أيضاً كادت أن تنقضّ على الفتاة التي معهم لولا أن كان ذلك الفتى قريباً
ظلّت كشّة صامتة, وكذلك فقد امتثلت الجميع للصمت لوهلة حيث طالت اللحظة, ثم قال مدرّع بصوته الهادئ البارد: يال حظّنا الشقي, مجموعة من الضحايا يأتون بعد فترة طويلة وكلّهم يملكون أسلحة أسطوريّة, يجب أن نضع خطة جيّدة هذهِ المرة
فكّر أيهم وهو يقوّس حاجبيه: أسلحة أسطوريّة وضحايا! هل يقصدوننا نحن؟
بدت على أمل سمات الحيرة وهي تفكّر: ذلك الفتى! أيقصدون ذلك الفتى الغامض؟
لمحت من ذاكرتها صورة ذلك الفتى ذو العينين الحادة والنبرة الجافة الذي قابلوه صدفة في هذا المنزل, فجأة بدأ الضباب يتكوّن, شعرا أيهم وأمل بالغرابة حيث امتدّ حتى قدميهما, فقال مدرّع: لقد أتى جمجوم أخيراً!
أدارا أيهم وأمل برأسيهما إلى الخلف بسرعة حيث الباب, ففُتح الباب ببطء حيث بالكاد رأوه بسبب الظلام فهو لايملك إضاءة, شعر الاثنان بالتوتر والارتباك فتلك الوحوش أمامهم وهذا القادم من خلفهم ولامفرّ آخر, أخرجت أمل سلاحها من جيبها وأشهرته أمام الباب وهي تقوّس حاجبيها حيث أصبحت مستعدة للهجوم, وبينما كان الباب لايزال يفتح ببطء, فكّرت أمل وحدقتا عينيها تهتزّان قلقاً: يجب أن أهاجمه قبل أن يهاجمنا, لاخيار آخر
شعرت بمن يجرّها من ذراعها, فاتسعت عينيها, ولم تكن سوى خطوتين حتى وجدت نفسها خلف التمثال بجوار أيهم الذي جرّها, فهمست: مالذي تفعله؟
همس بحزم: ششش! لن يرانا أحد هنا
اختبآ خلف تلك المساحة الضيقة التي بالكاد اتسعت لهما والتي بدت نقطة عمياء لمن خلف المنعطف ولذلك القادم من أعلى السلالم, الذي نزل عبر السلالم بطريقة سحرية فلم يكن يملك ساقين سوى الهواء الذي يحرّكه, كانا أيهم وأمل بالكاد محشوران في تلك المساحة متخذين وضعيات مضحكة حيث رفع أيهم يديه بحيث تكون خلف التمثال ورأس أمل كذلك, وكما اقترب كلما حاولا الانحشار أكثر حيث أنّ أمل كان جزء منها خارجاً.
اقترب هذا الوحش الضبابي منهما ووضحت الجمجمة التي وضعها مكان رأسه مع إضاءة حجرة المائدة, حتى توقف أمام التمثال وظهر أمام بقيّة الوحوش,أدخلت أمل ساقها بالكاد وقد ضغطت ركبتها معدة أيهم الذي شعر بالألم لكنه حاول تجاهل هذهِ الوضعيّة المحرجة حتى أصبح كتفها على وجه أيهم, الذي فكّر: هذهِ الغبية تنسى أنها فتاة!
ظلّ ذلك الضبابي واقفاً أمامهم لوهلة وقد قال بصوتٍ عميق وبالكاد يتكلّم: أربعة! إنهم أربعة ضحايا, كيف سنقوم بتوزيعهم بيننا ونحن خمسة؟
قال مدرّع: كالعادة ياجمجموم, طالما أنه ليس هناك من يريد أن يتخلى عن ضحيّته فيجب علينا أن نقترع فيما بيننا وعلى الخاسر ألاّ ينبس ببنت شفة
همهم الضبابيّ ثم سار متقدّماً نحو المائدة فابتعدا الاثنان عن بعضيهما وخرجت أمل أولاً من خلف التمثال وهي تعود إلى مكانها السابق خلف الحائط ثم تبعها أيهم وهو يفكّر: بالكاد نجونا!
جلس جمجوم على أحد الكراسي بحيث يكون الوحيد الذي خلفه مواجه للباب وأخذ الوحوش تتحاور فيما بينها, ففكّرت أمل: يجب أن أجد وسيلة ما لأحصل على بعض البسكويت من على المائدة, ولكن كيف؟
لاحظت تلك الزاوية الشبه عمياء حيث كان البيسكويت على حافة المائدة, فبما أنّ مدرّع يجلس على رأس المائدة في اليسار وعلى يساره مطمور ثم كشة وخلفهما مسدوح, وأمامهما جمجوم فقط فقد فكّرت بأنّ بإمكانها التسلل نحو تلك الجهة إلى اليمين, أيهم أيضاً لاحظ ذلك وفكّر بشيء من القلق: إنهم خمسة ونحن اثنان كما أننا لانعرف قوتهم, سيكون من الخطر مهاجمتهم.. هاه!
اتسعت عينيه فجأة حينما لاحظ أمل تدخل الحجرة بهدوء وصمت وهي تحبو, مفكراً: ماذا تفعل هذهِ المجنونة؟
ولم تمض ثانية حتى وجد أنها فكرة جيّدة إذا أنّ الضباب الذي يغطّي الأرضية يسمح لأمل بالاختباء وهو تحبو خصوصاً مع الإضاءة الخافتة, ففكّر بقلق: قد تكون فكرة جيّدة ولكنها خطرة
راقبها وهي تحبو بحذر, فأخرج مسدسه وأمسكه بكلتيّ يديه مستعداً للهجوم وهو يفكّر: لاعليكِ أمل, سأعمل على تغطيتك, سأحميكِ إن شعرت بوجود خطر
فكّرت أمل وهي تحبو: بهدوء, بهدوء فحسب, يمكنني فعل ذلك
حبت ببطء وهدوء باتجاه المائدة خلف كرسيّ جمجوم, الذي قال بصوته الغليظ: إن لم أخرج من هذهِ المنافسة فأنا أريدُ الفتاة
ألقى بالنرد على الطاولة, و اقتربت أمل أكثر حيث أصبحت بجواره, أطلّت من الطرف الأيمن للطاولة فإذا برأس ذلك المستلقي نحوها حيث من الصعب التقدّم لهناك بدون أن يلاحظها, رفعت برأسها لتنظر نحو جمجوم الذي كان قريباً جداً وهو يجلس على الكرسي بجانبها, لم يرها فهو مركز الآن على رؤية نتيجة النرد, أشار الأول إلى أربعة والثاني إلى ثلاثة, فقال مدرّع ساخراً: أنتَ تبحث دائماً عن الضحايا الضعيفة
ردّ جمجوم: أحب أن تكون ضحيّتي مؤكدة, وأن أحصل عليها بكل بساطة
احتدّ تقويس أمل لحاجبيها وهي تنظر نحو جمجوم مفكرة: إنه لن ينتبه إليّ, يجب أن أتناول قليلاً من البيسكويت فحسب
رفعت بيدها ببطء وحذر نحو الطاولة, وأيهم من الخلف الحائط يراقبها بقلق مفكرة: إنها قريبة جداً, أخشى لو يلاحظون يدها على المائدة, يجب أن ألفت انتباههم لشيء آخر بسرعة
كشة بثقة: لايهمني أي واحد منهم طالما بأنني سأحصل على ضحيّة
مطمور بهدوء: أما أنا فأريدُ ذلك الصبيّ الذي أشهر سلاحه في وجهي, لن أقبل بالإهانة لأنني هربتُ مسبقاً
كان يقصد سامي حيث كان هوَ من واجهه سابقاً في تلك الحجرة, تناول مدرّع النرد وقال بهدوء: بالنسبة إليّ فأنا أفضلّ الضحايا الشجاعة التي تقاوم لآخر رمق, أحب رؤيتهم يحاولون الهرب ويقاتلون دونما فائدة
رفعت أمل يدها ووصلت أطراف أصابعها على المائدة, ومدرّع يسترسل: أحب أن أشتّم رائحة الخوف بين أضلعهم وهم يقاتلون
حرّكت أمل أطراف أصابعها على المائدة وقطرة عرق تسيل على جبينها مفكرة: يجب أن أحصل عليها بسرعة, من أجل أشواق.. يجب أن أسرع!
فكّر أيهم بقلق: اللعنة! إن القى بالنرد الآن فسيتابعون حركته ويلاحظون يدها
حرّكت أمل أطراف أصابعها محاولة الوصول لطبق البسكويت القريب, فقال مدرّع: أريد أحد الصبيين الشجاعين فكلاهما سيقاتل, وسيغامر من أجل حياته!
ألقى بالنرد على الطاولة, فسقطت مزهرية فارغة على الأرض منكسرة, أدارت الوحوش جميعها برؤوسهم نحوها التي كانت خلف مدرّع, فقالت كشة بصوتها المزعج بنبرة هادئة: مالذي يحدث؟
رفعت أمل برأسها نحو الطاولة بحذر فرأت رؤوسهم كلها تنظر نحو الاتجاه المخالف لها, فالتقطت بسرعة أربعة أو خمسة قطع من البسكويت من الطبق حيث أبقت ثلاثة آخرين ثم عادت إلى الأسفل بسرعة, فقال مطمور وهو يضحك: يبدو أنّ تلك المزهرية الفارغة التي كنتِ تضعين فيها زهورك قد انتحرت
فقالت كشة باستنكار: مالذي تقوله؟ كيف لها أن تسقط من تلقائها؟
أعاد مدرّع بنظره نحو النرد الذي توقّف مشيراً إلى مجموع التسعة, لكنّ باله كان مشغولاّ بتذكّر تلك الثواني حينما كان في الرواق وسمع صوت أحد خلفه لكنه لم يجد, فقال بهدوء: بالمناسبة ياجمجوم..
أدار جمجوم جمجمته نحو مدرّع الذي استرسل: بما أنه يمكنكَ الرؤية من خلال الجمجمة حينما تنقلها إلى اللوحات, ففي أيّ طابق كنتَ تحتفظ بالجمجمة حينما عرفت بأنهم أربعة؟
~|| ==================| خطوات تائهة |================== ||~ .
.
|
التعديل الأخير تم بواسطة Mulo chan ; 02-11-2016 الساعة 02:34 AM |